انتشار الإسلام في إيران هل دخل بالسيف أم عن طريق القلوب؟
|
ثقافة التقريب - العدد اول
محمّد علي آذرشب
1428
• انتشار الإسلام بالسيف يقوم على أساس روايات تعود إلى راو وضّاع هو سيف بن عمر • تذكر الوثائق أن الإيرانيين تعاونوا مع الفاتحين المسلمين في القضاء على النظام الكسروي • الإيرانيون بعد قرنين من الفتح استقلوا سياسياً عن مركز الخلافة ولكن ظلوا أوفياء للدائرة الحضارية الإسلامية • الديلم أسلمت على يد الحسن بن زيد بعد أن استعصت على الفاتحين . في تاريخ الطبري روايات عن مذابح في العقود الإسلامية الأولى بعضها يرتبط بحروب الردة وبعضها بالفتوح الإسلامية. ومن أخباره عن حروب الردة اجتماع قبائل ثعلبة بن سعد في "أبرق الربذة" وإعلانهم منع الزكاة، وقول الخليفة أبي بكر عنهم: "والله لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه"، وما تبع ذلك من سفك دماء غزيرة، ومنها رواياته عن ردّة طيّ، وعودتهم بعد ذلك إلى الإسلام بالتهديد والتخويف، وهكذا رواياته عن ردة أهل عمان ومهرة وقتل عشرة آلاف من المرتدين فيها، وهكذا حديثة عن ردّة اليمن الأولى والثانية وردّة الاخابث وفي جميعها ذكر لجموع غفيرة من القتلى والى عمليات إبادة للحرث والنسل!! وهذه الأخبار وإن كانت تثير شك الباحث الموضوعي بمجرد قراءتها لأنها تتعارض مع أخبار ترتبط بإقبال الجزيرة العربية على الإسلام طواعية، سوى فئة قليلة من طلقاء مكة، لكن الدقة في أسانيدها يكشف زيفها جميعاً لأنها ترتبط كما ثبت في التحقيق بمؤامرة كان على رأسها الروائي سيف بن عمر استهدفت مسخ حقائق التاريخ الإسلامي. وإذا كان سيف بن عمر قد وضع روايات دموية في أخبار الردّة، فقد وضع مثل هذه الروايات في الفتوح أيضاً، وخاصة فتح إيران. وهي أيضاً مليئة بسيول الدماء وصور البشاعة التي تقشعر منها الأبدان، وكلها مزيفة ولا أصل لها من الصحة. وما يرتبط بدمويات روايات سيف بن عمر في فتح إيران – إضافة إلى تعارضه مع طبيعة الدعوة الإسلامية، ومع وثائق تاريخية كثيرة جداً عن الموقف الإنساني تجاه أهالي البلدان المفتوحة في ظل الإسلام ـ فإنه مرفوض لما يلي: 1ـ إن الإيرانيين المتحررين من ربقة السيطرة الكسروية أسلموا قبل الفتح، من ذلك الإيرانيون في اليمن والإيرانيون في البحرين، ووجود سلمان الفارسي بين أبرز الصحابة له دلالته الواضحة. 2ـ تذكر الوثائق أن جماعات غفيرة من أصناف الإيرانيين تعاونوا مع الفاتحين المسلمين في القضاء على النظام الكسروي منهم القبائل المتنقلة وراء الكلأ (الزط)، ومنهم سكان السواحل (السيابجة)، بل منهم قواد جيش يزدجرد (الاساورة). 3- تخمينات الباحثين تذهب إلى أن عدد المقاتلين المسلمين في فتح إيران لم يتجاوز 60 ألفاً، وكانوا يفتقدون إلى ما كان عند الجيش الإيراني من عدّة وعتاد وآلة الحرب وفنون القتال، بينما كان سكان إيران آنئذ يبلغ 140 مليوناً منهم عدد لا يحصى من الجنود. حجم سكان إيران إذن كان كافياً لأن يضيع فيه المقاتلون المسلمون. ممّا يدل على أن الفتح كان وراءه الشعب الإيراني نفسه أيضاً. 4- التوغل الإسلامي السريع إلى أقاصي شرق إيران يدل على أن المقاومة الوحيدة التي واجهها الفتح الإسلامي إنما كانت من القوات التي بقيت موالية لخسرو برويز، وما إن اندحرت حتى توغل الفاتحون المسلمون في العقد الثاني الهجري إلى خراسان وما وراء النهر، فمن أسلم من أهل البلاد المفتوحة، أصبح له ما للفاتحين وعليه ما عليهم، ومن أبى الإسلام صالحه المسلمون على "تقوى الله ومناصحة المسلمين وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين". ومن الطريف في أمر الفتح الإسلامي أن المسلمين دخلوا غرب إيران ووصلوا قزوين غير أن منطقة شمال قزوين، الجبلية وهي منطقة سكان الديلم استعصت عليهم، ويبدو أن هؤلاء الديالمة قد تركت طبيعة الجبال الوعرة أثراً في طبيعة سلوكهم، فكانوا أشداء ذوي منعة وجلادة ومقاومة، فأبوا أن يسمحوا للفاتحين ـ كما أبوا أن يسمحوا من قبل للساسانيين ــ بالتوغل إلى منطقتهم، وأضحوا حتى منتصف القرن الثالث الهجري يسمّون كفار الديلم، ولكن هؤلاء أنفسهم احتضنوا الداعية العلوي الحسن بن زيد وولّوه عليهم وأصبحت المنطقة بعد حين مسلمة على مذهب أهل البيت. 5ـ إنّ الإيرانيين بعد قرنين من الفتح الإسلامي نالوا استقلالاً سياسياً عن مركز الخلافة ولكنهم ازدادوا التزاما بالإسلام وحركة في خدمته على جميع الأصعدة. كما أنهم منذ تشرّفهم بالإسلام انصهروا فيه وانهمكوا في فهم لغته وكتابه وتعاليمه، فكانت لهم المشاركة العظيمة ممّا يدلّ كل ذلك على أن دخولهم الإسلام لم يكن أبداً بحدّ السيف، ولم يكن أبداً عن رهبة بل عن رغبة عميقة.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|