العزّة وثقافة التقريب
|
ثقافة التقريب - العدد اول
محمّد علي آذرشب
1428
• حركة التاريخ تمرّ عبر محاولة الشعوب لصيانة عزّتها • واجهت الأمة بعد الغزو الاستعماري أفظع ألوان الإذلال • رغم كل ألوان البطش تحافظ الشعوب المسلمة على قدر من عزّتها تجعلها رقماً صعباً في المعادلات الدولية • أخطر ما يواجه عزّة المسلمين الاختلافات الداخلية بينهم. آخر نظريات علماء التاريخ والاجتماع تؤكد أن حركة التاريخ تمرّ عبر حركة الشعوب نحو اكتساب عزّتها وكرامتها وشخصيتها. والشعوب التي لا تتحرك على هذا الطريق ليس لها سهم في ساحة التاريخ. وهذا الرأي له من ماضي الشعوب وحاضرها مالا يُحصى من الشواهد. وهو يوضّح سبب تأكيد الإسلام على "كرامة" الإنسان، واهتمامه الشديد بعزّة المسلم منذ نشوء نطفته حتى بعد وفاته. من المحاور الهامّة في الخطاب الإلهي للإنسان توعية الموجود البشري على كرامته وعلى مكانته في الكون، ورسم طريق عزّته الحقيقية، وإبعاده عن كلّ عزّة سرابية أو عمّا يذلّه ويصادر شخصيته وريحه. وحين استشعرت الجماعة المسلمة الأولى عزّتها وكرامتها الحقيقيتين ارتفعت الى مستوى الدخول الى ساحة التاريخ، والسيطرة على حركته وتوجيهه الوجهة التي أرادتها رسالة الدين المبين. وبقيت تعاليم الإسلام تضخّ في جسد الأمة روح العزّة والكرامة، وبهذه التعاليم بقيت حيّة تمسك بزمام حركة التاريخ. لكنّها كانت في صراع أيضا مع العوامل والقوى الداخلية والخارجية التي حاولت إذلالها ومصادرة عزّتها وكرامتها. وكانت الأمة في كل مراحل التاريخ تمتلك من مقومات الحياة والحركة والحضور على ساحة التاريخ بقدر قدرتها على صدّ محاولات الإذلال والتركيع. في عصر الاستعمار واجهت الأمة ولا تزال تواجه أعقد عمليات الإذلال، بدأت بالسيطرة العسكرية وتواصلت عبر النهب الاقتصادي والغزو الثقافي والاحتلال الصهيوني وخلق روح الهزيمة النفسية لدى أبناء الأمة. والأمة الإسلامية مع كل هذه الخطط الرهيبة لم تفقد تماماً عزّتها، بل بدأت هذه العزّة الإسلامية بالظهور على شكل مقاومة وصحوة وثورة تظهر هنا وهناك في أرجاء العالم الإسلامي لتعبر عن إرادة هذه الأمة في العزّة والكرامة. ورغم أن فراعنة العالم يبطشون ويتآمرون ويرعدون ويزبدون ليقولوا للمسلمين أنهم فقدوا دورهم ولابدّ أن يكفّوا عن كل عودة لشخصيتهم وهويتهم، ولابدّ أن يخضعوا لجبابرة العالم، فإن العالم الإسلامي بفضل إسلامه يشكّل اليوم ثقلاً هاماً في الساحة العالمية، ويحثّ الخطى نحو إقامة حضارته من جديد، وليحاور الحضارات الأخرى بقوّة وعزم وإرادة، وليجعل خبراء الهيمنة الاستكبارية يحذّرون من مستقبل الإسلام في الصراع الحضاري الراهن. كلّ هذه القوّة في المجموعة الإسلامية تعود إلى هذه الكرامة التي أوجدها هذا الدين في نفوس أتباعه. هذه الكرامة التي تأبى على الإنسان أن يذلّ نفسه، وأن يخضع للطاغوت، وأن يستسلم أمام الجبابرة، هذه الكرامة التي تجعل الفرد يستشعر مقامه في هذا الكون ومكانته بين الكائنات، ودوره في هذه الحياة. بقي أن نذكر أن أكبر ما يهدّد الأمة اليوم وهي تتجه نحو استعادة عزّتها وكرامتها ليس هو بطش المستعمرين فهو يزيدها قوة وصلابة، وليس هو الاستهانة بكرامة المسلمين والاعتداء على مقدساتهم لأنه يؤدي إلى ردّ فعل إسلاميّ يدفع بمسيرة العودة إلى الهوية الإسلامية.. وليس هو عمليات تكريس الاحتلال والاستسلام والتطبيع، إذ هي عمليات تثبت فشلها كل يوم.. إنما التهديد الأكبر يتمثّل في النزاع الداخلي بين المسلمين.. فهو نزاع يؤدي حتماً إلى فشل المسلمين في استعادة دورهم التاريخي والى ذهاب ريحهم، وإلى ضمور الشعور بالعزّة والكرامة في نفوسهم. وهنا تبرز أهمية ثقافة التقريب، فدعوة التقريب تستهدف إزالة هذا النزاع، وبالتالي إحياء الهوية الإسلامية والعزّة الإسلامية في الأمة لتمسك بيدها بعد ذلك زمام حركة التاريخ وتوجه المسيرة البشرية نحو الخير والصلاح والسلام. نشير هنا مرة أخرى الى ما أكدناه مراراً أن دعوة التقريب لا تريد أن تنهي الاختلاف الاجتهادي بين المسلمين، فهو ظاهرة خير وعافية وحياة.. لكنها تريد أن تقضي على الخلاف الذي يؤدي الى نزاع وشقاق وذهاب الريح. إنها دعوة نادى بها كل من حمل هموم عزّة المسلمين، وغفل عنها كلّ من عاش هموم ذاته، وعارضها كلّ من رأى في عزّة المسلمين خطراً على مصالحه. لكنّ الأمة بمجموعها تنشد عزّتها ولذلك سيثوب الغافلون ويتراجع المعارضون. والعاقبة للمتقين.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|