banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

مقابلة مع الاستاذ الشهيد مرتضى مطهري / حول مسائل النظام والثورة
ثقافتنا - العدد 6
مقابلات
محمّد علي آذرشب
1426

«توضيح»
هذه مقابلة أجريت مع الاستاذ في اليوم الثاني بعد انتصار الثورة الاسلامية بصورة مباشرة في التلفزيون ، وكان الحديث آنئذ ساخناً في الساحة حول هوية النظام الذي سيحكم، والامام الراحل كان مصراً على «الجمهورية الاسلامية» والاستاذ الشهيد في هذه المقابلة يجيب على الأسئلة التي كانت مطروحة آنئذ حول إمكان أن يكون ثمة انسجام بين «الجمهورية» و«الاسلامية».
وكان الاستاذ الشهيد قد قرّر أن يكمل هذه المقابلة ويغنيها، ثم ينشرها لتجيب بمزيد من التوضيح على الاسئلة، لكنه استشهد قبل أن ينجز ذلك.

ـ فضيلة الاستاذ! نحن على أبواب إجراء الاستفتاء العام لتعيين النظام الحاكم في إيران، وخلال هذه الايام يطرح بعض - وخاصة المثقفين - أسئلة فكرية وأيديولوجية تتعلق بمسألة النظام..
نغتنم فرصة لقائنا بكم في هذه الندوة التلفزيونية لنوجّه اليكم أهمّ تلك الاسئلة:
أبدأ من مفهوم «الجمهورية الاسلامية» وهو مفهوم يبدو غامضاً الى حدٍ كبير… فالجمهورية تعني إعطاء الشعب حق الحاكمية.. بينما الصفة الاسلامية تقيّد هذه الحاكمية وتحدّدها ويبدو أيضا أنّ مفهوم الجمهورية الاسلامية يتعارض مع مفاهيم الديمقراطية ومفاهيم الجمهورية بمعناها المطلق العام، فهل لكم أن تعطونا صورة واضحة لنظام الجمهورية الاسلامية؟
ج: أعتقد أنّ مفهوم «الجمهورية الاسلامية» واضح لا يحتاج الى كثير من الشرح والتفصيل. فالمفهوم مركّب من كلمتين: كلمة «الجمهورية» وكلمة «الاسلامية».
كلمة «الجمهورية»: تعيّن شكل الحكومة المقترحة.
وكلمة «الاسلامية»: تحدّد محتوى هذه الحكومة.
تعلم أنّ النّظم التي حكمت في العالم وتحكم الآن متنوعة، منها النظام الفردي الوراثي، كنظام السلطنة والنظام الملكي.. ومنها النظام الارستقراطي كالنظم التي يحكم فيها الفلاسفة والحكماء أو المتخصصون أو الأشراف. ومنها حكومة المتنفذين وأصحاب رؤوس الاموال ودافعي الضرائب.. وغيرها من النظم والحكومات.
حكومة عامة الناس، واحدة أخرى من الحكومات المطروحة على ساحة أنظمة الحكم.. وهي تعني الحكومة التي يتمتع فيها جميع الناس بحق الانتخاب دون تمايز بينهم في الجنس أو اللون أو العقيدة، والشرط الوحيد في المنتخب هو البلوغ والنضج العقلي لا غير…
إضافة الى ذلك، الهيئة الحاكمة المنتخبة تحكم لفترة معينة، وللشعب حق إبقائها أو تغييرها بعد انقضاء تلك الفترة.. وهذا الشكل من أنظمة الحكم هو «الجمهوري»، وهو الشكل المقترح لنظام الحكم في إيران.
أما كلمة «إسلامية»، فتعني كما قلنا تحديد محتوى هذه الحكومة، محتوى هذا الشكل، أي إنّ الناخب حينما يقول نعم للجمهورية الاسلامية، يقترح أنْ يكون نهج الحكومة قائماً على أصول وتعاليم إسلامية.
الاسلام كما هو واضح، مدرسة فكرية وأيديولوجية وأطروحة لتنظيم الحياة البشرية بجميع أبعادها وشؤونها.
من هذا نفهم أن «الجمهورية الاسلامية» تقوم على أساس نظام يتمتع فيه أفراد الشعب بحق الانتخاب وبحق تغيير الهيئة الحاكمة، وهذا هو شكل النظام.. أمّا المحتوى فإسلاميّ.
والذين يجدون غموضاً وتناقضاً في كلمة «الجمهورية الاسلامية» قد اختلط عليهم الامر، وخالوا أنّ ثمة تناقضاً بين حق السيادة وحق الالتزام بمدرسة فكرية عملية في الحياة. هؤلاء ظنّوا أن الانسان الملتزم بخط فكري معين، والمناضل من أجل تطبيق مبادئ هذا الخط في الحياة الاجتماعية، ليس بحرّ ولا ديمقراطي ومن خلال هذه المعادلة الوهمية الخاطئة يستنتجون أنّ الديمقراطية سيتهدّدها الخطر؛ إن أضحى النظام إسلامياً وأضحت الجماهير تؤمن بالمبادئ الاسلامية وتطالب بتطبيقها!!
مسألة الجمهورية - كما ذكرت - ترتبط بشكل النظام المؤطَّر بنوع من الديمقراطية، أي القائم ضمن إطار إعطاء الافراد حق تقرير المصير، ومفهوم الجمهورية هذا لا يعفي الجماهير من التمسك بخط فكريّ معين والالتزام بمبادئ مدرسة معينة.
تُرى، هل تعنى الديمقراطية أنْ يلتزم كلّ فرد بخطٍ فكريٍ خاصٍ، أو أنْ يتخلّى جميع الأفراد من أيّ التزام بمدرسة فكرية؟؟!
تُرى، هل الايمانُ بمبادئ قائمةٍ على أساس العلم والمنطق والفلسفة، والتسليمُ لهذه المبادئ يعارض الديمقراطية؟؟!
الاكثرية الساحقة للشعب الايراني، تؤمن إيماناً راسخاً بمبادئ الاسلام، وليس في هذا الايمان المطلق ذنب ولا عيب.
لكن العيب أن تسلبَ هذه الاكثريةُ القاطعةُ، من الاقلية غير المؤمنة، حقَّ النقدِ والمناقشة والاعتراض.
وهل هذه الاقلية الضئيلة المعارضة تتمتّعُ بالحد الكافي من الحرية؟ هذا ما يترك الجواب عليه لاولئك الذين يصرّون على أنّ الديمقراطية ترادف عدم الالتزام بمدرسة فكرية!
* * *
ـ ذكرت أنّ نظام الجمهورية يعنى منح جميع الجماهير حق الحاكمية والسيادة. والسيادة الشعبية من معطيات الثورة الدستورية الايرانية في مطلع هذا القرن، وطرح مسألة «الجمهورية الاسلامية» بدلاً من «الجمهورية» بشكل مطلق، يؤدّي الى حكومة طبقة الروحانيين (علماء الدين)، ألا تعتقد أن هذا يؤدّي الى سلب الجماهير حقها في الحكم والسيادة؟ ألا تعتقد أن من الأفضل، التمسك بالقاعدة القائلة: إن السلطات الحاكمة تنطلق من الشعب، بدلاً من الخوض في بحوث غامضة ترتبط بالحكومة الاسلامية كبحث ولاية الفقيه؟!
ج: أفهم من سؤالك أنك تريد أن تقول: إنّ الشعب الايراني في ثورته الدستورية، قد نال حق سيادته الشعبية، أي حق انطلاق السلطات التقنينية والتنفيذية والقضائيّة من الشعب، وليس من المعقول أن تفوّض الجماهير هذا الحق لشخص أو أشخاص محدّدين، كما تريد أن تقول أيضاً، إن مفهوم الجمهورية الاسلامية، يعنى حق حاكمية الفقيه - أو استبداد الفقهاء كما يقول بعضهم - وهو مفهوم رجعي معارض لسيادة الشعب.
من أجل أن أجيب على ماتقول، لابد أن أذكر أنّ الشعب الايراني نال في ثورته الدستورية حق سيادته، لكن هذا الشعب لم يكن يرى أيّ تعارض بين نيله هذا الحق، والتزامه بالاسلام فكراً وعقيدة وقانوناً ينظم جميع شؤون الحياة. ولهذا نص الدستور الايراني المدوّن عقب انتصار تلك الثورة، على ضرورة السير في إطار القوانين الاسلامية، وصرّح بأنّ أيّ قانون يفقد اعتباره القانوني، إذا كان معارضاً لقوانين الاسلام، كما نص الدستور الذي تمخضت عنه الثورة الدستورية الايرانية على ضرورة وجود خمسة فقهاء في مجلس النواب للاشراف على القوانين. ولم يكن يخطر على بال روّاد الثورة الدستورية، أنّ التمسك بالاسلام والالتزام بالحدود والقوانين الاسلامية يعارض الروح الدستورية والروح الديمقراطية، كما أنهم لم يروا معارضة بين الاسلام وبين قدرة مجلس النواب على التقنين، لأن القوانين كانت تسن في إطار المبادئ الاسلامية.
المهم أن يكون الشعب هو المنفذ للقانون الذي آمن به وقبله، سواء كان الشعب هو الذي سن القانون، أو أن يكون قد سنه صاحب مدرسة فكرية أو منظّر قانوني، أو أن يكون القانون الذي آمنت به الجماهير قد تلقته عن طريق الوحي الالهي.
يتضح من هذا أن الصفة الاسلامية للجمهورية، لا تتعارض مع سيادة الشعب أو مع الديمقراطية بشكل عام، الديمقراطية لا تتطلب بالضرورة ابتعاد المجتمع عن كل خط فكري ملتزم.
إننا نرى الأحزاب تتبنّى أيديولوجيات معينة ولا تعتبر هذا التبنّي معارضاً لمبادئ الديمقراطية، لكن المسألة حينما تطرح على الصعيد الاسلامي، يثير بعضهم شكوكاً وتساؤلات حول إمكان انسجام المفهوم الاسلامي مع المفهوم الجمهوري.
أعتقد أنّ هذه الشكوك والشبهات، تطرح من لدن أفراد لايزالون يؤمنون بديمقراطية القرن الثامن عشر التي تحدّد حقوق الانسان بـإطار مسائل المعيشة والمأكل والمسكن والملبس وحرية انتخاب طريقة المعيشة المادية. هذه الديمقراطية التي تحذف من دائرة الحقوق الانسانية، مسائل الانتماء الفكري والالتزام المدرسي والتكامل الانساني والتحرر من سلطة البيئة والغرائز…
أشرت في أسئلتك الى سلب الجماهير حقها في الحاكمية والسيادة، وهنا لابّد أن أشير الى حقيقة واضحة كل الوضوح هي: أنَّ الاكثرية الساحقة للشعب الايراني حدّدت في شعاراتها ومطاليبها نوع النظام الذي تريده. لم يتجه كفاح الشعب الايراني الى إزالة التسلط السياسي والاستعمار الاقتصادي حسب، بل اتّجه أيضاً الى مقارعة الثقافات والأيديولوجيات الغربية، الى مقارعة التبعية للغرب تحت العناوين المغرية نظير الحرية والديمقراطية والاشتراكية والمدنية والتطوّر والتقدم وغيرها من العناوين الزائفة التي يلوّح بها الاستعمار وعملاؤه في عالمنا.
إن الملايين من أبناء الشعب الايراني، حين طالبوا في مظاهراتهم الضخمة الصاخبة بـإقامة الجمهورية الاسلامية، قد حدّدوا في الواقع، الاطار الفكري لنظام الحكم الذي يريدونه.
الهوية الوطنية لأيّ شعب من الشعوب تتمثل في التراث الحضاري المتأصل في أعماق هذا الشعب.
وهذه الهوية الوطنية تتمثل لدى جماهير الشعب الايراني بالاسلام.
الايرانيون المنفصلون عن الاسلام، هم في الواقع منفصلون عن الروح الحضارية للشعب الايراني، وعن إرادة هذا الشعب، على الرغم من أنهم يعيشون في كنف هذه الامة وتحت حمايتها.
لو كانت إرادة الشعب في إقامة الجمهورية الاسلامية تتعارض مع السيادة الشعبية، لكانت الديمقراطية أمراً محالاً، إذ إنّ وجودها يستلزم عدمها.
لا أحد يريد فرض الطابع الاسلامي على النظام الجمهوري المقترح في إيران. فتلك إرادة الشعب نفسه. والثورة في إيران بدأت تتصاعد بسرعة فائقة منذ أن طرح شعار الجمهورية الاسلامية.
مفهوم الجمهورية الاسلامية ينطوي على نفي وإثبات، نفي لنظام حاكم فرض سيطرته خمسة وعشرين قرناً، وإثبات محتوى إسلامي وتوحيدي للنظام المقترح.
طرحتَ في أسئلتك أيضاً، مسألة «ولاية الفقيه»، وهذه المسألة تتضح في ضوء ما ذكرناه. «ولاية الفقيه» لا تعنى أن يكون الفقيه على رأس الجهاز الحاكم، وأن يمارس الحكم بنفسه عملياً.
دور الفقيه في البلد الاسلامي - أي في البلد الذي آمن مواطنوه بالاسلام باعتباره مدرسة فكرية متكاملة - هو دور المنظّر (ايديولوك)، لا دور الحاكم، وواجب المنظّر أن يشرف على التنفيذ الصحيح للنظرية، أن يبدي رأيه في صلاحيّة الافراد المنفذين للدستور، وفي صلاحية رئيس الجمهورية، وفي جميع الاعمال التي تتعلق بتطبيق النظرية الاسلامية.
لم يكن ثوّار الحركة الدستورية وأنصارها في إيران تلك الايام، ولا الشعب الثائر المسلم اليوم، يرون في الفقيه حاكماً ينبغي أن يتقلد زمام الأمور، ويمارس الادارة والحكم. بل كانوا يرون فيه الشخص الذي ينبغي أن يبدي وجهة نظره في صلاحية الحاكم المنفّذ للقوانين الاسلامية، باعتبار أنّ أبناء المجتمع الاسلامي يرتبطون بالمدرسة الاسلامية.
من هنا جاء في الحكم الصادر من الامام الى رئيس وزراء الدولة الموقتة: إنني أعين رئيس الحكومة، استناداً الى الحق الشرعي (ولاية الفقيه)، واعتماداً على الثقة التي أولتني بها الاغلبية الساحقة للشعب الايراني.
«ولاية الفقيه»، ولاية إيديولوجية. والفقيه منتخَب من قِبَلِ الجماهير، وهذا عين الديمقراطية.
لو كان الفقيه منصوباً من قِبل فقيه سابق، لو كانت السنّة أن يعين كلُّ فقيه خلفه لأمكن القول، إنّ هذه السنّة مخالفة للديمقراطية. لكن المواطنين أنفسهم هم الذين ينتخبون هذا المشرف على تطبيق القوانين.
الحق الشرعي للامام ينطلق من انتماء أغلبية الشعب الساحقة للاسلام باعتباره مدرسة فكرية شاملة، وهذه الاغلبية، تعطي رأيها فيمن يشرف على التطبيق والمطبقين.
أشرتَ في أسئلتك الى حكومة طبقة رجال الدين، وفي عبارتك خلط بين الحكومة الاسلامية، وحكومة رجال الدين. كيف استنتجت من مفهوم الجمهورية الاسلامية، مفهوم حكومة رجال الدين؟ هل الاسلام دين طبقة رجال الدين؟ هل الاسلام إيديولوجية رجال الدين؟ هل إن مثقفينا حقاً يفهمون الجمهورية الاسلامية أنها حكومة علماء الدين وأنّها حكومة يتولى فيها علماء الدين كلّ مناصب الدولة؟!
إذا كان فهمهم كذلك، فهو غريب للغاية، وإن كانوا يفهمون الحقيقة لكنّهم يصرّون على تزويرها وتحريفها، فهو مؤسف للغاية.
إنّ تلميذ الابتدائية في إيران، يفهم اليوم أنّ الجمهورية الاسلامية تعنى المجتمع الاسلامي، والمجتمع التوحيدي القائم على أساس تصور إسلامي للكون والحياة.
كلّ من له أدنى اطلاع على المفاهيم الاسلامية، يعلم أنّ التصور الاسلامي ينطوي على أيديولوجية توحيدية يعبر عنها بالتوحيد العملي، وتعنى بلوغ الانسان درجة التوحيد الاخلاقي والتوحيد الاجتماعي.
دأب رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن يتوّج رسائله الى الشخصيات العالمية بالآية الكريمة: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، ألاّ نعبد إلاّ الله، ولا نُشرك به شيئاً، ولا يتخذَ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله…( (آل عمران / 63).
وجملة: ( تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم( تعنى التوحيد النظري.
وجملة: (أن لا نعبد إلا الله( تعنى التوحيد العملي الفردي.
وعبارة: (ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله( تؤكد التوحيد العملي الاجتماعي، المقارن للحرية والديمقراطية بأعمق أشكالهما.
أين هذا المفهوم العميق للمجتمع الاسلامي، من مفهوم حكومة رجال الدين؟! إنه بعيد عنه كل البعد.
يعتقد بعضهم أنّ إطلاق لفظ الجمهوريةالاسلامية يضفي الصفة الطبقيّة على المجتمع. بينما الاكتفاء بلفظ الجمهورية ينفي هذه الصفة. وهذا الاعتقاد الخاطئ، كما قلنا ناشئٌ عن فهم خاطئ لوظيفة الروحانيين (علماء الدين) في المجتمع الاسلامي.
ولابد أن أوكّد في اختتام إجابتي على سؤالك، أن لفظ الجمهورية وحده لايمكن أن يكون منطلق تحوّل واقعي في المجتمع. كما أنّ إضافة صفة الى كلمة الجمهورية لا يؤدي بالضرورة الى تناقض بين الصفة والموصوف، بل ينبغي البحث أولا في محتوى هذه الصفة، والصفة الاسلامية لا تتناقض مع الجمهورية، ولا تؤدّي الى تسلط طبقة معينة في المجتمع الاسلامي.
* * *
ـ من المعلوم أنّ الاوضاع الاجتماعية في حالة تطور وتبدل، فكيف يستطيع نظام الجمهورية الاسلامية أن يحلّ المسائل المتطورة المعقدة للمجتمع في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المجالات؟
هل إن الجمهورية الاسلامية، ستطبق القوانين والقواعد التي جاء بها الاسلام قبل أربعة عشر قرناً؟ هل أنَّ هذه القوانين والقواعد القديمة، قادرة على مواجهة المسائل الراهنة؟
ج: تطوّر الزمن، وثبات الاحكام الاسلامية، يثيران دوماً هذه الشبهة التي ذكرتها، كيف يمكن أن ينسجم هذا الثبات مع ذاك المتطور.
مسئلة تطور الزمن، حقيقة ثابتة لاشك فيها، لكن هذه الحقيقة تنطوي على مسألة يغفل عنها البعض.
المسيرة التي يطويها الفرد الانساني والمجتمع الانساني، تشبه مسيرة قافلة متحركة سائرة متنقلة من محطة الى أخرى. هذه القافلة، لا تبقى ساكنة وثابتة في محطة معينة، بل تستمر في السير مغيّرة محطاتها، لكنّها لا تغير طريق سيرها في هذا التنقّل.
القافلة متحركة، لا ينبغي لها أن تقف في نقطة معينة من طريقها، لكن الطريق الذي تطويه نحو هدفها واحد.
الفرد والمجتمع لا يمكن أن يكونا ساكنين ولا ينبغي أن يمكثا في نقطة معينة من المسير. فذلك معارض لقانون الطبيعة، لكن مسير التكامل للفرد والمجتمع واحد لا يتغير.
تُرى هل من الضروري أن يغيّر الفرد والمجتمع طريقهما التكاملي في كل مرحلة من مراحل حياتهما؟
هل من اللازم أن ينتخبا في كل مرحلة طريقاً جديداً وهدفاً جديداً؟ كلا.. المسيرة التكاملية للبشر خط ثابت، يشبه مدار النجوم.
الحركة مستمرة، والمدار ثابت، هل نستطيع أن نعتبر النجوم ثابتة ساكنة لأنها تتحرك على مدار ثابت واحدٍ؟ كلا طبعاً، حركة النجوم لا تستلزم تغيير المدار باستمرار.
هذه المسألة تطرح بنفس الشكل على صعيد حركة الانسان والمجتمع.
مستلزمات الحياة الانسانية ومظاهر المدنية تتطور باستمرار، ولكن تُرى، هل إن إنسانية الانسان والقيم الانسانية، والكمال الانساني هي الاخرى حقائق متغيرة متبدلة؟!
هل أن الموازين الانسانية التي نؤمن بها اليوم، هي غير الموازين التي كانت يؤمن بها أجدادنا وغير الموازين التي سيؤمن بها أحفادنا؟!
هل سيأتي يوم تعتبر فيه البشريةُ «تشومبي» و«معاوية» مثالاً للانسانية، وتعتبر «لومومبا» و«أبوذر» مثالاً لاعداء الانسانية؟ هذا مستحيل.
الانسان - كما قلنا - غير ثابت، لكن مداره ثابت، ومن هنا فهو يمتلك معايير هي بمثابة دلالات كي لا يضل الطريق، فكما أن المسافر يحتاج الى علامات ودلالات كي لا يضلّ الطريق كذلك الانسان بحاجة الى معايير ثابتة يهتدي بها في مسيره.
أوضحت في كتاب «حقوق المرأة في الاسلام» مسألة الاسلام والتطور، وكيف يواجه الاسلام متطلبات الحياة المتطورة.
ذكرت هناك أن «نوع» الانسان لم يتغير منذ أن ظهر على الارض، وعدم تبدل الموجود البشري من نوع الى آخر لا يعني ثبات هذا الموجود في نقطه معينة، بل إنه طوى ولايزال يطوي مسيرته التكاملية. لكن قانون الخلقة يبدو قد نقل مهمة التكامل من مرحلة الجسم وأعضاء البدن الى مرحلة النفس والروح والمجتمع.
لو أن تغيراً طرأ على النوع الانساني لاستلزم تغيراً في القوانين التي تتحكم فيه.. لكن ثبات النوع الانساني خلال المراحل التاريخية الاخيرة - على الاقل - يتطلب بالضرورة مجموعة مبادئ ثابتة ترتبط بطبيعة الانسان وكماله، على أنّ الانسان يحتاج أيضاً الى قوانين متغيرة تسد احتياجاته المتطورة خلال انتقاله من محطة الى أخرى، أومن مرحلة الى أخرى في مسيرته التكاملية.
الانسان يحتاج إذن الى قوانين ومبادئ ثابتة ترتبط بحركته المدارية، وإلى قوانين متغيرة ترتبط بتنقله المرحلي.
أحكام الاسلام موضوعة لحركة الانسان المدارية الثابتة، لا المرحلية المتغيرة، غير أنّ الإسلام أعدّ المقدمات والتمهيدات والأطر اللازمة لسد احتياجات الانسان المتغيرة.
شرحت في كتابي المذكور خصائص القوانين الثابتة والمتغيرة في الاسلام بذكر بعض الامثلة.
أمر الله تعالى الجماعة المسلمة أن تعد نفسها دفاعياً الى المستوى الذي يخشاها فيه الاعداء:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم( (الانفال/60).
هذه الآية تحدد واحداً من المبادئ الاجتماعية الاسلامية، وهو مبدأ ثابت لا يتغير، وضرورته قائمة في الماضي والحاضر والمستقبل.
التطبيق العملي لهذا المبدأ ينعكس في السنة النبوية بشكل حثّ من الرسول القائد على السبق والرماية، واشترك الرسول بنفسه في هذه العمليات والمسابقات، والفقه الاسلامي أوصى بالسبق والرماية أيضاً انطلاقاً من السنة النبوية. لكن هذا الحكم الفقهي لم يعد له مصداق حالياً، إذ إن زمانه قد مضى وليس من الضروري القيام بتلك العمليات اليوم بنفس النية السابقة.
مبدأ (وأعدُّوا لهم…( يرتبط بمدار حركة الانسانية، والسبق والرماية ليس لهما أصالة، بل يرتبطان بمرحلة معينة من مراحل المسير، وفي مرحلتنا الراهنة ينبغي للمجموعة المسلمة أن تنفذ هذا المبدأ بشكل يتناسب مع ظروف هذه المرحلة ومتطلباتها.
ومثال آخر يرتبط بمبدأ تبادل الثروة بين المسلمين أوضحته الآيةُ الكريمة: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( (البقرة/ 188).
هذه الآية تنص على أنّ تبادل الثروة ينبغي أن يتخذ شكلا مفيداً من الناحية الاجتماعية، وأن يتجه نحو الاحتياجات الاساسية للمجتمع.
لو أراد شخص أن يشتري بماله الذي اكتسبه عن طريق عمل مثمر شيئاً لافائدة فيه، كأن يشتري كيساً مملوءاً بالحشرات الميتة، فإن هذه الصفقة باطلة في نظر القرآن.
ولو استطاع العلم في تطوره أن يستفيد من هذه الحشرات، فإن عملية البيع تصبح صحيحة بعد أن كانت باطلة ومحرمة من قبل.
الفقيه، هو الذي يعين المصداق الواقعي للحكم الذي تنص عليه الآية في كل زمان، وبموجب هذا التشخيص يفتي بجواز هذه المعاملة وببطلان تلك.
الفقهاء واجهوا مسألة شبيهة بالمسألة السابقة ترتبط ببيع «الدم» وشرائه. لقد كانت معاملة بيع الدم وشرائه باطلة في الماضي، يوم كان الدم مادة لا نفع فيها ولا فائدة، إذ هي من نوع أكل المال بالباطل . واليوم فقد أضحى الدم - على أثر تطور العلم - مادة حياتية، ولم تعد المعاملة عليه تنطبق على أكل المال بالباطل. فالحكم الجزئي هنا قدتغير بتغيّر المصداق، لكن الحكم الكلي باق لا يتغير.
الاجتهاد ينهض بالدور الاساسي في تطبيق الاحكام الكلية على المصاديق الجديدة وواجب الفقيه أن يدرس المسائل الجزئية المتغيرة بتغيّر الزمان في إطار الاحكام الكلية الثابتة التي جاء بها الوحي، ويخرج من دراسته بالاحكام الفقهية المناسبة.
* * *
ـ لقد أوضحت في حديثك أنّ النظام الاسلامي، يقوم على أساس المبادئ العامة المستمدة من الوحي. والمسألة المطروحة بشكل حاد علىالساحة الفكرية اليوم، هي أنّ النظام الاصلح للبشرية يمكن إيجاده عن طريق تركيب بين الديمقراطية والاشتراكية.
ونحن باعتبارنا شرقيين مسلمين، نستطيع أن نثري النظام الديمقراطي الاشتراكي عن طريق تصحيحه بقيم أخلاقية مستمدة من تراثنا الاسلامي فما هو رأيكم بهذه الاطروحة؟
ج - بين الديمقراطية والاشتراكية، نوع من التناقض وعدم الانسجام، ولم تنجح - حتى الآن - المحاولات الرامية الى الجمع بينهما.
الديمقراطية، تقوم على أساس أصالة الفرد وحقوق الفرد وحرية الفرد، بينما تقوم الاشتراكية على أساس أصالة المجموع وتقديم حق المجتمع على حق الفرد.
في عالمنا اليوم ترفع بعض البلدان شعار الديمقراطية، وبعضها يرفع شعار الاشتراكية، لكن ذوي التفكير الجادّ البعيد عن الشعارات يذهبون الى زيف ادعاءات الديمقراطية التي يتبجح بها ما يسمى بالعالم الحرّ. وكذلك زيف الاشتراكية التي يدّعيها القطب الآخر. ويبلغ هذا الزيف ذروته حين تدّعي بعض البلدان انتهاجها نظاماً اشتراكياً ديمقراطياً.
مسألة التناقض بين الاشتراكية والديمقراطية، والاتجاه نحو أحدهما أو محاوله الجمع بينهما، تطرح على الصعيد الفلسفي تحت عنوان: «أصالة الجمع أو أصالة الفرد».
أتباع هذين الاتجاهين، يسعون الى الاجابة على هذا السؤال: هل الفرد يختص بالاصالة والعينية، والمجموع وجود عرضي واعتباري؟ أم إنَّ الفرد يفتقد الاصالة، وعلم الاجتماع مقدم على علم النفس؟؟
إذا كان الجواب على الشطر الاول من السؤال إيجابياً، فيعني أن كل من ما يمتلكه الانسان من أفكار ومشاعر وآمال، إنما هي انعكاس عن الروح الاجتماعية المهيمنة، والموجود فعلا هو المجتع لا الفرد. والاولوية في هذه الحالة للاشتراكية.
وهل هناك فرع ثالث لهذه المدرسة يتجه الى تركيب الفرد والمجتمع تركيباً يمنح الفرد والمجتمع كلاهما أصالة وشخصية؟ هذه مسألة فلسفية دقيقة، يدرس فلاسفتنا نظيرها في باب الوحدة والكثرة، ولا مجال لطرحها الآن.
ومسئلة القيم الخلقية التي أشرت إليها، هي أهم المسائل المطروحة أمام الباحثين عن النظام الافضل. هؤلاء الذين يحاولون الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية يحسّون أن أطروحتهم بحاجة الى قيم أخلاقية، والقيم الخلقية بحاجة الى الجو الخلقي والروحي، فكيف يمكن خلق مثل هذا الجو؟ وماهي ضمانات تطبيق القيم الخلقية؟
بعض الباحثين في الانظمة الوضعية، يحاول الفصل بين الدين والقيم الخلقية، في محاولة لايجاد نظام أرضي أخلاقي، وهؤلاء يحاولون البحث عن مثل خلقية بدون دين، زاعمين أن هذه المثل، تستطيع أن تجمع أفراد البشر على صعيد إنساني واحد مشترك دون تمايز مذهبي أو عنصري ، بينما الدين يؤدّي الى إثارة عصبيات ومناحرات بين أتباعه وغيرهم، وهذه العصبيات تتناقض مع سلامة الروح ومع الجو الخلقي الذي ينبغي أن يسود في المجتمع.
وهذه دعوة أتباع المذهب الانساني أو (الأومانيّة) التي تنادي بعالم خلقي روحي خال من الدين.
أتباع هذه الدعوة، خالوا أنّ الاجواء الخلقية يمكن خلقها عن طرق إطلاق الشعارات الانسانية وحبك مبادئ الأومانيّة!!
شعارات الاومانيّة أثبتت زيفها وخواءها على الصعيد العملي، وموقف جان بول سارتر - داعية الاومانيّة في عصرنا - من إسرائيل، ذلك الموقف المتعاطف المؤيد، أفضل شاهد على هذا الزيف والخواء.
ثمة مجموعة أخرى، حاولت أن تطعّم أطروحتها في حقل النظام، بجوانب أخلاقية وإنسانية عرفانية، وسعت أن تقتبس من الجانب العرفاني للاديان التعاليم الاخلاقية، تاركة تصورات الاديان ومحتواها الايديولوجي.
وهنا ينبغي أن أؤكد أنّ الالتزام بالجانب الخلقي للأديان وترك جوانبها الاخرى، لا يمكن على الاطلاق في الإطار الاسلامي، إن أمكن تنفيذه في إطار الاديان الاخرى.
عملية فصل الجانب الخلقي عن جوانب الاسلام الأخرى مثلة للاسلام، ومسخ له فالاسلام أطروحة منسجمة مترابطة لكل جوانب الحياة.
بالنسبة لما أشرت اليه في حديثك حول حاجة البشرية الى النظام الاصلح، أكتفي بذكر عبارة قالها «إقبال»: «البشرية تحتاج اليوم ثلاثة أمور: الى تفسير روحي للعالم، والى حرية روحية للفرد، والى مبادئ أساسية ذات مفعول عالمي تدفع المسيرة البشرية نحوالتكامل على أساس روحي».
وإقبال في عبارته هذه يؤكد على حاجة البشرية الى نظرية إلهية للكون والحياة.. والى ديمقراطية واقعية حقيقية، والى نظام شامل يقوم على أساس تلك النظرة الالهية، ويعيّن للبشرية طريقها التكاملي في جميع جوانب الحياة.
ثم يستمرّ إقبال في حديثه على هذا النحو:
«مثالية أوربا لم تدخل الحياة الاجتماعية بشكل عامل حيوي، ونتج عن ذلك الانسان الحائر بين الديمقراطيات المتضاربة وهو يبحث عن ذاته، حيث اتجهت تلك الديمقراطيات نحو استثمار الفقراء لصالح الاغنياء..».
«ومن جهة أخرى، يمتلك المسلمون أفكاراً ومعتقدات متسامية متكاملة تقوم علىأساس الوحي. وهذه الافكار والمعتقدات تنطلق من أعماق الحياة لتضفي على ظواهر الحياة صفة باطنية. الانسان المسلم يؤمن بالاساس الروحي للحياة كأمر اعتقادي، وهو على استعداد لأن يبذل روحه رخيصة في سبيل هذا الاعتقاد»(1).
* * *
ـ أعلن الامام الخميني في إحدى خطبه: إني أدلي صوتي «للجمهورية الاسلامية» لا كلمة أكثر، ولا كلمة أقل. ويبدو أنّ الامام يقصد الصفة الاسلامية في عبارته «لا كلمة أقل»، وأوضحت في حديثك أن هذه الصفة توضح محتوى نظام المستقبل، أما مايقصده الامام من عبارة «لا كلمة أكثر»، فهو - على مايظهر - كلمة الديمقراطية، فقد تردّدت على الألسن هذه الأيام عبارة الجمهورية الاسلامية الديمقراطية وتأكيد الامام على حذف كلمة الديمقراطية قد يستهدف توضيح الفرق بين الديمقراطية الغربية والحريات الاسلامية.. نرجو أن تعطينا فكرة واضحة عن سبب حذف كلمة الديمقراطية.
ج- لا أستطيع أن أدّعي القدرة على توضيح جميع الجوانب التي ينطلق منها الامام في حديثه، فأكتفى بتوضيح بعض الجوانب التي توصلت إليها، والتي أعلم أنها رأي الامام أيضاً في هذا المجال. الحرية الفردية والديمقراطية موجودتان - كما تعلم - في الاسلام مع فارق بين النظرة الاسلامية والنظرة الغربية لمفاهيم الحرية والديمقراطية كما سنوضح ذلك.
من هنا نفهم أن أضافة كلمة «الديمقراطية» الى (الجمهورية الاسلامية) تحشية زائدة.
عبارة «الجمهورية الاسلامية الديمقراطية» تعني أن النظام يستند الى أساسين: الاسلام والديمقراطية ، وهذه الازدواجية قد توهم أن الحريّات الفردية والديمقراطية التي سيتمتع بها الافراد في ظل نظام الجمهورية الاسلاميّة، منبثقة من الصفة الديمقراطية، لا الاسلامية.
وقد يفهم من هذه الازدواجية، أن الحريات والحقوق الفرديّة والديمقراطية تنبثق من الاساس الديمقراطي للنظام، لا من الاساس الاسلامي. بينما أحكام العبادات والمعاملات والاحوال الشخصيّة تنبثق من الاساس الاسلامي للنظام.
نحن نريد أن نؤكد على خلاف ذلك.
والسبب واضح:
أولا) لأن الصفة الاسلامية تنطوي على الحريات الفردية والديمقراطية.
ثانياً) لأن الحريات الديمقراطية بمفاهيمها الغربية تختلف اختلافاً جذرياً مع مفاهيم الحريات الاسلامية. وهذا الاختلاف الجذري، لا يمكن أن نتجاهله في بناء مجتمعنا الاسلامي.
حول منشأ الحريات والحقوق الفردية قيل: إنّ الانسان خلق حرّاً وينبغي أن يعيش حرّاً. وبشأن جذور هذه القضية، وسبب عدم صدقها على البهائم مثلا، تختلف وجهات النظر.
الفلسفة الغربية تذهب الى أنّ الحرية ناشئة من رغبات الانسان وميوله. وهذه الفلسفة لا تفرق بين «إرادة» الانسان و«ميوله». وتنظر الى الفرد باعتباره موجوداً ذاميول ورغبات. وهذه الميول والرغبات هي منشأ حرية الفرد في ظل النظام الذي يريده. حرية الفرد لا يحدّها شيء - في نظر فلاسفة الغرب - سوى حرية رغبات الآخرين. ولا يمكن لاية أطر وموازين أخرى أن تحدّ حرية الانسان وميوله.
الحرية بهذا المعنى المشهور في الغرب هي أساس الديمقراطيات الغربية، وهي ليست في الواقع سوى نوع من الحيوانية مطلقة العنان.
التفسير الغربي لمنشأ الحرية، لا يستطيع أن يميّز بين حرية الانسان وحرية الحيوان.
الموجود البشري مع حيوانيّته إنسان ومع إنسانيته حيوان.
الكائن البشري يتمتع بملكات سامية هي ملاك إنسانيّته ومن مظاهر هذه الملكات، التفكير المنطقي (لا كلّ مايسمّى تفكير)، والميول السامية (كالميل نحو اكتشاف الحقائق، ونحو الخير الخلقي، ونحو الجمال ونحو عبادة الحق…).
الكائن البشري، موجود تنطوي طبيعته على قطبين متناقضين هما العقل والنفس، أو الروح والجسم، ومن المستحيل أن يستطيع الانسان الانطلاق بحرية تامّة على كلا الخطين المتناقضين. التقدم على أحد الخطين يؤدّي بالضرورة الى تحديد الانطلاق الحرّ على الخط الآخر.
لو اعتبرنا ميول الانسان ورغباته، أساس الحرية ومنشأها لنتج عن ذلك ما هو مشهور اليوم في مهد الديمقراطيات الغربية، حيث توضع القوانين استناداً إلى رأي الاكثرية.
انطلاقاً من هذا الاساس، واحتراماً للديمقراطية ورأي الاكثرية، يضحى الشذوذ الجنسي قانونياً هناك، الدليل الوحيد لمشروعية هذا العمل المنحط هو رأي الاكثرية، فمادامت أكثرية الشعب دلّت عملياً على موافقتها على الشذوذ الجنسي، فإن هذا العمل يضحى قانونياً بحكم الديمقراطية.
لو طرحنا علىحماة الديمقراطية الغربية هذا السؤال: أليس للانسان صراط مستقيم يؤدّي به الى التكامل الروحي؟ إذا كان جوابهم إيجابياً لاستلزم أن يقبلوا ضرورة وجود مراقبة وتوجيه لصيانة الانسان من الانحراف عن هذا الصراط المستقيم.. ولكن جوابهم سلبي، أي إنهم يرفضون وجود مثل هذا الصراط، ويعتبرون ميول الانسان ورغباته هي التي تحدد معالم مسيرته . هؤلاء يتبعون نظرية (جحا) الذي قيل له: أين تذهب؟ أجاب: الى حيث شاءت بغلتي.
والمجتمع القائم على أساس موازين الديمقراطية الغربية، يتجه الى حيث شاءت رغبات الاكثرية وميولها.
الديمقراطية الاسلامية تقع في النقطة المقابلة لهذا النوع من الديمقراطية والحرية.
الديمقراطية الاسلامية تقوم على أساس حرية الانسان. لكن هذه الحرية لا تعني إطلاق عنان شهوات الانسان، بل تعنى كسر جميع القيود والاغلال التي تحدّ الانسان من الانطلاق على طريق إنسانيّته، مع تأطير وتحديد لدوافعه الحيوانية.
وهنا لابد أن أؤكد أنّ الاسلام ليس بدين كبح الشهوات وإماتتها، بل دين تأطير الشهوات وتنظيمها والسيطرة عليها، وهذه مسألة واضحة لاتحتاج الى تفصيل.
لأضرب مثالاً على الفرق بين الحرية في مفهوم الديمقراطية الغربية والحرية في المفهوم الاسلامي، وأترك الحكم لك كي ترى أيّ الحريتين هي الواقعية والحقيقية.
يذكر التاريخ أنّ الملك «كورش» - مؤسس أوّل إمبراطورية إيرانية - حين فتح بابل، ترك أهلها أحراراً في عقائدهم وعباداتهم. ترك عبدة الاوثان يلوذون بأصنامهم وعبدة الحيوانات يتمسحون بأنصابهم، دون أن يفرض عليهم أيّ حدود أو قيود. وكورش هذا يعتبر في معيار الغرب أحد روّاد الحرية في التاريخ. إذ إنه احترم ميول الناس ورغباتهم.
والتاريخ ذكر لنا أيضاً موقف «إبراهيم الخليل» من معتقدات شعبه. كان إبراهيم يرى في هذه المعتقدات المنحطة قيوداً وسلاسل تكبّل الافراد. وما كان موقفه تجاه معتقدات قومه، موقف عدم الاحترام فحسب، بل موقف المحطم للأصنام والآلهة الكاذبة، وموقف المنبّه لهم بزيف هذه الأصنام وخوائها حين عمد الى وضع الفأس في عنق كبير الاصنام.
عملُ إبراهيم - في معيار الديمقراطية الغربية - عمل عدواني مخالف لمبادئ الحرية. إذ إن إبراهيم كان ينبغي أن يدع قومه أحراراً فيما يعبدون ويعتقدون. غير أن منطق الانبياء يختلف عن منطق الانسان الغربي المعاصر.
خذ مثالاً آخر من عمل النبي(ص) حين ورد مكّة، هل كان موقفه كموقف كورش؟ هل ترك أهل مكة يلوذون «بلاتهم» و«هبلهم» ويعكفون على أصنامهم؟ هل ترك الناس ونشاطاتهم لينتهجوا أي طريق يشاؤون؟ أم إنه عمد إلى تحطيم الاصنام ليحرّرهم من إصرهم والاغلال التي كانت عليهم، وليهب لهم الحرية الحقيقية؟
الحرية والديمقراطية تقومان - في نظر الاسلام - على أساس مايفرضه التكامل الانساني للموجود البشري. الحرية حق للانسان بما هو إنسان، حق منبثق من المؤهّلات الانسانية للانسان، لا من ميوله وأهوائه.
الديمقراطية - في نظر الاسلام - تعنى الانسانية المنطلقة، بينما تعني - في قاموس الغرب - حيوانية منطلقة.
وثمة سبب آخر لتأكيد الامام علي حذف كلمة الديمقراطية من تسمية النظام المقترح في إيران، هو رفض التقليد الاعمى للموازين الغربية. الامام لا يريد لشعبه أن ينبهر بالغرب ويلهث وراء فتات حضارته. فهذا يؤدّي في النهاية إلى ضعف معنويات الشعب والى سقوطه.
الامام يعتقد أن استعمال كلمة الديمقراطية في تسمية النظام خيانة لروح الاستقلال لهذا الشعب، إذ إن تراثنا ينطوي على جوهر الحرية، ولا حاجة لأن نمدّ يد التكدّي الى الآخرين.
* * *
ـ كيف تفسّرون ثورة إيران؟ ماهي الخصائص التي تمتاز بها هذه الثورة؟ ماذا تعنى الصفة الاسلامية للثورة؟
ج: (2). السؤال المطروح على صعيد الثورات الاجتماعية: هو هل إنّ الثورات ذات ماهيات مختلفة، أم إنّ أشكالها ومظاهرها هي المختلفة، وماهياتها واحدة. ثمة اتجاهان مختلفان في الاجابة على هذا السؤال.
الاتجاه الاول: يرى أن جميع الثورات ذات مبدأ واحد ومنطلق واحد، وهو عبارة عن انقسام المجتمع الى طبقتين مرفهة ومحرومة، مستثمِرة ومستثمَرة. وهذا الانقسام الطبقي يعود بدوره الى وسائل الانتاج، والى علاقات التوزيع والانتاج. وهذا الاتجاه يرى جميع مافي المجتمع من دين وفن وفلسفة إنما هو مرتبط بوسائل الانتاج، وبتطور هذه الوسائل.
الاتجاه الثاني: يذهب الى أنّ الثورات ذات ماهيات مختلفة، ويرفض أن تكون جميع الثورات الاجتماعية ناشئة عن التناقض الطبقي في الاطار الاقتصادي. ويرفض أن تكون قيادة الثورات دوماً بيد الطبقة المحرومة اقتصادياً، بل يعطي هذا الاتجاه دوراً أساسياً لطبيعة الانسان المنطوية على قطبين متناقضين، ويعتقد أن انقسام المجتمع الى قطبين متصارعين ناشئ عن القطبين المتصارعين في النفس الانسانية.
كما أن الاتجاه الثاني - مع إيمانه بالتأثير المتبادل بين المرافق الاجتماعية - يرفض أن يكون تأثير أحد هذه المرافق قادراً على الوقوف بوجه تطور سائر المرافق الأخرى، أي إن المجتمع قد يمّر بمرحلة تاريخية متطورة جداً من الناحية الدينية أو الخلقيّة أو الفلسفية مع تأخره في الناحية التكنولوجية. وهذه المسألة ترتبط بالظروف الجغرافية والوراثية من جهة، وبالبعد الالهي والمعنوي للتاريخ من جهة أخرى.
في كتابنا «نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ» أطلقنا على الاتجاه الاول اسم «الاتجاه الآلي» وعلى الاتجاه الثاني اسم «الاتجاه الفطري، أو الانساني».
استناداً الى الاتجاه الثاني:
أولا) الجانب النفسي مقدّم على الجانب الاجتماعي.
ثانيا) الانسان ينطوي في خلقته على قطبين متصارعين.
ثالثا) الانسان موجود مختار ذو إرادة حرة، وصفة الاختيار والحرية هي التي تميّز بين أفراد البشر.
رابعاً ) المرافق الاجتماعية للانسان تتمتع بنوع من الاستقلال. وليس لأحدها تقدم وأولوية مطلقة على المرافق الاخرى. وقد يؤدّي أحياناً تطور أحد هذه المرافق الى انحطاط الآخر. وفي هوامش الجزء الخامس من كتاب «أصول فلسفه وروش رئاليسم»(3). ذكرت، حيث تحدثت عن «فطرة البحث عن الله»، أن الانغماس في إشباع غريزة معينة قد يؤدى الى تأخير غريزة أخرى. ومن هنا فلا عجب أن يكون العالم المتطور علمياً وتكنولوجياً، والمتمتع بأنواع اللذائذ المادية، منحطاً في أخلاقه وفي قيمه المعنوية، وهذا الانحطاط، سيؤدي دون شك الى سقوط كلّي تام.
خامسا) انطواء الانسان على قطبين متناقضين يؤدّي إلى حرية الانسان، والى اختلاف مستوى إنسانية أفراد البشر، كما يؤدّي - إضافة الى ذلك - الى انقسام المجتمع الى قطبين متناقضين، قطب يسير على طريق التكامل الايماني والعقائدي والخلقي، وقطب منحط حيواني يعيش من أجل بطنه وفرجه.
سادسا ) حركة تكامل التاريخ تتجه نحو «الحق» ونحو الارتباط بالعقيدة والايمان والاهداف السامية، والتحرر من سلطة البيئة الطبيعية والاجتماعية والعوامل النفسية.
نستطيع- في الحقيقة - أن نلخص الاتجاه الثاني بمايلي:
أولا) الانسان مفطور على أن ينشد الكمال والتطور.
ثانيا) القيم الانسانية أصيلة بأجمعها، وذات جذور متعمقة في الطبيعة الانسانية. وهذه القيم هي نفسها العامل الأساس في حركات التاريخ.
الإنسان - على المستوى الفردي - يعيش صراعاً دائباً في أعماقه بين قطبين، قطب الانسانية، وقطب الحيوانية. وحركة الانسان تتجه، من خلال هذا الصراع، نحو التكامل بالتدريج. ومن مسلتزمات التكامل، الاستقلال عن تأثير المحيط الخارجي والتأثير المتزايد في هذا المحيط. ومن هنا فالانسان المتكامل موجود متحرر من المحيط الخارجي والداخلي (نقصد بالمحيط الداخلي قطب الحيوانية في ذات الانسان).
الجانب النفسي للانسان متقدم على جانبه الاجتماعي. والانسان ليس بشريط تسجيل خال يمكن الاملاء عليه مانشاء، وليس بمادة خام تتغير طبقاً لتأثير العوامل الميكانيكية الخارجية. الانسان كالغرس وكالبذرة. حركته نحو الكمال ونحو الاستقلال الانساني حركة ديناميكية لا ميكانيكية. التكامل من مستلزمات العناصر الحرة في الطبيعة بما فيها الانسان والتاريخ الانساني.
طبيعة التاريخ ليست طبيعة مادية محضة، بل طبيعة مزدوجة، وكذلك طبيعة الانسان.
التاريخ ليس بحيوان اقتصادي، وهكذا الانسان. وهذه الازدواجية في طبيعة الانسان لا تتنافي مع خصلة الحركة التكاملية التي تنطوي عليها ذات الطبيعة.
مما تقدم نفهم أن الثورات ليست بذات صفة اجتماعية محضة، بل ذات جذور تمتد الى طبيعة الانسان. الصراع الداخلي في الانسان يؤدّي الى تكامل واستقلال بعض أفراد البشر، وهذا بدوره يؤدّي الى صراع بين الافراد المؤمنين الملتزمين العقائديين، والافراد المنحطين الراسفين في أغلال الحيوانية.
وهذا الصراع هو الذي يعبر عنه القرآن الكريم بالصراع بين الحق والباطل.
الاتجاه الآلي لتفسير التاريخ يذهب الى أن عامل الحركة في التاريخ هو الطبقة المسحوقة اقتصادياً، وأن غايتها هو تأمين المصالح المادية، وأساسها تطور وسائل الانتاج، وطريقها إثارة الفوضى والاضطرابات، كما أن هذا الاتجاه ينفى أصالة الوجدان الانساني ويعتبره تابعاً للمصالح الاقتصادية.
أما لاتجاه الفطري أو الانساني، فيرفض أن يكون عامل الثورة منحصراً بالطبقة المسحوقة اقتصادياً ويرفض أن تكون الغاية مادية دوماً. كما يرفض ماذهب اليه الاتجاه السابق في تفسير أساس الحركات وغاياتها. ويرى أنّ العامل في بعض الثورات كالثورات الفنيّة والخلقيّة والعلميّة لا يقتصر على الطبقة المسحوقة اقتصادياً، والغاية فيها هي القيم الانسانية أحياناً، كما أنّ أساسها هو الميل الذاتي للانسان نحو طلب الحق والحقيقة، والطريقة فيها أحياناً الوقوف بوجه التلاعب بالقانون ومعارضة الخروج عن المبادئ القانونية، (قارن بين الاتجاهين!)..
الهدف من الثورات - استناداً الى النظرية الفطرية - قد يتجاوز إطار المسائل الرفاهية والمعيشية، ويتخذ صفة عقائدية، وقد تأبى الطبقة المحرومة، أن تضفي على مظاهراتها وإضراباتها صفة مادية اقتصادية - كما حدث في إيران خلال الثورة - كما أن القيادة قد تطرح على الساحة شعارات لا تنحصر في النطاق الاقتصادي، بل تتجاوز هذا النطاق لتتخذ صبغة الآمال الانسانية والمعتقدات السامية(4).
من أجل تحليل ثورة إيران، ودراسة مدى انطباقها على النظريتين المذكورتين، ينبغي دراسة الثورة في الحقول التالية:
1ـ دراسة الأفراد والمجموعات التي حملت أعباء الثورة.
2- البحث عن العلل والجذور التي أسهمت في تفجير الثورة ودفعها.
3- دراسة الأهداف التي توختها الثورة.
4- دراسة الشعارات التي وهبت الحياة والحركة لثورة الجماهير.
5- تحليل دور القائد وتكتيك القيادة.
6- دراسة شمول الثورة واتساع نطاقها الشعبي.
أما الجذور، فيمكننا أن نبحث عنها في أحداث السنوات الخمسين الاخيرة ومنها:
استبداد الاستعمار الجديد، وفصل الدين عن السياسة، والدعوة للعودة الى عصر ماقبل الاسلام، وتحريف التراث الاسلامي، والمذابح الوحشية. والتفاوت الطبقي، وسيطرة العناصر غير الاسلامية على المسلمين, والنقض الصريح للقوانين الاسلامية، ومكافحة الادب الفارسي الاسلامي بحجة مكافحة الالفاظ الاجنبية، والعزلة عن الشعوب الاسلامية وتوطيد العلاقة مع أعداء المسلمين كاسرائيل، والدعايات الماركسية… الخ.
بعض هذه الجذور ذات صفة مادية، وبعضها الآخر يرتبط بجرح المشاعر الانسانية، وقسم آخر - وهو ماله السهم الاوفى - يرتبط بجرح المشاعر الاسلامية.
وينبغي أن نضيف الى تلك العلل والعوامل عاملين آخرين:
الاول) فشل الليبرالية الغربية.
والثاني) تبدد الآمال في الاشتراكية الشرقية. ومن هنا يبرز دور وعي شعبنا المسلم في العودة الى أصالته وفي إحساسه بكرامته الذاتية وفي موقفه من تراثه وفلسفته.
المسألة الاساسية هي اليقظة الاسلامية لشعبنا، الروح الاسلامية والهوية الاسلامية لشعبنا برزت بشكل واضح وجليّ في الصراع الاخير الذي خاضه الشعب الايراني. وهذا الوعي الاسلامي غير منفصل عن الوعي الاسلامي العام في العالم الاسلامي. فالشعوب الاسلامية بدأت تبحث عن هويتها الواقعية بعد أن يئست وخابت آمالها من أطروحات الشرق والغرب.
المسلمون اجتازوا مرحلة الذوبان وفقدان الشخصية وهاهم اليوم يعودون الى أصالتهم. ومع هذه العودة تبدو في الافق طلائع ولادة عالم ثالث يتحدى الشرق والغرب.
تحليل ماهية هذه الثورة لا ينفصل عن تحليل قيادة الثورة. لماذا أضحى الامام الخميني قائداً مطلقاً بحيث اضطرت الأقطاب المخالفة أن تنضوي تحت لوائه؟ لماذا هذا التأثير الكبير الذي أحدثته نداءات الامام الخميني وبياناته؟ لِمَ كانت بيانات الامام تنتشر في إيران كانتشار النار في الهشيم على الرغم من الاخطار التي كانت تواجه كل من يسعى في نشر هذه البيانات؟
نعم لاشك أن شخصية الامام، وما يتمتع به من صمود لاحد له في وجه الظالمين من أجل نصرة المظلومين، وما يتحلّى به من صدق وصراحة وصرامة وعدم مداهنة، كان له الاثر الكبير في تسنّمه زمام قيادة الامة، لكن المسألة الاساسية في هذا القائد كانت شيئاً آخر.
إنها أصالة النداء الذي أطلقه الامام الخميني. فنداء هذا القائد انطلق من قلب ثقافة هذه الامة ومن أعماق روحها، ومن مزيجها الحضاري.
لقد عاش شعبنا خلال أربعة عشر قرناً ملاحم «محمد» و«علي» و«فاطمة» و«الحسن» و«الحسين» و«زينب» و«سلمان» و«أبي ذر».. وأمثالهم، وهذه الملاحم امتزجت مع روحه وعقله، وهاهو اليوم يسمع أنغام تلك الملاحم التي ألفها من قبل، تخرج مرة أخرى من حنجرة هذا الرجل.
رأت الجماهير علياً وحسيناً مجسدين في شخص الامام، كما وجدت فيه المرآة التي تعكس بشكل كامل ثقافتها المهانة المحقّرة.
ما الذي فعله الامام؟
إنه أعاد لهذه المجموعة البشرية شخصيتها المفقودة. أعاد لها وجودها الواقعي وهويتها الاسلامية وأنقذها من الضياع والذوبان. وهذه أكبر هدية منحها القائد لشعبه.
لقد استطاع الامام القائد أن يعيد الى الجماهير إيمانها بنفسها. وأعلن بصراحة أن الاسلام وحده قادر على إنقاذ هذه الامة.
طرح الامام على الساحة مسألة الجهاد الاسلامي وحدّد للجماهير واجباتها الدينية، وصور أمامها عِظَم الشهيد والشهادة.
هذه الامة التي عاشت طويلاً أمل الانخراط في زمرة أصحاب الحسين، وردّدت صباح مساء عبارة خاطبت فيها شهداء كربلاء قائلة: ياليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً.. هذه الامة وجدت نفسها فجأة على مسرح كربلاء وتبوك وبدر وأحد وخيبر، وجدت نفسها أمام الحسين وجهاً لوجه.
وهذا هو الذي هزّ الملايين من الأعماق ودفع بها الى أن تسبغ الوضوء من ينبوع الحب الالهي، وتخرج مكبرة مهللة لتحطم عروش الظالمين.
* * *
ـ سؤالي الاخير عن مستقبل هذه الثورة هل تعتقدون أن بالامكان صيانة معطيات هذه الثورة واستمرار مسيرتها بحيث لاتعود الاوضاع السابقة، ولا تنتهي الاوضاع الى حالة سيئة؟
ج - من السذاجة - طبعاً - الاعتقاد بأن كلّ شيء قدتم. آثار النظام السابق لاتزال باقية، وهذه الآثار نتلمسها في كلّ ماكان يقوم عليه ذلك النظام من ثقافة عملية، ومن تركيب اجتماعي خاص.
لايزال كثير من أبناء شعبنا يصدر أحكامه على الطريقة الشاهنشاهية الآريامهرية. ومن هنا فنحن بحاجة أولا الى كنس الثقافة الاستعمارية، والى تطهير البلد من آثار الاستعمار.
والى جانب هذا فهناك أيادٍ تحاول إعادة الوضع السابق، وثمة مجموعات يسارية تحاول دفع الثورة نحو الشيوعية، وإضافة الى هؤلاء وأولئك، هنالك «العلمانيون» الذين يريدون إبعاد علماء الدين عن الساحة بعد أن استفادوا منهم في إسقاط النظام الشاهنشاهي، ليعيدوا ماقاموا به من دور في الحركة الدستورية الايرانية وفي حركة استقلال العراق وفي الحركة الوطنية الايرانية.
مع كل هذه الاخطار والمشاكل تمتلك الثورة أقوى الأسلحة وأمضاها، إنه إيمان الشعب بقوته وعودته الى قيمه الاسلامية الاصيلة.
كل القوى الكبرى تخشى يقظة الجماهير المسلمة أشد الخشية، لو استيقظ الشرق المسلم لما استطاعت أن تقف بوجهه أعظم الاسلحة وأفتكها. وطريق هذه اليقظة هو العودة الى تاريخنا وحضارتنا.
أتذكر أنّ طالباً سألني بعد انتهاء إحدى محاضراتي قائلا: لو أنّ الاسلام كان قادراً على إنقاذ الشعوب وصنع الحضارة ، فلماذا لم ينهض بهذه المهمة خلال أربعة عشر قرناً من ظهوره؟؟
أجبته بسبب جهلك وجهلي بتاريخ الاسلام ، فمن عوامل انحسار الاسلام عن الحياة جهل مثلك وأمثالك بالحضارة الكبرى التي أقام صرحها الاسلام في تاريخ البشرية.
ماكان بالامكان إطلاقا أن تخضع أمتنا لسيطرة القوى الكبرى لو حافظت على ارتباطها بثقافتها الاصيلة. كلّ جهود المستعمرين انصبت على قطع صلة الامة بتراثها الحضاري. ولقد شاهدنا بأمّ أعيننا الجهود الضخمة التي بذلت فيما يسمّى باحتفالات «ذكرى مرور الفين وخمسمائة عام على تأسيس الشاهنشاهية»!! من أجل إبعاد الحضارة الاسلامية عن مسرح تاريخ هذه الامة.
لا بأس أن أذكر هنا مثالاً آخر على محاولات النظام المندحر في هذا المجال.
قبل أن يغلق النظام البائد «حسينية إرشاد» كانت الاعلانات المرتبطة بدروس الحسينية ومحاضراتها تنشر في الصحف، بشكل رتيب، ولم تحذف الرقابة تلك الاعلانات، إلا إعلاناً واحداً.
هذا الاعلان كان يرتبط بمحاضرة، تقرر أن ألقيها في الحسينية المذكورة حول حرق مكتبات مصر وإيران، وحول اختلاق قصة حرق المسلمين لهذه المكتبات.
وأردت أن أدرج هذا الموضوع في كتاب «الخدمات المتبادلة بين إيران والاسلام»، لكني علمت أن الكتاب سوف لا يسمح له بالطبع إنْ فعلت ذلك.
هذه الحادثة تميط اللثام عن الاتجاه الاعلامي للنظام البائد، فقد أراد هذا النظام أن يغرس في أذهاننا أن الاسلام لم يبنِ أية حضارة، بل أباد الحضارات السابقة.
قلت لذلك الاخ السائل: ربما كان اعتراضك صحيحاً لو أنّ الاسلام لم يبنِ في تاريخه أية حضارة، لكن العالم الاسلامي فرض سيادته العلمية والثقافيّة على المعمورة لمدة خمسة قرون، وأوربا اليوم مَدينة للحضارة التي شيّدها الاسلام. وإنه لَواضح لديّ كوضوح الشمس أن الفلسفة الاجتماعية الاسلامية متفوقة على فلسفة الحياة الغربية تفوقاً كبيراً.
انتصار نهضتنا في المستقبل يرتبط الى حد كبير بايماننا بأنفسنا، وبقدرتنا على إحياء القيم الاسلامية الاصيلة.
لو واصلنا طريقنا على أساس الموازين الاسلامية، وأزلنا مفاسد مجتمعنا ومعايبه على هذا الاساس أيضاً، وتحلّينا بالصبر والتقوى وتحلينا بروح الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأضحى انتصارناً حتمياً لاشك فيه.
انظر الى الحركة الفلسطينية، ستجد أن بطأها في تحقيق أهدافها يعود بالدرجة الاولى الى عدم نقائها الاسلامي، والى وجود تيارات شيوعيّة في داخلها(5).
وفي أحداث نهضتنا هذه، رأينا أن شهادة شاب مسلم تؤدّي الى تصاعد الثورة واستفحالها بينما يؤدّي مقتل فرد من المجموعات غير المسلمة الى بطء حركة النهضة، وذلك لأن الجماهير كانت على علم بآراء هذه المجموعات بشأن الكون والحياة والمجتمع. وكانت الجماهير تخشى دوماً أن تقع السلطة بأيدي هذه المجموعات اللاإسلامية إن سقط النظام الشاهنشاهي.
النظام البائد كان على علم بنفور الناس ومقتهم للماركسية حين أطلق على المسلمين المناضلين اسم «الماركسيين الاسلاميين».
لقد بدأ المسلمون يعون في كلّ العالم أنّ الطريق الوحيد لتحررّهم من قيودهم وأغلالهم ينحصر باعتمادهم على قدرتهم.
تاريخنا المعاصر أثبت بوضوح أن الشيوعية والامبريالية على تناقضهما الظاهري - كشقي مقص - اجتمعا على هدفٍ واحدٍ.
أعتقد أنَّ الوقتَ قد حان ليرتفع نداء العودة الى الاسلام لافي مجتمعنا حسب بل في جميع العالم الاسلامي، ولو قُدّر لهذا النداء أن يرتفع، لسمعنا معه أصواتَ تحطّم السلاسل والقيود التي تكبّل مسيرة هذه الامة وطاقاتها، ولشهدنا ولادة الامة الاسلامية المقتدرة من جديد.
_ أشكرك فضيلة الاستاذ!
الهوامش:
1 - إحياء الفكر الديني في الاسلام، إقبال اللاهوري ، ص 203 - 204 من الترجمة الفارسية.
2- يشرح الاستاذ الشهيد في مقدمة إجابته المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة «انقلاب» التي تستعمل في معنى «الثورة» باللغة الفارسية.
فالمعنى اللغوي ينطوي على جانبين: سلبي جاء في الآية الكريمة: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم( آل عمران/ 144.
وإيجابي ورد في الآية: (فانقبلوا بنعمة من الله وفضل(.. (آل عمران/ 147).
أمّا في الاصطلاح، فقد اتخذت الكلمة في الفقه والفلسفة وعلم الاجتماع معاني مختلفة.
ثم يذكر الاستاذ أن «الانقلاب» فردي واجتماعي. والفردي: حيواني و انساني، كالتغيير الفجائي الذي حصل في نفس بعض الافراد لينتج عنه اندفاعاً محموماً وراء طلب الجاه والشهرة والاستزاده من الشهوات، وكالحب باعتباره تغييراً في المحتوي الداخلي للافراد، وكالتوبة باعتبارها ثورة ضد الذات المنحرفة الظالمة.. ثورة النزعة المتسامية ضد نزعة الهبوط والانحدار.
ثم يبدأ بالحديث عن «الانقلاب» الاجتماعي، وهنا تدور الاجابة عن معنى «الثورة» بالذات.. ولما كان حديث الاستاذ عن كلمة «انقلاب» في هذا المجال يختص باللغة الفارسية، فقد أثرنا عدم ترجمته الى القارئ العربي.
3- كتاب «اصول فلسفه وروش رئاليسم = مبادئ الفلسفة ومنهج الواقعية، للعلامة الكير محمد حسين الطباطبائي. والاستاذ الشهيد أضاف الى الكتاب شروحاً وهوامش هي أعمق ماخلفه - رضوان الله عليه - من بحوث فلسفية (م).
4 - ماذكره الاستاذ الشهيد عن اتجاهي تفسير التاريخ، وهو موجز لما ذكره بالتفصيل في كتاب «نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ» هذا الكتاب ترجمناه الى العربية، وطبعته «المكتبة الاسلامية الكبرى» (المعرّب).
5- يذكر الاستاذ مطهّري هذه الملاحظة قبل انبثاق الاتجاه الاسلامي في الحركة الفلسطينية. هذا الاتجاه الذي أثبت أنه هو الوحيد القادر على تعبئة طاقات الشعب الفلسطيني ودفعها نحو الثورة.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• أخبار التقريب   (بازدید: 1050)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• إصفهان.. عاصمة الثقافة الإسلامية   (بازدید: 1028)   (موضوع: ثقافة)
• أضواء على رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية   (بازدید: 2097)   (موضوع: مؤسسات ثقافية)
• احمد صدقي الدجاني رجل الفكر الحضاري   (بازدید: 1594)   (موضوع: شخصيات)
• اخبار التقريب   (بازدید: 950)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• اخبار التقريب خلال العام الماضي   (بازدید: 1079)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• اختتام الدورة الأولى لمهارات اللغة العربية   (بازدید: 1092)   (موضوع: ملتقيات)
• اعلان طهران حول الحوار بين الحضارات   (بازدید: 1019)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الأبعاد التقريبية في نداء الامام الخامنئي   (بازدید: 911)   (موضوع: نداءات)
• الإسلام و التعاون الإقليمي والدولي   (بازدید: 1010)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• الاجتماع الثالث عشر لمجمع الفقه الإسلامي (الكويت)   (بازدید: 1011)   (موضوع: ملتقيات)
• الاجتماع الرابع عشر للجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك في منظمة المؤتمر الاسلامي   (بازدید: 1120)   (موضوع: ملتقيات)
• الاعداد من ١ - ١٦ من مجلة «رسالة التقريب»   (بازدید: 2054)   (موضوع: فهرس)
• الامام الشيخ محمد شلتوت (٢ / ٢) الاستاذ الدكتور محمد عمارة   (بازدید: 2322)   (موضوع: شخصيات)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (موضوع: )
• الايسيسكو و القرن الحادي و العشرون   (بازدید: 1241)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• البوسنة الجرح النازف   (بازدید: 1594)   (موضوع: )
• البيان الاول واصداؤه   (بازدید: 983)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• البيان الختامي   (بازدید: 968)   (موضوع: ملتقيات)
• البيان الختامي   (بازدید: 983)   (موضوع: ملتقيات)
• البيان الختامي المؤتمر الدولي الرابع عشر للوحدة الإسلاميّة   (بازدید: 975)   (موضوع: ملتقيات)
• البيان الختامي لمؤتمر الشهيد الصدر   (بازدید: 1020)   (موضوع: ملتقيات)
• البيان الختامي لمؤتمر علماء الإسلام   (بازدید: 905)   (موضوع: ملتقيات)
• التغيير الإسلامي في إيران من منظور حضاري   (بازدید: 1098)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الثقافة   (بازدید: 1274)   (موضوع: )
• الحضارت حوار أم صدام؟   (بازدید: 1223)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الحلقة المفقود ما قبل تعارف الحضارات   (بازدید: 1342)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الحوار الإيراني العربي / في المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق   (بازدید: 2061)   (موضوع: ملتقيات)
• الحوار الاسلامى - الاسلامى   (بازدید: 900)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الحوار الاسلامى - الغربى   (بازدید: 956)   (موضوع: حوار)
• الحوار الاسلامى - القومى   (بازدید: 976)   (موضوع: حوار)
• الحوار الاسلامى - المسيحي   (بازدید: 1125)   (موضوع: حوار)
• الحوار الايرانى - العربى   (بازدید: 954)   (موضوع: حوار)
• السياسة بين السلب والإيجاب   (بازدید: 1686)   (موضوع: )
• الشهيد مطهري و احياء الفكر الاسلامي   (بازدید: 1491)   (موضوع: شخصيات)
• الشيخ ميثم البحراني رمز من رموز التراث والتواصل الحضاري   (بازدید: 1930)   (موضوع: شخصيات)
• الصراع الإسلامي - الصهيوني أحد محاور الوحدة الإسلاميّة \ بقلم التحرير   (بازدید: 1023)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• العروة الوثقى في الذكرى المئوية لصدورها   (بازدید: 1453)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• العزّة وثقافة التقريب   (بازدید: 725)   (موضوع: )
• العلاقات الايرانية المصرية - رؤية حضارية   (بازدید: 1240)   (موضوع: أوضاع المسلمين)
• العلامة محمد تقي القمي رائد للتقريب والنهضة الإسلامية   (بازدید: 2852)   (موضوع: شخصيات)
• القضية الفلسطينية من منظور حضاري   (بازدید: 986)   (موضوع: فلسطين)
• القيادة الإسلامية والانفتاح على الآخر   (بازدید: 1030)   (موضوع: فكر إسلامي)
• المؤتمر الإعلامي الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية (طهران)   (بازدید: 1607)   (موضوع: ملتقيات)
• المؤتمر العالمي الحادي عشر للوحدة الاسلامية   (بازدید: 986)   (موضوع: ملتقيات)
• المؤتمر العالمي السابع للوحدة الإسلاميّة   (بازدید: 884)   (موضوع: ملتقيات)
• المؤتمر العالمي للسيد جمال الدين الاسد آبادي المعروف بالأفغاني   (بازدید: 1087)   (موضوع: ملتقيات)
• المجمع العالمي للتقريب يدين الجريمة الصهيونية في مسجد الخليل   (بازدید: 913)   (موضوع: بيانات)
• المحور الفقهي   (بازدید: 875)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت مقدمة   (بازدید: 937)   (موضوع: ملتقيات)
• الموسوعة الميسرة في الاديان و المذاهب المعاصرة   (بازدید: 1130)   (موضوع: كتب)
• الوحدة الوطنية في المنظار الإسلامي   (بازدید: 1607)   (موضوع: )
• انتشار الإسلام في إيران هل دخل بالسيف أم عن طريق القلوب؟   (بازدید: 920)   (موضوع: )
• انتصار لبنان.. حضارياً   (بازدید: 1033)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• انتصار لبنان.. حضارياً   (بازدید: 979)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• بعد مرور ٧ قرون على مولده أسفار ابن بطوطة مازالت حديث العالم   (بازدید: 2397)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• بيان المجمع العالمي للتقريب بمناسبة أحداث لاهور المؤسفة   (بازدید: 1023)   (موضوع: بيانات)
• تجديد الخطاب الديني بين الفعل والانفعال   (بازدید: 925)   (موضوع: فكر إسلامي)
• تجديد الخطاب الديني بين الفعل والانفعال   (بازدید: 1039)   (موضوع: فكر إسلامي)
• تساؤل   (بازدید: 994)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• تقرير حول المجمع العالمي للتقريب   (بازدید: 1144)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• تقرير عن المؤتمر الثالث عشر للوحدة الاسلامية   (بازدید: 978)   (موضوع: ملتقيات)
• تقرير عن المؤتمر الدولي الخامس للوحدة الإسلاميّة الامانة العامة للمجمع العالمي للتقريب   (بازدید: 2336)   (موضوع: ملتقيات)
• تقرير مختصر عن الندوة العالمية للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة في ماليزيا الأمانة العامة للمجمع العالمي للتقريب   (بازدید: 2373)   (موضوع: ملتقيات)
• توجيهات الامام القائد   (بازدید: 1132)   (موضوع: خطابات)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (موضوع: )
• تونسيان يدافعان عن شخصيتين ايرانيتين   (بازدید: 1191)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• ثقافة التقريب... لماذا؟   (بازدید: 1333)   (موضوع: )
• ثقافـة الحـوار   (بازدید: 1376)   (موضوع: حوار)
• جولة في كلمات التحرير   (بازدید: 1489)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• حافظ الشيرازي شاعر الغزل   (بازدید: 4576)   (موضوع: )
• حوار مع الأستاذ الدكتور يوسف الكتاني   (بازدید: 3118)   (موضوع: )
• حوار مع الاستاذ الشيخ الدكتور يـوسف القـرضـاوي   (بازدید: 1827)   (موضوع: مقابلات)
• حوار مع السيد حسن الرباني نائب الامين العام للمجمع   (بازدید: 1721)   (موضوع: مقابلات)
• خطاب الامام السيد علي الخامنئي في جلسة افتتاح القمة الاسلامية   (بازدید: 1902)   (موضوع: خطابات)
• دار التقريب بين المذاهب الاسلامية القاهرة القسم الثاني - تاريخ ووثائق   (بازدید: 5026)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• دار التقريب على لسان متحامل   (بازدید: 1912)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• دور الأدب في بناء الحضارة المعاصرة   (بازدید: 4451)   (موضوع: أدب)
• رؤية اسلامية لحال الامة   (بازدید: 1923)   (موضوع: فكر إسلامي)
• رسالتان متبادلتان بين الأمين العام و شيخ الأزهر   (بازدید: 2171)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• زيارات - لقاءات - بيانات   (بازدید: 1680)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• سؤالان حول الأدب الفارسي وجواب الجواهري وسيد قطب   (بازدید: 3825)   (موضوع: )
• سعدي الشيرازي من رموز وحدتنا الحضارية   (بازدید: 1521)   (موضوع: )
• سعدي شاعر الإنسانية   (بازدید: 1861)   (موضوع: )
• سماحة الإمام الشهيد مرتضى المطهري   (بازدید: 1743)   (موضوع: شخصيات)
• سماحة الإمام الشيخ محمّد الغزالي   (بازدید: 1361)   (موضوع: شخصيات)
• عاشوراء بمنظار حضاري   (بازدید: 1463)   (موضوع: دراسات حضارية)
• عاصفة الشهوات.. والإذلال   (بازدید: 1264)   (موضوع: )
• عالم الكتب   (بازدید: 1590)   (موضوع: )
• عبدالرحمن الكواكبي من روّاد الاستنهاض الحضاري   (بازدید: 1350)   (موضوع: دراسات حضارية)
• عطاء السيرة   (بازدید: 998)   (موضوع: )
• فتوى جبهة علماء الأزهر بشأن منفذي العمليات الاستشهادية   (بازدید: 1466)   (موضوع: فقه)
• فضلية الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله)   (بازدید: 987)   (موضوع: شخصيات)
• فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري (رحمه الله)   (بازدید: 1096)   (موضوع: شخصيات)
• فقه الاختلاف   (بازدید: 734)   (موضوع: بيانات)
• فلسطين .. والشعر   (بازدید: 1078)   (موضوع: أدب)
• فلسطين .. والشعر   (بازدید: 2280)   (موضوع: أدب)
• فلسطين.. ثقافياً   (بازدید: 922)   (موضوع: فلسطين)
• فهرست الاعداد من ١ - ٦٠   (بازدید: 917)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (موضوع: )
• قراءة سريعة في التوجه التقريبي للقائدين   (بازدید: 967)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• قرارات الدورة ١١ لمجمع الفقه الاسلامي   (بازدید: 996)   (موضوع: ملتقيات)
• قصة الطوائف   (بازدید: 908)   (موضوع: كتب)
• قضية الحـجـاب في فرنسا   (بازدید: 2067)   (موضوع: أوضاع المسلمين)
• كلمة الامام الخامنئي في المولد النبوي الشريف   (بازدید: 993)   (موضوع: خطابات)
• كلمة عن المؤلف والكتاب   (بازدید: 945)   (موضوع: تاريخ)
• كلمة لابدّ منها   (بازدید: 1040)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• كنّا قرية صغيرة   (بازدید: 977)   (موضوع: دراسات حضارية)
• كيف نقرأ التاريخ   (بازدید: 784)   (موضوع: )
• لقاء أعضاء لجنة تنسيق العمل الاسلامي المشترك بالامام القائد   (بازدید: 1091)   (موضوع: ملتقيات)
• لقاء مع الأستاذ العلامة السيد محمد باقر الحكيم   (بازدید: 1073)   (موضوع: مقابلات)
• لقاء مع الأستاذ المولوي اسحق مدني   (بازدید: 916)   (موضوع: مقابلات)
• لقاء مع فضيلة الأمين العام   (بازدید: 959)   (موضوع: مقابلات)
• مؤتمر «اللغة العربية إلى أين؟»   (بازدید: 1115)   (موضوع: ملتقيات)
• مؤتمر علماء الإسلام (بيروت)   (بازدید: 975)   (موضوع: ملتقيات)
• مؤتمر كيف نواصل مشروع حوار الحضارات   (بازدید: 2205)   (موضوع: ملتقيات)
• مؤتمرات تقريبية   (بازدید: 983)   (موضوع: ملتقيات)
• محاسن أصفهان / القسم الأول   (بازدید: 1921)   (موضوع: تاريخ)
• محاسن أصفهان / القسم الثاني   (بازدید: 1267)   (موضوع: تاريخ)
• محاضرات في حوار الحضارات   (بازدید: 3790)   (موضوع: حوار الحضارات)
• محور الادب   (بازدید: 884)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• محور العقيدة   (بازدید: 970)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• محور القرآن   (بازدید: 865)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• محور وحدة الدائرة الحضارية الإيرانية العربية   (بازدید: 968)   (موضوع: دراسات حضارية)
• مسألة «المهدي المنتظر» برؤية حضارية   (بازدید: 1137)   (موضوع: دراسات حضارية)
• مسألة التقريب بين أهل السنة و الشيعة   (بازدید: 956)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مشاريع علمية   (بازدید: 974)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• مشاكل و عقبات في طريق وحدة المسلمين   (بازدید: 1311)   (موضوع: )
• مع الاستاذ الشيخ محمد علي نظام زاده   (بازدید: 1067)   (موضوع: مقابلات)
• مع مصطلح الفطرة قسم الدراسات و البحوث في المجمع العالمي للتقريب - قم   (بازدید: 1426)   (موضوع: دراسات مقارنة)
• مفتي مصر يرد   (بازدید: 969)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مقابلة مع الشيخ محمدي عراقي   (بازدید: 926)   (موضوع: مقابلات)
• ملف مالك بن نبي   (بازدید: 1273)   (موضوع: شخصيات)
• من اصداء المؤتمر العاشر للوحدة الاسلامية   (بازدید: 893)   (موضوع: ملتقيات)
• من الطائفية الى الرسالية   (بازدید: 981)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• من رواة الحديث المشتركين لدى الشيعة و السنة من أصحاب الإمام محمّد الباقر "عليه السلام" \ مركز البحوث و الدراسات الإسلاميّة من رواة الحديث المشتركين لدى الشيعة و السنة   (بازدید: 1759)   (موضوع: سُنة)
• من هنا وهناك   (بازدید: 1136)   (موضوع: )
• من هنا وهناك   (بازدید: 1403)   (موضوع: )
• مناهج دراسة مسألة «المهدي»   (بازدید: 1296)   (موضوع: فكر إسلامي)
• موجز كلمتي - الشيخ الهاشمي الرفسنجاني و الرئيس خاتمي   (بازدید: 881)   (موضوع: خطابات)
• موقف الإسلام من التراث الإيراني القديم   (بازدید: 1065)   (موضوع: )
• نداء الامام الخامنئي الى حجاج بيت اللّه الحرام   (بازدید: 896)   (موضوع: نداءات)
• نداء الامام القائد في الذكرى   (بازدید: 926)   (موضوع: نداءات)
• ندوة الكواكبي   (بازدید: 1008)   (موضوع: ملتقيات)
• نشاطات المجمع في سطور   (بازدید: 955)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• نشاطات عالمية   (بازدید: 889)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• نصوص موثـّقة من أقوال الحسين بن علي في كربلاء   (بازدید: 2994)   (موضوع: تاريخ)
• نظرة في بعض مواد الدستور الاسلامي   (بازدید: 1212)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• وثائق   (بازدید: 923)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• وثيقتان تقريبيتان (١- فتوى جمع من مراجع العراق ٢- رسالة زين الدين إلى الباقوري)   (بازدید: 1068)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• وحدة المسلمين فريضة   (بازدید: 1123)   (موضوع: )
• وقفة عند إعلان العواصم الثقافية للعالم الإسلامي   (بازدید: 1035)   (موضوع: ثقافة)
• وقفة عند الثورة الاسلامية في ذكراها العشرين   (بازدید: 927)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• حوار مع الدكتور سيد حسين نصر   (بازدید: 1751)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مقابلة مع الشيخ محمدي عراقي   (بازدید: 926)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• حوار مع الاستاذ عبد الاله بلقزيز   (بازدید: 811)   (نویسنده: مصطفى مطبعه چي)
• حوار مع الدكتور جعفر عبد السلام   (بازدید: 886)   (نویسنده: مجيد مرادي)
• حوار مع السيد حسن الرباني نائب الامين العام للمجمع   (بازدید: 1721)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• حوار مع الاستاذ الشيخ الدكتور يـوسف القـرضـاوي   (بازدید: 1827)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مع الاستاذ الشيخ محمد علي نظام زاده   (بازدید: 1067)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• لقاء مع الدكتور عبد الكريم بي آزار شيرازي   (بازدید: 660)   (نویسنده: عبد الكريم بي آزار شيرازي)
• حوار فكري   (بازدید: 789)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• لقاء مع الأستاذ العلامة السيد محمد باقر الحكيم   (بازدید: 1073)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• لقاء مع الأستاذ المولوي اسحق مدني   (بازدید: 916)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• لقاء مع فضيلة الأمين العام   (بازدید: 959)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]