banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

أزمة الحوار الإسلامي
ثقافة التقريب - العدد اول

زكي الميلاد
1428

• لماذا نفكر بالحوار عند العسر وعند تفاقم الأزمات ولا نعمد إليه في ظروف اليسر؟! حين وصلنا إلى مرتبة الحوار بقينا فيها ولم نطورها إلى مرحلة ما بعد الحوار • من مظاهر أزمة الحوار هو هذه الضجة التي تثار عند طرح كل فكر جديد • أزمة الحوار تتزامن دائماً مع الأزمة الحضارية .
الحوار هو قاعدة الوحدة في كافة تفاصيلها وجوانبها، المعرفية والمنهجية، النظرية والتطبيقية، الأسلوبية والخططية.. ومن غير الحوار فلا وحدة ننتظر حاضراً ومستقبلاً، لأن هناك ما يفصلنا عن الوحدة، والحوار هو سبيل الوصول إليها، ولأننا في مرحلة ما قبل الوحدة، وهذه المرحلة بشكل محدد هي مرحلة الحوار، ومن غير أن نبدأ به، ونتصاعد بسلّمه فلن نصل إلى الوحدة..
والحوار فضيلة أخلاقية، وحاجة طبيعية، وضرورة إنسانية..
ولا نحتاج هنا أن نبحث في أهمية الحوار أو ضرورته أو الحاجة إليه فهذه أمور أكثر من أن تكون واضحة.. وما نحتاج أن نتأمل فيه ما نلاحظه ونرصده في الواقع الإسلامي من أزمة حوار إسلامي ــ إسلامي، ونغالط أنفسنا إذا لم نتصارح بذلك.. وهي أزمة ليست بجديدة، بل مرّ عليها زمن طويل، ولا نحاول أن نقترب منها بحثاً ونقداً وتأملاً لكن الواقع يصرح بذلك علناً ومن غير رهبة..
وقد يحرم علينا الحديث لو قلنا أن أزمة الحوار تبدأ من القمة بين قيادات المجتمع الأهلي، هم يختلفون والمجتمع يتآكل من هذا الاختلاف ويدفع الثمن في المزيد من الفرقة والتمزق والنـزاع، ولا من أحد يتدخل في وقف هذا النـزيف، فما هو السر في أزمة الحوار بين القيادات في الأمة؟ لا أريد أن أعطي الجواب، الواقع الذي نعيشه بائس بسبب أزمة الحوار، في الوقت الذي تتعالى أكثر من أي وقت مضى قيمة الحوار، بين النخب والجماعات الفكرية والسياسية في العالم العربي الإسلامي ، كمبدأ وأسلوب في التفاهم والتعايش السلمي، ورفض النـزاعات والخلافات، وفهم الطرف الآخر بوضوح وواقعية.
ولاشك أن هذا تحوّل إيجابي ومعقول بين هذه الجماعات حيث يختصر لهم المسافات التي كانت فيما سبق تبتعد من يوم إلى آخر، ويوفر لهم من الطاقات التي كانت تهدر في نزاعات وخلافات لا مبرر لها، ويرفع عنهم هواجس كانت مقلقة.
ومشكلتنا في الحوار كانت وما تزال أننا متى ما وصلنا إلى طريق مسدود في مشاريعنا فكّرنا في الحوار وطالبنا به، وهذا أمر حسن لا خلاف عليه، لأن الحوار في هذه الحالة جزء حيوي من الحل للخروج من الأزمة.. ولكننا لماذا حينما نكون في ظروف حسنة وميسرة لا نفكر في الحوار ولا نطالب به بالدرجة ذاتها، وقد نتغافل عنه بقصد أو بغير قصد..
هذا من حيث الظروف الموضوعية، أما من حيث الظروف الذاتية فإننا متى ما استشعرنا الضعف في أنفسنا فكرنا في الحوار وطالبنا به، وكأن الحوار هو مطلب الضعيف وليس القوي..
وفي حالات كثيرة عادة ما يحصل أن يكون الحوار من طرف واحد وهذا بالتأكيد لا يحقق الهدف من الحوار ولا يتقدم به، ولا يرسخه مسلكياً كمبدأ وفضيلة.
وحينما فكرنا في الحوار وعملنا به وجدنا أنفسنا نقف في حدود الحوار ولا نطوره إلى ما هو أرفع درجة وكأن الحوار هو للحوار.
وقد وجدنا في بعض الحالات أن يتقدم الحوار مع الطرف البعيد ويكون سالكاً، في الوقت الذي يتعثر الحوار مع الطرف القريب وقد يكون غائباً.
وأما الواجب الغائب فهو الحوار الإسلامي ــ الإسلامي، الحلقة المفقودة في الساحة الإسلامية الذي كان ينبغي أن تكون له الأولوية والسبق.
ويتحدث عن هذه الحقيقة من داخل الصف الإسلامي الأستاذ "راشد الغنوشي" حيث يقول: «إنه من الملفت للنظر أن يجري الحوار بين غير المسلمين فيتحقق التعاون، ويتوحد الصف، بينما يصبح الحوار بين جماعات المؤمنين أكثر صعوبة وأقل جدوى. وذلك مظهر من مظاهر التخلّف ومن معانيه وسننه ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وعدم احترام الآخر في فكره ومعتقده وانصراف الأنظار عند الاختلاف إلى ما يفرق لا إلى ما يجمع».
ومن أشد مظاهر أزمة الحوار الإسلامي حينما يغيب الحوار ويحلّ مكانه الصراع بأدوات عنيفة بالسيف والمدفع كالذي حصل في أفغانستان بين جماعات المجاهدين.
و وجدنا الحوار قد يكون صعباً حتى داخل الجماعة الواحدة..
مع كل هذا لو تتبعنا الأدبيات والخطابات السياسية والإعلامية والفكرية لوجدنا أن كلمة الحوار تتردد على كل لسان وتتكرر في أكثر من خطاب ومقال، وهذا جزء من أزمة الحوار ذاته. كلنا ندعو إلى الحوار ولا نتحاور، ونقول إننا مع الحوار وننتظر أن يأتي إلينا ولا نذهب إليه.
ومن مظاهر أزمة الحوار الإسلامي في الجانب الفكري ما حصل من أجواء وتداعيات مع صدور كتاب «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» للشيخ الداعية الجليل «محمد الغزالي» حيث كشف هذا الكتاب عن أزمة حقيقية في الحوار الإسلامي والنقد الإسلامي، حين دخل الكتاب في معارك فكرية ساخنة وحادة لا لسبب إلا لأنه جاء بأفكار جريئة خرج بها عن المشهور، ولأنه أعاد الاعتبار إلى العقل الإسلامي كما يصفه الأستاذ «فهمي هويدي». وأراد أن يمارس حقه العلمي الاجتهادي المشروع في النقد الإسلامي.
وعن تاريخية أزمة الحوار الإسلامي حيث بلغت ذروته في «المرحلة التي بلغ فيها الانكسار ذروته بسقوط الدولة في أيدي التتار في القرن السابع الهجري»، يصف هذه المرحلة الإمام «الغزالي» حيث «ألقى الانكسار بظله على ساحة العلم، فأصابها الفقر وسرى روح التقليد في الأمة، واقترن التقليد بضيق الصدور والعقول، فشاع التعصب، واختفى الحوار، واستبدل به الجدل والخطل والمناظرة، مما لم يكن هدفه توصل المتجادلين إلى الحق، ولكن نجاح كل منهما في تخطئة الآخر».
ومن عينات أزمة الحوار، بل بؤس الحوار وانحطاطه في تلك المرحلة ما ينقل أنه» سئل بعض المتعصبين من الشافعية عن حكم طعام وقعت فيه قطرة نبيذ، فقال: يرمى لكلب أو حنفي ـ استناداً إلى ما قيل عن أن الأحناف يبيحون النبيذ!
وسئل متعصب حنفي: هل يجوز للحنفي أن يتزوج امرأة شافعية، فقال: لا يجوز لأنها يشك في إيمانها، بينما قال آخر: إنه يجوز قياساً على الكتابية!!.
«ومن أشد الأمور وقعاً أنك تجد في موسم الحج بعض العلماء المختلفة أمصارهم ولا يهتم أحدهم أن يتعرف بالآخر أو يروي
عنه شيئاً».
وهذه التاريخية تكشف عن أن أزمة الحوار الإسلامي بلغت ذروة ارتفاعها مع الأزمة الحضارية في شدتها بعد سقوط الدولة الإسلامية على أيدي المغول سنة 656م.
والى هذا الوقت فإن أزمة الحوار بكل مظاهرها وتداعياتها لا تنفصل عن الأزمة الحضارية المتجذرة في الأمة.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (موضوع: )
• الثقافة والحضارة   (بازدید: 2449)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الثقافة والسياسة / تجليات العلاقة وأنماطها   (بازدید: 1078)   (موضوع: دراسات ثقافية)
• الفارق بين المذهب والطائفة   (بازدید: 1545)   (موضوع: )
• الفكر الإسلامي في العصر الوسيط من الغزالي إلى ابن تيمية   (بازدید: 6117)   (موضوع: فكر إسلامي)
• الفكر الاسلامي في العصر الوسيط من الغزالي الى ابن تيمية (١ / ٢)   (بازدید: 2885)   (موضوع: فكر إسلامي)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (موضوع: )
• تعارف الحضارات   (بازدید: 1464)   (موضوع: دراسات حضارية)
• خطاب الوحدة الاسلامية   (بازدید: 996)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• محمد إقبال وتجديد التفكير الديني في الاسلام   (بازدید: 2349)   (موضوع: دراسات حضارية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)
• التقريب.. منهج تربوي   (بازدید: 1283)   (نویسنده: السيد محمد حسين فضل اللّه)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]