كيف نقرأ التاريخ
|
ثقافة التقريب - العدد اول
محمّد علي آذرشب
1428
• الأمة الحيّة لها من التاريخ موقف الإشراف لا موقف الانجراف • الإمام الخامنئي يوصي أن يكون مؤتمر الشيخ المفيد(رض) وسيلة تقريب فكري واتحاد عملي بين المذاهب الإسلامية • سلبيات التاريخ لا يجوز أن تنسحب على واقعنا • نبش الخلافات التاريخية مظهر موت . لا يمكن لمجموعة بشرية أن تنفصل عن تاريخها، فهو يؤثّر في روحها وفكرها وسلوكها إيجاباً أو سلباً، غير أنّ هذا التأثير يتغيّر تبعاً لمستوى النضج الفكريّ للأمّة، فإن كان مستواها هابطاً انجرفت في تيار أحداث متدفّق من الماضي إلى الحاضر، دون أن يكون لها إرادة في تعيين مساره، وإن كانت تملك زمام أمورها سيطرت على مسيرة الأحداث التاريخية، ووجّهتها وجهة رائدة. فالأمّة الحيّة لها من التاريخ موقف الإشراف، لا الانجراف، تتخذ من أحداثه عبرة وتستخلص من غواشيه الدروس. فهي تنظر إلى صفحاته نظر الفاعل لا المنفعل، وتتفاعل مع أحداثه تفاعل خبير يريد أن يبني حاضره ومستقبله. نحن المسلمين: نملك ذاكرة تاريخية موثّقة لا تملكها أية أمة، وتخزن هذه الذاكرة صوراً لا حصر لها من الأحداث والمواقف، الإيجابية منها والسلبية. يشهد الخطّ البيانيّ لمسيرتنا التاريخية تارةً صعوداً يفاخر به الأمم، ويزيّن جبين الدهر.. ويشهد أحياناً هبوطاً مخجلاً يندى له الجبين. ونحن اليوم نرث كلّ تلك الإيجابيات والسلبيّات، فما موقفنا منها؟ هذا يتوقّف على مقدار ما فينا من حياة وإرادة. إن كانت مظاهر الحياة فينا ضامرةً تسرّبت إلى أجسامنا سلبيات التأريخ، كما تسرّبت الجراثيم إلى الجسد الضعيف لتزيده ضعفاً وتفتك به، وإن كانت أمتنا طافحة بالحياة والحركة والإرادة قاومت تلك السلبيات ولفظتها ورفضتها واجتذبت الإيجابيات تتمثّلها في حياتها وتتزوّد بها في مسيرتها، وتستلهمها في عملية بناء حاضرها ومستقبلها. من هنا نستطيع أن نفهم أن كلّ توجّه واع للتاريخ هو مظهر حياة، ونفض الغبار عن صور السموّ الإنساني على المستوى الفرديّ والاجتماعي.. وإماطة اللثام عن روح الابتكار العلمي والفني للأجداد.. وتحليل الأحداث تحليلاً يستخلص العبر والتجارب.. كلّها مظاهر حياة في المجتمع.. ونبش خلافات الماضي لإثارة النزاعات، وخلق الأحقاد والتنافر مظاهر موت. وكلا المظهرين قائمان في مجتمعاتنا الإسلامية، لأنّ هذه المجتمعات تشهد صراعاً بين الموت والحياة.. يقف وراء عوامل الموت كل أعداء الأمة: من جهل وتحجّر وطاغوت عالمي ومحليّ. ويقف وراء عوامل الحياة كل العلماء الصالحين المجاهدين المخلصين الأحرار من الذين "عظم الخالقُ في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم". منذ سنوات انعقد في مدينة "قم" مؤتمر بمناسبة الذكرى الألفيّة لوفاة الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد رضي الله عنه، والذكرى التاريخية هذه تعيد إلى الذهن جملة من صور بعضها بيضاء ناصعة وبعضها سوداء قاتمة. صور ايجابية تتمثل في: الجهود العلمية الجبارة، والقدرة الفكرية التأسيسية الفائقة لهذا الرجل الكبير، وصور سلبية تتمثل في: الصراع الكلامي، والاشتباك اللفظي والجسدي، والتنافس العباسي البويهي، وهدم الدور وإحراق المكتبات في بغداد. وإزاء كلّ هذه الصور وقف العبد الصالح الإمام الخامنئي – حفظه الله – في ندائه الكبير الذي وجهه إلى المؤتمر آنئذ – موقف الرائد الموجّه لأحداث التاريخ وجهة بناء وعطاء. فيستعرض في جولة فكرية طويلة ممتعة كلّ ما في حياة الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ من معطيات إيجابية بناءة. ثم هو تجاه ما عصف بتلك الفترة الزمنيّة من أحداث مؤلمة أثّرت في كتابات الشيخ المفيد ومواقفه ـ يقول: «ما أريد أن أؤكّد عليه في نهاية هذا المقال هو: توصية العلماء والمفكّرين المشاركين في هذا التجمع الثقافي أن يبذلوا كل وسعهم لجعل هذا اللقاء العلمي وسيلة تقريب فكري واتحاد عملي بين المذاهب الإسلامية. إنّ أسلوب الشيخ المفيد ــ رحمه الله ــ في مواجهة خصمه المذهبي في زمانه متأثّر دون شك بالحوادث الاجتماعية المرة، وبالمصائب التي ألمّت بالشيعة المظلومين في ذلك الزمان، والتي أدّت إلى إضرام نيران التعصب الأعمى. هذا الأسلوب لا يمكن أن يكون اليوم قدوة لمواقف الفرق الإسلامية من بعضها، حتى في المجالات الكلامية. الفرق الإسلامية اليوم ــ باستعراض تلك المشاهد التاريخية المؤلمة ــ يجب أن تتلقى تجربة التعاطف والمسالمة، وعليهم في هذا العصر ــ حيث مبادئ الإسلام التي تحمّل ما تحمّل أمثال المفيد من كلّ مذهب لإحيائها، تتعرّض للخطر من قبل الأعداء الدوليين ــ عليهم أن يفكّروا في الوحدة والتقارب والتعاون بين كلّ الفرق وجميع مفكّريها. وهذا هو الدرس الكبير لثورتنا، والتوجيه الخالد لإمامنا الراحل قدّس الله نفسه الزكية». هذا المبدأ في قراءة التأريخ مبدأ هام يشكّل معياراً للتمييز بين القراءة الحيّة المنطلقة من رواد الحياة، وبين القراءة الميتة المنبثقة من روح ميتة أو قاتلة. فلنتّجه إلى الإسلام.. إلى الحياة.. إلى استجابة دعوة التوحيد والوحدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|