مشاكل و عقبات في طريق وحدة المسلمين
|
ثقافة التقريب - العدد اول
محمّد علي آذرشب
1428
كل تعصّب أعمي ناشئ عن جهل لعدم قدرة الجاهل أن يرى الأشياء بحجمها الحقيقي • جهل أتباع المذاهب بعضهم ببعض اشتكى منه الزمخشري منذ القديم • كان لوعاظ السلاطين دائماً دور مخرّب في الأمة • مطامع الحكم كانت من عوامل التفرقة في تاريخ المسلمين • مشاكل التعصب القومي ظهرت في العالم الإسلامي نتيجة لتأدبه بآداب الغرب!! تحقّق وحدة المسلمين ليس ميسوراً، بل يحتاج إلى جهود جبّارة في جميع مجالات إعادة بناء الأمة. أمتنا اليوم مصابة بانهيارات كبيرة في نفسيّتها وثقافتها وتكوينها الاجتماعيّ والاقتصادي والسياسي وتحتاج إلى تظافر مساعي كل المخلصين لرأب الصّدع ورتق الفتق. ولابدّ أن يعرف العاملون في هذا السبيل أن الطريق غير مفروش بالزهور، بل مليء بالمشاكل والعقبات، ومن أراد أن يسلك طريقاً فلا بدّ أن يعرف عقباته، ليكون على بيّنة من أمره. وفي هذا المقال نستعرض بإيجاز أهمّ العقبات التي تعتري طريق وحدة المسلمين: أولاً: الجهل بالإسلام، وهذا الجهل موجود بين المسلمين بشكل فظيع حتى بين أكثريّة المتديّنين. والجهل إما أن يشوّه صورة الإسلام في الأذهان أو يجعلها ذات إطار ضيّق قاتم لا يتجاوز حدود بعض العبادات والعادات والتقاليد. ولذلك نرى نشوب نزاعات بين المسلمين حول مسائل موهومة أو مسائل فرعية لا وزن لها في معيار الإسلام. وكلّ تعصّب أعمى إنما هو ناشئ عن جهل. لأنّ الجاهل صغير في فكره ونظرته، فتكبر عنده الأمور الصغيرة وتتضخّم، خلافاً للإنسان العالم الذي يرى الأشياء بحجمها الحقيقي، بل تصغر في عينيه الأشياء التي تبدو كبيرة، لأنّ أفق فكره ونظره أكبر منها بكثير. وما أجمل قول أبي الطيب: على قدرأهلالعزمتأتيالعزائم وتعظم فيعينالصغيرصغارُها وتأتي على قدر الكرام المكارمُ وتصغرفيعينالعظيمالعظائـــــمُ من يفهم الإسلام فهما شاملاً، ويعرف أبعاده الواسعة في المجالات الفكرية وفي مجال الحياة الفردية والاجتماعية تصغر في عينيه الاختلافات الفرعيّة، أما إذا اقتصر هذا الفهم على جانب من جوانب الإسلام دون غيره، يتضخّم هذا الجانب، وتتضخم مسائله الفرعية، وينفسح المجال للاختلاف والخلاف. ثم إنّ الجهل بمفاهيم الإسلام الصحيحة يؤدّي إلى شيوع مفاهيم مغلوطة، والى ظهور اختلافات في الفكر والسلوك والمواقف. ثانياً: جهل أتباع المذاهب الإسلامية بعضهم بعضاً، و"الناس أعداءُ ما جهلوا"، ولذلك نرى كثيراً من التُّهم التي يتقاذفها أصحاب المذاهب لا أساس لها. وقديماً شكا الإمام الزمخشري رحمه الله من هذا الجهل ومن تبعاته على المسلمين إذ قال: إذا سألوا عن مذهبي لمأبح به فإن حنفياً قُلتُ قالوا بأنني وإن مالكياً قلت قالوا بأنني وإن شافعياً قلت قالوا بأنني وإن حنبلياً قلت قالوا بأنني وإن قلت منأهلالحديثوحزبه تعجّبت من هذا الزمـان وأهلــــه وأكتمه كتماني له لي أسلمُ أبيح الطّلا وهو الشراب المحرّم أبيح لهم أكل الكلاب وهمهُمُ أبيح نكاح البنت والبنت تُحرمُ ثقيل حلوليّ بغيض مجسّمُ يقولون تيس ليسيدريويفهمُ فما أحد من ألسُنالناسيسلــمُ والغريبُ أنّ تراشق التهم لا يزالُ قائماً حتى يومنا هذا خاصةً بين السنة والشيعة، رغم تيسّر سبل النشر والسّفَر والاطلاع. ثالثا: وعاظ السلاطين. وهم العلماء المأجورون الذين يفعلون ما يأمرُهم به أولياء نعمتهم المنحرفون. ومنذ أقدم عصور التاريخ الإسلامي كان لوعّاظ السلاطين دور مخرّب في الأمة الإسلامية. وفي العصر الأخير استخدمهم أعداء الصحوة الإسلامية أفظع استخدام. وأصدروا سيلا من الفتاوى تدين كلّ العاملين على استعادة عزّة المسلمين. ودوّنوا مئات الكتب للتفريق بين أهل السنة والشيعة. ومشكلة هؤلاء ليست الجهل، بل مطامع الدنيا، وبيع الضمير، والسقوط في أوحال الذلّة وعبودية الطاغوت. ونعوذ بالله من الخذلان. رابعاً: مطامع السياسة: حين يكون زمام أمور السياسة بيد أناس صالحين ينهج الساسة طريق صلاح الأمة ورشدها وهدايتها، وحين يكون بيد أفراد طالحين فإنهم يسيرون على طريق تحقيق مصالحهم الذاتية وشهواتهم واستمرار تسلّطهم. وحين تكون السياسة وسيلة تسلط وإشباع شهوات تتجه إلى تمزيق وحدة الأمة. وشعار أرباب هذه السياسة دائماً: "فرّق تسد" الساسة المنحرفون يخشون وحدة الأمة واجتماع كلمتها. فلو توحّدت عزّت. ولو عزّت ما استكانت للظلم والظالمين. ولا رضخت للطامعين والمتسلطين على رقابها. كثير من الفرق والآراء استحدثتها السياسة المنحرفة في تاريخ الإسلام. وكثير من الصراعات الطائفية والعنصرية اليوم تحركها أيدي المستعمرين وأذنابهم. خامساً: ضمور روح الجهاد بين المسلمين: أوجب الله الجهاد على المسلمين لدفع الظلم، واحترام حقّ الإقامة، والحرية في الوطن، ومنع الفتنة في الدين، وكفالة حرية العقيدة للناس جميعاً. قال سبحانه: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾. وهذه الفريضة الإسلاميّة تضمن بقاء المسلمين في عزّة ومنعة وقوّة، وتخلق فيهم الحركة، وتبعدهم عن الذلة والخضوع والخنوع والاستكانة، وترفع نفوسهم إلى مستوى التضحية والفداء في سبيل المبدأ، وتجعل منهم أمة واحدةً كالبنيان المرصوص. وهكذا كانت الأمة المسلمة حين جاهدت في سبيل الله، وخشيت الله وحده ولم تخش سواه. أما حين ضعفت فيها روح الجهاد تسلّط عليها شرار الناس ومزّقوها شر ممزّق، وابتليت بتوافه الأمور والنزاعات الداخلية، وما أروع كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذ يقول: «فمن تركه (الجهاد) رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ، وشمله البلاء، وديّث بالصّغار والقماء، وضرب على قلبه بالإسهاب، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف ومنع النصف». وهذه الحقائق التي يذكرها الإمام تصدق على الفرد وعلى الجماعة. سادساً: غياب روح الجامعة الإسلامية: رغم كل الخلافات التي نشبت بين المسلمين في مختلف العصور كانت روح الجامعة الإسلامية هي المهيمنة على كل المجتمعات الإسلامية. وكانت جنسية المسلم عقيدته، وكل العالم الإسلامي وطنه. وفي العصر الحديث ظهرت النعراتُ القومية والوطنية لتمزّق شمل المسلمين ولتجعلهم أمما متنازعة بعد أن كانوا أمة واحدة. والحق أن يد المستعمرين واضحة في إثارة هذه النعرات، كما أن تقليد الغرب عامل آخر في هذه الانقسامات. يقول عبدالرحمن عزام في كتاب له صدر سنة 1946: «وقد مرّ قرنان على الأقل على أوربا، وقد غرقت في دماء حروبها لتعديل الحدود وتحرير الأقليات بين الفرنسيين والألمان، وبين هؤلاء والنمساويين، وبين هؤلاء وهؤلاء والصقالبة، وبين النمسا وإيطاليا، وبين البلقانيين جميعاً، وبينهم وبين الدولة العثمانية، وبين روسيا وجيرانها من الغرب أو الشرق أو الجنوب، وبين التشكيين والبولنديين والمجر والرومانيين... وهذه المشكلة المستعصية.. أخذت تنتقل إلى الشرق نتيجة لتأدبه بأدب الغرب واعتناقه نظرية الوطن والقومية". وأمام هذه المشاكل والعقبات ونظائرها يتحمّل المخلصون الداعون إلى وحدة المسلمين مسؤوليات كبيرة، وعلى رأسها نشر مفاهيم الإسلام بلغة العصر بين المسلمين، وتعميق الروح الإسلامية والتحذير من كل ألوان التفرقة ومن المفرّقين.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|