حافظ الشيرازي شاعر الغزل
|
ثقافة التقريب - العدد 2
محمّد علي آذرشب
1428
• حافظ حفظ القرآن وفاضت قريحته من منهل كتاب الله العزيز • غزليات حافظ تدور حول "العشق" وارتباطه بتكامل الإنسان • يرى حافظ أن العشق هو الحياة ويفتي حافظ بأداء صلاة الميت على من خلا قلبه من العشق • العلاقات بين الكائنات هي علاقات بين العاشق والمعشوق • لحافظ وأمثاله دور هام في توحيد الأمة بداية لابد أن أشير إلى أن حافظ الشيرازي أعظم شعراء الغزل في إيران على الإطلاق، ومن كبار شعراء القرن الثامن الهجري، ولد سنة في شيراز، وجمع في ديوانه فني سعدي ومولانا جلال الدين. ولابدّ من الإشارة إلى أنّ الغزل هو التغنّي بالجمال، وإظهار الشوق إليه، والشكوى من فراقه. والجميل المطلق هو (الله) سبحانه، والغَزَليّ الحقيقي هو العاشق. والعشق هو التخلّص من قيود الذاتية والأنانية، والسموّ في مدارج الكمال الإنساني من هنا فان لحافظ وأمثاله دوراً تاريخياً كبيراً في إيقاظ الشعور، وتحرير الأمة من النظرات الضيقة، ومن ثم فان لهم دوراً في توحيد الأمة واستنهاضها. سمي حافظاً لأنه حفظ القرآن واستوعبه وتمثله في وجوده وفاضت قريحته من منهله، فهو ابن الحضارة الإسلامية، وثمرة من ثمارها. وحافظ الشيرازي خير من يعبرون عن معنى "العشق" في الأدب الفارسي. القسم الأعظم من ديوانه حديث عن "العشق" ضمن مقطوعات تسمى "الغزليات" وكل غزلية تتكون من عدد من الأبيات (في حدود 7 أبيات عادة) ذات قواف وأوزان متحدة، والبيت الأول مصرّع حتماً، وكل بيت له معنى يكاد يكون مستقلاً عن غيره. أول غزلياته يبدأها بشطر بيت عربي يدعو فيه الساقي أن يناوله كأساً كي يخفّف عنه أثقال هموم العشق الذي بدا في أوله سهلاً، لكنّ ثقل أعبائه بدت على مرّ الأيام: ألا يا أيها الساقي أدر كأساً وناولها كه عشق آسان نمود اول ولى افتاد مشكلها أي: "فالعشق بدا في أوله سهلاً ثم وقعت المشاكل" وفي بيت آخر من هذه الغزلية يتحدث عن نفسه التي لا تدعه يستقرّ لأن شوط العمر قصير: مرا در منزل جانان چه امن عيش چون هــر دَم جَرَس فـرياد مى دارد كه بربنديد محملها أي : "أيُّ أمن عيش لي في منزل الحبيب،إذ في كل لحظة/ يدق الجرس أن ارزمـوا محملكم". وفي بيت آخر من هذه الغزلية يشير إلى مايحيط به من أهوال تعبّر عن الهموم الكبيرة التي يحملها، ويرى أن الذين يخلدون إلى الراحة ودعة العيش لا يفهمون ما يثقل صدور العاشقين: شب تاريك وبيم موج و گردابى چنين هايل كجـا دانند حال ما سبكباران ساحلها أي: "ليل مظلم وموج مخيف، ولـُجّة هائلـة/ من أين لسكان السواحل أن يعرفوا حالنا". ثم يدعونفسه لأن يسير على طريق العشق إذا أراد أن يكون حاضراً، أي إذا أراد أن يكون ذا مكانة في ساحة الإنسانية المتكاملة: حضورى گر همى خواهى ازاوغايب مشوحافظ متى ما تلق من تهـوى دع الدنيا وأهملهـــا أي: "إذا أردت حضوراً مستمراً فلا تَغِب عنه يا حافظ / متى ماتلق من تهوى دعِ الدنيا وأهملها". ويلاحظ أن البيت الأول الذي يشير فيه إلى سهولة العشق في بداية مراحله، وظهور مشاكله وثقل أعبائه في مراحل تالية، له ما يشابهه في الغزل العربي، يقول الشاعر: تولـّع بالعشق حتـى عشق فلمـا استقـلّ به لم يُطق رأى لـجّـة ظنّهـا موجـــــــــة فلمّـا تمكـّن منهـــــــا غرق نار العشق: النار والنور من رموز الطاقة المحركة والضياء في الأدب. وعن ارتباط النار بالعشق يقول حافظ: در ازل پـرتو حسنت زتجلـّى دم زد عشـق پيـدا شد وآتش به همه عالم زد أي: "نور جمالك تجلـّى منذ الأزل/ فظهر العشق وأضرم في العالم ناراً". فالجمال هو الذي خلق العشق وأضرم النار في العالم. والبرق الذي سطع من منزل ليلى أضرم النار في بيدر مجنون: برقى از منـزل ليلى بدرخشيد سحــر وه كه با خَرمَن مجنون دل افگار چه كرد أي: "لقد سطع من منزل ليلى في السحر برق/ آه، ماذا فَعَل ببيدر المجنون المسكين". أما نار الوادي المقدس فلم تبعث البهجة في قلب حافظ فحسب، بل إن موسى (ع) جاء إلى ذلك المكان على أمل الحصول على قبس: ز آتش وادى ايمن نه منم خُرّم وبس موسى آنجا به اميد قبسى مى آيــد أي: "لستُ وحدي جذلاناً من الوادي الأيمن/ موسى (أيضاً) جاء على أمل قبس الى ذلك الوادي". العشق ولوم اللائمين : الحديث عن اللائمين يردده جميع العشّاق، ويكررون القول بأنهم لا يبالون بهؤلاء لأنهم لا يعرفون معنى العشق ولم يذوقوه. والحديث عن اللائمين نراه عند حافظ إذ يقول: به رغم مُدَّعيانى كه منع عشــق كننـد جمال چهره ى تو حُجّت موجّه ماست أي: "رغم الادعياء الذين يمنعون العشق/ جمالك حجتنا الوجيهة". فالجمال حجة كافية للعشق رغم لوم اللائمين. ويرى أن الزاهد المتمسك بالمظاهر لا يفهم حال العشاق فله الحق فيما يقول: زاهد ظاهر پرست از حال ما آگاه نيست در حق ماهرچه گويد جاى هيچ اكراه نيست أي: "الزاهد المتظـاهر لا يعلم بحالنا/ فكلّ ما يقوله بحقّنا لا يسيء إلينـا". وللعشاق ألف شغل في كل خصلة من شَعرِ الحبيب فأين العشاق من اللائمين الفارغين؟! هر سر موى مرا با تو هزاران كار است مـا كجاييم وملامتگر بيكار كجــاست أي: "لنـا ألف شغل في كلّ خصلة من شعرك / أيـن نحن مـن هذا اللائم العاطــل؟!" الخروج من الذاتية: وللتفريق بين العاشق الحقيقي وبين طالب الشهوة يرى حافظ أن العاشق لابد أولاً أن يتحرر من الذاتية، وإذا كان حبيس ذاته فهو لا يفهم أبداً العشق وأسراره: بــا مدّعى مگوييد اسرار عشق ومستى تا بــى خبر بميرد در درد وخود پرستى أي: "لاتتحــدثوا مع المدعي عن أسرار العشق / كي يموت جاهلاً في الألم وعبادة الــذات". ويفدي حافظ نفسه لمن بلغت همته أن يتحرر من كل مالَهُ طابع انشداد أرضي: غــلام همّت آنم كه زير چرخ كبود زهــر چـه رنگ تعلّق پذيرد آزاد است أي: "أناغلام همّة ذاك الذي تحت السماء الزرقاء / قد تحرر من كلّ ماله لون التعلـق بالارض". وطريق منزل ليلى محفوف بالأخطار والشرط الأول للسير على هذا الطريق أن تكون مجنوناً، أي عاشقاً حقيقياً متحرراً من ذاته: در ره منزل ليلى كه خطرهاست در آن شـرط اوّل قدم آن است كه مجنون باشى أي: "في طريق منزل ليلى المحفوف بالاخطـار/ الشرط الأول لوضع قدمك في الطريق أن تكون مجنوناً ". وأي معبود تتجه إليه خارج ذاتك هو أفضل من عبادة ذاتك: گر خود بُتى ببينى مشغول كار او شو هر قبله يى كه بينى بهتر ز خود پرستى أي: "إذا رأيت صنماً فاشتغل به/ كل قبلة تتجه إليها أفضل من عبادة الذات". وإذا أردت أن تسأل عن أسرار آلام العشق فاسأل ذلك من الشمعة لا من تيار الهوى: خواهى كه روشنت شود اسرار درد عشق از شمع پـُرس قصـــه زباد هوا مپرس أي: "إذا أردت أن تتضح لك أسرار العشــق /فاسأل عن القصة من الشمعة لامن تيارالهوى". العشق لا يفهمه إلا الخواص: والخواص ليسوا هم الذين كدسوا المعلومات، بل هم الذين طهّروا قلوبهم من كل ما سوى العشق، وهؤلاء هم الذين يعرفون أسرار العشق، والمدّعون لا يستطيعون أن يقفوا على أسراره، بل إذا أرادوا التفرج على ساحة الأسرار تصدهم يد الغيب عن ذلك: مدّعى خواست كه آيد بــه تمـاشاگه راز دسـت غيب آمـد و برسينه نامحرم زد أي: "أراد المدّعي أن يأتي ليتفرج على الأسرار/ فجـاءت يدُ الغيب وضربت على صدرالأجنبي". وما أجمل ما قاله الحلاج عن العشق، إذ قال لا تسألوا الشافعي (أي لا تسألوا العلماء والفقهاء) عن مثل هذه المسائل: حـلاج برسر دار اين نكته خوش سرآيد از شافعـى نپرسيد امثال اين مسايـل أي: "الحلاج على المشنقة، قال بشكل رائع هذه النكتة/ لا تسألوا الشافعي عن أمثال هذه المسائل". ومَحرَم القلب هو الذي يبقى في حرم الحبيب، ومن ليس كذلك (الاجنبي) يبقى في الإنكار: هر كه شد مَحْرَم دل در حَــرَم يار بمانـد و آن كه ايـن كــار ندانست در انكار بماند أي: "من أصبح مَحرَماً للقلب بقي في حريم الحبيب/ ومَن لـم يعرف كيف يكون محرماً بقي في الترديد". وحديث العشق حديث النفس والقلب لا حديث العقل والمدرسة ومباحث القيل والقال الكلامية: مباحثى كه در آن حلقه جنون مى رفت وراى مـدرسه وقـال وقيل مسأله بود أي: "المباحث التي كانت تدور في حلقة الجنون تلك /هي ما وراء المدرسة وما وراء القيل والقال". العشق فطرة وحياة: الناس منجذبون فطرياً لعشق الجمال، سواء منهم من نهج طريق العقل أو نهج طريق العرفان. وكلّ أماكن العبادة يعبّر فيها المؤمنون عن انشدادهم بالعشق. همه كس طالب يارند چه هشيار وچه مست همه جا خانه عشق است چه مسجد چه كنشت أي: "كل الناس يطلبون المعشوق، الصاحي منهم والثمل/ وكل مكان بيت للعشق مسجداً كان أم كنيساً". والعشق موهبة وصلت الإنسان من ميراث الفطرة: مى خور كه عاشقى نه به كسب است واختيار ايـــن موهبـــــت رسيد ز ميراث فطرتم أي: "عبَّ المدام، فالعشق ليس بالكسب والاختيار / هذه موهبة وصلتني من ميراث فطرتــي". والعاشق العارف لم يتعلم سوى عشق جمال الحبيب: نيست بر لوح دلم جز الف قامت دوست چه كنم حرف دگـر ياد نداد استادم أي: "ليس على لوح قلبي سوى ألف قامة الحبيب / ماذا أفعل إذ لم يعلمني أستاذي غير ذلك". والعشق هو الحياة وليس سواه إلا الموت، ويُفتي حافظ بأداء صلاة الميت على من خلا قلبه من العشق: هرآن كسى كه درين حلقه نيست زنده به عشق بر او نمرده به فتواى ِ من نماز كنيد أي: "كل من لم يكن في هذه الحلقة حياً بالعشق/ بفتواي أقيموا عليه صلاة الميت وهو حيّ". البلبل والوردة: كل الكون يتحرك بالعشق، والعلاقات بين الكائنات هي علاقة عاشق ومعشوق، وإلى هذه الحقيقة يرمز حافظ في حديثه عن علاقة البلبل بالزهرة. فالبلبل يُنشد متغزلاً حين يبهره جمال الزهرة: بُلبل ازفيض گـُل آموخت سُخن ورنه نبود اين همه قــول وغزل تعبيه در منقارش أي: "البلبل تعلم الكلام من فيض جمال الزهــرة وإلا /ما كان كلّ هذا الكلام والغزل معبّأ في منقاره". والبلبل في تغريدة يُنشد ترانيم روحيّة يدعو فيها الى الامعان في جمال الزهرة وماتشعّه من نور هو ذاته ما رآه موسى (ع) من نار في طور سيناء، لتقرأ في هذا الجمال درس التوحيد. بلبل زشاخ سرو به گلبانك پهلـــوى مى خواند دوش درس مقامات معنـوى يعنى بيا كــه آتش موســى نمود گل تـــا از درخت نكتــه توحيد بشنوى أي: "البلبل من غصن شجرة السرو باللحن البهلوي/ كان ينشد أمس دروساً في المنازل المعنوية/ تعال فقد أبرز الورد نــار موســى لتسمع من الشجرة ترانيـــم التوحيـد". فالجمال يبعث في النفس ذلك العشق الذي يكسر صنم الذات ويجعل الإنسان يطلب الكمال المطلق وهو الله تعالى. هذه هي طبيعة الوردة أن تشع بحسنها، وهذه هي طبيعة البلبل أن يكون قرين العشق. لا في تلك تغيّر ولا في هذا تبدّل: گل يار حُسن گشته وبلبل قريــن عشق أيــن را تغيّرى نــه وآن را تبدّلـى أي: " الورد أصبح قرين الحسن والبلبل قرين العشق/لا في هذا تغيّر ولا فـي ذلـك تبــدّل". * * * مما تقدم نفهم أن العشق في الأدب العرفاني الفارسي هو خروج الإنسان من ذاتياته وأنانياته، لينطلق في رحاب الجمال المطلق، والحكمة المطلقة، والعلم المطلق، والرحمة المطلقة... وهذا العشق يجعله يحسّ بطاقة عظيمة تملأ وجوده فتدفعه على طريق كلّ صفات الجلال والجمال في حركة لا متناهية.. أي تحرّكه نحو الله سبحانه.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|