• إذا كانت ممارسة السياسة استجابة لرغبة في العلوّ والشهرة فهي شرّ دون شك • السياسي المسلم يرى في تولّي أمور الناس مسؤولية لا غنيمة
• استفحال الذاتيات والأنانيات خلق ذهنية سلبية تجاه السياسة.
يكثر الحديث في الخطاب النخبوي والخطاب الجماهيري عن السياسة: هل هي شرّ أم خير؟
والإجابة عن هذا السؤال يرتبط بمفهومنا عن السياسة.
السياسة بمعناها اللغوي تولّي الأمور، وفي الحديث: كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم، أي تتولى أمورهم كما يفعل الأمراء والولاة بالرعية.
وفي اللسان: يقال هو يسوس الدواب إذا قام عليها وراضها، والوالي يسوس رعيته.
فالسياسة إذن رعاية أمور الناس. والسياسي من يتولّى مسؤولية هذه الرعاية.
ومن له ارتباط بهذه الولاية ممارساً أو معارضاً أو مدافعاً أو مبايعاً وناخباً فهو يدخل في دائرة السياسة.
فهل كلّ هذا من الخير أم من الشرّ؟
الجواب يرتبط بهدف من يدخل عالم السياسة.
إن كان الهدف خيراً فالسياسة خير، وإن كان شراً فشر.
إن كان الهدف استجابة لرغبة في العلوّ والشهرة والقوّة والنفوذ، فهي شرّ دون شك، لأن صاحب هذا الهدف يخدم ذاته ولا يخدم الناس، وإذا اتفق أن خدم الناس، فخدمته لتكريس الذات ولبلوغ ما يصبو إليه من شهرة.
إنها خدمة مرائية وصاحبها يمنى عاجلاً أو آجلاً بالفشل والإحباط، لأن ثوب الرياء ينمّ عمّا تحته، ولأنّ كسب رضا الناس – حين يتحول إلى غاية – فإنه غاية لا تُدرك.
ورغبة ذاتية وأنانية مثل هذه إن سادت الساحة الاجتماعية فستتحول الساحة إلى مسرح صراع دام محموم، تضيع فيه مصالح الناس، وتصادَر فيه القيم، وينعدم فيه الأمن والاستقرار.
أما إذا كان الهدف من دخول الساحة السياسية هو مثلاً أعلى سامياً، فإنّ السياسة تكون حينئذ تحقيق هذا الهدف الكبير.. وهذا هو أسمى مسير يسلكه الإنسان في الحياة. وكلّما كان هذا المثل الأعلى أسمى كان العمل السياسي أكرم وأعظم، والإنسان المؤمن مثله الأعلى هو "الله" سبحانه وتعالى: ﴿ولله المثل الأعلى﴾ وله سبحانه يسعى السياسيون المخلصون لربّهم، والمتحرّون من ذاتيتهم وأنانيتهم.
مثل هؤلاء الساسة يرون ولاية أمور الناس مسؤولية لا غنيمة، ووسيلة لرضا الله لا لرضا طموحاتهم الذاتية.
والمسيرة نحو رضا الله لانهائية، تفجّر في الإنسان المؤمن كل طاقات الخير والعزم والهمّة والتفكير والتدبير لتحقيق خدمة الأمة.
إن استفحال الذاتيات والأنانيات في المجتمعات الإسلامية خلق ذهنية سلبية تجاه السياسة.
لقد سمعت سياسياً مرموقاً ترك الساحة السياسية واتجه إلى الساحة الثقافية يقول: لقد خرجت من الظلمات إلى النور.
نعم تكون السياسة ظلمات حينما تلوّث بصراع على مراكز القوّة وتكالب على الجاه والسلطان.
والاتجاه نحو الإسلام يستدعي توجه السياسة إلى المسؤولية وابتعادها عن الغنيمة.
ويستدعي أكثر من ذلك صياغة النظام وتقنينه بصورة لا تسمح للمسؤولين أن ينزلقوا في استخدام مناصبهم لمصالحهم الذاتية. وتجعلهم تحت رقابة دقيقة.. ومحاسبة مستمرة.
عندئذ فقط نقي السياسة من دخولها في عالم الأنانيات وهو عالم ظلمات بعضها فوق بعض، ونقي الساسة من وسوسة الشيطان، ليبقى هدف رضا الله حياً في نفوسهم، ومحرّكاً لمسيرتهم، وبركة لأعمالهم، وتزكية لنفوسهم وأرواحهم.
وهذا هو النظام الإسلامي المنشود.