موقف الإسلام من التراث الإيراني القديم
|
ثقافة التقريب - العدد 1
محمّد علي آذرشب
1428
• العرب المسلمون لم يفرضوا لغتهم على شعوب البلدان المفتوحة • العرب الفاتحون الساكنون في إيران مالوا إلى تعلّم الفارسية وأصبحت لغة أبنائهم • أخذ المسلمون من تراث إيران القديم ما أثرى حضارتهم • الشهيد مطهّري دافع عن الفتح الإسلامي لإيران أمام شبهات المستشرقين. لاشك أن الإسلام حارب كلّ ما يصد حركة الانسان والمجتمع الإنساني نحو الكمال المنشود في الفكر والسلوك والنظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وألغاه جميعاً.. ولكن موقفه من النتاج الفكري والعلمي الإنساني لم يكن سلبياً أبداً إذا لم يندرج في قائمة موانع الحركة التكاملية. يشهد على ذلك موقفه من التراث الإيراني القديم.. من اللغة الفارسية.. ومن علوم الحرب.. ومن علوم الإدارة.. ومن فنون العمارة.. ومن الكتب القديمة.. ثم من العادات والتقاليد السليمة. مع أن اللغة العربية هي لغة الدين، ولا يصح إسلام مسلم إلا إذا تعلّم قدراً من هذه اللغة، فإن العرب لم يفرضوا لغتهم على أبناء الشعوب المفتوحة فرضاً كما فعلت القو? الغازية في التاريخ بل وفي عصرنا الراهن أيضاً. نعم، لقد أقبل الإيرانيون بنفسهم على تعلم اللغة العربية وخدموا هذه اللغة في مختلف المجالات، ولكنهم لم يجدوا أنفسهم ملزمين بترك اللغة الفارسية، فبقيت هذه اللغة الى جنب اللغة العربية، بل إن العرب الساكنين في إيران بعد جيل أو جيلين أصبحوا يتكلمون باللغة الفارسية. ولكن من الطبيعي أن تمتزج اللغتان لتشكلان اللغة الفارسية الإسلامية بمفرداتها العربية الكثيرة. واستفاد المسلمون دون شك من فنون الحرب الإيرانية لأن الأكاسرة كانوا يهتمون بهذا الجانب بشدة لما كان لهم من حروب مستمرة مع الروم منافسيهم في السيطرة على العالم، والوثائق التاريخية المتوفرة في هذا المجال رغم قلتها توضّح استفادة العرب من هذه الفنون، ففي عصر الرسول(ص) حفر الخندق حول المدينة في حرب الأحزاب باقتراح من سلمان الفارسي، وكلمة الخندق كما يقال فارسية، ثم إن القادة العسكريين الإيرانيين في اليمن كان لهم دور في إدارة عمليات الفتوح وفي القضاء على الردة، كما أن جمعاً من قادة جيش كسرى (الأساورة) كان لهم مثل هذا الدور حتى في فتح إيران. ثم إن التاريخ يحدثنا عن دور قيادات عسكرية إيرانية في القضاء على بعض الحركات القومية المعارضة للإسلام في أنحاء ايران، وفي الفتوحات الإسلامية، وفي القضاء على الخوارج، وفي إخماد الفتن. كل هذا يعني أن الفنون العسكرية الإيرانية كان لها دور فاعل في إدارة العمليات العسكرية بعد الإسلام. وأما في مجال العلوم الإدارية فيكفي أن نذكر أن المحاسبات الإدارية كانت تتم في الدولة حتى زمن هشام بن عبدالملك باللغة الفارسية، مما يدلّ على أن الجهاز الإسلامي استفاد من هذه العلوم ومن الإيرانيين المتمرسين فيها دونما أدنى حساسية، ومن الطريف أن لغة هذه الدواوين بُدّلت الى اللغة العربية في زمن هشام على يد إيراني يحسن اللغتين هو صالح بن عبدالرحمن. أما الحديث عن موقف العرب من المراكز العلمية والمكتبات في إيران إبان الفتح الإسلامي فهو ذو شجون. لقد حاولت العصبيات والدراسات الاستشراقية أن تعطي للفاتحين المسلمين طابعاً وحشياً معادياً للعلم والمعرفة، وتصفهم بأنهم بدو أبادوا حضارة إيران وقضوا على المعالم العلمية فيها. بل وحتى الكتب المدرسية الإيرانية في عصر الطاغوت كانت تلقن الطلبة هذه المفاهيم عن الفتح الإسلامي، وتبيّن لهم أن جامعة جنديشابور والمكتبات الإيرانية أبيدت على يد الفاتحين (وتسميهم الغزاة طبعاً) ومثل هذه النعرة قد ارتفعت بشأن إحراق مكتبة الإسكندرية على يد المسلمين الفاتحين. ودرس الباحثون مسألة إحراق مكتبات إيران إبّان الفتح ومنهم الأستاذ الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه، وذكر كل الأقوال في هذا المجال وفنّدها. كما فنّد فرية إحراق مكتبة الاسكندرية. بقي أن نشير الى موقف الإسلام من العادات والتقاليد. ولا شك أن المسلم يكفّ عن أية عادة تتنافى مع الإسلام وتعاليمه، وهكذا فعل الإيرانيون بعد أن تأدبوا بآداب الإسلام، فأصبحوا في مأكلهم وملبسهم ومسكنهم ومعيشتهم وحياتهم اليومية ملتزمين بآداب الدين الحنيف، ولكنهم لم يجدوا حرجاً في ممارسة التقاليد القديمة بعد أن هذّبها الاسلام وأطّرها بتعاليمه، من ذلك مثلا الاحتفال بعيد النوروز، فلقد تواصل الاحتفال به، ثم شاركهم العرب فيه، وامتدّت هذه الاحتفالات الى مصر. وبقي أن نشير الى أن فنّ العمارة الإيراني كان له أثره الكبير في بناء المساجد الإسلامية وبناء المدن الجديدة. وهكذا الأمر في باقي الفنون الجميلة، مما يدل على انفتاح الإسلام على ما عند الآخرين من علوم وفنون وعادات حميدة.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|