عطاء السيرة
|
ثقافة التقريب - العدد 1
محمّد علي آذرشب
1428
• السيرة تمثّل الزخم الذي دفع مسيرة الحضارة الإسلامية • نستفتي السيرة في حركة الإصبع في الصلاة ولا نستفتيها في قضايانا الحياتية• إعلامنا الإسلامي يجب أن يتطرّق إلى ما وكدته السيرة بشأن كرامتنا وقوتنا ودورنا على ساحة التاريخ • التعامل من أفق ضيق مع السيرة يثير الخلافات . مرّت علينا ذكرى المولد النبويّ الشريف فحفّزت أذهاننا إلى استعراض سيرة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وحياته الكريمة الحافلة بأحداث الهدم والبناء، فوجدنا فيها الطاقة المحرّكة العظمى التي كانت وراء كل ما سجّله التاريخ الإسلامي من صفحات بيضاء.. كانت وراء كلّ ثورة على الظلم والفساد، و وراء كلّ حركة تدعو إلى العدل والمساواة، وخلف كلّ روح وثابة لطلب العلم، أو تيار إصلاحي يدعو لتطهير النفس والسير إلى الله. إنّها تشكّل، باعتبارها التجسيد العمليّ للقرآن، الزخم الّذي دفع مسيرة الحضارة الإسلامية نحو كلّ ما تجلّى فيها من قيم إنسانيّة سامية. والصحوة التي يشهدها عالمنا الإسلامي اليوم هي قبس ذلك النور النبويّ، فروّادها ينهجون سيرة المصطفى في السعي لبناء أمة عزيزة كريمة تنهض بدور رائد على ساحة التاريخ، وتحكّم شرع الله في كلّ شؤون حياتها لا تأخذها في الله لومة لائم، وتأخذ بأسباب القوة الاقتصادية والعلمية والعسكرية كي تكون مرهوبة الجانب، وتوحّد صفوفها وتعبّئ طاقاتها كي لا تفشل في مواجهة التحدّيات ولا تذهب ريحها. ولكن، ونحن نقف أمام هذه السيرة موقف إجلال وإعجاب، يجب أن لا يفوتنا ما ران على السيرة من سلبيّات الماضي.. هذه السلبيات التي تراكمت فجعلت من نظرة بعضنا إلى الإسلام فجةً ضيّقة لا حركة فيها ولا حياة. وهذه النظرة الضيّقة، إضافةً إلى ما تفعله في مسخ السيرة، تعمل على إثارة الفرقة والنزاع بين المسلمين. ولو تطلّعنا إلى ما حولنا لرأينا هناك من يستفتي السيرة في حركة الإصبع عند الصلاة، ذاك يقول: إنها دائرية، ويرى آخر أنها عموديّة، ويقع بين أتباع الرأيين نزاع تنتهك فيه الحرمات، وتتقطّع وشائج الأخوة والصلات. ورأينا من يستفتي السيرة في بناء القبور، ومقدار ارتفاعها، ويقع الخلاف بشأنها إلى حدّ التكفير. وإن تعجب فعجب هذا الّذي تراه في صفحات الفتاوى وأعمدتها‘ معظمها يكتفي بأن يجد في السيرة أجوبة ترتبط بزيارة قبور الموتى والمسائل الفرعيّة في الصوم والصلاة، والموضوعات الهامشية في الإرث والزواج والطلاق. إن علماء المسلمين يتحمّلون اليوم مسؤولية استطلاع السيرة في جوانبها الحياتية.. في حقل الدعوة وأساليبها ومراحلها.. في مجال بناء المجتمع الصالح والدولة الصالحة.. في طريقة التعامل مع المستجدات العالمية ومع الأمم الأجنبيّة. عليهم أن يستفتوا السيرة في أسلوب تصعيد روح الجهاد لدى الأمة، وإعداد المجاهدين، والدفاع عن المستضعفين والمحرومين، ودكّ حصون الظالمين والمستكبرين. علينا أن نقرأ ما في السيرة من مواقف توجب على كلّ مسلم وجوباً عينياً أن يعمل لوحدة الصفّ، وتأليف القلوب، ونبذ الفرقة ووحدة الكلمة. لا بدّ أن يتطرّق إعلامنا الإسلامي إلى ما وكّدته السيرة بشأن كرامة الإنسان، وعزّة المسلم، وقوّة المجتمع الإسلامي ومَنَعته، ودوره الشاهد على ساحة التاريخ. أليس في السيرة ما يبيّن لنا رأي الإسلام في المجال الاجتماعيّ والاقتصادي والسياسي ويرسم لنا الموقف المبدئي في كلّ المجالات الحياتيّة؟! حياة رسول الله صلى الله عليه وآله بدأت من بناء الفرد، وانتهت بإقامة مجتمع إسلاميّ يحمل مسؤوليات : بسط العدل، ونشر التحرر، وحمل العلم، وتبديد الظلام في كلّ أرجاء العالم. إنّها مسيرة متكاملة الدروس في جميع مرافق الحياة.. فلماذا نستفتيها فقط في الجوانب الهامشيّة التي لا تمسّ صميم الحياة؟ السبب يعود إلى الوضع المؤلم الّذي يعيشه عالمنا الإسلامي.. "فالإناء ينضح بما فيه". والإسلام في جميع أصقاعنا الإسلامية يعيش بمعزل عن الحياة، ومن علماء الإسلام من قُدّر لهم أن لا يعالجوا أمراً من الأمور التي ترتبط بمقدرات المسلمين، بل عليهم أن يكونوا هامشيّين ويعالجوا المسائل الهامشية. ولذلك يتناولون السيرة في إطار ما أُوكلت إليهم من مسؤولية. وهذا التعامل مع السيرة يثير، دون شكّ، الاختلاف والفرقة، ويثير الإحن والحزازات، لأنّه إطار ضيّق صغير تكبر فيه الخلافات وتأخذ حجماً هائلاً، حتّى يخيل لهؤلاء الصغار أن هذه الخلافات تشكّل حدّاً فاصلاً بين الإسلام والكفر، فيتراشقون الفتاوى بالكفر والشرك وإهدار الدم. كما قال المتنّبي: وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائمُ إنّ نظرة هؤلاء إلى السيرة، غالباً، نظرة إنسان صغير ضيّق الأفق، فإذا وجد حركة إصبع مسلم آخر في الصلاة خلافاً لما عرفه في السيرة كبرت المسألة في ذهنه، وتحوّلت إلى حاجز نفسي يفصل بينه وبين ذلك الأخ المسلم. وإن رأى مسلماً يزور القبور خلافاً لما سمعه أو قرأه في السيرة تصور أن بينه وبين ذلك المسلم بُعدَ المسافة بين الإسلام والشرك. هذه هي النظرة الصغيرة للسيرة. إنّها، دون شكّ، نظرة ناقصة مشوهة، تجرّ إلى تمزيق المسلمين وتشتيتهم، وإماتة الروح والحياة في نفوسهم. والمطلوب: هو الانفتاح على السيرة الكريمة بمعناها الواسع الحركيّ العمليّ، عندئذ ستلتقي وجهات النظر، وتتوحّد الأصوات والخطى كما التقت من قبل أصوات وخطى رجال كبار في عالمنا الإسلامي المعاصر من مختلف المذاهب الإسلامية، وكما تلتقي اليوم هذه الأصوات والخطى في إطار الصحوة الإسلامية المباركة. فلنحوّل احتفالات المولد النبويّ الشريف إلى مؤتمرات تتناول السيرة روحاً وفكراً وعملاً في إطارها المتحرّك الواسع.. لنتعلّم منها كيف نهدم العوامل السلبيّة، وكيف نبني وجودنا كما أراده الله تعالى، وكيف نتحرّك نحو هدفنا التكامليّ. فلنا في سيرته عليه أفضل الصلاة والسلام أسوة حسنة. وجزى الله الإمام الخامنئي خيراً، فقد عبّأ في إعلانه العام الهجري الشمسي الماضي عام رسول الله(ص) عبّأ الطاقات الفكرية في إيران لدراسات واسعة في السيرة. وتتوّجت هذه الأعمال بمؤتمر السيرة الذي أقامة المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|