عاصفة الشهوات.. والإذلال
|
ثقافة التقريب - العدد 1
محمّد علي آذرشب
1428
• ثمة محاولات لمسخ الذوق الفني لدى أمتنا • الإنسان بطبيعته متعطش للجمال ولذلك لابد من توجيهه إلى الجمال الحقيقي • المجتمع المسلم عزيز بضبط شهواته وعفّته • عملاء الصهاينة عاكفون على إنشاء قنوات فضائية هدفها إثارة الشهوات • كرامة الإنسان لها ارتباط بالتقريب، فالكريم هو الذي يتعامل مع الآخر بكرامة. دفعني إلى كتابة هذه السطور خبرٌ مفاده أنّ أكثر من سبعين ألف حالة طلاق في العالم العربي سُجّلت أخيراً، والسبب في جمعيها واحدٌ وهو أن الأزواج ازدروا نساءهم بعد إدمانهم على مشاهدة مغنية ساقطة مبتذلة، لرغبتهم أن يروا جسداً وحركات في الزوجات كالتي يرونها في تلك المسماة "فنانة". هذا الخبر يثير أكثر من شجن لأنه يعني أن الذوق الفني قد مُسخ عند الملايين من أبناء أمتنا، بحيث تحوّل الفنّ والجمال إلى جسد يتمايل وكلام وضيع.. وهذه حالة لها ارتباط وثيق بثقافة الأمة وحركة الشعور فيها. الثقافة الإنسانية ترفع الإنسان وتزكّية وتغرس في نفسه معنى الفنّ الأصيل ومعنى الجمال الحقيقي. وحين تغيب هذه الثقافة يهبط الإنسان في ذوقه وحسّه الجمالي، وتختلط عليه الأمور، فيلهث وراء ما يدغدغ غرائزه ويطفئ شهواته ظاناً أنه يبحث عن الجمال. ولات ثمة جمال. الإنسان بطبيعته متعطش إلى الجمال، لأن الجميل المطلق هو الله سبحانه، والإنسان بفطرته ينشد كل صفات الكمال والجلال، ومن تلك الجمال. لكنه حين يغرق في أوحال الجسد المادّي ويغيّب "الروح" و"نفخة روح ربّ العالمين" فإنه يصبح عندئذ كالبهائم، لا يتحرك إلاّ بغرائزه الهابطة، يلهثُ وراءها ظاناً أنها تروي عطشه الفطري إلى الجمال، ولكن لم يجدها شيئاً، وهكذا هو سعي كل المنحرفين عن نفخة روح ربّ العالمين: ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ?. الشجن الآخر الذي أحسست بمرارته هو هذه الخطة الصهيونية المرسومة لإذلال العالم الإسلامي. المجتمع المسلم عزيز بضبط شهواته وبعفّته، وبالسلوك الإنساني والعلاقة الإنسانية بين الجنسين. وحين تعصف به شهوات الجنس فإنه يفقد توازنه وسيطرته على نفسه، وعفته، وإنسانيته، ويصبح ريشة في مهبّ الريح، تسيّره الشهوات أنّى شاءت دون أن تكون له إرادة في حركاته ومقاصده. لقد حدّثونا عن خطّة الصهاينة مع الفلسطينيين إبّان الاحتلال، وكيف استغلوا الجنس للوقيعة وإسقاط الشخصية، وحدّثونا عن دور الجنس في الهزائم العسكرية التي مُني بها المسلمون في مواجهة الصهاينة. ثم ها نحن نسمع بأنّ الشركات الصهيونية في أوربا الشرقية وراء أفلام الجنس الفاضح ووراء مواقع الانترنت المبتذلة، ووراء شبكات الدعارة العالميّة. هذه المسموعات قائمة على أساس دراسات دقيقة واسعة، وليست مجرّد حدس. وعملاء الصهاينة في عالمنا الإسلامي ينفّذون خطة أسيادهم في شراء الذمم عن طريق الجنس والمال، وفي إنشاء قنوات فضائية لا هدفَ لها سوى إثارة الشهوات، وفي فتح مكاتب لشركات تجارة الرقيق الأبيض. إنّ النتيجةَ الحتميّةَ لهذه العاصفة هو "الإذلال". لأن الإنسان الذي يجرفه هذا التيار يفقد كرامته، وإذا فقد كرامته، فقد فَقَدَ كلّ شيء. لأن الإنسان إنسانٌ بالتكريم، فإذا فَقَد عنصر التكريم يتحول إلى أداة طيّعة بيد كلّ من يريد استغلاله، ويصبح عرضة للوقوع في شبكات أعداء الشعوب. هذا الذي يحدث في عالمنا الإسلامي من بيع للضمائر ومساومات على مصالح البلدان والشعوب، هو نتيجة لفقدان الإحساس بالكرامة. وأمام هذه الظاهرة يتحمّل المسلمون الغيارى مسؤولية غرس روح العزّة والكرامة والشخصية الإنسانية والرسالية في نفوس الأبناء، ويتحمّل المربّون وأصحاب الفنّ الرفيع مسؤولية تنمية الذوق الجمالي الحقيقي، وتقديم الفن الإنساني السامي إلى الشعوب كي تترفع عن السقوط في المصايد والأوحال. ولهذه المسألة بالمناسبة ارتباط بقضية "التقريب" لأن الإنسان الكريم يتعامل مع الآخر بكرامة، ويبتعد عن الإهانة والسباب والاتهام وإلصاق الأباطيل. الإنسان الكريم يبتعد عن الوقوع في استفزاز الجاهلين وعن اللغو الفارغ المهين: ? وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا?، ?وإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا? . وبعد فأقول للمدافعين عن حقوق المرأة: أية إهانة أعظم من هذا الذي تواجهه المرأة اليوم في خضم هذه العواصف الجنسية؟! أية خسارة لروحها وقيمتها وأمومتها وكونها "سكناً" و"ريحانة" أكبر من هذه الصورة التي يراد أن تظهر بها في وسائل الإعلام والارتباط؟! فلماذا لا تتجه موجة الدفاع عن حقوق المرأة إلى هذه الإهانات والإساءات البالغة؟! لماذا الحديث في عالمنا الإسلامي بالنسبة لحقوق المرأة لا يتناول إلاّ ما يراد به التشكيك فيما قررته الشريعة الإسلامية لها من منهج ضمن إطار المصلحة الاجتماعية العامة؟! هل هذه أيضاً من ظواهر فقدان الكرامة وضعف الشعور بالهوية؟ سؤال نطرحه ونأمل أن نفتح فيه مجالاً أوسع للنقاش وإبداء وجهات النظر.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|