الوحدة الوطنية في المنظار الإسلامي
|
ثقافة التقريب - العدد 1
محمّد علي آذرشب
1428
• الدعوة إلى الوحدة الوطنية هي دعوة إلى التحرر من الذاتية والأنانية وإلى مثل أعلى رفيع • إنما كان حبّ الوطن من الإيمان لأنه حبٌ لمثل أعلى يسمو على الذاتية • المؤمن أحرص الناس على الدفاع عن وطنه• قوى الهيمنة العالمية تستهدف الإساءة إلى وحدة الشعب الإيراني ومن المؤلم أن تتناغم مع هذه القوى الظالمة أصوات من داخل عالمنا الإسلامي. هذا العام الهجري الشمسي الجديد أعلنه العبد الصالح الإمام السيد علي الخامنئي عام "وحدة وطنية.. وانسجام إسلامي". فماذا تعني الوحدة الوطنية في المعايير الإسلامية؟! لاشكّ أنّ وطن الإنسان المسلم في المعيار الواسع هو الكون بأجمعه، لأن الكون مخلوق للإنسان ولأنه الدائرة الواسعة ليمارس الإنسان فيه خلافة الله في الأرض. وبهذا عنى إقبال اللاهوري إذ قال: أضحـى الإسلام لنا دينا وجميع الكون لنا وطنا وفي دائرة أضيق، العالم الإسلامي كله وطن الإنسان المسلم، وهذا ما كان سائداً بشكل عملي طوال قرون من التاريخ الإسلامي قبل إقامة السدود والحدود بين المسلمين. والدائرة الواقعية التي تتبادر إلى الأذهان من الوطن في عصرنا هو ما ترسمه الحدود الجغرافية المألوفة لهذا البلد أو ذاك. فالوحدة الوطنية لإيران تعني الوحدة بين المجموعة البشرية التي تعيش في هذا البلد بكل قومياتها ومذاهبها وأديانها، بحدوده المعروفة. فماذا تعني هذه الدعوة، ولماذا الدعوة إليها في هذه الظروف بالذات؟ الدعوة تعني ببساطة التفاف الشعب حول مصالحه الوطنية، وتغليب هذه المصالح على المصالح الذاتية والأنانية والفئوية والحزبية والقومية والطائفية... إنها دعوة للخروج من دائرة المثل الأعلى الهابط إلى آفاق مثل أعلى سام كبير. وهل يلتقي هذا المثل الأعلى الوطني مع المثل الأعلى الإسلامي؟ والجواب: أن نعم، لأن حبّ الوطن من الإيمان.. وإنما كان من الإيمان، لأنه خروج من دائرة الذاتية والأنانية.. وهذا الخروج يسمو بالإنسان إلى الله، ويجعل "الوطن" قيمة من القيم التي يدافع الإنسان بموجبها في سبيل الله. وقد يُقال إنّ كثيراً من الذين ضحّوا في سبيل أوطانهم ليسوا بمؤمنين بالله أصلاً، والجواب: إنّ تضحية هؤلاء – إن كانت صادقة لا تشوبها أية ذاتية أو أنانية – فهي على طريق الكمال.. والكامل المطلق هو الله سبحانه.. وهذا المضحّي المخلص إنما سار على طريق الله حتى ولو لم يقصد رضا الله سبحانه. ولكنه خَسر الأجر، لأنّ الأعمال بالنيّات. ولقد رأينا الشباب المؤمن في إيران أحرص الناس على التضحية في سبيل الدفاع عن وطنهم، بينما «أدعياء» الوطنية" لم يقدّموا شيئاً سوى سلق المؤمنين بألسنة حداد من خلال إذاعاتهم وفضائياتهم التي يحتضنها ويدعمها أعداء التوجه الإسلامي في لندن و واشنطن ولوسأنجلس. "المثل الأعلى الوطني الحقيقي" مَعلَم من معالم المثل الأعلى الديني. والمؤمنون بالله وبالإسلام كانوا على مرّ التاريخ وفي عصرنا هذا أحرص الناس على مصالح أوطانهم، وفي التاريخ المعاصر لإيران لم يوقّع على معاهدات الخيانة، ولم يبع مصالح إيران بثمن بخس سوى الذين باعوا دينهم وضمائرهم. ولم يحافظ على مصالح هذا الوطن سوى المحافظين على خنادق الأصالة الدينية والعقيدة الإسلامية من علماء الدين ومن تبعهم من القاعدة الجماهيرية المؤمنة العريضة. أما لماذا الدعوة إلى الوحدة الوطنية في هذه الفترة بالذات؟ فلأنّ ثمة جهوداً ضخمة تبذل من قوى الاستكبار العالمي من أجل تمزيق وحدة الصف في إيران. في هذا البلد تعدّدية قومية ومذهبية ودينية، كلّها اجتمعت تحت راية واحدة فأقامت الجمهورية الإسلامية ودافعت عنها أمام ألوان التحديات. لكنّ الاهتمام الاستكباري اليوم يتجه نحو استغلال هذه التعددية لإثارة التفرقة. ولا نتوقّع من الاستكبار العالمي غير هذا، فهو يحمل حُلُمَ إعادة إيران إلى دائرة نفوذه كما كان قبل إقامة دولة الإسلام. ولكن المؤلم والمؤسف أن تتناغم مع هذه المحاولات أصوات وأياد من داخل أمتنا الإسلامية. نرى الضرب على وتر التفرقة القومية والطائفية في إيران يخرج من حنجرة فضائيات تنطق باللغة العربية، ومن بعض الزعماء السياسيين والدينيين الذين نحسب أنهم ذوو قربى: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام والمهنَّد إن دعوة ولي الأمر، من موقع القيادة الدينية، للوحدة الوطنية سيلقف في اعتقادنا ما يأفك الأفّاكون، لأنها دعوة دينية تتجاوب معها العواطف والقلوب المؤمنة، ولأن الظروف التي تحيط بإيران قد وضعت الشعب الإيراني أمام تحديات تهدّد عزّته وكرامته، والفطرة تقتضي التضحية من أجل العزّة والكرامة، ولأن هذا الشعب قد أثبت أنه لا يستسلم للظلم ولا يتراجع أمام الغطرسة والتعنّت، ولا يرهبه إرجاف المرجفين: ?الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ?.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|