التيسير في الحج في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها
|
ملتقيات
محمّد علي آذرشب
وزارة الحج في المملكة العربية السعودية ندوة الحج الكبرى مكة المكرمة 2 ـ3 ذي الحجة 1427 هـ (23 ـ 24 ديسمبر 2006) عنوان الورقة: أدب الاختلاف في مسائل الحج بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. يفرض عليّ الواجب أن أتقدم بالشكر لوزارة الحج في المملكة العربية السعودية على اهتمامها بإقامة ندوة الحج الكبرى، فهذه الندوة توفّر فرصة هامّة لاستثمار «منافع» الحج. والشكر موصول لها على العنوان الذي اختارته لتجمع هذا العام وهو «التيسير في الحج في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها». فهو موضوع له أبعاد حضارية هامة لا تنحصر بالحج، بل تشمل جملة التعامل مع المدرسة الإسلامية في جميع مناحي الحياة، خاصة في ظروفنا الراهنة التي تشهد فيها الساحة الإسلامية والعالمية إشكالية تقرب أن تكون أزمة في التعامل مع الشريعة الإسلامية. الموضوع الذي اختير لي للكتابة فيه هو «أدب الاختلاف في الحج»، وسأحاول أن أتناول الموضوع ضمن إطار العنوان العام للندوة. مقدمة إنّ الحديث عن أي جانب من الإسلام يجب أن يكون ضمن إطار المشروع الإسلامي العام، والحديث التجزيئي عن أية مسألة إسلامية، أي الحديث عنها دون الأخذ بنظر الاعتبار هيكلية المشروع الإسلامي، سوف يُمنى باحتمال الانحراف في المنهج وبالانحراف عن المقاصد. باختصار نرى أن الإسلام هو الحياة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ( (لأنفال:24) وأهمّ مظاهر الحياة: النمو المستمر في الموجود الحيّ والترابط العضوي بين أجزائه. المجتمع الإسلامي هو المجتمع السائر نحو الله سبحانه، أي المتحرك باستمرار نحو الكمال، فالله سبحانه هو الكامل المطلق، والحركة نحوه سبحانه تكامل في كل مكونات الكائن البشري من معنوية ومادية. والمجتمع البشري هو أيضا مترابط عضوياً : «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى». هذه الحركة تتجه بطبيعتها نحو بناء صرح الحضارة الانسانية التي هي تبلور التطوير المعنوي والمادي للمجتمع. وهكذا كان الإسلام في تاريخه: بناء أمة متحركة على طريق كمالها المادي والمعنوي لبناء حضارة إنسانية. وهذه الحضارة أفلت لأسباب تاريخية، لكنها لاتزال أملَ المسلمين، بل البشرية المتطلعة إلى مشروع حضاري إنساني. وفي هذا السياق نتناول أدب الاختلاف في مسائل الحج بما يحمله من دلالات حضارية. الاختلاف ظاهرة حضاريّة الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي كرمه الله بنفخة من روحه: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي( (الحجر:29) وهو بهذه النفخة الرمزية قادر على أن يتطوّر ويتكامل وأن يقيم حضارة إنسانية يحقّق فيها مهمة الاستخلاف على ظهر الأرض. ولابدّ لهذا الكائن المكرّم، لكي يمارس هذه المهمّة، أن يكون مختاراً في تفكيره وسلوكه وانتخابه. كلّ الأحياء تطوي مسيرتها المطلوبة دون أن يكون لها اختيار، ولذلك لا نرى في حياتها أي تغيير، إلاّ الإنسان فهو يتطوّر لأنه صاحب إرادة واختيار في التكامل والتغيير. وهذا يستتبعه بشكل طبيعي اختلاف في التفكير والسلوك والانتخاب بين أبناء البشر. غير أن هذا الاختلاف هو من معطيات التكريم، ويعود بالتنويع والإثراء على مسيرة البشرية. إذن الاختلاف الذي يأتي في سياق الحركة الحضارية هو خير ورحمة وبركة ومظهرُ تكريم للإنسان. ومن الطبيعي أن هذا الاختلاف يؤدي إلى «تعارف» لأن الإنسان المتحضّر في مسيرته التكاملية يبحث عن المعرفة يأخذها من الآخر، وهذا الآخر إذا كان متحضّراً يأخذها منه، وهذا هو الحوار الحضاري. أما إذا توقّفت الحركة الحضارية في المجموعة البشرية فإن العلاقة بين أفراد مجتمع الركود الحضاري سوف لا تكون علاقة تعارف وحوار، لأن المثل الأعلى لهؤلاء سوف لا يكون إلاّ المصالح الذاتية الفردية الصغيرة، وهذه تخلق التضاد والصراع بينهم، وتكون قلوبهم مشتتة ونفوسهم متنافرة حتى وإن تظاهروا بتجمّع مصلحي: ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ( (الحشر:14). المفكر الإسلامي الكبير محمد باقر الصدر يتناول هذه الظاهرة من خلال نظرية «المثل الأعلى»، فهو يرى أنّ لكل كائن إنساني ومجموعة بشرية «إله»، وهذا الإله هو نفسه «المثل الاعلى»، والمثل العليا منها الهابط ومنها المتوسط، ومنها المثل الأعلى المطلق الحق وهو الله سبحانه: ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى( (النحل:60) . ويرى أننا نستطيع أن نفهم رقيّ المجتمع في مدارج الحضارة الإنسانية من خلال ما يتبناه من مثل أعلى. فالمثل الاعلى الهابط هو المنتَزع عن واقع الجماعة بحدودها وقيودها ويعتمد على تجميد الواقع وتحويل ظروفه النسبية إلى ظروف مطلقة كي لا تستطيع الجماعة البشرية أن تتجاوزه. ويعود تبنّي هذا المثل الأعلى في ـ في رأيه ـ إلى سببين: الأول الألفة والعادة والخمول والضياع، وهو سبب نفسي، والى هذا يشير القرآن الكريم في قولـه سبحانه: (قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ( (المائدة:104)، (قالوا: أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا… ( (يونس:78). والسبب الثاني لتبني هذا المثل الأعلى المنخفض وهو التسلّط الفرعوني، وفرعون يريد دائماً أن يضع الناس كلهم في إطار رؤيته، ويحوّل هذه الرؤية إلى مطلق: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي( (القصص:38). والأمة التي تعيش مثل هذا المثل الأعلى تعيش حياة تكرارية، ليس لها مستقبل وإنما مستقبلها هو ماضيها، وهي حياة لا تتناسب مع الطبيعة البشرية، لذلك تفقد ولاءها لهذا المثل الأعلى بالتدريج ويصبح أفرادها قلوباً متفرقة وأهواءاً مشتتة وأرواحاً مبعثرة وعقولاً مجمّدة، ولا تبقى أمة بل شبح أمة(1). هذا المجتمع الذي يفقد تطلّعه المستقبلي التكاملي، لا يمكن أن نتوقع فيه اختلافا حضارياً، بل تسوده مظاهر الصراع المصلحي. المجتمع الذي يستطيع أن يتحاور ويسمع ويختار وينتخب هو الذي اجتنب الطاغوت، سواء كان عادة مؤلّهة أو فرعوناً مؤلهاً: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (الزمر:16 ـ17). الكرامة والحضارة الحديث عن الإنسان المتحضّر هو نفسه الحديث عن الإنسان الذي كرّمه الله سبحانه: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ( (الاسراء:70) وذكرنا أن الإنسان مُكرّم بنفخة ربّ العالمين، وهنا أودّ أن أقف عند ارتباط الكرامة بالمسيرة الحضارية للبشرية من خلال النظرية التيموسية التي قدمها فرنسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخيرة». و«التيموس» ((Thymos يعني نزعة الإنسان الفطرية إلى الاعتراف بكرامته. وهو اصطلاح أفلاطوني، إذ ذكر في «الجمهورية» أن الإنسان بالاضافة إلى رغباته وعقله يمتلك التيموس أو روح الحياة. واتخذه هيغل أساساً لتفسير حركة التاريخ ورأى أنه محرّك السيرورة التاريخية بكاملها. فوكوياما طبعا وظّف هذا المفهوم للانتصار إلى العولمة الامريكية واعتبار الليبرالية الديمقراطية التي تبشر بها أمريكا هي المشروع الوحيد الذي يحقّق طموح البشرية للكرامة(2). ولو أعرضنا عن هذا التوظيف الايدلوجي، لوجدنا في النظرية أبعاداً مهمّة، فهي أولاً تفسّر حركة التاريخ على أساس إرادة إنسانية، ثم تضع الكرامة هدفاً أسمى للانسان يضحي من أجلها بكل شيء حتى بحياته. والواقع أن الكرامة مقصد إسلامي كبير تتجه إلى تحقيقه كل أصول الدين وفروعه. وهذا المقصد مغيّب إلى حدٍّ كبير في حياتنا التي يسودها الركود الحضاري. ولعلّ مظاهر التكفير وتراشق التهم وأعمال العنف وسفك الدماء بين المسلمين هو في معظمه من إفرازات تغييب هذا الأصل. والتأكيد على كرامة الإنسان تستفيض به النصوص الإسلامية، ابتداءاً من تكريم الجنين إلى الطفل ومروراً بعدم جواز انتهاك حرمة الإنسان في حضوره وغيبته إلى تكريم جسد الميت وعدم جواز المثلة حتى بالكلب العقور. ولا نبالغ إذا قلنا إن الهدف الاول من الدين هو صيانة كرامة الإنسان، ثم إن التاريخ يشهد أن كرامة الإنسان لا تتحقق إلا في ظل الدين الذي يكشف للانسان حقيقته ويبعده عن السقوط في الذلّ والهوان. ولارتباط الكرامة بالحضارة، فثمة ارتباط وثيق بين الحضارة والدين. من هنا نفهم ماذهب اليه مالك بن نبي حيث يقول: «فالحضارة لا تظهر في أمة من الأمم الاّ في صورة وحي يهبط من السماء يكون للناس شرعة ومنهاجاً، أوهي ـ على الاقل ـ تقوم أسسها في توجيه الناس نحو معبود غيبي بالمعنى العام، فكأنما قُدّر للإنسان ألا تشرق عليه شمس الحضارة إلا حيث يمتد نظره إلى ماوراء حياته الأرضية أو بعيداً عن حقبته، إذ حينما يكتشف حقيقة حياته الكاملة، يكتشف معها أسمى معاني الاشياء التي تهيمن عليها عبقريته وتتفاعل معها»(3) مما تقدم نفهم الارتباط بين الكرامة والحضارة والدين، وارتباط ذلك بالاختلاف الحضاري بين الافراد أدب الاختلاف أدب الاختلاف عنوان يقرّ الاختلاف، ولكن يشترط عليه أن يكون مؤطّراً بآدابه الخاصة. وأقف عند المعنى اللغوي لكلمة أدب لأن فيها دلالة على السياق الذي نحن فيه. تعلمون أن كلمة «أدَبَ» أي أقام مأدبة، ثم تطورت كلمة الأدب لتعني مكارم الاخلاق، ثم أصبحت تعني ثقافة العصر ثم أصبحت تعني الجميل المؤثر من الكلام المنثور أو المنظوم. وثم معنى مشترك في كل هذا التغيير، وهو التكريم سواءاً في المأدبة، أو الثقافة التي يتميز بها الإنسان ويسمو ويرتفع، أو في قدرته على ابتكار أجمل الكلام والارتباط الشعوري مع الآخرين. وأدب الاختلاف إذن يعني فهم الاختلاف في ضوء كرامة الإنسان، وكرامته تتبلور كما قلنا في حركة هذا الموجود نحو كماله المعنوي والمادي. والانسان في إطار الكرامة يتعامل مع الاختلاف تعاملاً حضارياً نذكر بعض معالمه: 1ـ إنه يفرّق بين المفيد من الكلام واللغو منه، فيترفع عن الخوض في مالا طائل تحته، ولا يخوض في اللغو: ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً( (الفرقان:72) ، (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً( (الفرقان:63) 2 ـ ينفتح على كل الآراء والأفكار ويختار أفضلها وأجداها: ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه( (الزمر:18) . 3 ـ لا يتخذ موقفه من الآخر من منطلق ذاتي مصلحي فئوي ولا يكون ( مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ( (الروم:32) . 4 ـ يدعو الآخرين إلى الحوار في المشتركات، ولا يحصر نظره على الاختلافات: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( (آل عمران:64) . 5 ـ يدخل في الدعوة وهو مجهّز بالحكمة وبأحسن الخطاب، وبأفضل السبل: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( (النحل:125) 6 ـ يمارس اللين في التعامل ويبتعد عن الانفعال والخصام: ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ( (فصلت:34). 7 ـ احترام الآخر في الخطاب وازالة الحواجز النفسية مع المخاطب: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ( (سـبأ:24) وهذا الأدب في التعامل مع الآخر كان الطابع الغالب على المسيرة الإسلامية في عصر الصحابة، وفي العصور التالية بين العلماء والفقهاء وأصحاب التيارات الفكرية. وهذا هو العامل الأساس في نجاح الدعوة الإسلامية واستمرارها، وكسب الشعوب إلى جانبها(4). البعد الحضاري التكريمي في الحج كل العبادات هي تركيز على ارتباط الإنسان بالمثل الأعلى المطلق الحق سبحانه، ومن ثم فهي توجّه الإنسان نحو حركة تكاملية غير محدودة، وتزيل من طريقة الآلهة المتعملقة التي تُحدّ مسيره أو تقطع عليه الطريق. غير أن فريضة الحج فيها من المنهج ما يشكّل مدرسة للتكريم وبالتالي إلى الحركة الحضارية، ومن ثم إلى التأدّب بآداب الاختلاف التي لا يُلقّاها الاّ ذو إحساس بالكرامة وبالشعور الحضاري. ونقف عند بعض معطيات الحج في صياغة الجماعة المتحضرة والانسان المتحضّر. «1 ـ الارتباط بالمطلق يحتاج إلى تعبير عملي وسلوك حسّي يعمق الارتباط بالمثل الأعلى الحق ويوجهه الوجهة الصحيحة المنسجمة مع سائر احتياجات الفرد والمجموعة البشرية. العبادات عامة والحج، بما فيه من مناسك حسيّة، ينهض بدور هام في توثيق الارتباط بالمطلق الحق. فالحج وفود على الله، ومناسكه تلبية لنداء الله وطواف حول بيت الله وسعي ووقوف ورمي وتضحية في سبيل الله. ومناسكه تلبية لنداء الله. وتوثيق الارتباط بالله له الاثر الكبير كما أوضحنا في دفع المسيرة نحو الكمال المطلق وازالة كل العوائق التي تقف بوجه المسيرة. 2 ـ العمل الفردي لا يمكن أن يتحول إلى عمل اجتماعي ذي آثار على المسيرة البشرية إلا إذا تعدّى حدود عامله، أي أن يتجاوز الذات، ويدخل في حياة الآخرين. والعبادات تربي الإنسان على تجاوز الذات، ومناسك الحج فيها العطاء التربوي الكثير في هذا المجال. القدوم إلى بيت الله الحرام من كل فج عميق، وعلى كل ضامر، والتضحية بالمال وبذل ألوان الجهود كلها تنهض بدور تربية الإنسان على الإيثار وكسر الانانية. الأحاديث الشريفة التي تحذر من الرياء في أداء فريضة الحج ومناسكه، تؤكد على حقيقة تجاوز الذات في حركة الإنسان ونشاطه، وتربي الإنسان على العمل المساهم في دفع عجلة المسيرة التاريخية نحو كمالها المنشود. 3 ـ ذكرنا دور الشعور بالمسؤولية باعتباره ضماناً لاستمرار المسيرة وتكاملها. والشعور بالمسؤولية هو الاحساس الداخلي الدافع للانسان على الالتزام بالمسيرة وضبط النفس على مواصلة الطريق، وفي مناسك الحج تعليمات كثيرة تربي هذا الإحساس بالمسؤولية، وتمرن الإنسان على الانضباط الدقيق أمام المطلق الحق ورقابته الغيبية. وتتجلى هذه التعاليم بوضوح فيما يجب ويستحب ويكره ويحرم على الإنسان المحرم في موسم الحج، كما تتجلى في الآية التي تتحدث هن عطاء الهدي، حيث تنفي أن يكون الهدي تكريساً لذات الله، كما تفعل الآلهة المتفرعنة في أوامرها لاتباعها، وتؤكد أن الهدف من الهدي هو (التقوى)، أو الانضباط على خط المسيرة. ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ( (الحج:37) . 4 ـ الحج تربية للامة على (الحركة) في طريق المطلق الحق. ولعل فريضة الحج أكثر فرائض الله احتفالا بالحركة من طواف وسعي وإفاضة. وهذه الحركة المستمرة إشعار للموحدين على أن الارتباط بالمطلق الحق لا ينفك عن الحركة على سبيله، وتأكيد على أن الخمود والجمود يعني الانحراف عن الطريق الذي أراده الله للامة المسلمة. 5 ـ حركة المسلمين في إطار مناسك الحج تتميز بالجماعية والتنسيق وزوال الفوارق. وهي تجسِّد المسيرة الصحيحة نحو الإله الواحد الاحد. فهي مسيرة جماعية تتجه فيها المجموعة البشرية نحو هدفها التكاملي، وليست مسيرة هذا الفرد أو ذاك. كما أنها ليست بالمسيرة المبعثرة المتفرقة المتشعبة، بل منسّقة تتجه في كل منعطفات التاريخ اتجاهاً منسقاً موحداً كما أن المسيرة تتميز بزوال الفوارق الطبقية العنصرية. جميع هذه المظاهر اللازمة للمسيرة البشرية على طريق الله نشهد مظاهرها في حركة الحجاج المجردين من كل مظاهر الزينة والتفاخر والموحّدين في الملبس والمتّجهين بنسق واحد في حركة الطواف والافاضة. 6 ـ التحرك الواعي على طريق المسيرة. فالوعي والتفتح أو «استماع القول واتباع أحسنه» بالتعبير القرآني من صفات المسيرة المتجنبة للطاغوت، والمنيبة إلى الله. هذه الصفة تتجسد في حركة الحجاج من خلال تأكيد الإسلام على عدم الوقوف عند الشكل الظاهر من الشعائر، بل تجاوز الظاهر للتوغل إلى عمق الشعائر. الجهل في تاريخ البشرية ينطلق من قاعدة واحدة على مرّ العصور وهي عدم التوغل في مظاهر الحياة المشهودة وعدم التعمّق في كنهها. وعلى العكس من ذلك العلم، فهو ينطلق دوماً من ذهن ألف الانتقال من المظاهر إلى الأعماق. كم من إنسان شاهد على مر التاريخ سقوط تفاحة من الشجرة وهو غير مبال بهذا السقوط المألوف العادي. لكن الذهن المتفتح انتقل من هذا السقوط العادي إلى اكتشاف قانون الجاذبية. مشكلة الجهل هذه قائمة حتى في المجتمعات المتطورة في العلوم المادية اليوم، وتتمثل في افتتان الإنسان الغربي بما اكتشفته من معادلات وقوانين، فحوّلها إلى مطلق لا يرى وراءها المطلق الحقيقي، «وأصبح يقدم للعلوم المادية فروض الطاعة والولاء، ويرفض من أجلها كل القيم والحقائق التي لا يمكن قياسها بالأمتار أو رؤيتها بالمجهر». 7 ـ التحرك المثمر. وقد ذكرنا أن الحركة على طريق المطلق الحق مقرونة دوماً بالعطاء وعطاء الحج نموذج مصغّر لذلك. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الإسلام ترك للامة المتحركة، بوعيها على متطلباتها الحياتية، أن تشخص المنافع التي تجنيها من موسم الحج، ولذلك جاءت كلمة (منافع) الحج في الآية بصيغة النكرة، لتؤكّد على مطلق المنافع التي تراها الأمة الواعية السائرة على خط الله مقومة لوجودها. ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ( (الحج:27ـ 28) جدير بالذكر أن هذه المنافع لا تتحقق إلا عندما تكون هناك (أمة)، وتكون هناك(حركة) على طريق الله، عند ذاك تكون الحركة مقرونة بالعطاء ومقرونة بالمنافع بما في ذلك حركة الامة في موسم الحج. أما عندما تطوف بالبيت مجموعة بشرية راكدة هامدة كالذي كان يفعله الجاهليون قبل الإسلام، فلات حين عطاء، ولاتَ حينَ منافع. لأن هذه المجموعة البشرية لا تستطيع أن تفهم سبلَ الاتجاه نحو العطاء: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ( (العنكبوت:69). (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( (البقرة:218). 8 ـ الهدم والبناء عمليتان ترافقان كل حركة اجتماعية تكاملية. حينما تكون الحركة على طريق الله، يتوازن الهدم والبناء فيها بشكل ينسجم وطبيعة واقع التحرك البشري، دونما إفراط في الهدم ووقوع في الفوضوية، ودونما إفراط في الاتجاه نحو البناء وإهمال عملية الهدم والوقوع بالتالي في عملية المراوحة خلف الحواجز والسدود. عمليات بناء الإنسان المتحرك والمجموعة البشرية المتحركة على خط الله استخلصناها في معطيات الحج المذكورة آنفا، وهنا نشير إلى اقتران هذه العمليات بالهدم اللازم لاستمرار الحركة. رمي الجمار الكبرى والوسطى والصغرى مرات في مناسك الحج يرمز إلى جانب هام من جوانب حركة الإنسان المتمثل في صراعه لكل العوامل المضادة التي تقف في طريق حركته. الجمار ترمز إلى الشيطان كما جاء في الروايات الإسلامية، والشيطان يمثل كل عوامل صد الأمة عن مسيرتها نحو الله. ورمي هذه الجمار يرمز إلى مقارعة هذه العوامل المضادة بالقوة وعلى الحاج أن يتجهز مسبقاً بسلاح الرمي من المشعر الحرام، فيلتقط منه حصياته، ويتجه إلى منى للرمي. انطواء مسيرة الحج على تقديم الأضحية في سبيل الله يشعر أيضا بأن الروح السلمية الوادعة التي يحملها الحاج حين الاحرام حتى بالنسبة للبهائم وحشائش الأرض، ينبغي أن تقترن بروح التضحية لأن المسيرة التكاملية نحو الله تتطلب ذلك. 9 ـ المسيرة المتصلة، القرآن الكريم يفيض في شرح قصص الأنبياء والامم السابقة ليخلص منها إلى نتيجة واحدة هي إن السنن الحاكمة على مسيرة التوحيد واحدة على مر التاريخ وهكذا السنن الحاكمة على خط الشرك واحدة أيضا لا تتغير. هذه النتيجة توضح للامة المسلمة أنها تسير على خط عريق تمتد جذوره الى أعماق التاريخ سار عليه كل الأنبياء والصالحون في التاريخ وهو خط له سننه الخاصة وقوانينه التي لا تتغير ولا تتبدل، ولا يخفي مالهذا الاستشعار من عطاء ثر يؤصّل إيمان الامة المسلمة بطريقها ويفسح لها فرصة الاستفادة من تجارب الرهط الكريم الذي سبقها في موكب الإيمان. الحج ينهض بدورهام في التأكيد الحسي على هذا الاتصال. فالأمة المسلمة تطوف حول نفس البيت الذي وضع قواعده إبراهيم وتسعى وتهرول على نفس طريق المرأة الصالحة هاجر، وتضحي استشعاراً لتضحية إسماعيل. وبذلك تنشد الامة المسلمة بمسيرة التوحيد التاريخية العريقة بكل ما تتطلبه المسيرة من صبر ومعاناة وتضحيات واستقامة ومواصلة»5. الحج ساحة لممارسة أدب الاختلاف كما أن الحج مدرسة لتعليم أدب الاختلاف من خلال معطياته التكريمية الحضارية، فهو أيضا ساحة عملية لممارسة آداب الاختلاف، من خلال مايلي: 1ـ فهم المساحات المشتركة بين المسلمين في العقيدة والعبادة والحركة والآمال والآلام، وهذا ما يستطيع أن يقضي على الحساسيات النفسية التي تخلقها مصالح الحكم بين المسلمين. والحج بالمناسبة في أبعاده العبادية الواسعة يكاد يجمع عليه المسلمون بكل تفاصيله. وقد يعود السبب في ذلك إلى أن حجة الوداع قد رواها أصحاب الصحاح والمسانيد عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد بن علي الباقر عن جابر بن عبدالله الأنصاري(6). ونفس الرواية مع اختلاف طفيف أوردها الكليني في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(7). ويذكر أحد تلاميذ المرجع الكبير الفقيد السيد حسين الطباطبائي البروجردي أن الفقيد «تسلم هدايا من الملك سعود لدى زيارة هذا الاخير إلى إيران ومعها قطعة من ستار الكعبة، فكتب آية الله البروجردي اليه رسالة طبعت في مجلة «رسالة الإسلام»، ذكر له فيها أنه استلم الهدايا، ولكنه يعيدها لأنه ليس من عادته أن يقبل هدايا الملوك، وأحتفظ بقطعة ستار الكعبة فقط تبركاً. والمرحوم الأستاذ بعث مع الرسالة حديث حجة الوداع بتفاصيلة. ويبدو أن الأستاذ أراد من إرسال الحديث الاشارة إلى أن هذا الحديث الشريف يُشكّل في سنده نقطة التقاء حديثي بين السنة والشيعة، إضافة إلى أن العمل بمحتواه يستطيع أن يوحّد المسلمين في عمل الحج، ويزيل على الاقل بعض الاختلافات الموجودة في مسألة الحج بما في ذلك (حجّ التمتع)»(8). 2 ـ التمرين على الحركة المنسجمة، وهي مشهودة في الطواف والسعي، واكثر من ذلك في الوقوفين والإفاضة والمبيت والعيد، ولا يجوز أن ينفرد الحاج عن الجماعة حتى ولو ثبت له أن الوقوف ليس في الوقت المعلَن في بلاد الحرمين الشريفين. وهذه الحركة المنسجمة درس لما يجب أن يكون عليه المسلمون من انسجام في كل شؤونهم الحياتية. 3 ـ التمرين على خطاب الحوار، فهذه العبادة قد حُظر فيها (الجدال). والجدال غير الحوار، الجدال مظهر من مظاهر التخلّف يعبّر عن ذاتية المجادل وأنانيته ورغبته في فرض رأيه على الآخر. المجادل لا يسمع، بل يتكلّم، وهو حين يواجه إنساناً يتحدّث معه، فإنه لا يُصغي، وإن رأيته أمام المتكلّم ساكتاً، فهو يتكلّم أيضا في انتظار الردّ والمجادلة والمخاصمة, وهذه الحالة قد حُظرت في الحج في سياق حظر المحرمات التي تبطل الفريضة (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ( (البقرة:197). وحظر الجدال يعني إقامة علاقة مع الآخر قائمة على الحوار. وفي الحوار كما ذكرنا كلام واستماع، و رأي و رأي آخر، وأخذ وعطاء. وهي ظاهرة حضارية لا تتحقق إلا في حالة اجتناب الطاغوت، أي اجتناب العوائق التي تقف في طريق كمال الإنسان والآلهة التي تتعملق في مسيرته: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ( (الزمر:17- 18) 4 ـ التمرين على النظر إلى الأهداف البعيدة للشريعة، والحج مفعم برموز البناء الحضاري للانسان والمجموعة البشرية. وفي النصوص الإسلامية تأكيد على معرفة ما في المناسك من عطاء تربوي بنّاء. من ذلك ما روي عن علي بن الحسين زين العابدين من نصّ أنقل مقتطفاته لارتباطه بالمقاصد البناءة الحج، وهي المقاصد التي لو تحققت لارتفع الإنسان إلى المستوى الذي يتحقق فيه أدب الاختلاف. «لما رجع مولانا زين العابدين عليه السلام من الحج استقبله الشبلي. فقال عليه السلام له: حججت يا شبلي؟ قال: نعم يابن رسول الله… قال عليه السلام: فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثوب المعصية ولبست ثوب الطاعة؟ قال: لا. قال عليه السلام: فحين تجردت عن مخيط ثيابك نويت أنك تجرَّدت من الرياء والنقاق والدّخول في الشبهات؟ قال: لا. قال عليه السلام: فحين اغتسلت نويت أنك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟ قالا: لا. قال عليه السلام: فما نزلت الميقات ولا تجرَّدت عن مخيط الثياب ولا اغتسلت… قال عليه السلام: فحين تنظَّفت وأحرمت وعقدت الحج نويت أنك تنظَّفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى؟ قال: لا. قال عليه السلام: فحين أحرمت نويت أنك حرَّمت على نفسك كل محرم حرَّمه الله عزّوجل؟ قال: لا. قال عليه السلام : فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله؟ قال: لا. قال له عليه السلام: ما تنظَّفت ولا أحرمت ولا عقدت الحجَّ. قال عليه السلام: فحين صليت الركعتين نويت أنك تقربت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة وأكبر حسنات العباد؟ قال: لا. قال عليه السلام: فحين لبّيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكل طاعة وصمتَّ عن كلِّ معصية؟ قال: لا. قال له عليه السلام: ما دخلتْ الميقات ولا صليت ولا لبيتَ… قال عليه السلام: فحين دخلت الحرم نويت أنك حرَّمت على نفسك كلَّ غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الإسلام؟ قال: لا. قال عليه السلام: فحين وصلت مكة نويت بقلبك أنك قصدت الله؟ قال لا. قال عليه السلام: فما دخلت الحرم ولا رأيت الكعبة ولا صلّيت… قال عليه السلام: فحين سعيت نويت أنك هربت إلى الله وعرف ذلك منك علاّم الغيوب؟ قال: لا. قال عليه السلام: فما طفت بالبيت ولا مسست الأركان ولا سعيت. ثم قال عليه السلام: من صافح الحجر الأسود فقد صافح الله تعالى… ثم قال عليه السلام: نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم عليه السلام أنك وقفت على كل طاعة وتخلّفت عن كل معصية؟ قال: لا. قال عليه السلام: فحين صليت فيه ركعتين نويت أنك صليت بصلوة إبراهيم عليه السلام وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان؟ قال: لا. قال عليه السلام له: فما صافحت الحجر الأسود ولا وقفت عند المقام ولا صليت فيه ركعتين… ثم قال عليه السلام له: أسعيتَ بين الصّفا والمروة ومشيت وتردَّدت بينهما؟ قال: نعم. قال عليه السلام له: نويت أنك بين الرجاء والخوف؟ قال: لا. قال عليه السلام: فما سعيت ولا مشيت ولا تردَّدت بين الصّفا والمروة. ثم قال عليه السلام: أخرجتَ إلى منى؟ قال: نعم. قال عليه السلام: نويت أنّك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟ قال:لا قال عليه السلام: فما خرجت إلى منى... قال عليه السلام: فعندما مشيت بمزدلفة ولقطت منها الحصى نويت أنك ترفَّعتَ عن كل معصية وجهل وثبتَّ كلَّ علم وعمل؟ قال: لا. قال عليه السلام: فعند ما مررت بالمشعر الحرام نويت أنك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عزوجل؟ قال: لا. قال عليه السلام: فما مررت بالعلمين ولا صلّيت ركعتين ولا مشيت بالمزدلفة ولا رفعت منها الحصى ولا مررت بالمشعر الحرام.. قال عليه السلام: فعندما رميت الجمار نويت أنّك رميت عدوّك إبليس وعصيته..؟ قال: لا. قال عليه السلام: فعندما حلقت رأسك نويت أنك تطهَّرت من الأدناس ومن تبعة بني آدم وخرجت من الذنوب كما ولدتك أمّك ؟ قال: لا. قال عليه السلام : فعندما صليت في مسجد الخيف نويت أنك لا تخاف إلا الله عزوجلَّ وذنبك ولا ترجو إلا رحمة الله تعالى؟ قال: لا. قال عليه السلام: فعندما ذبحت هديك نويت أنك ذبحت حنجرة الطَّمع؟… قال: لا. قال عليه السلام: فعندما رجعت إلى مكة وطفت طواف الإفاضة نويت أنك أفضت من رحمة الله تعالى ورجعت إلى طاعته وتمسَّكت بوده وأديت فرائضه وتقرَّبت إلى الله تعالى؟ قال: لا. قال له زين العابدين عليه السلام: فما وصلت منى ولا رميت الجمار ولا حلقت رأسك ولا أديتَ نسكك ولا صلَّيت في مسجد الخيف ولا طفت طوائف الإفاضة ولا تقرَّبت، ارجع فإنَّك لم تحجَّ. فطفق الشبلي يبكي على ما فرَّطه في حجّه ومازال يتعلم حتى حج من قابل بمعرفة ويقين»(9). تلخيص واستنتاج الحج مدرسة لأدب الاختلاف وساحة لممارسة هذا الأدب عملياً. فهو مدرسة للامة يغذّي المسلم والجماعة المسلمة بالكرامة التي هي أساس كل تطوّر حضاري، وفي ظل الجوّ الحضاري يعرف الإنسان كيف يتحاور وكيف يختلف وكيف يستثمر الاختلاف لإثراء مسيرته التكاملية. كما أنه ساحة لممارسة أدب الاختلاف حين يعيش الحجاج عبادة جماعيةً منسجمةً بعيدةً عن الجدال وعن الارتكاس في الذات الضيقة، ومفعمة بالرموز التي تشكل معالم في طريق مسيرة الإنسان نحو الكامل المطلق سبحانه. 1 - انظر: التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، مجموعة محاضرات ألقاها الامام الصدر قبل استشهاده، وطبعت أيضاً تحت عنوان: «محاضرات في تفسير القرآن». 2 - نهاية الإنسان والانسان الأخير، ترجمة فؤاد شاهين وآخرون، مركز الانماء العربي، بيروت 1993. 3 - شروط النهضة، ترجمة عمر كامل مسقاوي وعبدالصبور شاهين، دار الفكر، ط 4، بيروت 1407هـ ، ص 56. 4 - انظر: أدب الاختلاف في الإسلام، طه جابر العلواني، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1981م. وأدب الاختلاف في الإسلام ، أبحاث الندوة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون مع جامعة الزيتونة، منشورات إيسيسكو 2000م . 5 ـ دور الحج في المسيرة التاريخية، محمد علي آذرشب، مجموعة مقالات في الحج الكتاب الاول، طهران، 1405هـ . 6 - انظر مثلا صحيح مسلم ، ج 8، ص 170. 7 - الكافي، ج 2، ص 275. 8 - نفس عبارة آية الله واعظ زاده الخراساني ، انظر: مجموعة مقالات في الحج ، الكتاب الأول، ص 177. 9 - مجموعة مقالات في الحج، الكتاب الأول، ص 13 - 18.
|
مقالات أخرى من هذا الكاتب |
• «أكبر» والمذاهب
(بازدید: 859)
(موضوع: شخصيات)
• أبو فراس الحمداني
(بازدید: 2097)
(موضوع: أدب)
• أبو فراس الحمداني / مقاربة في دارسة مدحه وهجائه
(بازدید: 2372)
(موضوع: أدب)
• إحياء الاسلام أولا
(بازدید: 851)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(موضوع: )
• ادباء ايرانيون في دراسات سيد قطب
(بازدید: 1614)
(موضوع: أدب)
• الأدبان المعاصران العربي و الفارسي مقاربة في الظواهر المشتركة
(بازدید: 1174)
(موضوع: أدب)
• الأواني المستطرقة
(بازدید: 1837)
(موضوع: أدب)
• الامام علي - العطاء الحضاري المتواصل
(بازدید: 902)
(موضوع: شخصيات)
• التقريب في القرن الماضي
(بازدید: 1075)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الحب و التقريب
(بازدید: 921)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الحكومة الاسلامية من منظور الشاعر الكميت بن زيد
(بازدید: 1272)
(موضوع: أدب)
• الحوزة الإيرانية في القرن الماضي
(بازدید: 1334)
(موضوع: أوضاع المسلمين)
• الخطاب الانساني في مثنوي مولانا جلال الدين الرومي
(بازدید: 2468)
(موضوع: أدب)
• الرسالية في الشعر الشيعي
(بازدید: 948)
(موضوع: أدب)
• السنن الحَسنة
(بازدید: 907)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الشهيد مطهري وإحياء الفكر الاسلامي
(بازدید: 2456)
(موضوع: فكر إسلامي)
• القاعدة الاخلاقية والفكرية في الاقتصاد الاسلامي
(بازدید: 1356)
(موضوع: فكر إسلامي)
• القدس رمز وجودنا
(بازدید: 1020)
(موضوع: فلسطين)
• القضية الفلسطينية في ضمير الشعب الإيراني
(بازدید: 1013)
(موضوع: فلسطين)
• المؤتمر الفكري الاول للشهيد السعيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم (رض) لندن 11/1/2004
(بازدید: 856)
(موضوع: ملتقيات)
• المذاهب الإسلامية بين السلب والإيجاب
(بازدید: 787)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• المنظومة الفكرية للشهرستاني وموقع ابن سينا منها
(بازدید: 2123)
(موضوع: فكر إسلامي)
• الهجرة الفرص والتحديات
(بازدید: 1324)
(موضوع: حوار الحضارات)
• الى عرفات اللّه
(بازدید: 805)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• انتشار الإسلام في إيران / هل دخل بالسيف أم عن طريق القلوب؟
(بازدید: 2155)
(موضوع: فكر إسلامي)
• تكريم روّاد التقريب
(بازدید: 875)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• ثقافة التقريب / لماذا؟
(بازدید: 859)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• جولات تقريبية
(بازدید: 965)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• جولات تقريبية
(بازدید: 862)
(موضوع: فكر إسلامي)
• جولات تقريبية «القسم الثالث»
(بازدید: 853)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• حركة التاريخ في فكر الامام الصدر
(بازدید: 1926)
(موضوع: فكر إسلامي)
• حوار الحضارات - الالولويات - الأخطار
(بازدید: 1902)
(موضوع: حوار الحضارات)
• حوار مع الدكتور سيد حسين نصر
(بازدید: 1751)
(موضوع: مقابلات)
• دور السيد جمال الدين في الادب العربي الحديث
(بازدید: 2663)
(موضوع: شخصيات)
• دور زينب بنت علي في مسيرة الحضارة الاسلامية
(بازدید: 1727)
(موضوع: دراسات حضارية)
• رؤية السيد الشهيد الصدر لمسألة التنمية
(بازدید: 1452)
(موضوع: دراسات حضارية)
• رسالـة التقريب
(بازدید: 1012)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• سؤالات مجهولة من أسئلة نافع بن الأزرق إلى عبدالله بن عباس
(بازدید: 2134)
(موضوع: قرآن)
• سبل تنشيط العلاقات الثقافية بين الايرانيين و العرب
(بازدید: 990)
(موضوع: ثقافة)
• سعدي الشيرازي
(بازدید: 1973)
(موضوع: أدب)
• شاعران كبيران في إيران
(بازدید: 1515)
(موضوع: أدب)
• شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي الحلبي
(بازدید: 2526)
(موضوع: شخصيات)
• عزة الامة في التقريب
(بازدید: 973)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• عصر الأدب الفارسي الإسلامي
(بازدید: 7204)
(موضوع: أدب)
• فرصة عظيمة و لكنها مهددة
(بازدید: 918)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• قصة الناي في فكر الكواكبي
(بازدید: 1794)
(موضوع: فكر إسلامي)
• قصة الناي في فكر الكواكبي
(بازدید: 1100)
(موضوع: فكر إسلامي)
• كتب في ميزان التقريب
(بازدید: 1013)
(موضوع: كتب)
• كلمة التحرير
(بازدید: 948)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• لسان الدين بن الخطيب الاندلسي
(بازدید: 2832)
(موضوع: شخصيات)
• مؤتمر تيسير علم النحو
(بازدید: 1329)
(موضوع: ملتقيات)
• مجالات التقريب
(بازدید: 1011)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مشاكل وعقبات في طريق وحدة المسلمين
(بازدید: 1318)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• معوقات النهوض وأسباب التخلّف في فكر الإمام الصدر
(بازدید: 1352)
(موضوع: فكر إسلامي)
• موقف الإسلام من التراث الإيراني القديم
(بازدید: 1840)
(موضوع: تاريخ)
• موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلاميّة
(بازدید: 837)
(موضوع: تاريخ)
• موقف الايرانيين من الدعوة الإسلامية
(بازدید: 1132)
(موضوع: تاريخ)
• موقف الرئيس الاسد من الثورة الاسلامية الايرانية - الخلفية التاريخية
(بازدید: 960)
(موضوع: شخصيات)
• نحن و البدعة
(بازدید: 956)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و التاريخ
(بازدید: 902)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الحج
(بازدید: 803)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الحسين
(بازدید: 871)
(موضوع: )
• نحن و السلفية
(بازدید: 801)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و السياسية
(بازدید: 801)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و السيرة
(بازدید: 786)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الصحوة الإسلاميّة
(بازدید: 794)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و العزة الإسلاميّة
(بازدید: 894)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الغزو الثقافي
(بازدید: 1038)
(موضوع: الغزو الثقافي)
• نحن و النظام الدولي الجديد
(بازدید: 884)
(موضوع: العالم الإسلامي)
• نحن و دولة الإسلام في إيران
(بازدید: 849)
(موضوع: العالم الإسلامي)
• نحن و شهر رمضان المبارك
(بازدید: 846)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و قضايانا المشتركة
(بازدید: 850)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و مؤامرات الإثارة الطائفية
(بازدید: 850)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• ندوة ثقافة التقريب بين المذاهب الاسلامية ودورها في وحدة الامة
(بازدید: 862)
(موضوع: ملتقيات)
• وحدة المسلمين فريضة
(بازدید: 850)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• اختتام الدورة الأولى لمهارات اللغة العربية
(بازدید: 1092)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر «اللغة العربية إلى أين؟»
(بازدید: 1115)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ندوة الكواكبي
(بازدید: 1008)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الاجتماع الرابع عشر للجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك في منظمة المؤتمر الاسلامي
(بازدید: 1120)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الحوار الإيراني العربي / في المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق
(بازدید: 2061)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• وثائق / برنامج التعاون المشترك
(بازدید: 1132)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• مؤتمر تفاعل بين الحضارات العربية – الاسلامية و الحضاراة الغربية و الدور الاسباني
(بازدید: 2114)
(نویسنده: محمد دكير)
• مؤتمر كيف نواصل مشروع حوار الحضارات
(بازدید: 2205)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر المخطوطات العربية في إيران
(بازدید: 1018)
(نویسنده: المستشارية الثقافية بدمشق)
• الاجتماع الثالث عشر لمجمع الفقه الإسلامي (الكويت)
(بازدید: 1011)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي لمؤتمر علماء الإسلام
(بازدید: 905)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المؤتمر الإعلامي الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية (طهران)
(بازدید: 1607)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر علماء الإسلام (بيروت)
(بازدید: 975)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي المؤتمر الدولي الرابع عشر للوحدة الإسلاميّة
(بازدید: 975)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي لمؤتمر الشهيد الصدر
(بازدید: 1020)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المؤتمر العالمي لدعم الانتفاضة
(بازدید: 698)
(نویسنده: آية الله السيد علي الخامنئي)
• البيان الختامي
(بازدید: 983)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت
(بازدید: 762)
(نویسنده: آية الله السيد علي الخامنئي)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت مقدمة
(بازدید: 937)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تقرير عن المؤتمر الثالث عشر للوحدة الاسلامية
(بازدید: 978)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|