banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

دور زينب بنت علي في مسيرة الحضارة الاسلامية
ثقافتنا - العدد 9
دراسات حضارية
محمّد علي آذرشب
1427

«ملخّص»
دراسة دور الشخصيات في تاريخ الاسلام من منظور حضاري يسلّط الضوء على دورهم الواقعي في مسيرة التاريخ الإسلامي الذي هو في الواقع تاريخ الحضارة الإسلامية بكل منعطفاتها. وزينب بنت علي نهضت بدور بارز في استعادة العزّة وتقديم الدروس التي تحافظ على معنويات الأمة في لحظات الانهيار والضعف.
الناس من حيث اهتماماتهم نوعان: الأول يعيش همومه الغريزية المادية من طعام وشراب ومأكل وملبس لنفسه أو لمن يراهم امتداداً لنفسه كأولاده وأهله:  يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ  (محمد:12). شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا (الفتح:11).
وآخرون يعيشون هموماً وأهدافاً تتعدى هذه الذاتية، ويعيشون بكل وجودهم أو بجزء من وجودهم – على الأقل – من أجل أهداف ذات آثار تتجاوز الذات.
بتعبير آخر بعض الناس يعيشون لمتطلبات الطين الذي خُلق منه الإنسان، وبعض آخر تتجلّى فيهم بدرجة وأخرى آثار النفخة التي نفخها الله سبحانه وتعالى من روحه في هذا الإنسان.
كرامة الإنسان تتجلّى في هذا النوع الثاني، هذه الكرامة التي يشير إليها القرآن الكريم حيث يقول:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (الاسراء:70).
بهذا التكريم يفضل الإنسان على سائر المخلوقات، وبهذا التكريم يسخّر قوى الطبيعة ببرّها وبحرها. وبهذا التكريم يتحرك ليقيم خلافة الله في الأرض، وليشيد صرح الحضارة الإنسانية الإلهية.
وأكبر ما تُمنى به البشرية من انتكاس هو ضمور هذا التكريم في وجودها بسبب عوامل مختلفة، فتنتكس في حركتها الحضارية أو تعيش أهواءها الذاتية، وهذه الأهواء عادة متضاربة بين الأفراد فيتمزق المجتمع ويُصبح عرضة لسيطرة الطواغيت عليه.
الأديان السماوية استهدفت جميعاً إحياء عنصر الكرامة في نفس الإنسان، كلّ ما دعوا إليه يصب في هذا الهدف سواء على صعيد العقيدة أو السلوك أو العلاقات.
الإنسان لابدّ أن يعبد، المؤمن يعبد والكافر يعبد:
لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (الكافرون:2- 3) .
إما أن يعبد الله سبحانه وتعالى أو يعبد ما دونه، وجاءت الرسالات السماوية لتقول للإنسان: أنت أكرم من أن تعبد غير الله، ولتحقيق كرامته وجّهته لعبادة خالق السماوات والأرض: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (النحل:36).
وحين يعبد الله يتجاوز عبادة نفسه وعبادة هواه. وينطلق لتحقيق رضا الله في سلوكه وعلاقاته، ليتخلّق بأخلاق الله من عزّ وعلم وكرم وقدرة وسعة وحلم ورحمة وانتقام وسائر صفات الله سبحانه.
وحين يعبد هواه يفقد كلَّ قوة أودعها الله في نفس هذا الإنسان بنفخته، فيصاب بالضعف أمام قوة الطاغوت وإغراءات المال والشهوة فيمنى بالذل، وهو أقسى ما يمنى به فرد أو مجتمع.
والأديان السماوية دعت إلى تحرّر الإنسان من كلّ ما يعيق حركته نحو كرامته وعزّته: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ  (لأعراف:157).
ولا يجوز للجماعة البشرية أن تعيش في حالة استضعاف يعيقها عن ممارسة دورها الرسالي في الحياة، وإن وُجدت مثل هذه الجماعة فلا بد من الجهاد لتحريرها:
وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ (النساء:75).
والجماعة المستضعفة هي أيضاً مسؤولة عن رفع ما عليها من حالة معيقة عن حركتها التكاملية، فإن لم تستطع رفع الاستضعاف عنها في مقامها فعليها أن ترحل لتجد المكان الذي تحقق فيه شخصيتها وعزتها وكرامتها، وإن لم يفعلوا فقد ظلموا أنفسهم واستحقوا عقاب رب العالمين:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (النساء:97).
الرسالة الإسلامية في عصرها الأول واجهت نوعين من المجتمعات:
الأول – مجتمعات جامدة ساكنة لا تطور فيها ولا حراك تعيش في إطار اهتماماتها الغريزية ولا تتعداها.
الثاني – أمم ذات حضارة قائمة على أساس عبودية الطواغيت وكل شيء مكرّس فيها لخدمة الأباطرة الحاكمين، وكل اهتمام يصبّ في تقوية السلطة الحاكمة وجيوشها وعروشها ولهوها وقصورها. أما الإنسان بما هو «إنسان» فلا قيمة له في تلك الحضارات.
وجاءت الرسالة الإسلامية لتقدم منهج تحرير الإنسان من كل ما يعيقه عن الحركة على طريق كرامته.. تحريره من الجهل والخرافة وعبودية الطاغوت وعبودية الهوى ومن الخضوع والاستسلام لكل ما يريد للإنسان أن يكون ضعيفاً ذليلاً مقهوراً.
بهذا المنهج خلق الإسلام في المجموعة المسلمة طاقة روحية والصبر على مواصلة المعاناة، وهذه الطاقة الروحية كانت وراء كل ما ظهر في التاريخ الإسلامي من فتوحات وعلوم وفنون وحضارة مشرقة.
الإسلام ركز في مفاهيمه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره الضمان اللازم لمقاومة المعوقات التي تظهر أمام المسيرة الحضارية، وهذا المبدأ يضع المسلمين أمام مسؤولية مواجهة هذه المعوقات وبذل الغالي والنفيس لإزالتها.
هذه المعوقات غالباً ما تكون طبيعية ناتجة عن خصلة الطين الموجودة في البشر. وتكون هيّنة حين تبرز على الساحة الفردية، فتتوجه دعوة الاسلام إلى هذا الفرد أو ذاك للاهتداء ولتقويم الاعوجاج، ومن ثم لدفع هذا الإنسان على مسيرة الكرامة والكمال. غير أنها تكون خطرة حين تتحول إلى عائق يقف أمام كل المسيرة الاجتماعية نحو الكرامة. فيصاب المجتمع بالذل، وتنتكس المسيرة برمتها. من هنا فإن الرساليين – وهم الذين استعلوا بإيمانهم عن السقوط في أوحال الذل – يتحملون من مسؤوليات التضحية بمقدار حجم الانحراف السائد.
المجتمع الإسلامي بعد عصر الخلافة الراشدة مني بسبب عوامل عديدة بهذه النكسة، وأوشكت حالة الذل أن تخيم على المجتمع الإسلامي بعد أن أطبق عليها التخويف والتجويع والإرهاب في أفظع صوره.
من هنا كان لابد من إجراء عملي كبير لإحداث هزة نفسية في المجتمع تشعره بكرامته المهدورة وعزته الضائعة، وكان الإمام الحسين عليه السلام يتحمل هذه المسؤولية باعتباره إمام ذلك المجتمع.
أقف قليلا عند مسألة أثيرت في إيران خلال السبعينات وأظن أن صداها امتد إلى الأوساط الشيعية العربية وهي الهدف من ثورة الحسين. دوّن أحدهم كتاباً تحت اسم «شهيد جاويد» = «الشهيد الخالد» ادّعى فيه أن الحسين(ع) جاء إلى العراق ليقيم دولة الإسلام، ولكنه فشل في هذه المهمة، وعارضه آخرون قائلين:
إن هذا الكلام يتناقض مع علم الإمام، فالإمام كان عالماً بمصيره. دار في هذا الموضوع كلام كثير لا ضرورة للوقوف عنده، وأكتفي بالقول إن الذي لم يطرح في هذا القيل والقال هو أن الحسين بن علي عليه السلام جاء إلى العراق لينهض بعملية كبرى تستهدف إعادة الكرامة والعزّة إلى المجتمع الإسلامي، وهو هدف أهداف مسيرة الأنبياء، وما دولة الإسلام الكريمة إلاّ لتعزّ الإسلام وأهل الإسلام وتكرم المسلمين في الدنيا والآخرة، ألا تقرأ في الدعاء: «اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذلّ بها النفاق وأهله وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة»؟!
حركة الحسين كانت من أجل هدف أكبر من الدولة الإسلامية وأكبر من أي هدف متصوّر آخر.. إنه عملية إحياء المسيرة الحضارية الإسلامية في أهدافها المنشودة بعد أن تعثرت، بل كادت أن تنتكس وتتراجع بسبب حالة الذل المفروضة على المجتمع.
كل مواقف الحسين وحركاته وسكناته وكل ما قاله وخاطب به أصحابه وأهل بيته وما خاطب به الجيش القادم على قتاله يؤكد هذه الحقيقة.. حقيقة أنه قادم لإعادة الكرامة إلى المجتمع الإسلامي.
ليس حديثنا عن الحسين، بل عن عقيلة بني هاشم التي كان لها الدور الأكبر بعد الحسين في عملية إحياء المجتمع المسلم، فماذا كان دورها الرسالي في تحقيق هذا الهدف الكبير.
لابدّ أن أذكر أولاً أنها كانت – في اعتقادي – مؤهّلة تماماً لحمل هذا الدور. لا تتوفر لدينا وثائق كثيرة عن شخصيتها، ولكن ما ذكره لنا التاريخ من نتف عابرة هو كاف لمعرفة شخصية هذه المرأة وتأهّلها لهذا الدور. يكفي ما ذكره لنا التاريخ أن هذه المرأة يخاطبها الحسين في أعظم وأصعب موقف في ليلة الاستعداد للقتل والسبي.. في ليلة العاشر من محرم ويقول لها: «يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل» .
إني أفهم من هذه العبارة شيئاً كثيراً.. بعضه أستشعره دون أن أتمكن من بيانه وبعضه يمكن بيانه، إنها عبارة تبين ارتفاع الأخ والأخت إلى مستوى يفوق بكثير الحالات التي تصيب الناس العاديين حين يواجهون موقفاً رهيباً، تبين مدى ارتباط الأخوين بالهدف الكبير ومدى سموّهما في القرب الإلهي.
وثمة وثيقة أخرى بقيت خالدة عن هذه المرأة هي قولها عند وقوفها على جسد أخيها المدمى المقطع بالسيوف المحزوز الرأس.. وهو مشهد يهدّ الجبال ويضعف الأبطال، قولتها المشهورة:
«اللهم تقبل منّا هذا القربان».
ومن الأفضل للإنسان أن يكفّ عن أي تعليق على هذا القول ويكتفي بما يحدثه في النفس من عاصفة تحيّر العقول وتدهش النفوس.
وثمة وثيقة ثالثة تبيّن تأهّل هذه المرأة لمثل هذا الدور الرسالي ما ذكره المؤرخون أنها أدّت ليلة الحادي عشر من محرم صلاة الشكر..
يا إلهي كفى على عظمتك شهيداً أنك خلقت أمثال هؤلاء العظماء الذين لا تقاس بهم عظمة سماواتك وأرضك!!!
وهل يمكن أن نقبل أمام هذه العظمة ما يصرّ بعضنا على روايته من ضعف وانهيار أصاب هذه المرأة الكبرى.. أنا على يقين من أن روح الضعف والهزيمة التي مُنينا بها هي التي تجعلنا نصوّر زينب بما لا يليق بهذه المرأة العظيمة.
الدرس الكبير العملي الذي قدمته زينب للأمة الإسلامية هو كيف يمكن تبديل حالة الذل إلى حالة العزّة والكرامة.
والبديع في الأمر أن أسرها ساعدها في النهوض بهذا الدور الرسالي التاريخي.
لو كانت زينب عزيزة بـإخوتها وأهل بيتها وعشيرتها وأصحابها لما استطاعت أن تؤدّي هذه المهمة. ولكنها وقعت في ذلّ الأسر بعد أن فقدت إخوتها وأهل بيتها وحماتها، ولا شك أن الأسر ذلّ ما بعده ذلّ، خاصة حين يكون بيد أناس ذبحوا ابن بنت رسول الله وأحرقوا خيم عياله ورضّوا أجساد القتلى بالخيل ومارسوا ألوان الفظاظة والقسوة والدناءة.
ولكن دور زينب هو أنها حوّلت هذا الذل إلى عزّة وكرامة، وكأني بها قالت للمجتمع الذي خيّم عليه الذل: أنا امرأة وحيدة لا ناصر لي ولا معين حوّلت حالة الذلّ التي وقعت فيها إلى حالة عزّ فهل فيكم من بقايا كرامة؟!!
كيف مارست زينب هذا الدور الرسالي الكبير؟
1- عدم الشعور بالهزيمة:
وهذه صفة هامة لمن يتأهّل لتحويل الهزيمة إلى انتصار. لو بدى على زينب الانكسار أو الضعف والانهيار لما استطاعت أن تؤدي مهمتها، لكنها في مواقفها كانت من القوة بحيث جعلت المؤرخين يتحدثون عن هذه المواقف.
قال بشر بن خزيم الأسدي: «ونظرت إلى زينب بنت علي عليها السلام يؤمنذ فلم أر خفرة أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكتت الأجراس».
هذا الموقف يدل على أن صلابة شخصية زينب قد أثّرت على هذا الرجل كما أثـّرت على كل المخاطبين بحديثها في الكوفة. يقول الراوي: «لقد رأيت الناس يؤمئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلَّت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يُخزى ولا يُبزى».
وهذه الصلابة وعدم الإحساس بالضعف أفقدت صواب والي يزيد عبيد الله بن زياد فما بالك بالآخرين الحاضرين في مجلسه حين أدخل عيال الحسين على ابن زياد فدخلت زينب متنكرة وعليها أرذل ثيابها، فمضت حتى جلست ناحية من القصر، وحفّت بها النساء. فقال ابن زياد: من هذه التي انحازت فجلست ناحية ومعها نساؤها؟ فلم تجبه زينب، فأعاد ثانية وثالثة يسأل. فقالت بعض النساء هذه زينب بنت رسول الله(ص).
لاحظوا عظمة الموقف: دخلت على أعتى مستكبر وأبشع قاتل وأفظع طاغية، فما التفتت إليه، ولا وقفت أمامه، ولا أستأذنته في الجلوس، بل أهملته وانحازت وجلست مع النساء في جانب من القصر، ثم لم تجب على سؤال الطاغية رغم أنه كرره ثلاثاً.
هذا يعني أنها لم تستشعر بأي ضعف ولم يساورها أي شعور بالهزيمة.
2- المحافظة على روح العزّة:
حرصت زينب عليها السلام على صيانة روح العزّة لدى سبايا أهل البيت كي لا يستشعروا الذلة في أسرهم، ولكي يكونوا هم أيضاً صورة لمن يأبى أن يُذلّ.
في الرواية أن السبايا أدخلوا في دار إلى جانب المسجد الأعظم، ومن الطبيعي أن تزورهم النساء، فتجمّعن على باب هذا البيت للدخول على زينب، فخشيت زينب أن يساور نساء آل بيت النبوة نوع من الإحساس بالذلة أمام بقية النساء، فرفضت زينب دخول النساء عليها وقالت: «لا تدخل علينا إلا مملوكة أو أم ولد فإنهنّ سُبين كما سُبينا».
لاحظ أنها سمحت لدخول نوع خاص من النساء يشاركن أهل بيت النبوة في الأحاسيس والمشاعر، دون بقية النساء اللاتي لا يحملن مثل هذا الإحساس والتاريخ المشترك.
وفي الرواية أن قافلة السبايا حين دخلت الكوفة قدّم لهم بعض أهل هذه المدينة تمراً وخبزاً. فصاحت زينب: «إن الصدقة حرام علينا أهل البيت». فرمى كلّ واحد منهم ما في يده أو فمه وراح يقول لصاحبه: إنّ عمّتي تقول إن الصدقة حرام علينا أهل البيت.
بهذا الشكل جعلت هذه الأسرة الكريمة تستشعر عزتها وكرامتها في انتسابها لآل بيت رسول الله(ص).
3- الإيمان بالمستقبل:
من عناصر التربية القرآنية في تحقيق النصر الإيمان بالمستقبل، الإيمان بانتصار العدل على الظلم وانتصار الدم على السيف وانتصار المستضعفين على المستبكرين. هذا الإيمان كان راسخاً في نفس زينب وكان له الأثر الكبير في تحقيق هدفها الكبير.
في الرواية أنها رأت التأثر الكبير على علي بن الحسين وهو يستعرض ذكريات الواقعة الأليمة في كربلاء، ومشهد الأجساد المتناثرة على الرمضاء، فقالت له: «مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي، فوالله إن هذا لعهد من الله إلى جدك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والأجسام المضرّجة فيوارونها وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لـمّا يُدرس أثره ولا يُمحى رسمه على مرور الليالي والأيام، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وطمسه فلا يزداد أثره إلا علوّا ».
وبهذا الإيمان بمستقبل تسقط فيه دولة الظالمين تخاطب يزيد قائلة:
«فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض (تغسل) عنك عارها، وهل رأيك إلا فَنَد، وأيامك إلا عَدَد، وجمعك إلا بَدَد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله عى الظالمين. فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل».
4- الشجاعة:
وهي خصلة بارزة في مواقف السيدة زينب، وقد ورثتها عن أبيها، بل من مدرسة أبيها وجدها، وهي مدرسة القرآن التي تعلّم الإنسان أن يخشى الله ولا يخشى سواه، تربّت على أن الحوادث مهما كانت جسيمة لا يهتز لها قلب، ولا يرتجف لها جسد، وعلى أن تستقبل الموت وتطلبه، ومن طلب الموت كُتبت له الحياة وكُتب له الخلود.
فهي تقف أمام طاغية زمانها لتقول له:
«ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى والصدور حرّى».
الطاغية المتفرعن أمامها لا يستحق حتى التقريع والتوبيخ، فهي أكبر من أن تخاطبه بأي شيء حتى بالتقريع والتوبيخ.. أية شجاعة هذه؟!!
برزت شجاعتها ورباطة جأشها في دفاعها عن آل بيت النبوة أمام كل تهديد، فتنقّلها بين الخيام المشتعلة، راكضة لتجمع الأطفال وتقيهم من النار والتشرد، موقف لا يصدر إلا عن امرأة لم تفقد السيطرة على نفسها حتى في ذلك الموقف الرهيب الذي يزلزل أعاظم الرجال.
وهكذا وقوفها مدافعة عن علي بن الحسين عليه السلام حين أمر ابن زياد أن تضرب عنقه. إذ تعلّقت به عمّته وقالت: يا ابن زيادحسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: «والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني».
وموقفها من الرجل الذي طلب من يزيد أن يهب له فاطمة بنت الحسين باعتبارها جارية. إذ نهضت زينب وقالت: «كذبت والله ولؤمت ما ذاك لك ولا له (أي ولا ليزيد)».
فغضب يزيد وقال: كذبت إن ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت.
فأجابته العقيلة: «كلاّ والله ما جعل الله لك ذلك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها».
فاستشاط الطاغية غضباً وقال:
«إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك».
فقالت له دون أن تؤثر فيها حدّة الخصم:
«بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك لو كنت مسلماً».
فقد يزيد صوابه وصرخ: كذبت يا عدوة الله.
فأجابته بما ينهي هذا التصعيد بعد أن سجلت موقفها الشجاع وقالت: «أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك».
وتقول الرواية: فكأنه استحيا وسكت.
وتنتقل أخبار هذه المواقف إلى العالم الإسلامي وتتناقلها الأفواه التي أُلجمت والألسن التي بُكمت باعتبارها ملاحم آل بيت رسول الله فتفعل فعلها في النفوس.
5- مفهوم النصر والهزيمة:
من العوامل الهامة التي تستطيع أن تحوّل الهزيمة إلى نصر والذلّ إلى عزّة ما يحمله الإنسان من مفهوم عن معنى النصر والهزيمة.
والإسلام ربّى أبناءه كي لا يعرفوا للهزيمة معنى، فهم ينالون على أي حال إحدى الحسنيين، وانحسار الحق لا يعني فشله وضعفه بل يعني تمحيص المؤمنين الصادقين، وانتفاش الباطل لا يعني انتصاره لأنه هو استدراج أهل الباطل كي يزدادوا إثماً. هذه المفاهيم كانت زينب عليها السلام تبثها في المجتمع محاولة تصوير يزيد المنتصر بأنه هو المنهزم وبأنهم هم المنتصرون.. المنتصرون بما نالوا من فوز الشهادة.. والمنتصرون على المدى البعيد حين تهدم دماؤهم عروش الطواغيت.
تقول عليها السلام مخاطبة يزيد:
«أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء أن بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة؟! وأن ذلك لعِظَم خَطَرك عنده؟! فشَمَختَ بأنفك، ونظرت في عطفك جذلان مسروراً، حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متّسقة، وحيث صفا لك ملكنا وسلطاننا؟!!
فمهلاً مهلا، لا تطش جهلا. أنسيت قول الله تعالى:وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(آل عمران:178).
وتقول مخاطبة ابن زياد حين قال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
تقول له: «الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد(ص)، وطهّرنا من الرجس تطهيراً. إنما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله».
يعاود ابن زياد الطعن فيقول: كيف رأيتِ فعلَ الله بأهل بيتك؟
تجيبه بنفس تلك المفاهيم فتقول: «كتب الله عليهم القتلَ فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاجّون وتتخاصمون عنده».
وفي رواية أخرى وهي الراجحة في رأيي أنها قالت:
«ما رأيت إلا جميلا.. وسيجمع الله بينك وبينهم..».
نعم.. ما رأيت إلا جميلا.. في هذه العبارة تتلخّص كلّ شخصية زينب بنت علي عليهما السلام.. وكل نظرتها العرفانية إلى الأمور.
أي جمال هذا الذي ينجلي لسليلة بيت النبوة ولا تراه العيون المحجوبة عن رؤية الجمال الحقيقي في هذا الكون!! وأي جمال تستشعره هذه العارفة بالله ولاتحسّه القلوب القابعة في أكنّة الآثام والرذائل!!
وفي عبارة أخرى تخاطب يزيد مؤكدة أنه أباد نفسه بنفسه حين فعل فعلته تقول له:
«فوالله ما فريت إلاّ جلدك، ولا جززت إلا لحمك…
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
(آل عمران:169)».
هذه المفاهيم بثتها زينب في المجتمع، وانتشرت وذاعت بفضل الدماء التي سُفكت في كربلاء، وكانت الشرارة التي أيقظت الناس من سباتهم العميق.
6- التبكيت:
حينما تكون الضمائر هامدة والنفوس رخوة والإرادة مهتزّة لابدّ من التبكيت الشديد لتكون صعقة لاستثارة بقايا الحياة في هذا الجسد واستنهاض بقايا الهمّة فيه.
القرآن مارس هذا التبكيت مع المهزومين والضعفاء والمترددين.
وزينب انطلاقاً من هذه المدرسة القرآنية خاطبت أهل الكوفة الذين التفوا حول موكب الأسرى يبكون لهول الجريمة.. يبكون ولكن بكاء من فقد إرادته واستسلم للواقع السيّء.. ولا قيمة لهذا البكاء.. تخاطب زينب هؤلاء فتقول:
«يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا قطعت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.
أتبكون وتنتحبون؟! أي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً..
ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم، وأيّ كريمة له أبرزتم، وأيّ حرمة له انتهكتم؟!».
ولا تقريع أكثر من أن يسمعوا بأنهم فَرَوا كبد رسول الله، وأبرزوا كرائمه وانتهكوا حرمه.
وتخاطب يزيدَ لتخاطب من خلاله كلَّ المسلمين، فتستعرض ما نزل بآل بيت النبوة بصورة مؤثرة جداً تستفزّ حتى الضمائر الميتة فتقول:
«أمِنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقُك بنات رسول الله سبايا، وقد هُتكت ستورهنّ وأبديت وجوهُهُنَّ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويتشرفهنَّ أهل المناهل والمناقل، ويتفحّص وجوههنَّ القريب والبعيد والدنيء والشريف، ليس معهنّ من حماتهنّ حميّ، ولا من رجالهنّ وليّ؟!!
وكيف تُرجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ونبت لحمه بدماء الشهداء؟!!»
بهذا النهج نهضت زينب عليها السلام بدورها التاريخي، فقد استنهضت الهمم وأيقظت العزائم، فانتفضت الأمة تطالب بكرامتها وتستعيد عزتها، وبذلك تواصلت حركة التاريخ الإسلامي التي أوشكت أن تقف وتنتكس، وقدمت عطاءها على مر الزمن، ولا يزال هذا العطاء متواصلا إلى يومنا هذا يؤتي أكله كل حين. غير أن المسيرة يعتريها دائما وبشكل طبيعي الضعف بسبب العوامل المضادة، بل قد يعتريها الركود والخمود، لذلك فإنها بحاجة دائما إلى نهج زينب وصوت زينب ليدفع بالمسيرة إلى أهدافها المنشودة.
الأدب القرآني في خطب السيدة زينب(ع)
بعد هذا الاستعراض لدور زينب في مسيرة الحضارة الإسلامية أقف عند الأدب القرآني لهذه السيدة لأبيّن أن ما نهضت به من دور إنما كان نتيجة لتفاعلها مع المدرسة القرآنية.
أقصد بالأدب القرآني هنا تأثير القرآن لفظاً ومعنى في الخطاب الزينبي، وأكتفي هنا بذكر نماذج من هذا الأدب في خطبة عقيلة بني هاشم لأبيّن – كما ذكرت - حقيقة تفاعل هذا البيت الكريم بالقرآن وتربيتهم القرآنية وتوهّج الروح القرآنية في نفوسهم، وانطلاقهم في دعوتهم على أساس كتاب الله العزيز.
أذكر حقيقة أحسبها هامة في واقعنا الراهن، وهي ضرورة حضور القرآن في قلوبنا ونفوسنا وسلوكنا ونهج حياتنا، وهذا لا يتحقق إلاّ إذا تفاعلنا مع الأدب القرآني وعشنا جمال ألفاظه وعباراته وتمتعنا بموسيقاه وأساليبه، كما أنه لا يتحقق إلا إذا شعرنا بكل وجودنا بأننا نحن المخاطبين بآيات الكتاب العزيز. وأذكر هنا عبارة لإقبال اللاهوري يقول فيها: أكثر ما أثّر في حياتي كلمة سمعتها من أبي يقول: يا بنيّ أقرأ القرآن كأنه أنزل عليك.
إذا تلقينا القرآن بهذا الشكل فسيعيد كلام الله دوره في بناء الفرد الصالح والمجتمع الصالح، وسيتحول في نفوسنا إلى طاقة هائلة تدفع بنا لإعادة وجودنا الحضاري وإلى استعادة عزتنا وكرامتنا.
أعود إلى الأدب القرآني في خطب السيدة زينب عليها السلام.
نقف أولاً عند بعض مقاطع خطبتها في الكوفة.
تقول لأهل الكوفة:
يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رَقأت الدمعةُ، ولا قطعت الرنّة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم.
مثّلت السيدة قتلة الحسين وخاذليه بما مثّل به القرآن تلك الجماعة المهزومة المتردّدة التي تردّدت في عهودها وأيمانها فقال لهم الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ (النحل:91- 92).
عجيب تشابه المترددين والمتخاذلين.. هذه الجماعة التي يخاطبها القرآن تنقض العهد والأيمان لأنها ترى أمة كفار قريش أربى من أمة المسلمين.
وهؤلاء القوم الذين تخاطبهم زينب يرون يزيد بهيله وهيلمانه وعظمته وسلطانه أربى من الحسين وأهل بيته، فابتلاهم الله بين المصلحة الآنية الضيقة وبين المصلحة الحقيقية التي توفر لهم عز الدنيا والآخرة، فاختاروا عرض هذا الأدنى وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله.
وتقول في مقطع آخر من تلك الخطبة:
أتبكون وتنتحبون؟!! أي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلا.
وفي هذا العبارة إشارة رائعة إلى قوله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (التوبة:81-82).
وفي هذه الآية أيضاً إشارة إلى المتخاذلين المتقاعسين عن التحرك نحو الله، والمنشدّين بالمال والمتاع، والمتذرّعين بأتفه الأمور تبريراً لوضعهم المتخلّف. وهؤلاء سوف لا تدوم فرحتهم، بل ستعود وبالاً عليهم، وما أشبه المخاطبين في هذه الآية بمن تخاطبهم زينب. وما أروع إشارة زينب في تضمينها القرآني الذي يحمل كل هذه المعاني الكبرى!!
وفي مقطع آخر من نفس الخطبة تقول:
«لقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شاب أهل الجنة وملاذ حيرتكم، ومفزع نازلتكم ومنار حجّتكم، ومدره ألسنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضرُبت عليكم الذّلة والمسكنة».
وفي المقطع إشارة إلى أحاديث رسول الله في الحسين وأهل البيت عليهم السلام لا نقف عندها، بل نكتفي بالإشارات القرآنية.
عبارتها: ألا ساء ماتزرون، مستلهمة من قوله سبحانه: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (الأنعام:31).
ومستلهمة من مقطع قرآني عظيم في دلالته على الموقف يقول سبحانه: فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ، لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ، قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ  (النحل: 22- 26).
لاحظ المشتركات بين المقطعين المذكورين:
التكذيب بلقاء الله، المصير الخائب لهؤلاء المكذبين، الأوزار التي تثقل ظهور هؤلاء المكذبين.
عقيلة بني هاشم كانت تخاطب جماعة مسلمة تبكي على مقتل الحسين، ولكنها كانت ترى أن هذا الإسلام لم يبلغ في نفسها درجة الإيمان، ولو كان قد بلغ درجة الإيمان لتحوّل إلى طاقة روحية تأبى الضيم وتدافع عن الحق وتنصر الحسين وتقارع دولة الظالمين. ولكن الإيمان لم يدخل في قلوبهم، فكانوا للظالمين عوناً، لم يشاركوا مسيرة الحسين إلاّ بدموعهم، ولا قيمة للدموع التي لم تصحبها حركة إيمانية نحو تحقيق أهداف الحسين.
هؤلاء استكانوا للدنيا وانشدّوا بالمال والمتاع ظانين أنهم سيأمنون وسيرغدون، دون شعور منهم بأنّ كل شيء بيد الله لا بتدبيرهم وتقديرهم.
ثم قولها: «بُعداً» و«سحقاً» من أدب القرآن في مقارعة المنحرفين عن طريق رسالة الأنبياء:
 بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(هود: 44)
بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (هود: 60)
أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ (هود: 68)
أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (هود: 68).
فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (المؤمنون: 44)
فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (الملك: 11).
وقولها(ع): «فلقد خاب السعي».
تعبير يتكرر نظيره في القرآن الكريم عن خيبة كلِّ الجبارين المفترين والظالمين والفاجرين:
 وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (ابراهيم:15).
 وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (طـه:61).
 وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (طـه:111).
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (الشمس:10) .
وقولها: «وتبت الأيدي».
إشارة إلى ما نزل في ذمّ أبي لهب: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (المسد:1). وهو ذمّ للمكذبين الذين يقفون في صفّ أعداء الله.
وقولها: «وخسرت الصفقة».
تعبير قرآني يتكرر لدى الحديث عن خسران الذين يركّزون على ذاتهم، ويتعاملون مع كل شيء، من خلال تحقيق مصالحهم الذاتية: مصالحهم ومصالح ذويهم وأهليهم، يقول القرآن عنهم بأنهم لم يحققوا حتى لأنفسهم وأهليهم ربحاً، بل إن كل تعاملهم الذاتي خاسر: وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (الحج:11).
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ
(المؤمنون:103)  إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (الزمر:15).
ومفهوم الربح والخسارة له أهميته الكبرى في التصوّر القرآني. ومن هذا المفهوم تخاطب السيدة زينب أهل الكوفة بأنهم تعاملوا مع الحسين ومع يزيد بما تمليه عليهم مصالحهم الذاتية الآنية الضيقة وهي صفقة خاسرة.
وقولها عليها السلام: «وبؤتم بغضب من الله وضُربت عليكم الذّلة والمسكنة».
مستلهم من آية تتحدث عن بني إسرائيل الذين أبوا إلاّ أن يهبطوا إلى أدنى مستوى من الطموح، وأحطّ درجة من الأماني والآمال، فكانت طموحهم وأمانيّهم لا تتعدى شهوات البطن ومتطلبات إفراز المعدة، فذلّوا وحاق بهم عذاب ربّ العالمين بعد أن أبعدتهم هذه الطموحات الهابطة عن السير نحو الأهداف السخية التي وضعتها أمامهم الرسالة الإلهية:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (البقرة:61).
وأنتقل إلى مقاطع من خطبة الشام، وأبدأها بما بدأت الخطبة به حيث قالت:
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله كذلك حيث يقول: ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (الروم:10).
هذه الخطبة تتجه فيها العقيلة إلى يزيد وتبدأها بهذه الآية التي جاءت في سياق الحديث القرآني عن المتجبرين الذين يتمادون في غيهم دون الاتعاظ بمن سبقهم من الظالمين. يقول سبحانه:
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا، أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، ثم كانَ عاقبة… (الروم:9 - 10).
وفي الآية الكريمة التي تلتها السيدة زينب عليها السلام سنة إلهية تنطبق على كل المتمادين في غيهم والغارقين في طغيانهم، هؤلاء يعمدون إلى تكذيب الرسالات الإلهية كي يتخلصوا من عذاب الضمير ووخز الوجدان، وهي سنة تنطبق على كل الغارقين في أوحال الرذيلة. والاتجاه المادي في النظرة إلى الكون والحياة كان غالبا ينطلق من رفض نفسي لمدرسة الأنبياء قبل أن يكون رفضاً عقلياً وفكرياً. ينطلق من رغبة في إزالة الموانع التي تقف بوجه جموح الشهوات واستفحال الغرائز.
وما أكثر انطباقه على يزيد في سلوكه وفي عدائه للرسالة الإلهية.
وتخاطبه في مقطع آخر بقولها:
«فوالله ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك ولتردن على رسول الله(ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من رحمه في عترته لحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلمّ شعثهم، ويأخذ لهم بحقهم:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
(آل عمران:169).
وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق حديث القرآن عن موقف المنافقين بعد معركة أُحد، هؤلاء الذين يتظاهرون بالارتفاع إلى مستوى الرسالة ومستوى التضحية بألسنتهم، ولكنهم في واقعهم حريصون على الحياة الدنيا مهما كلّف الثمن. الآية والآيات السابقة تتحدث عنهم كيف كانوا يخاطبون المؤمنين وكيف كانوا يخاطبون أصحابهم من المنافقين، ثم تبيّن لهم معنى الموت في سبيل الله، والسعادة التي ينالها الشهداء:
 وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ، الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( آل عمران: 167-170).
وما أجمل هذا الدرس القرآني الذي تقدمه زينب ليزيد كما قدّمه جدّها من قبل لمنافقي زمانه.
وفي جزء آخر من هذه الخطبة تقول ليزيد:
«وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا وأيكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً».
وفي العبارة تضمين مقطع قرآني يتحدث عن اغترار المنحرفين عن طريق الله بظواهر الحياة الدنيا وزينتها وبهرجتها، معتبرين هذه المظاهر الدنيوية معياراً للتفاضل. وهؤلاء الذين مكّنوا ليزيد من رقاب المسلمين ما أرادوا إلا هذا المتاع الرخيص، وإلاّ هذه المغانم الزائلة وهذا العَرَض التافه.
يقول سبحانه متحدثاً عن منطق التفاضل عند هؤلاء المنحرفين ويردّ عليه بأنه منطق تافه سرعان ما ستتبيّن تفاهته إما في الدنيا وإما في الآخرة، وسرعان ما سيعلمون أن معيار تفاضلهم كان يقوم على أوهام: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا، وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا، قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا
(مريم: 73-75).
وتقول عليها السلام في مقطع آخر من خطبة الشام:
«ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنَّنا وشيكاً مغرماً حيث لا تجد إلا ما قدّمت يداك وما ربّك بظلاّم للعبيد».
وهذا مستلهم من سياق قرآني يركز على النفر الذي يركبه الغرور فلا يهتدي بعلم ولا يستنير بكتاب، بل يدفعه استكباره إلى إضلال الآخرين فيقول عنه القرآن الكريم:
 وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ، ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِّلْعَبِيد (هود: 8-10).
وكم هي قريبة مناسبة الخطاب القرآني ومناسبة الخطاب الزينبي!! وما أجمل التضمين والسياق!!
وتقول في نهايات الخطبة:
«وهل رأيك إلا فَنَد وأيامك إلا عدد وجمعك إلاّ بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين».
تضمين قرآني مستلهم من سياق قرآني يتحدث أيضاً عن المكذبين والمفترين على الله. يقول سبحانه:  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ  (هود:18).

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• «أكبر» والمذاهب   (بازدید: 859)   (موضوع: شخصيات)
• أبو فراس الحمداني   (بازدید: 2097)   (موضوع: أدب)
• أبو فراس الحمداني / مقاربة في دارسة مدحه وهجائه   (بازدید: 2372)   (موضوع: أدب)
• إحياء الاسلام أولا   (بازدید: 851)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (موضوع: )
• ادباء ايرانيون في دراسات سيد قطب   (بازدید: 1614)   (موضوع: أدب)
• الأدبان المعاصران العربي و الفارسي مقاربة في الظواهر المشتركة   (بازدید: 1174)   (موضوع: أدب)
• الأواني المستطرقة   (بازدید: 1837)   (موضوع: أدب)
• الامام علي - العطاء الحضاري المتواصل   (بازدید: 902)   (موضوع: شخصيات)
• التقريب في القرن الماضي   (بازدید: 1075)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• التيسير في الحج في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها   (بازدید: 1162)   (موضوع: ملتقيات)
• الحب و التقريب   (بازدید: 921)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الحكومة الاسلامية من منظور الشاعر الكميت بن زيد   (بازدید: 1272)   (موضوع: أدب)
• الحوزة الإيرانية في القرن الماضي   (بازدید: 1334)   (موضوع: أوضاع المسلمين)
• الخطاب الانساني في مثنوي مولانا جلال الدين الرومي   (بازدید: 2468)   (موضوع: أدب)
• الرسالية في الشعر الشيعي   (بازدید: 948)   (موضوع: أدب)
• السنن الحَسنة   (بازدید: 907)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الشهيد مطهري وإحياء الفكر الاسلامي   (بازدید: 2456)   (موضوع: فكر إسلامي)
• القاعدة الاخلاقية والفكرية في الاقتصاد الاسلامي   (بازدید: 1356)   (موضوع: فكر إسلامي)
• القدس رمز وجودنا   (بازدید: 1020)   (موضوع: فلسطين)
• القضية الفلسطينية في ضمير الشعب الإيراني   (بازدید: 1013)   (موضوع: فلسطين)
• المؤتمر الفكري الاول للشهيد السعيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم (رض) لندن 11/1/2004   (بازدید: 856)   (موضوع: ملتقيات)
• المذاهب الإسلامية بين السلب والإيجاب   (بازدید: 787)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• المنظومة الفكرية للشهرستاني وموقع ابن سينا منها   (بازدید: 2123)   (موضوع: فكر إسلامي)
• الهجرة الفرص والتحديات   (بازدید: 1324)   (موضوع: حوار الحضارات)
• الى عرفات اللّه   (بازدید: 805)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• انتشار الإسلام في إيران / هل دخل بالسيف أم عن طريق القلوب؟   (بازدید: 2155)   (موضوع: فكر إسلامي)
• تكريم روّاد التقريب   (بازدید: 875)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• ثقافة التقريب / لماذا؟   (بازدید: 859)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• جولات تقريبية   (بازدید: 965)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• جولات تقريبية   (بازدید: 862)   (موضوع: فكر إسلامي)
• جولات تقريبية «القسم الثالث»   (بازدید: 853)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• حركة التاريخ في فكر الامام الصدر   (بازدید: 1926)   (موضوع: فكر إسلامي)
• حوار الحضارات - الالولويات - الأخطار   (بازدید: 1902)   (موضوع: حوار الحضارات)
• حوار مع الدكتور سيد حسين نصر   (بازدید: 1751)   (موضوع: مقابلات)
• دور السيد جمال الدين في الادب العربي الحديث   (بازدید: 2663)   (موضوع: شخصيات)
• رؤية السيد الشهيد الصدر لمسألة التنمية   (بازدید: 1452)   (موضوع: دراسات حضارية)
• رسالـة التقريب   (بازدید: 1012)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• سؤالات مجهولة من أسئلة نافع بن الأزرق إلى عبدالله بن عباس   (بازدید: 2134)   (موضوع: قرآن)
• سبل تنشيط العلاقات الثقافية بين الايرانيين و العرب   (بازدید: 990)   (موضوع: ثقافة)
• سعدي الشيرازي   (بازدید: 1973)   (موضوع: أدب)
• شاعران كبيران في إيران   (بازدید: 1515)   (موضوع: أدب)
• شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي الحلبي   (بازدید: 2526)   (موضوع: شخصيات)
• عزة الامة في التقريب   (بازدید: 973)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• عصر الأدب الفارسي الإسلامي   (بازدید: 7204)   (موضوع: أدب)
• فرصة عظيمة و لكنها مهددة   (بازدید: 918)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• قصة الناي في فكر الكواكبي   (بازدید: 1794)   (موضوع: فكر إسلامي)
• قصة الناي في فكر الكواكبي   (بازدید: 1100)   (موضوع: فكر إسلامي)
• كتب في ميزان التقريب   (بازدید: 1013)   (موضوع: كتب)
• كلمة التحرير   (بازدید: 948)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• لسان الدين بن الخطيب الاندلسي   (بازدید: 2832)   (موضوع: شخصيات)
• مؤتمر تيسير علم النحو   (بازدید: 1329)   (موضوع: ملتقيات)
• مجالات التقريب   (بازدید: 1011)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مشاكل وعقبات في طريق وحدة المسلمين   (بازدید: 1318)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• معوقات النهوض وأسباب التخلّف في فكر الإمام الصدر   (بازدید: 1352)   (موضوع: فكر إسلامي)
• موقف الإسلام من التراث الإيراني القديم   (بازدید: 1840)   (موضوع: تاريخ)
• موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلاميّة   (بازدید: 837)   (موضوع: تاريخ)
• موقف الايرانيين من الدعوة الإسلامية   (بازدید: 1132)   (موضوع: تاريخ)
• موقف الرئيس الاسد من الثورة الاسلامية الايرانية - الخلفية التاريخية   (بازدید: 960)   (موضوع: شخصيات)
• نحن و البدعة   (بازدید: 956)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و التاريخ   (بازدید: 902)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الحج   (بازدید: 803)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الحسين   (بازدید: 871)   (موضوع: )
• نحن و السلفية   (بازدید: 801)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و السياسية   (بازدید: 801)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و السيرة   (بازدید: 786)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الصحوة الإسلاميّة   (بازدید: 794)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و العزة الإسلاميّة   (بازدید: 894)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الغزو الثقافي   (بازدید: 1038)   (موضوع: الغزو الثقافي)
• نحن و النظام الدولي الجديد   (بازدید: 884)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• نحن و دولة الإسلام في إيران   (بازدید: 849)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• نحن و شهر رمضان المبارك   (بازدید: 846)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و قضايانا المشتركة   (بازدید: 850)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و مؤامرات الإثارة الطائفية   (بازدید: 850)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• ندوة ثقافة التقريب بين المذاهب الاسلامية ودورها في وحدة الامة   (بازدید: 862)   (موضوع: ملتقيات)
• وحدة المسلمين فريضة   (بازدید: 850)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• التغيير الإسلامي في إيران من منظور حضاري   (بازدید: 1098)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• انتشار الرسوم المسيئة لشخصية برؤية ثقافية حضارية رسول الاسلام (ص)   (بازدید: 882)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• تعليم العربية لغير الناطقين بها وسيلة حوار بين الحضارات   (بازدید: 1706)   (نویسنده: محمد الجعيدي)
• عاشوراء بمنظار حضاري   (بازدید: 1463)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• عبدالرحمن الكواكبي من روّاد الاستنهاض الحضاري   (بازدید: 1350)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مالك بن نبي والإنسان ومسار الحضارة   (بازدید: 1464)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• محمد إقبال وتجديد التفكير الديني في الاسلام   (بازدید: 2349)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• مسألة «المهدي المنتظر» برؤية حضارية   (بازدید: 1137)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مشروع الكواكبي اجتماعياً وتربوياً   (بازدید: 1312)   (نویسنده: محمد قجة)
• نحو فهم حضاري لتاريخنا الإسلامي معركة الطف نموذجًا   (بازدید: 1038)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• الثقافة بين التخلف والتخلق   (بازدید: 1088)   (نویسنده: الدكتور خالد زهري)
• الثقافة والحضارة   (بازدید: 2449)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• الجمع بين الاصالة والمعاصرة   (بازدید: 1840)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• الحضارة والتفاعل الحضاري   (بازدید: 1183)   (نویسنده: عبد الله الفريجي)
• تحديات تأهيل العقل المسلم في المشروع الحضاري   (بازدید: 932)   (نویسنده: الدكتور عبدالناصر موسى أبوالبصل)
• رؤية السيد الشهيد الصدر لمسألة التنمية   (بازدید: 1452)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مستقبل الإسلام في ضوء التحديات الراهنة   (بازدید: 1432)   (نویسنده: حسن حنفي)
• وسطية الحضارة الإسلامية   (بازدید: 847)   (نویسنده: أحمد الطيب)
• ابن المقفع بين حضارتين دراسة فكرية نقدية و أدبية   (بازدید: 2055)   (نویسنده: حسين علي جمعة)
• اعلان طهران حول الحوار بين الحضارات   (بازدید: 1019)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]