banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

رؤية السيد الشهيد الصدر لمسألة التنمية
ثقافتنا - العدد 7
دراسات حضارية
محمّد علي آذرشب
1426

«ملخّص»
قضية تخلف العالم الاسلامي في حقل التنمية الشاملة من الأمور التي تفتح باباً أمام الطعن في المزيج الثقافي للعالم الاسلامي، سواء من قبل بعض الدارسين الغربيين أو من المفكرين المسلمين المتأثرين بأولئك الدارسين. بينما حقائق التاريخ تشهد أن المشروع الاسلامي حمل كل عناصر حركة الأمة نحو تحقيق التنمية الشاملة، وإذا كان ثمة ضعف مشهود في هذه الحركة اليوم فانه يعود الى أسباب لا تمت الى المشروع الاسلامي بصلة، ونستطيع أن نقول دون نخش زللاً أن المنهج الاسلامي قادر على أن يقدّم النموذج الامثل للتنمية بمعناها الانساني الشامل لا للعالم الاسلامي فحسب، بل للعالم الذي يعاني اليوم من صراع مادّي محموم أدّى الى إزهاق أرواح الملايين ، ولايزال صراع المصالح الاقتصادية يحصد أرواح الشعوب ويبيد البلدان ويعيث في الارض الفساد.
وفي هذه الورقة وقفة عند رؤية الشهيد الصدر لمشكلة التنمية من خلال:
1ـ موقف المفكرين المسلمين من ظاهرة التخلف في التنمية الاقتصادية ضمن إطار العالم الاسلامي.
2- تأكيد الشهيد الصدر على الجوانب الاخلاقية في المشروع الاقتصادي الاسلامي باعتبارها الاساس الذي تقوم عليه عملية التنمية.

-1-
موقف المفكرين من ظاهرة تخلف العالم الإسلامي في حقل التنمية
تناول المهتمون بقضايا العالم الاسلامي مسألة التطور الاقتصادي والتنمية الاقتصادية من وجهة النظر المذهبية، وحاولوا أن يستكشفوا الاسباب الحضارية للتخلف القائم بين المسلمين . يرى كثير من الباحثين الغربيين أن هذا التخلف الاقتصادي يعود الى روح التوكل واحتقار المادة والاستسلام للقدر والاعتماد على الفرص ، والعجز عن الخلق والابداع الموجودة بين المسلمين(1).
يؤيد هذه النظرة الوضع القائم في العالم الاسلامي بكل ما يحيطه من تخلف في جميع مناحي الحياة، وما يدبّ فيه من ضعف وهوان، وما تعجّ به الثقافة الشعبية المعاصرة من روح كسل وبَطَر ولا مبالاة.
ويقف الباحثون المسلمون مدافعين عن الاسلام تجاه هذه الدعوى بأساليب مختلفة أهمها:
1ـ أسلوب الاستدلال بالنصوص الدينية.
2- أسلوب استعراض التأريخ الاسلامي.
3- صياغة النظرية الاسلامية.
4- مهاجمة الحضارة الغربية.
5- محاولة استكشاف الأسباب الحقيقية للتخلف.
1ـ أسلوب الاستدلال بالنصوص الدينية:
لا يخفى على باحث في الاسلام أن المسلمين ينظرون الى النصوص الدينية في القرآن والسنة على أنها (منهج) لتنظيم أمور حياتهم في كل المجالات الخاصة والاجتماعية، والانسان المسلم يرى نفسه مسؤولاً أمام الله في تطبيق هذه النصوص وتنفيذها بدقة. ومن هنا فان لهذه النصوص دوراً مهماً في صياغة حركة الانسان وروابطه بالمجتمع والطبيعة. ومن حق الباحث أن يعود اليها ليرى كيف وجّه الاسلام أبناءه في حقل التنمية الاقتصادية.
في هذه النصوص نرى تأكيداً على أن مافي الارض من نِعَم مادية إنما هي من عطاء الله للانسان، فهي كلها إذن خيرات مصدرها الخير المطلق سبحانه، والانسان المسلم بطبيعة تربيته يطلب الخير.
قال سبحانه: (.. وأمددناكم بأموال وبنين… ( (الاسراء/ 6 ).
(ويُمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم أنهاراً((نوح/ 12).
وقال: (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم
رحيماً(( الاسراء/ 66).
(… وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس…( (الحديد/ 25).
(ولقد مكنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش…(الاعراف/ 10).(
(والأرض وضعها للأنام( (الرحمن/ 10).
كما نرى في نصوص الكتاب العزيز حثّاً على ابتغاء فضل الله والحركة من أجل استثمار مواهب الطبيعة:
(فاذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله…( (الجمعة/ 10).
(وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم…((الاسراء/ 12).
وثمة نصوص تربط بين «الخبز» وهو رمز الوفرة الاقتصادية والاكتفاء الذاتي في لغة هذه النصوص وبين حياة الدين واستمرار مسيرة الانسان الروحية نحو الله. فعن النبي(ص): «اللهم بارك لنا في الخبز، ولا تفرّق بيننا وبينه»(2)، وعنه(ص): «فلولا الخبز ما صلينا..» (3) وعنه: «فلولا الخبز ما صلينا ولا صمنا»(4).
والنصوص الدينية – من جهة أخرى – تحثّ على العمل، وتجعل الحركة في طلب الرزق عبادة والاهمال والكسل مفسدة وعبثاً، قال سبحانه: (… هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها..( (هود: 61 ).
وعن رسول الله(ص) أنه قبّل يوماً يَد عامل وقال: «طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة. ومن أكَلَ من كَدِّ يده مرّ على الصراط كالبرق الخاطف. ومن أكل من كدّ يده نظر الله اليه بالرحمة ثم لا يعذبه أبداً. ومن أكل من كدّ يده حلالاً فتح له أبواب الجنة يدخلها من أيها شاء»(5)، وفي الحديث الشريف: «ما من مسلم يزرع زرعاً
أو يغرس غرساً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة الاّ كانت له به صدقة»(6).
وتذهب النصوص الى إعطاء العمل الاقتصادي نفسه قيمة سامية بغض النظر عن معطياته المادية. ففي الحديث: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم الفسيلة فإن استطاع أن لا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها»(7).
ويتحدث الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) للمفضّل بحديث يبيّن فيه أن سنة الحياة تقتضي الحركة من أجل الانماء الاقتصادي والاّ فان المجتمع يسقط في فراغ يتبعه عبث وفساد فيقول: «واعلم يا مفضل .. وجعل (الله) الخبزَ متعذراً لا يُنال الاّ بالحيلة والحركة، ليكون للانسان في ذلك شغل يكفّه عمّا يخرجه اليه الفراغ من الأشَرِ
والعبث.» (8).
وتقرنُ بعض النصوص الفقرَ بالكفر، وهذا يعني أن الامة الفقيرة، أي الامة التي تفتقد الحركة لاستثمار مواهب الطبيعة، هي أمة لا تصلح أن تكون مؤمنة. فالايمان يقتضي الحركة على طريق الغني المطلق سبحانه، فعن النبي(ص): «كاد الفقر أن يكون كفراً»(9).
وروى الصادق(ع) عن النبي(ص) أنه نادى الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، فصعد النبي(ص) المنبر، فنعى اليهم نفسه فقال: «أذكّر الله الوالي من بعدي على أمتي.. ولم يَقرهم فيُكفرهم»(10).
والنهي عن الكسل والتكاسل في طريق طلب المعيشة وردت فيه نصوص كثيرة، وكلها تدعو الى حركة دائبة على طريق تحسين الوضع الاقتصادي الفردي والاجتماعي. من ذلك: قول الامام علي(ع): «إن الاشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج بينهما الفقر»(11).
فالكسل حالة نفسية تُضعف همّة الانسان عن طلب مبتغاه، ويقترن بها العجز عن بلوغ الغايات في الواقع العملي. ونتيجة كل ذلك الفقر، الفقر في كل ما يحتاجه الفرد وتحتاجه الجماعة لمواصلة مسيرة الحياة بعزّة وكرامة.
وعن الامام الصادق(ع) قال: «لا تكسلوا في طلب معايشكم فان آباءنا قد كانوا يركضون فيها ويطلبونها»(12).
والنصوص في كل هذه المجالات كثيرة جداً. وأختتمُ هذا الاستعراضَ بنص رائع عن أمير المؤمنين علي(ع) فيما رواه الصادق قال: «من وجد ماءً وتراباً ثم افتقر فأبعده الله»(13). أي إن من طبيعة الانسان المسلم الذي يسير في طريق الكامل المطلق سبحانه أن يستثمر مواهب الطبيعة ويتفاعل معها. فالماء والتراب رمزان لهذه المواهب الطبيعية. ولا يمكن أن يتوفر «الماء» و«التراب» و«الايمان» ثم يفتقر الانسان. واذا توفر العنصران الأولان ثم افتقرَ فلابد أن يكون الخلل في العنصر الثالث.
هذه النصوص أسهمت بدون شك على مر العصور في صياغة ذهن الانسان المسلم، وجعلته يتعامل مع الطبيعة تعاملال فاعلاً وفق معايير الاسلام، وكانت وراء ما شهدته الحضارة الاسلامية من ازدهار في عصورها الذهبية.
وإذ نحن في صدد استعراض النصوص لابدّ أن نشير الى بعض الروايات التي تنظر الى التعامل مع المادة والحياة نظرة سلبية، وتحثّ الانسان المسلم على ترك حبّ الدنيا نظير قول الرسول(ص): «من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته»(14).
وعن الصادق(ع) : «رأس كل خطيئة حبّ الدنيا»(15).
وعن الصادق(ع) أيضاً: «أبعد ما يكون العبد من الله عزّوجل إذا لم يهمّه الاّ بطنه وفرجه»(16).
وعن أمير المؤمنين علي(ع): «إن من أعون الاخلاق على الدين الزهد في الدنيا»(17).
هذه النصوص يمكن أن نفهمها في ضوء النصوص السابقة على أنها دعوة للكف عن الشَرَه والتكالب والصراع في التعامل مع مواهب الطبيعة، ودعوةٌ الى التعامل مع المادة وفق أخلاقيات الاسلام الانسانية، لا وفق ما تفرزه طبيعة هذا التعامل من استئثار وشح وحرص واكتناز. إنها دعوة لأن يكون الانسان – وهو يتعامل مع الحياة –
سيّد هذا الكون، والمتحكّم في المادة على طريق اسثمارها.

2- أسلوب استعراض التأريخ الاسلامي:
سجّل التاريخ الاسلامي، في قرونه الاولى – بشكل خاص – صوراً رائعة من تفاعل الانسان المسلم مع مواهب الطبيعة، ففجّر الارض واستثمرها وساحَ فيها واكتشف معالمها، وتطلّع الى السماء، وتعرّف على مواقع نجومها، وركّب المواد وشخّص خصائصها، وغار في داخل جسم الانسان وفهم طبيعة فسلجة أعضائه، وتعرّف على دائه ودوائه، ومارس عمارة المدن والطرق والجسور والسدود فأبدع فيها، ولم يمض على عصر صدر الاسلام زمن طويل حتى شهد العالم الاسلامي حضارة يشهد على عظمتها علماء الغرب ويقفون أمامها وقفة احترام وإجلال.
ومن المستشرقين الذين ألّفوا في هذا المجال جورج سارطون في كتابه: «الثقافة العربية في رعاية الشرق الاوسط»(18)، وكتابه: «تاريخ العلم القديم في العصر الذهبي»(19)، وجويدي في كتابه: «علم الشرق وتاريخ العمران»(20)، والدويميلي في كتابه: «العلم عند العرب»(21)، وكارلونالينو في كتابه: «علم الفلك – تاريخه عند العرب في القرون الوسطى».
وممن كتب في هذا المجال أيضاً: قدري حافظ طوقان في كتبه: «العلوم عند العرب»، و«تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك»، و«التفكير العلمي عند العرب»،
و«أثر العرب في تقدم الفلك». وجرجي زيدان في كتابه: «تاريخ التمدن الاسلامي»، ومحمد كردعلي في كتابه: «الاسلام والحضارة الغربية»، وغيرهم كثير.
وهنا أن أقف عند ملاحظتين على هذا الاسلوب:
الاولى: أنها ركزت – سواء من قبل المستشرقين أو من قبل أكثر العرب – على دور «العرب» في بناء الحضارة الاسلامية، لا «المسلمين»، وهذا التركيز لا أظنه عفوياً، كما لا أحسن الظن فيه فأقول: إن المقصود بالعرب كل من تكلم العربية من المسلمين، فالنزعة القومية واضحة في هذه الابحاث، وأعتقد أنها جاءت ضمن الموجة التي خطط لها الغرب وسار ضمنها العالم الاسلامي في جعل الاطروحة القومية مكان الطرح الاسلامي، ومن ثم جعل الدويلات التي نشأت بعد اتفاقيات التقسيم تتغنى بأمجادها وتسكر على أنغام ذكريات ماضيها من دون أن تتقدم خطوة في مضمار الحضارة، ثم إن سلخ هذه الحضارة عن الإطار الإسلامي يبعد أذهان المسلمين عن الطاقة المحركة الهائلة التي أوجدت هذه الحضارة في الماضي ويمكن أن توجدها في المستقبل.
الثانية: أن الحديث عن أمجاد الماضي يجب أن يكون ضمن خطة شاملة تستهدف دفع المسيرة الاجتماعية نحو الحركة، عندئذ سيكون مثل هذا الحديث قادراً على منح الفرد المتحرك ثقةً بنفسه وقدرةً على مواصلة الطريق من دون كلل أو ملل. أما إذا لم يكن ضمن هذه الخطة فانه يتحول الى انتفاخ وَرَمي يبعد الاذهان عن التفكير في تخلّف الواقع الراهن وعلاج هذا التخلف. وتحضرني هنا ملاحظة للمرحوم عباس محمود العقاد على الحروب الصليبية يذكر فيها أن الحروب الصليبية أضرت العالم الاسلامي من جهتين: الاولى: أنها أنهكت جسم العالم الاسلامي واستنزفت طاقاته وقواه المادية والبشرية، والثانية: أنها بسبب ما حققته من انتصارات عسكرية أورثت الامة الاسلامية إفراطاً في الثقة برجحانها، وإفراطاً في سوء الظن بأعدائها، وقد كان هذا هو باب الخطر الجسيم الى عدة قرون، قامت أوروبا بعدها مقام القيادة وتخلّف الشرق، وليس أخطر على الامم من الاكتفاء بالذات، والاعتزاز بالرجحان في أمثال هذه الظروف»(22).
والعبارة الاخيرة للعقاد صادقة في مجال التركيز على أمجاد الماضي، من دون أن ترافقه خطة نهوض وتحريك ودفع نحو الهدف المنشود.

3- صياغة النظرية الاسلاميّة
لكل مدرسة فكرية نظريتها الخاصة للتعامل مع الطبيعة، وهذه النظرية تشكل الاساس الذي يتحرك عليه الانسان والمجموعة البشرية لبناء الحضارة.
وصاغ المفكرون الاسلاميون نظرية «الاستخلاف» لتعبّر في جانب منها عن الاطار الاسلامي لتعامل الانسان مع الطبيعة. «الانسان بوجه عام مستخلف من الله في هذه الارض لعمارتها واستثمار خيراتها، سلّطه الله عليها فأعطاه القدرة على تسخيرها وتسخير سائر الكون لمنافعه بما وهبه من الحواس والعقل وسائر الصفات الجسمية والعقلية التي تجعله أهلاً لذلك على تفاوت بين أبناء البشر»(23).
الآيات الكريمة التي تستند إليها هذه النظرية كثيرة منها:
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة…((البقرة/ 30).
(وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما
آتاكم…( (الانعام/ 165).
(… وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه…((الحديد/ 7 ).
ووفق هذه النظرية يتحمل الانسان المسلم مسؤولية القيام بأعباء الخلافة في الارض، مسؤولية الخلق والابداع والتصرف في قوانين الطبيعة واستخدامها بقدر ما وهبه الله من قدرة، ولا يمكن لانسان يعيش هذا المفهوم أن يظل خاملاً متواكلاً غير متفاعل مع قوانين الكون والطبيعة، وغيرَ عامل على تسخيرها على طريق تحقيق مسؤوليات الخلافة.
يقول السيد محمد باقر الصدر عن هذا المفهوم: «… ولا أعرف مفهوماً أغنى من مفهوم الخلافة لله في التأكيد على قدرة الانسان وطاقاته التي تجعل منه خليفة السيد المطلق في الكون، كما لا أعرف مفهوماً أبعد من مفهوم الخلافة لله عن الاستسلام للقدر والظروف لأن الخلافة تستبطن معنى المسؤولية تجاه ما يُستخلف عليه، ولا مسؤولية بدون حرية وشعور بالاختيار والتمكن من التحكم في الظروف، والاّ فأي استخلاف هذا إذا كان الانسان مقيداً أو مسيّراً..؟! (24).

4- مهاجمة الحضارة الغربيّة:
حين صحا العالم الاسلامي في العصر الحديث من سباته راح يفكر في سبيل لاستعادة وجوده، لكن تفكيره كان ممزوجاً بآثار النوم الطويل وبروح الهزيمة التي مُني بها على يد المستعمر. وماكانت هزيمة العالم الاسلامي اقتصادية وعسكرية فحسب بل ونفسية أيضاً. ومن هنا راح – مدفوعاً بروح الهزيمة – يستجدي المناهج الغربية ليجد فيها البلسم لجراحه. وبذلك عمّق روح الهزيمة في حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وواجه الفشل الذريع في تطبيق الوصفات الغربية وخاصة في مجال التنمية الاقتصادية. وأمام هذا الانبهار بروح الغرب اتخذ بعض المفكرين الاسلاميين أسلوب مهاجمة الحضارة الغربية، وأرادوا بهجومهم هذا أن يخاطبوا الانسان المسلم قائلين له: إن العالم بأجمعه يعيش اليوم حالة تخلف حضاري، لا العالم الاسلامي وَحده. وهذا اللون من الخطاب محاولة لابعاد المسلمين عن روح الاحساس بالهزيمة ولدفعهم نحو التأصيل الحضاري في عملية التنمية الاقتصادية.
يقول سيد قطب: «إن مقياس الرقي الحضاري في نظر الاسلام هو حين يقوم (الانسان) بالخلافة عن (الله) في أرضه على وجهها الصحيح: بأن يخلصَ عبوديته لله ويخلص من العبودية لغيره، وأن يحقق منهج الله وحده، ويرفض الاعتراف بشرعية منهج غيره، وأن يحكّم شريعة الله وحدها في حياته وينكر تحكيم شريعة سواها، وأن يعيش القيم والاخلاق التي قررها الله له ويسقط القيم والاخلاق المدّعاة، ثم بأن يتعرّف بعد ذلك كله الى النواميس الكونية التي أودعها الله هذا الكون المادي، ويستخدمها في ترقية الحياة، وفي استنباط خامات الارض وأرزاقها وأقواتها التي أودعها الله إياها، وجعل تلك النواميس أختامها، ومنح الانسان القدرة على فضِّ هذه الاختام بالقدر الذي يلزمه له في الخلافة.. أي حين ينهض بالخلافة في الارض على عهد الله وشروطه، ويصبح يفجّر ينابيع الرزق ويصنّع المادة الخامة، ويقيم الصناعات المتنوعة، ويستخدم ما تتيحه له كل الخبرات الفنية التي حصل عليها الانسان في تاريخه كله.. حين يصبح وهو يصنّع هذا (ربانياً) يقوم بالخلافة عن الله – على هذا النحو – عبادة لله… يكون هذا الانسان كامل الحضارة ويكون هذا المجتمع قد بلغ قمة الحضارة»(25).
وهذا يعني أن الغرب اليوم متخلف حضارياً رغم تطوره الصناعي والاقتصادي.
ومن المفكرين من يرى أن الحضارة الغربية تعاني أزمة أخلاقية، وهذه الازمة ناتجة عن افتقادها المقاييس الانسانية في التوجه، ولذلك فهي غير قادرة على حل مشكلة البشرية.
يقول مالك بن نبي: «لاشك أن الآلات الحاسبة التي استخدمها الانسان الحديث لتكون مقياس حضارته عجيبة رائعة، شريطة أن لا تندس حبة من الرمل بين أجزاء المحرك… إذ إن بعض حبات الرمل التي تسبب خطأ في الحساب قد تؤدي الى ملايين القتلى وما لاحدّ له من الهدم والتخريب.. واحتكاك طفيف بين أجزاء الماكنة الحسابية كشف عن أزمة السرطان الاخلاقي الذي يلتهم الحضارة، ودلل بشكل لا يقبل الشك أن النهضة الفنية وحدها عاجزة برسومها ومعادلاتها عن حلّ المشكلة الانسانية»(26).
ونرى في كتب الاسلاميين استدلالات كثيرة على لسان المفكرين الاوربيين أنفسهم بشأن أزمة الحضارة الغربية، كما فعل سيد قطب في كتابه: «المستقبل لهذا الدين»، حيث نقل كثيراً عن الدكتور الكسيس كاريل في كتابه «الانسان ذلك المجهول» وعن دالس في كتابه «حرب أم سلام»(27).
5- محاولة استكشاف أسباب التخلف:
حين يعالج الباحثون الاسلاميون أسباب مشكلة التخلف الاقتصادي في العالم الاسلامي، يرفضون أن تكون قلة الثروات أو الامكانات البشرية من هذه الاسباب، فأندونوسيا – على سبيل المثال – تملك من هذه الثروات مالا تمتلكه اليابان، ولكن أين أندنوسيا من اليابان في مجال التنمية الاقتصادية؟!
ويجمع الباحثون الاسلاميون على أن سبب التخلف الاقتصادي في العالم الاسلامي وفشل خطط التنمية في البلاد الاسلامية يعود الى غياب الاسلام عن ساحة الحياة في هذه البلاد. ولا يمكن للانسان المسلم أن يسجل نجاحاً في حقل ممارسة نشاطات التنمية الاقتصادية الاّ في ظل النظام الاسلامي، وفي ظل توجّه حضاري إسلامي.
يقول الشهيد الصدر: «حين نريد أن نختار منهجاً أو إطاراً عاماً للتنمية الاقتصادية داخل العالم الاسلامي يجب أن نأخذ هذه الحقيقة أساساً ونفتش في ضوئها عن مركب حضاري قادر على تحريك الأمة وتعبئة كل قواها وطاقاتها للمعركة ضد التخلف، ولابدّ حينئذ أن نُدخل في هذا الحساب مشاعر الامة ونفسيتها وتأريخها وتعقيداتها المختلفة»(28).
ويقصد بالحقيقة المذكورة أعلاه: «أن حاجة التنمية الاقتصادية الى منهج اقتصادي ليست مجرد حاجة الىإطار من أطر التنظيم الاجتماعي تتبناه الدولة فحسب ..
ولا يمكن للتنمية الاقتصادية والمعركة ضد التخلف أن تؤدي دورها المطلوب الاّ إذا اكتسبت إطاراً يستطيع أن يدمج الامة ضمنه وقامت على أساس يتفاعل معها. فحركة الامة كلها شرط أساسي لإنجاح أية تنمية اقتصادية وأية معركة شاملة ضد التخلف، لأن حركتها تعبير عن نموّها ونموّ إرادتها وانطلاق مواهبها الداخلية»(29).
ثم يتحدث السيد الصدر عن الاخلاقية الماثلة في وجدان الامة الاسلامية، ويرى أن هذه الاخلاقية «يمكن الاستفادة منها في المنهجة للاقتصاد داخل العالم الاسلامي، ووضعه في إطار يواكب تلك الاخلاقية لكي تصبح قوة دفع وتحريك كما كانت أخلاقية مناهج الاقتصاد الاوربي الحديث عاملاً كبيراً في إنجاح تلك المناهج لما بينها من انسجام».
فسلبيات التنمية الاقتصادية تعود – إذن – إلى انفصال المناهج الاقتصادية المطبقة حديثاً في العالم الاسلامي عن المزيج الحضاري بكل مافيه من عقيدة وتأريخ للامة. وهذه الظواهر المشهودة من الزهد أو القناعة أو الكسل تعود الى انفصال الارض عن السماء. «أما إذا ألبست الارض إطار السماء، وأعطي العملُ مع الطبيعة صفةَ الواجب ومفهومَ العبادة فسوف تتحول تلك النظرة الغيبية لدى الانسان المسلم الى طاقة محركة وقوة دفع نحو المساهمة بأكبر قدر ممكن في رفع المستوى الاقتصادي»(30).
ومن المفكرين من يرى أن «مسألة المسائل» التي تحول دون التقدم والتنمية في العالم الاسلامي هي السلطة السياسية(31). ويرى أن هذه السلطة السياسية تفرز سلوكيات خاصة تحول دون تحرك المجتمع نحو الهدف المنشود ونحو التضحية من أجل هذا الهدف.
وإنما تشكل السلطة السياسية عقبة في طريق حركة المجتمع بسبب الغربة بين السلطة والمجتمع، وهذه الغربة «تدفع النُخَب المسيطرة الى السلوك إزاء المجتمع سلوك الخائف الباطش. إنها ترشو بعض الفئات التي تعتقد تأثيرها في مسألة بقائها في السلطة، وتستعين بها على المجتمع، وتعمل على نهب ثروات مجتمعاتها» وبسبب هذه الغربة أيضاً «فان الحاكمين في دار الاسلام يرتكبون أخطاء كثيرة في مجال فهم تاريخ مجتمعهم ورغباته وتطلعاته المستقبلية»(32).
هذه السلطة تشكل – إذن – عقبة حضارية في المجتمع الاسلامي ولولاها لتحرك المجتمع الاسلامي نحو أهدافه المنشودة مدافعاً عن شخصيته وكرامته وعزّته . يذكر رضوان السيّد مثالين شاهدهما بنفسه عن موقفين من مواقف الشعب المصري تجاه التحديات الاقتصادية اتخذ منهما الشعب المصري المسلم نهجين متباينين: «الاول: عام 1965 – 1966 عندما شاع في الشارع المصري أن الولايات المتحدة قطعت هبات القمح عن البلاد. والثاني: عام 1977 عندما حدثت الاضطرابات الاجتماعية التي عُرفت بثورة الخبز: تلقّت جماهير الشارع المصري مخاوف وإشاعات نقص الخبز والمجاعة في المناسبة الاولى بغضب وحماس واستعداد للتضحية، وثارت وخرّبت في المناسبة الثانية لرفعٍ غيرِ كبير لاسعار المواد الغذائية».
ثم يعلل الكاتب سبب التمايز بين هذين الموقفين فيقول: «كانت الجماهير في المناسبة الاولى مقتنعة (بحق أو بغير حق) أن الاجراءات الامريكية موجهة ضدها هي، وضد جهود التنمية والمستقبل في البلاد. بينما اعتقدت في المناسبة الثانية أنه ليس هناك مسوغ للتضحية مهما صغرت»(33). «إن مجتمعاتنا التي لم تعتد الرفاه أو الدلال، مستعدة للتضحية بكل مرتخص وغال إذا اقتنعت أن ذلك يدفع العدوّ الخارجي، أو يؤمّن المستقبل لاطفالها وأجيالها القادمة. لكن كيف نطلب الى هذه الفئات الاجتماعية أن تضحي بالقليل والكثير من أجل لا شيء أو من أجل استقرار الحاكمين واستمرارهم فقط»؟!
ويرى الكاتب أن السلطة السياسية في العالم الاسلامي تحول دون اندماج الامة باطارها الحضاري، ومن ثم تحول دون التحرك نحو المستقبل: «إن مجتمعاتنا الاسلامية هي مجتمعات تاريخية من الطراز الاول، فما تزال أمجاد الماضي ومسؤولياته العالمية تتزاءى في أعماقها وتهبها قوة على البقاء وآمالاً عراضاً في المستقبل، وهذا إن اقتنعت أن السلطة سلطتها هي والمستقبل مستقبلها هي»(34).
«المثل الاعلى» والتنمية الاقتصادية:
لاحظنا فيما سبق تأكيداً على ضرورة «الحركة» حركة الامة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، وهذه الحركة هي أساس الحضارة. ويمكننا أن نقول من دون أن نخشى زللاً: إن الامة المتحضرة هي الامة المتحركة. وكل الحضارات نشأت على أثر حركة الامم، ولذلك نشأت الحضارات الكبرى عقب الهجرات الشرية. وشاءت سنة الكون أن تكون اللبنة الاولى لاقامة الحضارة الاسلامية أرضَ المدينة المنورة، أرض الهجرة.
والاسلام إنما شيّد حضارته الكبرى حينما حرّر المجموعة المسلمة مما يكبّلها ويقيّدها ويصدّها عن الحركة. وقال لها: (وجاهدوا في الله حقّ جهاده…((الحج/ 78) ،
(.. فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً((النساء/ 71 )،(قل إنما اعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى…( (سبأ/ 46). (قل سيروا في الارض..( (الانعام/ 11، النمل: 69، العنكبوت: 29، الروم: 42)، (فسيحوا في لارض..( (التوبة/ 2) ، (.. فاستبقوا الخيرات…( (البقرة/ 148، المائدة: 48) ، (… قالوا كنا مستضعفين في الارض، قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها…((النساء/ 97) ، (… ولولا دفع الله الناسَ بعضهم ببعض لفسدت الارض….((البقرة/ 251).
هذا الدفع العظيم للحركة نحو «مثل أعلى» وضعه الاسلام نُصب أعين الجماعة المسلمة هو الذي خلق الحضارة الجديدة.
وهنا أرى من اللازم أن أستعرض بايجاز نظرية القرآن الكريم في حركة المجتمع – كما استنبطها الشهيد الصدر – رضوان الله عليه وهي نظرية نشوء الحضارات بتعبير آخر، لنرى أنّ الامة المسلمة هي الامة المتحركة على طريق لانهائي للتطور التكاملي، يكون فيها مجال التطور والابداع والنمو قائماً أبداً ودائماً(35).
وفق هذه النظرية تنقسم المجتمعات البشرية الى ثلاثة أصناف:
1ـ صنف فقد الرؤية المستقبلية وأصبحت حياته تكرارية لا تقدم فيها ولا تطور
ولا إبداع.
2- مجتمع وضع نصب عينيه طموحاً مستقبلياً محدوداً.
3- مجتمع اتجه على طريق تكاملي لا نهائي.
والاختلاف بين هذه المجتمعات يعود الى «المثل الاعلى» الذي تتبناه، أو الى «الاله» الذي تعبده بالتعبير القرآني.
المجتمع الاول: مثله الاعلى مستمد من واقع ما تعيشه الجماعة البشرية من ظروف وملابسات، ويتحول هذا الواقع من أمر محدود الى هدف مطلق لا تتصور الجماعة شيئاً وراءه. وفي هذه الحالة تكون حركة التاريخ حركة تكرارية، ولا يكون المستقبل الا تكراراً للواقع والماضي.
وتعود هذه الحالة في المجتمع الى سببين:
الاول: سبب نفسي، هو الالفة والعادة والخمول والضياع. والقرآن الكريم يعرض صوراً كثيرة من وقوف هذه المجتمعات بوجه دعوات الانبياء بسبب هذه الالفة والعادة والجمود على الواقع: (.. قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم
لا يعقلون…((البقرة/ 170) ، (… أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا اليه مريب((هود/ 62).
والسبب الثاني: يعود الى التسلط الفرعوني. والفراعنة يجدون في كلّ تطلع مستقبلي زعزعة لوجودهم ومراكزهم، ولذلك يريدون أن يوَجّهوا كلّ الناس نحو عبادتهم، ويحصروا رؤية الناس في رؤيتهم، يقول سبحانه: (وقال فرعون: يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري…((القصص: 38)، (.. قال فرعون ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد((غافر/ 29).
والنوع الثاني من المجتمعات: مثله الاعلى، أو إلهه مشتق من طموح الامة ومن تطلعها نحو المستقبل والى الابداع والتطوير، لكنه مثل أعلى محدود يحوّله الانسان الى مطلق. ويستطيع هذا المثل الاعلى أن يحقق للمجتمع من النمو بقدر إمكاناته المستقبلية، لكنه سرعان ما يصل الى حدوده القصوى ويستنفد أغراضه ويتحول الى عائق للمسيرة.
ولقد رأينا في عمرنا القصير فشل كثير من هذه المثل العليا في الاستمرار بمسيرة المجتمع نحو كماله المنشود، بعد أن استطاعت تحقيق حركة إجتماعية محدودة على هذه المسيرة. فالحرية في العالم الغربي بعد أن حققت شوطاً في مضمار الابداع والتطوير تحولت الى مأساة بشرية تهدد العالم اليوم بخطر السحق والابادة والدمار. والاشتراكية التي رفع الشرق شعارها استطاعت أن تحرك طموحات المستضعفين زمناً، لكنها كانت كبيت العنكبوت انهار بنفخة البيريسترويكا (… وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون((العنكبوت/ 41). ويعبّر القرآن عن هذه المثل العليا بأنها (… كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب((النور/ 39).
والنوع الثالث: مثله الاعلى هو «الله» سبحانه وتعالى. والكائن المحدود في مثل هذا المجتمع يتحرك على طريق لا ينتهي. ومجال الابداع والتطور التكاملي أمام الانسان في مثل هذا المجتمع لا نهائي. والتغيير الذي يحدث في هذه الحركة كمي وكيفي لا مجال لذكره في هذا الاستعراض العاجل. والحركة الضخمة التي شهدتها فترة صدر الاسلام كانت بفضل انفجار الطاقات الخلاقة على طريق هذا المثل الاعلى. وكل ما شهده التاريخ الاسلامي من حضارة وازدهار علمي واقتصادي وتفاعل بين الانسان المسلم والطبيعة إنما كان من آثار تلك الدفعة الهائلة التي تحرّك بها المجتمع الاسلامي في عصوره الاولى. وهذا العطاء مستمر حتى يومنا هذا رغم ما أحاط بالامة المسلمة من هزيمة نفسية وخمول وخمود وسيطرة فرعونية.

-2-
التأكيد على القاعدة الأخلاقية والفكرية

في كتاب «اقتصادنا» بجزئية تأكيد على الجانب الفكري والاخلاقي للنظام الاقتصادي الاسلامي. مرّت بنا آراء السيد الصدر عن العلاقة بين المنهج الاقتصادي والاخلاقية أو الثقافة الإسلامية. وهنا نتابع آراء السيد الشهيد في حقل العلاقة بين الاقتصاد الاسلامي والقاعدة الاخلاقية والفكرية في المجتمع الاسلامي.

أثر التحديد الذاتي في الحقل الاقتصادي
يبدأ الإسلام عمله من داخل الانسان.. ويصوغ محتواه الداخلي بشكل يرتب عليه كل تخطيطاته الاجتماعية والاقتصادية.. والانسان المسلم بموجب هذه الصياغة تتحدد حريته في تعامله وتحركه، ولكن هذا التحديد غير مفروض على الانسان، بل إن دور الانسان هو دور المريد في هذا التحديد.. ولذا فسوف لا يشعر بقيد يكبله ولا بسلطة لابد أن يرضخ لها شاء أم أبى.
وقد لعبت هذه الرقابة غير المنظورة دورها في المجتع الاسلامي وأدّت فعاليتها بمقدار قد يفوق الدور الذي تلعبه الدولة صاحبة التخطيط المركزي في عملية التنفيذ والتطبيق .
وقد شهد المجتمع الاسلامي إبان الشوط القصير الذي مرت فيه الرسالة بدور التطبيق أروع الصور التي برز فيها عطاء هذه الصياغة الداخلية وهذه التربية الخلقية السامية. فالمرأة الزانية التي تأتي رسول الله(ص) تطلب منه أن يطهرها، والسارق الذي يأتي بنفسه يطلب إقامة الحد عليه، والرجل الذي يطلب من الرسول أن يسمح له بأن يهب كل ما يملك في سبيل الله، كل تلك صور اعتاد المجتمع عليها واصبحت الطابع المقوم للكيان الذي بناه الاسلام.. وماكانت هذه إلا ثمرة للصياغة التي أحكم الاسلام كل دقائقها وجزئياتها.. تلكم هي صياغة الشخصية الاسلامية، هذه الشخصية التي كانت ولاتزال مصدر خير وعطاء للبشرية جمعاء.
ولايزال هذا التحديد الذاتي يلعب دوره الآن في مجالات البر والاحسان بالرغم من ابتعاد المسلمين عن روح التجربة العملية للشريعة الاسلامية.
وما اندفاع ملايين المسلمين لاداء فريضة الزكاة وبقية حقوق الله بملء حرياتهم
إلا ثمرة من عطاء هذه الصياغة وهذا التحديد بالرغم من انحطاط مستواهم الفكري والنفسي، ولو قدر لتلك التجربة القصيرة التي مر بها الاسلام أن تمتد لشهدت الانسانية أروع صورة للخلافة التي شاءها الله للانسان على هذه الأرض. ولصنعت عالماً زاخراً بمشاعر العدل والرحمة ولا جتثّت كل دوافع الشر والظلم من نفس البشرية التي منيت بمناهج لاتفهم للتربية النفسية والصياغة الداخلية معنى، وإنما نظمت الشكل الظاهري من علاقة الانسان بمحيطه المادي، فراح هذا الانسان وفق هذا المنهج الذي لا يمسّ جوهره يعيث في الارض فساداً، ويتفنن في وسائل الدمار والتخريب.
الاخلاقية في الاقتصاد الاسلامي
من الصفات المهمة للاقتصاد الاسلامي هي الاخلاقية:
وتتمثل هذه الاخلاقية في الغاية والطريقة.
أ- الاخلاقية من ناحية الغاية: إن غاية الاقتصاد الاسلامي لا تنبع من واقع خارج حدود الانسان، فالماركسية في تحديدها لحق العامل وللضمان الاجتماعي تنطلق من واقع وسائل الإنتاج وتطورها، وتنظر الى الواقع المادي للإنسان كمحدد للشكل الاقتصادي الذي يسود، بينما ينطلق الإسلام في تحديده للقيم العملية التي يجب أن تسود من ناحية خلقية.
ب – الأخلاقية من ناحية الطريقة: إن الاسلام في طريقته يهتم بالعامل النفسي ويجعل الطريقة منسجمة مع أحاسيس ومشاعر الانسان ومتفاعلة معها.. وعملية التكافل الاجتماعي قد تتمّ بأخذ الضرائب من الأغنياء عن طريق القوة وإعطائها الى الفقراء، ولكن هذه الطريقة ليست في نظر الاسلام صحيحة وإن كانت تؤدي الجانب الموضوعي من الغاية وهي إشباع حاجة الفقراء ، بل يجب أن تكون الطريقة أخلاقية، يجب أن ينبعث شعور التكامل من وجدان الانسان المسلم وينطلق من مشاعره.
وهذا الاهتمام الكبير من قبل الاسلام بالأخلاقية يرينا مدى الاهتمام بالصياغة النفسية والروحية والخلقية للانسان في المجتمع الإسلامي وبالتالي مدى الاهتمام بالتحديد الذاتي كمنطلق لتحقيق التوازن والتكامل الاجتماعي.

الاقتصاد الاسلامي يقوم على أرضية فكرية وخلقية
قبل أن أتكلم عن الارضية الاسلامية أوضّح علاقة الارضية بالمذهب والصلة المتبادلة بينهما. إن أي تخطيط اجتماعي أو اقتصادي لا يمكن أن يكتب له النجاح الاّ بعد أن يكوّن إطاراً يستطيع أن يدمج الأمة ضمنه ولا يمكن لأي منهج أن يؤدي دوره الفعال الاّ إذا استطاع أن يحرك الامة ويفجّر طاقاتها بأن يبعث فيها حركة دائبة لا تعرف الملل.
ولو ألقينا نظرة على المناهج السائدة اليوم في أوربا لرأيناها تلتقي والأرضية الاوربية وتلتئم ومشاعر الانسان الأوربي، فانسان أوربا يعيش أخلاقية تتكون من مزيج من إيمان عميق بالحرية ونظرة متأصلة في الارض لا ترتفع الى السماء، وشعور واضح بالفردية والأنانية، وتمثل هذا جلياً في كل تطلعات الانسان الأوربي العلمية والفكرية حينما ذهب يبحث عن أصله بين فصائل الحيوان وبدأ يفسر سير البشرية والصرح الانساني كله على أساس الصراع والتناقض بين القوى المنتجة وحتى إله المسيحية أنزله من السماء الى الأرض وجسّده بهيئة كائن أرضي.
ومن هذا المزيج انطلقت فكرة الاقتصاد الحر التي تمثل الفردية الشخصية، وفكرة الاقتصاد الاشتراكي التي تمثل الفردية الطبقية وفكرة الوجودية التي تمثل قمة شعور الانسان الأوربي بالحرية.. من هنا لا نستغرب حينما نرى الانسان الاوربي في ظل هذه الأنظمة بدأ بتفاعل إيجابي مع المادة.. يستغل خيراتها ويكتشف أسرارها.
ولم يكن غريباً أيضا أن نرى هذه النهضة العلمية في أوربا.. وحركة الانسان الأوربي الدائبة في تفاعله مع وسطه المادي، لأن المنهج الذي يعمل ضمنه يمثل إطار تفكيره ويعبر عن مزيج أخلاقيته. ومن هنا أيضا لا نستغرب حينما نرى الانسان المسلم تسود ذهنه نظرات سلبية الى الحياة المادية تتمثل في الزهد تارة وفي القناعة تارة أخرى، ومؤدية الى العزلة والانطواء.
إن السلبية التي تسود ذهنية المسلم اليوم لم تنبع من الأخلاقية التي يعيشها، بل نتجت بعد أن قدمت له الأرض بشكل لايتلائم والاطار الخلقي الذي يعيشه.
الانسان المسلم يحتاج الى منهج تلبس الأرض فيه لباس السماء، ويتعامل مع محيطه المادي وفق مقياس الوجوب والاستحباب وعند ذاك سوف يندفع في حركة لا حدود لها، وسوف تتفجر الطاقات الخلاقة في نفسه، وسوف يعمر الأرض لا مادياً فحسب بل يتغلغل الى داخل النفس الانسانية مجتثاً منها كل دوافع الحقد والظلم، مكوناً المجتمع الذي تطمح كل الانسانية اليوم اليه، وإن غفلت عنه، ذلكم هو المجتمع الاسلامي.
إن الارضية الاسلامية تتكون من عناصر ثلاثة هي:
العقيدة والمفاهيم والعواطف.
فالعقيدة تحدد نظرة الانسان الى الكون وتعطيه التفسير الكامل عن الوجود وعلى ضوء هذه العقيدة تنشأ عند الانسان المسلم نظرات معينة الى الاشياء وتحديدات ثابتة لها، متمثلة في (المفاهيم) وهذه المفاهيم تبعث في نفس الانسان أحاسيس ومشاعر معينة يظهر فعلها وعطاءوها في الخارج متمثلة في (العواطف) التي تكون عنصراً مهماً من عناصر التربة التي يعيش عليها النظام الاقتصادي الاسلامي. ومن هنا نعلم أن الاقتصاد الاسلامي لا يمكن أن يخطط له مركزياً في ظروف كالظروف التي نعيشها اليوم من أجل تطبيقه كما يفكر المتحمسون للاقتصاد الاسلامي اليوم. إن تطبيق الاقتصاد الاسلامي يبدأ بتهيئة التربة الصالحة له، يبدأ بتربية وفق عقيدة الاسلام وبث المفاهيم المنبثقة من هذه العقيدة كي تتفجر في نفس المسلم المعاصر الاحاسيس والمشاعر التي يستطيع أن يحتضن بها الاقتصاد الاسلامي ويتطلع الى مجتمع أفضل هو المجتمع الاسلامي.

الدافع الذاتي في إطار الدين
إن الدافع الذاتي نزعة متأصلة في النفس الانسانية. والانسان في كل تطلعاته وتصرفاته ينطلق من هذا الدافع ، لذا كان سلوك الانسان وأخلاقيته مظهراً لهذا الدافع، ويتكيف الجانب الخلقي والجانب السلوكي للانسان تبعاً لتوجيه هذا الدافع وتكييفه.
ويشكل الدافع الذاتي عقبة كبرى أمام أي تخطيط اجتماعي، بل يمكن القول بأن هذا الدافع هو مثار المشكلة الاجتماعية، وبسبب اصطدام النـزعة الذاتية بالمصلحة الاجتماعية فانّ كل تخطيط يضمن مصالح الفرد الذاتية يصطدم بالمصلحة الاجتماعية وكل تخطيط يهدف مصلحة المجتمع يتعارض مع الدافع الذاتي للفرد.
ولما كانت هذه النزعة فطرية ومتأصلة فلا يمكن القضاء عليها أولا.. ومن ثم لا يستطيع أي جهاز اجتماعي كالجهاز الحكومي مثلا أن يخطط للقضاء على هذه النزعة لأن هذا الجهاز جزء من المجتمع ويسري عليه مايسري على المجتمع من نزعات
الدوافع الذاتية.
وبذا فسوف تبقى المشكلة معلقة والصراع محتدماً مازالت المسألة في مستوى تخطيط أرضي ومنهج بشري.
وهنا يأتي دور الدين باعتباره العلاج الوحيد لما ينجم عن الفطرة من مشاكل وباعتبار أن الدين جاء ليكون متمماً للفطرة الانسانية السليمة لتوجيه الانسان الى طريق كماله.
فالدين يقرّ بوجود الدافع الذاتي ولكنه يوجهه توجيهاً يرتفع عن مستوى الارض ويربطه بالعالم الآخر.
فالانسان المسلم بحكم تربيته يفكر بمجتمعه ويعطي من نفسه الكثير لصالح المجموع.. ويضحّي بماله ودمه أحيانا في سبيل المصلحة الاجتماعية ، كل هذا يقدمه الانسان المسلم منتظراً العوض المضاعف في الدار الآخرة.
فالمصلحة الاجتماعية مضمونة، والمصلحة الفردية مضمونة أيضاً. ولا يمكن لمصلحة ذاتية للانسان أن تكون إيجابية ومعطاءة في أي إطار كالاطار الذي يصوغه لها الدين وكالمنهج الذي يقدمه.
والقرآن الكريم في دفعه للانسان المسلم يكوّن له هذه النظرة عن مصالحه وأرباحه فيقول: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( (التوبة: 120-121)
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ( (فصلت:46).
( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة:6-8). من هنا نعرف معنى دين الفطرة ومعنى القيمومة التي وصف الله تعالى بها رسالته: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
التفسير الاقتصادي للسلوك والافكار
راج في أدبيات اليسار تفسير كل مظاهر السلوك تفسيراً اقتصاديا وتصنيف الناس تصنيفاً طبقياً والحكم على اتجاهات هذه الفئة وتلك الجماعة من خلال مستواهم المعاشي. السيد الصدر بيّن خطأ هذا الاتجاه بنقده العلمي لنظرية المادية التاريخية، كما استعرض بعض النماذج من الأهداف التي دعا إليها الاسلام والتي يجب أن تظهر في «عرف الماركسية» عند ظهور الطبقة البرجوازية وبعد انتشار الصناعة:
1ـ دعا الاسلام الى المساواة ونبذ كل تفرقة بسبب اللون أو العنصر أو اللغة
فـ «الناس سواسية كأسنان المشط» في العرف الاسلامي، و«لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى» ولم يكن هذا بالمستوى النظري فقط وإنما استطاع أن يعكس هذه المفاهيم على الواقع الاجتماعي ويجسدها في العلاقات الاجتماعية. علما بأن الماركسية تقول بأن عَلَم المساواة يجب أن ترفعه الطبقة البرجوازية التي تظهر في المجتمع الصناعي.
2- تحدى الاسلام المادية التاريخية بدعوته إلى مجتمع عالمي يجمع الانسانية كلها على صعيد واحد. فمن بين تلك الحياة العشائرية البدائية ظهرت هذه الفكرة ومن بين تلك العقول الضيقة الافق شعت هذه الدعوة، فأية وسيلة للانتاج طورت هذا التفكير وأية آلة غيّرت نظرة أقوام لا يدركون المجتمع القومي فأصبحوا في فترة قصيرة دعاة مجتمع عالمي؟!
3- ومرة أخرى يتحدى الاسلام منطق التاريخ الماركسي حين يقيم علاقات اقتصادية لا يمكن أن تقوم في حساب الاقتصاد الاشتراكي إلاّ بعد بلوغ المجتمع درجة من المرحلة الصناعية والآلية في الانتاج، فقلص الملكية الفردية وحدد مجالها وأعطاها مفاهيم وقيم معينة لتهذيبها ووضع ضمانات التوازن وعدالة التوزيع.. في الوقت الذي يقول منطق القرن الثامن عشر على لسان آرثر يونج «لا يجهلن سوى الأبله أن الطبقات الدنيا يجب أن تظل فقيرة، والاّ لن تكون مجتهدة» ويقول منطق القرن التاسع عشر على لسان مالثوس: «ليس للذي يولد في عالم تم امتلاكه حق في الغذاء إذا
ما تعذر عليه الظفر بوسائل عيشه عن طريق عمله أو أهله، فهو طفيلي لا لزوم لوجوده، إذ ليس له على خوان الطبيعة مكان، والطبيعة تأمره بالذهاب ولا تتوانى في تنفيذ أوامرها» بينما يقول الاسلام معلناً مبدأ الضمان الاجتماعي:
«من ترك ضياعاً فعليّ ضياعه، ومن ترك دَيناً فعليّ دينه».
ويعلن الاسلام بأن الطبيعة ليست هي سبب جوع الفقراء، بل هو بسبب سوء التوزيع وفساد العلاقات فيقول الحديث: «ماجاع فقير إلا بما متع غني» ومن كل هذا نستنتج بأن العلاقات الاقتصادية لم تقم على أساس تطور وسائل الانتاج ولا على أي أساس مادي آخر، بل إنها قائمة على اسس فكرية وروحية تمتزجان فتكونان أخلاقية معينة، وهذه الاخلاقية هي التي تحدد العلاقات الاقتصادية وترسم طريق العدالة الاجتماعية.

مشكلة التوزيع في نظر الاسلام
إن لكل مذهب اقتصادي نظرة معينة في التوزيع تنسجم والاطار العام للمذهب فالشيوعية في معيارها للتوزيع تعتمد على قاعدة: من كل وفقاً لطاقته ولكل وفقاً لحاجته. والنظرة الاشتراكية تقول: من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله. والاشتراكية بعد الماركسية تعتقد بأن التوزيع يتحدد وفقا لحالة الصراع الطبقي في المجتمع. فطبقة العبيد التي كانت تعيش تحت سياط السادة كان وضعها شيئاً سائغاً في ظروف تتطلب هذا النوع من الصراع بين السادة والعبيد.
ويقف الاسلام موقف المعارض لهذه النظرة، ويثبت مسألة التوزيع على
أساس خلقي.
فالطبقة التي حُرمت من العمل بسبب ظروف جسمية وفكرية يكون مصيرها الحرمان في منطق الاشتراكية بينما يقرر الاسلام بقوله: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ( (الذريات:19)، فهذه الفئة هي جزء من المجتمع الانساني ولابد للمجتمع السعيد الذي يشيد دعائمه الاسلام أن يقلّص آلام الحرمان إلى أبعد حد ممكن. وعلى هذا الاساس الخلقي لا تحرم هذه الفئة من التكافل والضمان لمجرد أنها محتاجة لذلك. ومن هنا نعرف أن المشكلة الاقتصادية في نظر الاسلام هي أخلاقية صرفة، فالنظرة الماركسية تذهب إلى أن المشكلة الاقتصادية ناتجة عن التناقض بين شكل الانتاج وعلاقات التوزيع، بينما يذهب الاسلام إلى أن المشكلة الاقتصادية نابعة من الانسان نفسه حين يقرر في الآيات الكريمة: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ
كَفَّارٌ( (ابراهيم: 32 – 34).
فهذا الكون الفسيح كله مسخر لمنفعة الانسان ولمصلحته ولكنه ظلوم كفار كما تقرر الآية الكريمة.
فالظلم والكفران هما سبب المشكلة الاقتصادية، فالظلم يتمثل في سوء التوزيع ويتمثل الكفران في إهمال الانسان لاستثمار معطيات الطبيعة.
فالانسان إذن هو سبب المشكلة، وهو القادر على حل المشكلة حينما يقيم علاقات مع هذا الكون تسمو على العلاقات المادية ويعيش الوسط الذي يحيطه وفق مقاييس فكرية وروحية.
اخلاقية الملكية في الاقتصاد الاسلامي
إن الملكية في الاسلام تُفسر على الطريقة المذهبية على أساس العمل وصلة العامل بنتاج عمله وهذا مالسنا بصدده، إذ نحن بصدد التفسير الخلقي للملكية الذي يحدده مفهوم الخلافة، واعتبار أن الانسان خليفة ووكيل في هذه الارض، هذا المفهوم الذي يؤطر الملكية بالاطار العام لصياغة الاسلام للفرد في تحديد مشاعره ونشاطه.
ولهذا التفسير الخلقي الذي يربي الاسلام أفراده وفقا لمقاييسه معطياته الكبيرة وأهمها هي:
1ـ إن مفهوم الخلافة يقيّد الانسان المسلم ويشده إلى تعليمات مَنْ وهبه هذه الخلافة، قال تعالى: ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ( (الحديد:7).
وتنمو وفق هذا المفهوم الرقابة غير المنظورة في نفس الانسان المسلم لأنه يشعر دائماً بأنه مراقب في كل تصرفاته وأعماله فيقول تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ( (يونس:14).
2- إن الانسان المسلم على ضوء هذا المفهوم سوف يكون أمام رقابة أخرى هي رقابة المجتمع، فالخلافة في الاصل للجماعة، وعليها تقع مسؤولية حماية المال لانها وكيلة عليه، فلا يجوز أن تسمح للسفهاء أن يتملكوا شيئاً، قال تعالى: ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً( (النساء:5). فالاموال وإن كانت للافراد بالملكية الخاصة ولكن القرآن عبر عنها بكلمة (.. أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً …( (النساء:5) إشارة إلى المسؤولية الملقاة على عاتق الجماعة باعتبارها هي التي تتحمّل أعباء الخلافة.
3- وعلى ضوء مفهوم الخلافة فقد جُرّدت الملكية من الامتيازات المعنوية التي رافقتها واقترنت بوجودها، فليس هناك أي امتياز معنوي للغني على الفقير، ولا يجوز اقتران الملكية بأي نوع من القيمة الاجتماعية في العلاقات المتبادلة، فقد جاء في الحديث الشريف عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام «من لقي فقيراً مسلماً فسلّم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله عزوجل يوم القيامة وهو عليه غضبان».
وندّد القرآن الكريم بهذه المقاييس التي تعتبر الثروة هي التي تطبع نوعية العلاقات والمعاملات الاجتماعية فيقول تعالى: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ،وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى( (عبس:1 - 10).
وهكذا تذوب كل هذه الامتيازات على ضوء اعتبار أن الملكية خلافة لها مسؤوليتها ووظيفتها، لاحقاً ذاتياً.
4- تتحول الملكية وفق هذا المفهوم من اعتبارها غاية إلى كونها مجرد وسيلة، إذ إن الانسان الذي اندمج كيانه روحياً ونفسياً مع الاسلام ينظر إلى الملكية بوصفها وسيلة تحقق الهدف من الخلافة وإشباع الحاجات الانسانية المتنوعة. فيقرر الرسول الكريم(ص) «ليس لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت ولبست فأبليت وتصدقت فأبقيت» والمال بهذا المنظار لا يكون تجميعاً وتكديساً شَرِهاً لا يرتوي ولا يشبع.
تلك هي الصياغة الروحية والخلقية للملكية في الاسلام التي تكمل الصياغة المذهبية للملكية فتشكلان معا علاقة الانسان بما يملك، علاقة سامية ذات نتاج ثرّ إيجابي معطاء.

استنتاج
التنمية الشاملة في المجتمع هي التي تحقّق كرامة الانسان وعزّته وتتجه به الى الكمال في الجوانب المادية والمعنويّة. وهذا مالا يتحقق في إطار الانظمة الماديّة التي تجعل من المصالح الاقتصادية حافزاً أساسياً للتنمية. فهذا الحافز قد يؤدّي الى تسجيل انتصار مادي في حقل استثمار مواهب الطبيعة، لكنه يقترن بتكالب محموم يصادر كل قيم الانسانية.
والمنهج الاسلامي في التنمية الذي يقوم على أساس تزكية الانسان هو الذي يستطيع أن يحقق طموح البشرية في حياة حرّة كريمة. وبالمناسبة فان التزكية من «زكا» أي «نما» فالتزكية هي التنمية الشاملة بالمعنى الاسلامي، وتبدأ من تغيير المحتوى الداخلي للانسان لتحل كل التناقضات بينه وبين الطبيعة وبينه وبين أخيه الانسان، وتخلق تفاعلاً إيجابياً بين الكائن البشري والارض وفق مفاهيم الاستخلاف.

الهوامش:
* - أستاذ في جامعة طهران.
1 - الاسلام والتنمية الاقتصادية، جاك اوستروي، ترجمة الدكتور نبيل صبحي الطويل، ومقدمة الاستاذ محمد المبارك.
2 - الكافي 5: 73 و 6:287.
3 - نفس المصدر.
4 - نفس المصدر.
5 - بحار الانوار 103 : 9 .
6 - جامع أحاديث الشيعة 18: 431.
7 - نفس المصدر.
8 - البحار 3:87 – توحيد المفضل: 87.
9 - الخصال 1: 12.
10 - الكافي 1: 406 ، يُقرهم: يُثقل عليهم بالمطالبات والديون.
11 - الكافي 5: 86.
12 - من لا يحضره الفقيه 3: 95، باب 58 في المعايش والمكاسب.. الحديث 11.
13 - الوسائل: 24 .
14 - ميزان الحكمة 2: 325.
15 - ميزان الحكمة 3: 294.
16 - وسائل الشيعة 11: 318، باب 64 في كراهة الحرص على الدنيا.
17 - بحار الانوار 73: 50.
18 - نقله الى العربية عمر فرّوخ، بيروت، 1964م.
19 - ترجمة ابراهيم مدكور وغيره، القاهرة، 1957 – 1961م.
20 - ترجمة محب الدين الخطيب، القاهرة، 1930.
21 - ترجمة عبدالحليم النجار ومحمد يوسف موسى، القاهرة، 1962م.
22 - الاسلام في القرن العشرين: 46 – 49، ط 2،
23 - نظام الاسلام، الاقتصاد، محمد المبارك: 21.
24 - اقتصادنا، مقدمة الطبعة الثانية: 24.
25 - معالم في الطريق، سيد قطب: 114، 115.
26 - وجهة العالم الاسلامي، مالك بن نبي.
27 - المستقبل لهذا الدين، فصل صيحات الخطر:70 – 94.
28 - اقتصادنا: 13، 14.
29 - نفس المصدر: 13 .
30 - نفس المصدر.
31 - الاسلام المعاصر، رضوان السيد: 62 .
32 - نفس المصدر.
33 - نفس المصدر: 63.
34 - نفس المصدر.
35 - مقدمات في التفسير الموضوعي، ط دار التوجيه الاسلامي، 153.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• «أكبر» والمذاهب   (بازدید: 859)   (موضوع: شخصيات)
• أبو فراس الحمداني   (بازدید: 2097)   (موضوع: أدب)
• أبو فراس الحمداني / مقاربة في دارسة مدحه وهجائه   (بازدید: 2372)   (موضوع: أدب)
• إحياء الاسلام أولا   (بازدید: 851)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (موضوع: )
• ادباء ايرانيون في دراسات سيد قطب   (بازدید: 1614)   (موضوع: أدب)
• الأدبان المعاصران العربي و الفارسي مقاربة في الظواهر المشتركة   (بازدید: 1174)   (موضوع: أدب)
• الأواني المستطرقة   (بازدید: 1837)   (موضوع: أدب)
• الامام علي - العطاء الحضاري المتواصل   (بازدید: 902)   (موضوع: شخصيات)
• التقريب في القرن الماضي   (بازدید: 1075)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• التيسير في الحج في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها   (بازدید: 1162)   (موضوع: ملتقيات)
• الحب و التقريب   (بازدید: 921)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الحكومة الاسلامية من منظور الشاعر الكميت بن زيد   (بازدید: 1272)   (موضوع: أدب)
• الحوزة الإيرانية في القرن الماضي   (بازدید: 1334)   (موضوع: أوضاع المسلمين)
• الخطاب الانساني في مثنوي مولانا جلال الدين الرومي   (بازدید: 2468)   (موضوع: أدب)
• الرسالية في الشعر الشيعي   (بازدید: 948)   (موضوع: أدب)
• السنن الحَسنة   (بازدید: 907)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الشهيد مطهري وإحياء الفكر الاسلامي   (بازدید: 2456)   (موضوع: فكر إسلامي)
• القاعدة الاخلاقية والفكرية في الاقتصاد الاسلامي   (بازدید: 1356)   (موضوع: فكر إسلامي)
• القدس رمز وجودنا   (بازدید: 1020)   (موضوع: فلسطين)
• القضية الفلسطينية في ضمير الشعب الإيراني   (بازدید: 1013)   (موضوع: فلسطين)
• المؤتمر الفكري الاول للشهيد السعيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم (رض) لندن 11/1/2004   (بازدید: 856)   (موضوع: ملتقيات)
• المذاهب الإسلامية بين السلب والإيجاب   (بازدید: 787)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• المنظومة الفكرية للشهرستاني وموقع ابن سينا منها   (بازدید: 2123)   (موضوع: فكر إسلامي)
• الهجرة الفرص والتحديات   (بازدید: 1324)   (موضوع: حوار الحضارات)
• الى عرفات اللّه   (بازدید: 805)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• انتشار الإسلام في إيران / هل دخل بالسيف أم عن طريق القلوب؟   (بازدید: 2155)   (موضوع: فكر إسلامي)
• تكريم روّاد التقريب   (بازدید: 875)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• ثقافة التقريب / لماذا؟   (بازدید: 859)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• جولات تقريبية   (بازدید: 965)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• جولات تقريبية   (بازدید: 862)   (موضوع: فكر إسلامي)
• جولات تقريبية «القسم الثالث»   (بازدید: 853)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• حركة التاريخ في فكر الامام الصدر   (بازدید: 1926)   (موضوع: فكر إسلامي)
• حوار الحضارات - الالولويات - الأخطار   (بازدید: 1902)   (موضوع: حوار الحضارات)
• حوار مع الدكتور سيد حسين نصر   (بازدید: 1751)   (موضوع: مقابلات)
• دور السيد جمال الدين في الادب العربي الحديث   (بازدید: 2663)   (موضوع: شخصيات)
• دور زينب بنت علي في مسيرة الحضارة الاسلامية   (بازدید: 1727)   (موضوع: دراسات حضارية)
• رسالـة التقريب   (بازدید: 1012)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• سؤالات مجهولة من أسئلة نافع بن الأزرق إلى عبدالله بن عباس   (بازدید: 2134)   (موضوع: قرآن)
• سبل تنشيط العلاقات الثقافية بين الايرانيين و العرب   (بازدید: 990)   (موضوع: ثقافة)
• سعدي الشيرازي   (بازدید: 1973)   (موضوع: أدب)
• شاعران كبيران في إيران   (بازدید: 1515)   (موضوع: أدب)
• شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي الحلبي   (بازدید: 2526)   (موضوع: شخصيات)
• عزة الامة في التقريب   (بازدید: 973)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• عصر الأدب الفارسي الإسلامي   (بازدید: 7204)   (موضوع: أدب)
• فرصة عظيمة و لكنها مهددة   (بازدید: 918)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• قصة الناي في فكر الكواكبي   (بازدید: 1794)   (موضوع: فكر إسلامي)
• قصة الناي في فكر الكواكبي   (بازدید: 1100)   (موضوع: فكر إسلامي)
• كتب في ميزان التقريب   (بازدید: 1013)   (موضوع: كتب)
• كلمة التحرير   (بازدید: 948)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• لسان الدين بن الخطيب الاندلسي   (بازدید: 2832)   (موضوع: شخصيات)
• مؤتمر تيسير علم النحو   (بازدید: 1329)   (موضوع: ملتقيات)
• مجالات التقريب   (بازدید: 1011)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مشاكل وعقبات في طريق وحدة المسلمين   (بازدید: 1318)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• معوقات النهوض وأسباب التخلّف في فكر الإمام الصدر   (بازدید: 1352)   (موضوع: فكر إسلامي)
• موقف الإسلام من التراث الإيراني القديم   (بازدید: 1840)   (موضوع: تاريخ)
• موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلاميّة   (بازدید: 837)   (موضوع: تاريخ)
• موقف الايرانيين من الدعوة الإسلامية   (بازدید: 1132)   (موضوع: تاريخ)
• موقف الرئيس الاسد من الثورة الاسلامية الايرانية - الخلفية التاريخية   (بازدید: 960)   (موضوع: شخصيات)
• نحن و البدعة   (بازدید: 956)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و التاريخ   (بازدید: 902)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الحج   (بازدید: 803)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الحسين   (بازدید: 871)   (موضوع: )
• نحن و السلفية   (بازدید: 801)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و السياسية   (بازدید: 801)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و السيرة   (بازدید: 786)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الصحوة الإسلاميّة   (بازدید: 794)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و العزة الإسلاميّة   (بازدید: 894)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الغزو الثقافي   (بازدید: 1038)   (موضوع: الغزو الثقافي)
• نحن و النظام الدولي الجديد   (بازدید: 884)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• نحن و دولة الإسلام في إيران   (بازدید: 849)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• نحن و شهر رمضان المبارك   (بازدید: 846)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و قضايانا المشتركة   (بازدید: 850)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و مؤامرات الإثارة الطائفية   (بازدید: 850)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• ندوة ثقافة التقريب بين المذاهب الاسلامية ودورها في وحدة الامة   (بازدید: 862)   (موضوع: ملتقيات)
• وحدة المسلمين فريضة   (بازدید: 850)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• التغيير الإسلامي في إيران من منظور حضاري   (بازدید: 1098)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• انتشار الرسوم المسيئة لشخصية برؤية ثقافية حضارية رسول الاسلام (ص)   (بازدید: 882)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• تعليم العربية لغير الناطقين بها وسيلة حوار بين الحضارات   (بازدید: 1706)   (نویسنده: محمد الجعيدي)
• دور زينب بنت علي في مسيرة الحضارة الاسلامية   (بازدید: 1727)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• عاشوراء بمنظار حضاري   (بازدید: 1463)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• عبدالرحمن الكواكبي من روّاد الاستنهاض الحضاري   (بازدید: 1350)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مالك بن نبي والإنسان ومسار الحضارة   (بازدید: 1464)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• محمد إقبال وتجديد التفكير الديني في الاسلام   (بازدید: 2349)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• مسألة «المهدي المنتظر» برؤية حضارية   (بازدید: 1137)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مشروع الكواكبي اجتماعياً وتربوياً   (بازدید: 1312)   (نویسنده: محمد قجة)
• نحو فهم حضاري لتاريخنا الإسلامي معركة الطف نموذجًا   (بازدید: 1038)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• الثقافة بين التخلف والتخلق   (بازدید: 1088)   (نویسنده: الدكتور خالد زهري)
• الثقافة والحضارة   (بازدید: 2449)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• الجمع بين الاصالة والمعاصرة   (بازدید: 1840)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• الحضارة والتفاعل الحضاري   (بازدید: 1183)   (نویسنده: عبد الله الفريجي)
• تحديات تأهيل العقل المسلم في المشروع الحضاري   (بازدید: 932)   (نویسنده: الدكتور عبدالناصر موسى أبوالبصل)
• مستقبل الإسلام في ضوء التحديات الراهنة   (بازدید: 1432)   (نویسنده: حسن حنفي)
• وسطية الحضارة الإسلامية   (بازدید: 847)   (نویسنده: أحمد الطيب)
• ابن المقفع بين حضارتين دراسة فكرية نقدية و أدبية   (بازدید: 2055)   (نویسنده: حسين علي جمعة)
• اعلان طهران حول الحوار بين الحضارات   (بازدید: 1019)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]