مناهج دراسة مسألة «المهدي»
|
ثقافتنا - العدد 12
فكر إسلامي
محمّد علي آذرشب
1427
الإنسان موجود ينشد الكمال فطرياً، وهكذا المجتمع الإنساني، وهذه حقيقة تؤكد عليها الشرائع السماوية والمدارس الفكرية والفلسفية، اللهم إلا اصحاب الاتجاهات التشاؤمية، وقليل ماهم. انطلاقاً من هذه الفطرة تطلعت البشرية دوماً إلى يوم موعود… يوم تحقق الآمال، وسيادة العدل، وزوال ألوان الظلم. التطلع لمثل هذا اليوم شكّل ركناً من أركان الشرائع السماوية باعتبارها دين فطرة الله. كما انعكس التطلع لهذا اليوم الغيبي على أشدّ المدارس الأرضية رفضاً للغيب مثل المادية الجدلية التي آمنت بيوم موعود تزول فيه كل ألوان الصراع القائم على ظهر الأرض، ويسود فيه الوئام والسلام. مسألة «المهدي» في الاسلام تجسيد لهذا التطلع الفطري. وهي – إضافة إلى كونها عقيدة تلبي حاجة إيمانية فطرية في الإنسان – ذات آثار عملية على مسيرة المجموعة المسلمة. - في مرحلة النضال من أجل استلام زمام أمور خلافتها في الأرض. - وفي مرحلة تسلّم أعباء الأمانة الكبرى وممارسة أمور الاستخلاف(1) . في هذه المقدمة نستعرض الطرق التي سلكها الباحثون في دراسة مسألة «المهدي» في الاسلام لنتبين طريقة الأستاذ الشهيد مطهري لدراسة المسألة في هذا الكتاب. سلك الباحثون في مسألة المهدي ثلاث طرق: 1ـ دراستها على مستوى النصوص (المأثور من السنة إلى جانب بعض آيات القرآن الكريم). 2- دراستها من وجهة النظر العقلية والعلمية. 3- دراستها على ضوء فلسفة التاريخ ومستقبل المسيرة البشرية. 1ـ دراسة المسألة على مستوى السنة فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر الذي تتحقق على يديه تطلعات البشرية، وتطبيق الرسالة الإلهية بشكلها الشامل الكامل وردت في أحاديث الرسول وفي أحاديث أئمة آل البيت، وبلغت كثرة الروايات – في هذا الشأن – حداً لا يمكن أن يرقى اليها الشك. أحصى العلماء أربعمائة (400) حديث عن النبي(ص) في المهدي من طرق أهل السنة(2) . كما أحصيت أكثر من ستة آلاف (6000) رواية في المهدي من طرق الشيعة والسنة(3) . ولا نستطيع أن نجد مسألة إسلامية أخرى وردت فيها هذه الكثرة من الأحاديث، حتى المسائل الإسلامية البديهية التي لايشك فيها مسلم عادة. ثمة فتوى صدرت عن إدارة المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بشأن «المهدي» هي خير معبر عن الموقف العام لعلماء أهل السنة بشأن النصوص الواردة في هذه المسألة. حرّر الفتوى الشيخ محمد المنتصر الكتاني وأقرته اللجنة المكونة من الشيخ صالح بن عثيمين والشيخ أحمد محمد جمال والشيخ أحمد علي والشيخ عبدالله خياط. وجاء في هذه الفتوى الصادرة عام 1976م في تعريف المهدي: «هو: محمد بن عبدالله الحسني العلوي الفاطمي المهدي الموعود المنتظر، موعد خروجه في آخر الزمان وهو من علامات الساعة الكبرى، يخرج من المغرب ويبايع له في الحجاز في مكة المكرمة بين الركن والمقام – بين باب الكعبة المشرفة والحجر الأسود عند الملتزم. ويظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر وظلم الناس ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، يحكم العالم كله وتخضع له الرقاب بالإقناع تارة وبالحرب أخرى. وسيملك الأرض سبع سنين، وينزل عيسى عليه السلام من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده علىقتله بباب لدّ بأرض فلسطين. وهو آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح. وأحاديث المهدي واردة عن الكثير من الصحابة يرفعونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم: عثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب، وطلحة بن عبدالله، وعبدالرحمن بن عوف، وعبدالله بن عباس، وعمار بن ياسر، وعبدالله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري. وثوبان، وقرة بن اياس المزني، وعبدالله بن الحارث بن جزء، وأبو هريرة، وحذيفة بن اليمان، وجابربن عبدالله، وأبو أمامة، وجابر بن ماجد الصدفي، وعبدالله بن عمر، وأنس ابن مالك، وعمران بن حصين، وأم سلمة. هؤلاء عشرون منهم ممن وقفت عليهم وغيرهم كثير وهناك آثار عن الصحابة مصرحة بالمهدي من أقوالهم كثيرة جداً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد فيها. أحاديث هؤلاء الصحابة التي رفعوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والتي قالوها من أقوالهم اعتماداً على ماقاله رسول الله صلوات الله وسلامه عليه رواها الكثير من دواوين الاسلام وامهات الحديث النبوي من السنن والمعاجم والمسانيد. منها: سنن ابي داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن عمرو الداني ومسانيد أحمد، وابن يعلي والبزار، وصحيح الحاكم، ومعاجم الطبراني، الكبير والوسيط، والروياني، والدار قطني في الافراد، وأبو نعيم في أخبار المهدي، والخطيب في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق وغيرها. وقد خص المهدي بالتأليف: أبو نعيم في أخبار المهدي وابن حجر الهيثمي في القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، والشوكاني في التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح، وادريس العراقي المغربي في تأليفه المهدي، وأبو العباس بن المؤمن المغربي في كتابه: الزعم المكنون في الرد على ابن خلدون. وآخر من قرأت له عن المهدي بحثاً مستفيضاً مدير الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في مجلة الجامعة في أكثر من عدد. وقد نص على أن أحاديث المهدي أنها متواترة جمع من الأعلام قديماً وحديثاً. منهم: السخاوي في فتح المغيث، ومحمدبن أحمد السفاويني في شرح العقيدة، وأبو الحسن الآبري في مناقب الشافعي، وابن تيمية في فتاواه، والسيوطي في الحاوي، وادريس العراقي المغربي في تأليف له عن المهدي، والشوكاني في التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح، ومحمد بن جعفر الكتاني في نظم المتناثر في الحديث المتواتر، وأبو العباس ابن المؤمن المغربي في الوهم المكنون من كلام ابن خلدون رحمهم الله وحاول ابن خلدون في مقدمته أن يطعن في أحاديث المهدي محتجاً بحديث موضوع لا أصل له عند ابن ماجه: لا مهدي إلا عيسى. ولكن رد عليه الأئمة والعلماء وأنه ليس من علماء الشريعة وأنه قال باطلا من القول وزوراً. وخصه بالرد شيخنا ابن المؤمن بكتاب مطبوع متداول في الشرق والمغرب منذ أكثر من ثلاثين سنة. ونص الحفاظ والمحدثون على أن أحاديث المهدي فيها الصحيح والحسن ومجموعها متواتر مقطوع بتواتره وصحته. وأن الاعتقاد بخروج المهدي واجب وانه من عقائد أهل السنة والجماعة ولا ينكره إلا جاهل بالسنة ومبتدع في العقيدة…». أما النصوص الواردة بطرق مدرسة آل البيت فتنظر إلى المسألة ضمن دائرة أوسع وتذهب إلى: أن (المهدي) هو الامام الثاني عشر من أئمة آل البيت، وهو ابن الامام الحسن العسكري، وهو غائب، وسيظهر في آخر الزمان ليملأ الارض قسطاً وعدلا كما مُلئت ظلماً وجورا. وجدير بالذكر أن فكرة الأئمة أو الخلفاء الأمراء الاثني عشر، لم تقتصر على مدرسة آل البيت، بل وردت فيها نصوص بعبارات مختلفة بطرق مختلفة. 2- دراسة مسألة (المهدي) من وجهة النظر العقلية: ذكرنا أن فكرة المهدي أقدم من الاسلام وأوسع من إطار الشرائع السماوية، لكن تفاصيل هذه الفكرة في الإسلام وخاصة في مدرسة أهل البيت «جاءت أكثر إشباعاً لكل الطموحات التي انشدّت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغنى عطاء وأقوى إثارة لاحاسيس المظلومين والمعذبين على مر التاريخ، وذلك لأن الاسلام حوّل الفكرة من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، ومن التطلع إلى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد، المجهول إلى الإيمان بوجود المنقذ فعلا، وبتطلعه مع المتطلعين إلى اليوم الموعود، واكتمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم»(4) . وهذه القضية تطرح أسئلة متعددة عن العمر الطويل للمهدي، وعن سبب الغيبة، وسبب الانتظار، وعن الدليل العقلي (غير الروائي) لوجود المهدي، وعن كيفية التحول الذي يسفر عنه اليوم الموعود. هذه المسائل عالجها العلماء بأدلة عقلية وعلمية وبرهنوا عليها سالكين طرق الاستدلال المنطقي والعلمي. وقد يطرح سؤال في هذا الصدد حول سبب طرح المسائل العقلية والعلمية بشأن مسألة ثبتت صحتها في الشريعة بالتواتر. والجواب هو إن الاطمئنان العقلي (القلبي) يعمّق الإيمان، كما أن طريقة معالجة المسائل الدينية الغيبية على صعيد عقلي تصلح أن تخاطب المؤمنين بالغيب بكافة درجاتهم وهكذا غير المؤمنين بالغيب، وهي طريقة يحتاجها الدعاة إلى الله في كافة العصور، وخاصة في العصر الذي تطغى فيه الروح المادية، ويسود فيه الجدب الايماني. حول مسألة (إمكان) طول العمر (التي تقرّها مدرسة آل البيت) وهي أهم مسألة مطروحة على الصعيد العقلي بشأن المهدي الغائب المنتظر يقسم بعض العلماء «الامكان» إلى معانيه الثلاثة: (5) . 1ـ الامكان العملي: أن يكون الشيء ممكناً على نحو يحتاج لفرد أو لأفراد أن يحقّقوه فعلا، كالصعود إلى القمر مثلا. 2- الإمكان العلمي: وهو أن يكون تحقق الشيء غير مرفوض علمياً، ولكنه قد لا يكون ميسوراً حاليا، كالصعود إلى كوكب الزهرة مثلا، فهذا الصعود لا يرفضه العلم غير أن سبله غير ميسورة حالياً، على العكس من الصعود إلى الشمس فإنه غير ممكن عمليا. 3- الإمكان المنطقي والفلسفي: هو أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية – أي سابقة على التجربة – ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته. فانقسام العدد(3) إلى عددين متساويين صحيحين مرفوض منطقياً، لأن هذا الانقسام من خصائص العدد (الزوج) والعدد 3 عدد (فردي) ولا يمكن أن يكون العدد زوجياً وفردياً في آن واحد لأن ذلك تناقض والتناقض مستحيل منطقياً. بينما صعود الإنسان إلى الشمس ممكن منطقياً لأنه لا يستلزم حدوث تناقض، اذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وإنما هو مخالف للتجربة. من هذا يتبين أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العملي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العلمي. لاشك أن امتداد عمر الإنسان الآف السنين يمكن منطقياً، لأنه لا يستوجب حدوث أي تناقض، وليس مستحيلا من وجهة نظر عقلية تجريدية. والاتجاهات العلمية بأجمعها لا ترفض إمكانية إطالة عمر الإنسان سواء فسّرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخلية الحية نفسها يسير بها نحو الفناء، لأنه من الممكن علمياً تأجيل قانون الشيخوخة بخلق ظروف وعوامل معينة. من هنا نفهم أن طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعددة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً ولكنه لايزال غير ممكن عملياً، إلا أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل. وعلى هذا الضوء يمكن فهم مسألة عمر المهدي – عليه الصلاة والسلام – وما أحيط بها من استفهام واستغراب. وبشأن فوائد هذه الغيبة الطويلة ومبرراتها العقلية ذكر انها: 1ـ إعداد القائد المنتظر إعداداً نفسياً مشحوناً بالشعور بالتفوق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أعدّ (المهدي) للقضاء عليها ولتحويلها حضاريا إلى عالم جديد. 2- تعميق الخبرة القيادية في القائد المدّخر لليوم الموعود، عن طريق مواكبة الحضارات المتعاقبة والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها. 3- ضرورة قرب القائد المنتظر من مصادر الإسلام الأولى وبناء شخصيته بناء كاملا بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الطروحات البشرية المنحرفة. وثمة سؤال أخر يطرح حول سبب امتداد الغيبة وسبب عدم الظهور طيلة هذه المدة. والجواب: أن نجاح كل عملية تغيير اجتماعي ترتبط بتوفر شروط وظروف موضوعية. وقد جرت سنة الله تعالى في عمليات التغيير الرباني على التقيد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التي تحقق المناخ المناسب والجو العام لإنجاح عملية التغيير، ومن هنا لم يأت الإسلام إلا بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمر قروناً من الزمن. وعملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح، والا لتمّت شروطها في عصر النبوة بالذات، وانما تتطلب مناخاً عالمياً مناسباً وجواً عاماً مساعداً يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية. والشروط الموضوعية لظهور المهدي – عليه السلام – تتوفر على الصعيد البشري بشعور عام بسلبيات البناء الحضاري القائم وبحاجته إلى العون ملتفتاً بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول. وتتوفر على الصعيد المادي بتطور الوسائل المادية الحديثة إلى درجة توفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية شعوب العالم وتثقيفها على أساس الرسالة الجديدة. هذه هي أهم المسائل المطروحة على المنهج العقلي في دراسة مسألة المهدي، استعرضتها – كما ذكرت – من المقدمة التي كتبها الإمام الشهيد محمد باقر الصدر – قدس سره – على موسوعة تلميذه الشهيد السيد محمد الصدر، وهذه الموسوعة تكفلت بمعالجة المسألة على كافة الاصعدة بشكل واف وعميق(6) . 3- دراسة مسألة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ والدراسة المنشورة في هذا العدد تحت عنوان: «نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ» نموذج لمثل هذه الدراسة. وقبل أن أستعرض منهج الدراسة، لابد أن أشير إلى مسألة دأب على ذكرها علماء الاجتماع الغربيون وتلامذتهم من المسلمين – مع الاسف – عند حديثهم عن مسيرة التاريخ. حين يستعرض هؤلاء التفاسير المختلفة لمسيرة التاريخ أو مسيرة المجتمع البشري يتحدثون عن «التفسير الديني لمسيرة المجتمع» باعتباره واحداً من الاتجاهات التشاؤمية لتفسير المسيرة البشرية(7) . وحجتهم في ذلك قصة آدم، المذكورة في الكتب السماوية. وهذه القصة تذهب – على حدّ قول الغربيين والمتغربين – إلى أن آدم (وهو رمز لبني الإنسان) كان يعيش في الجنّة رغداً آمنا منعماً لكنه ارتكب خطيئة أدّت به إلى أن يطرد من الجنة، ويلاقى هو وأولاده النصب والعناء في هذه الدنيا، ومن هنا فالحياة البشرية، في النظرة الدينية، محكوم عليها بالإرهاق والتعب والنصب، ولاراحة لبني البشر ألا بالعودة إلى الجنة التي أخرج أبوهم منها. هذا اللون من الفهم لقصة آدم قد ينسجم مع تفاسير الكنيسة المسيحية وعرض الاناجيل الموجودة، لهذه القصة، لكنه بعيد كل البعد عن الفهم الإسلامي القرآني لها. لا يمكن في هذه المقدمة استعراض تفاصيل قصة آدم من وجهة النظر القرآنية، ومعطياتها والدروس العظيمة المستخلصة منها، فنكتفي بذكر بعض آيات هذه القصة وجانب من دروسها بقدر ما يتعلق الأمر بمستقبل المسيرة البشرية. قال تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لادَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ أَبَى، فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا ولا تَضْحَى ، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى، فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى، قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى( (طه/ 115-123). الآيات تتحدث أولا عن مكانة آدم في الوجود، وهي مكانة استحق فيها أن تسجد له الملائكة، لأنه خليفة الله كما تذكر آيات أخرى. وقصته في الجنة هي قصة مرور الممثل الأول للإنسانية التي استخلفها الله تعالى على الارض بفترة حضانة استثنائية – على حد تعبير الشهيد محمد باقر الصدر -(8) . لتنمو فيه مؤهلات ممارسة الخلافة على الأرض من ناحية فهم الحياة ومشاكلها المادية، ومن ناحية مسؤولياتها الخلقية والروحية. «وقد استطاعت المعصية التي ارتكبها آدم بتناوله من الشجرة المحرمة أن تحدث هزة روحية كبيرة في نفسه وتفجر في أعماقه الإحساس بالمسؤولية من خلال مشاعر الندم… وبهذا تكامل وعيه في الوقت الذي كانت قد نضجت لديه خبرات الحياة المتنوعة. وتعلّمَ الاسماءَ كلها فحان الوقت لخروجه من الجنّة إلى الارض التي استخلف عليها ليمارس مسيرته نحو الله من خلال دوره في الخلافة». لقد خرج وهو محمّل بتجربة عظيمة أوضحت له ضرورة الالتزام بهدى الله وعدم الانحراف عن الطريق الذي رسمه ربّ العالمين لبنى الإنسان. ومادامت البشرية سائرة على هذا الطريق فإنها لا تضلّ ولا تشقى، لكنها إن انحرفت، تُمنى بمعيشة ضكنى. ليست الإنسانية محكومة بالضلال والشقاء إذن، بل إن الله هدى البشرية فطريا وزوّدها بتجربة ذاتية نحو السعادة الحقيقية. ومتى ما انحرفت المسيرة هيأ الله من يوجّه البشرية نحو سعادتها الحقيقية ويكون (شاهداً) عليها. وبشأن مستقبل المسيرة البشرية يطرح علماء الاجتماع الغربيون والمتغرّبون الماركسية باعتبارها مدرسة تفاؤلية فسّرت المسيرة ومستقبلها تفسيراً يبعث على الامل في المستقبل ويبشّر بمجتمع تزول فيه كل ألوان الظلم والاستغلال. مطهّري يطلق على التفسير المذكور للتاريخ إسم «التفسير الآلي» لأنه يتّخذ من تطور وسائل الانتاج أساسا لتفسير كل ظواهر التاريخ والمجتمع. ثم يطرح مقابل ذلك «التفسير الإنساني» لمسيرة التاريخ، ويبيّن خصائص كل واحد من هذين التفسيرين، ونقاط التقائهما وافتراقهما. ثم يوضح أنّ التفسير الإسلامي لمسيرة التاريخ هو «تفسير إنساني» وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ مطهري لا يعالج في هذه الدراسة مسألة فلسفة التاريخ إلاّ بقدر ما يتعلق بمسألة انتظار (المهدي) – عليه السلام – مؤكداً أن هذا الانتظار للمستقبل المشرق، الذي وعد الله تعالى به البشرية إذ قال: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ( (القصص:5).. (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ( (الانبياء:105). رافضاً بذلك النظرة التقاعسية الاتكالية للانتظار، التي تقف موقف المتفرج من استفحال الانحراف والفساد والطاغوت علىظهر الارض، انتظاراً لحدوث معجزة التغيير(9) . ويؤكد الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري أن ظهور المهدي أو ظهور الدولة الإسلامية العالمية يسبقه سلسلة من الانتفاضات والنهضات التي تمهد لظهور ذلك المجتمع الإنساني العالمي، وتدعم جبهة انصار الحق في صراعها مع جبهة الباطل. ويخلص الأستاذ الشهيد من بحثه إلى أن «المهدي المنتظر تجسيد لاهداف الانبياء والصالحين والمجاهدين على طريق الحق». هوامش المترجم: 1 - انظر دور الإيمان بالمهدي المنتظر في المرحلتين المذكورتين في هذا الملف تحت عنوان «الإمداد الغيبي في حياة البشرية». 2 - المهدي، سيد صدر الدين الصدر. 3 - منتخب الأثر. لطف الله الصافي. 4 - الإمام الشهيد الصدر، بحث حول المهدي، ص 9. 5 - الامام الشهيد الصدر، بحث حول المهدي، وقد اعتمدنا في استعراض المنهج العقلي في دراسة مسألة المهدي على هذا الكتاب، فهو جامع على إيجازه وصغر حجمه، وعلى الرغم من كونه (مقدمة فقط) على موسوعة تلميذه السيد محمد الصدر، في الإمام المهدي. 6 - راجع تاريخ الغيبة الصغرى، تاريخ الغيبة الكبرى، تاريخ مابعد الظهور، اليوم الموعود. 7 - راجع «مسيرة المجتمع» عبدالجليل الطاهر. 8 - خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، فصل مسار الخلافة الربانية على الارض. 9 - قدم الشهيد مطهري دراسة عن مسائل التاريخ والمجتمع في كتابه«المجتمع والتاريخ» منشور في مؤسسة البعثة، طهران.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• الإمامة
(بازدید: 1736)
(نویسنده: الشيخ مجيد العصفور)
• الامداد الغيبي في حياة البشرية
(بازدید: 1445)
(نویسنده: مرتضى مطهري)
• البرهان والعرفان
(بازدید: 1334)
(نویسنده: الدكتور علي أبو الخير)
• المنطلقات الفكرية للتعددية السياسية
(بازدید: 1877)
(نویسنده: الدكتور حسان عبدالله حسان)
• المنظومة الفكرية للشهرستاني وموقع ابن سينا منها
(بازدید: 2123)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تأملات في دعاء شهر رجب
(بازدید: 3400)
(نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• قصة الناي في فكر الكواكبي
(بازدید: 1794)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ما الذي يعنينا في هذا الاستشراق؟
(بازدید: 1289)
(نویسنده: عبدالنبي اصطيف)
• مقاصد الشريعة في المجتمع الإسلامي
(بازدید: 2789)
(نویسنده: الدكتور عمار الطالبي)
• نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ
(بازدید: 1222)
(نویسنده: مرتضى مطهري)
• الاسلام وايران / الاتجاه الحضاري
(بازدید: 2176)
(نویسنده: الدکتور محسن الويري)
• التجديد والزمن - رؤية الشهيد الصدر لمؤثرات التجديد
(بازدید: 1254)
(نویسنده: السيد حسين الشامي)
• التحديات التي تواجه الإسلام / في العصر الحديث
(بازدید: 6892)
(نویسنده: الدكتور محمود حمدى زقزوق)
• الحداثة والتجديد / في فكر الإمام الخميني العرفاني
(بازدید: 1723)
(نویسنده: الدكتورة فاطمة الطباطبائي)
• الشهيد مطهري وإحياء الفكر الاسلامي
(بازدید: 2456)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العلاقات الدولية / واحترام العهود والمواثيق في الإسلام
(بازدید: 2924)
(نویسنده: الدكتور وهبة الزحيلي)
• الغلو والتطرّف والإرهاب / وموقف الإسلام منها
(بازدید: 1333)
(نویسنده: الدكتور مراد ويلفريد هوفمان)
• الغلوُّ والتَّطرف والإرهاب / وموقف الإسلام منها
(بازدید: 1617)
(نویسنده: الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي)
• دور الامام الصدر في التطوير الفقهي / وتحديد المشكلة الاقتصادية
(بازدید: 1078)
(نویسنده: الدكتور عبد الهادي الفضلي)
• سنن التاريخ عندالشهيد الصدر
(بازدید: 1570)
(نویسنده: عبدالإله المسلم)
|