banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

الغلوُّ والتَّطرف والإرهاب / وموقف الإسلام منها
ثقافتنا - العدد 8
فكر إسلامي
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
1426

«ملخّص»
حالة الغلو والتطرف يجب أن تناقش بشفافية مع أولئك الذين يؤمنون بمشروعية التكفير والاستباحة. والتكفير يعود إلى أسلوب في التفكير يقوم على أساس البحث عن أدنى احتمال يمكن أن يؤدى إلى الحكم بتكفير المسلم، والحكم أيضاً بتكفير من قدّم معونة لمن سبق عليه الحكم بالكفر مزاجياً، وتجويز القتل على أثر هذا الحكم، وهو ما يتعارض مع العقل والكتاب والسنة، ويستلزم تكفير أئمة السلف. وموقف الغلاة من غير المسلمين يتجاهل ويرفض ما اتفق عليه الأئمة من «ديار الأمان»، ويرون أن الدنيا كلها دار حرب. وهذا أيضا ما يتعارض مع نص القرآن والسيرة النبوية.
مقدمتان:
1ـ من اليسير تحديد معنى كل من التطرف والغلو، لغةً واصطلاحاً. ولكن ليس من اليسير تحديد المعنى المراد بالإرهاب اصطلاحاً. ولا أعلم لهذه الكلمة إلى اليوم إلا معناها اللغوي.
وعلى الرغم مما هو معروف من أنّ معنىً اصطلاحياً قد جدّ لها في هذا العصر، بل في السنوات الأخيرة فإني لم أتمكن من الكشف عنه والمراد به. كل ما أعرفه من ذيول هذه الكلمة أنّ هوليود كانت ولا تزال تنتج أفلاماً يسمونها «أفلام الرعب» وكلمة الرعب، ككلمة: ذعر.. فظاعة.. هول، ترجمة دقيقة لـ Terrorism باللغة الإنجليزية.
وإذا لم يكن في وسعي أن أعرف المعنى الاصطلاحي الذي يروج اليوم لكلمة الإرهاب، فليس بوسعي إذن أن أحدّد موقف الإسلام منه. وأعتقد أنّ هذا الذي أقوله عن نفسي يصدق على غيري أيضاً. اللهم إلا أولئك الذين ألبسوا هذه الكلمة ثوب المعنى الذي أرادوه، ثمّ روجوا لها مخوفين ومنذرين في عالمنا العربي والإسلامي،
فلا ريب أنهم على علم فيما بينهم بالمعنى الذي أرادوه، ثمّ روجوا لها مخوفين ومنذرين في عالمنا العربي والإسلامي، فلا ريب أنهم على علم فيما بينهم بالمعنى الذي توافقوا واصطلحوا عليه.
ولكن يغنينا عن التعامل مع هذا المصطلح الغامض الذي يساق كثير منّا للتعامل معه على غير علم به، أن نتعامل مع مصطلحي الغلو والتطرف المعروفين والمحددين في فقهنا الإسلامي فإنّ الحديث عن الإرهاب بعد ذلك لن يكون له أي دور في إتمام نقص لهذا الموضوع، ولا في إزاحة غموض عنه.
2- كثيرة هي الملتقيات التي عقدت في رحاب عالمنا العربي والإسلامي لمناقشة الغلو والتطرف. ولكن جميع الذين كانوا يتلاقون فيها، من طرف واحد. منكرون للغلو، موقنون بخطورته على الدين والمجتمع. أمّا الطرف الآخر المؤمن به والممارس له، فليس فيها ممن يمثله أحد!!
ترى ما هي جدوى هذه الملتقيات التي لا يتفرّق الموجودن فيها إلاّ عن تأكيد لما هم متفقون عليه، حتى لكأنهم شخص واحد يسمع نفسه ما قد حفظه، ويكرّر على ذهنه ما هو موقن به؟!.
إنّ جدوى مثل هذه الندوات محصورة في مجادلة الذين يمارسون الغلو في معتقداتهم وفي العلاقات السلوكية بمجتمعاتهم. ومعلوم أنّ ذلك لا يتم إلاّ بوجودهم طرفاً ثانياً في هذه اللقاءات والندوات. بل المأمول أن تكون مشحونة عندئذ بالفائدة، إن هيمن فيها النقاش الموضوعي الحرّ.
الغلوّ والتطرّف:
إذن فالموضوع الذي بوسعنا أن نعالجه ونتحرك فيه، هو هذا الذي نملك السبيل إليه ونتبين للعلم والمنطق موقفاً منه وحديثاً عنه: الغلو والتطرف.
الغلو: يقال غلا في الأمر غلواً، أي جاوز حدّه. هذا هو المعنى اللغوي العام للكلمة. أمّا المعنى المصطلح عليه في الشريعة الإسلامية، فهو تجاوز الحدّ المشروع في المعتقد
أو السلوك. ومن ذلك قول الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاّ الْحَقَّ  (النساء:171).
وأمّا التطرّف: فمن الطرف، وهو الناحية من الشيء. يقال: تطرّف، إذا انتحى ناحية من الشيء، أي ابتعد عن لبّه ووسطه. أمّا المعنى المصطلح عليه لهذه الكلمة، فهو الابتعاد عن الوسط الذي هو العدل المقرّر ميزانه في كتاب الله وسنة رسوله، والانحياز إلى أحد طرفيه المتجه إلى تكلّف الشدّة، أو المتجه إلى قصد التساهل والتملّص من المسؤولية.
فبين الكلمتين اتفاق في «المصداق» وإن كان بينهما اختلاف في المفهوم الذهني. ومما لا ريب فيه أن كتاب الله تعالى قد نهى عن الغلو في أكثر من مناسبة.. ونظراً إلى أنّ مصداق الكلمتين واحد كما قلت، إذن فقد كان النهي عن الغلو مستلزماً للنهي عن التطرف.
غير أنّ هذا الذي لا ريب فيه، لا يجدي بيانه وتأكيده شيئاً، ما دام الحكم على الألفاظ وحدها، إذ إنّا سنجد الكل متفقين على نبذ ما يوصف بالغلو والتطرّف، ولكن الخلاف يكمن بعد ذلك فيما ينعت أو لا ينعت بالغلو والتطرّف.
أي فالغلاة في الدين لا ينعتون أفكارهم وسلوكاتهم أياً كانت، بالغلو أوالتطرف.
بل يرون أنها العدل المتفق مع القرآن والسنّة.
لذا لابدّ من استعراض المسائل التي نرى – بشواهد من القرآن والسنة – أنهم يبتعدون بها عن المنهج العدل ويركبون فيها متن الغلو، منحازين إلى طرف من الشدّة أو طرف من التساهل وقصد التملص من المسؤولية، مع بيان شرود الحالين عن الانضباط بمصادر الشريعة الإسلامية.
مظاهر الغلو والتطرّف:
مهما تكاثرت أو تنوّعت مظاهر الغلو والتطرّف ، فهي تظل محصورة في أمرين اثنين:
ـ التكفير وأسبابه.
ـ أصول التعامل مع غير المسلمين.
أمّا التكفير، فتتجلى حقيقة الغلو فيه، في أنّ الشارع بمقدار ما ضيّق السبيل إلى الحكم به، خالف المغالون، فوسعوا السبيل إلى الحكم به. إنّ المتفق عليه عند أهل السنة والجماعة، جماهير علماء العقيدة الإسلامية، أنه لا يجوز الحكم على المسلم بالردّة إلى الكفر، مهما تكاثرت مؤيدات الحكم عليه بذلك، مادام احتمال واحد لبقائه على الإسلام موجوداً.
ولكن الغالين يعكسون الحكم، فيذهبون إلى أنه لا يجوز الحكم على المسلم بالإسلام، مهما تكاثرت مؤيدات الحكم بإسلامه، مادام احتمال واحد لتحوله إلى الكفر موجوداً!..
وبناءً على ذلك، فإنّ كل من حكم بغير شرع الله عزوجل في داره التي هو القيم علىأهله فيها، أو في مجتمعه الذي هو الحاكم والمتنفذ فيه، أو في مؤسسته التي هو المدير لها والمتنفذ فيها، فهو كافر مرتدّ يستأهل القتل في مذهب هؤلاء المتطرفين. ولا جدوى من احتمال أنهم إنما حكموا بغير شرع الله تساهلاً منهم أو كسلاً أو بسبب ركونهم إلى شهوة متغلبة أو مصلحة دنيوية قاهرة، مع يقينهم بأنهم آثمون في جنوحهم عن الحكم بما أنزل الله.
ومظهر الغلو في هذا يتجلّى في تجاهل الفرق بين المعصية السلوكية التي لا تجرّ إلى أكثر من الفسق، والمعصية الاعتقادية التي تزج صاحبها في الكفر، كما يتجلى في التوجّه بالحكم الجماعي على كل المتلبسين بهذه المعصية، دون تفصيل ولا تفريق ودون أي تقدير للحالات الخاصة والأوضاع الفردية، كما يتجلّى في مخالفة جريئة صريحة لهدي المصطفى(ص) وتحذيره من التورط في هذا الغلو، وذلك في الحديث الذي رواه مسلم من حيدث حذيفة بن اليمان أنه(ص) قال:
«يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدايتي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك». وفي رواية بزيادة: «إلا أن تروا كفراً بواحاً لكم عليه من الله سلطان».
فقد دل نصّ هذا الحديث على أنّ مجرد شرود الحاكم عن هدي القرآن والسنّة
لا يعدّ كفراً، ومن ثمّ لا يستوجب الخروج عليه، وإنما يشرع الخروج عليه بالكفر البوّاح أي الصريح الذي لا يحتمل أي تأويل، والذي يملك الخارجون عليه حجّة مقبولة عند الله يوم القيامة.
ثم إنّ هذا الغلو في التكفير، يسري إلى غلو آخر شر منه، وهو الحكم بالكفر ومن ثمّ بالقتل على كل من تورط فقدّم نوعاً من المعونة لمن سبق الحكم عليه مزاجياً بالكفر!
إنّ هذا الصنف من الناس يحكم عليهم حكماً شمولياً عاماً بالكفر، بحجة أنهم أعوان الظلمة ومن ثم يهدر دمهم ويلاحقون بالقتل بمختلف الوسائل وفي كل الأحوال.
فما هو الدليل على مشروعية هذا الحكم من القرآن أو السنة، أو من أي من المصادر الفرعية الأخرى للشريعة الإسلامية؟.. بحثنا، ونقبنا، فلم نجد إلاّ ما يناقض هذا الحكم ويفنّده. وحسبنا من ذلك موقف رسول الله من حاطب ابن أبي بلتعة الذي ذهب في تقديم العون إلى الحربيين من مشركي مكة، إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه مدّ يد العون للظلمة المشركين.. فقد عفا عنه(ص) ولم يكفره ولم يقتله. بل إن قرآناً نزل بشأنه معاتباً له ولأمثاله دون أن ينزع عنه سمة الإيمان، بل ثبتها له ونعته بها. ألم ينزل في حقه قول الله عزوجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّة (الممتحنة:1)؟.
فإذا لم يكن هذا الذي أقدم عليه حاطب ابن أبي بلتعة، من إبلاغه المشركين في مكة ما قد عزم عليه رسول الله من حربهم، كي يأخذوا لأنفسهم العدة ويتهيؤوا للنزال، موجباً لتصنيفه مع الكافرين، فكيف وبأي وجه يصح أن يصنف من يسمون اليوم بالشرطة أو الدرك أو الجنود والموظفين داخل دولة إسلامية، مع المرتدين، ثم يفتى بقتلهم واغتيالهم، وهم يعلنون في كل يوم وفي كل مناسبة إسلامهم؟!.. وإذا لم يجز الخروج بأي أذى على قادتهم، لما سبق أن أوضحت، فكيف يجوز التصدي بالقتل لأعوانهم؟!
لا يصح أن يقال: ربما كان الشافع لحاطب ابن أبي بلتعة أنه شهد بدراً، إذ إنه(ص) أشار إلى ذلك، لأن شفاعة العمل الصالح للمتورط في المعصية ليست محصورة في عمل بعينه كشهود غزوة بدر. بل ما أكثر الأعمال الصالحة التي تشفع لأصحابها يوم القيامة. وصدق الله القائل:  إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (هود:114).
ومما يدخل في باب التكفير العشوائي الجماعي الذي يجنح إليه الغالون والمتطرفون، تكفيرهم لكل من خالف قناعاتهم الاجتهادية في مسائل العقيدة، لاسيما تأويل آيات الصفات. وقد دعاهم ذلك إلى تبديع بل تكفير جمهور المسلمين السائرين على منهج الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (260- 333هـ) ومنهج الإمام أبي منصور الماتريدي (000-268هـ) ، اللذين قيّض الله منهما نصيراً للقرآن والسنّة، ومنهياً لفرق الفتن الضالة ولغوهم وابتداعاتهم، وذلك بإجماع أئمة التفسير والحديث والفقه في ذلك العصر. ومن والمعلوم أنهم جميعاً استنصروا بمواقف الإمام الأشعري وانتصروا لها، بعد العزلة التامة التي كانوا قد ألزموا أنفسهم بها، تجنباً لصراعات تلك الفرق وخصوماتها. ومن ثمّ أطلقوا عليه لقب: نصير السنة والجماعة. وقد علم كل من كانت له دراية بتاريخ التشريع الإسلامي والفرق، أن كلاً من الإمام الأشعري والإمام الماتريدي لم يختلق فرقة، ولم يبتدع في العقيدة مذهباً، وإنما قضى كل منهما علىفقاقيع الفرق، ووقف كالطود في وجه البدع والمبتدعين، وعبّد النهج الذي ترك عليه رسول الله(ص) أصحابه.
فأهل السنّة والجماعة الذين كان للإمام الأشعري والماتريدي فضل حمايتهم من لغو الفرق، وكان لهما قصب السبق في إنهاء فتنتها والقضاء عليها، يحكم هؤلاء المتطرفون عليهم بالابتداع بل بالكفر حكماً جماعياً دون الاعتماد على أي شاهد أو مبرر، إلاّ أنهم اجتهدوا كما اجتهد كثير من السلف فأولوا طائفة من آيات الصفات وأحاديثها التي يوهم ظاهرها التجسيد والتشبيه والتكييف، ومعلوم أنّ ذلك كله محال على الله
عزّ وجلّ.
وتتجلى عشوائية هذا الحكم وعدم استناده إلى أثارة من علم، في أنه يستلزم تكفير كثير من أئمة السلف المشهود لهم بالعلم والاستقامة على الحق. إذ إنهم أولوا كثيراً من آيات الصفات وأحاديثها. ومنهم الإمام أحمد رضي الله عنه. وقد أطال الخطابي في بيان هذا في شرحه لسنن أبي داود، عند شرحه لحديث: «ضحك ربكما الليلة من فعالكما».
وقد بات من المعلوم أنه ما من بلدة أو قرية داخل عالمنا الإسلامي وخارجه،
إلا وتعاني من آثار هذا التكفير العشوائي والجماعي الذي لا مستند ولا معنى له، وهو واحد من مظاهر الغلو والتطرف في دين الله عزوجل.
وأمّا طريقة التعامل مع غير المسلمين، فمن المعلوم لكل من يتمتع بزاد من الدراية الفقهية، أن الديار العامرة في الدنيا تنقسم إلى دار إسلام ودار كفر. وتنقسم دار الكفر إلى دار عهد وأمان ودار حرب.
أمّا دار الإسلام فهي البلدة أو الأرض التي دخلت في منعة المسلمين وسيادتهم، بحيث يتأتى لهم إظهار إسلامهم فيها والامتناع عن أعدائهم، سواء تم ذلك بفتح وقتال، أو بسلم ومصالحة( ).
غير أنّ في «الإسلاميين» من يصرون على تجاهل ما اتفق عليه الأئمة في تحديد معنى دار الإسلام، وعلى أن يضعوا للكلمة معنى آخر يتفق مع غلوهم وتطرفهم، وهو ما يصرون عليه من أن دار الإسلام هي التي يكون فيها المجتمع مطبقاً لجميع الأحكام الشرعية من معاملات وحدود وغيرها. فإن لم تطبق فيها هذه الأحكام، كما هي الحال في معظم البلاد الإسلامية، فإنها تعود بذلك دار حرب. وهذا يعني – فيمايذهبون إليه – أن على المسلمين أن يحاربوا القائمين على الأمور فيها، أو أن يهاجروا منها!!.
وأما دار الكفر فإن قام بينها وبين المسلمين موجب من موجبات القتال، وأعلن ولي أمر المسلمين ذلك فهي عندئذ دار الحرب، وإن لم يقم بينها وبين المسلمين موجب من موجباتها، فهي عندئذ دار أمان. ومعلوم أنّ كل الدول التي يقوم بينها وبين ديار المسلمين تمثيل دبلوماسي ، داخلة تحت هذا الاسم.
غير أنّ بعض «الإسلاميين» يصرّون على أنّ دار الكفر لابد أن تكون دار حرب دائماً، ولا مبرر فيها لعهد أو أمان يلتزمه المسلمون ما دام أهلها كافرين. فلمن استطاع من المسلمين، أن ينهب أموالهم وأن يسطو على ممتلكاتهم ويسبي ذراريهم!.
والعجيب أن في المسلمين الذين يعيشون في ديار الغرب آمنين مطمئنين، ويلقون فيها تمام الرعاية، ويتمتعون بأتم مظاهر الحفاوة، من لا يكفون بين الحين والآخر عن وصف الناس الذين يعيشون بين ظهرانيهم منعمين مكرمين، بالحربيين، ويفتون بجواز نهب ما تطول إليه أيديهم من أموالهم وممتلكاتهم.
وهكذا تصبح الدنيا كلها دار حرب في نظر هؤلاء المتطرفين الغالبين… فالمسلمون فيها حربيون لأنهم غير مطبقين لأحكام الشريعة الإسلامية، وغير المسلمين حربيون، لأنهم كفار!.
ومنشأ الغلو في هذا الحكم الخطير أمران اثنان:
أولهما: أنّ المعاصي بنظرهم هي الكفر ذاته. والمعاصي التي يتلبس بها المسلمون أنهم لا يحكمون بشريعة الله. وقد عرفنا أن العصيان أعم من الكفر، وقد سبق تفصيل القول في ذلك.
ثانيهما: أن الكفر وحده سبب لوجوب قتال الكافرين بنظرهم. فالكافر محارب أينما وجد وعلى أي حال كان!. وهذا القرار الأرعن الذي يصدرون عنه، يتعارض معارضة حادة مع قول الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الممتحنة:8 - 9) ( ).
كما يتعارض معاضة حادة مع قول الله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة:190). ومع الآيات الكثيرة التي يعلم الله فيها رسول أنه إنما بعث مبلغاً وداعياً ولم يبعث مكرهاً ومجبراً، من مثل قوله تعالى:  إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاغُ  (الشورى:48)، نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ (قّ:45)،  فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران:20)،
 فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (التغابن:12)، فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ  (الشورى:48).
ومن الملاحظ أن في هذه الآيات ما هو مدني النزول، وأن فيها ما هو من نوع الإخبار لا الإنشاء . أي إن الله يخبر فيها رسوله أنّ مهمته التي بعث بها هي إبلاغ الناس ما يترتب عليهم من مسؤولية الإيمان بالله والالتزام بأوامره… ومما هو معلوم أنّ الإجماع منعقد على أنّ الأخبار الواردة في كتاب الله تعالى غير قابلة للنسخ. وإنما الذي يمكن أن يتعرض للنسخ الخطاب الإنشائي المتضمن حكماً من الأحكام التكليفية. فالقول بأنّ سائر هذه الآيات منسوخة بما يسمونه آية السيف، مخالف لما هو متفق عليه من القواعد الأصولية، ومناقض للمعنى الذي يحمّلونه آية السيف. وهي بمعزل عنه. ومن المعمول به في قواعد تفسير النصوص أنه لا يجوز تفسير الآية من القرآن إلا على ضوء ما يتضمنه سياقها وسباقها.
إن آية السيف التي يعنونها هي قول الله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة:5). والآيات السبع التي تليها، كلها تبين أن علّة الأمر بقتل المشركين إنما هي الحرابة التي أعلنوها على المسلمين وبدؤوهم بها. وآخر هذه الآيات قوله عزوجل: أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (التوبة:13).
ثم إنّ القاعدة الأصولية المتفق عليها تقضي بتفسير العام على ضوء الخاص
لا العكس. فإذا جاء الأمر عاماً في قوله تعالى: … وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (البقرة:191)، فإنه يخصّص بقوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة:190) فإن عكست فأنت مضطر إذن إلى أن تنسخ الآية الثانية بالأولى، وهو ما لا يتفق مع قواعد الشريعة ومن أهمها عدم اللجوء إلى القول بالنسخ إلا عند الضرورة.
ومن مظاهر الغلو في طريقة التعامل مع غير المسلمين ما يتوكأ عليه الغالون، في تبرير غلوهم، من أحاديث صحت عن رسول الله(ص)، من ذلك قوله فيما رواه مسلم في صحيحه «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام. فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه» فيذهبون اعتماداً على هذا الحديث وأمثاله، في ازدرائهم والإساءة إليهم كل مذهب. فأين هومكان الغلو الذي يجنح إليه هؤلاء الناس، من تصرفهم هذا؟
مكان الغلو أنهم لم يحققوا في الأسباب التي دعت رسول الله(ص) إلى أن يوصي أصحابه بهذا الذي أوصاهم به، ولم يتساءلوا عن مضمون هذا الحديث أهو داخل في أحكام التبليغ عن الله أم هو داخل في أحكام الإمامة والسياسة الشرعية، ولعلهم
لا يعلمون الفرق بينهما. وكم من أخطاء فادحة وقع فيها أولو النظر السطحي في دلائل النصوص وأحكامها من جرّاء عدم التفريق بين ما خاطب به رسول الله الناس بوصف كونه نبياً يبلغ عن الله، وما خاطب به الناس بوصف كونه ولي أمر المسلمين وإمامهم.
إنّ دراسة الظروف والأسباب التي دعت إلى أن يوصي رسول الله أصحابه بهذا الذي أوصاهم به، تكشف عن أنه (ص) إنما أوصى بذلك بوصفه إماماً للمسلمين يرعى فيهم مقتضى الحكمة والسياسة الشرعية، من أبرز ما يدل على ذلك حال اليهود في المدينة وسوء معاملتهم للمسلمين ومنابزتهم بالألقاب والألفاظ الجارحة. روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله(ص) قال: «إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم. فقولوا: وعليكم» والسامّ هو الموت.
ففي هذا الظرف وتماشياً مع مقتضى ذلك الواقع قال عليه الصلاة والسلام:
«لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه».
ومن أبرز ما يؤكد ذلك أن رسول الله(ص) استقبل وفد نصارى نجران، في المدينة فأكرمهم وأحسن وفادتهم وأنزلهم ضيوفاً في مسجده، وأذن لهم أن يصلوا فيه.
ولا يعقل، بل لا يتصور أن يخلط النبي(ص) بهذا الإكرام المتميز لهم، هذا اللون من الازدراء، فلا يبدأهم بتحية أو سلام، ويضطرهم عند المشي إلى أضيق الطرق!
ومما يؤكد ذلك أيضاً أن هذا الذي أمر به رسول الله أصحابه، لو كان حكماً تبليغياً من الله في معاملة المسلمين لأهل الكتاب، لكان المشركون أولى بهذا الحكم منهم، إذ المشركون أوغل في الضلال من أهل الكتاب. ومع ذلك فلم ينقل أحد أن رسول الله(ص) عامل المشركين في مكة بعد الفتح، عندما كان بين ظهرانيهم، بهذا الازدراء، ولم ينقل أحد أن رسول الله أمر أصحابه بأن لا يبدؤوهم بالسلام وأن يضطروهم إلى أضيق الحدود.
ومما يزيد الأمر تأكيداً أن أهل الكتاب في عهود الخلافة الراشدة وفي مصر والشام، لم يعاملوا بهذه الطريقة، بل كان الخلفاء والولاة على الأمصار ينصفونهم في المعاملة ويرعون سائر حقوقهم الإنسانية.
ومما لاشك فيه أنّ الخلفاء والولاة لم يقصدوا بذلك مخالفة رسول الله(ص) فيما أمرهم به، حاشاهم أن قصدوا إلى ذلك، ولكنهم عملوا كما قرر جمهرة الفقهاء أن النبي(ص) إنما أمر بذلك بوصفه إماماً للمسلمين، واستلهم وصيته تلك من وحي الحالة التي كانت في المدينة المنورة متمثلة في إساءات اليهود المتنوعة والكثيرة للمسلمين. ومثل هذه الأحكام يخضعها ولي أمر المسلمين لما تقتضيه مصالح المسلمين وسير العدالة الاجتماعية، فهي قابلة للتبدل ما بين حين وآخر.
وحصيلة القول إنّ الوجوه التفصيلية في معاملة المسلمين لأهل الكتاب وكل
ما يتعلق بآثار الحرب داخلة في أحكام الإمام والسياسة الشرعية. أمّا أصول المعاملة ومنطلقاتها فقائمة على أساس الإنصاف والعدل( ).
فالغلاة اليوم يتوكؤون على حديث: «لا تبدؤوهم بالسلام…» وعلى قول الله عزوجل:  حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة:29). ثم يذهبون في الإساءة إلى أهل الكتاب باسم الإسلام كل مذهب. ومن المعلوم أنّ هذا الذي سماه البيان الإلهي «صغاراً» إنما هو جزاء رتّبه الله على الحرابة لا على مجرد الكفر
أو الانتساب إلى الكتاب. وإذا انتهت الحرابة فلا صغار. وقد شدّد الإمام النووي النكير على من يسيء إلى أهل الكتاب في أي وجه من أوجه المعاملة، بحجة:  حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ( ).
والإرهاب.. أين موقعه من هذا كله؟
إنّ بوسعي أن أجزم أن مظاهر الغلو والتطرف في فهم الإسلام والتعامل مع الآخرين، لا تتجاوز المسائل التي ذكرتها وفصلت القول فيها.
فإن جاء من يستعمل كلمة الإرهاب لهذه المسائل أو لواحدة منها، فالحكم فيها
ما قد ذكرنا، ولا مشاحة في الاصطلاح. وإن كان يقصد بالكلمة معنى آخر غير الذي ذكرناه، فلن يتمثل هذا «الغير» إلا فيما هومشروع ومطلوب:
ـ لعله يتمثل في إرهاب المعتدين على الحقوق والأوطان. وهو إرهاب مشروع ومقدّس.
ـ أو لعله يتمثل في إرهاب السلطات التنفيذية في الدولة، وهو أداة لابد منها لفرض القانون والحق.
ـ أو لعله يتمثل في إرهاب السلطات القضائية، وهو العمود الفقري لا يستقيم القضاء بدونه.
ـ أو لعله يتمثل في إرهاب النظام التربوي من خلال أشكاله المختلفة، وهو الملح الذي لابد من مزجه في الأعمال التربوية كلها.
ـ أو لعله يتمثل فيما هو خفي ومستور لدى مروجي هذه الكلمة، فأغلب الظن أن المراد بها في أذهانهم ليس أكثر من الحيثية التي تم الحكم سراً بموجبها على الإسلام بالإعدام، وعلى المسلمين بالتعري عن ميراثهم الحضاري.
وإذا تبين هذا القصد، فإنّ المصير الذي لابدّ منه، هو أن نتعامل مع أول معنى من المعاني الأربعة المشروعة للإرهاب. وهو إرهاب المعتدين على الحقوق والأوطان. وهو المعنى الذي رسخه البيان الإلهي في قوله عزوجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ …) (لأنفال:60). إذن هو سلاح قدسي لابدّ من استعماله.
بقي أنّ على أمتنا – وهي على هذه الحال – أن تجتمع على كلمة سواء، منطلقة من جذور الوحدة الإسلامية، مخلصة في العمل الدؤوب على حماية القيم والمبادئ، تتسامى على العصبيات المذهبية، وتتلاقى تحت مظلة العبودية التامة لله عزوجل. تسعى إلى ما هو مطلوب من التجديد، وتكف عما هو مرفوض من التبديل والتطوير، مستعينة في ذلك كله (مع قدر كبير من التضرّع والابتهال) بتوفيق الله وتأييده. وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج:40).
الهوامش:
- انظر تحفة المحتاج: 9/269. والمغني لابن قدامة: 9/247 و248. وحاشية ابن عابدين 3/260. ومغني المحتاج: للشريبيني : 4/239.
- يلاحظ أنّ سورة الممتحنة نزلت في المدينة، إبان فتح مكة. فالقول بأن هذه الآية منسوخة، بعيد كل البعد.
- انظر المغني لابن قدامة: 9/357 و 358. والأمومال لأپي عبيد: ص 43و45و46. والخراج لأبي يوسف: ص 150. والإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام للقرافي: ص 22 .
- انظر روضة الطالبين: 10/ 315 و 316.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• التقريب بين المذاهب و الفرق   (بازدید: 797)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• الإمامة   (بازدید: 1736)   (نویسنده: الشيخ مجيد العصفور)
• الامداد الغيبي في حياة البشرية   (بازدید: 1445)   (نویسنده: مرتضى مطهري)
• البرهان والعرفان   (بازدید: 1334)   (نویسنده: الدكتور علي أبو الخير)
• المنطلقات الفكرية للتعددية السياسية   (بازدید: 1877)   (نویسنده: الدكتور حسان عبدالله حسان)
• المنظومة الفكرية للشهرستاني وموقع ابن سينا منها   (بازدید: 2123)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تأملات في دعاء شهر رجب   (بازدید: 3400)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• قصة الناي في فكر الكواكبي   (بازدید: 1794)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ما الذي يعنينا في هذا الاستشراق؟   (بازدید: 1289)   (نویسنده: عبدالنبي اصطيف)
• مقاصد الشريعة في المجتمع الإسلامي   (بازدید: 2789)   (نویسنده: الدكتور عمار الطالبي)
• مناهج دراسة مسألة «المهدي»   (بازدید: 1296)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ   (بازدید: 1222)   (نویسنده: مرتضى مطهري)
• الاسلام وايران / الاتجاه الحضاري   (بازدید: 2176)   (نویسنده: الدکتور محسن الويري)
• التجديد والزمن - رؤية الشهيد الصدر لمؤثرات التجديد   (بازدید: 1254)   (نویسنده: السيد حسين الشامي)
• التحديات التي تواجه الإسلام / في العصر الحديث   (بازدید: 6892)   (نویسنده: الدكتور محمود حمدى زقزوق)
• الحداثة والتجديد / في فكر الإمام الخميني العرفاني   (بازدید: 1723)   (نویسنده: الدكتورة فاطمة الطباطبائي)
• الشهيد مطهري وإحياء الفكر الاسلامي   (بازدید: 2456)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العلاقات الدولية / واحترام العهود والمواثيق في الإسلام   (بازدید: 2924)   (نویسنده: الدكتور وهبة الزحيلي)
• الغلو والتطرّف والإرهاب / وموقف الإسلام منها   (بازدید: 1333)   (نویسنده: الدكتور مراد ويلفريد هوفمان)
• دور الامام الصدر في التطوير الفقهي / وتحديد المشكلة الاقتصادية   (بازدید: 1078)   (نویسنده: الدكتور عبد الهادي الفضلي)
• سنن التاريخ عندالشهيد الصدر   (بازدید: 1570)   (نویسنده: عبدالإله المسلم)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]