رسالة التقريب - العدد ١٣ الوحدة الإسلامية محمّد علي آذرشب 1417
شهر رمضان يدخل كل الأُمة الإسلامية في مدرسة واحدة ليوحّد في عواطفها ومشاعرها وعباداتها بل وحتى في مظاهر حياتها اليومية. أصقاع العالم الإسلامي على اختلاف مذاهبها وعاداتها وتقاليدها ترتدي في هذا الشهر وشاحا روحيا زاهيا تجد مظاهره المشتركة في البيوت والشوارع والمساجد والمحافل الدينية والعلمية والثقافية. إنها أعظم فرصة لشدّ المسلمين في كل أرجاء العالم برباط روحي وعاطفي وفكري يجعلهم جميعا يستشعرون روح الاخوّة الإسلامية، ومعنى الرابطة الإيمانية، لذة عبوديّة رب العالمين. هذه الفرصة وفرها رب العالمين للأمة الخاتمة، مثل سائر الفرص العبادية العظيمة. أما مقدار استفادة الأُمة من هذه الفرصة فيتوقف على درجة وعيها ويقظتها. لقد مرت أشهر رمضان في قروننا الأخيرة على المسلمين ومرت أمثالها من فرص التوعية والتعبئة، وجراح العالم الإسلامي لا تزال تنزف، ومواقع الأُمة المسلمة على الساحة العالمية في تراجع مستمر… والتمزق يزداد في الاتساع. إذن لم يؤدّ شهر رمضان دوره كما أراده الله… في التعبئة… وفي تعميق الهوية… وفي شد الأُمة المسلمة من المحيط إلى المحيط. والمطلوب إذن من كل المسؤولين وحماة الإسلام ودعاة الصحوة الإسلامية وروّاد التقريب أن يعقدوا العزم على التعاون والتنسيق لتقريب شهر رمضان من الصورة التي رسمتها لنا سيرة رسول الله وأهل بيته وأصحابه في هذا الشهر. [٥] هذا شهر الصوم… ومدرسة الصوم تصعد الإرادة وتخلق التعاطف… والمسلمون أحوج ما يكونون اليوم إلى إرادة تنتشلهم من الهزيمة النفسية ومن الإحساس بالضعف والهزال، وأحوج ما يكونون إلى تعاطف يؤدي إلى تكافل ومواساة بين أبناء الأُمة المسلمة. وهو شهر القرآن… والقرآن منهج حياتنا… ومربي نفوسنا… ورمز عزتنا وهويتنا ووحدتنا… وكم نحن بحاجة إلى منهج قرآني… وتربية قرآنية… وعزّة وهوية ووحدة قائمة على أساس القرآن! وهو شهر انتصارات الإسلام في حقول الجهادين الأكبر والأصغر… وما أحوجنا إلى تسجيل تلك الانتصارات في عصر خطط إذلال المسلمين وسحق كراماتهم. إنه شهر «الله» سبحانه وتعالى… والمسلمون بحاجة إلى عودة حقيقية إلى الله، لينفضوا عنهم غبار الكسل والعادة والتقاعس والهزيمة، ويتّجهوا إلى العزيز الحكيم العليم القوي… فهو السبيل الوحيد لعزتهم وكرامتهم وقوتهم ووحدتهم. ثمة مظاهر مؤسفة تسود بعض بقاع العلم الإسلامي في هذا الشهر تتنافى تماما مع أهداف هذا الشهر الكريم، مثل هبوط ساعات العمل، وزيادة ساعات البث التلفزيوني العابث في الليل، والانهماك في تنوع الأطعمة والاشربة، كما أنه من جانب آخر هناك تساهل أحيانا في تركيز مظاهر الشهر الكريم على الشارع المسلم. وهذه كلها هموم أخرى تضاف إلى هموم عدم استثمار فرصة هذا الشهر الكريم. لنعمل جميعا على إحياء مدرسة الصوم في هذا الشهر الذي دعي فيه الناس لضيافة رب العالمين… ففي إحيائه إحياء للأمة المسلمة بإذنه تعالى.