banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

كرامة الإنسان الفردية والاجتماعية
ثقافة التقريب - العدد 2

سيد موسى الصدر
1428

• الإسلام يقرّر قداسة حاجات الإنسان في إطار تكريمه • تعاليم الإسلام تتجه نحو خلق نوع من التوازن في هذه الحاجات • يبدأ المشروع الإسلامي في صيانة كرامة الإنسان قبل ولادته • الكرامة أمانة الله لدى الإنسان فلا يجوز أن يغترّ بها.
المجتمع الذي يقترحه الإسلام هو المجتمع الذي يعترف بوجود الفرد بجميع جوانبه الشخصية والاجتماعية.
ولتوضيح هذا البحث نشير الى وجود فطرة الخير في الإنسان ونزعة الشرّ فيه والصراع النفسي الذي يشكل الحرية والاستقلال في الإنسان، ثم نقول إن ما يصدر عن الإنسان من الأعمال الإيجابية الخيّرة هي التي لا تتعارض مع حقوق الآخرين وتنسجم مع مصالح المجتمع والمعبَّر عنها في الإسلام بأوامر القلب السليم أو النفس المطمئنة. أما الأعمال التي تتعارض مع حقوق الآخرين فهي رغبات النفس الأمارة بالسوء، حسب التعبير الديني.
ولا شك أن تحديد هذين النوعين من الأعمال يحتاج إلى تحديد مفهوم الحق، والحق جزء من التنظيم العام المقترح للمجتمع، وأثر ثابت ينبع من الأحكام العامة في صلات الأفراد.
وبهذا التفسير الموجز نتمكن من تصور حرية الفرد في خط مواز لحرية الآخرين، ومن تصور مصالح الأفراد منسجمة مع المصالح الاجتماعية.
ومن ناحية ثانية نتمكن من الاحتفاظ بجميع طاقات الفرد الإيجابية دون طغيان أو تعد أو حتى صراع بين الأفراد والطبقات، بل إن الأمر يتحول إلى سباق بين أفراد المجتمع مع قدسية حقوق الآخرين: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾(آل عمران/133).
والنشاطات المتنوعة الصادرة عن الأفراد تلتقي بإيجابية فيحصل التعاون والتكافل على مختلف الألوان والأشكال.
ومن التعاليم الإسلامية المعتمدة على مبدأ تكريم الإنسان، أصل قداسة حاجات الإنسان كلها. فالإسلام يعترف بجميع هذه الحاجات ويعتبرها نعَم الله ويضع أحكاماً لتوجيه هذه الرغبات ويعترف أن السعي لتلبية هذه الرغبات بالصورة المشروعة عبادة. فالتجارة والزراعة والبناء عبادات والكدّ في طلب الرزق الحلال جهاد والإتقان في العمل عبادة، والزواج عبادة ومن رغب عنه اعتبره نبي الإسلام أنه ليس منه، وقد جعل النبي في وصاياه لأبي ذر الغفاري قاعدة تدل على أن المسلم يتمكن من أن يكون في عبادة دائمة حتى في حال النوم والأكل. ولا يرحب الإسلام بترك تلبية الحاجات وبتجاهلها. وفي الحديث الشريف اعتبر الذين يتفرّغون للصلاة ويتركون السعي لطلب الرزق ممن لا يستجاب دعاؤهم، وفضّل عليهم الذين ينفقون عليهم.
الإسلام والمجتمع:
وفي عداد هذه التعاليم نجد محاولات واسعة للمحافظة على تنسيق جميع جوانب وجود الإنسان، وعدم طغيان جانب على سائر النواحي.
وأبرز أنواع هذه التعاليم ما ورد في الإسلام بشأن المرأة من السعي لعدم طغيان جانب الأنوثة على سائر جوانب وجودها. ولهذه الغاية منعها من العمل للإثارة والإغراء، لكي لا تذوب إنسانية المرأة في أنوثتها، وعليه يجب ألا تنظر هي لنفسها من هذا الجانب فقط، حتى لا ينخفض مستواها وتفقد جوانب أساسية من وجودها.
ومن الحلقات البارزة في سلسلة التعاليم: الدعوة إلى تكريم الآخرين. فالواجب على كل مسلم احترام الآخرين في أشخاصهم وأموالهم وأعراضهم ويحرم عليه الاعتداء العملي والقولي عليهم.
ويبدأ الإسلام بمحاولة صيانة الإنسان قبل ولادته فيأمر الراغب في الزواج باختيار الأم الصالحة لأولاده: "اختاروا لنطفكم" (حديث شريف). ثم يتابع هذه الرعاية طوال مدة الحمل وحالة الوضع والرضاعة وأيام الصغر وأدوار التربية. ونجد مئات من الأحكام في هذه الحقول معتمدة على مبدأ تكريم الإنسان.
ويبدو للبعض أن الإسلام في قرآنه وحديثه يحاول في بعض الأحيان التخفيف من قيمة الإنسان، فنجد في القرآن مثلا آيات كثيرة تؤكد أن أصل الإنسان من تراب أو طين أوماء مهين أو من نطفة أو من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب. ونقرأ في الحديث أن مبدأ الإنسان أمر حقير، ونهاية الإنسان وما بعد موته كذلك وأمثال ذلك من التعابير.
لكن الحقيقة أن الإسلام يحاول أن يصون الإنسان من الغرور والانحراف وخاصة في حالات الانتصار: ﴿ كلاّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ (العلق/ 6-7).
يفتتن كثيراً بأمواله وأولاده ومجده فيقع في خطر نفساني مهلك.
ولعلاج هذا المرض يحاول الإسلام إعطاء نصائح بألفاظ وتعابير مختلفة يبيّن له فيها أن تكريم الله للإنسان وجعله موجوداً سوياً فاضلاً ليس إلا من إرادة الله. إذ في خلق هذا الموجود من أشياء لا تختلف عن بقية الخلق. فالكرامة أمانة الله وإعارة منه للإنسان، فلا يحق له أن يغترّ بها، فجميع ما يملكه الإنسان هو أمانة الله بيده وعليه أن يؤدي الأمانة بصدق وإخلاص:
﴿ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ (الحديد/7).

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (موضوع: )
• كرامة الإنسان الأسس العامة   (بازدید: 3193)   (موضوع: )

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]