محاسن أصفهان / القسم الأول
|
ثقافتنا - العدد 9
تاريخ
محمّد علي آذرشب
1427
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي إنّ للهِ تقدّست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، وجلّ ثناؤه، وعزّ كبرياؤه، نعماً صافيةَ المشارع، ضافيةَ المدارع، علّ كافة العباد زلالَ مناهلها، وعمّ عامّة البلاد ظلال أذلالها، لم يحرمها كبيراً لكبره، ولم يمنعها صغيراً لصغره، ولم يبخس الذرّ الخافي لتضاؤل جرمه، ولا المجرم الجافي لتعاظم جرمه، ونقماً هائلةَ المطالع، غائلةَ القوارع، جعلها بَينَ لَطائِفِه فترات، وما بين عوارفه فَلَتات، تكدّر صفاءهنّ، وتخوّن وفاءهنّ، وتمنع العالمين استيفاءهنّ واستصفاءهنّ، فصيّر لكلّ واحدةٍ منهنّ سوابق من فوائد أسلفهنّ، وسوائق من عوايد عرّفهنّ، وآتى كلّ خلق منهنّ صدراً، وجعل لكلّ شيء قدراً، فلا يحيط بأدنى إحسانه أبواع الشكر، ولا يبلغ أقرب امتنانه خُطى الذكر، ولا ينوء بأيسر امتحانه قوى الصبر، وقرن بكلّ نعمةٍ نعمتين، وألبس كلّ ترحةٍ فرحتين، ووسّط كلّ محنةٍ منحتين، كما قال عزّوجلّ: (فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً(، واقتبس منه أبو علي أحمد بن محمد بن رستم المدينيّ بيتيه حيث يقول: فإنّ عسيرات الأمور منوطة وليس صحيح الرأي من ظنّ أنـه بيسرين صارا عمدةً لرجائكا إذا نابــه شيء يــدوم كذلكــا وقد قلّب خلقه بين خطّتين، وبوّأهم من صنعه منزلتين، لئلا يستأنس المرفّه لتطابق آلائه لديه، ولا يستيئس المبتلى بتضايق بلائه عليه، إذْ قدّر لكلّ من الخلق دولاً، وقرّر لها حولاً، قيّض له أسباباً وعللاً، فاللبيب إذا توسّم ما ظهر من تصاريف الزمان ومابطن، وتأمّل ما استسّر من تكاليفه وما عَلَن، علم أنه لن يجد من دونه ملتحداً، ولن يصادف غير فضله معتمداً، وازداد استبصاراً واختباراً وانتفع به ادكاراً واعتباراً كحال إصفهان. ]تغيّر الأحوال في اصفهان[ تأمّلوا أطال الله بقاءكم سادتي وإخواني ما ألقيه منها إليكم، وارعوا أسماعكم ما أُمليه عنها عليكم، فإنّ فيه لضرّاء القلوب جلاء، ولغليل الصدور شفاء، ولكلول العزائم تشحيذاً وإمهاء(1)، ولحيرة الآراء تنفيذاً وإمضاء، من أبدع ما أسفرت عنه الأيام، وأفضت إليه الأعوام، وانطلقت فيه أعنّة الكلام، وتنضنضت(2) . لـه ألسنة الأقلام، وعبّرت عنه الصحف المخلّدة، وأعبرت عنه السِيَر المؤبّدة، انتقال حال إصفهان ممّا كانت عليه قديماً من الهيئة الجميلة، إلى الذي آلت إليه حديثاً في المدّة القليلة، مِنْ تنكّر الزمان لها في رجع ما عاطاها من الحليّ المعارة، وتجهّهمه لها في نزع ما وَفِيَها من تكامل العمارة، وما بدا له فيها من نقض مرائر أسبابها، ونفض سرائر أصحابها، وتسليم منابرها إلى خطيب الخطوب، وتدويم دوائرها على قطوب القطوب، كما قال بعضهم: كــريشةٍ بمهــبّ الريــح ساقطةٍ لا يستقرّ على حالٍ مـن القلــقِ فكأنها لقّنت أبا عبادة أن يترجم عن حالها بلسانه، ويفصح عنها ببيانه، في قوله: إنّ الخطــوب طَويننـي ونَشرنَني عَبَـــثَ الوليدِ بجانبِ القرطـاسِ ]عودة السعادة إلى إصفهان في عهد فخر الملك[ ثمّ ما أتاح الله لها آنفاً من استتباب أسباب سعادتها، وعود الزمان معها، إلى مأنوس عادتها، في انجلاء ظُلَمِ الظُلم، واعتلاء عَلَم العِلم، وامتلاء سلم السّلم، لمجاورة حرم الكرم، من السيد المحتشم، صاحب السيف والقلم، مولانا الأجلّ وليّ النّعم. فالله يجزيـــه علــــى إحسانه وأدام قدرتَه وأَعلى قدرَه فلقد أفاض على حِماها خلعةً نِعَمٌ اذا الـمُحصي ابتغى إحصاءَها المثبوت في الأكناف خيــر جزاء حتى يحوز مناطق الجوزاء شملت وجوه السهل والمعزاء أربت محلّتهـــا على الجـــوزاء لا خَلَت عن فضله رباعها، ولا قصر بفقده باعها، ولازالت الطوارق عنها بحشمته مطرقةً، وأيّامها بحضرته مشرقةً، واستجاب الله فيهما قول أبي علي البصير: فالله يُبقيـــه لهـــــا ويزيــده برّاً ومرحمــةً لهـــا ويزيدهـــا ]تتبّع أخبار إصفهان[ وإنّي بنزارة علمي، وشتات همّي، وقصور لساني، وفقد بياني، ووتاحة بضاعتي، واضطراب عبارتي، لم أزل كنت مولعاً في نعت إصفهان من منذ صباي باقتصاص ذكر لم يخترع، وافتضاض بكر لم يفترع، حتى استمرّت همّتي عليه مقصورةً موقوفةً، تلوي إليه صليفي(3) ، وقريحتي اليه مأسورةً(4) معطوفةً، فغدا أنيسي وأليفي، وحال الجريض دون القريض(5)، وها أنا متكلّف من وصف أحوالها طرفاً، متنكبٌ فيه غلوّاً وسرفاً، ومنشئٌ من أخبارها المتلقطة من أفواه الناس، وخصائصها المستنبطة من وجوه القياس، رسالةً تلوح على صفحاتها شواهد الارتجال، وعاملٌ قطعةً تخطر من المنثور والمنظوم في حجول وحجال، متوخّياً بمبلغ علمي الأصح الأقوى معنىً، متحرّياً بكنه درايتي الأوضحَ الأحسنَ مأتىً، ملقياً عليها من تلقاء نفسي نسائج حسّي، ونتائج حدسي، إلاّ ما تساقط إليّ من أشعار المتقدّمين والمحدثين من شعراء إصبهان وغيرها كانت قمنا بـإيداعها، حريّ بـإيرادها، لافتقار الرسالة إلى التجمّل بمعارضها ومناقطها، والترفّل من مروطها وقراطقها، من غير أن أعدو فيها ما ترادفت بتصديقه الأخبار، وترافدت في تصحيحه الآثار، وتوازرت على تلقيحه الأدوار، وتظاهرت في تحقيقه الكتب والأسفار، ومن غير أن أتكلّف سبيلاً أعدم فيه دليلاً، وإن كانت أرضها مسقط رأسي، ومقطع سرّتي، ومحطّ رحلي، ومجمع أسرتي، وقال النبي (صلى الله عليه وسلّم): «حبّ الوطن من طيب المولد» فلن ينبئ عن صحّة الشيء البيان، مالم يتناصر عليه الخبر والعيان، وإنّ من انتدب لمثل ما انتُدِبتُ له وعمد لغرض شططاً، أو أعمل لسبب سقطاً، أو ركب لليل خبطاً، أو تكلّف تكذّباً، أو تصعّب تعصّباً، أخْلِقْ بأن يهجّن بالعدول عن سنن القصد، ويعيّر بالضلال عن نهج الرشد، وأن يُهمَل كتابه هدراً، ويعدّ كلامه هذراً، ويصير عرضة للمغتاب يقع فيه، ومضغة لأنيابه تلاءك في فيه، فالعيُّ الفادح أمثل من النطق الفاضح، ونعوذ بالله من الاختطاب في حبال الاعتراض، والامتحان بنبال الأغراض، ونستكفيه شرّ المعاند، إنّه أجلّ كافٍ وأقوى عاضدٍ، تعالوا للتحقيق فالنقد عند الحافر، وتدانوا للتفصيل فاللعب إلى الآخر. ]ميّزات أرض إصفهان[ إصفهان بلدة قد أسنى الله من أياديه البيض قسمها، ووفّر من مواهبه الغرّ سهمها، وصدّر في جريدة البلاد اسمها، وألحق برسوم الجنان رسمها، فلا مزيد عليها طيب بقعة، وسعة رُقعة، وزكاء تربة، وصفاء طينة، واعتدال هواءٍ، وعذوبة ماءٍ، ونظافة أقطانٍ، وظرافة قطّانٍ، لكونها في نقطة الاعتدال، وحيّز الكمال من الإقليم الرابع الأوسط من الأقاليم السبعة المجمع على وفور حظّها من النبل، وكثرة نصيبها من الفضل، وهي بالمعيار البرهاني والاعتبار القياسيّ سرّة الأرض وغرّتها، وسيّدة البلدان وحرّتها، وعلى مارواه الشيخ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بإسناد ذكره عن هدية ابن خالد عن حامد بن سلمة في قول الله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا ولِلأرض ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ( (فصلت:11) إنّه أجابته أرض إصفهان فم الأرض ولسانها. روى الحسين بن خوانسار الجورباذقاني بإسناد ذكره عن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قال: «تداووا بماء زرّنروذ(6) فإنّ فيه شفاء كلّ داء» لم يُرَ أمرع منها مراعي ومراداً، ولا أروع نواحي وسواداً، ولا أغزر أوديةً ولا أطبيب أفضيةً، ولا أحسن خارجاً، ولا أحصن داخلاً، كما قال أبو القاسم بن أبي العلاء. تجرّ على الأمصـار ذيـــلَ تجبّرٍ وإعجـــاب معتزّ عليهنّ معتــد وكما قال عبد الله بن أحمد الخازن خادم الصاحب كافي الكفاة: بلداً طاب مسرحاً ومراحاً، وتناهى غضارةً ونضارةً، نسيمها قسيم العبهر، وترابها ترب العنبر، حسن المصيف بها وطاب المربع، لم تتخشّ بها المؤتفكات والزلازل، ولم تتخوّف فيها الصواعق النوازل، اعتدل هواؤها، وطاب صيفها وشتاؤها، فلا حرّها حرّ جروم فيلفح السموم بفورته، ولا قرّها قرّ صرود فيؤلم الدمق بسورته، بل يستكفي المعدم أذى حمّارة قيظها بشربةٍ واحدة يتجرّعها، ويستدفئ في صبّارة شتائها بجبّة واحدةٍ يتدرّعها، تعادلت أمزجتها الأربعة وأوفت على مضرّتها، ولا مضرّة بها المنفعة. لم يتغلّب عليها رطوبةٌ كرطوبة طبرستان، ولم يستول عليها يبوسةٌ كيبوسة قهستان، ولم تكتنفها برودةٌ كبرودة خوارزم وتركستان، ولم تعتورها حرارةٌ كحرارة عمّان إلى تيغز ومكران. وقال أبو عامر الجروا آني وهو ممّن ذكرهم حمزة الإصفهاني في كتاب إصفهان: سقى الله جيّاً إنّ جيّاً لذيذة فلابقّة في الليل يوذيك لَسعُها ومــاءُ ركاياهـا زلالٌ كأنـــــه من الغيث ما يسرى لها ثمّ يبكر لنومٍ ولا برغوثة حين تَسهَر إذا ما جرى في الحلق ثلج وسكّر قبّة الاسلام وضرّة مدينة السلام، فأعجبْ بها من قبّة في القباب، وأحسِنْ بلقبها بين الالقاب، وأصل لفظة اسمها إصفهان إسفاهان لانّه كان عليها في أيّام الفرس كوذرز بن كشواذ وهو حينئذٍ يركب في ثمانين ابناً له فرساناً شجعاناً فضلاً عن حفدته وأشياعه وخوله وأتباعه، وكلّما ركبوا قيل لهم إسفاهان أي الجيوش فسمّيت به لتداولهم في كلامهم. وقيل إنّه لمّا أمر نمروذ بنقل الأحطاب إلى الموضع الذي أراد إحراق إبراهيم الخليل (عليه السلام) فيه طاوعه الناس كلّهم في نقلها غير أهلها فقيل لهم بعد ذلك: اسفاه آن أي جنوده يعني جنود الله. وقد بلغت فضائلها المشهورة المشهودة، وخصائلها المحمودة المعدودة، مرتبة شريفة ومنزلة منيفة، لا يجحدها من أولى الألباب أحد، ولا يدفعها بالراح يدٌ. ]أخبار شاهدة بفضلها[ ومن الأخبار الشاهدة بفضلها على مابين الخافقين من الأمصار و وسط المشرقين من الديار ما روي عن أسامة بن زيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: لولم أكن من قريش لتمنّيت أن أكون من أبناء فارس من أهل إصفهان، وما رواه أبو حاتم السجستاني أنه قال: إصفهان سرّة العراق، وما حدّث عن محمد بن عبدوس الفقيه أنه قال: قال لي عيسى بن حماد بن رعبة: بلغني يا أهل إصفهان أن سهلكم زعفران، وجبلكم عسل، ولكم في كلّ دارٍعين ماءٍ عذب، فقلت كذلك بلدنا. فقال لا أصدّق فإنها هي الجنة بعينها. وما أجاب به الهرمزان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لـمّا شاوره في إصفهان وفارس و آذربيجان فقال: يا أمير المؤمنين إصفهان الرأس وفارس وآذربيجان الجناحان. وإن الحجاج بن يوسف ولّى وهزاذ بن يزداذ بن الانباري وكان قريباً لكاتبه المجوسي الإصفهاني فكتب اليه الحجاج: «أما بعد فإنّي استعملتك على إصفهان أوسع الأرض رقعةً وعملاً، وأكثرها خراجاً، وأزكاها أرضاً. حشيشها الزعفران والورد، وجبلها الفضّة والكحل، وأشجارها الجوز واللوز والجلوز وما أشبهها، والتين والزيتون والكروم الكريمة والفواكه العذبة، طيورها عوامل العسل، وماؤها الفرات، وخيلها الماذيانات الجياد، أنظف بلاد الله طعاماً، وألطفها شراباً، وأصحّها تراباً، وأوفقها هواءً، وأرخصها لحماً، وأطوعها أهلاً، وأكثرها صيداً، فأنخت عليها بكلكلٍ اضطرّ أهلها إلى مسألتك ما سئلت لهم لتفوز بما يوضع عنهم فقد أخربت البلاد. أتظنّ أنا ننفذ لك ما موّهت وسحرت فقعدت تشير علينا؟! فعضّ على غرمولة أبيك ومصّ بظر أمك والزم ذلك. فأيم الله لتبعثنّ إليَّ بخراج إصفهان كلّها أو لأجعلنّك طوابيق على أبواب مدينتها، فاختر أوفق الأمرين لك، فقد عظُمت جنايتك عليَّ وأسأت إلى نفسك في التعرّضِ لبلادٍ ما قصدها بالمكروه أحدٌ إلا خسر وندم وستعلم». وإن ملوك الفرس كانوا لا يؤثرون من بلدان ممالكهم عليها شيئاً، ومن الدلائل على ذلك المثبت في كتبهم وخاصة ما يأثره أهل بيت النوشجان بن إسحاق بن عبد المسيح عن جدّهم المنتقل من الروم إلى إصفهان، وأورده حمزة الإصفهاني في كتاب إصفهان وهو أنّ فيروزبن يزدجرد كتب إلى بعض الملوك بالرّوم يستهديه كبيراً من حكمائهم وحاذقاً من أطبائهم، فبعث اليه بمن وقع اختياره عليه، فلما وفد على فيروز قال له: أيها الحكيم أنهضناك إلى أرضنا لتختار لنا من بلدان ممالكنا بلداً تصح به الأركان الكبار التي بسلامتها يطول بقاء الحيوان، وباعتدالها تصحب الأجسام الصحة وتزائلها العلّة، يعني الأرض والماء والنار والهواء، فقال: أيها الملك عشت الدهر! وكيف أدرك ذلك؟ قال: استقرئ البلدان فما وقع عليه اختيارك فاكتب إليَّ منه، لأتقدّم بالزيادة في عمارته، وأتخذه دار مملكتي، وأتحوّل اليه. فانتدب الرومي طائفاً في بلدان مملكته ووقع اختياره على إصفهان فأقام بها وكتب إليه: إني قد طفت في مملكتك فانتهيت إلى بلد لا يشوب شيئاً من أركانه فساد، وقد نزلت ما بين حصني قرية يوا آن، فإن رأى الملك أن يقطعني ما بين الحصنين من أرض يوا آن، ويطلق لي بناء كنيسة ودار، فأطلق له مسألته وأطلبه طلبته فبناهما. ثمّ تقدّم الملك فيروز بن فروة إلى آذرشابوران بن آذرمانان الإصفهاني جدّ مافروخ بن بختيار بإتمام سور مدينة جيّ وتعليق أبوابها، وعزم على التحوّل من العراق إلى إصفهان ففعل ذلك آذرشابوران ثمّ انتقض عزمه بالخروج إلى أرض الهياطلة وهلاكه هناك. ثمّ لـمّا استقرّ الملك بعده بقباذ بن فيروز تقدّم إلى الرّومي بأن يختار له من البلدان بلدة معتدلة الهواء في الأزمنة الأربعة متوسطة في حال الرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة، لا قريبة من الفلك ولا بعيدة منها، ولا مرتفعة صعوداً، ولا منخفضةً هبوطاً، ولا متدانية من البحار، ولا متباينة عنها. موازنة لوسط الأرض حيث يقلّ فيها هبوبُ الرياح العواصف، جارها نهر عظيم، أطيب البقاع تربة، وأسطعها رائحة، وأصفاها هواء، وأنقاها جواً، وأزهرها كواكب، وأوضحها ضياءاً، لا عيونَ للكبريت بقربها. وإذا احتفر فيها آبار لم يحتج إلى طمّها، فقال الرومي: أيها الملك وجدت أكثر هذه الأوصاف، التي يفوتها القليل منها، في إصفهان. وإن أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور عرضت له ببغداد شكاة سنة نيف وخمسين ومائة وكان لا يوافقه هواؤها، فجمع حكماء وقته ووزراء مملكته فقال: اريغوا لي موضعاً أصح من بغداذ هواءاً، وأعذب ماءاً ابن فيه بناءًا انتقل اليه، فرجعوا إلى أنفسهم ثمّ تفاوضوا وأجمعوا على الابتناء بجانب زندروذ. وكانت ديار إصفهان زمانئذٍ قرى متفرّقةً ومداين متمزّقة ومنادح متخرّقة، فأمر بمخاطبة أيوب بن زياد العامل كان بإصفهان فيه، فأخذ مؤتمراً في تمصير كورتها وجمع سورها من قرى عدّة. فلمّا أوشك أدناؤها، وشارف الاتمام بناؤها، ولاحت من أبي أيوب طواعيةُ الامتثال أبلّ المتشكّي بعض الإبلال وبدا له في الانتقال. وأنّ أبا مسلم محمد بن بحر الإصفهاني أحد رؤسائها لا بل أوحد فضلائها حضر مجلس الخلافة بمدينة السلام وقتاً، وتذاكر الحضّر أثناء الكلام أطيب بقاع الدنيا وتجاذبوا القول فيه، فقال أبو مسلم: ليس في الدنيا أجمع أطيب من داري، فتعاظمهم دعواه، وراعهم فحواه، وقالوا له: لم؟!، قال هل تعرفون في الدنيا أطيب من إصفهان، هواءٌ سجسج رطب، وماء سلسل عذب، وفضاء واسع رحب، فقالوا: لا، قال: ليس في محالها أطيب من محلّتي جروا آن وليس بها أطيب من داري الآن. فأجادوا قصده وأجازوا نقده. وإن الموفق بعد أن عدل من إصفهان إلى بغداذ كان ينقل اليه ماء زرنروذ من إصفهان مطبوخاً ولا يشرب غيره. وما قال عضد الدولة فنا خسرو بن الحسين بن بويه (سقى الله صداه) حين وافى إصفهان ليزور ركن الدولة أباه، ويجدّد العهد بأخويه مؤيد الدولة وفخر الدولة (رحمهم الله) وأراد أن يجيل في أعينهم ماهو راجع اليه ومستولٍ عليه من التمكّن المنبئ عن فخامة قدره ونفاذ أمره، فأوعز إلى قهرمانه ببغداذ بمرادفة المحتاج إليه في منازله مطعوماً ومشروباً ومشموماً وملبوساً حتى الماء والبقول والرياحين، فكان ينثال الجميع عليه في الطريق على قدر يوماً فيوماً ومنزلاً فمنزلاً من دون فتور ولا قصور، فلمّا انتهى إلى شطّ زرنروذ مخيّماً به، والتقى الفئتان وتراءى الجمعان، دعا بماء فنوول قدحاً من ماء الفرات فصبه، فقال: هذا لا يصلح للشرب بشطّ زرنروذ، ويعقد الخناصر على أقوال أمثالهم، وأدلّ الدليل أنا نرى عياناً في زماننا هذا من الإصفهانيين والغرباء من دفعوا في سائر البلاد إلى الآلام المزمنة، وبلوا في الأسفار بالأسقام المثخنة، التي لا يكاد يسلم الممنوّ ببعضها منه، ولم يعالجوا بأكثر من نقلهم إلى ظلال من أفيائها، وتنشيق نفحات من هوائها، وتجريع قطرات من مائها، فشفوا عن أمم عقب الاشفاء، وأقشعت عنهم غيابة تلك الأدواء، وانمحت عنهم سمة الاعتلال، وخرجوا منها خروج النصال من الصقال. وما شهر من صفاء طينتها وصحة ترتبها وأنها من أعدل الأطيان وأبقاها على وجه الدهر، وأدومها على الحدثان، حتى أن المقلّ المقتر بها يتّخذ في قفيز من أرض داره سرباً يقضى في الحرّ والبرد له أرباً وأبؤراً ثلاثاً وأربعاً، ينتفع بهنّ مشتى ومصيفاً ومربعاً، فواحدة للماء الزلال وأخرى للثلوج والغسالات والأبوال وغيرها للعذرات والأثفال، فلا تنصبّ مادة إحداهنَّ للأخرى، ولا تمتزج الطيبة منها بالمنتنة ولا الصحيحة بالعفنة، وإن بها من البنيان الكسرويّة والقصور الخسرويّة المتخذة من الأطيان والألبان عدّة أتت عليها أعوام، وخلت دونها قرونٌ وأقوامٌ، لم يتفقّدوها بمرمة، ولم يتعهّدوها بفضل همّة. وتعاونت عليها الرياح والأمطار، وتعاقب عليها الليل والنهار، وهي بعد بحالتها ما أثّرت فيها هدماً ولا ثلماً، إلا القدر الذي جرّفته السيول من أعاليها وسفته الرياح من نواحيها. ويحكى عن البحتري أنه كان عبد العزيز العجلي يوماً بقرية من قرى إصفهان والجنديّون بين يديه، فنظر إلى مكان ناشز من الأرض يدلّ على أنه كان ناووساً أو قبراً، فقال لبعض أصحابه: ما نظرت إلى هذا الموضع إلا وقع في قلبي أن فيه كنزاً أو أعجوبة، فاحفروه ليزول شغل قلبي، فانتدب لذلك أحمد بن بندار الآذري وكان شجاعاً، فأحضر جماعة من الأكرة وحفروا فهجموا على شبيه سرب مرّبع عميق لم يقدروا على دخوله، فدعا أحمد بن مسلم ودخله، ثم صعد، فقال لـ عبد العزيز: إني رأيت أعجب الأشياء، وجدت رجلاً نائماً على مضرّبة ولحاف، وقد أبرز رأسه وبدت لحيته سوداء مشرقة، وعند رأسه سيف في قراب وخُفّ، فبادر عبد العزيز ودخل ذلك الموضع فوجد سرباً مربّعاً كأنه مزوّق من طين صلب برّاق، في صدره دكّان قد رفع حواليه، وعليه ذلك الرجل، ومع عبدالعزيز عمود، فحرّك وجه الرجل بالعمود فتطاير مثل غبار، وحرّك كلّ ما كان في ذلك الموضع فصار رماداً. فراى جبّة مطويةً منسوجةً بالذّهب فحركها فصارت رماداً، وحرّك الخفّ وكان كهيئته لم يتغير، ونظر إلى جلده واذا هو كيمخت، ودعا بمنخل ونخل رماد الجبّة المنسوجة فاستخرج منه الذّهب، وبعث به إلى دار الضرب فطبع منه نحو ألف دينار، ووجد عنه رأس الرجل لوحَ حجرٍ عليه نقش دلّ على أنه موضوع من منذ نيف ومائتي سنة، وقال عبدالعزيز: ما بقّاه على هذه الحالة إلا طيب التربة. وما حكاه الثّقات عن أبي علي بن رستم المديني من جلالة أعمالها ووفور أموالها وعمارة ضياعها وتكامل ارتفاعاتها في قديم الأيام أنه كان يوماً مستلقياً في القبّة الخضراء التي اتخذها بالمدينة يجيل فيها نظره متأمّلاً طولها وعرضها وسماءها وأرضها. ]خيرات إصفهان[ مَنْ تولّى إمارة إصفهان اكتسب ملئها ذهباً، ومن تولّى وزارتها اكتسب ملئها ورقاً. ولقد سمعت أبا القاسم بن ماهان (رحمه الله) وكان من مشيخة كتّاب إصفهان حكاية لم يتخطّ هذا الخط ولم يناقض هذا الشرط. وهي أنه قال: قال لي أستاذي: أذكر زماناً كانت راية مؤيد الدولة بها حاصلة في أوباشه وأوشابه وخيولـه ودوابه إلى جيشه اللهام ومؤونته العظام، وكنت في ديوان الاستيفاء أحاسب قابض القباض آخر السنة، فخلص من حسابه في الكناديج والأهراء ما أتى القلب عليه بعد إطلاق الارزاق، وإجراء عامة الاستحقاق، عشرون ألف جريب بالجربان الكبيرة، ومع ذلك كنّا نشكو سقوط الارتفاعات وتراجع الربوع والزراعات. وقرأت في بعض كتب إصفهان أنه ارتفع منها أول سنة افتتحت من الجزية والخراج أربعون ألف ألف درهم، وكان خراجها قديماً اثنا عشر ألف ألف درهم. ]أشعار في إصفهان[ وما تساقط إليَّ من الأشعار في تذكّر محاسنها والتشوّق لها والتأسّف على الفائت من قربها. فمنها لأبي دلف بن عيسى بن معقل مما قاله حين سخط عليه المأمون وأخرجه من إصفهان إلى الشام ومصر يتشوّق إليها. والرجلّ من المعدودين في كتّاب إصفهان: أقول وأكناف الجزيرة بيننا سقى الله غيثاً إصفهان وأهلها أحبّ الصَّبا يثني هواي إلى الصّبِى وسهبٌ تردّى آلها بملائها عزالي آلت لا تضنّ بمائها لأنّ اسمها ضاهي اسمها في بنائهــا وله من قصيدة قالها: أبا دلف أصبحت بالشام مدنقاً حننت إلى أرض اصفهان وأهلها وذكرى بها أرض اصفهان وطيبها أقول إذا نفسي تضاعف شوقها أيا أرض ماه واصفهان سلمتما فقدصرت بـ الشّامات نضو صبابةٍ وبدّلت بالأحباب والأنس وحشةً رهيناً بها للحادثات الشواعب غداة رأيت النخل في كفر عاقب حنين إلى برد المياه الأطائب وحرّك منها مستكنّ الجوانب وسقّيتما من مكفهرّ السّحائب شتيت الهوى جمّ الهموم العوازب وبالمنزل المحبوب غبر السّباســب ومن قصيدة له أيضا: إذا البرق من نحو إصفهان سرى كأنّ دموع العين إذ شطّت النوى ألا ليت شعري هل من الشام رجعة أحنّ إلى ماه ورستاق فاتقٍ إلا فسقي الله اصفهان وأهلها ولا سقيت أرض الشّآم وأهلهــا لنا تداخلنا بعد الحنين زفير عزالي سحاب صوبهنّ غزير وهل لي إلى أرض اصفهان مصير اذا العيس نحو الشام منك تسير سحائب غيث صوبهنّ درور وحيث نواعير الفـــرات تــدور وللصاحب الجليل كافي الكفاة أبي القاسم إسمعيل بن عباد أبيات قالها لما افتتح جرجان وشاهد طبرستان وقاسمها إلى إصفهان وهي: يا إصفهان سُقيت الغيث من كثب والله واللهِ لـمّا أنس برّك بي سقياً لأيّامنا والشمل مجتمع ذكرت دميرت إذ طال الغناءبهـا فأنت تجمع أوطاري وأوطاني ولو تمكّنت من أقصى خراسان والدهر ماخانني في قرب إخواني يا بُعدَ ديمرت من أبواب جرجـان وأبيات كتبها إلى أبي العلاء السروي وهي: أبا العلاء إلا أبشر بمقدمنا هذا وكان بعيداً أن أراجعكم من بعد ما قربت بغداذ تطلبني وراسلتني بأن بادر لتملكني فقلت لابدّ من جيّ وساكنها فإن فيها أودّائي ومعتمدي ألست أشهد إخـواني ورؤيتَهــم فقد وردنا على المهريّة القود على التعاقب بين البيض والسود واستنجزتني بـالأهواز موعودي ويجريَ الماء ماء الجود في العود ولو رددت شبابي خير مردود وقربها خير مطلوب ومنشود تفــي بمـُـــلكِ سليمان بن داود وذلك كان والله الفاضل المميّز والكامل المبرّز، ثالث الثلاثة الذين نافس عضد الدولة فيهم أخاه مؤيد الدولة وحسده عليهم، وهو أن العضد كان كثيراً ما يقول قولا معناه قد حبيت بغايات الأماني وأوتيت أقاصي المباغي فلا أحسد ملكاً من الملوك على شيء غير أخي علي أبي القاسم للثلاثة: أبي القاسم إسمعيل بن عباد، وأبي القاسم فضل بن سهل، وأبي القاسم بن جعفر القاضي المعروف باليزدي، وكان كلّ واحد منهم في فنّه نسيج وحده وقريع زمانه منيفاً على أهل صناعته وأقرانه وقول البحتري: ثلاثة جلّة إن شُوّروا نصحــوا أو استعينوا كَفَوا أو سُلّطوا عدلوا يوهم أنه لم يمدح به غيرهم. وللأستاذ أبي الفتح أحمد بن علي المافروخي يذكر شوقه إلى إصفهان وأهله: وإنيّ وإن فارقت جيّاً وأصبحت ولازمت بغداذ العجيب رواؤها فلي نَفَسٌ شوقاً إلى جيّ صاعداً تحنّ إلى أهلي بها وأحبّتي إذا ما علا شوقي وجنّ جنونـــه مساكنها الغنّاء منّي خاليهْ وكانت بأنواع المحاسن حاليهْ ونَفْسٌ بنيران الصبابة صاليهْ وليست إلى يوم القيامة ساليهْ شفتنيَ منــه الأدمــــعُ المتواليهْ فياليت شعري هل أراها كعهدها ولي ثقة بالله سوف تغيثني تـــردّ إليهــا غُــربتي وتخصّني تحقّق آمالي وتنعم باليهْ ويعدي على أعدائي المتماليهْ بنعمائه الحسنى وتُصلـحُ حاليــهْ ]من عجائب إصفهان[ وممّا وجب إيراده من خصائص نواحيها والعجائب والغرائب فيها، وتنطق به الكتب وتشهد به المشايخ مشفوعاً بتصديق المشاهدة وأكثره حكاه الشيخ أبو نعيم في كتابه أنه بأقصى رستاق رويدشت مغيض يقال له جاخواني وانصباب مياه زرنروذ إليه انصباب مياه سائر الأودية إلى البحور، وأنّ ما يبتلعه منه ينبع بـكرمان وبرستاق رويدشت قرية تسمّى ورزنه، بها رمال كجبال لا تتحرّك أصلا للرّياح العاصفة والمؤتفكات القاصفة ولو دامت، وبهذا الرستاق في قرى معينة خرزات تسمى بلغتهم مُهْره تَذَرْك، وإذا غشيتهم سحابة ببردٍ أخرجوا تلك الخرزة وعلّقوها من أطراف حصونها فتقشّعت السحابة عنها وعن صحرائها من ساعتها!! وبقرية هراسكان من أبروز على نصف فرسخ في شقّ دارم من رستاق قاسان حصن مخندق، يحوط هذا الخندق رمال كالجبال سائلة جارية، ينتقل حول الخندق من جانب إلى غيره، ولا يسقط في الخندق منها شيء ولا حبّة واحدة. فإن أخذ إنسان منها قبضة ورمى في الخندق هبّت من ساعتها ريح فرفعت ذلك في الهواء حتى تكسح الخندق!! وبهذه القرية صحراء تسمى فاس مسافتها فرسخ في فرسخ، فيها أعجوبة أخرى وهي أن مواشي هذه القرية ترعى فيها فيختلط السباع بها مقبلة ومدبرة ولا يتعرّض لشيء منها. ويدّعى أهل هذه القرية أن صحراءها مطلسمة!! وبقرية قالهر من ناحية أزدهار من قاشان على عشرة فراسخ من أبروز جبل يرشّح أحد جانبيه الماء كرشح البدن العرق لا يسيل منه شيء ولا يسقط إلى القرار، ويجتمع هناك كل سنة من الرساتيق بتلك النواحي روز تير من ماه تير قوم مع كل واحد منهم آنية فيدنو الواحد بعد الواحد إليه ويقرعه بفهر في يده قائلاً بالفارسيّة. يابيذدخت اسقني من مائك فإني أريده لمعالجة علّة كيت وكيت، فيجتمع الرشح من المواضع المتفرقة إلى مكان واحد فيسيل قطراً في آنية المستسقي، وكذلك الذي إلى جنبه ثم من يليه، فتمتلئ تلك الأواني، ويستشفون بمياهها طول السنة فيشفون!! وبقرية أبروز من قاشان قناة تسمى اسفيذاب منهاشرب أهل أبروز وصحاريها والقرى حولها، ومغيضها بقرية فين، فمن خواص هذه القناة أنّ الإنسان يمكنه المسير فيها إلى أن يبلغ فيها إلى مكان معروف عند أهل هذه الناحية، فإن رام تجاوزه عجز لانبهار ونَفَس يعتريه، فإن لم يرجع القهقرى خرّ صريعاً. ولم ينفق عليها في عمارتها قط درهم واحد، ولا دخلها منذ كانت قنّاءٌ فإن انهارَ فيها من جوانبها شيء قلَّ أو كثر زاد ماؤها. ورام عمرو بن الليث في مورده إصفهان طمّها، وجمع أهل الرسانيق لكبسها أياماً، وكان الماء يزداد ويعلو الكبسَ، حتى رجعوا عنها حاجزين!! وسمعت الأستاذ أبا نصر التيجاباذي (رحمة الله عليه) قال حكى لي أنه لا يشرب من ماء هذه القناة عربي إلا نابته نائبة في نفسه أو ماله أو حاله، وكنت أترجّح في قبول هذه الحكاية، وأتردّد في السكون اليها حتى تأملت أمرها، وتتبّعت أكثر القرى المبتناة بجانبي هذه القناة وبالقرب منها التي منها شرب أهلها، ولم أجد في مستوطنيها عربياً. وسمعت أنه لا يكاد يشرب منها عربي ولو مات بشفيرها عطشاً إلا جهلاً بحالها أو فلتةً!! وبقرية قهروذ من رستاق قاشان نبتٌ ينبسط على وجه الأرض فيصير زجاجاً أبيض صافياً!! ومن خواص قاشان عين بقرية كرمند من رستاق قاسان يخرج منها ماء غزير، ويسقى منه زرع قريتها، ويشربه أهلها ومواشيها، فما بقي منه ينصبّ إلى جدول فيتحوّل حجارة!! وبقريتي جكاذه وجورجرد من رستاق قهستان مرج فيه حيّات منتشرة في حافات المروج، وعلى شارع طرقها، طول كل حيّة مابين ذراع إلى خمسة أذرع، فيتلاعب الصبيان فيها ويلوونها على أيديهم فلا تلدغهم. وبهذا الرستاق معدنُ فضّة ومعدنُ صِفر!! وبرستاق التيمرة الصغرى معدن فضة، وبـالتيمرة الكبرى معدن ذهب، وآثار هذه المعادن باقية بادية للعيون!! وبرستاق قهستان عين في موضع يسمّى بوذم ينبع منها ماء صاف لا يشربه أحد من الناس قد أعلق العَلَق بحلقه إلا سقط من حلقه ومات من مكانه . وبرستاق الرار بطسوج جانان في قرية أماذه دويبة كالخنفساء صغيرة في جرم أقل من ذباب تدب في الليل المظلمة، فيتّقد من ظهرها مثل السراج، فإن رُئيت نهاراً كانت كلون الطاووس خضرة في حمرة وصفرة، وتسمى هذه الدويبة بالفارسية براه!! وفي هذه الناحية حجارة شبيهة بالسكّر، محبّب الوجه، إذا ضرب بعضها ببعض أورت النار من بينها كما يورى الحجر والحديد!! وبرستاق القمذاز قلعة تسمى وهانزاذ، وإلى جانبها تل كبير فيه حجر كأنه صبيب الدراهم، يوجد له إذا جمع في كيس صلصلة كصليل الدراهم، على وجه كل حجر دائرتان متجاوبتان، فلو أراد سلطان نقلها كلّها إلى مكان يقرب منه بمائة جمل، ينقل في كل يوم دفعات لبقيت في نقلها أشهراً وهذا ممّا لا خفاء به!! ومن يسكن قلعة بهانزاذ أيام الربيع يرى طول ليلته اشتعال نار من ذروة حيطان القلعة، فإذا قرب منها لم يجد منها شيئا. وكذلك إذا نظر بعضهم إلى رؤس بعض. وكلما كان الرّبيع أكثر مطراً كانت تلك النار أشد اشتعالاً. وبرستاق القمذاز قرية تسمى هامكاذ، وبفنائها جبل به فلق قد أولجه إلى النّصف ضبّان، فلا يكاد يتبيّن منهما غير ذنبيهما، فاذا حركا أو لمسا تقبّضا، ثم عادا إلى عادتهما الاولى. وسمعت المشايخ قالوا سمعنا من تقدّمنا أنه لم يزل كانا كذلك، ولم ير ولم يسمع البتة أنهما تحوّلا عن هيأتهما التي هما عليها الآن ولوجاً أو خروجاً!! وبهذا الرستاق قرية تسمّى فرن في صحاريها عينٌ استدارتها ثلاثة أرماح، تنشّ الماء في كلّ سنة في أيام الربيع سبعين يوماً محصاة، فيخرج منها في مدة الأيام السمك الذي بظهره عقر. فإذا تمت مدة هذه الأيام خرجت من نقرة العين حية سوداء، وكما تخرج تعود في مكانها وينقطع ذلك الماء فلا تراه العيون إلى القابل!! ومما لا يكون إلا بـإصفهان السكبيخ والجاوشير والترنجبين . ومن خواص إصفهان شجرة الحشساة التي يقال لها وِزَك تفرش أغصانها أكثر من مقدار جريب أرضاً. مستديرة مجتمعة الاغصان كثيرة الأوراق، ظلها أكنّ من ظل الجبل، وتحتمل في كل سنة خرائط مدوّرة مملوة براغيث. وبرستاق صرد قاشان بالقرب من قرية موغار عين ماء من خاصيتها أنه يتلاءم جميع ما يلقى فيه من خزف ومدر وطين فيجعله حجراً، حتى أن ضعاف أهل القرى المجاورة لها وفقراهم إذا انكسر لهم من الماعون الخزفي أو الحجري شيء ينضدون بعض أجزائه إلى البعض على ماكان من هيأته، ويضعونه فيه، فيلتئم ويصير بعد سويعة كأجود ما كان صحة!! وبرستاق القمذاز جبل يعرف بجبل دنارت وفيه عين ماء ومن خاصيتها أنه متى قمل مزرعة من مزارع إصفهان أو غيرها قصده أهلها فاحتملوا من ذلك الماء ما أحبّوا، فيجتمع لوقته فويقه طيور كثيرة كالخطاطيف، لم تزل تجاذبهم طيراناً وترفرفاً على الماء مالم يوضع إلى الأرض وعلّق في المنازل من مشجب أو مرفع، فإذا عاودوا أمكنتهم رشّوا به صحاري المزرعة المقمولة فانقضّت الطيور على مابها من القمل والتقطته التقاط العصافير الحبّ، وإن وضع في الطريق إلى الأرض انصرفت الطيور من ذلك الموضع لساعتها !! وبناحية يزد رمال سائلة جائلة لم يزل ينقلها الريح من جانب إلى جانب آخر، ومتى أراد أهلها اتخاذ بستان أو مزرعة أو بناء أو مصنعة بها وخشوا عليها أن يغشاها شيء من هذه الرمال أخذوا مما يكون بها من جنس الطرفاء الذي يقال له كزكز شيئاً فغرسوه حواليها فلا يدنوا منها بعد ذلك من تلك الرمال قليل ولا كثير!! وبرستاق قهاب بصحراء تدعى جلاشاباذ عين ماء صافٍ عذبٍ لا يوجد فيه من هذه الديدان والعلقات والسراطين والسلاحف والسمكات التي تكون في سائر المياه شيء، ولا يشربه البهائم ولا الوحوش، وإذا حفر حوالي هذه العين بئر نبط ماؤها وتبجّس ملحاً كدراً أسود!! وبناحية ماربين قرية يقال لها نرساباذ، وعند قوم من أهلها دواء لا يعرفه غير من يكون من نسلهم وأولادهم، وكلّما سُحر إنسان بموضع، أو أطعم شيئاً، أو أصابه مسّ، استوهبوا له شربة منه وهي قدر معلوم، فينقع في حليب بقرة شقراء، ويُسقاه ليلة من ليالي المحاق، فيغشى عليه، فينطلق لسانه بما فعل به، وإن أطعم شيئاً يتأذى به قذفه قيئاً وشُفي بإذن الله تعالى!! ]قصيدة للمؤلف في إصفهان[ وللمتطفّل على فضلاء عصره، الواغل فيهم بشعره، صاحب هذه الأساطير المفضل بن سعد بن الحسين المافروخي: لإصفهان معالٍ لم يُخص ّبها عذوبة الماء مع طيب الهواء إلى فحيث يسرح هذا الطرف في طرف فواكه ورياحين وأشربة وإن أضختَ إلى صقع وجدت به تكسوا السلامة أهليها الثواة بها طاب الشتاء لهم وطاب فيها الـ فتلك بردة مقرور به صرد تخصّصتْ بالذي أوردت إذحسدت فيها الدليل على الفردوس عرّفنا أضحتْ لجنّة عدن ضرّة فحوت بكلّ روض وشيع النجم منبسط أرض كخدّ حبيب راق تخرقها فراحة الروح إن فاحت نسائمهـا ما بين شرق وغرب في الدُّنا بَلَدُ زكاء أرض لها إن فاخرت عدد منها على قاطنيها للإله يد ونعمة حيث ما قاموا وما قعدوا أيكاً ترنّم فيه طائر غرد فلايكاد ينفكّ عن روح بها جسد مصيف والسببان الخمر والجمد وذاك باردُ مَنْ قَدْ مَسّه صَخَدُ وجدّ مستحسن في نعمة حسد مخائل الغيب منه الواحد الصّمد لساكنيها المنى لو أنهم خلدوا بكلّ غصن رصيع النور منعقد واد تسلسل ماءٌ فيه مطّرد ونزهة العين إن وافى لـــه مــدد ]مشاهير إصفهان[ وكانت نواحيها الضاوية إلى جملتها المنخرطة في سلك خطّتها من منذ استحدثت والى الآن مناجم الأمراء، والملوك الكبراء، ومناشئ العلماء، والفضلاء العظماء، وذوى الأقدار والأخطار من الصلحاء الأبرار والطلحاء الأشرار، كلّ منهم في فنّه نسيج وقته، وقريع عصره، كما رواه سليمان بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمران عن عبدالرحمن بن عمر بن رسته عن محمد بن يوسف أنه قال: خيار إصفهان من خيار الناس وشرارها من شرار الناس. ولم أرغنىً من ذكر عدّة منهم من الجاهليّين والإسلاميّين، وسع أمرهم أقاليم، ونالوا من الدين والدنيا المنال العظيم، إذ أوفى عدّ الجميع على الاحصاء، وضاق عن استغراقهم نطاق الاستقصاء. ]مشاهير من قبل الاسلام[ فمن الجاهليّين الذين استفحل شأنهم واستعلى سلطانهم من الملوك فرعون ذو الأوتاد، من الذين طغوا في البلاد، نجم من خوزان ماربين، فبلغ من الملك الرتبة الرفيعة، وترقّى الذروة المنيعة، حتى أوهم ما أوهم من الطغيان، وسوّل ماسوّل من العصيان، وعزّ بمصره وتخته، والأنهار تجري من تحته، متقيلاً خطوات الشيطان، ومتقولا كلمات البهتان، واستشرى أشراً، ولم يسحب نفسه بشراً، وقال: أنا ربّكم الأعلى، ومن ربّكما يا موسى، وأمر ببناء الصرح المستغني عن الوصف والشرح. وبختنصر وهو على ما ذكره الفرس وأورده حمزة: كتابه بت نرسه بن ويون جوذرز، وكان المرزبان على العراق والشام ومصر والبربر والجزائر من قبل لهراسف الملك، وبلغ في فظاظته وعزته وبأسه وشدّته مما لاخفاء به. وبهرام جور كان من قرية روسان من رستاق النجان، وكان ينزل قلعة تحاذى روسان و آزاذوار، و امرأته بنت بوزينجير كانت من قرية اجيه براآن. وقد شاع في الدنيا من حالته واستكمال آلته، وشدّة مراسته وبطالته، وحسن تدبيره وإيالته، وإصابة رأيه وأصالته ما يغني عن الإطناب في ذكره وإطالته. ومهريزدان أحد ملوك الطوائف وكان من رستاق النجان، وهو الذي بنى الحصن فوق قلعة ماربين. وشيرين كانت منها، وهي الموصوفة بالحصافة ومزية العقل الباهرة بالوسامة وحسن الشكل المربية على نساء زمانها بفضائلها المبرّة على ربائب الدنيا وعقائلها، البالغة الذي حمل كسرى يزدجرد الى إتيانها واختبارها، لما كان يتساقط اليه من أخبارها، حتى حضرها بـإصفهان في زوّارها سراراً وخيّرها متنكراً مراراً، فأحمد أخلاقها وأجزل من المحاسن خلاقها، وزاد في شعفه بها أن أعفّ أزارها إذ زارها، فاستخلصها لنفسه وتزوّجها، وأجلسها مجلس الملكات، وتوّجها وآثرها على من وراء ستوره من الحرائر المحظيّات فضلا عمّن تحته من السريات. عاشت ما عاشت فريدة زمانها، لحسن العهد له في حياته، وتخصّصت بـإيثار الموت على صحبة غيره بعد وفاته. ]مشاهير إسلاميين[ ومن الإسلاميين سلمان الفارسي واسمه روزبه بن وهامان، الناشئ من قرية جيان، خادم رسول الله (صلّى عليه وسلم)، الذي أجاب قبل أن أهاب به داعي الاسلام، وسما بجناحي علمه إلى أرفع الأعلام، بعد أن شيّب في تصفّح الكتب ناصيته، حتى بلغ من العلم قاصيته، وتبحّر أديان القسوس والأحبار، ووقف منها على مغيّبات الأخبار، متوكّفا عمره بروزَ السراج المنير من الحجب، ومتسمّعاً لدعوة الحق التي دل عليه أنباء الكتب، فلما أن أشرق له صباح الإيمان، وتألق مصباح الإيقان، ووضحت المحجّة، ولزمت الحجّة، انصبّ له مطاوعةً انصبابَ السيل للحدور، وانقضّ له مسارعةً انقضاضَ الكوكب في الديجور، باذلاً له نفسه وروحه، فضلاً عن حاله وماله، ونازلاً بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) نزول أهله وآله، حتى قال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «سلمان منا أهل البيت» وقال عليه السلام: «أنا سابق العرب إلى الجنة وسلمان سابق الفرس إليها وصُهيب سابقُ الروم وبلال سابق الحبشة». ويروى عن أبي هريرة أنه قال: لما نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) هذه الآية: (وإن تتولّوا يستبدلْ قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم( قلنا يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولّينا استبدلوا بنا وسلمان الفارسي إلى جنبه. فضرب بيده على ركبته فقال: «هذا وقومه». مرّتين أو ثلاثاً «والذي نفسي بيده لو كان الايمان يناط بالثريا لتناوله رجال من الفرس» أو قال: «من هؤلاء». والذي يدلّ على أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) عنى به أهل إصفهان قول سلمان على ما يروبه عبد الله بن عباس وأبو الطفيل قالا قال سلمان: أنا من أهل إصفهان من جي. وأن عبد الله بن عباس قال حدّثني سلمان قال: كنت من إصفهان من قرية يقال لها جي فلمّا قدمتُ يثربَ أريد النبي(صلى الله عليه وسلّم) رأيت امرأة إصفهانية قد سبقتني إلى الاسلام، فسألتها عن خبر النبي(صلى الله عليه وسلّم) فدلّتني عليه. وأبو مسلم صاحب الدعوة نابغة من نوابغ بعض رساتيقها تسمّى فاتق بفناء الكرج، من ولد رهام بن جوذرز وقيل هو من ولد شيذوش بن جوذرز. وامتدّ إلى خراسان متتبعاً لبلادها، متألفا لأجلادها، فلم يزل كان يربي بها طفل امرأة في حضن صبره، ويشوب ملقاً بدهاء، ويسرّ حسوا في ارتغاء، تأدية لدعوة الحق، وإسماعاً لكلمة الصدق، قارعاً باب الجمع والالباب، ومدّرعاً جلباب الأحباب سرّاً وجهراً، وعنفاً ولطفاً، أن استُجيبت بها دعوته، وتحصّلت بُغيته، وتجمّعت له كتائب من حماة الدين وذوّاده، وأعوان الهدى وأعضاده، تنخلع لها قلوب ذوى البأس، وتنقمع بها رؤوس الأحماس، فنضل عنها ناصحاً عن حريم الله بعضب باتر، ومكافحاً أهل الزيغ غير فاتر، ينكّس أعلام الخلاف والشقاق، وينكث مرائر الكفر والنفاق، ناقلاً للدولة الأمويّة، وثائراً بالعترة النبوية ومورقاً للدعوة العلويّة، وناقشاً عن صفحة الإسلام شوك الضلالة، ومثقفاً في صعدته أود الجهالة، حتى رخض وجه الأرض عن الأرجاس فانتعش به بنو العباس ومن أشعاره: (7) أدركت بالحزم والكتمان ماعجزت مازلت أسعى مليّاً في ديارهم حتّى ضربتهم بالسيف فانتبهوا ومن رعىغنماً فيه أرض مسبعـة عنه ملوك بنى مروان إذ حشدوا والقوم في ملكهم بالشّام قد رقدوا عن نومة لم ينمها بعدهم أحد فنام عنها توّلى رعيهــا الأســد وممّا يشير فيه يذكر أرضه إلى إصفهان: ذروني ذروني ما قررت فإنّني فأبعث في سرد الحديث عليكــم متى ما أهج يوماً تميد بكم أرضي كتائب سوداً طالما انتظرت نهضي وممّا يدل على أنه كان من إصفهان أن حدّث المدائني فيما حدّثه أن أبا مسلم قال لـأبي بكر الهذلي في مسامرته وذكر فتوح البلدان: خبّرني عن الذي تولّى فتح بلدنا إصفهان. فقال أبو بكر تولى فتح بلدكم العبادلة وعدّهم عليه. وممّا روي عن أبي مسلم أنه قال: أنا وسلمان نلتقى في النسب. ومن أسباطه بـإصفهان كان المكتني بكنيته أبو مسلم طاهر بن محمد بن عبدالله بن حمزة، من جوزدان جي، جدّ منشي هذه الرسالة من قبل جدّته، قائل هذه الأبيات مفتخراً بنفسه، ومخبراً عن أمسه وذا كراً جدّ جدّه في إحياء رسوم الدين وآباء آبائه الأعصاء على مخالفة اليقين: وما أنا إلا المرء أمّا فعاله له جانب قاسي الصفا ولربّما سجاياه ندّ فوق نار ذكائه إذا ما رآني حاسد غضّ طرفه يخوض حجاجية بروق فضائلي انا ابن الألى ساروا بكلّ كتيبةٍ رحاب مغانيهم سباط أكفّهم أولئك قوم أرفهوا طبع دهرهم فمن صغر الدنيا أقاموا ومن ردى إذا مااستجاروهم أجاروا وإن دُعُوا نفوسهــم للقتل تحيــــى ومالهم فحسنى وأما نعته فجواد يلين لداعي الحبّ منه قياد وأفكاره في المعضلات زناد كأني في عين الحسود رقاد وفي مسمعيه من ثناي رعاد وساموا العدى خسف الحياة وسادوا إذا ارتدّت الآمال وهي جواد وذبّوا عن الدين الحنيف وذادوا أقالوا ومن فتك الزمان أقادوا أجابوا وإن نصر الخطاب أجادوا لإمضاء حكم الجود فيــه يــزاد وهذا الفتى مع تشمّخه وتبذّخه وإطنابه في الفخر وإسهابه مقاربٌ لم يعد طوره، ولم يجاوز قدره، فإنّه كان استخلصه شاهنشاه عضد الدولة من إصفهان لنفسه من أبناء جنسه واستصحبه إلى بغداذ لما توسّم فيه من اللسن والذلاقة، وتفرّس فيه من الكياسة واللياقة. وهو حينئذ من أبناء أربع عشرة، فتدرّس الفقه هناك في سنة واحدة على أبي عبدالله البصري المعروف بـابن جُعَل الإمام في الفقه والكلام، ورؤيَ بعد مدّةٍ يسيرةٍ يكلّم خدّامه القيام قدّامه بلغاتٍ ستٍ عربية وفارسية وتركية وهندية وزنجية ورومية، لم أرَ بُداً الإجراء في منادح ممادحه طلقاً إن لم أتكلفّ ملقاً، لأنه اعتبط طريراً وهو من أبناء ثمان وعشرين سنة، وذلك أنه كان في قلب الصاحب كافي الكفاة منه وخز، وفي نفسه حزازة، لمنافرات جرت بينهما في مجلس عضد الدولة، ومناظرات في المذهب، خجّل أبو مسلم الصاحب بها، فلما أن توفّي العضد ورام هو الانكفاء إلى وطنه بـإصفهان وبلغ همذان، ورد من الصاحب على أبي عليّ بن السريّ العامل بها ابن عمة أبي مسلم هذا، كتابٌ ينذره ويأمره بأن يهلكه أو يتخبّط فيشركه، فأسرّ أبو علي في نفسه، وثبّط أبا مسلم هناك أياماً، يريه ذلك إكراماً، وجعل يركن إلى جانب التأخير والتقصير اعتلالا بصنوف المعاذير، واستمالة لقلب الصاحب بالقربات الكثيرة، وهو يأبى إلاّ عضّاً على شكيمته، وإصرراً على عزيمته. فاعتاص المرام فيه عليه، وسمّه كرهاً من قرطيه. ولو أَفَضْتُ في نعت من مضى بها أو غبر من دعائم بيوت الرياسة ووسائط عقود الزعامة والموسومين بالكرم والنبل والمتقدمين لشرف في الأصل، وإيراد ما بنوه واستوطنوه من القرى والدور، وإيضاح ما زاولوه من جلائل الأمور على ما أفاض فيه حمزة الإصفهاني في كتاب إصفهان وشرع فيه علي بن حمزة بن عمارة في كتابه المسمى بـقلائد الشرف ألجئت في تعليقه إلى استنزاف أنقاس المحابر، واستعارة أنفاس المحاضر، واستنفاد بياض الدفاتر، واقتناص نوافر الخواطر، ولا فائدة في التكرار مع عدم الاضطرار. ]أئمة العلم والادب من إصفهان[ ولم تخل هذه البلدة ونواحيها في القرون الماضية والسنين الخالية إلى زماننا هذا من أئمة ومتقدّمين في أساليب العلوم والآداب، كانوا الأصداف المعالي درراً، ومضوا لأسداف الليالي غرراً، وعزّ للأكثر منهم فيمن تطلع عليه الشمس نظير يدانيهم، أو شبيه يواريهم، فمنهم من بَعُدَ عهدهم، ولم أرم حصرهم، اذ لم أدرك عصرهم. وقد عدّهم حمزة الإصفهاني إلى زمانه في كتابه عداً، ومدّ الكلام في ذكرهم مداً، وكفانا مؤونة التكرار والتذكار، إلا أنّ الرسالة تأتي على ذكر كثير منهم، كما علقت به حبائل فصولها، ونيطت منه حمائل نصولها، ومنهم مَنْ في أيامهم وُلدت، وفي عُدادهم عددت، أو تأخرت عنهم قليلا وكِدتُ، فوطيت مواطئ أقدامهم، وصرتُ مصليا لسوابق أيامهم، ودلّني على مراتبهم وفضائلهم جدودي وأعمامي، إذ أخّرتني عنهم حدودي وأعوامي. واقتصرت هاهنا من ذكرهم على فهرس يكون رباطاً لأسمائهم الغابرة، واستنباطاً لمياههم الغائرة، وتاريخاً لأيامهم، ورفعاً لأعلامهم، ولم أودعها من أشعارهم وكلامهم وأخبارهم إلا القدر الذي تفحّى به القدر ويطيّب به، وثقّفته لائقا بمغزاي، موافقاً لمنتحاي، إذ لم يكن المقصود استقراء دواوينهم، واستقصاء. أفانينهم. فلا يغتاظنّ أحد لتقدّم اسم غيره فيه على اسمه، أو على اسم واحد من قبيلته وقومه، ولا ينسبنّ الناظر فيه الناقر عنه ما عسى أن يلوح فيه من التباك(8) الغثّ بالسمين، واختلاط الدون بالثمين، إلى نزارة التمييز والتحصيل، وعدم النيقة في التفصيل، أو غزارة مستولية على الرأي الأصيل، فإني فد تنكّبت في هذا الفصل ترتيب أسمائهم على مواجب درجاتهم، كما تجنّبت في سائره من الفصول تبويب أشعارهم حسب طبقاتهم، ولم أعن فيها بانتقاء وانتقاد، وإيثار مذهب وإجازة اعتقاد، وبالفرق بين حسبٍ ونسب، وبين فضل مكتسب، وبتعريف أحدهم بلقب، أو تمييزه لسبب، وبالتعمد في ترقية درجة واحد إلى التكنية من التسمية، والى التفضيل عن التسوية، فإن لكل واحد منهم مقلاً ومكثراً، ومبغضاً ومقتراً في فنِّ من الفنون مرتبةً مخصوصة، هو أصدقهم بها لصوقاً، وفي علم من العلوم مرقبةً منصوصة هو أنفقهم لها سوقاً. وقد أبليت عذري لئلاّ يتّجه لأحدهم عليَّ لائمة، ولا يلزّ بي من قِبَلِه وحشة، ولأ كون من لزوم عهدته بمعزل، ومن رجوع تبعته بمزحل. فأبدأ بمن اعتلجت أسماؤهم في صدري، وزاد ذكرهم في فكري من المتفقهين والفرضيين العارفين بالأحكام الذين بهم قوام الإسلام. والفرق بين الحلال والحرام أولى الطرائق الرشيدة والمذاهب الحميدة من حملة القرآن المتقنين له أبلغ الإتقان، الحافظين لقراءاته ورواياته، المدرسين لسوره وآياته. ومن أصحاب الحديث نقلة الأخبار وحفظة السنن والآثار ولَقَطَة كلمات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكتبة محدّثاته تحرّك أو تكلّم، الذين لهم في روايتها سعة المجال ومعرفة بالرجال، ومن المتكلّمين المجادلين في الشريعة أحسن جدال، المناضلين عنها أتمّ نضال، حماة الاسلام ومالكي أزمة الكلام، ومن مصاقيع الخطباء والواعظين من الصلحاء، والمذكّرين النصحاء، الصوّامين بالنهار القوّامين بالأسحار، قامعي النفوس اللاهية بالإشارات الإلهية، أصحاب المواضع الرادعة، والنصائح الصادعة، والالفاظ الرائقة، والمعاني اللائقة، والبوادر المقلقة، والنوادر المشوقة. يزينهم التمسك بالتنسك، والتضرّع في التورع، وجمعت ذكرهم في باب واحد لانخراط الجميع في سلك الشّرع واختلاطهم في الأصل وإن اختلفوا في الفرع. ]المتقدمون من علماء الشريعة في إصفهان[ فمن متقدّميهم: الشيخ عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان، وأبو عبدالله محمد بن إسحق بن يحيى بن منده، وأبو نعيم أحمد بن عبدالله بن أحمدبن إسحق الحافظ، وأبو بكر الأشناني، وأبو عبد الله بن ماشاذه، وأبو سهل عمر بن أحمد الصفّار، وأبو بكر محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه، وعبدالله بن أبي القاسم، وأبو بكر بن أبي على، وأبو بكر بن أبي القاسم بن جعفر المعروف بالقاضي، وأبو عبدالله محمد بن إبراهيم المعروف باليزدي الجرجاني، وأبو سعيد النقّاش، وأبو عيسى المافروخي، وأبو أحمد العسّال، وأبو الحسن عليّ بن عبدالله بن عمرو، وعلي بن ماشاذه، وأبوبكر القصّار، وأبوالفتح البنجري، وأبو بكر المقري، وأبو عبد الله الملنجي، وأحمد بن جعفر الفقيه، وأبو سعد الجوهري، وعبدالله بن أبي بكر بن ريذه، وأبو الحسن المعروف بواره، وأبو بكر بن أبي الحرث، وأبو بكر بن فورك، وأبو بكر بن محمد بن عبدالله بن علي بن ماشاذه، وأبو بكر محمّد بن عبدالله بن ريذه، وأبو عبدالله بن مردويه، ومحمد بن يوسف البنّا وعليّ بن سهل، وأبو علي البغداذي، ومحمّد بن عبدالواحد بن عبدالله، والفضل بن عبيد الله، والاستاذ أبو سهل الصعلوكي، وأبو القاسم الداركي، والقاضي أبو نصر سيبويه، وأبو القاسم الفضل بن سهل، وأبو بكر بن محمد بن علي الواعظ علي الأسواري، وأبو منصوربن معمر، وأبو منصور ابن إسمعيل، وأبو منصور الخياط الفقيه، وأبو القاسم الفضل بن عبدالواحد بن الحسن بن عيسى الفقيه، ومحمد بن علي الجوزداني، وأبو محمد الطيراني المقري، وأبو الحسن الكاري، ومحمد المعروف بقبج الفرضى، وأبو الحسن بن زنجويه، ومحمد المصري، وأبو المظفر عبدالله بن شبيب المقري، وأبو علي الحسين بن عبدالله بن منجويه، وأبو الحسن بن أبي عبدالله اللنباني، والأشرف الجعفري، وأحمد بن أبي سعد، وعبدالجبار بن بشرويه، وأبو سعيد محمد بن أحمد بن جعفر الواعظ، والقاضي المقدام أبو البدر محمد بن أحمد بن إبراهيم، وأبو محمد عبدالله بن محمد اللبّان، وأبو القاسم عزيز بن محمد بن معبد، وحمد بن عمران، وحمد بن داهر، وأبو بكر المعروف بجشمجي، وأحمد الباطرقاني، والقاضي أبو محمد عبدالله بن أبي الرجا، ومحمد بن الفضل الحلاوي، وعبيد الله بن محمد بن يحيى بن منده، وأبو الحسن بن عيسى الحسناباذي، وعبدالواحد المعروف بالمصري، وأبو الفتح الانصاري، وأبو الحسن على المعروف بالسوذاني، وأبو على الحسن بن يونس، وأبو الغيث عبدالملك بن المظفّر بن عطاش، وعليّ بن شجاع المصقلي، وابنه شجاع، وعايشة الجر كانيّة الوركانيّة، وكريمة بنت أبي سعد بن ممجه، وأبو الفتح منصور بن الحسن بن علي. ]المتأخرون من علماء الشريعة في إصفهان[ ومن متأخّريهم العصريون: الشيخ الرئيس أبو عبدالله القاسم بن الفضل، وأبو محمد عبدالله بن محمد الكرواني، وأبو بكر عمرو بن محمد المعروف بالشيرازي، وأبو سعيد الراراني، وأبو منصور بن شكرويه، وحمد بن فورويه، وغانم بن محمد بن عبدالواحد، وغانم بن الحسين بن الخصيب، وأبوشكر غانم بن عبدالرحيم، وأبو المظفّر ابن سهل، وأبو غالب هبة الله بن محمد بن هرون، وأبوالفضل حمد بن أحمد المعروف بالحدّاد، وأبو القاسم بن مقرن، وأبو سعد المعروف بالمطرّز، ومحمد بن أبي سعد البغداذي، وأبو سعد بن عبدالوهاب، والمفضّل بن الأشرف، وأحمد المعروف بالجلودي، ومحمد بن عمر بن العزيز، والمطيار بن أحمد بن زيدان الرستمي، ومحمد بن أبي نصر الكرواني، وأبو طاهر الفرقدي، والكيا ابو فيلكيا الجيلي، وأبو محمد ابن يحيى بن زكريّا، والكيا أبو إسحق إبراهيم، وأبو جعفر محمد بن الحسين بن علي الإصفهاني الفقيه، وأبو الفضائل عبدالواحد بن سعد بن عبد الواحد بن محمد بن سعيد، وأبو العلا عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن يحيى منده، وأبو مضر بن جرير، وأبو نصر بن سيبويه، وسليمان بن إبراهيم بن سليمان، وأحمد بن بشرويه، والشريف عباد الجعفري. ]المتقدمون من علماء العربية في إصفهان[ ثم أقفّيهم بذكر المتبحّرين في النحو والإعراب، المتبصّرين بغرائب الأبنية ولغات الأعراب، المقتضبين للأشعار المنقحة، والمخترعين للمعاني المستملحة في العربية والفارسية، والموقعين المحسنين إنشاء، والمترسّلين المجيدين إملاء. ولم أفرد طبقة من الطبقات من إخوانها، إذ الكلّ حاصلة على التشارك، متواصلة في التشابك. فمن متقدّميهم: الشيخ أبو علي المرزوقي، والشيخ أبوعبدالله الخطيب، وأبو سعيد الرستمي، وأبو مسلم طاهر بن محمد بن عبدالله بن حمزة، وأبو الحسن بن شبريس، وأبو حفص بن أبي علي، وأبو الحسن علي بن أبي القاسم، وأبو العلاء بن سهلويه الهرندي، وأبو الفرج بن هندو، وأبو محمد عبدالله الخازن، وأبو العالي بن أبي العلاء، وأبو القاسم بن أبي العلاء، وأبو الحسين بن أبي عبدالله بن أبي منصور بن فلاشاه، وأبو طاهر الخيّاط، وأبو محمد الفرقدي الملقّب بقوام الملك، ومحمد بن ثابت النميري، وأبو الطيب بن منده، وأبو الفتح رجاء بن يحيى وسعد بن أبي الفتح، وأبو الفتح أحمد ابن علي المافروخي، وأبوالقاسم الراغب، وأبو مضر زرارة بن الفاخر، وأبو المطهّر المجلّدي، وأبو عبد الله الباذي، وأبو علي الأردستاني، وعبدالواحد بن عبيد الله، وابو علي الباذي، والحسين الخوانسالار الجرباذقاني، وأبو المظفّر منصوربن أحمد بن زايدة، وعبدالصمد بن دليل، وأبو القاسم بن عبدالواحد بن زكريا، ومحمد بن أبي سعيد الوزير، وأبو علي إسمعيل الوثابي، وأبو نصر المفضّل بن أحمد بن أحمول، وأبو زيد بن علي بن القاسم، وأبو عبدالله الأبرقوهي، وأبو علي سبط الوزراء، وأبو الفضل أحمد بن محمد بن شهمردان، وأبو الفرج بن يونس، وأبو محمد الجرباذقاني، وأبو الفضل جعفر بن عبدالله بن محمود، وأبو بكر الكوكبي، وأبو الفضل الكوكبي، وطاهر المحتسب، وعبدالواحد بن محمد الخصيب العسال، والاستاذ الأعز أبو الفضل، وأبو منصور بن روجوميذ بن آذرجشنس، والمرجا بن الأشرف، والعلوي الوردي، وأبو سعد خرزاذ، وأبو الفتح زرنزاذ، وأبو منصور بن الحسن بن زريزاذ، وأبو الفضل زيد الأبيوردي، وأبو العباس الخوزاني، وأبو القاسم علي بن محمد بن بديع، وأبو الفتح الحسن بن اسمعيل، وإسمعيل بن أبي زيد الأبوي، وأبو نصر بن حامد، والأستاد أبو زيد التيجاباذي، وأبو القاسم بن أبي زيد، وأبو سعد النختكيني، وأبو عبدالله الأنداءني، وأبو سعد القمي، وأبو الفتح الكرجي، وأبو مضر بن أبي عدنان بن أبي الفوارس، وحمد الوركاني، وأبو الفرج عبد الله بن عبد الواحد، وأبو الفتح بن أبي العياض، وأبو علي بن سهلويه، وعلى بن بندار المؤدّب، والأستاذ الأوحد أبو محمد الحكيم بن أبي الوفاء المرزوقي، وأبو مسلم بن مهريزد، ومحمد الجوهري الواعظ، وكامروا بن بطه، والأستاذ أبو طالب منصور بن أحمد، وأبو المظفّر بن ناجيه، وأبوالفضل أحمد بن محمود، وأبو عبيد المعروف بالضّراب، وأبو نصر البنجاباذي، والأديب أبو حاتم محمد بن الحسن الباذي. ]شعراء الفارسية باصفهان[ ومن شعراء الفارسية: التيميارتي أبو نصر كذه، وأبو المظفّر الحسناباذي وأبو الفتح ابن قولويه، وعلي المعروف بالبزار، وأبو الفتح بن باجعفر، وعلي بن أحمدله وأبو نصر المعروف بالخشّاب، وأبو الفضل أحمد بن محمود نكروذه. (9) والأستاذ الكافي أبو الفضل زيد بن الحسين بي علي بن أبي القاسم، والأستاذ المهذّب أبو طاهر كمج القمي، والشيخ أبو نصر محمود بن القاسم بن الفضل، وأبو الرجا الحسن بن محمد بن عوذ، وأبو غالب القاسم بن محمد الرستمي، وأبو زيد الحسن بن محمد بن الحسن بن يزيد، وأبو الفضل إسمعيل بن محمد الجرباذقاني، وأبو العباس أحمد بن عبدالله البنداري، والأديب أبو عبدالله الحسين النطنزي، وشيخي أبو الفضل سعد بن الحسين المافروخي، وأبو محمد عبدالله المعلم، وأبو علي ابن بنان القمي، وأبو العلاء بن أبي علي المهروقاني، وبختيار بن بنيمان، والأستاذ أبو نصر عبدا لواحد بن المطهر، وأبو الرجا حامد بن محمداله، وأبو القاسم علي بن حمزة المشهدي، وأبو محمد بن أبي المعالي الفرقدي، وأبويعلي عبدالرزاق المنشي، وابنه الاستاذ أبو المعالي، وأبو نصر الجرباقاني المعروف بالدواتي، وأبو منصور أحمد بن المظفر الوراق التميمي، وهشفروز بن خُره بن بنيمان، والشيخ أبو حفص الجاري، وأبو نصر بن أبي حفص الجاري، والأستاذ الكامل أبو نصر بن زميل، وأبو منصور بن زكويه، وأبو سعيد المطهّر بن سهل، وأبو زيد بن أبي القاسم بن أبي طالب، وأبو محمّد بن أبي سعد بن جكله، وأبو العزّ بن أبي هاشم بن جكله، وأبو الفضائل عبّاد بن أبي عدنان بن أبي الفوارس، وأبو الفتح السوذرجاني، وعبدالغفار بن كقوتربرا، ومحمد بن أبي سعيد المعروف بالفضاض، ومحمد بن أحمد المؤدّب المعروف بالصفّار، وأبو مسلم عبدالعزيز بن محمد بن الفضل، ومحمد المعروف بالدوائي، وأبو المعالي عبادبن منصور بن أبي الأسود، وأبو مضر بن أبي طالب بن غياث. وسعد بن عصمة، وأبو المرجا سبط عبدوس، ونصر الطرازي، ومحمد بن فضل بن أحمد الشلمكي الشرفي، وعبدالملك، وعبّاد بن سعد السراج الأزهري المافروخي، وأبو الحسن بن مهدي المعروف بالهمام أبو الفضل در فيروز الفخري. ]رجال إصفهان في العلوم المختلفة[ ثم أتبعه ذكر الفلاسفة والمهندسة والمنجّمين المتفرّسة والأطباء المتنطسة، المخبرين عن مبدعات الأفلاك، المنتقدين بلطف معالجاتهم، المشفقين على الهلاك، الذين بهم علم عدد السنين والحساب، ووَجَدتِ السلامة من الأسقام والاوصاب، وتهدي إلى الدقايق العلوية والحقائق الكلية والجزويّة، وقصرت عليه فصلا، لتقارب العلوم وتساهمها. فمن متقدّميهم: الشيخ أبو علي بن مسكويه، ويوسف اليهودي، وأبو الحسين الصوفي، ويعقوب اليهودي، وأبو بكر المطرّز، وأبو منصور بن سمويه، ومحمد بن علي المقدّر، ومحمد بن أحمد المنجم وأبو منصور بن زيله، وأبو الفتح محمد بن عبدالله بن ممجه المعروف بالمعجز، والفرج بن زره، وأبو اسحق المطرّز، وبهمنيار ابن المرزبان، ومحمد بن عبدالرحمن بن مندويه الطبيب، وأبو عمرو بن قدامة وأبو الحسن علي بن عبدالرحمن، وأبو الحسين المدعو بلفرج، وأبو الفرج رجا بن نصر المدعو بلفرج، وأبو سهل الكحال، وثابت بن قرة، والفرج بن سهل اليهودي، وأبو الفتح المعروف بورزرده. ومن متأخريهم أعني العصريين: الشيخ الرئيس أبو نصر محمود بن القاسم ابن الفضل، وسروشيار بن بنيمان، وأبو علي الحسن بن محمد، وأبو الفتح محمد ابن عبد الله تلميذ الحازمي، وأبو علي بن ديزويه، وأبوعلي المعروف بالقزويني، والحكيم أبو طاهر بن ]بياض في الاصل[ والحكيم أبو الفرج بن يوحنا، وأبو طاهر بن ثابت، وعمرو والمتطبّب ونعمان بن سعد أبو زيد بن سعد. ]شخصيات قدمت إصفهان[ ومن قدم إصفهان من أهل بيت النبي(صلى الله عليه وسلم) ومن أصحابه: أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعبدا لله بن الزبير (رضي الله عنه) مجتازين إلى جرجان، وعبدالله بن عامر بن كريز سبط عبدالمطلب. ومن الفضلاء وأهل الادب واللغة: الأصمعي، ومحمد بن هشام، وذو الرمة، والجرمي صالح بن إسحق أبو عمرو قطرب النمري. ]الابرار والصلحاء في إصفهان[ وأنه لم يزل بها أبدال أبرار وصلحاء أخيار، تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، ويستأنسون بوحشة المساجد، يعبدون استكانة وضرعاً لهم في الناس كرامات، وعلى الزلفى عند الله علامات، وحُكي عن إبراهيم بن محمد النحوي أنه قال: خرج قوم من إصفهان إلى ذي الرياستين في حوائج لهم، فقال لهم، من أين أنتم قالوا من إصفهان. قال: أنتم من الذين لايزال فيهم ثلاثون رجلاً مستجابي الدعوة. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: إن نمروذ بن كنعان لما أراد الصعود إلى السماء كتب في البلدان يدعوهم إلى محاربة رب العالمين، فأجابوه كلهم إلا أهل إصفهان. فحمل منهم ثلاثين رجلاً مقيّدين، فلمّا نظروا إلى وجه إبراهيم (عليه السلام) آمنوا به، فقال إبراهيم (صلوات الله عليه): اللهم اجعل أبداً بإصفهان ثلاثين رجلاً يستجاب دعاؤهم. وضمّن الشاعر معناه قولـه في قتل مرداويج الذي تورَّد إصفهان آخذاً في جباية الخراج أضعافاً مضاعفة، واستصفاء أموال النعم بها والإجحاف عليهم بتثقيل وطأته، حتى ألجأ أهل الخراج إلى الإخلال بالضياع، وأشرفت الدور على الخراب، وأربابها على الانقلاع والاغتراب، واشتدّت شوكته، واستحكمت مريرته، فقتل على يد بعض غلمانه في الحمّام شرّ قتلة على حين غفلة: عَلَت إصفهان الأرضَ فضلاً مبيّناً ومن فضلها أن الخليل دعا لها فَصِرنا به في ظلّ عزّ ومعقلٍ فمن يبغها غيّاً غوائل ينتكس ولـمّا يئسنا من تولّي أمورنا تجرّد في الحمّام يطلب راحة فعــــــاجله التركـــيّ لله درّه على كلّ صَقع والطوائفُ تشهد عليه سلام ما دعا متهجّد حصينٍ أمينِ الركنِ ليس يُهدهد وأورطه الأمر الذي كان يقصد ولايأس من روح الذي نحن نعبد وغلمته في قتله قد تجرّدوا بمشقصةٍ والغرب منهـــا محــدّد ولغيره: جعل الله إصفهان قديماً فهي شوم على الظلوم فتوك من بغى أهلها الغوائل والسّــــو في حمى دعوة الخليل أبينا بالطغاة الخوارج المعتدينا ء أذاقته فــــي الهـــوان المنونا ولا يكاد يتمّ لمن ينوي فيها سوءاً ما ينويه، أو يتأتي له فيه ما ينتحيه، فكلّ من ألقي إليه أزمة إمارتها، أو أوتي مقاليد وزارتها، أو احتوى على شيء من ولايتها، إن كان برّاً بالرعيّة عدلاً، ازداد بهم تحفّياً وفضلاً، وإن كان سيّء السيرة ذميم الوتيرة أخذ فيهم بالإنصاف، وانحرف عن طريقة الاعتساف. وعلى ما أفصحت عنه التجارب، وأجلت عنه العواقب، قلّ من المستولين عليها من لم يطّرد فيه هذا القياس فأُملي له، وأطالت الأيام طيله. وممّا يليق بهذا الباب ما قاله عبدالرحمن بن زياد: لما ورد على علي بن عبد العزيز كتاب من بعض أصحاب الأخبار بـالتيمرة من نواحي إصفهان ينبئ عن سوء صنيع العامل في الرعية وقد حضره أهل البلد أيها الأمير أهل هذا البلد أطوع أهل المملكة وسلاحهم الدعاء، ومن عدل فيهم رأى الزيادة والنماء في أسبابه. وقول خرقولة المجوسي من قرية انداءان للمسمعي إذا حضره الوقت الذي أرجف فيه بموافاة حامد بن العباس ودخل قلب المسمعي منه رعب شديد: ليت هذا الرجل دخل إصفهان فإنه إن لم يعدل تولّى الله قتله وجرى عليه ماجرى على من كان قبله. فممّن همّوا في أهلها بسوء السيرة وأخَذَهم الله أخذ عزيز مقتدر نمروذ، لـمّا أن سرّب إليها أشدّاء عسكره بهدف قلع زروعها، وطمس عيونها، وقتل رجالها، وسبى نساءها وأطفالها، وسوق ما يجدون بها من الأغنام والدّواب، تجمّع في مصلاّها المشايخ والأعجاز والنساء المرضعات من أهلها، وأحضروا الزمنى والمرضى والبهائم وأولادها، وفرّقوا بين النساء أولادهنّ والبهائم وأولادها، فكانت تحنّ إليها إلأمّهات، والأولاد تضجّ وتصيح، والناس يدعون ويبكون سبعة أيام، حتى ورد العسكر موضعاً يقال له ايزدخواست، وقدّموا جاسوساً ليتعرف خبر الناس، فلمّا رأوهم على حالتهم، ألقى الله في قلبه الرعب، وهاله ذلك، ورجع إلى أصحابه ليحذّرهم وينذرهم، فصادفهم تحت ثلجة وقعت عليهم موتى لا يملكون حركة ولا يسمعون صوتاً، وما بالربع من أحد، فبنى بعده بذلك الموضع قرية وسمّيت ايزدخواست و معناه: أراد الله، أي أراد إهلاكهم. ولما ولي المنصور رفع مراتبهم، وورد عليه خبر التياث أمرها على بعض عمّاله، فسخط عليهم، فقال، لأبعثنّ إليها من يبوّرها. فقال وهجون المولى: أعيذك يا أمير المؤمنين من ذلك، ثمّ حدّثه بالحديث المتقدّم وأمر عسكر نمروذ، فقال المنصور: دعني من خرافات المجوس إلا إنه عمل فيه فأمسك عنها. وكتب إلى العامل بتألّفهم وترشّيهم والإحسان إليهم. وأحمد بن عبدالعزيز فإنه كان حسن السيرة في عنفوان أمره، ثم أساءها في آخر عمره، وبعث أحمولة البروجردي إلى المعتضد، فقاطعه على إصفهان والجبل، فما رجع أحمولة حتى مات أحمد بن عبد العزيز بـإصفهان، ومات هو في طريقه وزالت دولة آل عجل. ويعقوب بن الليث لما عزم على قصد إصفهان في منهزمه عن مواقعة أحمد بن عبد العزيز مغضباً متوعداً لأهلها، فاتصل خبره بأهل إصفهان ففزعوا إلى المصلّى والمساجد من المجالس والمجاهد، فثابروا على الدعاء فمات يعقوب فجأةً. وأبو ليلى بن الحارث بن عبد العزيز في خروجه على السلطان ومحاربة النوشري، فكان قد قسّم أبو ليلى ضياع إصفهان الخراجية بحذافيرها على غير طائفته ونفيرها، ووهب دور أهلها لهم، وتداخل الناس منه ما هالهم، وواصلوا بالتضرّع إلى الله ابتهالهم، فلمّا، أقبل النوشري استقبله أبو ليلى راكباً، فلما كان بـإزائه حرّك أبو ليلى فرسه وسيفه مسلول، فعثر فرسه ووقع السيف في أوداجه فسقط ومات قبل انتقاض عجاجه. ومحمد بن حسنويه الرازي لما وليها وألزم أهلها التقسيط الجاري مجرى الخراج، وسلك من طريقته الجور ما سلك، فما بقى إلا قليلاً حتى هلك. والمسمعي لما خرج إلى مدينة السلام ورام المقاطعة عليها، فأقام بها مديدة وقوطع، فلمّا صدر عن العراق إلى إصفهان فاجأه أجله وكفيت المهمّات. واللشكري رئيس الديالم قصدها سنة تسع عشرة وثلاثمائة في طائفة منهم، واعداً لهم أن يقسّم عليهم دورها وضياعها، وأن يبيحهم نساءها وأموالها، فواصل أهلها الدعاء عليه، وتجريد الهمم إليه، فلمّا بلغ فناء قلعة ماربين برز إليه أحمد بن كيغلغ الشحنة، ودخلتها الديالم واللشكري قد تأخر مع جماعة، فعارضه ابن كيغلغ فقتله، وردّ رأسه إلى البلدة في مدة ساعة، وقال فيه بعض الشعراء من قصيدة طويلة: جاء اللعين اللشكري بعصبةٍ فرموا بسهم كيغلي صائبٍ فتواكلوا وتخاذلوا وتقطّروا لولا الأمير وحفظه لبلادنا ولما رأيتَ بـإصفهان وقطرها فــرّ الكماة وذبّ عنّا وحــــده مخذولةٍ مثل الدبا متبدّدا مازال ينفذ في الطغاة مسدداً جرحى وقتلى في الفيافي همّدا كنّا عناة أو وحوشاً أبّدا زرعاً ولا ضرعاً ولا مستوقداً والليــث تحمـــى خيسه متفرّدا وروي عن خالد بن سمير قال: قصد إصفهان ملك زماناً يريد بأهلها سوءاً، و يعتقد فيهم شرّاً، وأزمعوا على الهرب، وحاور كلّ منهم مفرّاً، فقالت لهم عجوز منهم: مالي عندكم إنْ أنا كفيتكم هذا الخطب، وخلّيت لكم السرب من غير أن يمسّكم نصب، أو يزعجكم هرب؟ فبذلوا لها ما أرادت فأتت الملك وقالت: أيها الملك ألست تأكل وتشرب وتلبس كما آكل وأشرب وألبس، وإن كان لك في ذلك فضل الطيب واللين؟ فقال: بلى: قالت: فإذا تساوينا فيما ذكرت ولم يكن لواحد منّا فضل على صاحبه فيما يحتاج إليه لعقد زوجة وسدّ حاجة إلى مالا يستغني عنه المخلوق، وكان حظّك من الدنيا التي تنتفع بها هذا القدر، فما حاجتك إلى ظلم الناس وقتالهم وأخذ أموالهم؟! ومع ذلك هذا بلد ما قصده أحد بظلم إلا وكانت الدبرة عليه، ثم حكت خبر جوذرز، وأهل إصفهان مع نمروذ، وجماعة كانوا بعده ممن قصدوا إصفهان بالمكروه فنكبوا، فارتحل من ساعته. ويحكى أن أوّل خارجي ظهر بالجبل كان خربان بن عيسى أخو أبي دلف. وهو أشدّ الناس، وكان ممسوح الأبطين، وخرج بها ولم يبلغ عشرين سنة، ولا استوت لحيته، وتمكّن بها حتى أنه كان يأخذ ما يحمل من إصفهان إلى السلطان، وتمنع الميرة عنها ثلاث سنين، وأخذ أهلها في مواصلة الدعاء عليه حتى صار من سبب هلاكه أنّ الرشيد وَعَد جارية له مالاً مما يحمل من إصفهان، فقالت: أريد أروج من هذا، لأنّ خربان بن عيسى قد استأثر بأموال إصفهان. فتربّد وجه الرشيد حرداً، ودعا بيحي بن خالد البرمكي الوزير وحلف عليه لئن لم يحضره خربان أو رأسه ليقتلنّه. وأهمّته نفسه فأوجس فيها خيفةً، وتقدّم يجمع القوّاد، وإيذانهم بالناد، فانتدب له المعروف بـالأقطع فوافاه في أربعة ألف فارس، وجعل ينفض الطريق لئلا يتصل خبره بـخربان فيهرب، فوافاه على حين غفلة منه، فبرز إليه خربان وحده، فنادى الأقطع دعوا الفارس واقصدوا الفَرَسَ، فلم يزالوا يرمون الفَرَس حتى سقط وحزّ الأقطع رأس خربان وبعث به إلى الرشيد. ]حسن خدمة الاصفهانيين[ فالملوك كانوا يؤثرون بخدمتهم من كافة رعاياهم على الإصفهانيين لتودّدهم إليهم، وتوجّههم لديهم، ولأنهم لم يلقوا آخَذَ منهم بالأدب، وأجَمعَ لما يترشّح به المرء لخدمة الملوك من حسن المناظر وطيب المخابر والإقدام والبسالة والبيان والفصاحة، حتى أن خواص خدم الأكاسرة كانوا من أهلها لسكونهم إليهم ووثوقهم بهم، وأول من كان رُفع لهم الستور بباب الملوك أهل إصفهان ثم أهل الماهين ثم أهل الري ثم أهل سجستان ثم أهل السواد ثم أهل آذربيجان. وحكى أن كسرى أبرويز أمر بـإحصاء من في خاص خدمته محققاً، فاستعرضوا فوجِدَ في جملة ثلاثمائة وثلاث وسبعين رجلاً مائتان وثلاثون رجلا إصفهانياً، وأنهم لم يؤهلوا بحفظ الراية المسماة درفش كابيان غير أهل إصفهان. وكان عاقدها في القديم رجل من قرية كولدنه يسمّى كابي خرج على بيوراسف، ولم يكن يُعرف قبله العَلَم. وأن كسرى بن قباذ قال موصياً: لا يُنَزعَنّ درفش كابيان من آل جوذر، فإن فيهم بمنزلة الملك فينا، ثم إن كسرى أبرويز مع إمكانه واستعلاء شأنه أراد ارتجاعها منهم، ودفعها إلى أهل آذربيجان بصنائع كانت لهم عنده في منصرفه عن مجابة بهرام جوبين . ولم يكن من حفظتها بالباب غير أربعة رجال، فانتدب لانتزاعها من أيديهم رجال من الآذريّة فمانعهم من الأربعة رجل يقال له آل الفزيذيني في دركاه كسرى، وقتل منهم عدّة، فنشب بينهم الحرب، وكثر الطعن والضرب، واتّصل الخبر بمن في المدائن من الإصفهانيّين، فتساتلوا إليه إرسالاً نجدة، فنُميَ خبُرهم إلى أبرويز، فأنفذ من خواصه من سكّن نائرة فتالهم ودعا بـآل الفريذيني وقال: يا مشوّه الخلقة وكافر النعمة أتقتل ببابنا خدمنا؟! فقال، خلدت أيها الامير! مَنْ سلك فيما سلكوه كان حقيقاً لما حلّ بهم، نحن ورثنا آباءها هذا الدرفْش كما ورثتم الملك، فإن طابت نفسك برفع اليد عن ملكك طابت أنفسنا عن تخلية الدرفش. وأنّ المسمّى خوارزم الإصفهاني دخل يوماً على بيوراسف فغلّظ له القول حتّى امتعض بيوراسف واحتفز في جلوسه، ووثب من مجلسه إلى غيره، فقالت له أمه: لِمَ لم تقتله؟! فقال إن صواب القول حجز بيني وبينه. وأن شهرويه بن بوربد خسرو المعروف بنحد مرزبان من أولاد ويجن بن ويوبن جوذرز خرج يوماً في أربع مائة غلام إلى ثلاثين ألفاً قصدوا إصفهان للغارة عليها، فقتلهم عن آخرهم في صعيد واحد وأبقى منهم رجلاً قطع أذنه وجدع أنفه ليرد الخبر إلى أهاليهم، ثمّ ولاّه الملك أمر السلاح والكراع ليقوم مقامه في دار الملك، وجعله مرزبان إصفهان: ويروى أن أردشير بن بابكان لم يقدر على غلبة ملوك الأرض حتى أنجده اهل إصفهان. وحكى عن ابرويز قال لايتم أمرنا إلا بمعونة أهل إصفهان وفضّل أنوشروان جند إصفهان على جند الأرض، وكان يختار منهم أهل فريذين الرار. وأن شبانه بن الفريشان الإصفهاني من رستاق جي من قرية بزان قَدِمَ في وفود من العجم على الحجاج بن يوسف، وكان لهم ببابه مجلس يتفاخرون فيه، فكان فيهم بهرامجشنس الرازي رئيس أهل الري وخطيبهم، ولم يزل كان يفضّل إصفهان على سائر البلدان، وتذكّر صحّة تربتها وهوائها وطيب مائها وكثرة أهلها وتقدّمهم عند الملوك، إلى أن أغضبه يوماً رجل من أهل إصفهان بالوقيعة في الريّ والانتقاض لأهلها، فقلّب بهرامجشنس ماكان يقوله كلّ مرة فأقبل يذمّ إصفهان ويعيبها وينتقص أهلها وشبانه بن الفيرشان حاضر في عدّة من أهلها. فقال شبانة: إقبل العافية والزم السكوت، فقد قال أنوشروان السكوت أفضل مروءة للرجال مالم يكن من العيّ، فقال بهرامجشنس الرازي: ما أخرجت من إصفهان إلا الفيرشان الذي تنتسب اليه أنت، فقال شبانة: إن الفيرشان وإن كان والدي فلم يبلغ جزءاً من ألف جزء من شرف أهل إصفهان. وما رأينا ملكاً فيما مضى فضّل على إصفهان واحداً أو استغنى عنهم حتى كان الأغلب على أمره أهل إصفهان. وكانت الاصفهبذية والقادعوسية والمرزبانيّة وغيرها من المراتب الجليلة. واعتماد الملوك لم يزل كان عليهم، وما رأينا من أهل الريّ أحداً لكم فيه مفخر إلا ما تذكرون من أمر رسن استقامه (كذا)، وبهرام جوبين. وقد فعل أقلّ من بـإصفهان مثل أفعالهما، وأن أهل رستاق من رساتيقها بل قرية من قراها يفي شرفهم بشرف أهل الريّ كلّها. ثمّ عدّ عليه رجالاً من رجالات إصفهان وذكر مقامات لهم وأيّاماً تركنا ذكرها. ]أدب الاصفهانيين وعقولهم[ وممّا يعينني على تبيين ما أقيمه من الدعاوي وتمرين ما أقومه من الملاوي قول أبي حاتم لأهل البصرة إذا عرضت عليه قصيدة سبعيّة على ألف قافية أوّلها: ما بال عينــك ثــرّة الأجفــان عَبْرى اللحاظ سقيمـةَ الإنســان يا أهل البصرة غلبكم والله أهل إصفهان. وحكاية الأعرابي المادح بعض أمراء إصفهان فلقيه في انصرافه عنه بعضهم فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من عند أمير هذه الكورة امتدحته ببيت شعر فأمر لي بعشرة آلاف درهم، وردّ عليَّ بيتاً أجود من بيتي. فقال له وما الذي قلت وما الذي ردّه عليك؟ فقال: كتبت اليه: إذا كــان الكريــم لــه حجابٌ فمــا فضل الكريــم على اللئيم فأمر لي بعشرة آلاف درهم وكتب إليّ: إذا كـان الجــوادُ قليــلَ مــالٍ ولم يعــذر تعلّــل بالحجــــاب وما يحكي عن عامر بن عمران حين دخل على هارون فقال له: ما اسمك؟ قال: عامر. قال: ابن من؟ قال: ابن عمران. قال: من أين؟ قال: من كورة إصفهان من موضع يقال له قم. قال: فمن الرجل؟ قال أشعري. قال: ما حاجتك؟ قال: أصلح الله أمير المؤمنين إن لي موالي وحشماً كثيراً فإن رأى أمير المؤمنين أن يعينني على نوائب دهري. قال: احتكم. قال: يا أمير المؤمنين وهل يُحَكّمُ بعد أبي موسى أشعري؟ فاستضحك هارون فأمر له بثلاثمائة ألف درهم. وأمثالها كثيرة لو بسطنا المقالة وسوّغنا الإطالة. ]نوادر المجانين فيها[ ومن أقوى القواعد والأساس في تبيين عقولهم على عقول سائر الناس، وأنهم أحضرهم جواباً، وأكثرهم وصواباً، حكايات رشيقة، ونوادر أنيقة، اتفقت من أقلّ أهلها حجى، وأنزرهم نهى، وأعجزهم عن الجدال والنظار، وأعياهم بالسجال والفخار، وأصغرهم خطراً في ذوي الأخطار، وأحقرهم قدراً بين أولي الأقدار، كالمخانيث والنساء والمجانين، وإن كان بعضها جارياً مجرى الدعابة والعبث، وسالكاً مسلك الخنا والرفث، وهي ممّا يورد ضحكة تنشط عقل الملالة، ويبثّ لعبة تنشّط لقراءة المقالة(1). ومن نوادر مجانينها، كان بها مجنون من قربة «باطرقان» حسن السقطات رائع الكلمات متوّدد إلى أبي علي بن رستم، ولم يكن دونه إذا حضر حجاب، ولا يصفق في وجهه باب، وكان من عادته إذا وافى دار أبي علي أن يقصد المطبخ أولا فيشبع، ثمّ يحضر ناديه، فدخل يوماً المطبخ فقدّم له شيء من القديح وقيل له كله فهذا من باقي الطبيخ الخاص، فأكل ولم يستطبه، فلما غشي المجلس قال له أبو علي: يا أبا فلان ألاطعمت شيئاً؟ فقال: بلى إلا إنه لم يعجبني ولم ألذّه، وإن كان الامر على ما أرى، لم تجاوز أكل الخرا. ولقى بعض مجانينها يوماً في بعض الطرق أبا الفتح بن العميد فتشبّث بعنان دابته وثبّطه، ثمّ قال: أيها الاستاذ إن النكاح بين أختك وبين فلان الذي زوّجتها إيّاه غير منعقد، وهي عليه كظهر أمّه حرام، فإنه لم تكن لك عليها ولاية ووالدها في الأحياء. وكان ابن العميد يتذوّب خجلا تارة ويتلمّس التملص من يده وهو يأبي تخلية سبيله وإقلال قاله وقيله، حتى ضربه ابن العميد ضربة بمقرعة أصابت سواء رأسه، فشجّته وشخبت شؤنه دماً مجّته، وارتدع ارتداعاً وجعل يعدو وتصّبب الدماء في وجهه شعاعاً ويقول على ما يعالجه من الوجع ويقاسي: جادلت في الفقه فشجّ رأسي. وكان بها مجنون مليح الالفاظ بارع النوادر يقال له أبو الفوارس، فحُكي للسّلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين، أيام مورده إصفهان وانهزام علاء الدولة، شدةَ فصاحته وروعةَ نادرته، فاستحضره وقال له: يا أبا الفوارس أنا أحبُّ إليك أم ابن كاكوية؟! يعني علاء الدولة. فقال له بالإصفهانية: تُه بشي واونْ ني مياذ. أي: مضيتَ أنت ولا عاد هو. ولـمّا تقدّم علاء الدولة ببناء سور البلدة ووزّع لنفقتها عليها مالاً تأذّى به أهلها، لقيه في بعض الطرق أبو الفوارس فقال له: أيها الأمير لعلّك تريد أن تجعلها باغاً! فقال لمه؟! فقال لانـَّك تخرّبها وتبتنى حولها حائطاً. ودخل يوم الغارة الشعواء على إصفهان في أيام مسعود بن محمود المسجد الجامع مع من فزعوا إليه، فبينا تراعفت ابواب المسجد بكراديس من الأتراك والهنود وسائر الأصناف من الجنود ينسلّون منها غضاباً، مشرعين حراباً، وشاهرين سيوفاً عضاباً، فاحتوشوهم ولم يجدوا عنهم وزراً، وتقسّمتهم النصال جزراً، فقُتل بعضهم صبراً، وأثخن بعضهم فضُرب ضرباً هيراً، وكان أبو الفوارس ممّن لم يجهز عليه، ثمّ أسي واندمل ما كان به ونسي، فوافق جلوسه بباب المسجد بعد سنين التأذين. فقيل له يا أبا الفوارس: ادخل وصلّ! فقال. لا أدخل منه قرباً، فإني دخلته دخلةً وقُطعت إرباً إرباً. وكان بها مجنون يقال له عبدالله فقيل له: لم لا تصلّي؟! فقال بالإصفهانيّة قولا: ورْدهِ خراب خراج نهو. معناه: ليس على البوار خراجٌ. ]رساتيق اصفهان[ قد عدت إلى الجدّ وجدده، والتصدي لما أنا بصدده، من نعت الأداني من رساتيقها، جملاً مغنية عن تفصيل تفاريقها، فقد مددت في الهوسِ نفسي، وجلجلت دون الخرس جرسي، وسيقول لي متتبّعها إذ رآها شرط باطلٍ، ووعدَ ماطلٍ: لقد ركب فلان في الهذيان رأسه، وركض في ميدانه أفراسه، وكل مجرٍ في الخلاء يسرّ، ومن لم يضغطه شدّة الأقران أعجبه الكرّ، وبالله أعوذ من دعوى مجرّد، وفحوى مبرّد. نعم ورساتيقها المنحازة إليها، المتلاصقة حواليها، يسقى بعضها من ماء وادى زرين روذ الذي معنى لفظه الوادي الذهبي، أي ينفق ماؤه نفاق الذهب. وطول مابين منبعه عين جانان إلى مغيضه جاخواني بأقصى رويدشت خمسون فرسخاً لا تهمل من مائة قطرة، ولا تنفذ في غير فائدة منه غرفة، وهو مأمون الضرر، جليل الخطر، قليل الغرر، منتشر البركات، ميمون الحركات، كثير السمكات، تشرب كل ضيعة منها شربها على مقادير مبيّنة، وفرض معيّنة، وموازين مقوّمة، وفجاجين مقسّمة لازيادة تخلّله ولا نقصان، ولا ربح يلحقه ولا خسران، إلا إذا زاد المدّ حدّه أو نقص الجزر قدره. وبعضها من القنوات الكسروية اللاتي مفتح كل واحدة منها عين نضّاخة على فراسخ استنبط ماؤها في بئر عادية، إلى أخوات لها متوالية، يتراجع نقصاناً عمقها، ويتدانى لوجه الأرض خرقها، حتى يبرز ماؤها في المزراع عفواً صفواً، معيناً رهواً، وبعضها يسيقها الماءان: ماء الوادي وماء القناة على اتفاق من آراء البناة، وبموجب القوانين المقنّنة، والدساتير المدوّنة، وبعضها أغذاء تغذّى بماء السماء، ليس لها من وادٍ شرب، ولا من قناة نصيبٌ. ومن الغرائب التي اقتضت الالتفات وأوجبت استدراك مافات، حديث جاخواني مشروحاً مبسوطاً، وهي ثمانية عشر فرسخاً في فرسخين، وإنما يبتلعه من فاضل أمواه أيام المدّ، ينبع على ثمانين فرسخاً بأراضي كرمان، واعتماد معظم بلادها وقراها في ارتفاع يتكثّر، وريع يتوفّر، وغرس يتثمّر عليه، وكلّما سمُع هناك بغزارة ماء هذا الوادي استبشر أهل تلك الديار غاية الاستبشار، وأيقنوا في القابل بالخصب والوعد الشامل. ثم لا يخطي أن يغزر ماؤها بغزارته، وينزر بنزارته، وإن ماء هذا الوادي يجرف أيام المدّ ما يعرض له من سمك وبنات ماء وبيض إلى تلك العرصة، فيحتبس هناك إلى أيام الجزر فينتابها الناس مع أسقية بأكتافهم منوطة، وسفائف إلى أخامصهم مشدودة، لئّلا تسوخ أقدامهم فيها، ملتقطين ما يجدونه من البيض الباقي في الغيض، ويكسرونها ويصبّون محّها إلى أسقيتهم وأوعيتهم، فيُنقل كل سنة منها إلى الناحية والبلدة أوقارٌ، وأكثر هذه الرساتيق ضياع وصحار فاهقة الانهار، أثيثة الأشجار، كثيرة الثمار، متكاملة الدخل، متكانفة الأهل، لا يعدم المضطرب في سمت منها غصناً أملوداً، وظلاً ممدوداً، ومقاماً مشهوداً، وأرضاً مفروشةً من السندس والاستبرق، بضروب من المنوّر والمورّق، كما قال ابو الفرج ابن وأواء الدمشقي. ألوانهــا شتّــى الفنـــون وإنّما غـــذيت بماءٍ واحد من منهــل قد أوسعت تغشيةً وتفنيقاً، وتوشيةً وتنميقاً، تحاكي بترابها العبير، وتباري بحصبائها اللؤلؤ النثير، وتشاكه بأنوارها الديباج والحرير، كأنها غارت على الغواني، فانتهبت من خزائنهنّ الأسفاط، وقطّعت من ترابيهنّ الأسماط، وأغارت على البزّازين فابتزّتهم علائق التخوت ونفائس الدسوت، تشمّ نسيماً معطراً، وتجلو بسيطا محبّراً، وتسمع شحاج جحاش، وثغاء كباش، وصفير عنادب خاطبة، وصرير جنادب نادبة، ونقيق ضفادع تتشاكي غرقاً، وشهيق علاجم تتباكي شَرَقاً، إلى روض وسمه وسميّ، فوليه ولي سحب عليه سحابه ذيلاً، فسحّ هيدبه له ذيلا، قد شاف عطفه كيلا، وأضاف من الصّبا خيلاً، أحسنت له نيلاً، فكسته حُلَلاً، وضربت عليه كُلَلاً، وأعلته من النعمة ظُلَلاً، أعجبت طرفك طرفاً، وأنشقت أنفك عُرفاً، وجَبَل بعضها معادن الفضة والكحل، وبعضها مكامن يعاسيب النحل، قد أوحى الله إليهنّ وبارك فيهنّ، وأمَرَهنّ باتخاذ البيوت منهنَّ، فمن كوّارة بها فوّارةٍ، ودباسة لهنّ حبّاسة، لزمتها فأنفدت مجاجها جهداً، وشحنت فجاجها شهداً، لم تأل فيها عملاً، حتى شارته عسلاً، تتهبهب في سفوحها التيوس والنعاج، وتقهقه في أحنائها القطا والقباج، وتتجاوب في معاطفها السماني والدرّاج ، وبعضها قد طمّ شعابه ما عمّها شتوةً من السقيط المتراكم والثلج المتراكب، الذي شيّب أفواه أطوادها، وأنضى خضاب هضابها، فلم يزل يتحلّب من شؤن قلالها، في صفحات إقبالها، سيول تفيض، ويستنزلها الحضيض، ترحض وجوها رحضاً، ويمدّ بعضها بعضاً، فتصير في قرارها سيلاً عادياً، يهيج وادياً، يفعم مشارع، ويعلّ مزارع، وصار أقرب شيء من الموصوفين ببيتي عبد الله بن أحمد الخازن: وأسال أبطحها وروّى خفيها والرّيح والموج الطموح تصاخيــا وسقى جداولها ومدّ حياضها متلاطمين كجــاهلين تعـــاضها يتطرّق مروجاً معشبةً، وآجاما آشبة، تتراغى فيها الأكوار، وتتراعاها الأعيار، ويتشاور فيها ثورها وسبعها، ويتوالغ ذئبها وضبعها، متقلّباً ماؤه في حجور أحجار تُصفّية وتُرفقه، مرتمياً على صفحات صخور تصفّقه وترقّقه يستبين الناظر في تلاطم مدوده قراره، ويعلن صفاءُ خدوده أسراره، كما قال الموسوي: وماءٌ يصارع خيط السّقا تُــزعزعُ ريـــــحُ الصّبا متنَــهُ ويرمي به في وجوه الشعاب كمــا لطـــم المزج خدّ الشراب ثمّ يفترق فتخترق أقطار البلدة في أنهار وسواق كالسيوف مسلولةً، وسبائك الفضّة محلولةً، والمرائي مشفوفة مصقولةً، إن درجت الصّبا في متونها انتشرت واندرجت، فتارةً انتسجت وانحاكت حصراً مبسوطةً، وطوراً انطوت فحاكت منشوطة، ومرّة تغضّنت تغضّن متون المبارد، وتبدّدت قلائد الولائد، تحوم عليها الأوزات حوماً، وتعوم فيها بنات الماء عوماً، فأخلِقْ بها أن تكون الأبيات التي وصف البحتري بها الجعفرية صفتها وهي: تَنْصَبّ فيها وفود الماء معجلةً إذا عَلَتها الصَّبا أبدت لها حُبُكاً فحاجب الشمس أحياناً يضاحكها اذا النجومُ تراءت في جوانبها لا يبلُغُ السمك المحصور غايتها يَعُمْنَ فيها بأوساط مجنّحةٍ تُغنَى بساتينها القصوى برؤيتها محفوفةً برياض لا تــزال تــرى كالخيل خارجةً من حَبلِ مجريها مثلَ الجواشنِ مصقولاً حواشيها وريّقُ الغيث أحياناً يباكيها ليلاً حسبت سماء ركّبت فيها لبعد ما بين قاصيها ودانيها كالطير تنفَضُّ في جوٍّ خوافيها عن السحائب منهلاً عزاليها ريش الطواويس تحكيه ويحكيهـا فالصوت لـلنيروزي بسهلان بن كوفي في فذين الذي هو أحد أنهارها، يشهد بأني لم أمعن في إطرائها، ولم أعن على نظرائها، مع أنّ هذا الشاعر لم يغل فيه، ولم يأت بما يناقضه العيان أو ينافيه، وهو: بدت زهرة الدنيا ومدّ فذين يجدّد حبّ العاشقين بحسنه تخال به سيفاً صقيلاً مهنّداً فأطياره يغردن في كــلّ سحــرة وطاب لديه للمحبّ مجونُ وغال قواهم زفرة وحنينُ له رقّة في جريه وسكونُ لهــنّ بافنـــان الغصـــون رنينُ والمتنزّهات اللاّصقة بالبلد لا تنحصر كثرة، إلا أني أذكر من مشهوراتها عدّة، كلّ واحدة منها تخيّل أنها الموصوفة بأبيات أبي العلاء السروي: أو ما ترى البستان كيف تجاوبت وتضاحكت أنواره وتسلسلت وكأنــما يفتــرّ غبّ القطر عــن أطيارُه وزها لنا ريحانُه أنهاره وتعارضت أغصانُه حُلــلٍ نُشِرن رياضُـــه وجنانه كحصن ماربين المعروف بـبيت النار، المشرف على الفردوس، المحفوف بمنى النّفس، الحائز لجوامع الأنس، الذي من علا به ربيعاً أو صيفاً اطّلع على عشرة فراسخ في رياض أزهارها زاهرة، وأجفانها ساهرةٌ، وروائح رياحينها فائحة، ووجنات ورودها لائحة، وسواقيها طافحة، لأمواهها سافحةٌ، وبنود شقائقها خافقة، وعيون نراجسها رامقةٌ، وقرى أشجارها باسقة، وأنوارها متناسقة، وغصونها متقرّطة بالأزاهير، وطيورها مترنّمة بالمزامير ، وأخرى أثمارها يانعة، وأطيارها ساجعةٌ، وألحانها متراجعة، والماء خلال جميعها ينساب انسياب الحيات، ويتغلغل في عروقها تغلغل الحياة. وكـكوذكرت ونفاذه العديمتي النظير والمثل، العزيزتي الشبيه والشكل، تخال أشجارها إذ نوّرت كواعب في ملاعب تهيّأت للرقص، فاصطففن اصطفافاً، وأبكاراً سكارى تزينّ للبعول تردن زفافاً، متسرولات سندساً وحريراً، متقنعات ملوّنات كثيراً. وكـقصر مغيرة الذي عهد، وفيه ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين من قدود سرو مصطفّةٍ، وأصول شتٍّ محتفّةٍ، وقامات أشجار ملتفّةٍ، إذا ناحت الريح فيها وضربت قوادمها على خوافيها، فأثارت نسيم مسك وعنبرٍ، ونشرت فروع ورد وعبهر، ونثرت عقود درٍ وجوهر، وأسمعتها دويّها وأعملتها أغانيها تواجدت تواجد الخرّد السكرى، وتمايلت تمائل الردّج الحسرى، وتثاقلت تثاقل العناة الأسرى. وكـنبذمهرارت الذي لم يسمع بمثله السامع، ولم يجمع كمحاسنه الجامع، فمن أشرف عليه رأى حواليه أراضيَ كُسيت بروداً منمنمةً، وأغصاناً حلّيت عقوداً منظمة، تنشرها أيدي الرياح وتطويها، وتقيمها همومها ثم تثنيها، وزرين روذ رافع عقيرته خريراً، كالهزبر همهمة وزئيراً، والقيق تخطماً وهديراً، والجحيم شهيقاً وزفيراً، يتزرّد متنه طوراً ثم يتجرّد، ويجيش تارةً ثمّ يبرد، كما قال ابن وأواء: وصفّرت الأطيــار بيـن رياضها ولبىّ لها القمريّ صــوت هـزاره بباب البلد اللاّتي لا ينقص مساحة إحداها عن ألف جريب، ولم يُرَ شرواها في بعيد ولا قريب، لم تزل كلّ واحدة منها تشتمل على نشر أنماط عبقرّية، وتحتفل بنشر أسقاط عنبرية، فيوماً تتبسّم عن أقاحيها ثغور نواحيها، ويوماً تتّخذ ميادين الورود آذين المورود، وطوراً تخفق في جوانبها مطارق شفق الشّقيق، مكلّلةً بالسيج والعقيق، وتارة تنغمس بها أعناق النيلوفر في الماء ضعفاً وسهراً، ككواكب السماء سحراً، وحيناً ترمق فيها عيون نراجس أجفانها فضيّةٌ مضيّةٌ، وأحداقها ذهبيّة لهبيّةٌ، وساعة تعرض بنفسجها كآثار العضّ، في البدن الغضّ، وفينة تنوس بها قطط الضيمران كجعد الديالم في الملاحم، أو طرد النواعم في المآتم، وآونةً تجلو تفّاحاً، كخد الخجل احمراراً، ولفّاحاً كوجنة الموجل اصفراراً، وزماناً تهدي رمّاناً، كثدي الكواعب نهوداً، وأعناباً أشبهت زنوجاً وهنوداً، ومرّة تري من ورق الزعفران رايات بنفسجيّةً، يذيع نشرها نشر المسك سجيّة ، لهن عذبات فاقعاتٌ من العقيان، إلى أخوات قانيات من المرجان، أو شفاه عشاق لعس تتصاعد من زفراتها ألسنة نار صفر، وتطاير أثناءها شرارٌ حمر، كما قال أبو القسم بن أبي العلاء: وأنواع أنوار تصوغ عقودها ووشي رياض تمتري عرفها الصبا كمثل الهديّ البكر تختال في الحلى وأبدت بها جيّ من الحسن منظراً يد القطر تأليف الجواهر في العقد فلا نتمارى أنه عَبَقُ الندّ وتخطر من شرخ الشبيبة في بُرد أجــدّ لنا شوقاً إلى جنّة الخلــد ولولم أرد اجتناب الإطناب فيما عسى أن يزيد جمالها جواراً، ويحدث خلالها أطواراً، من أصناف صنائف التحاسين في أكمامها، وأطراف طرائف الرياحين في أيامها كان في هذا الوادي متمطّرٌ للعادي. فمنها باغ فلاسان الذي من فرع ذروة قصره ناصي الفرقدين بكلتا اليدين، رائياً هيكلاً ذا تهاويل، وصرحاً ذا تماثيل، متى ما ترقى العين فيه تسهّل مشرفاً على جنة عالية، قطوفها دانية، وغصون خالية ثمارها آنية، ذات أشجار كالهدايا مجتليات، وأنهار كالكؤوس متملّيات، يشرب أصولها من الغيول، وفروعها من الطلول، قد شاف أعطافه يد القطر، وأساف عطافه روائح العطر، برز في معرض بيتي الصنوبري: وردٌ بدا يحكي الخدود ونرجسٌ والسرو تحسبــه العيــون غوانياً يحكى العيون إذا رأت أحبابها قــد شمّرت عن سوقهــا أثوابها وباغ أحمد سياه ذو رياض وحياض ومجالس متّسعة وقصور مرتفعة، وميادين رندٍ و آسٍ، ومضامير رطل وكأس، تتطلع منها براعيم لم تغفر أشداقها لشره، وأكاميم لم ترمق أحداقها عن مره، فكم ناظر فيه راق ناظراً، وأذن ولج أذناً، ونسيم صبا ذكّر أيام صبى، بين غواشي أوراق محلولة، وحواش رقاق مبلولة، وألحان مختلفة ومتّفقة، وأغصان مؤتلفةٍ ومعتنقة، ولا يشك متأملها أنها الموصوفة ببيتي الشاعر: وأخضرّ ناضره في أبيضٍ يققٍ مثل الرقيب غدا للعاشقين ضحىً واصفرّ فاقعه في أحمرٍ نُضِدا فاحمرّ ذا خجلاً واصفرّ ذا كمــدا وباغ كاران الممتع بزخارفه العين والخلد، المنفد بزخاريه الصبر والجلد، وقصراه المبنيّان بأعلى بابيه يقصر عنهما الهرمان، ويخيّل بروعتهما أنهما أرمان، ومنعتهما أنهما حرمان، أحدهما يشرف على حافة زرنروذ الزّاخر، والآخر يشرع إلى حذاء البلد وميدان الفاخر، من تعلّى أحدهما جاوز السماك الأعزل، وحاز من الصعود الحظّ الأجزل، مطلاّ على أراض كمخازن العرائس رائحةً، ورياض كأذناب الطواويس لائحة، وجداول كالمناصل حودثت بأيدي الصياقل، وأشجار تسطّرت وتعطّرت، وتفطّرت عن بدائع بهظتها فتأطّرت، كالأوانس الغيد، المتزيّنات بملابس العيد، إلا أن حليّها لم يصغه صوّاغ، ومثله حلل الباغي لم يكتس باغ، وفيما بينهما حصون أرحب من صدر السخيّ وأطيب من البال الرخيّ، تحفّها صفوف من الصنوبر والسّرو، يترنّم فيها طيور مطربة الشدو، وأشجار أُلبست كالزنجار سندسية النجار، كأنما قُدرت بالفرجار، لا يباين استدارة هيآتها خركاهات وخربشتات، تواصلت أجنحتها، وتقاربت جوانبها، وتصاقبت أمكنتها وتطانبت مضاربها، ولا يعدل اعتدال قاماتها التامة، وغواشيها المدهامّة، عن تشبيههما بالعذارى الخرّد، أطَعْنَ في ستر المعاري أمر العواذل، وأطلن لتعفية المواطئ خضر الذلاذل، فجملتها كما قال الصنوبري: وتحلّت الأشجار من أنوارها مثلَ المشاجب منظراً فمتى تَشا انظـر إلـى الحبّ المنظّـم فوقهــا حليين بين مفضّض ومذهّب تنظر إلى غصن قصيرِ المشْجَبِ والى ندى من فــوق ذاك محبَّـبِ وباغ بكر المشبّه بكراً حلّيت لبعلها ووشّحت، وهُيّأت للزّفاف قد تتوّجت للنظار فتبرّجت، وتعطرت لصاحبها وتأرّجت في ضروب من حسن نرجسه الغضّ، ومن آسه وزعفرانه إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، بيوت منجدة بالأرائك وجداول ممدّدة كالسبائك، وظلال ظليلة، ونسائم بليلة ومناظر جليلة، وحَمام يصدح صدحاً كشاعر ينشد مدحاً، ولقد تعيّن بمعنى بيتي السريّ: كأنَّ حَمام الروض نَشوان كلّما ولاذ نسيم الروض من طولِ سيره ترنّم في أغصانه وترّحجا حَسيراً بأطراف الغصون مطلّحــا إلى غيرها من المتنزّهات المتفرّقة والأفضية المتخرّقة، والبقاع الممرعة والموارد المترعة، والقصور المشيّدة والإيوانات الممدّدة، والمجالس الممهّدة بالحمى، وفي أمهات القرى، كـقصر فرقد بباب المدينة، وقصر هرون ذي الأبواب السبعة بـديمرتين، وقصر الخصيب بطرف جسر الحسين، وقصر عبدويه بن حبة بشطّ زرنروذ، وباب رحى نصرويه بفنادشته، وقصر كوهان بـماربين، وقصر صخر بن سدوس بـطيران وما ينتظم بكلّ منها وينضمّ إليها من قرارة نادٍ، وسرارة وادٍ، التي لم يعد وصفها قول أبي عبادة البحتري: قصورٌ كالكواعب لامعاتٌ وبَرٌّ مثل بُردِ الوَشي فيه غرائب من فنون النبت فَيها يضاحكها الضّحى طوراً وطــوراً يَكَدْن يُضئن للسّاري الظلاما جنى الحوذان يُنشَر والخُزامى جنى الزهر الفرادى والتؤاما عليها الغيث ينسجـم انسجامـــاً وما منها واحدة إلا كانت زماناً خطة السرور والفرح، وخلّة القدح والقدح، ومنى الأماني، ومغني الأغاني، ومراد المراد، ومراح المراح، وقبلة القبول وشملة الشمول، وتُضرب إليها أكابد الإبل، ويؤخذ من التفرُّج فيه مقاليد الجذل. ]أشعار في وصف مباهج اصفهان[ وقد أطنب الشعراء في شرحها، فمنهم أبو سعيد الرستمي المديني وقد قال في قصيدة: سقى قصر المغيرة كل دانٍ إلى جسر الحسين فشعب تيمٍ فجزعي زرنروذ فـقصر فحيى فكرداباذ بويهٍ فمسرى فمستنّ السيول بحافتيه يحيّيها الحيا دون السّواقي فيا أسفي على دون المغاني ليالينــا بـــأيروســــان ردّي أجشّ الرّعد منهمر العزالي فأكناف المصلّى فالتّلال فـمرج الخندقين فذات ضال نسيم الروض في تلك الرمال فمجري ذلك العذب الزلال وتشملها الصيادون الشمال وأيّام لنا فيها خوالي إلينا العيش فــي تلـــك الظلال وقال أيضاً: معاهد كرداباذَ نرسةَ أرسلت ولازال أيروسان لا رمل عالج مصانع لو لاحت لعادٍ قصورهــا إليك أكفّ الغاديات عهادها مصاب الثريّا تارةً ومجادها لأخفين من ذات العماد عمادهـا ولـلمتطبب العمداني وهو من الاجانب الذي لم يأصرهم عليها الأواصر وتنعقد على المستفاد من شهاداتهم الخناصر: تطلّعنا على أقطار جيّ فوادي زرنروذ أجلّ وادٍ كــأنّ رياضهــا أضحــت بروداً فخلناها كأحسن كلِّ شيء وظل الباسقات ألذّ فيء لدى البزّاز تُنشَــر بعـــــد طيّ ولبعضهم من قصيدة يذكر قه جاورسان وحصنها: عبيد الله أكرم من تولّى فساق التّابعين فكلّ قومٍ إلى حصن اصفهان بباب جـــيّ جنود التابعين إلى الحروب من الأنصار في يومٍ غصيب وجاورسان ذي المرعى الخصيـب وللسيّد الشريف أبي الحسن علي بن الحسين الحسني قال في زنروذ: أما ترى زنروذ طالعه بين بياضٍ ودمنة وتكا قــد جرّت الريح فوقـــه أصلاً غيث وأدّى مثاله فيه سير من الموج في حواشيه ذيــلاً مــــن الكبرياء والتيــه وقال في باغ أحمد سياه: صمدنا باغ أحمد خير صمد تكفّ النفس في غلواء شوقٍ ونستعدي بنات الدفّ حتى فكم يا صاح من صهباء وردٍ كأنّ القصر حيث رسا وصادى همامٌ إذ تتوّج ثمّ وافى وقام بحافتيه على سواءٍ أو الفتيات حين لبســن خضــراً بأيمن طالعٍ وأتمّ سعد وتشفى الصدر من برحاء وجد تكون على بنات الصدر تعدي وورد جنىً هناك وورد خدّ سطور صنوبرٍ وسطور رند أسرّة ملكه للقاء وفد سماط الجند في نظم وسرد مــن الديباج يــوم الدستبنـــد ولـأبي منصور بن بزرجوميد بن آذرجشنش من قصيدة ينعت إصبهان: أشرف عليها من سرابراز وقل كجنان خلد في جميع صفاتها سقياً لقرية ماربنانان إلى ولقلعةٍ في ماربين تريك ومفارسٍ لاشعب بوّانٍ ولا ومنابتٍ ومزارع وحدائق ومناظرٍ في كوذكرت عليلة الـ وبها يوا آن أحبّ ليلة ثلّة؟ وربىً تضاحكها الوهاد بزهرها مَنْ قد رأى بـدمشق غوطة قدرأى يا حسن كرداباذنرسة موطنا كم ثمّ من غصنٍ وريّقٍ مالَ في دمث الجناب مريعة ساحاتها داني القطوف مطيعةٌ شجراتها فينان ريانٌ أنيقٌ زاهرٌ كم من جنانٍ حول جيّ محيطةٍ بفصوص ياقوت وبيض لآلئ وبكلّ فاكهةٍ يذاق بطعمها قدرصّعت أيدي السّحاب نحورها وكأنّ نرجسها عيونٌ أشبهت في أقحوانٍ ناصعٍ وبنفسجٍ يا مرحباً بقرارها الخمريّ مفتوح سوسنها كهامة تذرجٍ ويكايد الخيريّ مرزنجوشها يبدو بكلّ فجاجةٍ ومروجه بعلائلٍ كسيت بها أبدانها وصنوبرٍ ميدانه بمقابل تضحى مغرّدةٍ علـى أشجارهـــا هذى الجنان بدت من الاستار تـمّت محاسنها بلطف الباري باب المدينة مقسم الأنهار تحتك جنّة من حيث بيت النار أروند همذان لها بمبار ومذانبٍ لمياهها ومجار أنفاس من نفحاتها معطار هو منظر الفردوس غير ثمار وشعار وشي نباتها ودثار ما بين ديمرتٍ إلى واذار موهوب ثوب الحسن غير معار ماءٍ معين في الحصا مرّار عطر الرياع مضاعف الأنوار حلو الجنا مترادف الأثمار غضّ النوابت جنّة الزوّار منظومةٍ بجواهر الأشجار وزمرّد في فضّةٍ ونضار طعم الشهاد تشاب بالمصطار بقلائدٍ ونحورها بعمار وكأنّ حنوتها شرار النار وشقائقٍ أحداقها كالقار والشمعي والكحليّ والزنجاري والجنبذ المضموم كالمنقار عند افترار الصبح بالأسفار أغصان سروٍ في قدود جوار خضر وساقاتٍ لهنّ عوار الميدان من آسٍ ومن شمشار خلل الغصون نواطــق الاطيــار والأستاذ أبو الفتح أحمد بن علي المافروخي يصفها ويصف متنزّهاتها: سقياً لليل شبيبتي ما أشرقهْ! ولارض جيٍّ لاعدت عرصاتها سقيت ولا برح الربيع ربوعها صقعُ عهدت الروض فيه مروّضاً تجري نسائمه وهن علائلٌ فإذا سرحت الطرف فيه راقه وتلوح في حافاتها تفاحةٌ وإذا البنفسج راقني شبّهتهُ تهدى لنا غدرانها نيلوفراً فإذا فضضت ختامها صادفتها وكــأنّ منفتــح الشقائق مطـردٌ ولمشربى في ظلّه ما أغدقهْ! أنواءُ مرعدةٍ عليها مبرقه ليسوق شيّقة لهنّ وريّقه والجوّ أبلجُ والحدائق محدقه مسكيّةٌ أنفاسها المستنشقه أحداق نرجسةٍ إليه محدقه كحقاق تبرٍ بالزبرجد محدقه بالقرض في وجنات ذات المخنقه حبهاتها لا للنزاهة مطرقه كنوافج المسك الذبيح مفتّقه علــق النجيعُ بطـرّتيه فطبّقـــه ويقول فيها أيضا: إلا يا حمى جيّ إلى زرنروذ عليل نسيم الريح منك لعلّه عهدت على مغناك عهداً محرراً فلا وجه إلاّ ضرّج الورد خده ولله واديك الخضمّ إذا طما وشجراوه تهفو بأغصانه الصبا وتلك القصور الزهر كلّ مشيّد صحبت به الأيام وهــي غريـرةٌ إلى ملعب ما كان أبرد ظلُّهُ ألمّ بوادي نخلة فأعلّهُ من النور ما كان الربيع أملّهُ ولا جفن إلا أشبع الطلّ كُحلَهُ كما منع الليث الصّبارم شبلَهُ كما عطف الخلّ المعانق خلّه إذا ما تعلاّه الغراب استزلّه وصاحبت فيه الدهر والدهر أبلَـهُ وللشيخ أبي الرجاء الحسن بن محمد بن عوذ يقول في قصر المغيرة، ظللنا اليوم في قصر المغيره وهبّت أعين النوّار فيه وأكؤس راحه بالراح راحت فلو جنّات دنيانا جنودٌ ولو قبل الممات وقبل نشر عيان الخلد أو جنــات عـــدن وأنوار الحدائق مستنيره متى هبّ الصبا جلبت عبيره على غرر الندامى مستديره لهاتيك الجنان لها أميره سألنا الله ذا النعم الغزيره لأرشدنا إلــى قصــر المغيـــره والاستاذ أبو الفضل إسمعيل بن محمد الجرباذقاني يتذكّر إصفهان: يا سالماً راقداً في جيّ عنّي سَلْ أطال أروند ليلي فالسّلام على يا إصفهان متى ألفاك جامعةً عسى ولا يأس أن نلقى أمانينا ربِّ استجب دعوتي واعطف علـى نفر فراقدَ الليل نصفَ الليل عن خبري قصر المغيرة إذ شكواي للقصرِ مناي في وطن إن شئت أو وطرِ عمّا قليلٍ فجئناها على قَدَرِ أطال شوقهــم طــولٌ من السفرِ والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن بن يزيد يقول في قصيدة: إلا حبّذا قيعان جيٍّ وفوقها وقد شقّقت فيها شقائق أرضها ويا حبّذا فيها البهار كأنه وخرّمها والسوسن الغضّ مثل ما ويا حبّذا ماء يفركه الصّبا فإن قطبته نفحة الريح خلته ونور يلفّ البعض بالبعض سحرةٌ ويلمس أذيال الأزاهـير نفخـــةٌ زرابيّ من حوك الندى وطنافس جيوباً كما فارت جروحٌ قوالس رؤوس قسوسٍ أبرزته البرانس أعارتك صلباناً وسرجاً شمامس كما فركت بالرّاحتين ملابس صفاح رصاصٍ عضّضته الضوارس نسيمٌ كتجميش الحبيب تخالس كما يستبين الشيءأيـدٍ لوامــسُ ومن قصيدة له أيضا: سلام محبٍّ لاسلام مودّعِ مناكبه العليا مصندل مدرعِ سوائم نوقٍ في مهابط أجرعِ إلاحة أقوام نيامٍ بأذرع معبّرة المصطاف والمتربّع بما سكنته مــن قلوبٍ وأضلـــع سلام على زرّينروذ وشعبه ولا برحت تلك المدود كواسياً إذا ابتدرت أمواجه خلت صوّبت تليحُ بناتُ الماء في جنباتها معاهد في جيٍّ ممسّكة الثّرى مسارح غزلانٍ هجـرت ظلالهــا وللمقتبس من نارهم المستهدي بمنارهم المفضّل بن سعد بن الحسين المافروخي صاحب الرّسالة: فحصنُ النّار فالتّلّ المفوّقْ سما وبمنطق الجوزا تمنطق فـقصر مغيرةٍ فـفناء خندق فَشَطّي زرنروذ إذا تدفّق وبستاناً وروضاً قد تحدّق بـمارستان والزهر المفرّق وحيّاهنّ هيدبُها وطبّق وعطف رياضها منها تفنّق وروّاها الندى طَلاّ وغَرّق وأذيال الرياض بهنّ تعبق ومن ريحانها للأصل قرطق يَحلُّ له وكَمْ كُمٍّ يفتّق نسيباً يستبي طوفَ المطوّق صفا لهما وطاب ولم يُرنّق سيهدي نافج المسك المفتّق كطعم البابليّ إذا تعتّق ولكن ذا الحصا بالنظم أخلق محاسنها وقولي فيه مطلق لـفخر الملك ولاَّها ووفَّق فأخصبهــا وصفّا مــا ترنَّــــق سقى الله الجنان بـماربينٍ فـكوهاناً بها قصرٌ منيف إلى جسر الحسين فـباغ بكر فـجرباس الأنيق إلى ويانٍ فحزعيه فما نظماه قصراً فأكناف المصلّى والصّحارى سقاها من عواديها حياها إذا هبّ الصّبا فيها صباحاً فَأرّق شمألٌ أجفانَ نورٍ وقامات الغصون تميد فيها فمن نوّارها للفرع قرطٌ فكم سرٍّ يُذاع بها وزرٍّ وكم ساقٍ يغنّي فوق ساقٍ يذكّره حبيبته ودهراً لزاد ترابها طيباً على ما وساق مياه واديها وطابت وساوى لؤلؤ الدنيا حصاها تشرّف إصفهان وقد تناهت وأشرف ماحباها الله فضلٌ فقــد أعــدى خلائقــه حماهـا ]اصفهان في الفصول الاربعة[ هذا الذي نسقته من نعتها خضماً وقضماً، ومشّقته من حديثها نثراً، وكلّه من صفاتها مادام الزمان بها رضيع الربيع، وسحناء السنة حسناء والينابيع مخضلّةٌ، والعرون مبتلةٌ، وتبسط في وجه الأرض شاذرجانها، وترصّفُ على الغصون لؤلؤها ومرجانها، وتقارب الليل والنهار، وحلّت أزرارها الأنوار، كما قال السري الرفاء: طرازُه قوسُ قَزَحْ يضحـــك مـــن غير فــــرَحْ والجوُّ في ممسّك يبكــــي بـــــلا حُـــزنٍ كما وابن المعتز: وكـأنّا مـــن قطــره فــي نثار فـكـأنّ الربيع يجـــلو عروســاً والأرض في حالٍ لا يعدوها معنى بيت أبي تمام الطائي: تريا بطون الأرض كيف تُصَــوّرُ يــا صاحبيَّ تقصّيا نظــريكمـا ومعنى بيتي السيد الشريف الموسوي: وأرضي مفضضّةٌ بالحِباب تطــرّز أطرافهـــا بالذهــــاب سمائي مذهّبةٌ بالبروق وروضــي مطارفــــه غَضّـــةٌ ودهمت رعابيل الربيع خرق الشتوة فهزمتها، وصبّت عليها سوط سطوةٍ فقصمتها، ضاربةً طبول الرعد في أعقابها، ومخترطةً قضب وميضه لضرب رقابها، والريح تغازل الغزالة في نزع نقابها، وتعزّم ركائب الرباب بالأرزام إلى سقابها، والرعود متزمزمة هول نار البروق وأفراس حلبتها متحمحمةٌ تمسح بالخلوق، والجوّ يلوّن الأرض في عاداته، ويشغلها بمصادقته ومعاداته، وطوراً يضحك منها ضحك مستغرٍ طربٍ، وتارةً يذري عليها دمع مستعبرٍ حربٍ، في هذا المعنى أبو جعفر محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن بن يزيد: فهوّده قمصانـــــه والطيالــسُ إذا مجّستــه خفقــةُ البارق انثنى والأفق يسفر عن وجهٍ بهجٍ، ويطرف عن طرفٍ غنجٍ، ويتنفّس عن روضٍ أرجٍ، ونسيم بالزهر لهجٍ، قد غسل بماءٍ النعيم محيّاه، وعسّل بمزاجٍ من تسنيمٍ ريّاه، كما قال أبو هفان: وروضِ الجنان ووردِ الخدود وجاء الزمان بوجه جديد فخذهـــا هنيئاً برغــم الحسود أتاك الربيع بريح العبير وطيبِ النسيم وحسنِ النعيم وطـــاب الوِصــال لأهل الوداد وصارت جَيّ كالموصوف بأبيات أحمد بن القاسم بن علي بن رستم الديمرتي التي وصف بها الرّبيع في حال حضور مجلس عمّه علي بن رستم في بقصره بـديمرتين ناظراً إلى المتنزّهات المحتفة به وهي: وبكي بعينٍ سحّةٍ مدرار وبضحكه ضحكت ذُرى الأشجار ثملٌ يميل لنغمة الأوتار تدويره بشظيّتي مدوار تبكي شعاع كواكــب الأسحــار ضحك الربيع بمبسم الأنوار فبدمعه اكتست البسيطةُ نبتَها وإذا الرياح أمالها فكأنّه والنرجس الغضّ الجنيّ كأنّما حدقت به فوق الزبرجد فضـــةٌ وانبرى الزّمان ينهض حنين العشّاق، وينفض كمين الأشواق، وأكثر النّاس مترنّمون بأبيات أبي عيسى النوشجان بن عبد المسيح الإصفهاني من المعدودين في كتّاب إصفهان: حثّا الرياض وزهرَها ببُروز منسوجةٍ بالعسجد الإبريز من بعد ما اشتملت بثوب عجوز ومحبّرِ من وشيها وخزوز وطوالعٍ من نورها المكنوز بربيعه وبيومِ هُرمزَ روزِ وصنوف ريحانٍ وهرماخوز بكؤوسه وبطاســه والكـــــوز حُسنُ الربيع وبهجةُ النّيروزِ وسرت إليها ديمةٌ بملابسٍ فغدت إلينا في حليّ عرائسٍ وبدت ثلألِئُ في ملابس سندسٍ وبدائعٍ تنشو بأكناف الثرى فاهنأ بنيروزٍ أتاك مبشّراً ومُنادمين و مُزهرٍ ومُدامةٍ وبشــادنٍ متماجــــنٍ يسقيكها وبأبيات مافنة بن حسوية المجوسيّ الإصفهانيّ من المعدودين في كتّاب إصفهان : وصفا المطالعُ والسعود نجومُها وامتدّ واديها بها وحريمها وتفتّحت عن نَورها بُرعومُها أعلى قصورٍ في الرّيــاض نديمهـا مضت العجوز وبردُها وغمومُها وعَلَت ينابيع العيونِ بمائها وتعمّمت أشجارها وتأزّرت فهلــمّ نصطبــح العقــار تنزّها وبأبيات الأستاذ ولذّ أبي الفتح أحمد بن علي المافروخي: قد كان يملي عليها الثلجُ والمطرُ كرائم الطير لـمّا نسم السحر أزهار رامقةً واستضحك الشجر يشكو وقمريّها في الصبح يعتذر معنبر النشر فيه المسـك والقطــر وافى الربيع فوفّاها معاني ما رقّ الهواءُ ولذّ الماء وازدوجت وافترّ مبتسم الروض الأنيق عن الـ والطير صنّاجةٌ فيها فُبلبُلُها عصرٌ رقيق الحواشي جوّه عطــرٌ وبأبيات أبي منصور بن بزرجوميذ الإصفهاني: بعد انتقالٍ عن ثياب عجوز من أصفرٍ كصنيفة التطريز وزبرجدٌ في الأرض بين مـــروز وجلا الربيع عروسه بحليّه من أبيض يققٍ وأحمر قانئ درٌّ وياقــوتٌ علـــى أشجارها وبرزت الأيام في معرض وصفه صاحب الرسالة بهذه الأبيات: فيهنّ من نسج الغمام ذيولا تحكي العشيقةَ والفتى المعذولا تحكى بأدمان الهبوب رسولا أشجار تشفع بالهديل هديلا تذري على زرينروذ سيولا شيبَ الرؤوسِ وبعضنّ كهولا عينٌ لها فوق البسيط عديلا خُلقت على دار النعيم دليلا ثــوباً فعـــمّ وعورَهـا وسهولا وافى الربيع ربوعَ جيٍّ ساحباً والأرض تضحك من بكاء سمائها والريحُ بينهما تديم تردّداً والطير كالخطباء فوق منابر الـ وجبال جيٍّ أصبحت وعيونها وبها بقايا من سقيط أشبهت لله خطّة |إصفهان فما رأت جمّت محاسن أرضها وأظنّها أو جود فخرِ الملك ألبس عطفَهـا أوصار ضيف الصّيف والأشجار بالمطارف الخضر متجلّلةٌ، والأفنان بطرائف الثمار متهدّلةٌ، وأجنّة أطفالها متسلّلةٌ من الأرحام، وأسنّة أحمالها متنصّلةٌ من الأكمام، والحرّ عمل في معظمها العمل، وَفَذْلَكَ بيدي الحزر والخرص الجُمَل، كما قال أبو الفتح أحمد بن علي المافروخي: تمــدّ لوائيهــا طيالـسةٌ خُضْــرُ تخال على أعطاف كلّ حديقـــةٍ وفي هذا لمعنى لصاحب الرسالة وإن كان الاستدلال بمثل شعره استذلالاً، والاستقلال به استحقاراً واستغلالاً: ثياباً بأنواع الثّمار مثقّلهْ نتائـــج أيّـــام الربيع محصّلَــهْ وقد لبست بعد الغلائل والحلى واظهر فيها الله مــا بين صيفهــا لقد أوردتُ شطراً من ذكر فصلي الربيع والصيف مِنْ تزُّين ربى كورتها، بحليّ باكورتها، إلى أن تتراءى الغصون للعيون مخضرّة ناضرةً، وفواكهها مدركةً حاضرةً، وتُصبح مهبوطةً بأثقال الأحمال، موفّى حظّها من الاستكمال، يسلّم الينع ثمارها إلى القطف والاجتناء، ويكفي تدلّيها مؤونة العطف والأدناء، فأمّا إذا أقبل أيّام الخريف وولـّى زمان المصيف، وهبّت نفحة الشتاء، وبردت أنفاس الهواء، وألقت الأشجار أحمالها، وأخرجت الأرض أثقالها: أنيتْ فواكَهها وأمكن قطفُها وتناثرت عنها العقــود وشنفهــا وجرى عليها قيظُ صيفٍ صائف وتطايرت عنها نواضــــر لبسها وتولّت السّنة عقب تحلّيها، وتخلّت أثر تحلّيها، ونزعت بُردة القشيب، واستبدلت بالشباب المشيب، والأقطار تتهيّأ للتعرّي من بزّتها، وتطامَنُ للتذّلل إثر عزّتها، وآذنت أشجارُها بالقحول، وأشرفت أوراقها على الذّبول، وآض زمرّدها عقيقاً وتبراً، وخسأ الكبر عنها كبراً، وأصبحت فرش رياضها مطويّةً، وبسط مزارعها مزويَّةً، لمكابدة غيظ القيظ، ومجالدة سيف الصيف، المذهبين خضرتَها، فشاب ماكان منها فتيّاً، وبلغَ من الكبر عتيَّاً، فمنها ما ارتدّت خدوده صُفراً، ومنها ما تطايرت أوراقه فبقيَ صِفراً، لتمادي أيدي الرياح في العتاب، مجريةً إلى تمزيق الثياب، وصار المعنى ببيت القائل: فاعتاض عن درهم منها بدينــار كان الربيع نثاراً من دراهمـــــه فإنّ في تبوّء ظلال تلك الشجرات والرياح متناوحة خلالها، متنازعة جلالها، تمتع بها الأعصار، وتشخص إليها الأبصار، عبرة للمعتبر، وافتناناً للمستهتر، فلا يتخيّل للعين منها إلا سحائب تمطر ياقوتاً وعسجداً ومرجاناً وزبرجداً كأبي براقش، يعجز نقش مثلها الناقش، ولبعض أهل العصر وهو صاحب الرسالة أبياتٌ في هذه الطريقة وهي: وقد كُسِي الصقوع من الصقيع إلى نزعٍ لذا البرد البديع رقيقٍ رائقٍ حسن الصنيع عليه عاصفاتٌ في بقيع وتنثره على وَهْدِ و ريعِ وإعطــاءاً أدام لـــذي القنــوع إذا ما حلّ آذين الربيع وقد أهوى الهواءُ بكفّ بردٍ تجلّى كلّ غصنٍ في لبيسٍ تغار الغانيات وقد أغارت تناهبه مثاني أو فرادى وتحكــي كـفّ فخر الملك أخذاً ثمّ إذا كلح الشتاء عن أنياب كلبه، وانطلق الخريف في طلاب سلبه، وتجلبب الماء جواشن الجمد، وانتثر من الجوّ كافور الثلج وجواهر البرد، والناس يتساءلون عن أحوالها بمثل بيت كشاجم: أم ذا حصى الكافور ظلّ يُفَــرّكُ الثلــجُ يَسقُــط أم لجينٌ يُسبَـكُ وأبيات الشيخ أبي الحسين بن أبي عبدالله بن منصور بن فاذشاه التي وصف بها المطر والثلج وأبدع: لها عجائب لا تنفكّ تبديها ناراً وماء به انهلّت عزاليها والنار من كبدي والقلب يوريها ومدّ منها بماءِ الورد واديها من المجرّة تدنيها وتقصيها ريح الشمال فتهوي من أعاليها منها العقود فنلنا من لآليها لسكــرهنّ فألقتهـــا تراقيهـــا فعمّمت دورُها منها سوافيها تناثر الريش واصطفّت خوافيها ترمي الطحين إلينا من نواحيها يظلّ يعصرها طوراً ويطويها على عصاةٍ تمادت في معاصيهـــا ماللـسحاب التي كنّا نرجّيها لعلّها وجدت وجدي فقد جمعت فالماء من مقلتي والعين تسكبه وأبدت الأرض بالكافور زينتها كأنّ في الجوّ أشجارا معلّقةً أوراقها فضّةٌ بيضاء تضربها أو راقصات جوارٍ فوقها انقطعت وشقّق البعض من بعضٍ غلائلهـا أو مرّت الريح بالأقطان مُرنفة أو من نسور تسدّ الأفق كثرتها أو فيه أرحيةٌ بالماءِ دائرةٌ أو فيه غسّال أثوابٍ يبيّضها أو الكواكب من أفلاكها انتــثرت ويتغنون بشعر الأستاذ أبي الفضل: والجوّ ينثر كافوراً من السحـــب فيم الوقوف على اللذّات والطرب وأعزّ البردُ قدرَ الكانون والوقود، وأنفق سوق الفراء واللبود، وألجأ إلى مشاعرة الجباب والصلاء، وأحوج إلى معاشرة الحباب والطلاء، والأيام حينئذ أيام دجنٍ، والبيوت بيوت حبسٍ وسجنٍ، لوحلٍ يرتحل ويحلّ، ولثقٍ يكثر ويقلّ، يحجز الصديق عن زيارة الصديق، ويعجز عن الاختلاف في الطريق، فمجامدُ أرجائها مشبهات صناديق اللجين نواصع، وسفائن البلور مطالع، يحضرها الشباب للشراب، من أبناء الترف وأولى السرف، مع العقار على الخمار، محتفّين بشفاهها ومحدقين بأفواهها، ناثرين عليها حبّ الرمّان، يحكي أعشار العندم في صحيفة الرقّ، أو نضحات العلق في بسيطة السرق، يتلهّب كلّ حبّةٍ منها في وجهها تلهّب العقيقة في الصبير، ويتوقَّد توقد المريخ في صفحة البدر المنير: سفائن حملها ملحٌ دراني مــن الرمان حــبّ كالجمـــان خلــوق لـــهنّ أطــراقُ البيان مجامدُ ملؤها جمدٌ تحاكي تشاكه حين ينثر فـــي ذراهـــا مقاديم الهجان العتــق رشّ الـــ الحديث ذو شجونٍ، والقريحة في سجونٍ، وأنا في أمرٍ مريج لما يزدحم عليّ علالة طبعي من محاسنها التي أفحمتني عن نعتها، وارتبكت كلالة خاطري في مجاهل قفزها وخبتها، ولكن لاغنى من ضمّ التوتير إلى الإنباض، والتقطير إلى الايماض، والتبلّغ يغيّر طرقي على مابي من التكسّل والتخثّر والتوفّر على استتمام المقصود وتذنيب الأبتر. ]أصوات إصفهان[ فمن فضائلها الأصوات الإصفهانية وصياغاتها، وأغانيها ونغماتها، وألحانها، وألوانها، في نبذ المجنّب والقمّيبند والتاجيبند والعروسيّ والزيرهشته من الروشرميات، والشبستانيات، والكاكليّات والنيروزيّات، وسائر الهتريّات، وغير ذلك ممّا ليس في الأقاليم السبعة لها نظير، ولم يترنّم بمثله ناي ولا زيرٌ، ولم يتنحنح لشبهه الحناجر، ولم يتقلّب لمثله الخناصر والبناصر، كما قال بزرجوميذ بن آذرجشنس من قصيدته: كادت تُلين قساوةَ الأحجار يُحوجْنَ من نقصٍ إلى زمّار زمن الشبيبــة أيّمــا إذكــــار ولها أغانٍ قد خُصِصْنَ برقّةٍ الحانهنّ الخسروانيّات ما يُذكرن من شابت ذوائب رأســه يهشّ إلى الاستماع اليها العجم والعرب، ويتحصّل بحصولها السرور والطرب، ويتكامل بها الاغتباط، ويتزايد عندها النشاط، ويتفرّج بها القلوب الحزينة، ويستفزّ لها العقول الرزينة، وتستخرج إيقاعاتها حرائر الخدور، وتستدرج اتفاقاتها سرائر الصدور وتستبي الأوّاه، وتصطبي العزهاة، وتحثّ على مغازلة الغزلان، وتغري بمقامرة الأقمار، وتولع بمعاقرة العقار، إلى ما تطبّى إليه الشبان، وتدعو إليه المجّان، من المستصلحات من توابعها، والمستملحات من مواقعها، ولا يلفي مثله ما بين الغبراء والخضراء، فوق أديم الأرض وتحت عنان السماء… الهوامش: 1 - في الكتاب هنا حديث فكاهي لا يخلو من مجون، حذفناه لعدم تناسبه مع حرمة المجلّة. 1 - يقال: أمهى الحديدة: أحدّها حتى صارت رقيقة. 2 - تنضنض له الألسنة: تحركت. 3 - تلوي اليه صليفي: يدفعني صَلَفي: أي إصراري. 4 - مأسورة: محصورة، وأيضا متصاعدة، يقول الشاعر: لي همّة مأسورة لو صادفت سعداً بغير عوائق تثنيها 5 - حال الجريض دون القريض: أي حالت المشقة دون بلوغ الهدف. 6 - نهر في اصفهان ويذكر في الكتاب باسم: زرنروذ، زندروذ، ويسمّى أيضا: زرينه رود (النهر الذهبي) وزنده رود (النهر الحي)، ثم عُرّب. 7 - تروى هذه الأشعار لابن الرومي. 8 - التَبَكَ: اختلط. 9 - في الأصل هنا عبارة: «ومن العصريين»، وهي غير موجودة في الترجمة الفارسية، حذفناها لعدم انسجامها مع السياق.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• كلمة عن المؤلف والكتاب
(بازدید: 945)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• محاسن إصفهان
(بازدید: 1041)
(نویسنده: سعد بن الحسين المافرّوخي الاصفهاني)
• محاسن إصفهان
(بازدید: 932)
(نویسنده: سعد بن الحسين المافرّوخي الاصفهاني)
• محاسن أصفهان / القسم الثاني
(بازدید: 1267)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مصادر مختصة باصفهان
(بازدید: 1383)
(نویسنده: السيد مهدي فقيه إيماني)
• نصوص موثـّقة من أقوال الحسين بن علي في كربلاء
(بازدید: 2994)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• موقف الايرانيين من الدعوة الإسلامية
(بازدید: 1132)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• سيف الدولة و غزوات الصليبيين
(بازدید: 686)
(نویسنده: بتول مشكين فام)
• إعادة كتابة التاريخ
(بازدید: 611)
(نویسنده: شاكر الفردان)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة
(بازدید: 617)
(نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة
(بازدید: 668)
(نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة
(بازدید: 633)
(نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة - ٥ -
(بازدید: 720)
(نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• موقف الخلفاء العباسيين من أئمة أهل السنة الأربعة و مذاهبهم
(بازدید: 1467)
(نویسنده: الدکتور عبد الحسين علي أحمد)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة
(بازدید: 715)
(نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلاميّة
(بازدید: 837)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلاميّة
(بازدید: 655)
(نویسنده: )
• موقف الإسلام من التراث الإيراني القديم
(بازدید: 1840)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|