banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق - 1
ثقافتنا - العدد 15

محمد حسين بزي
1428

أولاً- العودة إلى الذات ومقاومة الاستعمار في المنظومة الإفكارية لمالك بن نبي قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ([1]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يُوشك أن تَدَاعى عليكم الأمم كما تداعى الأكِلَة إلى قصعتها " فقال قائل:" أوَ مِن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟!! " قال:" بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعنَّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن " قالوا وما الوهن يا رسول الله ؟" قال:" حب الدنيا وكراهية الموت" ([2]).
من خلال هذه الآية القرآنية وهذا الحديث الشريف، لخّص المفكر الإسلامي مالك بن نبي داء الأمة ودواءها وكأني بمالك بن نبي باستشهاده بهذه الآية وبذلك الحديث قد أصّل المتجدّد وجدّد المتأصّل في حياة
هذه الأمة.
وكأني به وببساطة متناهية قد ردّ بأسلوب غير مباشر على مشروع "استحالة التأصيل" الذي احتل مساحة لا يستهان بها في المشهد الثقافي لعصرنا الراهن.
بناء الذات ومقاومة خطط الاستعمار تشكّلان الركيزتين الأساسيتين لمشروع مالك بن نبي الحضاري، أو ما سُمّيَ بمشكلات الحضارة وبناء شبكة العلاقات الاجتماعية.
كقارئ قرأ تراث مالك بن نبي كاملاً أو على الأقل ما نُشر منه حتى الآن ـ وإن كنا لا نوافقه في قراءاته لبعض المناحي التاريخية ـ لو طُلب مني أن أُلخص مشروعه التنويري ـ بمعزل عن منهجه في قراءة التاريخ الإسلامي ـ خلال دقائق معدودة، لقلت من دون تردّد أو توقّف، إن مشروع مالك المبثوث على صفحات الورق يتلخص في خمس نقاط أو "رافعات" محورية:
1 ـ رافعة: إن غنى المجتمع لا يُقاس بما يملكه من أشياء بل يُقاس بما يملكه من أفكار([3]).. لأن التفاعل الحضاري عند "مالك" إنما يتم بالتفاعل بين ثلاثة عوالم: "عالم الأشياء، وعالم الأفكار، وعالم الأشخاص"([4]).
واستشهد مالك لذلك بالحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار هائل لألمانيا وكذلك لروسيا([5]).فـ "عالم الأشياء" تمّ تدميره تدميرًا شبه كليّ، ومع ذلك استعادت ألمانيا عافيتها الاقتصادية بمدّة وجيزة من خلال الخطة الخمسية للدكتور "شاخت"([6]). وذلك بسبب شبكة "عالم الأفكار" الحيّة([7]) في "عالم الأشخاص" لأمة تبغي الحياة.
وبالمقابل لم تنجح خطة "شاخت" الاقتصادية في أكبر بلد مسلم وهو أندونيسيا([8])، بسبب عدم توافر شبكة الأفكار اللازمة أي "عالم الأفكار"([9]) ، في بنية "عالم الأشخاص" لذلك المجتمع المسلم.
2 ـ رافعة: الاستعمار ـ من دون تمييز بين استعمار أو آخر ـ يملك مُعامِليْن: معامِل "المعمِّر" أي المستعمِر نفسه، ومُعامِل "القابلية للاستعمار"([10]). لدى الشعب المُستعمَر..
والقابلية للإستعمار مفهوم مُبتَكَر، ابتكره هذا المفكّر العملاق، وأراد به أن أي شعب من الشعوب أو أمة من الأمم لم تكن لديه أو لديها مُعامِل القابلية للاستعمار([11]).فلا يمكن للمعامِل الآخر أي المستعمِر أن يُحكم قبضته على ذلك الشعب، مهما تكن قدرات ذلك المعامِل الآخر.
وبالمقابل إن كان معامِل القابلية للاستعمار ـ ويسمّيه "مالك" في دراسات أخرى بـ "مركَّب التبعيّة"([12]). ـ موجودًا في أمة ما، تكون نصف الطريق قد تعبّدت أمام المعامِل المستعمِر، فتسقط تلك الأمة صريعة تحت نير الذل والاستهانة وامتهان الكرامة، لأن المستعمِر يسعى إلى تحطيم إرادة الشعوب المستعمَرة([13])، كما يسعى إلى إبراز تفوّقه على تلك الشعوب حتى ولو لم يكن متفوقًا بالفعل، لذا يرى مالك بن نبي أن فرنسا بعد هزيمتها المنكرة عام 1870م أحست بأنها لم يعد لها هيبة و "بدلاً من أن يدفعها شعورها بالنقص إلى الرفع من قيمة شعبها، فإنها _ رغبة منها في إقرار التوازن بين المعمِّرين والمستعمَرين _ عمدت إلى الانتقاص من قيمة هؤلاء الآخرين، وتحطيم القوة الكامنة فيهم، فمنذ ذلك الحين بدأ الحط من قيمة الأهالي يُنفّذ بطُرق فنية، كأنه معامِل جبري وُضع أمام قيمة كل فرد بقصد التنقيص من قيمته الاجتماعية"([14]).
وفي المقابل نقول إن معنى انعدام وجود "معامِل القابلية للإستعمار" كما هو في مفهوم مالك بن نبي، معناه "ثقافة المقاومة"، وهو المصطلح الذي تستخدمه النُّخب الشعبويّة الواعية في الوقت الراهن. فلا يوجد فرق بين المعنيين.
3 ـ رافعة: معادلة صنع الحضارة: إنسان + تراب([15]).+ زمن (من دون إغفال الدين الذي يشكّل منظومة القيم) = حضارة([16]).
وضع "مالك" رحمه الله هذه المعادلة الهندسية للتدليل على أن الإنسان هو محور الوجود أولاً وأخيرًا ([17])، وعلى أن قيمة الإنسان تتحدّد بعمله، وأن لهذا العمل برمجة تخطيطية مرتبطة بزمن محدّد لأن الزمن غير مفتوح إلى ما لا نهاية بسبب محدودية الأعمار وقانون الموت الفردي، وأن عمل الإنسان المزمَّن يكون من أجل تراب الوطن أو على تراب الوطن من ناحية، أو أن التراب هو "عالم الأشياء" أو عالم المواد الأوليّة التي تتشكّل منها عناصر العمل الذي يساهم في بناء حضارة المجتمع العمراني والخدماتي من ناحية ثانية. كل ذلك يترافق مع منظومة قيميّة يحدّدها الدّين، فبدونها قد تتحوّل الحضارة إلى وحش ضارٍ يهدّد المجتمعات الأخرى وتحمل تلك الحضارة المتوحشة في رحمها في الوقت عينه عواملَ فنائها. ولا ننسَ أبدًا أن مالك بن نبي شدّد على نبذ الاختلاف بين المؤمنين في المجتمع الحضاري وأكّد على التعاون التام بين أفراد المجتمع من خلال استشهاده بالحديث الشريف "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا"([18]).
4 ـ رافعة: تراكم التجارب وحركيّتها في المجتمع من أجل التطوير والتحديث نحو الأفضل والأحسن..
يستعرض مالك بن نبي الفرق الجوهري بين المجتمع الطبيعي أو البدائي([19]). الذي لم يعدّل بطريقة محسوسة المعالم التي تشكّل شخصيته منذ وجوده وممارسته للحياة، وبين المجتمع التاريخي الذي وُلد في ظروف أوليّة معينة لكنه عدّل فيما بعد صفاته الجذرية وفقًا لنظام التطوّر وقانونه المحكوم بالسّنن الإلهية العاملة في الكون.
ويضرب مالك أمثلة للمجتمعات الساكنة أو البدائية أو الطبيعية، فيمثّل بالمجتمع الموجود في مستعمرة النمل أو مستعمرة النحل للتدليل على المجتمع الطبيعي ذي المعالم الثابتة، كما يضرب أمثلة للمجتمعات الساكنة والبدائية ذات المعالم الثابتة فيمثّل بالقبيلة الأفريقية في عصر ما قبل الاستعمار والقبيلة العربية في العصر الجاهلي.
هذه المجتمعات لم تطوِّر حركيتها الظاهرية باتجاه التغيير نحو الأفضل بواسطة تراكم التجارب، بل بقيت تمارس حياتها غرائزيًا من دون تعديل أو تجديد، فلم تتقدّم أو تتطوّر، فحياتها هي هي على وتيرة واحدة منذ نشوئها وممارستها للحياة.
وبالتالي فإن أي مجتمع يسعى إلى الحضارة يجب عليه أن يستفيد من تجاربه ويتحرّك باتجاه تطوير حياته من خلال قانون "التدافع والتعارف" بتعبيرنا، أو الأيديولوجية التي تحكم السنن التاريخية([20]). وتغيير شبكة العلاقات الاجتماعية بتعبير مالك بن نبي، ومن دون ذلك ستبقى القابلية للإستعمار والتخلف وامتهان إنسانية الإنسان عنوانًا للمجتمعات التي لا تأخذ بهذه الأيديولوجية أو لم تأخذ بقانون «التعارف». و«التدافع» في سبيل تطوير المجتمع وصناعة الحضارة.
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا(.
)وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ(.
5 ـ رافعة: مفهومَيْ "الصحة" و"الصلاحية"([21]). والتفريق بينهما..
وهذه نظرية تُضاف إلى ابتكارات مالك بن نبي المُبدعة، وهي من المفاهيم الثنائية المحورية التي برع فيها مالك بن نبي، وهي في نفس الوقت نظرية قابلة للتعميم بقوة، وكأن "مالك" يشير ـ في وجه من الوجوه الكثيرة لهذه النظرية ـ إلى أن الصلاحية هي مقياس أخذنا للنصوص والأفكار العامة، أما مدى "صحة" هذا النص فهي ليست من وظيفتنا وإنما هي وظيفة طبقة خاصة من المحققين، بل ننظر نحن إلى صلاحية النص لمجتمعنا وأفراده فإن كان صالحًا أخذنا به، وإن لم يكن صالحًا تركناه لغيرنا كي يختبر صلاحيته، فمالك بن نبي يدعو إلى عدم رد النصوص والحكم عليها بالخطأ لمجرد عدم صلاحيتها، وإنما يدعو إلى تركها مرحليًا وإلى الأخذ بما هو صالح في الوقت نفسه..
ولله درّه كم وفّر بهذه النظرية على الأمة من خلافات هامشية وكلامية، فهذه النظرية قد تكون في المدى القريب أو البعيد ركيزة أساسية لقلع جذور الخلاف والتنافر بين جملة المذاهب الإسلامية من جهة، وإلى ردع الداعين إلى مشروع القطيعة المعرفية أو "القطيعة الابستمولوجية" الذين أحكموا مجلوباتهم وتنظيراتهم في نقد الإسلام من خلال استشهادهم بعدم صلاحية بعض النصوص الإسلامية في بناء الأمة في الوقت الحالي أو على المدى البعيد من جهة ثانية.
وبالخلاصة يرتكز مشروع مالك بن نبي في بناء الحضارة على مفصليْن ارتكازيين هما:
1 ـ العودة إلى الذات من خلال التفاعل بين عالم الأشخاص([22]).وعالم الأفكار وعالم الأشياء([23])، وطبقًا للمعادلة الثلاثية التي تفيد أن ناتج الحضارة يتكوّن من (إنسان + تراب + زمن "محدّد، مع إضافة منظومة قِيَميّة متمثلة بالدين")([24]) ، ومن ثم الأخذ بكل ما له صلاحية للأمة من نصوص التراث مع عدم رد ما لا يصلُح.
وهذه العودة أيضًا تتحقّق بأن تدرك الأمة الفارق بين <الحضور> و<الوجود>، وقد حدّد مالك بن نبي رحمه الله أننا أمةٌ موجودةٌ ولكن غير حاضرة، فـوجودنا يعني وجود مجتمعٍ وثقافةٍ وعلاقاتٍ وإنتاج.. لكن حضورنا يستلزم - طبقًا لمفهوم الحضارة - شروطًا من أهمّها أن نكون أمةً تستطيع أن تحقق مفهوم الشهادة على العالمين، والشهادة تستلزم أن نصيغ نموذجًا بشريًا يجعل جميع مَن يراه يوقنُ أنه النموذج الأمثل، وأنَّ تركَ ذلك النموذج بشكلٍ متعمدٍ فيه خسارة للإنسانية.. ومن ثمّ نكون شهودًا على العالمين - ليس فقط في يوم القيامة – وإنما في الدنيا من خلال تقديم نموذجٍ حضاري يحدّد طبيعة علاقات الإنسان مع الله، وعلاقاته مع الإنسان، ومع الطبيعة. وبهذا المعنى نقول أننا لسنا إلى هذه اللحظة في هذا الطور لأننا أمة موجودةٌ وجودًا ماديًا ولكنها غير حاضرة لأنها غير شاهدة.
2 ـ مقاومة المستعمِر من خلال ثقافة مقاوِمة تتلخص بنبذ "القابلية للإستعمار" سواء كانت تلك القابلية ذاتية ناشئة عن العجز، أو كانت مفروضة من قِبل المستِعمر نفسه، ويتم ذلك من خلال عملية التغيير التي أسسها مالك على قاعدة الآية القرآنية التي تربط التغيير الخارجي للمجتمع بتغيير ما في النفس أي بتغيير حزمة الشروط في المجتمع. وأيضًا بعدم الوهن الذي ورد في الحديث الشريف وذلك من خلال بذل الحياة الفردية في سبيل التقدّم (وهو عكس: كراهية الموت)، ومن خلال نبذ التعلّق بالحياة القائمة على البذخ والاستهلاك وسيادة السلعة (أي: نبذ حب الدنيا).
ثانيًا ـ العودة إلى الذات ومقاومة الاستعمار أو الاستثمار أو الاستحمار في المنظومة الإفكارية لعلي شريعتي.
تتجسد مشكلتنا الراهنة في أننا نعيش في عصر تطرح فيه قضايا العولمة والعالمية، وتنميط البشر، والغزو العسكري المباشر وغير المباشر، ومسخ الهوية، خصوصًا هوية الُمقدّس، ليتماهى مع الرؤية الأوروبية المادية، التي لم يسلم منها حتى المسيح حيث أن مظهر المسيح في أوروبا كما يقول شريعتي "أضحى مظهرًا للعقل الجماعي الغربي، ليس له علاقة بالمسيح أبدًا، فالعقل الأوروبي يظهر بصورة المسيحية". أي صورة المادية البحتة.
ويتساءل شريعتي " من أين فهمنا هذا؟ منه، من سيّدته مريم، من سيّده عيسى. إن مريم امرأة فلسطينية يهودية. انظروا أنتم إلى مريم الغرب: شقراء، عيونها شهلاء، وهندامها يشبه السيدة الفرنسية. امرأة فلسطينية إذًا كيف أصبحت الآن فرنسية؟. وعيسى نفسه من العنصر الإسرائيلي حسنًا، الشكل الإسرائيلي معلوم كيف هو، والآن نرى أن شكل عيسى ـ الذي هو إله الغرب ـ من حيث العنصر يكون أوروبيًا، عيناه خضراوان، شعر أشقر، وهيكله وشكله أبيض البشرة، وأنه "ألن ديلون" تمامًا.
لماذا يتغيّر عنصر المسيح؟ لأن المسيحية لا ترتبط بعدُ بفلسطين، لا ترتبط بعيسى"([25]).
هكذا أوجز شريعتي بعقله الفاحص ومنطقه المتماسك وبيانه الرفيع، الصورة المادية لعقل الغرب المستعمِر، الذي سعى ويسعى إلى تنميط تلك الصورة وفرضها على بقية الشعوب. فما دام الغرب قد مسخ هوية إلهه وهوية والدة ذلك الإله، فهو لا يتورّع عن مسخ أي هوية أخرى.
وعلي شريعتي هو أحد المفكرين البارزين الذين أصّلوا نظريًا ومارسوا واقعيًا تلك المواضيع التي تتعلق بالهوية وضرورة العودة إلى الذات والمقاومة الثورية لمشاريع الاستعمار في محاولة جادة وصادقة منه لتوصيف حقيقة المآزق التي تعيشها الأمة وطرح الحلول لها.
وكل قارئ لمشروع علي شريعتي الحضاري يتلمس بعمق أنه صاحب همّة عالية في عالم الفكر والسياسة والاجتماع والدِّين، ولأنه مفكّر موسوعي غزير الانتاج يصبح من الصعب على الفرد منّا أن يحيط بمفاصل مشروعه الثقافي العام من دون اللجوء إلى دراسات موسعة تستغرق الكثير من الوقت.
وجريًا على الأسلوب الذي اتبعتُه في تلخيص مشروع مالك بن نبي الحضاري الذي يتقاطع مفصليًّا مع الكثير من طروحات علي شريعتي، فإنني ألخص مشروع شريعتي في ثلاث نقاط (رافعات) اختصارًا للوقت، مع الإشارة إلى أوجه التقاطع بينه وبين مالك بن نبي.
1 ـ رافعة: العودة إلى الذات..
وهذا المفهوم من المفاهيم التعميرية المرموقة في منظومة على شريعتي الفكرية إن لم يكن هو الأبرز والأهم والأشمل، فحرث فيه شريعتي طويلاً واعتبره المصدر الينبوعي لكل المفاهيم الفرعية الأخرى.
ومعنى العودة إلى الذات عند شريعتي هو "العودة إلى الثقافة والأيديولوجية([26]).الإسلامية، وإلى الإسلام، لكن لا كتقليد أو وراثة أو كنظام عقيدة موجودة بالفعل في المجتمع بل إلى الإسلام كأيديولوجية وإيمان.." ([27]).
"وفي هذا المجال هناك سورة مستقلة في القرآن الكريم، وفي هذه السورة يُصوَّر كل إنسان – وهو في نظر القرآن يساوي الإنسانية جمعاء – بأنه بذرة. ورسالة الإنسان في مواجهتها من الطبيعي أن تكون رسالة الفلاّح. فإذا أحسن الفلاّح العمل، فإن البذرة تنمو من جنين التراب والطين، وتتفتّح، وتتهيّأ كل العوامل المادية والعلمية من أجل إنمائها على خير وجه، حتى تورق ويحين أكلها. وعلى هذا النسق يجني الفلاح ثمرةً من بذرته. وهذا على عكس الفلاح الغافل الجاهل المتساهل المهمل، أو الخائن الذي ينسى بذرته، وبالتالي تضيع هذه البذرة تحت التراب، وتختفي وتتحلّل في زوايا النسيان، وحينذاك يبقى الفلاح خائبًا خالي الوفاض. وفي هذه التربية لا يستند القرآن الكريم حقيقة إلى مسائل ذهنية أو مثالية أو ميتافيزيقية، لكنه يستند في كل الظواهر والمظاهر إلى عواملَ الطبيعة:
)وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا، وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا، وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(، هذه هي العوامل المقدّسة التي ينبغي أن تستخدم في بناء النفس، وفي إنبات هذه البذرة المدفونة داخل طبائعنا، وداخل الجبر الوراثي والتاريخ والنظام الاجتماعي لنا. وهنا: أنت المسؤول، أنت فلاح بذرتك: "قد أفلح من زكّاها" أي تعهّد تلك البذرة بالرعاية، "وقد خاب مَن دسّاها" أي أخفاها في باطن التراب"([28]).
وانتقد شريعتي "الذات الممسوخة"([29]) ، ودعا إلى "إخلاء الذات" من التقاليد الالتقاطية([30])، واعتبر أن مفهوم إخلاء الذات من المفاهيم المعاوِنة لمفهوم العودة إلى الذات، حيث يمكن للمجتمعات العربية والإسلامية أن تتغير عن طريق وعيها ومعرفتها بأنها ممسوخة ومقلِّدة أولاً، ثم تمارس عملية التخلية من هذا المسخ والفساد ثانيًا، ثم تُعيد بناء نفسها عن طريق عودتها لذاتها الناصعة ووعيها المستقل ثالثًا.
إذا تحقّقت العودة إلى الذات في المجتمع، أصبحت تلك الذات ذاتًا ثورية بتعبيره([31])، وذاتًا مقاوِمة بتعبيرنا، فتتسلّح بالوعي المستقلّ والإيمان([32])، وتبدأ بممارسة نهضتها من خلال مقاومتها لـ "الاستحمار = الاستعمار = الاستثمار" المباشر وغير المباشر، سواء كان استحمارًا قديمًا أي بأساليب قديمة كإثارة الخلافات الطائفية والمذهبية والنزاعات الدينية من أجل تمرير مشاريع الاستعمار والنهب، أو استحمارًا جديدًا أي بأساليب مبتكرة وجديدة.
وصف شريعتي الدين الإسلامي بأنه دين الوعي الثوري الاحتجاجي ذو الإيديولوجية الكفاحية([33])، ووصف الذات الثورية التي عادت إليه بأنها ذات مناضلة اجتماعيًا تستند إلى "النباهة" أولاً، و "العمل"([34]). ثانيًا، و "العبادة"([35]). ثالثًا، وبذلك تكون قد استعادت "فعاليتَها الاجتماعية" بصورة ركيزيّة، وتكون أيضًا قد استيقظت من "قرون النوم" الطويلة بحسب وصف مالك بن نبي لتمارس دورها الرائد في الحياة الحضارية.
ولعلّه من غير المُمِل أن ندرج هنا فقرة قصيرة لعلي شريعتي يحدّد فيها طبيعة "الذات الثورية" المُسلمة في تعاطيها مع الآخر. وهذه الفقرة من وجهة نظرنا تساهم اليوم في رَجْرَجَة الصورة الإعلامية التي أشاعها الاستعمار عن الذات الثورية الحقيقية من أنها ذات إرهابية عنيفة تحقد على الآخر ولا تقبل الرأي أو العقيدة المخالِفة. كما تساهم هذه الفقرة في الرد على مَن أساء إلى الإسلام مؤخرًا من خلال إلصاق تهمة التغلّب بالسيف على الأمم الأخرى به. يقول شريعتي: "وبالرغم من أن الإسلام يعتبر نفسه دينًا إلهيًا، ويرى أن رسوله مرسَل من السماء، ومن قِبَل الله ومن أجل هداية الناس إلى الطريق القويم، مع كل هذا يُعلن أنه ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: من الآية256). وإن كل سعينا من أجل تنبيه الناس إلى التمييز بين طريق الغي وطريق الرّشد، وبعد ذلك فالخيار في يدهم، الخيار الحُر. ويكتب "علي" لواليه: <أشعِر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. ولا تكوننّ عليهم سَبُعًا ضاريًا تغتنم أُكُلَهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق...> ([36]). وشاعر متشائم كفيف شكّاك ووحيد في ريف المعَرَّة، يستطيع مع عزلته وضعفه أن يجهر باعتراضه على إيمان الحاكم وإسلام الحاكم، وحتى على الله والدين، ويبقى آمنًا. في وقت كانت سلطة الإسلام قد اجتاحت الشرق والغرب، وجعلت الأمبراطوريات الكبرى في العالم تجثو على ركبتيها. وحتى في ظل نظام بني العباس، كان هناك علماء مثل (ابن أبي العوجاء) أو (ابن الكواء)، وكانا من ماديّي ومُلحدي عصرهما، يستطيعان بحرية وطمأنينة فكرية القيام بالسخرية من الحج، وهو من أكثر أركان الإسلام قداسة عند المسلمين. وليس ذلك في خلوة فكرية أو بين جمعٍ من الصِّحاب، بل في مكة وأمام الجميع." ([37]).
مفهوم العودة إلى الذات عند شريعتي ـ من خلال منهجية بناء الذات الثورية المناضلة ضد المسخ والفساد من الداخل ومقاومة الاستحمار من الخارج ـ تقاطع مع السياق الحضاري لمالك بن نبي في نظريته المتمركزة على التفاعل بين عالم الأفكار والأشخاص والأشياء.
2 ـ رافعة: جغرافية الكلمة([38]).
شكّل هذا المفهوم قاعدة موضوعية في مكتوبات شريعتي، واعتنى بغرسه في حقل الجماعة والنحنُ وفي حقل الشخصية الاسهاميّة، وفسّره بقوله: "أقصد بجغرافية الكلمة أنه يمكن معرفة صحة قضية فلسفية أو علمية أو أدبية أو بطلانها بمعايير المنطق والاستدلال والتجربة.
لكن بالنسبة للقضية الاجتماعية ينبغي أن تكون لدينا معلومات عن زمانها ومكانها ثم نقرّر في شأنها، لأنه في العلوم تكون القضايا إما صحيحة أو غير صحيحة، لكن في المجتمع والسياسة ليس الأمر بهذه البساطة، لأن كل القضايا الاجتماعية ذات ارتباط وثيق بالمعايير الخارجية، والقضايا الالتزامية ينبغي أن تتدخل مباشرة في الحكم عليها لأنه أحيانًا تكون قضية ما صحيحة في حدِّ ذاتها، ومنطقية ومعقولة وذات قيمة، ويكون طرحها في أرضية معينة وفي زمان معين مرضًا وانحرافًا وفسادًا وكارثة.
وعلى العكس تكون قضية ما خرافة في حدِّ ذاتها ولا منطق لها وغير صحيحة من وجهة نظر الواقع الفلسفي والعلمي أو الفني والأدبي بل وتكون أيضًا قبيحة ومبتذلة، بينما قد تكون هي ذاتها في أرضية معينة وفي زمن معين عاملاً ايجابيًا بنّاء." ([39])
ويقول شريعتي: "إن غفلتنا عمّا أسمّيه جغرافية الكلمة تركَ ميدان المجتمع خاليًا ودون عقبات أمام الاستعمار المحتال الخبير في الغرب، لكي يستطيع بطرح ما هو قابل للرد من الناحية الفلسفية والعلمية والأدبية والفنية أن يحول دون ما ينبغي طرحه بالفعل." ([40])
وبسبب أننا فقط لم نكن واعين بالقضية القائلة لكل مقامٍ مَقال ولكل موضوعٍ مَقام، يؤكد شريعتي، على أنه لا ينبغي أن تخدعنا الكلمات والألفاظ كالحرية، الشعب، حكم الجماهير، أصوات كل أفراد الأمة، الانتخاب الديمقراطي.. وكلمات من هذا القبيل ينبغي فقط أن تُعطى معانٍ في ظرفها الزماني والمكاني، لأن هذه الكلمات في ظروف أخرى لا يمكن أن تُعطي أي معنى، وهذه الكلمات تأخذ الشكل والإحساس والاتجاه في المجتمع من خلال الظروف العينية والواقعية لذلك المجتمع، وهي في كل جغرافيا سياسية واجتماعية ذات معاني خاصة وتأثير خاص، إنها غير مفاهيم من قبيل كروية الأرض ومركزية الشمس والدورة الدموية وهذا القبيل من المصطلحات العلمية التي هي في كل مكان وفي كل وقت ذات معاني ثابتة ومحدودة. ومن هنا فإن ما يثمر نتائج عظيمة جدًا وراقية في مجتمع ما، قد لا يحمل في ثناياه بالنسبة لمجتمع آخر، إلا الخراب والضعف، وتكون نتيجته شؤمًا وضررًا على هذا المجتمع.
لا نستطيع أن نتوسّع أكثر في نظرية جغرافية الكلمة عند شريعتي، فالنظرية مديدة وعميقة الجذور في الأصالة وعلم الاجتماع، لكن شريعتي أعطاها بُعدًا حركيًّا في مشروعه الحضاري المقاوِم، فسدّ الباب على المستعمِر الوافد بسياساته القامعة إلى المجتمع المسلم، داعيًا إلى عدم الاقتباس عنه، مشددًا على تمحيص نظرياته ومقايستها بما ينسجم مع الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يحمل المصلحة للأمة.
نظرية جغرافية الكلمة عند شريعتي تقاطعت بامتياز مع مفهومي (الصحة والصلاحية) عند مالك بن نبي، وقد تمّ توظيف النظريتين بإحكام كقاعدتين لتنظيم أسلوب التفكير والسلوك في المجتمع المسلم.
3- رافعة: أصالة الإنسان في الإسلام والوحدة التاريخية..
الإنسان هو محور الدين، ومحور التشريعات والرسالات السماوية، والدين بنظر شريعتي إنما له اتجاه واحد من السماء إلى الأرض، أي إلى الإنسان، وليس الدين من الأرض إلى السماء، أي ليس هناك دين لأجل الدين.
والوحدة التاريخية بنظر شريعتي مصطلح علمي له أصله الفلسفي والعقائدي في الإسلام.. فالحوادث المتفرقة التي تقع في مقاطع زمانية ومكانية مختلفة إنما تسير باتجاه واحد وترتبط فيما بينها ارتباطًا منطقيًا وفق قوانين العليّة، وتشكل كل واحدة منها حلقة في سلسلة متصلة منذ بداية التاريخ البشري "آدم" إلى نهاية نظام التناقض والنزاع في التاريخ، وهذا ما يُطلق عليه اسم "التسلسل المنطقي والحتمية التاريخية".
وهذا يعني أن شريعتي يؤمن بالحتمية التاريخية ولكن لا على أساس الصراع الجدلي الأعمى الذي يكون فيه الإنسان مجرد ألعوبة لا إرادة له، وإنما على أساس القوانين المنطقية التي تجعل الإنسان مختارًا في أن يفرض إرادته على إرادة التاريخ. قال تعالى: )إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (.
ومع ذلك فإن شريعتي لا يقلّل من أهمية التاريخ بل أنه يعترف بسلطة التقاليد والأعراف ولكن في الإطار الصحيح لا غير، وليس: "التاريخ عبارة عن أكاذيب وابتداعات يصدقها الجميع" كما يدّعي (نابليون) ([41])، وليس التاريخ "علم صيرورة الإنسان" كما يقول البروفسور (أوت شاندل) ([42])، ولكن يجب أن يكون ذلك تابعًا لإرادة الإنسان واختياره وليس العكس وقد صرّح القرآن بذلك مرارًا، قال تعالى في ذم الكافرين: )بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ(.
هذا يعني أن للأعراف والتقاليد دورها الكبير في سلوك الأفراد ولكن قد يكون التاريخ مشوهًا نتيجة الجهل والعصبية والأطماع والسلطة.. عندئذ يأتي دور الأنبياء والرسل والمصلحين كي يصحّحوا مسيرة الإنسانية.
فمثلاً إن حركة الإمام الحسين "ع" ليست حركة مبتورة ولم يخرج الحسين لأجل يزيد فقط، ولأنه منحرف وشارب للخمر وقاتل للنفس المحترمة، بل كانت حركة الإمام الحسين امتدادًا لحركة واحدة تجري في تيار الزمن وتنتقل من آن إلى آن، هي عبارة عن حركة رسالتها التاريخية إنقاذ الناس وتكامل الإنسان. في مقابل هذه الحركة الإسلامية تقف القوى الأخرى المحادّة لله والمحاربة للناس وهي أيضًا تتوارث تاريخها الملطخ بدماء المستضعفين جيلاً بعد جيل، ولهذا فالحرب قائمة دائمًا وفي كل مكان بين محورين (الله وإبليس) (هابيل وقابيل) (إبراهيم والنمرود) (موسى وفرعون) (يحيى وهيرودس) (عيسى وقيصر) (محمد وقريش) الخ..
والسبب من وجهة نظر شريعتي هو: "ثلاثي التاريخ المشؤوم" (السلطة، الاقتصاد، الدين المنحرف) (فرعون، قارون، بلعم بن باعوراء) ([43]).
مثلّث قاعدته المال، وضلعاه السلطة والتديّن المنحرف.
يرى شريعتي أن قتْلَ هابيل([44])الراعي على يد قابيل([45])مالك الأرض يعني انتهاء مرحلة الشراكة والمساواة ودخول التاريخ إلى مرحلة الزراعة والملكية([46])، فتُسيطر الطبقة الثرية القوية على مصير الطبقة الفقيرة الضعيفة، ويحكم النظام القابيلي على تاريخ الإنسان([47]). وفي الحقيقة إن حفظ هذا النظام لا يتيسر كما يقول" ميكافيلي" فقط عندما يكون الإنسان ذئبًا بل لا بد من أن يكون ثعلبًا، فكونه ذئبًا يعتمد على السيف والمال، وكونه ثعلبًا يعني أنه يستند إلى الدين. فرعون يصعد على رقاب الفقراء، وقارون يفرغ جيوبهم، وبلعم بن باعوراء([48])يقول: <أنتم لستم مسؤولين لأن كل ما يحصل هو حاصل بإرادة الله ومشيئته> <لا تشْكوا من الحرمان ولا تتألموا فإنكم ستجزَوْن في مكانٍ آخر> <اصبروا على كل شيء لكي يضاعف الله لكم الأجر> ([49]).
يتقاطع علي شريعتي هنا بقوة مع مالك بن نبي، في تأصيل الإنسان من ناحية، وفي شروط التغيير الاجتماعي النابعة من مسؤولية الفرد المسلم واختياره، وفي مقاومة الظروف الداخلية التي تستغل الإنسان وتشدّه نحو الأسفل، وكذا مقاومة الظروف الخارجية الناتجة عن استغلال الاستعمار، وبالتالي فإن الخيط الناظم الذي يجمع بين المنظومتين الفكريتين لكلا العملاقين هو: العودة إلى الذات وثقافة المقاومة.
ثالثًا ـ نموذج الوعد الصادق بين منظومتي: العودة إلى الذات وثقافة المقاومة
- لو طُلب مني أن ألخّص منظومَتَيْ ابن نبي وشريعتي بثلاث كلماتٍ فقط لقلتُ من دون إبطاء أو زحزحة: الحرث، والانغراس، والتعمير..
- ولو طُلب منّي أن أصّف نموذج الوعد الصادق من خلال العلاقة التفاعلية بين أداء رجال المقاومة وخلفيّتهم الفكرية والثقافية لقلتُ: حرثوا وغرسوا وعمّروا..
وبعبارة أسْطَع وأوضح: المقاوِم هو ذات منغرسة اجتماعيًا في علائقيّة تعميرية متراحمة، وجذور تثميرية راسخة، ومستقبليّات واعِدة.
المقاوِم خرج من فرديّته ليتحوّل إلى مواطن صالح داخل الدار العالمية للثقافة والفكر والأخلاق والعمل والعبادة.
ولكي ندخل إلى التلافيف الجوهرية الرابطة بين المفهوم النظري للعودة إلى الذات والمقصد العملي لثقافة المقاومة، لا بد لنا من الدخول إلى الثلاثيات المفقودة التي جذّرها المقاومون من خلال نموذج الوعد الصادق([50]).
ثلاثية الانتصار
ما هو النصر؟
- كلّ فردٍ جعل لنفسه هدفًا أو مجموعة أهداف ثم عمل على تحقيقها وأتمها، فهذا الفرد يكون قد انتصر.
- وكل جماعة وضعت نصب عينيها هدفًا أو مجموعة أهداف وعملت على إنجازها وتحقيقها، وحققتها، فهذه الجماعة تكون منتصرة.
- وكل فردٍ أو جماعة، واجهت عدوًا، ومنعته من تحقيق أهدافه، فإن هذا الفرد وتلك الجماعة، تكون منتصرة.
- فالانتصار له وجهان: إما أن تحقق الجماعة أهدافها.. وإما أن تمنع الجماعة عدوّها من تحقيق أهدافه.
- وهناك نصر ثالث في البين.. وهو شخصية القائد.
- فالقائد الجامع للصفات القيادية الحاسمة، من الوعي والإيمان والمسؤولية والنزاهة والإطلاع على دقائق الأمور ومتابعة شؤون الناس باهتمام، يلعب دورًا مهمًا في إيصال الجماعة إلى أهدافها.
إن قلتَ: أن هناك الكثير من القادة الذين جمعوا هذه الصفات أو المواصفات بل أكثر منها، لم ينجحوا في إيصال الجماعة إلى أهدافها، فكيف تصف شخصية القائد بأنها "نصر"؟
قلتُ: إن شخصية القائد المنصوص عليها هنا، جمعت عنصرًا آخر لم يتوفّر للكثير من القادة الصالحين عبر التاريخ، ألا وهي ثقة شعب العدو وبعض قادة ذلك العدو من المدنيين ـ إن صحّ التعبير ـ والعسكريين بهذا القائد وصدقه وشفافيته وأخلاقه..! وهذا عامل حاسم في اعتبار شخصية القائد بحدّ ذاتها "نصر".

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق - 2   (بازدید: 1080)   (موضوع: )

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]