banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

دور مؤسسات المجتمع في التقريب
ثقافة التقريب - العدد 2

عبد الرحمن حمود السميط
1428

• المؤسسات العلمية والتعليمية والإعلامية أهم سبل البناء الفكري للأمة • وسائل الإعلام في الدول الإسلامية مطالبة بإعلاء دور الإسلام في الارتقاء بحياة الأمة • الإعلام مسؤول عن إيقاظ همّة الأمة ودفع المسلمين في اتجاه النهضة والوحدة .
التقريب بين المذاهب الفقهية والتيارات الثقافية والمؤسسات السياسية صار واجبًا حتميًا في ظل الظروف التي تواجه الأمة. ودور العلماء دور قيادي فالعلماء هم ورثة الأنبياء وهم مشاعل الهدى. ودعوات الإصلاح يجب أن تبدأ من عندهم. وهذه الدعوات لا يمكن أن تنطلق نحو مراميها وتحقق أهدافها بغير حشد شعبي يؤيدها ويعززها انطلاقا من كونها واجباً دينياً هو مأمور به، ومن كونها هي المحققة للخير والصلاح للمسلمين وللبشرية كلها.
من هنا تبدو أهمية البناء، أو إذا شئنا الدقة في التعبير تبدو أهمية إعادة البناء الفكري للأمة الإسلامية. وهذه مهمة شاقة وعسيرة ولكنها حتمية، وبغيرها سوف يدهم الأمة الإسلامية قطار العولمة بتداعياته السياسية والاقتصادية والثقافية.
ولعل أهم مؤسسات في المجتمع الإسلامي يمكن أن يعوّل عليها في هذا الشأن هي المؤسسات العلمية والتربوية والتعليمية والإعلامية؛ لأنها هي المنوط بها بناء الشخصية وتكوين الوجدان وترشيد الرأي العام للأمة.
والملاحظات الأولية تبرز لأول وهلة على هذه المؤسسات هي:
أولاً: الإغراق في المحلية ونقص الاهتمام بالقضايا العربية والإسلامية سواء في المناهج التعليمية والتربوية أم في الأبحاث العلمية والبرامج الإعلامية.
ثانياً: غلبة الطابع العلماني على الكثير من مناهج التعليم بصفة عامة وعلى المحتوى الإعلامي على حساب الجوانب الروحية والدينية.
ثالثاً: الاهتمام بالنظريات العلمية والمستوردة وتجاهل النظريات والحقائق العلمية التي توصل لها العلماء المسلمون على مدى القرون الماضية.
رابعاً: الغياب الذي قد يصل في بعض الأحوال إلى حد التعتيم المقصود والمخطط على إنجازات البلاد الإسلامية لمجرد الاختلاف في المذهب الديني أو التوجه السياسي.
وإعادة البناء الفكري للأمة تقتضي تغيير هذا الواقع. وإذا كانت كل مؤسسات المجتمع تتحمل مسؤولية مشتركة عن ذلك فإن المؤسسات العلمية والتربوية والإعلامية تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية . وفيما يلي بيان لدور كل مؤسسة:
أولاً – المؤسسة العلمية والتربوية
تتحمل هذه المؤسسة بكل أجهزتها مهمة البناء الفكري للأجيال الجديدة التي تمثل أمل الأمة. وواجب هذه المؤسسة أن تقوم بدور حيوي في إعادة بناء فكر إسلامي ناهض يتجاوز حساسيات الواقع وعُقَده وأزماته. ويقف العلماء والمربون في طليعة الصفوف التي تتحمل المسؤولية عن تحقيق هذه المهمة. ويقتضي تحقيق هذا الدور مايلي:
1ـ العناية باللغة العربية كلغة تخاطب أولى أو ثانية حسب ظروف كل مجتمع إسلامي، ومحاربة دعوات تغليب اللهجات العربية المحلية التي تستهدف تحويل هذه اللهجات إلى لغات رسمية على حساب اللغة العربية الفصحى.
2- العمل على توحيد مناهج التربية الدينية في مراحل التعليم الأولى لبناء وحدة الفكر وإزالة الاختلافات الطفيفة في بعض الشعائر والتي تتحول بعد ذلك إلى خلافات تفرق بين المسلمين.
3- إعادة صياغة مناهج التاريخ الإسلامي وتنقيتها من كل ما قد يسيء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى آل بيت رسول الله أو خلفائه الراشدين أو صحابته الكرام. ووضع الأحداث التاريخية في سياقها الصحيح دون تجريح ودون إصدار أحكام متحيزة.
4- بث روح التفاهم والحوار من خلال المناهج التعليمية والتركيز على عناصر وحدة الأمة الإسلامية والعوامل المشتركة بين شعوبها.
5- إعادة النظر في مناهج دراسة الفقه على الجانبين السني والشيعي بهدف التقريب بين المذاهب.
6- إعادة صياغة مناهج التربية على المستوى الجامعي لتربية الأجيال الجديدة على احترام الاختلاف والتعددية المذهبية في إطار الوحدة الإسلامية باعتبار الاختلاف سنة من سنن الكون، وأن التعايش بين المذاهب وأتباعها أولى وأوجب من التعايش مع الآخرين.
7- تشجيع إجراء البحوث المشتركة وإنشاء المجامع العلمية المشتركة التي تضم علماء من كافة المذاهب وخاصة من أهل السنة والشيعة لإجراء دراسات مشتركة في قضايا محددة. وتعميم نتائج هذه الدراسات.
وتنفيذ هذه التوصيات وغيرها يتطلب بلا شك قدراً كبيرا ً من الموضوعية والشجاعة ومغالبة النفس والتسامي على التعصب المذهبي وضيق الأفق السياسي. كما يتطلب حواراً مستمراً بين العلماء والحكام إذ أن كثيراً من الأفكار والمواقف والمناهج تتأثر بالتوجهات السياسية.
ثانياً: المؤسسة الإعلامية
يلعب الإعلام دوراً مؤثراً ومتزايداً في تكوين الرأي العام وتشكيل وجدان الأمم والشعوب. وهو الآن يقوم بدور حيوي في مجال الدعوة الإسلامية. كما أنه أداة فعالة في أيدي أعداء الإسلام والمسلمين. فمن خلاله يبثون الصور المشوهة ويشكلون صوراً ذهنية زائفة ويبذرون بذور العداء ضد الأمة الإسلامية ويربطون ربطاً خاطئاً ومغرضاً بين الإسلام والتخلّف، وبينه وبين الإرهاب. ويجب بالمقابل أن يستخدم الإعلام في إيقاظ همّة الأمة وفي دفع المسلمين في اتجاه النهضة والوحدة وفي إيجاد وتنمية التفاهم والتقارب بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم.
وقد تطورت وتعددت الوسائل بفضل الاكتشافات العلمية والإنجازات التقنية الحديثة وعلوم وفنون الاتصال. وصار الحديث الآن لا يتناول الصحيفة والمجلة والكتاب وأجهزة الراديو
والتلفاز فقط، ولكن الحديث الآن يشمل الوسائط المتعددة The Multimedia التـي تعنى حزمة مـن الوسائل الاتصالية تشمل شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت lnternet) والأسطوانات الممغنطة C.D والأشرطة السمعية/ بصرية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة.
إن وسائل الإعلام في الدول الإسلامية مطالبة بما يلي:
1ـ العمل على تنظيم وإعلاء دور الإسلام في الارتقاء بحياة الأمة الإسلامية باعتباره دين العلم والعمل ، ودوره في توسيع آفاق المشاركة الشعبية بما يقرره من مبدأ الشورى، ودوره في تحقيق السلام الاجتماعي بحمايته للمصالح الخمس المقررة شرعاً: الدين والعقل والنفس والنسل والمال، ودوره في السلام العالمي بما يقرره بشأن علاقات المسلمين بغير المسلمين.
2- العمل على إزالة الجهل وسوء الفهم والنوايا بين الدول والشعوب الإسلامية وبينها وبين الشعوب الأخرى من خلال الانفتاح الواعي ونشر الأخبار والمعلومات الوافية والصحيحة.
3- الرد على الدعاوى المغرضة والاتهامات الباطلة الموجهة للإسلام في الداخل والخارج، خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة والطفل بصفة خاصة، وقضايا علاقة الإسلام بالعلم والممارسة السياسية وقبول الآخر مادياً وفكرياً.
4- العمل على إشاعة روح الالتزام بالدين دون إفراط أو تفريط والدعوة لقبول الرأي الآخر واحترام الرأي المخالف وإرساء قواعد الحوار القائم على التكافؤ والتسامح.
5- التعريف بالجهود العلمية والثقافية التي تبذل في مجالات التقريب بين المذاهب سواء من خلال الإعلام العلمي المتخصص أم من خلال الإعلام العام.
وتنفيذ هذه المهام وتحقيق هذه الأهداف يتطلب إلى جانب ما أشرنا إليه في جانب المؤسسات العلمية والتربوية إعداداً سليماً لإعلاميين يجيدون التعامل مع معطيات العصر، مع تزويدهم بالثقافة الإسلامية المستنيرة المستجيبة لمتطلبات العصر. ويتطلب توفير المال اللازم – وقبله الإرادة السياسية – لإنشاء قنوات إعلامية قادرة على مخاطبة الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية باللغات المختلفة وبأسلوب العصر. وإنشاء مواقع موحدة على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) لنشر المعلومات الصحيحة عن الإسلام وتصحيح المعلومات الخاطئة.
والطريق طويل والمهمة صعبة، ولكن الهدف النبيل الذي نسعى إليه يستحق أن يبذل في سبيله كل فكر وجهد ومال.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• تفعيل دور المؤسسات في بناء الوحدة   (بازدید: 1932)   (موضوع: )

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]