banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

ظاهرة الشيخ ميثم البحراني
ثقافة التقريب - العدد 1

محمد جابر الانصاري
1428

• ميثم البحراني أحد الأعلام المدافعين عن العقيدة الإسلامية بالحجة والمنطق والمنهج العقلي السمح • حان الوقت لتعود الثقافات العربية والفارسية إلى تفاعلهما الحضاري كما في العصور الذهبية • شرح نهج البلاغة
لميثم البحراني يندرج ضمن الإرث الإسلامي المشترك الشامل • كان الشيخ شديد الحرص على تنقية عقيدته الإمامية الإسلامية من كلّ شائبة

الشيخ ميثم البحراني يحتل مكانته الثقافية المرموقة أولاً ضمن التراث الثقافي الوطني لمملكة البحرين، وذلك عبر سلسلتها الذهبية الحضارية من طرفة بن العبد الى ابن المقرب العيوني الى أبو البحر جعفر الخطي الى الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة الى عبد الله الزايد وعبد الرحمن المعاودة إلى ابراهيم العريض وأحمد محمد آل خليفة الى حملة القلم من رجالات البحرين المعاصرة. وهو كما نرى تراث ثقافي خصب وعميق الجذور، وما ظهور ميثم البحراني في تلك الحقبة التي تعرضت لها الثقافة العربية الإسلامية لكثير من التحديات وكتابة أبحاثه الكلامية المتميزة، وأبرزها مصباح السالكين في شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب(ع)، كتابتها بلغته العربية الأم، إلاّ دليل حي على قدرة هذه الثقافة في أحد مراكزها الثابتة والمنفتحة، وهي البحرين، على الصمود والتجدد. وكان هذا المفكر المتميز موضع اهتمامي قبل 35 سنة في نطاق دراساتي في تراث البحرين الثقافي وتجدون مادته بالنص الأصلي كما ظهرت عن الشيخ ميثم منذ ذلك التاريخ.
2- أما المستوى الثاني الذي يمكن من خلاله أن نقارب مكانة الشيخ ميثم فكونه أحد أعلام علم الكلام الإسلامي الذين بحثوا في قضايا العقيدة الإسلامية ودافعوا عنها حيال الفلاسفة والمخالفين الفكريين بالحجة والمنطق والمنهج العقلي السمح؛ من واقع إيمانهم الإسلامي العميق دون غلو أو تشدد، وذلك من خلال شرحه الدقيق والمتميز لنهج البلاغة.
وهذا هو موضع إبداعه ومكانته في تاريخ الثقافة الإسلامية التي يجتمع حولها المسلمون كافة. ونشيد في هذه المناسبة بتعاون مؤسسة الثقافة والعلاقات الإسلامية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية مع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمملكة البحرين لإحياء هذه المناسبة التي تتقارب مع الذكرى المئوية السابعة لرحيله.. وقد حان الوقت لتعود الثقافتان العربية والفارسية إلى تفاعلهما الحضاري العالي كما في العصور الذهبية لحضارتهما الإسلامية الجامعة، ذلك ان التقارب الجغرافي بينهما لم يولد بعد، هذا التفاعل المنتظر الذي لن يكون إلاّ ببناء المزيد من جسور الثقة اللازمة بين الطرفين ودون الإخلال بها، فلا تفاعل للثقافة إلا بالثقة الوطيدة المتبادلة.
ولابد من التوضيح أن علم الكلام أو علم العقيدة الذي أسهم فيه ميثم البحراني يستفيد من الفكر الفلسفي الإسلامي والإنساني بعامة في الدفاع عن قضايا الاعتقاد الإسلامي، الأمر الذي يعني أن الفلسفة من حيث المبدأ ليست أمراً طارئاً على التراث الإسلامي فهي المعادل لمفهوم «الحكمة» في القرآن الكريم (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً(. من هنا فالإسلام بما يمتلكه من نهج العقل والمنطق وفريضة التفكير والتدبر في شؤون الكون والوجود والاتعاظ بالسنن الكونية وسنن الأولين التي أوجدها الله في الطبيعة والإنسان يستطيع أهله ومفكروه تدارس الفلسفة للإحاطة بها، وتأسيس فلسفة إسلامية في ضوء المعطيات الفكرية في الإسلام. من هنا ليس لائقاً بالمسلم التخوف من الفلسفة، فهو يمتلك من التراث الفكري لدينه ما يؤهله لاستيعابها ونقدها وانتقاء الصالح منها، ولا يمكن أن يتم ذلك إلاّ بدراستها ومعرفتها، وهو ما ينبغي أن نستخلصه من عطاء ميثم وعطاء تلك المدرسة الفلسفية والكلامية الجادة التي ظهرت في تاريخ الثقافة الإسلامية من الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد والملا صدرا وسواهم ممن خلفوا تراثاً عقلياً في الإسلام لا يمكن إلغاؤه.
3- وعلى صعيد التاريخ لسيرة ميثم فإني أجد في المختصر الذي كتبه عنه العلامة سليمان بن عبدالله، وهو من علماء البحرين كذلك، في كتابه الموسوم (السلافة البهية في الترجمة الميثمية)، ما يلخص بتركيز علمي المكانة العلمية المتميزة للشيخ ميثم. كتب صاحب السلافة يقول: «هو الفيلسوف المحقق، قدوة المتكلمين والفقهاء، العالم الرباني، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم، غواص بحر المعارف، ضم إلى الاحاطة بالعلوم الحقيقية (قصد علوم الشرع) الاسرار العرفانية (أي المعرفة الصوفية). ويكفيك دليلاً على جلالة شأنه اتفاق كلمة أئمة الأمصار على تسميته بالعالم الرباني وشهادتهم له بأنه لم يوجد مثله في تحقيق الحقائق وتنقيح المعاني. والحكيم الفيلسوف محمد الطوسي شهد له بالتبحر في الحكمة والكلام… والشريف الجرجاني ــ على جلالة قدره ــ نقل تحقيقاته واعتبره واحداً من المستفيدين منه، والعالم صدر الدين محمد الشيرازي أكثر من النقل عنه في كتبه؛ خاصة في مباحث الجواهر والأعراض (من قضايا الفلسفة الهامة في العصر الوسيط)، والتقط فرائد التحقيقات التي أبدعها في كتابه «المعراج السماوي» وغيره من مؤلفاته. وفي الحقيقة أن من اطلع على شرحه الضخم لنهج البلاغة الموسوم بـ «مصباح السالكين» شهد له بالتفوق في جميع الفنون الإسلامية والأدبية والحكمية والأسرار العرفانية».
هذا كلام مؤخر قديم عن فيلسوف البحرين ومتكلمها الشيخ ميثم. وهو لا يحتاج إلى شرح وتعليق. وبطبيعة الحال فقد قصد في نهاية النص بالحكمية الفلسفة وبالعرفانية التصوف.
وبالإضافة إلى ما ذكره عنه ذلك المؤرخ وردت سيرته في كتب العلامة المحدث المجلسي، وإبن أبي جمهور الاحسائي، والشيخ فخر الدين الطريحي في كتابه «مجمع البحرين»، والشيخ حسن البلادي في كتابه «لؤلؤة البحرين»، كما ذكره صاحب كتاب «مستدرك الوسائل». وصاحب كتاب «روضات الجنات»، وصاحب كتاب «أمل الآمل»، وذلك ما استند إليه النويدري في مصنفه (أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال 14 قرناً).
هذا مجمل ما اطلعت عليه من مراجع عنه باللغة العربية. وربما وجدت مراجع أخرى باللغة الفارسية للمشتغلين بها يمكن أن تضيف إلى معرفتنا به وبفكره.
ومن هذا العرض الموجز يمكن أن نستخلص الاستنتاجات الفكرية التالية:
أولاً: حيث أن نهج البلاغة للإمام علي(ع) تراث وإرث يشارك فيه المسلمون كافة ويعتزون به، فإن شرح ميثم البحراني لنهج البلاغة يندرج ضمن هذا الإرث الإسلامي المشترك الشامل، وقد كان الشيخ ميثم في شرحه معبراً عن هذه الروح السمحة، فكان يشير بين موضع وآخر إلى نقاط الالتقاء بين مقولات الإمام علي(ع) وما ذهب إليه الأشاعرة أو المعتزلة بما يعكس سعة اطلاع ميثم من ناحية؛ وانفتاحه الفكري على المدارس الاسلامية من ناحية أخرى. ومن توفيق الله لذكراه فإن ضريحه ظل مزاراً لجميع الناس في بلاده البحرين من مختلف الطوائف دون تمييز.
ثانياً: يتضح من القراءة المتأنية لشروح الشيخ ميثم لنهج البلاغة أنه اتبع النهج الموضوعي العقلي، أي النهج العلمي في قراءته ولم تأخذه النزعة الخطابية أو الحماسية، فكل مفردة من مفرداته دقيقة في معناها دون إسهاب أو اقتضاب. وهو شديد الحرص على أن يبصر قراؤه التعليل العقلي لمقولات الإمام، وأن يقتنع بها بالدليل العقلي وليس التسليم الاعتقادي وحده، إلا بعد استنفاد عمل العقل.
ثالثاً: وانطلاقاً من ذلك النهج العقلي نجده يعطي الإشارات الاعتقادية عن الخالق وكنهه كما وردت في نهج البلاغة حقها من التحليل والتعليل العقلي رغم دقة مسائلها. كالنص الشهير للإمام علي عندما سئل: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: أفأعبد ما لا أرى؟ فقال: وكيف تراه؟ فقال: «لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد عنها غير مباين… الخ». (شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ج 3، 373، طبعة طهران). إلى آخر هذا النص الغني بالإشارات الاعتقادية، وقد ارتفعت إلى مستوى الفلسفة الإلهية المؤمنة.
رابعاً: إن الشيخ ميثم كان شديد الحرص على تنقية عقيدته الإمامية الإسلامية من كل شائبة. يتضح ذلك من وقفاته الواضحة والجلية شرحاً لتحذير الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لاتباعه من الغلو فيه مقارنة بالنبي الكريم. أما المغالون فيه تأليهاً فقد أبرز فيهم إدانة الإمام ورفضه بل محاربته لهم ويتتبع الشيخ ميثم مواقف المغالين حيال الامامية تاريخياً وبعد زمن الامام علي(ع)، حيث يشير على سبيل المثال الى ما ألحقه القرامطة من أذى بالإمامية الملتزمة بعقائد الإسلام الحقة، رغم أن أكثر مدارس التاريخ الايديولوجي الحديث تضع القرامطة والإمامية في سلة واحدة، خلافاً لهذا الواقع التاريخي الذي يجليه الشيخ ميثم والذي كان قريباً من عهد التطرف القرمطي الذي ساد قبيل زمنه، ولابد أن يأخذ المؤرخون الأمناء شهادته التاريخية هذه بعين الاعتبار.
وختاماً فإن الدراسة النقدية والتحليلية المتأنية، والمستقلة عن أي اعتبار غير اعتبار البحث عن الحقيقة العلمية، يمكن أن تكشف المزيد من هذه الدقائق المعرفية في آثار الشيخ ميثم، كما في تراثنا الإسلامي بعامة، ومن أجل هذا فليعمل العاملون.
* - الدكتور محمد جابر الأنصاري مفكر إسلامي من البحرين، ومقاله بمناسبة انعقاد مؤتمر الشيخ ميثم البحراني، شارح نهج البلاغة (المتوفى سنة 697) الذي انعقد في المنامة سنة 2005م .

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• كيف ينبغي النظر إلى ظاهرة الشيخ ميثم البحراني؟   (بازدید: 1321)   (موضوع: شخصيات)
• مقدمة في تطورات الفكر الحديث منذ النهضة و حتى ١٩٣٠   (بازدید: 1889)   (موضوع: فكر إسلامي)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]