منهج البيروني في دراسة الأديان
|
ثقافتنا - العدد 16
علي بن مبارك
1429
منهج البيروني[1] في دراسة الأديان قراءة في كتاب "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"[2] علي بن مبارك[*] ملخّص أراد البيروني بهذا الكتاب أن يطوّر معرفة المسلمين ببقية الأديان، وقامت دراسته على عمل ميداني هو المعاينة والحكاية والمقارنة، وكان عمله بمثابة بحث استطلاعي مهدّ لانتشار الإسلام في الهند. انتهج في الكتاب منهجًا جنّبه التعصب والتعميم. صَدَقَ قول القائل: <ليس الخبر كالعيان>[3] تناول البيروني بالتحليل والنقد مناهج المسلمين في دراسة الأديان وما تعلّق بها من طقوس وتقاليد، وصنّف هذه المناهج إلى ثلاثة ضروب : السماع بما هو مشافهة والكتابة بما هي تدوين والمعاينة بما هي ملاحظة وتفكّر.ولئن فضّل أبو ريحان المصادر المكتوبة على المصادر الشفوية في مادة الأديان فإنّه جعل كليهما في مقام دون المعاينة.ويبدو أنّه كان على يقين بأنّ المكتوب كان في البدء شفويًا واختلط فيه - لحظة التدوين - الأسطوري بالواقعي، ولعبت فيه الذاكرة الدينية الجماعية دورًا في رسم معالم <الآخر الأقصى> الذي يخالفنا المعتقد. إنّ الأخبار المدوَّنة تظلّ ـ عند البيروني ـ رافدًا مهمًّا في معرفة بقية الحضارات والديانات <فمن أين لنا العلم بأخبار الأمم لولا خوالد آثار القلم؟>[4] ولذلك رأى أنّ <الكتابة نوع من أنواعه يكاد أن يكون أشرف من غيره>[5] ولكنّ هذا الرّافد المعرفي محدود الآفاق ومليء بالنقائص وذلك من منظورين : فهو من جهة يجمع صحيح الأخبار وفاسدها ويمزج بين الواقع والخيال، ومن جهة ثانية لا يستجيب إلى تطوّر الزمن وتغيّر المنظومات. فالظاهرات الدينية متغيّرة ومتطوّرة ولذلك أقرّ البيروني بأنّه <لولا لواحق آفاتٍ بالخبر لكانت فضيلته تبين على العيان>[6].وعلى هذا الأساس نظّر صاحب <تحقيق ما للهند> لمنهج يقوم أساسًا على المعاينة فاستهلّ مقدّمته بقوله <إنّما صدق قول القائل ليس الخبر كالعيان>[7].ويبدو أنّ اعتماد قول قائل يميّز بين الخبر والمعاينة يعني أنّ هذا المنهج ليس من ابتكار البيروني بل هو وجه من وجوه الثقافة العربية الإسلامية، ولكنّه وجه خافت لا يكاد صوته يُسمع أمام هيمنة ثقافة السّماع ومنهج المأثور. ولو دقّقنا النّظر في تعريف البيروني للعيان لأدركنا أهمية هذا المنهج في دراسة الأديان وآية ذلك أنّ <العيان هو إدراك عين الناظر عين المنظور إليه في زمان وجوده وفي مكان حصوله>[8] نلاحظ من خلال شاهد النصّ السابق أنّ أبا ريحان البيروني حدّد لنا مقاربته المعرفية التي اعتمدها في كتابه <تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة> فجعل عملية الإدراك[9] تتحقّق من خلال قناة العين كما اشترط في موضوع الإدراك ( المدرَك) بما هو مجموعة من الظاهرات الثقافية والاجتماعية والدينية أن يكون محدّدًا من حيث الزمان والمكان، فليس من المفيد أن نتحدّث عن أديان وثقافات ولغات افتراضية ابتكرها الخيال ورسمت معالمها الذاكرة دون أن ندركها معاينةً في سياقها التاريخي.وهذا يعني أنّ دراسة الدّين لا تقوم على تحليل ممكن الوجود لأنّ <الخبر عن الشيء الممكن الوجود في العادة الجارية يقابل الصدق والكذب على صورة واحدة وكلاهما لاحقان به من جهة المخبِرين لتهافت الهمم وغلبة الهراش[10] والنّزاع على الأمم>[11] .ولقد نبّه البيروني إلى ارتباط الخبر بحالة الإخباريّ ومشاغله ، فهو إمّا متعاطف مع الملّة موضوع الدرس أو متحامل عليها وهذا يؤثر في طبيعة الأخبار وصدقها وكأنّ <الباعث على فعله من دواعي المحبّة أو الغلبة>[12] أو <من دواعي الشهوة والغضب المذموميين>[13]. والملاحظ أنّ صاحب <تحقيق ما للهند> أدرك أهمية التحرّر من أسر العاطفة الدّينية والتخلّص من ثنائية المذموم والمحمدود في دراسة الأديان دراسة موضوعية. إنّ الغاية من دراسة الأديان بهذا المعنى لا تعني بالضرورة الانتصار لدين دون آخر أو بيان عيوب منظومة عقدية دون غيرها.وعلى هذا الأساس انتقد البيروني سابقيه ممّن اهتمّوا بحضارة الهند وتقاليدها الدينية وأظهر عيوب <كتب المقالات وما عُمل في الآراء والدّيانات>[14] ورأى أنّ <أكثرها منحول وبعضها عن بعض منقول وملقوط مخلوط غير مهذّب على رأيهم ولا مشذّب[15]>[16]. ولذلك أقرّ البيروني بكلّ جرأة وصرامة بأنّه لم يجد <من أصحاب كتب المقالات أحدًا قصد الحكاية المجرَّدة من غير ميل ولا مهادنة سوى أبي العبّاس الإيرانشهري>[17] . ويبدو أنّ إحالة البيروني على هذا العلم المجهول- بما هو استثناء في تاريخ الفكر الإسلامي المهتمّ بالأديان ـ قد أثارت فضول الباحثين[18] ولعلّ اختفاء ما ألّفه الإيرانشهري واختفاء <كتاب الهند> المقصود لمدّة تقارب تزيد عن ثمانية عقود[19] يؤكّد هيمنة الدّراسات التقليدية القائمة على النقل ورواية الأخبار وتهميش المقاربات العلمية التي ناشدت الموضوعية وأرادت تطوير مناهج البحث في الأديان. ويبدو أنّ علماء المسلمين[20] قبل البيروني لم يفهموا تقاليد الهند الرّوحية وتعاملوا معها فحسب من خلال المنقولات من الأخبار فكان كلامهم بسيطًا ينقصه التدقيق وعامّا ينقصه التخصيص .ولقد اكتشف البيروني وهو يعاين بلاد الهند ويعيش ثقافتها أنّ أصحابه في تلك الديار <لم يعهدوا طرق الهند في أحكام النجوم ولم يقرأوا قطّ كتابًا لهم فيها، لذلك حكوا عنهم حكايات لم نجد عندهم منها شيئًا>[21]. وكأنّا بالبيروني يميّز بين الأسطوري والتاريخي في دراسة الأديان ، فما تناقله السّلف من أخبار غريبة وعجيبة لا تعكس حقيقة المنظومة الدينية المُتحدَّث عنها.ولنا أن نتساءل اعتمادًا على ما استنتجه البيروني: هل يمكن دراسة ديانة ما دون تمثّل مكوّناتها ودون التمكّن من لغة أهلها وكتبها؟ إنّ البحث الموضوعيّ في هذا المجال يتطلّب ـ حسب البيروني ـ اعتماد منهج علميّ ميداني لا يقوم على المعاينة فحسب بل كذلك على الحكاية. إنّ المدقّق في مقدّمة كتاب <تحقيق ما للهند> يلاحظ أنّ صاحبه عمل جاهدا على توضيح طبيعة كتابه المزمع تأليفه والأهداف المنتظرة منه وهذا العمل يتطلّب منه تطهير عقول القرّاء من رواسب ثقافة الجدل وتشويهات كتب الملل ولذلك نجده يعلن في غير تردّد <وليس الكتاب كتاب حجاج وجدل حتّى استعمل فيه بإيراد حجج الخصوم ومناقضة الزائغ منهم عن الحق>[22]. وكأنّا بالبيروني قد تنبّه إلى دور الجدل الديني وما نتج عنه من ردود في طمس الحقائق وتزييفها وتحويل الأديان من منظومات تاريخية تنفتح على المجتمع والثقافة والاقتصاد إلى منظومات افتراضية وهمية يرسمها الخيال وتكرّسها الذّاكرة. ولو تتبعنا الجدل الإسلاميّ[23] كما ساد في القرون الوسطى للاحظنا أنّ أصحابه كانوا يهدفون إلى فضح المخالف وبيان فساد مقولاته في مقابل صحّة مقولاتهم فحسب. لقد ألزم البيروني نفسه أن لا يُقحم نفسه في خطاب حجاجيّ يقوم أساسًا على مجموعة من الثنائيات من قبيل <التقبيح والتزيين> و <الحمد والذمّ> و<التصويب والتخطيء>... فهذا الزاد الحجاجيّ سلاح من أراد الانتصار لملّته وليس زاد العلماء الباحثين عن الحقائق. والبيروني رجل علم وعقل لذلك أراد أن يجعل من كتابه <كتاب حكاية>[24] يقتصر فيه على نقل ما رآه في بلاد الهند من ظاهرات دينية و ثقافية واجتماعية وما سمعه من خاصّتهم وعامّتهم وما قرأه في كتبهم بلسانهم وآية ذلك أن يورد <كلام الهند على وجهه>[25] ويضيف <ما لليونانيين من مثله لتعريف المقارنة بينهم>[26] والملاحظ أنّ اختيار منهج الحكاية لم يكن اعتباطيّا أو مجرّد صدفة، لأنّ الحكاية تتعلّق بالأقوال والأفعال على حدّ سواء، ولقد وجدنا في<لسان العرب> ما يؤكّد هذا التمشّي إذ جاء فيه، <الحكاية كقولك حكيت فلانًا وحاكيته: فعلت مثل فعله، أو قلت مثل قوله، سواء لم أجاوزه>[27].وبهذا المعنى فإنّ الحكاية تعني بالأساس أن ننقل ما نراه أو نسمعه أو نقرأه بكلّ موضوعية وتجرّد دون تغيير أو تحريف أو تضخيم أو تحقير...وهذا العمل ليس بهيّن لأنّه يتطلّب تحرّرًا من أسر الذاكرة وتدخّل العاطفة ومركزية الانتماء. ولقد أدرك البيروني صعوبة هذا المبتغى وبيّن عسر تطبيق هذا المنهج على كامل الكتاب، ولكنّه مع ذلك أكّد التزامه به في أغلب الحالات. وفي هذا الإطار أعلن <وأنا في أكثر ما سأورده من جهتهم حاك غير منتقد إلاّ عن ضرورة ظاهرة>[28]. وكأنّا بالبيروني يؤكّد من خلال هذا الكلام أنّ التجرّد المطلق في دراسة الأديان مطلب عسير المنال على أهميته لأنّ ذات الباحث وثقافته قد تحضر في دراسته، ولكن ذلك لا يمنع من اعتماد منهج حكاية يعرّفنا بالآخر كما يريدنا هو أن نعرفه لا كما رسمته الذاكرة وحدّده المخيال. وحتّى يتسنّى له معرفة معتقدات أهل الهند ومحاكاة ما رصده من طقوس وممارسات كان لزامًا عليه أن يتطهّر من كل الرواسب المعرفية المتعلّقة بموضوع دراسته، وأن يقبل على علمائهم ورجال دينهم مستفسرًا ومتعلّما بل نجده يصرّح دون حرج <كنت أقف من منجّميهم مقام التلميذ من الأستاذ لعجمتي فيما بينهم وقصوري عمّا هم فيه من مواضعاتهم>[29]. ونلاحظ من خلال كلام البيروني أنّ الدارس للأديان الحاكي طقوسها وتقاليدها لابدّ أن يعود إلى أصولها ومصادرها الحقيقية وأن يتخلّص من وصاية الأوصياء ووساطة الوسطاء ولن يتحقّق ذلك إلاّ متى لبس دارس الأديان لبوس المتعلّم . ولأنّ الأديان متعدّدة المشارب ومتنوّعة المظاهر فإنّ دراستها على سبيل الحكاية لابدّ أن تشمل أيضا كتبها وعلومها، ولذلك أقبل البيروني على تعلّم لغتهم[30] وقراءة نصوصهم وترجمة نصيب وافر منها إلى اللّغة العربية[31] مبرّرًا أسباب اختياره لما عرّب من المصنّفات[32]. ويبدو أنّ أبا ريحان تنبّه إلى أنّ الحكاية لا تكون بنقل ما شاهده وسمعه فحسب بل لا بدّ أن تشمل أيضا المكتوب ، ولذلك نجده يعلن <ولنورد شيئًا من كتبهم لئلاّ تكون حكايتنا كالشيء المسموع فقط>. لقد أثار البيروني وهو يتحدّث عن منهج الحكاية في نقل أخبار الأمم ومعتقداتهم إشكالية الصدق في القول، ورأى أنّ <المجانب للكذب المتمسّك بالصدق هو المحمود الممدوح>[33] وهذا يعني أنّ دراسة الآخر عقيدة وثقافة وعمرانًا رسالة نبيلة تتطلّب إخلاصًا للعلم وصرامة في مناهجه. والمدقّق في هذا الموقف يلاحظ أنّ صاحب <التحقيق> يوجّه انتقادًا ضمنيًا لمن سبقه أو عاصره من العلماء المسلمين وخاصة من أصحاب كتب المقالات[34] الذين تبحّروا في ذكر أخبار الملل والنحل من خلال السماع والرواية لا المعاينة والدراية. والطريف أنّ البيروني أدرك وهو يحكي لنا ما سمعه وشاهده وقرأه في بلاد الهند ضرورة المقارنة بين ثقافة الهند وبقية الثقافات. لقد تنبّه البيروني إلى وجود روافد مشتركة بين الذاكرات الدينية وإن اختلفت أزمنتها وأماكنها وأنساقها، ولذلك نجده في مواقع مختلفة من كتابه <تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة> يقارن بين ثقافة الهند وثقافة اليونان ولقد أكّد هذا التمشّي منذ المقدّمة حينما أعلن <فأُورد كلام الهند على وجهه وأضيف إليه ما لليونانيين من مثله لتعريف المقاربة بينهم>[35] وكأنّه لاحظ وجود تقارب بين المنظومتين الهندية واليونانية وإن باعد بينهما حيّز المكان.وهذا يعني أنّ الظاهرات الدينية وإن تباينت في ظاهرها فإنّها تشترك على سبيل المشابهة في مجموعة من الرموز والمفاهيم ،هذه المشابهة تجلّت للبيروني بصفة مخصوصة في التصوّف <لتقارب الأمر بين جميعهم في الحلول والاتّحاد...>[36] فهل يعني ذلك أنّ البيروني أدرك في عصره أنّ التصوّف نمط كونيّ من الفكر عايش كلّ المنظومات الدينية وأثّر فيها أيّما تأثير؟ ألا يمكن أن نتحسّس من كلامه دعوة إلى المقارنة بين المتصوّفة في مرجعياتهم الثقافية المختلفة؟ ألا يشرّع ذلك لعلم التصوّف المقارن الذي تأسّس لاحقًا في عصور متأخرة؟ لا نبالغ إذا أكّدنا أنّ البيروني التزم في مختلف فصول كتابه منهج المقارنة الذي أعلن عنه في مقدمة كتابه ،فنجده في مطلع الباب الرابع: <في حال الأرواح وتردّدها بالتناسخ في العالم> يقارن الديانة الهندية ببقية الأديان من خلال رموزها التأسيسية و<كما أنّ الشهادة بكلمة الخلاص شعار إيمان المسلمين والتثليث علامة النصرانية والإسبات علامة اليهودية كذلك التناسخ علم النحلة الهندية فمن لم ينتحله لم يكن منها>[37] وهذا الضرب من المقارنة يعكس قدرة على التأليف واختزال الديانات في علامات دالّة عليها.ويبدو أنّ هذا الأسلوب المقارنيّ ييسّر فهم الظاهرة الدينية المدروسة ويمكّن القارئ من تبيّن خلفياتها. وفي نفس السياق المنهجي ربط البيروني في الباب الثالث <في ذكر اعتقادهم في الموجودات العقلية والحسية> بين مقالة الهند وما ذهب إليه أساطين الحكمة اليونانيين خاصّة فيما تعلّق بالفلسفة الميتافيزيقية كما شبّه في الباب الرّابع[38] عند حديثه في نظرية الاستنساخ عند الهندوس كلام حكيمهم باسدو بقول للمسيح ثمّ ربط كلام كليهما بحكمة اليونانيين قائلا : <وقد كان اليونانيون موافقين الهند في هذا المعتقد>[39] واستدلّ في ذلك بكتاب <فاذن>[40] لسقراط إذ ذهب فيه أنّ <العلم تذكّر لما عرفته النّفس قبل أن تصير إلى الجسد>[41]. وهكذا نلاحظ من خلال ما توصّل إليه البيروني أنّ التراث الديني الكوني يبطن تماثلاً وإن أظهر تباينًا وتناقضًا. والطريف في هذا الإنجاز المعرفي أنّ صاحبه تفطّن إلى وجود خيط خفيّ جامع واصل بين قولة باسدو حكيم الهند وآراء سقراط فيلسوف اليونان وما ذكره يسوع المسيح. هذا الوعي بوجود روافد دينية أسطورية مشتركة بين الثقافة الهندية وحكمة اليونان نرصده بجلاء عندما تحدّث صاحب <كتاب الهند> عن تصوّر أهل الهند للعالم، إذ قسّموه إلى ثلاثة أقسام مرتّبة من الأعلى إلى الأسفل. ففي العالم العلوي توجد الجنّة حيث النعيم والثواب، وفي العالم الأسفل توجد جهنّم حيث العذاب والعقاب، وبين العالمين يوجد عالم الناس حيث التعب والاكتساب.وفي هذا الإطار أحال على أساطير يونانية تتعلّق بزوس[42] وديادوس[43] بل نجده ينتقد معاصريه وسابقيه لإهمالهم البعد الأسطوري في ديانة أهل الهند.وكأنّ دراسة الأساطير مدخل مفيد لدراسة الأديان، والملاحظ أن البيروني حصر هذا الاستنتاج الخطير في منظومة الهند الدينية[44] وكان بإمكانه تعميم ما توصّل إليه على بقية الأديان، ولعلّه تجنّب ذلك تحت ضغط الذاكرة الإسلامية التي تجعل من الإسلام مركزًا وأصلاً لا يمكن مقارنته ببقية الأديان وخاصّة الأديان غير التوحيدية. ولعلّ ما يؤكّد ما ذهبنا إليه استهلاله الباب الأوّل[45] من الكتاب بذكر وجوه التباين بين المنظومتين الهندية والإسلامية وكأنّه يكتشف حضارة جديدة غريبة المعالم لا يكاد يجمعها بالإسلام أيّ رابط وآية ذلك <أنّ القطيعة تخفي ما تبديه الوُصلة> وذلك لعدّة اعتبارات <منها أنّ القوم يباينونا بجميع ما يشترك فيه الأمم وأوّلها اللغة....ومنها أنّهم يباينونا بالديانة مباينة كلّية لا يقع منّا شيء من الإقرار بما عندهم ولا منهم بشيء ممّا عندنا... ومنها أنّهم يباينونا في الرّسوم والعادات حتى كادوا أن يخوّفوا ولدانهم بنا وبزيّنا وهيآتنا>[46]. ويبدو من خلال هذه المقارنة أنّ البيروني بالغ في عرض وجوه التباين بين المنظومتين فإذا بأهل الهند يخالفون العرب والمسلمين في نظام اللغة والتصوّرات اللاهوتية والدينية والعادات والثقافة والصفات الخِلقية وغيرها.. ولكنّ المتمعّن في الكتاب بمختلف أبوابه يلاحظ أن صاحبه عمل على نفي وجوه الاشتراك بين المنظومتين ويمكن لنا أن نثير أسئلة تتعلّق بتصوّرات كليهما للعالم وجهنّم بمختلف طبقاتها بل نجد لأهل الهند كتبًا في <فقه ملّتهم وفي الكلام وفي الزهد والتألّه وطلب الخلاص من الدنيا>[47] وذكر عناوين كتب مشهورة في كلّ مجال من هذه المجالات، ولا ندري إن كان الأمر مجرّد استعارة لأسماء العلوم أم تراه تشابهًا في المضامين ؟ وإذا كان التباين بهذه الصرامة فلماذا شبّه بعض قوانين لغة الهند بتلك التي <وضعها في العربية أبو الأسود الدؤلي>[48] وعروضهم بعروض الخليل[49] ؟ ثمّ كيف نفسّر يسر انتشار الإسلام في بلاد الهند وتعايشه مع بقية الأديان ؟ ألا يعكس ذلك ـ بالإضافة إلى تقليد التعدّد الديني في بلاد الهند ـ تماثلاً وإن كان جزئيًّا بين المنظومتين فيما يتعلّق بمجموعة من القيم والمقولات. إنّ هذا الاضطراب في مواقف البيروني بخصوص خصوصية الإسلام وكونية القوانين المتحكمة في المنظومات الدينية الهندية واليونانية والمسيحية وغيرها...حال دون تأسيس علم نظري يدرس الأديان ويبحث في قوانينها. ولقد شدّ انتباهنا تفطّن البيروني إلى وجود قوانين عامة تخصّ كلّ المنظومات وتوجّه الظاهرات الدينية في مختلف الحضارات، فالرجل تحدّث عن علاقة الأسطورة والخرافة[50] بالدين والمعتقد في الفضاءين الهندي واليوناني ولا غرابة أن نجد لاحقًا من يتحدّث عن منظومة هندوأوروبية في اللغة والثقافة. من جهة أخرى توصّل صاحب <تحقيق ما للهند> من خلال مقارنته بين المنظومات الدينية إلى استنتاج يتعلّق بأقسام الاعتقاد ، فتصوّرات العامّة العقدية تختلف عن تصوّرات الخاصة، وكأنّنا أمام نمطين من الدّين داخل المنظومة الواحدة . ولقد أكّد البيروني هذه المسألة عندما اهتمّ بـ <ذكر اعتقادهم في اللّه سبحانه> قائلا <إنّما اختلف اعتقاد الخاصّ والعام في كلّ ملّة>[51] وهذا يعني أنّ العامّة في كلّ المنظومات الدينية تميل إلى التقليد دون تدبّر وتقبل على الطقوس الحسّية دون تبصّر. وهذا يعني<أنّ طباع العاميّ نازع إلى المحسوس نافر عن المعقول الذي لا يعقله إلاّ العالمون الموصوفون في كلّ زمان بالقلّة>[52]. فهل يعني ذلك أنّ البيروني كان على وعي بأنّ القوانين المتحكّمة في الظواهر الدّينية كونيّة بالأساس وإن تباينت سياقاتها الحضارية ومرجعياتها الثّقافية ؟ ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال ولكنّنا نلاحظ أنّ صاحب <كتاب الهند> ينزع هذا المنزع وإن لم يؤسّس ذلك نظريًا فهو يرى أنّ الحيّز الجغرافي والخصوصيّات الثقافية لا تحول دون الاشتراك في نواميس المعتقد وإن كان خفيًا ، ولقد عبّر عن هذه المقاربة في بابٍ يتعلّق بـ <ذكر كتبهم سائر العلوم> مصرّحًا <إذا عمّ الأرض شيء أخذت كلّ فرقة عليها بنصيبها والهند إحداها>[53]. فهل يعني ذلك أنّ دراسة الأديان لا يمكن حصرها في منظومة دينية معزولة عن بقية المنظومات؟ إنّ اعتماد منهج مقارنة في دراسة الأديان مكّن البيروني من تدبّر معتقدات أهل الهند وعقلنة سلوكهم الدّيني من داخل تمثّلاتهم الخاصّة ومنطقهم الدّاخلي، ولعلّ هذا ما جعل الكتاب <علميّ الروح والمنهج>[54] على حدّ تعبير <حمادي بن جاء بالله>، ولئن أهمل ابن جاء بالله تدقيق وجوه هذه العلمية التي تميّز بها الكتاب وصاحبه رغم اعتماده أنموذجًا تطبيقيًا فإنّنًا نتحسّس هذه العلمية في مختلف أبواب الكتاب، ولعلّ اعتماد المقارنة والتفكّر في الخصائص المشتركة بين المنظومات الدّينية المختلفة يؤكّد هذا التوجّه المنهجيّ والمعرفيّ. ويبدو أنّ اعتماد منهج مقارنة يجنّب دارس الأديان التعميم والتعصّب لحقيقة دون أخرى، فالحقيقة لا يمكن حصرها في منظومة دون أخرى ، وفي هذا السياق تتنزّل أهمّية تنوّع التصوّرات، والملاحظ أنّ البيروني منذ مقدّمة كتابه أعلن عن وعيه بمشروعية تعدّد الأفكار وبوحدة جوهرها و<كما أنّ العدل في الطّباع مرضيّ محبوب لذاته مرغوب في حسنه كذلك الصدق إلاّ عند من لم يذق حلاوته>[55] .ولكنّ المقارنة بين الأديان تثير عدّة إشكاليات تتعلّق بصعوبات البحث في الأديان. لقد ركّز البيروني في كتابه <تحقيق ما للهند من مقولة> على مجموعة من الصعوبات تحول في أغلب الأحيان دون دراسة الأديان دراسة رصينة وعلمية. ولعلّ أخطر هذه الأسباب ما تعلّق منها بجهل لغة الملّة موضوع الدرس.ولقد تعمّق في ذكر هذا الضرب من المعوّقات في الباب الأول[56] عندما تحدّث عن تباين المنظومتين الهندية والعربية الإسلامية، ونبّه إلى الاختلاف في نظام اللّغة ونظم الدّلالة، لأنّ اللّغة ليست مجرّد أداة تواصل بل هي رؤية للكون وموقف منه.وهذا التباين بين المنظومتين متعدّد الوجوه، فمن جهة <يتسمّى الشيء الواحد فيها بعدّة أسام>[57] ويعسر الإلمام بكلّ الكلمات التي لها نفس الدلالة أو دلالة متشابهة . ومن جهة ثانية تنقسم لغتهم <إلى مبتذل لا ينتفع به إلاّ السوقة وإلى مصون فصيح يتعلّق بالتصاريف والاشتقاق ودقائق النحو والبلاغة لا يرجع إليه غير الفضلاء المهرة>[58] وبالإضافة إلى ذلك فهي <مركّبة من حروف لا يطابق بعضها حروف العربية والفارسية>[59]. وكلّ هذه الفروقات تجعل من فهم الثقافة الهندية من خلال مرجعية اللّغة أمرًا صعب التحقّق بل <يتعذّر إثبات شيء من لغتهم بخطّنا>[60] وذلك لتباين أصوات كلّ لغة وهذا ما يفسّر تحريف المؤلفين المسلمين والناسخين من بعدهم - عن قصد أو من دونه - لأفكارهم وكتبهم. إنّ دراسة الأديان تتطلّب الإلمام بأكثر من لغة ولاسيّما لغة الملّة موضوع الدراسة. وهذا المنهج توخّاه البيروني بكلّ صرامة فأقبل على اللّغة السنسكريتية لغة بلاد الهند قبل زيارتها، كما أتقن استعمال لغات أخرى قراءة وكتابة من قبيل الخوارزمية والفارسية والسريالية واليونانية بالإضافة إلى العربية.والملاحظ أنّ صاحب <كتاب الهند> ذكّر القارئ في عدّة مواضع من كتابه بهذا العائق الذي يحول في أغلب الأحيان دون فهم منظومات الآخر الثقافية والعقائدية. وعلى هذا الأساس نجد البيروني يتوقّف أحيانًا عند مصطلح من المصطلحات الخطيرة التي تثير عدّة إشكاليات لاختلاف دلالاتها باختلاف المنظومة الدينية التي تنتمي إليها ، ولعلّ خير مثال على ذلك ما وجدناه في الباب المتعلّق بـ <ذكر اعتقادهم في الموجودات العقلية والحسية>[61] إذ استطرد ليبحث في دلالات <الله> و<الربّ> في اللّغات العربية والعبرية والسريالية من خلال ما جاء في القرآن والتوراة واستنتج أنّ اللغة العربية لا يمكن أن تستوعب مقولة الأبوّة كما تأسست في التقليد المسيحي لأنّ <الولد والابن في العربية متقاربًا المعنى، وما وراء الولد من الوالدين والولادة منفي عن معاني الربوبية، وما عدا لغة العرب يتّسع لذلك جدًّا حتى تكون المخاطبة بالسيّد، وهذا المفهوم تشترك فيه اليهودية والمسيحية و<المنّانية>[62]، ويبدو أنّ التباين بين الإسلام والمسيحية على سبيل المثال خلاف هو لغوي بالأساس، وعلى هذا الأساس نستنتج أنّه بقدر ما نتمكّن من لغة الملّة التي نزمع دراستها، نكتشف أنّ الجهل بالآخر يؤدّي إلى عدم فهمه وبناء صور واهية لا تعكس حقيقته التاريخية. وبالإضافة إلى عائق اللغة نبّه البيروني إلى معوّقات أخرى قد تحول دون فهم حقيقيّ لبقية المنظومات الدينية لعلّ أهمها التعصّب للملّة وزعم امتلاك الحقيقة مطلقًا، وينجرّ عن ذلك ممارسة الوصاية اللاهوتية والمركزية العقدية. ولذلك عمل البيروني على محاربة هذه الذهنية بما هي ذهنية جدل وحجاج. وهذا الخيار المنهجي لا يتعلّق فحسب بكتاب <تحقيق ما للهند بل نجده في بقية مؤلّفاته ، وهذا ما ظفرنا به في كتابه <الآثار الباقية عن القرون الخالية> إذ حذّر من التزمّت داعيًا إلى <تنزيه النّفس عن العوارض المردئة[63] لأكثر الخلق والأسباب المعمية لأصحابها عن الحقّ وهي كالعادة المألوفة والتعصّب والتظافر واتّباع الهوى والتغالب بالرئاسة وأشباه ذلك...>[64] نلاحظ من خلال هذا التشخيص الدقيق للصعوبات الذاتية المعرقلة لكلّ تقدّم في مجال دراسة الأديان أنّ البيروني كان على وعي كبير بأهمية بناء الذات وتخليصها من مركّبات الاستعلاء أو النقص، حتّى يتيسّر لها فهم بقية الأديان بعيدًا عن المواقف العاطفية الانفعالية العارضة التي يجب أن لا تتحوّل إلى منهج نسلكه أو آلية نعتمدها، للتعرّف على الآخر والتواصل معه. ولقد استطاع صاحب <كتاب الهند> وبطريقة تأليفية أن يقف عند أهمّ <العوارض المردئة> كما يسمّيها وهي الحكم على الآخر من خلال العادة بماهي تراكمات تاريخية وثقافية، والتعصّب بما هو رفض للآخر، والتظافر بما هو انتصار لأهل الملّة على بقية الملل وإتّباع الهوى، بما هو تغييب للعقل، والتغالب بالرئاسة بما فيه من مركزية وادّعاء ملكية الحقيقة المطلقة دون بقية الخلق. إنّ المتمعّن في <عوارض>[65] البيروني يلاحظ أنّها تشترك في خضوعها المطلق للذاكرة الدينية الجماعية في مختلف مستوياتها الثقافية والاجتماعية والنفسية . لقد أدرك البيروني أنّ سابقيه ممّن اطّلع على كتبهم أو أخذ عنهم العلم لم يوفّقوا في دراسة الأديان دراسة موضوعية، لتقيّدهم بذاكرة مركزية رسمت من خلال تراكمات تاريخية صورًا نمطية لمن يخالف المسلمين في الفكر والعقيدة. ولقد أصبحت هذه الذاكرة المصدر الأساسيّ في نقل أخبار بقية الملل، ونتج عن ذلك الوثوق المطلق بالمصادر الإسلامية والتشكيك في مصادر الملّة المدروسة باعتبارها مصادر محرَّفة ومزيَّفة. لقد أدرك صاحب <تحقيق ما للهند> أنّ البحث في الأديان غاية من الصعب إدراكها، وفنّ من الصعب إتقانه وعلم من العسير تأسيسه، وذلك لكثرة المعوّقات وضعف الإنسان أمام مرجعياته وانتماءاته. ولقد عبّر عن وعيه بصعوبة المنهج الذي اختار في كتابه <الآثار الباقية عن القرون الخالية> قائلا: <على أنّ الأصل الذي أصلته والطريق الذي مهّدته ليس بقريب المنال...لكثرة الأباطيل التي تدخل جمل الأخبار والأحاديث ...>[66]. وإذا علمنا بأنّ كتاب "الآثار الباقية..." أُلّف قبل <كتاب الهند>[67] أدركنا أنّ ما لاحظه البيروني من صعوبات في كتابه الأوّل حاول تذليلها في كتابه اللاّحق باعتماده منهجًا يقوم أساسًا على المعاينة ويتحرّر من سلطة الأخبار وهيمنة أرباب الأحاديث من أهل السّماع والرواية.ولذلك نجده يشكك صراحة في عدّة مواضع من كتاب <تحقيق ما للهند..> في بعض الأخبار، فنجده على سبيل المثال يفنّد عند حديثه عن <مبدأ عبادة الأصنام وكيفيّة المنصوبات> ما ذكره بعض الرواة بخصوص اليونان وحضارته فقال: <ولا علم لنا بشيء منه ولا يجوز أن نقضي على ما لا علم لنا به>[68] وكأنّه يميّز بين خطاب يقوم على الجهل وآخر يقوم على دراية أسّها العقل وآلتها المعاينة. ويبدو من كلام البيروني أنّه ينتقد بشدّة دراسة الأديان دون معرفتها على حقيقتها فكيف لنا أن نتحدّث عن منظومة دينية لا نعرف مكوّناتها وطقوسها ولا نعي رموزها ولا نفهم لغتها ...؟ لا نبالغ إذا ذهبنا أنّ البيروني أدرك بكلّ نضج معوّقات دراسة الأديان في سياقه التاريخي الذي عاشه.ولعلّ ما رسّخ هذه الصعوبات عبر مختلف مراحل تاريخ الفكر الإسلامي غياب التأسيس الجماعي ، إذ ظلّت محاولات البيروني وغيره ممّن سبقه أو جاء بعده محاولات فردية طوتها <القرون الخالية> وفي أحسن الأحوال كانت أصوتًا خافتة لا يكاد يدركها عامّة النّاس ولا خاصّتهم. ولقد أدرك البيروني محدودية العمل الفردي، فالإنسان محدود القدرات قصير العمر كثير النسيان، وهنا تتنزّل أهمية العمل الجماعي في دراسة الأديان.ولعلّ مشروعية هذا الموقف تكمن في أنّ <علم الإنسان لا يفي بعلم أخبار أمّة واحدة من الأمم الكثيرة علمًا ثاقبًا فكيف يفي بعلم أخبار جميعها . هذا غير ممكن>[69] . ويمكن لقارئ هذا النصّ القصير أن يكتشف مدى تألّم البيروني من هذه الحقيقة، فالرّجل طموح ولكنّ طموحه المعرفيّ مقيّد بقيود الزمان والمكان وعجز الإنسان. وعلى هذا الأساس حاول البيروني مواصلة ما أنجزه أستاذه أبو العبّاس الإيرانشهري في هذا المجال آملا أن يواصل غيره ما أنجزه هو في مختلف كتبه. ويبدو أن عمل المجموعات لم يكن متيسّرًا في عصره وبيئته التي عاش فيها وذلك لعدّة اعتبارات لعلّ أهمّها ما كانت تعيشه بلاطات السلاطين من اضطرابات ودسائس انعكست على العلماء، فكان كلّ عالم يتقرّب من السلطان ويعادي من أجل ذلك بقية العلماء. لقد تبيّن لنا من خلال نصوص كتاب <تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة> أنّ صاحبه حاول رغم كثرة المعوّقات أن ينتهج منهجًا صارمًا في دراسة ديانة أهل الهند واصلاً بينها وبين مختلف مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وهذا يعني أنّه كان يدرك بأنّ الدين جزء لا يتجزأ من منظومة ثقافية أشمل. وعلى هذا الأساس تحدّث عن تمثّلهم للخلق وتنظيم مجتمعهم[70] ثمّ عرّج على كتابهم المقدّس (بيذ ) والكتب الحافّة به وسائر كتبهم في النحو والشعر والعلوم ...[71]. كما تطرّق إلى مكوّنات الهند الجغرافية واصلا بين الثقافة والجغرافيا، وتعمّق في ذكر مواقيتهم وتمثّلاتهم للزمن[72]. وكما بدأ الكتاب بالحديث عن معتقداتهم[73] ختمه بالحديث في طقوسهم وأحكام شريعتهم[74]. والمتتبّع لمختلف أبواب الكتاب يلاحظ أنّ البيروني كلّما تحدّث عن ظاهرة لغوية أو اجتماعية بحث في خلفياتها الدينية والأسطورية. وهذا المنهج يؤمّن للباحث في الأديان فهمًا متكاملاً وتمثّلاً حقيقيًا لمقولاتها. ولنا أن ننبّه أنّ اعتماد البيروني منهجًا يقوم على المعاينة والحكاية والمقارنة جعله يزيل كلّ الحواجز التي تفصل الباحث في ماهية الأديان عن موضوع بحثه. لقد استطاع من خلال مجالسة علمائهم وتعلّم لغتهم وعقائدهم وأدبهم أن يكتشف المنظومة الدينية الهندية من داخلها ، وهذا المنهج مفيد في دراسة الأديان لذلك كان صاحب <كتاب الهند> يتحدّث أحيانًا عن مقولات الدّيانة التي يصفها حديث المنتمي دون انتماء ، فبقدر ما نتقرّب من موضوع دراستنا وبقدر ما نلتحم بمقولات الديانة التي ندرس بقدر ما نقترب من الموضوعية في الأداء والمحتوى. والطريف أنّ البيروني كان في عالم معرفة الأديان متحركًا يقترب من الظاهرة حتّى يكتشفها ويحكيها أحسن حكاية ثمّ يبتعد عنها لينظر إليها من خارج النسق، معتمدًا المقارنة، محاولا تفكيك رموزها وكشف أسرارها. إنّه في حركة اتّصال وانفصال يقبل كلّ الإقبال على موضوع بحثه حدّ الالتحام، ثمّ ينفصل عنه كلّ الانفصال حدّ الاستقلال. ويبدو أنّ هذا المنهج دفع ببعض الباحثين إلى القول بإمكانية انتماء البيروني إلى ديانة من الديانات التي درس ، وفي هذا الإطار رجّح علي أومليل أن يكون للبيروني تعلّق خاصّ بالمانوية (الديانة الفارسية القديمة)[75] وحجّته في ذلك أنّه اهتمّ اهتمامًا مخصوصًا بدراسة المانوية[76] والبحث عن كتبها <نيّفًا وأربعين سنة..>[77] وهذا العمل <قد لا يقصد به مجرّد اطلاع قوم على مذهب غريب....بل قد يكون الهدف من ورائه أيضا الدعوة إلى هذا المذهب>[78] . ولنا أن نتساءل على أيّ أساس بنى أومليل كلّ هذه الفرضيات ؟ وهل أنّ ما ذكره الرجل في كتابه دليل فعلا على مانويته ؟ نرى أنّ علي أومليل بالغ في تأويل نصوص البيروني ممّا جعله داعية للمانوية وعلمًا من أعلامها، وللرّجل من الصرامة العلمية ما يحول دون هذا التأويل. إنّنا نجد اليوم من المستشرقين الغربيين من يكرّس عقودًا من عمره يدرس الإسلام أو جزءًا منه فيبسّط ويترجم ويلخّص تقرّبًا لذهنية الغربيّ فهل يعدّ دليلا على اعتناقهم الإسلام؟؟ لقد أدركت الدراسات الحديثة في الأديان والحضارات أنّ الباحث لا بدّ أن يقترب من موضوع بحثه حتّى يفهمه، وأن يبتعد عنه في مرحلة ثانية حتى ينقده. وعلى هذا الأساس تأسست أغلب النظريات في تاريخ الأديان والأديان المقارنة... وكما أسلفنا بالقول فإنّ أبا ريحان البيرون أدرك أهمية هذا المنهج ولكنّه لم يوفّق في تحويله علمًا نظريًا لعدّة أسباب توقفنا عند بعضها في هذا العمل. إنّ فهم منهج البيروني في دراسة الأديان يجنّبنا تأويل نصوصه تأويلا خاطئًا لا يتماشى مع طبيعة الرّجل واهتماماته العلمية الصارمة التي عرفناها فيه من خلال مختلف كتبه في الهندسة والأفلاك والرياضيات وغيرها من العلوم .وهذه الصّرامة العلمية نلحظها في منهجه وأسلوب كتابته وجهازه الاصطلاحي. والمتمعّن في أسلوب الرجل يلاحظ بساطة تراكيبه ووضوح عبارته رغم تناوله لمنظومة ثقافية ودينية تختلف كليًا ـ حسب رأيه ـ عن الثقافة العربية الإسلامية. والملاحظ أنّ صاحب <كتاب الهند> كان دقيقًا في اختيار المصطلحات المركزية في المنظومة الهندية وتعريبها بطريقة تيسّر تمثّل القارئ العربي المسلم لها. ويبدو أنّ البيروني اهتمّ اهتمامًا مخصوصًا بقضية المصطلح في مختلف كتبه العلمية[79] منها والاجتماعية الثقافية.ولعلّ هذا الاهتمام بالمصطلح وتبسيطه يعكس منزعًا تعليميًّا لا يمكن إنكاره في الكتاب. نخلص في خاتمة هذا البحث إلى القول بأنّ أبا الريحان البيروني أراد من خلال كتابه <تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة> وكذلك من خلال مؤلّفه <الآثار الباقية في القرون الخالية> أن يطوّر معارف المسلمين المتعلّقة ببقية الأديان والثقافات بصفة عامّة وبثقافة بلاد الهند وتقاليدها الدينية بصفة أخصّ. وربّما نبالغ إذا قدّرنا - كما فعل حمادي بن جاء بالله ـ <أنّ مقدّمة كتاب الهند بيان للناس فيما يمكن أن يكون التجرّد للعلم والانقطاع الحقّ أخلاقيًا وابستمولوجيًا ومنهجيًا>[80] وأنّ الرّجل أسّس من خلال كتابه هذا <علم ثقافة>[81] و<خطابًا أنثروبولوجيًا>[82]. ولكنّنا نؤكّد كما أكّد قبلنا محمد الحداد[83] أنّ البيروني بلغ في عصره أقصى ما يمكن أن يبلغ إليه عالم اهتمّ بالأديان من موضوعية ، وممّا لا شكّ فيه أنّ كتاب <تحقيق ما للهند من مقولة...> يعدّ وثيقة تاريخية وحضارية فريدة ونادرة تكشف عن عالم الهند قبل دخول المسلمين إليها وبسط نفوذهم عليها وآية ذلك أنّ ثقافة بلاد الهند ومعتقداتها تغيّرت بعد الاحتكاك بالمسلمين . إنّ المتمعّن في نصوص <كتاب الهند> يلاحظ أنّ صاحبه آمن بأهمية العمل الميداني القائم على المعاينة بما هي ملاحظة وتدبّر ومقارنة.والطّريف أنّ دراسة البيروني لحضارة الهند اقترنت بدخول المسلمين تلك البلاد ثمّ حكمهم لها لاحقًا وكأنّ كتابه <تحقيق ما للهند..> كان بمثابة العمل الاستطلاعي التمهيدي الذي يسّر على المسلمين تمثّل تلك الربوع على كلّ المستويات الجغرافية والثقافية والدينية، ومن ثمّة فتحها وبسط نفوذهم عليها. لقد أراد البيروني أن يجعل من دراسة الآخر علمًا ولكنّه لم يوفّق في ذلك و ولم يتواصل مشروعه من بعده، ولعلّ السبب الرّئيسيّ يكمن في هيمنة الثقافة الإسلامية التقليدية القائمة على السماع والنقل والتقليد في هذا المجال . وهذا يعكس طبيعة عصر صاحب <كتاب الهند> حيث تراجعت العلوم التي كانت <كثيرة وبتناوب الخواطر إيّاها متزايدة متى كان زمانها في إقبال، وعلامته رغبة النّاس فيها وتعظيمهم لها... وليس زماننا بالصفة المذكورة بل بنقيضها، إن كان ولا بدّ فمتى ينشو فيه علم أو ينمو ناش>[84] ولا يمكن أن ننكر أنّ الذّاكرة الإسلامية تعاملت في عمومها مع الآخر الذي يخالفنا المعتقد من خلال ثنائيّات من قبيل <الكفر والإيمان> <الخطأ والصواب> و<الحقّ والباطل> و<المذموم والمحمود>....ولو تأمّلنا عنوان الكتاب الذي ندرس <تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة> للاحظنا أنّ البيروني لم يستطع رغم جرأته العلمية وصرامته المنهجية أن يتجاوز ثنائية المقبول والمرذول من منظور العقل الإسلامي بما هو ذاكرة.ولو عدنا إلى معاجم اللّغة[85] لوجدنا <المرذول> صفة جامعة لأسوأ النّعوت وأبشعها.وهذا الحكم في الحقيقة عاطفيّ لا يتماشى مع ما عرفناه من صرامة علمية عند البيروني. وكأنّ بصاحب <كتاب الهند> أراد من خلال ذلك التقرّب إلى ذهنية القارئ العربي المسلم فخاطبه من خلال ثنائيّات ذاكرته الدينية وجعل من عنوان الكتاب بيتًا شعريًا أجراه على بحر الرّجز[86] ووشّحه بضروب مختلفة من الإيقاع[87] علّه يدغدغ ذاكرة تحنّ إلى الشعر وتصبو إليه. الهوامش: -------------------------------------------------------------------------------- [*] - كاتب من تونس ، باحث في الأديان والحضارات. -------------------------------------------------------------------------------- [1]- هو أبو ريحان محمد بن أحمد البيروني ولد سنة 362هـ/ 973 م وتوفي سنة 440 هـ /1048 م بغزنة (كابل اليوم) له عدّة مؤلّفات ترجمت أغلبها إلى أهمّ اللّغات العالمية ولعلّ أهمّها: كتاب "الآثار الباقية عن القرون الخالية" وكتاب "المسعودي في الهيئة والنجوم" وخصّ الهند بكتابين مطبوعين هما كتاب "تحقيق ما للهند من مقولة في العقل أو مرذولة" وكتاب " راشيكان الهند" الذي طبع في حيدر آباد الدكن بالهند سنة 1948. [2]- يعرف هذا الكتاب أيضا بـ"كتاب الهند" ألّفه البيروني بعد انتقاله إلى بلاط السلطان محمود الغزنوي (تـ 421 هـ) بـ "غزنة" وهي كابل عاصمة أفغانستان اليوم ولقد استفاد من مرافقته السلطان الغزنوي في فتوحاته العسكرية في بلاد الهند . ويبدو من خلال ما صرّح به البيروني في مقدمة كتابه أنّه كتب هذا الكتاب استجابة لطلب أستاذه أبي العباس الإيرانشهري حتّى يصحّح فيه ما وقع فيه أستاذه من أخطاء بسبب نقله لروايات العوام. ولقد حقق هذا الكتاب المستشرق الألماني إدوارد سخاو ونشره لأوّل مرّة سنة 1887 في ليبزج، ثمّ صدر الكتاب سنة 1958 عن دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الركن دون تحقيق، وفي سنة 1983 نشرت دار " عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع " ببيروت الكتاب دون تحقيق أيضا. [3]- البيروني (أبو ريحان محمد بن أحمد) ، تحقيق ما للهند...،طبعة دار الطليعة،1983 ، ص 13 [4]- البيروني ، تحقيق ما للهند، ص 13 (المقدمة)، [5]- ن،م، ص 13 [6]- ن،م، ص 13 [7]- ن،م، ص 13 [8]- ن،م، ص 13 [9]- لقي مصطلح "إدراك" اهتمام المسلمين القدامى وذهبوا فيه مذاهب مختلفة ، وللتعرّف على مختلف دلالاته يمكن العودة إلى "موسوعة مصطلحات الفلسفة" لجيرار جهامي ، مكتبة لبنان ناشرون، 1998، مادة (إدراك) ص 29-35 . [10]- جاء في لسان العرب ، طبعة دار صادر 1994،المجلد 6، مادة(هرش): " الهراش والاهتراش تقاتل الكلاب ... الهراش والمهارشة بالكلاب وهو تحريش بعضها على بعض..."(ص363) [11]- ن،م، ص13 [12]- ن،م، ص13 [13]- ن،م، ص13 [14]- ن،م،ص15 [15]- جاء في لسان العرب ( مادة: شذب)، شذب العود ألقى ما عليه من الأغصان حتّى يبدو ويقصد البيروني بالمشذّب من الأخبار الصحيح السالم من كلّ زيادة أو تحريف [16]- ن،م،ص15 [17]- ن،م،ص15 وهذا النصّ اعتمده محمد الحدّاد فاتحة استهلالية لمداخلته في ندوة " محاورة الآخر ومساءلة الذات" Dialoguer avec autrui, se questionner sur soi- même عقدت في تونس 26 -27 سبتمبر 2005 تحت إشراف عقد كرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للأديان في جامعة منوبة بتونس وبرعاية مؤسسة اديناور Adnauer وعنوان مداخلته " في أهمية الأديان المقارنة" De la nécessité des religions comparées ,pp67-77 [18]- اهتمّ محمد الحداد بأبي العباس الإيرانشهري في مقاله المذكور سابقا وبيّن أنّه شخصية مجهولة وأنّ مؤلّفاتها ضائعة (pp68 ) وهذا ما سيضطلع بدراسته مركز المخطوطات بمكتبة الاسكندرية في مؤتمره الخامس ( في مطلع 2008) في إطار موضوع "المخطوطات المجهولة" ولقد تكفّل مجموعة من الباحثين بالنظر في بعض المخطوطات المفقودة بما في ذلك مؤلّفات أبي العبّاس الإيرانشهري. [19]- اكتشف المستشرق الألماني إدوارد سخاو (1845 - 1930) مخطوط "تحقيق ما للهند" فحققه ونشره سنة في ليبزج1887 ثمّ ترجمه إلى اللغة الإنجليزية. [20]- من قبيل ابن النديم (تـ 385 هـ) في كتابه "الفهرست" الذي تحدّث عن ثقافة بلاد الهند من خلال ما وصله من أخبار. [21]- البيروني، تحقيق ما للهند، باب: في أصولهم المدخلية في أحكام النجوم، ص473 [22]- ن،م، ص116 ( المقدمة) [23]- للتعمّق أكثر في علوم الجدل الإسلامي يمكن العودة إلي المصنّفات التالية : * ابن الجوزي (محيي الدين يوسف بن عبد الرحمن )، كتاب الإيضاح لقوانين الاصطلاح في الجدل والمناظرة، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1995، تحقيق: محمود بن محمد السيد الدغيم * الجويني(أبو المعالي)، الكافية في الجدل، دار الكتب العلمية، بيروت،1999 ، تحقيق: خليل المنصور * ابن الحاجب (جمال الدين عثمان )تـ 646 هـ، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، دار الكتب العلمية، 1985 * كتاب الجدل والمغالطة ( جزء 6 و 7)، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1992،ط1، تحقيق: جيرار جيهامي * الطوفي( نجم الدّين)، علم الجذل في علم الجدل، منشورات المعهد الألماني للأبحاث، بيروت، 1987. * الغزالي ( أبو حامد محمد بن محمد)، المنتخل في الجدل، دار الوراق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2004 * الفيروز آبادي (أبو إسحاق إبراهيم)، كتاب المعونة في الجدل، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1988 ،ط1 ، تحقيق: عبد المجيد تركي [24]- ن،م، ص116 [25]- ن،م، ص116 [26]- ن،م، ص116 [27]- ابن منظور، لسان العرب، مادة "حكي" [28]- ن،م،ص 22 ( باب في ذكر أحوال الهند وتقريرها أمام ما نقصده من الحكاية عنهم) [29]- ن،م، ص20( باب في ذكر أحوال الهند وتقريرها أمام ما نقصده من الحكاية عنهم) [30]- اللغة السنسكريتية و هي لغة قديمة في الهند وهي لغة طقوسية وهي اليوم لقد كانت اللغة السنسكريتية وما زالت في الهند في المعابد فيسمح فقط لكهنة البراهما بقراءة النصوص السنسكريتية. و هي اليوم إحدى الاثنتين وعشرين لغة رسمية للهند. تدرس في الهند كلغة ثانية. [31]- ترجم البيروني عدّة كتب هندية إلى العربية ولقد ذكر في خاتمة المقدّمة اثنان منها : فجاء في الصفحة 16 " وكنت نقلت على العربيّ كتابين أحدهما في المبادئ وصفة الموجودات واسمه "سانك" والآخر في تخليص النفس من رباط البدن ويُعرف "بياتنجل" وفيهما أكثر الأصول التي عليها مدار اعتقادهم دون فروع شرائعهم" [32]- انظر في الهامش السابق تبريره لاختيار تعريبه كتابي "سانك" و " ياتنجل" [33]- ن،م، ص14 [34]- من الذين سبقوه واهتمّوا بمقالات الفرق والنحل والأديان نذكر علي بن إسماعيل الأشعري (تـ 324 هـ) صاحب كتاب " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" وعبد القاهر البغدادي (تـ 429 هـ) صاحب كتاب " الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم" ونذكر من معاصريه ابن حزم الأندلسي (تـ 456 هـ ) صاحب كتاب "الفِصَل في الملل والأهواء والنحل"..... [35]- ن،م، ص16 [36]- ن،م، ص16 [37]- ن،م، ص39 [38]- عنوان الباب الرابع: في حال الأرواح وتردّدها بالتناسخ في العالم [39]- ن،م، ص43 [40]- ممّا يُعرف عن سقراط أنّه لم يترك مؤلّفات ولا ندري ماذا قصد البيروني على وجه التحديد بكتاب "فاذن" [41]- ن،م، ص43 [42]- وهو " Zeus " وفي اللّغة الإغريقية القديمة " Ζεύς " وهو إله السماء عند اليونان [43]- لعلّه يقصد "Dionysos " وهو في اللّغة الإغريقية القديمة " Διώνυσος " : إله الخمر وهو ابن الإله زوس [44]- يتجلّى ذلك خاصة في باب "في منبع السنن والنواميس والرّسل ونسخ الشرائع" [45]- في ذكر أحوال الهند وتقرير ما نقصده من الحكاية عنهم [46]- ن،م، ص17-18 [47]- ن،م، ص92 [48]- ن،م، ص 96 [49]- ن،م، ص 96 [50]- ميّز البيروني بين الأسطورة والخرافة وفي هذا الإطار يقول (ص79) " ...فإنّا نحكي خرافاتهم في هذا الباب" وجاء في لسان العرب (مادة :خرف) " الخرافة الحديث المستملح من الكذب" [51]- باب "ذكر اعتقادهم في اللّه سبحانه"، ص23 [52]- باب " في مبدأ عبادة الأصنام وكيفية المنصوبات "، ص78 [53]- باب "ذكر كتبهم سائر العلوم"،ص107 [54]- ابن جاء بالله (حمّادي)، في مبادئ الحوار وضوابطه: الخطاب الانطروبولوجي العربي: " كتاب الهند" للبيروني أنموذجا تطبيقيا ، منشور ضمن وقائع المؤتمر العربي الأوروبي للحوار بين الثقافات: الحوار الثقافي العربي الأوروبي متطلباته وآفاقه، باريس 15-16 جويلية 2002، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ص399 [55]- ن،م، ص14 [56]- المتعلّق بذكر أحوال الهند وتقريرها .... [57]- ن،م، ص17 [58]- ن،م، ص17 [59]- ن،م، ص17 [60]- ن،م،ص 17 [61]- ن،م ، ص27 - 34 [62]- وهم فيما عرّفهم البيروني (ص31) "أتباع ماني" [63]- جاء في لسان العرب (مادة ردأ) " أردأته أفسدته وأردأ الرّجل فعل شيئا رديئا وأصابه وأردات الشيء جعلته رديئا..." ج1، ص85 [64]- البيروني ، الآثار الباقية عن القرون الخالية، (المقدمة) ص4 [65]- جاء في لسان العرب (مادة عرض ) : " عارضته في المسير سرت حياله وحاذيته" والعوارض ـ حسب استعمال البيروني ـ ما لزم الإنسان من أفكار مسبقة ومكتسبات تتعلّق بالآخر. [66]- ن،م،(المقدمة)،ص4-5 [67]- ألّف البيروني كتاب "الآثار الباقية عن القرون الخالية " سنة 390 هـ ولم يبلغ عندها الثلاثين من عمره ، وأهدى هذا الكتاب للأمير قاموس بن وشمكير [68]- البيروني، تحقيق ما للهند، ص87 [69]- البيروني، الآثار الباقية في القرون الخالية، (المقدمة)ص 5 [70]- البيروني، تحقيق ما للهند ، ص70- 78 [71]- ن،م، ص88-151 [72]- ن،م،ص 151-416 [73]- ن،م، ص 18 ـ 51 [74]- ن،م، ص 418 ـ 468 [75]- أمليل (علي)، في شرعية الاختلاف، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ط2، 1993، ص30 [76]- البيروني ،رسالة في فهرست كتب محمد بن زكريا الرازي، ص3 (المقدمة) [77]- ن،م، ص4 [78]- ن،م،ص 31 [79]- في هذا الإطار يمكن الاستفادة من بحث عبد الحكيم العامري ، المصطلح العلمي عند البيروني وقضاياه من خلال نماذج من كتابات البيروني العلمية، شهادة كفاءة في البحث، كلية الآداب بمنوبة، 1993، إشراف: فرحات الدريسي. [80]- ابن جاء بالله (حمادي)، في مبادئ الحوار وضوابطه: الخطاب الأنطروبولوجي العربي،" كتاب الهند" للبيروني أنموذجا تطبيقيا، 402 [81]- ن،م،،ص ص398 [82]- ن،م، ص 398 [83]- مرجع سابق ، ص68 [84]- البيروني، تحقيق ما للهند، ص 107 [85]- من ذلك ما جاء في لسان العرب ( مادة رذل )، " الرّذل والرّذيل والأرذل الدّون من النّاس وقيل هو الدّون الخسيس وقيل هو الرّديء من كلّ شيء....والأرذل من كلّ شيء أردؤه". [86]- هو بحر موحّد التفعيل يكثر العرب من استعماله في الشعر ويتميّ هذا البحر باستعماله بحرا مثل بقية البحور الشعرية في القصائد العمودية موحّدة التفعيلة كم يستعمل بحرا خاصا متنوّع القوافي مصرّع الأبيات في إطار الأراجيز ولعلّ ذلك ما يفسّر اختيار البيروني لهذا البحر لبناء إيقاع عنوان كتابه. [87]- البيت مرصّع واعتمد فيه سجعا ( مقبولة ، معقولة ، مرذولة) وجناسا غير تام (مقبولة ، معقولة)، وتماثلا في الصيغة الصرفية والوزن.....
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
• التقريب.. منهج تربوي
(بازدید: 1283)
(نویسنده: السيد محمد حسين فضل اللّه)
|