فقه الاختلاف
|
ثقافة التقريب - العدد اول
بيانات
محمّد علي آذرشب
1428
تتصاعد في العالم الإسلامي اليوم الدعوات إلى الاهتمام بفقه الاختلاف. وجميعها ينطلق من حقيقة مرّة يشهدها المسلمون وهي ظاهرة «التكفيريين». وهؤلاء ثمرة الفكر الأحادي الذي يرفض الآخر ويرى أن كلامه صحيح لا يحتمل الخطأ وكلام غيره خطأ لا يحتمل الصحّة. هذا الفكر الأحادي سيطر أمداً على مؤسساتنا التعليمية والعلمية والتربويّة بسبب ما أصابنا من جمود وتحجّر نتيجة الركود الحضاري. فقه الاختلاف وكتب الخلاف والفقه المقارن دعا إليه كل المتفتحين الواعين المتحضرين في تاريخ أمتنا، بينما نجد منذ القرن السابع وتزامناً مع بداية الأفول الحضاري، توجهاً تكفيرياً لهذه الجماعة أو تلك من المذاهب الإسلامية. لقد صدق الدكتور محمد عمارة في دعوته التي بثتها قناة «اقرأ» أخيراً إلى تطهير تراثنا من الفكر التكفيري وإلاّ فإن هذا الفكر سيثمر الحنظل ويؤجّج الصراع الطائفي ويخلق الأزمات تلو الأزمات كالتي نشاهدها اليوم في العراق. ومن العجب أن أحد المشايخ تصدّى له رافضاً مثل هذا العمل قائلاً: لتبق هذه الآراء في بطون الكتب وليتناولها العلماء بالبحث والتحقيق دون عرضها على عامة الناس. والشيخ يعلم أن أدبيات التكفير تحوّلت إلى ملازم تدرسها الجماعات المتطرّفة وتتأدّب بآدابها وتتشّرب قلوبهم ونفوسهم بمفاهيمها. كما أن هناك أكثر من فضائية ومئات المواقع على شبكة الاتصال تروّج لهذا الفكر وتنشره وتهتمّ بالتركيز عليه، وعشرات البيانات تصدر كل يوم تكفّر هذا وذاك استناداً إلى ذلك الموروث التكفيري الذي وصلنا من قرون الركود والانحطاط . وأعجب من كل ذلك أن هذا الشيخ، من أجل أن يسوق الكلام إلى جهة أخرى، راح يطرح بعض المواقف الشاذّة من هذا المذهب أو ذاك ليؤكد على عدم إمكان «التقريب» معه وعدم قبوله أصلاً أن يكون ذلك مذهباً من مذاهب المسلمين. بل أكثر من ذلك راح يكيل التهم الكاذبة لعامة الشيعة بشأن الصحابة وأمهات المؤمنين. نعوذ بالله من الخذلان ونسأل الله حسن العاقبة ونسأله سبحانه أن يعود هذا الشيخ وأمثاله إلى صوابهم وأن يفهموا ما تجرّه مواقفهم من مجازر دموية رهيبة وما تؤدي إليه من صراعات طائفية بغيضة تصادر عزّة المسلمين وكرامتهم، وما تسفر عنه من مواقف عدائية لشيعة آل البيت وأئمتهم كان آخرها الإساءة إلى مرقد الإمامين الهادي والعسكري في سامراء.
|