وحدة الموقف الإسلامي واستقطابات النظام العالمي الجديد
|
ثقافة التقريب - العدد 2
الدكتور خضير جعفر
1428
• يصرّ المشروع الحضاري الغربي على احتواء الآخر وسحقه • الإسلام مبدأ يمتاز بالاستقلالية ويستعصي على الاحتواء والتذويب • بعض حكومات العالم الإسلامي ساهمت في تغذية الغرب بأسباب الخوف من الإسلام • لابد من العمل الجاد للوصول إلى صيغة للأمن الجماعي لعموم العالم الإسلامي. يمثل المشروع السياسي الغربي في ظل النظام الدولي الجديد أحد أخطر التحديات لعالمنا الإسلامي المعاصر، منطلقاً من نزوع الإنسان الغربي للهيمنة والتفوق وإلغاء الآخر ومتكئاً على ما يمتلكه الغرب من مؤسسات إعلام ذات إمكانيات هائلة ومراكز بحوث متطورة وقوى مادية جبارة وذلك بسطاً للنفوذ وتحقيقاً للمصالح والفوائد والعوائد فوق أرض يستعصي أهلها على التبعية والانقياد. ولذلك يخشى الغرب الإسلامَ الذي يرفض التطويع والاستخدام ويدعو إلى الاستقلال السياسي والحضاري والاقتصادي. وتندرج مصادر الخوف الغربي من الإسلام فيما يلي: 1ـ عقدة التاريخ الكامنة في الوعي الأوروبي الذي كتبت مفرداته ثقافة نافرة من الإسلام وأهله منذ الحروب الصليبية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميلاد وما صاحبها من تشهير واسع النطاق بالإسلام والمسلمين عبّأت أوروبا ضده بحيث يمكن مطالعتها بشكل سافر في الموسوعات والكتب الدراسية المستخدمة في مناهج التعليم حالياً، وبما يعني أن حملة تثقيف واستعداد ضد الإسلام والمسلمين لا تزال تمارس حتى يومنا هذا في المؤسسات الثقافية والتعليمية الأوروبية، فتعبئ الأجيال بالحقد والخوف والكراهية ضدنا، يتساوق ذلك مع جهل مطبق بحقائق الإسلام وتعاليمه السمحاء النيّرة وهو ما أكّدته إحصاءات الرأي العام في أوروبا عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص. يضاف كل ذلك إلى ما يترشح من التعصب الديني الذي تتلبس به بعض الدوائر الكنسية كلما استحضرت دخول العثمانيين القسطنطينية أو تذكرت فتوحاتهم التي هددت أوروبا، أو كلما أوحت لها نظرتها القائمة للمسلمين الذين لا ترى فيهم على أحسن التقادير غير قطعان بشرية غارقة في الضلال لابد من التبشير في أوساطهم لهدايتهم وكأنهم وثنيّون لا يفهمون ألفباء التوحيد ولا تعاليم رسالات السماء!! 2- لقد أنشأ سقوط الاتحاد السوفيتي المفاجئ فراغاً في الوعي السياسي الغربي فصار يبحث عن عدو آخر يوجّه ضده الحشود التي عبأها والأحلاف التي عقدها والاستراتيجيات التي تبنّاها في مواجهة الاتحاد السوفيتي، وقد وجد الغرب السياسي ضالته في الإسلام ليخلق منه في أذهان الغربيين عموماً عدواً بديلاً يستثير العزائم والهمم ضده، وقد كانت الدراسة التي نشرها عالم السياسة الأمريكي صموئيل هانتغتون بعنوان "صراع الحضارات" تعبيراً عن ذلك الاتجاه وتنظيراً له. ضاعف من ذلك الخوف وأسس له الدورُ الفاعل للإعلام الصهيوني المروّج لمقولة الخطر الإسلامي، حيث جندت إسرائيل والصهيونية العالمية كل أبواقها الدعائية كي تلقي في أذهان الغربيين بأن رسالتها تتمثل اليوم بحماية المصالح الغربية في مواجهة ما تسميه بـ "الأصولية الإسلامية" كما تمثلت بالأمس في مواجهة المدّ الشيوعي، وقد نجح هذا الإعلام المتعدد القنوات في التأثير على الرأي العام الغربي ومن ثم تعاطيه مع الإسلام والمسلمين. ولم يكن الإعلام الصهيوني وحده في ميدان الدعاية المعادية للإسلام وإنما عضده الإعلام الأوروبي عموماً والأمريكي بشكل خاص حيث أسهم وبشكل جاد في تشويه الصورة الإسلامية في خلال تركيزه على ما يُثير الغربيين من ممارسات خاطئة يرتكبها بعض المسلمين، حتى لم يعد الغربيون قادرين على التمييز بين الإسلام والممارسات اللامسؤولة التي يقترفها المسلمون. وقد تعامل الإعلام الغربي بمهارة في هذا الميدان من خلال الإلحاح اليومي والإثارات السلبية المدروسة، فبثّ في أعماق النفوس شعوراً بالخوف والتوجس والنفور من كلّ ما هو إسلامي أو يمت إلى الإسلام بصلة فصار الوعي العام الغربي أسير اللافتات والصور التي تفنن الإعلام المعادي للإسلام في صياغتها وإبرازها. 3- الطبيعة الاستعلائية والاستبدادية للمشروع الحضاري الغربي والنظرة الفوقية للإنسان الأبيض الذي يرى في نفسه الأفضل والأرقى والأولى بالحياة مما صيّر من الغربيين أناساً يصنّفون "الآخر" في قائمة التخلف السوداء إن لم يحكموا عليه بالإبادة المادية والحضارية، وكما فعله الأوروبيون المهاجرون إلى أمريكا بالهنود الحمر، السكان الأصليين لتلك الأرض، يشهد على هذا التوجه ما كتبه فرنسيس فوكوياما تحت عنوان "نهاية التاريخ" والذي تعامل مع الآخرين بمنطق الإلغاء والنفي وتتويج الحضارة الغربية على عرش الكون، تلك الحضارة التي لا تؤمن بشرعية غيرها ولا بالتعددية على الساحة الدولية وإن نادت بضرورتها على الصعيد المحلي والإقليمي، ذلك لأن الحضارات الأخرى في القاموس الغربي لا تستحق إلا أن تكون في الدرجة الثانية والثالثة فما دون، وهي في أحسن حالاتها لا ترقى أن يكون نداً لما أنتجه الإنسان الأبيض من رؤى وأفكار وحضارة. ولذلك يصرّ المشروع الحضاري الغربي على احتواء الآخر وسحقه فيما تستعصي الحالة الإسلامية على الاحتواء، ويقف الإسلام متحدياً ذلك الإصرار زارعاً في نفوس معتنقيه بذور الحصانة من الاختراق ومشاريع الاحتواء ومحاولات الإلغاء، وهو موقف يميز الإسلام عن غيره من الحضارات والمدارس الفكرية العاجزة عن مقاومة التطويع والتطبيع. ولعل ذلك هو السبب في ما تعانيه الأقليات الإسلامية في الدول الغربية، كما يتجلّى ذلك مثلاً على الأرض الفرنسية التي تصرّ حكومتها على تذويب المسلمين في المجتمع الفرنسي وإلغاء هويتهم الثقافية والحضارية، فيصمد المسلمون هناك بإصرار أمام التذويب، الأمر الذي لا يملك معه الإعلام المنحاز إلا مواصلة النقد للإسلام والتشهير بأهله باعتبار موقفهم موقفاً معادياً للحضارة الغربية، وليس لأن الإسلام مبدأ يمتاز بالاستقلالية ويستعصي على الاحتواء والتذويب. وفي إزاء ذلك لابد من الاعتراف بأن المسلمين عجزوا عن تقديم أنفسهم للعالم بالشكل الحضاري الصحيح السليم والمقبول، كما عجزوا أيضاً عن أن يقدموا نموذجاً عملياً مقنعاً على صعيد الصناعة والزراعة والإنتاج والتكنولوجيا واكتفوا بالتشنيع بالغرب وما فيه، دون أن يعطوا بديلاً لما يشنّعون به من أفكار غربية عبر خطاب رشيد، فصار التخلّف الذي يغط فيه عالمنا الإسلامي أقوى أدلة الإدانة التي يمتلكها خصومنا في ساحة يتسابق فيها الآدميون نحو الرقي ويقطعون أشواطاً كبيرة في هذا المضمار. 4- لقد ساهمت بعض الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي في تغذية الغرب بأسباب الخوف من الإسلام، وبذلوا جهوداً كبيرة في إقناع المسؤولين الغربيين بخطورة الحالة الإسلامية المتنامية في العالم الإسلامي، وما تمثله تلك الحالة المتصاعدة من تهديد جدّي لمصالح الغرب ولاستقرار البلدان التي تتنامى فيها الصحوة الإسلامية، كما أن صحف الغرب ووسائل إعلامه تعج باستغاثات المثقفين العلمانيين وهم يستنجدون بالغرب للتدخل في إيقاف الزحف الإسلامي دفاعاً عن الحضارة الغربية المهدّدة، وهم بذلك يرمون عدة عصافير بحجارة واحدة، فهم يوحون للغرب أن بقاءهم في السلطة مدة أطول يعني ديمومة المصالح الغربية التي سوف يأتي عليها البديل الإسلامي أولاً، وهم يغطّون على فشلهم الذريع في تنمية المجتمعات والدول التي حكموها ثانياً، ومن ثم يسعون إلى التهرب من حل مشكلات مجتمعاتهم المستعصية ثالثاً، وتضليل الرأي العام العالمي كي لا يقول كلمة نقد تجاه سياساتهم القمعية ومصادرتهم للحريات واستخفافهم بحقوق الإنسان رابعاً. وهم هنا يبّررون فشلهم هذا بانشغالهم في مواجهة الإسلاميين والخطر الإسلامي وبذلك تتغذى هذه الأنظمة الفاشلة على حساب الجماهير ولو بالارتماء في الحضن الغربي والصهيوني وكسب ودّه بأي ثمن مما يفقدها مصداقيتها وشرعيتها إن كان لها قدر من الشرعية... وفيما تدور طاحونة الصراعات الداخلية والتهديدات الخارجية تكون المنطقة قد استنزفت كل طاقاتها وخيراتها فيما لا طائل معه ولا نفع فيه فضلاً عما تسفر عنه حالات التوتر من آثار سلبية على مشاريع البناء والتنمية والتقدم والاستقرار، الأمر الذي يضع العالم الإسلامي في مثل هذه الأوضاع الملتهبة إمام جملة مهام أساسية لابد من السعي لتحقيقها، رغم كل ما يقف في الدرب من عقبات وصعاب وأهم تلك المهام: أـ العمل الجاد على تبني وإرساء صيغة سليمة للأمن الجماعي لعموم العالم الإسلامي. ب – تطوير نظم وقواعد التسوية السلمية للمنازعات بين الدول الإسلامية لحل خلافاتها فيما بينها دون تدخل أجنبي بفرض إرادته وهيمنته على الأمة والمنطقة كلها، تحت ذريعة إعادة الهدوء وتوفير الأمن. ج – المبادرة لبناء وتأسيس منظمة إسلامية عامة أو تطوير المنظمات القائمة كمنظمة المؤتمر الإسلامي وبما يؤهلها للنهوض الحقيقي بالمهمات والمسؤوليات المناطة بها وبما يتلاءم ومتطلبات الأوضاع الدولية الجديدة.
|
مقالات أخرى من هذا الكاتب |
• النظام العالمي الجديد
(بازدید: 501)
(موضوع: فكر إسلامي)
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|