عطاء الشهيد محمد باقر الصدر للمثقف المسلم
|
ثقافة التقريب - العدد 1
محمد علي التسخيري
1428
• الشهيد الصدر لا ينظّر لأية قضيّة إلاّ في إطارها العام • كل فكرة يناقشها السيد الصدر يعالجها بموضوعية ومنطقية وإبداع دارساً الصلة بينها وبين أسسها • ألف في كل المجالات الحياتية وجاء في جميعها بالعميق والجديد • يستقي من منبع الوحي فقط في كل طروحاته • طرح كل مشاريعه ضمن إطار البعد الاجتماعي حتى في الفلسفة والاجتهاد • كان شعلة حبّ وتفان في الإسلام 1ـ التنظير: كان الشهيد الصدر(رحمه الله) منظّراً إسلاميّاً يقلّ نظيره في الزمان، ومدرسة فكرية مجددة في مختلف الحقول، لها خصائصها وصفاتها الفريدة، والّتي يمكن اختصارها في النقاط التالية: أـ الشموليّة والكليّة في النظرة: وهي خصوصيّة يلاحظها كلّ من يتعرّف على مؤلّفات الأستاذ الشهيد ولأوّل مرة، فيجده لا ينظر لكلّ قضية وفي أي حقل كانت إلا في إطارها العام، ومن خلال متابعة صلاتها وجذورها والمؤثّرات في صياغة الموقف حولها. فإذا عالج قضية "الإمامة" تاريخياً يربطها بالمسيرة الإنسانية الكبرى والهدف الكبير. وإذا درس الفلسفة نفذ إليها من خلال موقعها الاجتماعي الرفيع. وإذا عالج قضية منطقية ـ كالاستقراء ـ نفذ من خلالها إلى أعظم حقيقة في الكون وإذا تعرّض لنظم العبادات درس دورها في نفي أكبر أعراض المرض في المسيرة الحضارية. وإذا درس الماركسيّة ناقش من خلالها نظريّات العامل الواحد. وإذا ركّز على الواقعة الفقهية انتقل لدراسة كلّ القواعد الفقهية الأوسع فالأوسع. وإذا عالج موضوعاً أصولياً نظر إليه من جميع الجهات، وربّما تطرّق إلى نظريات عالمية لم يعهد طرحها في مثل المجالات الأصولية كما تمّ في بحث "الوضع". وإذا ذكر الاجتهاد وكيفيّته درسه من خلال حركته والمؤثرات الخارجية فيه، أو من خلال نقاط الخطر النفسيّة والتاريخية العاملة على انحرافه. وإذا درس قضية معاصرةً، كقضية البنوك، فإنّه يضعها في ظروفها، ويسدّ كل ثغورها، ويقدّمها أطروحة كاملة قابلة للتطبيق. وإذا درس الموقع الإنساني سار به منذ بدء مسيرته وعبر به كل المراحل الاجتماعية. وإذا طالع القرآن الكريم انتقلت روحه العظيمة في آفاقه ورجعت بتفسير موضوعي اجتماعي رائع. حتى عندما كان يكتب رسالته العملية لمقلّديه كان يطرح نموذجاً للرسالة العملية، يبدأ بالعبادات ويمرّ بالمعاملات، ويصل إلى السلوك الخاصّ، وينتهي بالسلوك العامّ. وهكذا نجده عندما يخطّط للمرجعيّة فإنه يضع مشروع المرجعيّة التي تقود الجامعات العلمية دون تأثّر بالذاتيات والعلائق الشخصيّة. وأروع ما نجده في تخطيطه وتنظيره هو: ما تجلّى في كتابه الرائع "اقتصادنا" فهو أفضل نموذج لبيان هذه الخصوصية. ب ـ العمق: وهي خصوصيّة يشهد لها كلّ من هو بمستوى فهم البحث المعمّق حين يطالع كتبه الرائعة. إنّه يتجلى في كل كتاب من كتبه، وكلّ حديث من أحاديثه، وكلّ درس من دروسه القيّمة. إنّه يتتبّع الفكرة، مناقشاً أيّاها بكلّ منطقية وموضوعية وإبداع، دارساً الصلة بينها وبين أسسها، وربّما حاكم الفكرة على أساس ممّا تقوله هي، وهو ما صنعه حين ناقش "الماديّة الديالكتيكية" على ضوئها هي. يتجلّى العمق بأروع صوره في كتبه الفقهية والأصولية التي عبّرت عن مرحلة جديدة في هذا المجال، كما يتجلّى بوضوح في كتابه الرائع "الأسس المنطقية للاستقراء"، والذي قال عنه: "إنّني أقمت البراهين في هذا الكتاب بما لو قرأه المادي لآمن بالله وبالعلوم الطبيعية معاً، أو كفر بهما معاً، وأغلقتُ في وجه الكافر باب الخضوع للعلم والتمرّد على الله سبحانه". ج – الموسوعيّة: فقد ألّف في مختلف المجالات الإسلامية: الاجتماعية، والاقتصادية، والفلسفية، والمالية، والأصولية، والفقهية، والتاريخية، والحضارية، والتفسيريّة، والحديثيّة والعقائدية وغيرها، وجاء في كلّ هذه المجالات بالجديد العميق، وهو ما يقودنا إلى الصفة الأخرى وهي: د- الأصالة: فهو يستقي من القرآن والقرآن لا غير، يسلك الطريق الوسطى، رافضاً كلّ السبل الأخرى، غير متأثّر بأيّة فكرة لا تأتيه من منبع الوحي، بعد أن يستوعب الأفكار الأخرى بحثاً ونظراً، ولا يقف منها موقف الرفض اللاموضوعيّ. إنّه يناقش الفكر الماركسيّ المادّي بأروع مناقشة، كما يناقش الفكر الرأسمالي بكلّ عمق، فإذا انتهى من نفيهما عاد إلى منبع الوحي، يستقي منه المذهب الاقتصادي الإسلامي الأصيل. وكذلك يناقش الأفكار اللامنطقية المنحرفة بكلّ منطقية وبرهنة، ثمّ يختار الرأي الأصيل وأنت تجد هذه الأصالة في كلّ ما كتب وحاضر. هـ - البعد الاجتماعي: وهي صفة هامّة إلى جنب الصفات الأخرى التي يتّسم بها تنظيره الفريد.. إنّه يرى الإنسان موجوداً يتكامل في الإطار الاجتماعيّ لا غير، ويركّز على المسيرة الإنسانية الاجتماعية المتكاملة وإن كان يمنح الفرد أصالته الذاتية. هذه النظرة الاجتماعيّة الواسعة قد تجلّت في أغلب بل في كلّ ما كتب، حتّى تجده يطرح النظرية الفلسفية الإسلامية من خلال مقدمة اجتماعية. وإذا تعرّض لحركة الاجتهاد طرحها بهذا المنظار. وإذا درس فكرة الإمامة أو الخلافة الإنسانية تجلّى هذا البعد بشكل رائع. كلّ هذه كانت ملامح للشهيد العظيم، منظّراً للأمة ومخطّطاً لها صورتها ونظرتها الكونيّة "وأيديولوجيّتها" السلوكيّة العامّة. 2- التربية وهي تستحقّ أن تشكّل بعداً ضخماً من أبعاد شخصيّة الشهيد الصدر العظيمة، ولقد قضى كلّ عمره الشريف المبارك مربّياً يصنع الجيل الناهض الواعي من خلال: أـ تربيته للعديد من العلماء الواعين، الذين انتشروا يبثّون أنوار التربية الإسلامية في جسم الأمة المسلمة. ب – محاضراته العامة التي كانت تترك أكبر الآثار في نفوس الشباب الإسلامي والعراقي المتطلّع. ج – مؤلّفاته التي تخاطب القلب والعاطفة، كما تخاطب العقل، فتترك أثرها المتوازن على شخصيّة الجيل الإسلامي، ممّا أمكننا أن نقول بحقّ: إنّه ربّى جيلاً كاملاً، وحصّنه ضدّ الهجمات الإلحادية والاستعماريّة. د – سلوكه المناقبي الرائع، الذي كان يجذب إليه كلّ واع متطلع فيربّيه التربية المثلى. 3- الحبُّ الإلهي والفناء في الإسلام والعمل به: فلقد كان (رحمه الله) شعلة حبّ لله وتفان في الإسلام، وشوق لا يوازيه شوق..، عاش معه ومات من أجله. لقد كان يخطّط للمجتمع الإسلامي نظرياً عندما بدأ بالتخطيط لكتابة "فلسفتنا" و"اقتصادنا" و"مجتمعنا". كما اتّجه لنفس السبب إلى إيجاد ظاهرة التنظيم الإسلامي في المجتمع، بعد أن واجه هجمة شرسة من قبل الشيوعية والعلمانية. وقاد عمليّة توعية فكرية ضخمة في هذا المجال، ثمّ قام بدور أساسي في إنشاء جماعة العلماء، وراح يدعو للتجديد الواعي لأسلوب المرجعية، ثمّ عمل على مقارعة الحكم المنحرف، ممّا جعله يتعرّض للتضييق والاعتقال مرّات عديدة. * - آية الله الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية
(بازدید: 2732)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر
(بازدید: 2651)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة
(بازدید: 4194)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة
(بازدید: 6849)
(نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ
(بازدید: 2882)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي
(بازدید: 3253)
(نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان
(بازدید: 4255)
(نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا
(بازدید: 2147)
(نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن
(بازدید: 4151)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي
(بازدید: 1352)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي
(بازدید: 4058)
(نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية
(بازدید: 1214)
(نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين
(بازدید: 2170)
(نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة
(بازدید: 1819)
(نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة
(بازدید: 1639)
(نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب
(بازدید: 1061)
(نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي
(بازدید: 1540)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها
(بازدید: 843)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان
(بازدید: 888)
(نویسنده: سيد موسى الصدر)
|