لا توجد قضية في تاريخنا الإسلامي يمكن اعتبارها مقياساً لمقدار مافي الأمة المسلمة من حياة مثل القضية الفلسطينية. أرض فلسطين كانت على مرّ العصور مظهراً للتحدّي والمقاومة، وازدات حساسية هذه الأرض بعد أن واجه العالم الإسلامي الاستعمار الحديث، فقد تصاعد فيها التحدي كما تصاعدت المقاومة، وسيبقى الصراع معبّراً عمّا في جسد الأمة من كريات بيضاء تقاوم العدوّ المهاجم.
واذا كانت الثقافة تعني الحياة التي تدفع الأمة إلى المحافظة على هويتها واستمرار مسيرتها، فان القضية الفلسطينية تحتلّ الهمّ الثقافي الأول في ساحتنا الإسلامية.
المنظور الثقافي للقضية الفلسطينية يرفع هذه القضية إلى مستوى العالم الإسلامي بأجمعه، والى الحكم الصحيح والحقيقي على كل مايرتبط بهذه القضية من معاهدات واتفاقيات ومواقف داخلية وخارجية. فلسطين ستتحول بهذا المنظور من صراع على حدود إلى مقاومة من أجل الوجود، ومن قضية شعب وأرض إلى قضية مصير وهوية لأمة بأجمعها. وهذا التفاعل الإسلامي والانساني الكبير مع القضية الفلسطينية إنما يعود إلى هذه الجذور الثقافية التي تربط بين الأمة المسلمة بل وبين جميع البشرية التي لم تفقد ارتباطها بالفطرة الانسانية في معركة التضليل.
ستتحول القضية بالمنظور الثقافي إلى مسألة حياتية لا يمكن المساومة عليها، إذ لا يوجد إنسان حيّ يساوم على حياته، ولا يوجد على ظهر الارض إنسان يدين المقاومة من أجل الحياة.
بالمنظور الثقافي ستكون هناك جبهتان: جبهة حياة وإنسانية وعزّة وكرامة، وجبهة موت وهمجية وإذلال واستهانة بالمقدرات.
من هنا ندعو إلى التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها جزءاً من مشروع استعادة الحياة والوجود والهويّة لأمة بأجمعها، وباعتبارها جزءا لا يتجزأ من التحدي الثقافي الذي يجب أن تواجهه الامة بكل إيمان من أجل استئناف مسيرتها الحضارية.
إن الاحداث الاخيرة في عالمنا الإسلامي أوضحت أكثر من أي وقت مضى ارتباط القضية الفلسطينية بقضايا إيران ولبنان والعراق وأفغانستان والسودان وكل قضايا أمتنا الراهنة، ولابدّ من التأكيد على هذا الارتباط، كي لا ينفرد بنا العدوّ واحداً واحداً، ولكي لا يضيع الحق الانساني وسط الصخب الاعلامي الذي يملأ الجوّ اليوم بمصطلحات الشرق الاوسط الكبير، والعولمة، وإعادة ترتيب المنطقة. ووسط التهديد بالبطش وبما يسمى الضربة الاستباقية ومكافحة الارهاب.