«ثقافتنا» تجد نفسها مندفعة لتلقّي كلّ خطاب حضاري يصبّ في أهدافها.
ورغم أنها ملتزمة بالتوجّه العلمي في دراسة ما يرتبط باستئناف المسيرة الحضارية لهذه الأمة، فانها إذا تلقّت خطاباً من قادة هذه الأمة يتجه في اتجاهها فإنها تلتقطه بأهمية وتقف عنده لأنه يعبّر عن إرادة مقرونة بمشروع عملي، وعن نظام يخطط لمسيرة المستقبل.
وفي هذا العدد نقف عند مقطع من خطبة الجمعة التي ألقاها العبد الصالح الإمام الخامنئي في 13 رجب 1426 بمقدار ما يرتبط بأهداف «ثقافتنا».
إنّ المشروع الإسلامي كما نوّهنا مراراً هو مشروع الحركة الحضارية أي توجيه المجموعة البشرية نحو تكاملها المادي والمعنوي. ويأتي التأكيد على هذه الحقيقة في الخطبة المذكورة ضمن الحديث عن أهداف النظام الإسلامي في إيران، حيث يقول سماحته:
«نحن شعب مسلم، جماهير هذا الشعب استطاعت بارادتها الراسخة الجماعية أن تقيم نظاماً ينبثق من إيمانها واعتقادها في هذا البلد. ماهو هدف هذا النظام؟ وماذا كان هدف الجماهير؟ كان الهدف هو أن هذا البلد يستطيع بهذا النظام أن يتمتع بكل الطيبات والتطورات والخيرات والبركات التي وعد الله سبحانه بها المؤمنين . أي أراد أن يصبح بلداً إسلامياً. والبلد الإسلامي يعني أن يحكم فيه الاسلام المفعم بالحيوية والنشاط، الاسلام القادر على تفجير الطاقات، الاسلام الخالي من الافق الضيّق والتحجّر والانحراف، الاسلام الخالي من الالتقاط، الاسلام الذي يضخّ روح الشجاعة في النفوس، الاسلام الذي يوجّه الأفراد نحو العلم والمعرفة.. هذا هو الاسلام الذي حرّك شراذم بشرية متفرّقة في فجر ظهوره لتبلغ ذروة الحضارة الانسانية في التاريخ، ولتنشر في العالم المعرفة والحضارة. هذا الرقيّ العلمي والحضاري تستتبعه العزّة السياسية، والرفاه الاقتصادي، والفضائل الخلقية، هذا طبعاً إذا أصبح البلد مسلماً بالمعنى الحقيقي لكلمة إسلامي».
هذا الفهم للاسلام هو الذي نحاول أن نتناولـه من جوانب مختلفة، وفي محاور مختلفة من
أبحاث المجلّة.
الاسلام حركة نحو كل «الطيبات».. نحو كل ما يرتبط بمهمة الخلافة لهذا الموجود البشري على الصعيد المادي والمعنوي. الاسلام ثقافة متحركة تؤدّي إلى علم ومعرفة وحضارة. والنظام الإسلامي في إيران يخطط لتفعيل تلك الثقافة للوصول إلى هذه الحضارة. ونرجو أن نوفّق في هذه المجلّة لرصد المظاهر العملية لهذه الثقافة ولمتابعة ما أفرزته من تقدّم علمي وحضاري، بمعزل عن كل أسلوب دعائي أو سياسي، كما أن من واجب هذه المجلّة رصد هذه المظاهر ونتائجها في جميع أرجاء العالم الإسلامي، كي لا نبقى في دائرة التنظير.
لقد وقف السيد القائد في خطبته أيضا عند ظاهرتين من الظواهر المتفجّرة في عالمنا الإسلامي: ظاهرة العراق وظاهرة فلسطين. ورأى فيهما مظاهر إيجابيّة عظيمة محفوفة بالمخاطر. ففي العراق حركة سريعة نحو تحقيق إرادة الشعب العراقي في حياة إسلامية متحضرة، غير أنها محدقة بأخطار الاحتلال، وما يفرزه الاحتلال من مظاهر مشبوهة تستهدف زعزعة الأمن ومسخ الوجه الحقيقي للاسلام واختراق أجهزة الدولة والاعلام لتوجيهها وجهة تعارض مصلحة الجماهير وإرادتها.
وفي فلسطين، تراجع واضح للعدوّ أمام إرادة الشعب الفلسطيني، وتبلور كامل لمقولة أن العدوّ الصهيوني لا يفهم الاّ منطق الصمود والقوّة. غير أن هذه الانتصارات محفوفة بأخطار التخاذل والتنازل لدى بعض الفصائل.
وأمام هاتين الظاهرتين وأمثالها دعى الامامُ الامةَ إلى أن تقتدي بعليّ (ع) الذي عُرف بالكرّار، فالتاريخ يثبت أن العاقبة للصامدين الكارّين.. لا الفارّين.
واستشهد ببيتين رائعين لإقبال اللاهوري بالفارسية حيث يقول:
مى شناسى معنى كرّار چيست اين مقامى از مقامات على است
امّتان را در جهان بى ثبــات نيست ممكن جز به كرّارى حيات
أي: هل تعرف معنى الكرار – هذا مقام من مقامات علي.
أمتكم في عالم فقد الثبات – لا يمكن لها سوى بالكرّ حياة .
نأمل أن يكون هذا التوجّه الحضاري في الموقف والقرار هو الذي يسود مسيرة أمتنا. عندئذ فقط سنستأنف مسيرتنا الحضارية بإذن الله تعالى.
«التحرير»