الاجتماع الرابع عشر للجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك في منظمة المؤتمر الاسلامي
|
ثقافتنا - العدد 8
ملتقيات
محمّد علي آذرشب
1426
عقد في طرابلس بالجماهيرية الليبية في الفترة من 27-29 ربيع الثاني 1426هـ ، الموافق 4-6 يوليو 205م الاجتماع الرابع عشر للجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وناقشت اللجنة المحاور التالية : ـ التنسيق بين المؤسسات الإسلامية – مجالاته ، ضروراته ، آلياته. ـ وضع خطة عمل التنسيق بين المراكز الإسلامية في العالم لرصد ما يكتب عن الاسلام سلباً وإيجاباً. ـ النظام العالمي الجديد ودور الإعلام بأنواعه في عرض صورة الاسلام. ـ من أجل دور أكثر فاعلية للمنظمات الإسلامية غير الحكومية في خطط عمل منظمة المؤتمر الإسلامي. ـ الحوار مع الآخر – نحو رؤية إسلامية موحدة. ـ الاسلاميو فوبيا – المظاهر والأبعاد وآليات المواجهة. ـ المسلمون والغرب بين الخوف على الهوية والخوف منها. ـ الخطاب الإسلامي بين الأصالة والتطوير. وفي هذه الاجتماع ألقى فضيلة الشيخ محمود محمدي عراقي رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية كلمة هذا نصها: الجمع بين الاصالة والمعاصرة سبيلنا الوحيد للمحافظة على هويتنا - الجمهورية الاسلامية الايرانية نموذجاً - مقدمة كل المدارس الفكرية تُقرّ دون شك بوجود عناصر ثابتة في الانسان الى جانب وجود عناصر متحركة فيه. الثبات في طبيعة الكائن البشري يتطلب دائماً تشخيص دائرته كي لا يختلط بالجانب المتحرك، ويؤدّي بالتالي الى الركود والجمود باسم المحافظة على الثوابت، وهكذا الجانب المتحرك المتغيّر لابدّ من تشخيصه كي لا يؤدّي الافراط فيه الى الانفلات وضياع الهويّة والشخصيّة الانسانية. نحن اليوم نستشرف باذن الله مستقبلاً تستأنف فيه أمتنا حركتها الحضارية، وكلّ الظروف القاسية المرّة التي نمرّ بها هي في اعتقادنا مخاض لابدّ منه لصحوتنا ولعودتنا الى أنفسنا وهويتنا والى ممارسة دورنا المطلوب على ظهر الارض باعتبارنا أبناء الرسالة الخاتمة. وهذه المرحلة تتطلب أكثر ما تتطلب الابتعاد عن الافراط والتفريط، واتخاذ جانب الاعتدال والوسطية في أعمالنا ومشاريعنا ، ومن هذه المتطلبات المحافظة على عنصري الأصالة والمعاصرة في مواقفنا وتخطيطنا. الانفعال إنّ السير في اتجاه مستقبلنا الحضاري سوف لا يكون مفروشاً بالزهور دون شك، فهو طريق ذات الشوكة، وأخطر عقبات هذا الطريق هو مايُرادُ لنا أن نقع فيه من انفعال. أعداء مسيرتنا الحضارية المستقبلية سوف يثيرون في الأجواء ما يدفعنا الى حالات انفعالية في مواقفنا السياسية والفكرية والاقتصادية، ونشاهد اليوم بوضوح هذا الدفع نحو الانفعال ضمن إطار المواقف السياسية والاعلامية والثقافية والتعليمية، من هنا فان تنسيق العمل الاسلامي يجب أن يتجه أول مايتجه نحو وقاية المسيرة من ردود الفعل التي يراد أن ننزلق فيها. مما لاشك فيه أننا حين ندعو الى الاعتدال والوسطية فاننا لا نتخذ هذا الموقف استجابة لما يحيط بنا من ظروف وضغوط، بل ننطلق من صميم منهجنا الاسلامي الذي جعلنا أمة «وسط» ودعانا «للتي هي أقوم» ونهانا عن «الشطط» و«الزلل» وأمرنا بالحكمة والتدبّر والتعقّل. والانفعال في اتخاذ الموقف بين «الأصالة» و«المعاصرة» مشهود اليوم على الساحة الاسلامية على أثر خطة شاملة نشهد معالمها في كل الساحات السياسية والعسكرية والاقتصادية. ومن مظاهر هذا الانفعال باسم التمسك بالأصالة هو بروز النظرة المتخلفة للاسلام هنا وهناك، وإثارة التعصّب المقيت الخالي من التفكير وعزل المرأة عن المجتمع، واستباحة دماء الأبرياء وتكفير هذا وذاك وأمثال ذلك من الصور المؤلمة التي أساءت الى الاسلام الى حدّ كبير. ومن مظاهر الانفعال باسم التمسك بالمعاصرة هو هذه الضجّة المشهودة اليوم على كلّ ثوابتنا الاسلاميّة، وهذه المراجعة المنفعلة لكل ما يرتبط بهويتنا وشخصيتنا الاسلاميّة. نحن لا نشك في أن هذا الانفعال ينطلق أكثر ما ينطلق من واقعنا المتخلّف ومن الوقفة التي أصابت مسيرتنا الحضارية منذ قرون، ولكن لا نشك أيضا أن وراء هذه المواقف المنفعلة خطّة عالميّة يُراد لنا بها أن نقع في هذا الانفعال إفراطاً أو تفريطاً، كي نبتعد عن أهدافنا وعن مسيرتنا الحضارية. ونقترح في هذا المجال التنسيق بيننا لاعلاء الصوت الأصيل المعاصر، فهو الصوت الذي يجب أن يتبلور اليوم لتقديم النموذج الاسلامي الذي ينأى عن الجمود والتقليد الأعمى، كما ينأى في الوقت نفسه عن الهزيمة والذوبان. المشاريع التي ظهرت في القرن الماضي جامعة بين الاصالة والمعاصرة كثيرة، واكتفي بذكر نموذج منها وهو مشروع الجمهورية الاسلاميّة الايرانية باعتباره محاولة معاصرة جادّة للجمع بين صيانة الهويّة والتجديد الحقيقي. بداية لابد أن أذكر أن هذه التجربة لم تستطع أن تشق طريقها حتى الآن على النحو الذي رسمته في دستورها لأسباب تعرفونها، فهي منذ ولاتها ولاتزال تواجه حرباً شرسة في مختلف المجالات، وتعاني من ضغوط تَهُدّ الجبال، من هنا فان الطريق أمامها طويل لتحقيق ما تصبو اليه من عدالة اجتماعية واقتصادية وتربية اسلامية رائدة، وتحقيق كامل للمشروع الاسلامي.. لكنها مع كل هذه العقبات الهائلة استطاعت بفضل هذا الجمع بين الأصالة والمعاصرة في إطار الاسلام أن تحقّق منجزات تستحق الوقوف عندها، وأكبر هذه المنجزات هو مقاومتها لهذه الضغوط التي أدّت الى انهيار كثير من الانظمة وتراجعها على الساحة الدولية. وأقف عند بعض نماذج الجمع بين «الاصالة» و«المعاصرة». في حقل النظام السياسي لقد ساد في الاذهان ردحاً من الزمن أنّ النظام الاسلامي مقترن بسيطرة السلطان أو الخليفة، وأن الحكم فيه لله وليس للشعب أي دخل فيه. ومن هنا كان أنصار الديمقراطية يقفون في الاتجاه المضاد لانصار النظام الاسلامي، لكن الجمهورية الاسلامية، أقرّت النظام الذي تشارك فيه الجماهير مشاركة فاعلة واسعة والذي يقرّ تداول السلطة ومشاركة الشعب في اتخاذ القرار ضمن إطار الاسلام، وضمن إطار النظام الاسلامي الذي اختارته الجماهير بالتصويت الحرّ. في الحقل الاصلاحي ظنّ بعضهم أنّ الاسلام ثابت وهذا الثبات يرفض الاصلاح، من هنا سادت ذهنية تقسيم التيارات الى «أصولية» و«إصلاحية»، غير أن القيادة الاسلامية في ايران وضعت مشروع الاصولية الاصلاحية للجمع في هذا المشروع بين الثوابت وبين الاصلاح المطلوب بسبب تغيّر ظروف الزمان والمكان، وهو جمع ينطلق من صميم المنهج الاسلامي، ويفوّت الفرصة على مشاريع الاصلاح المفتعلة التي يُراد فرضها من الخارج. في الحقل الاجتماعي حاول الخائفون من مشروع الأصالة الاسلامية تصوير المجتمع المسلم بأنه مجتمع تكايا وطقوس وأوراد ولحى وعزل للمرأة عن المجتمع وانصراف عن الزينة والجمال. والجمهورية الاسلامية تثبت اليوم لكل من يزورها خلاف هذه النظرة، فمظاهر الجمال في المدن هدف تسعى اليه الحكومة حثيثاً، والمرأة تشارك الرجل في كل الشؤون العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وثمة سعى حثيث (مع وجود عقبات طبعا) لإحلال العدالة الاجتماعية والتأمين ومكافحة البطالة والأميّة. في الحقل العلمي الاسلام حياة، والجهل عدوّ الحياة، ومن هنا كان نشر التعليم العام من أكبر مابذلته الجمهورية من جهود، مع الأخذ بنظر الاعتبار الانفجار السكاني في المجتمع، والتعليم إجباري للذكور والاناث، كما أن الاهتمام جادٌّ بالدراسات العليا وحقول البحث العلمي، والتطوّر المشهود اليوم في حقل الصناعات المختلفة إنّما هو نتيجة لهذه الجهود المبذولة في حقل البحث العلمي. وهذا يؤيّد ظاهرة اقتران الاسلام بالعلم، ويدحض ماشاع في الأذهان بشأن اقتران الدين بالجهل. في الحقل الفني شاع في الأذهان أيضاً أن الاسلام يتعارض مع الفنون السينمائية والموسيقية والمسرحية، وكنّا نحن قبل قيام الدولة الاسلامية نشكك في إمكان أن تكون هذه الفنون رائجة في المجتمع الاسلامي. لكن التجربة في إيران أثبتت إمكان ارتفاع هذه الفنون الى ذروتها في إطار الالتزام الاسلامي. الافلام التي تُنتج في ايران اليوم تحصد الجوائز العالمية رغم ابتعادها عن كل ظواهر الابتذال في الافلام الغربية، والموسيقى في ايران ارتفعت لتقدّم أروع بكثير مما كانت عليه من قبل، وهكذا الفنون المسرحية والتشكيلية تطورت بشكل هائل وبدأت تدخل المسارح والصالات العالمية، مع الحفاظ على أصالتها. ليس هدفي استعراض كل الحقول، بل الهدف هو الإشارة الى وجود تجربة حيّة في الجمع بين الاصالة والمعاصرة، وهي تجربة لاقت جفاء كبيراً لأسباب عديدة، وحريٌّ بنا ونحن نواجه التحدّي الكبير في محاربة أصالتنا الاسلامية باسم التغيير والاصلاح والتجديد، أن نقدّم مخزوننا العلمي والعملي الذي هو خير دليل على أن رسالتنا الاسلاميّة رسالة إنسانية متطوّرة متجدّدة إصلاحية على الدوام في إطار أصول الفطرة الانسانية. -2- الأسبوع الثقافي السوري في طهران تميّز الاسبوع الثقافي السوري في طهران بمحتوى ثقافي يتناسب مع مستوى العلاقات الثقافية بين البلدين، في تنوعه وعمقه، وكان لوزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية و وزيرها الاستاذ الجامعي العالم الدكتور محمود السيد دور هام في تعميق محتوى الاسبوع على مستوى المحاضرات والكتب والنشاطات الفنية كما كان للمركز الثقافي العربي السوري في طهران دور في هذا المجال. في جلسة الافتتاح القى الوزيران السوري والايراني كلمتين، كانت كلمة وزير الثقافة والارشاد الإسلامي الاستاذ أحمد مسجد جامعي مقتضبة لانها جاءت بعد كلمة وزير الثقافة السوري، وما كان من السيد أحمد مسجد جامعي الاّ أن أشاد بالكلمة العلمية لنظيره السوري وأشار إلى لقائه بالرئيس السوري الدكتور بشار الاسد، وماجرى خلال اللقاء من حديث حول ضرورة تفعيل «مركز الدراسات الثقافية الايرانية العربية». ونحن ننشر نصّ كلمة الدكتور السيد لما فيها من عمق وما لها من ارتباط بأهداف «ثقافتنا»، وهكذا كلمة الشيخ محمود محمدي عراقي رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية في جلسة الافتتاح: كلمة وزير الثقافة السوري بسم الله الرحمن الرحيم السيّد الدكتور أحمد مسجد جامعي وزير الثقافة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أيها الحفل الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أحييكم أطيب تحية، وأوجه إلى إيران رئيساً وحكومة وشعباً أعطر التحايا وأسمى آيات التقدير من سورية الأصالة والتاريخ والحضارة، سورية المبدأ والموقف والقيم، سورية الوفية لمبادئها السامية وقيمها الإنسانية الأصيلة، والمتمسكة بحقوق أمتها أمام هجمات قوى الاستكبار والصلف والغطرسة والعدوان الرامية إلى إطفاء نور الحق، والقضاء على أية إرادة حرة تنشد الحياة العزيزة الكريمة، وتأبى الرضوخ والاستسلام والمذلة والهوان. وإننا لنعتز كل الاعتزاز بالعلاقات المتميزة بين حكومة بلدينا وشعبينا على مختلف الصعد. ويرجع الفضل في إرساء دعامات هذه العلاقات المتميزة إلى قائد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله العظمى الإمام الخميني والقائد الخالد حافظ الأسد باني سورية الحديثة، وعمل على تعزيز وشائج هذه العلاقات المتميزة مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد علي خامنئي والرئيس محمد خاتمي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفخامة أخيه السيّد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية. أيها الحفل الكريم: لم تكن الثورة الإسلامية في إيران انتصاراً لشعب إيران وحده كما قال القائد الخالد حافظ الأسد، وإنما هي انتصار للعرب ولكل من يناضل من أجل حريته ضد الاستبداد والعنصرية، لأن مبادئها مستمدة من رسالة الإسلام ومبادئه السامية ودعوته إلى نشر العدل ومقاومة الشر بكل أشكاله ومكافحة الظلم والعدوان. ومن هنا كانت وقفات العز والإباء التي يقفها شعبانا ضدّ قوى الاستكبار وقوى الغطرسة والهيمنة، التي تعمل على وأد كل ما يجمع بين أبناء الأمة من روابط ومكونات وخصائص وسمات، وعلى ابتعاث كل ما يشوه تاريخ الأمة ويفرق بين أبنائها ويفتت نسيجها وذاتيتها الثقافية. ولقد أدركت القيادة الحكيمة في كل من سورية وإيران خطر مايحاك ضد الدول الإسلامية من مؤامرات تستهدف النيل من وحدة الكلمةووحدة الصف والمواقف، كما تستهدف بث التفرقة وإثارة النزاعات وإيقاظ الفتن، فالتقت الإرادة الخيرة في بلدينا على تعزيز القيم الإنسانية في هذا العالم لمقاومة تلك النزعات العنصرية واللاإنسانية، فكانت ثمة دعوة إلى الحوار بين الحضارات على الصعيد العالمي من أجل العيش المشترك، أطلقتها كل من سورية وإيران انطلاقاً من رسالتنا الإسلامية السمحة الداعية إلى التعارف: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وإدراكاً من شعبينا أن الحوار بين الثقافات شرط من شروط استكمال الحياة الإنسانية الكريمة في ظل السلام العادل والاحترام المتبادل والتطبيق النزيه لقواعد القانون الدولي، فضلاً عن أن الحوار يؤكد الحق الفردي والجماعي في الاختلاف والتنوع في إطار وحدة المجتمع الإنساني، لأن البشر أسرة واحدة على حد تعبير سعدي الشيرازي. ولقد دعت كل من سورية وإيران إلى تعزيز الحوار على الصعيد العالمي، على أنه رسالة نبيلة ومسؤولية إنسانية مشتركة من أجل المشاركة الجماعية في بناء حصون السلام في العقول والضمائر على مرتكزات صلبة، قادرة على تجاوز الأزمات الطارئة التي تهدد الاستقرار الدولي وتقلق الضمير الإنساني، كما أن الحوار بين الثقافات من أهم الوسائل للقاء القوى الخيرة في هذا العالم للقضاء على التمييز والاستعلاء والتطرف والتزمت، وهو من أكثر الطرق نجاعة في إقرار مبادئ المساواة بين الشعوب والأمم في الحقوق والواجبات. أيها الحفل الكريم: إننا نعيش في ظلال عالم يزخر بالمتناقضات والاضطرابات، يتوازي فيه تكتل دوله مع تفتيت دويلاته، ولا يفوق نموه الاقتصادي إلا زيادة عدد فقرائه، ويصدّر فيه الكبار الحروب والصراعات والأزمات إلى الصغار، يفتتونها حروباً أهلية وصراعات عرقية ودينية ولغوية وبطالة وتهميشاً واستبعاداً وسحقاً لإنسانية الإنسان. وهاهو ذا مجتمعنا العالمي يعاني من حضارة الانفصال: انفصال بين الفكر والسلوك، وبين النظرية والتطبيق، وبين التعليم والتربية، وبين التنمية والمحافظة على البيئة، وبين التقدم الاقتصادي وتحقيق الرفاهية الحق، وبين قدرات التقانة ونتائجها المتحققة فعلياً. ولا مفر من أن يؤدي هذا الانفصال إلى انفصال الإنسان عن أخيه الإنسان، واتساع الهوة بين من يملك ومن لا يملك، وبين من يعرف ومن لا يعرف! ولقد حذرنا «غاندي» من قبلُ من سياسة بلا مبادئ، وتجارة بلا أخلاق، وثروة بلا عمل، وتعليم بلا تربية، وعلم بلا ضمير، وعبادة بلا تضحية. وها نحن أولاء نرى في حياتنا المعاصرة أن حياتنا المادية في ظلال العولمة تقوم على تقانة متقدمة، في الوقت الذي تئن فيه حياتنا الروحية تحت وطأة الخواء، فنسينا مطالبنا الوجدانية وحاجتنا الدائمة إلى المثل العليا، إلى الألفة والمحبة والتعاون والتآخي والإحساس بالذات والهوية. لقد تفاقمت ظاهرة الاغتراب والجفاء الاجتماعي والانكفاء على الذات في عالمنا المعاصر، وانقطعت الصلة مع جار السكن وجار العمل، بل مع رفقاء البيت الواحد أحياناً، وكيف يمكن لإنسان هذا العصر أن يتواصل مع غيره عن بعد في الوقت الذي فقد فيه القدرة على التواصل عن قرب مع الجار والشريك والزميل؟ إننا في ظلال عصر اختلطت فيه الأوراق، واختلت فيه المعايير، واضطربت فيه المقاييس حتى فقد صوابه، على حد تعبير السيّد الرئيس بشار الأسد، فبات الجلاد في هذا العالم رجل سلام، وبات إرهاب الدولة دفاعاً عن النفس، وباتت مقاومة المحتل إرهاباً في نظر قوى الاستكبار. وهاهي ذي إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، في صَمَم عن الصيحات الإنسانية الرامية إلى سيادة السلام العادل والشامل واقعاً حياً يؤمن العدالة ويعيد الحق إلى أصحابه. وهاهو ذا الكيان الإسرائيلي يرفض الانصياع إلى الشرعية الدولية غير عابئ بها، ولا مكترث بتنفيذ أي قرار من قراراتها، في الوقت الذي يستنفر فيه العالم أجمع للضغط على أي بلد إسلامي صدر قرار تجاهه من مجلس الأمن. وهاهو ذا الغرب وأمريكا ومن يدور في فلكها يريدون لنا غير مانريده لأنفسنا: ـ نحن نريد السيادة على أٍرضنا، وهم يريدون لنا التبعية ويجبروننا عليها! ـ نحن نصبو إلى التحرر والوحدة، وهم يفرضون علينا الديكتاتورية والتشرذم باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان! ـ نحن نريد تعزيز القيم الإنسانية وسيادة العدالة والحق، وهم يريدون لنا الاستسلام والرضوخ والإذعان لمشيئتهم مع التنازل عن حقوقنا! أيها الحفل الكريم: انطلاقاً من قيم أمتنا ورسالتها السمحة أدنا التطرف والتعصب بمختلف ألوانه وأشكاله وأطيافه، لأنه يتنافى وقيم الحق والخير، سواء أكان مصدر هذا التطرف من الآخرين أو من نفر من أبناء الأمة ينتمون إلى الإسلام والإسلام منهم براء، ذلك لأن رسالتنا السمحة تدعونا إلى أن ندفع بالتي هي أحسن، وأن نعامل بكل تسامح ومحبة واحترام. بيدَ أننا نجد أن الإسرائيليين مغتصبي حقوق الآخرين لا يعرفون معنى للسماحة والسلام والتفاهم، لأن جبلتهم عدوانية استيطانية وثقافتهم مبنية على إلغاء وجود الآخر، وشتان أيها السادة بين ثقافتين: ثقافة إسلامية مستنيرة تدعو إلى المحبة للناس كافة، وتحيتها «السلام عليكم» للناس كافة، ومعيارها«خير الناس أنفعهم للناس» و«المسلم من سلم الناس من لسانه ويده». وبين ثقافة معادية متعصبة تروم امحاء ثقافتنا وتشويه تاريخنا والتعتيم على حضارتنا وتذويب هويتنا وطمس ذاتيتنا الثقافية، ونحن في سورية وإيران نمد أيدينا إلى جميع القوى الخيرة في هذا العالم، لنتعاون معا على تعزيز القيم الإنسانية، والنظر إلى الحق والحقيقة في منأى عن أي تزييف وتزوير وتضليل، ذلك لأن العولمة المتوحشة لا الإنسانية لا تعير اهتماماً لنزعات الخير والحق والجمال، وما علينا إلا أن نتصدى في ثقافتنا لكل المحاولات الرامية إلى استلابنا من جذورنا وأصالتنا وقيمنا. وعلى الرغم من كل محاولات التضليل والتشويه والتعتيم ضدّ ثقافتنا فإننا سنظل متمسكين بالحوار والعقلنة في هذا الحوار، والحرص على الوصول إلى مخاطبة الآخر بالحجة والدليل والبرهان واحترام الرأي الآخر في منأى عن أي تشنج أو تزمت أو تعصب انطلاقاً من طبيعة أمتنا الحضارية واستراتيجيتها المحبة للسلام الشامل والعادل، والرافضة للظلم والعدوان والعنصرية والاستعلاء. والحق أقول إننا مقصرون في تقديم صورتنا إلى الآخرين، ومقصرون في تقديم ثقافتنا وما تتسم به من محبة وتسامح واحترام للآخر، وفي تعريف الآخر بكنوزنا الثقافية في تراثنا العربي والإسلامي، ومقصرون أيضاً في توحيد كلمتنا على صعيد دولنا الاسلاميّة، وفي الارتفاع فوق خلافاتنا الجانبية لصالح الأهداف العليا والغايات السامية، والحؤول دون فسح المجال أمام قوى الاستكبار لاختراق كياننا عبر قنوات تفككه وتناقضاته. وعلى المثقفين تقع مسؤولية كبيرة، مسؤولية التنوير والتوعية وسيرورة التفكير النقدي والأساليب العلمية في معالجة المشكلات والحفاظ على ذاتية الأمة وقيمها والتشبث بالجذور مع الانفتاح على الإفادة من الخبرات العالمية أنّى كان مصدرها إذا كانت ملائمة لتربتنا. أيها الحفل الكريم: يجيء الأسبوع الثقافي السوري في إيران، في إطار البرنامج التنفيذي للاتفاق الثقافي بين حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحكومة الجمهورية العربية السورية. ويشتمل البرنامج على جوانب متعددة، منها إقامة الأيام الثقافية لكل طرف في بلد الطرف الآخر، ولقد كان الأسبوع الثقافي الإيراني الذي أقيم العام الماضي في سورية متميزاً بفعالياته ومناشطه، ولقي الصدى الطيب من الجمهور في سورية. ونأمل أن تكون مساهمتنا من خلال هذه الباقة من المناشط والفعاليات السورية، محققة بعضاً مما نرنو إليه في تعريف الأخوة في إيران ببعض سمات الثقافة السورية، إذ إن من المناشط إقامة المعارض: معرض فن تشكيلي، ومعرض الكتاب السوري الذي يضم بعضاً من منشورات وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب ومجمع اللغة العربية ووزارة التعليم العالي، ومعرض الخط العربي من أعمال الخطاطين السوريين، ومعرض صور أثرية لأبرز المواقع الأثرية في سورية، إضافة إلى معرض الحرف اليدوية. ومن المناشط أيضاً، عدد من المحاضرات يقدمها أدباء مشهود لهم بالكفاءة والتميز، وأمسية شعرية لشاعر موهوب، وعروض موشحات دينية. وكلنا أمل في أن يكون لهذه الفعاليات والمناشط الصدى الطيب من أشقائنا في إيران، وأن يعرف كل منا ثقافة الآخر ويفيد من تجربتها، علماً بأن الشعبين العربي والإيراني أسهما من قبل أيما إسهام في مسيرة الحضارة البشرية، ولا يمكننا أن ننسى تلك النجوم المتلألئة والكواكب المنيرة في تاريخ إيران من أمثال: سعدي الشيرازي، وحافظ الشيرازي، وصدر الدين الشيرازي، وبهاء الدين العاملي، وناصر خسرو، وجلال الدين الرومي، وعمر الخيام في الحضارة الإيرانية، والمتنبي، وأبي العلاء المعري، والكندي، وابن عربي، وابن رشد، وابن خلدون، والفارابي في تراثنا العربي، وابن المقفع والجرجاني والأصفهاني وبشار بن برد وابن قتيبة وسيبويه في تراثنا المشترك. وإننا على نهج آبائنا وأجدادنا الإنسانيين سائرون، متمكسين بقول شاعرنا العربي: وخير الناس ذو حسب قديم أقام لنفسه حسباً جديدا وإننا بمشيئة الله إلى تحقيق أهدافنا ساعون، وبالمستقبل المشرق لأمتنا متفائلون على الرغم من قتامة الأجواء وسواد الغيوم مرددين قول الشاعر: لا يرعك الظلام إن ملأ الكون فإن الصباح سوف يؤوب. بيد أن هذا التفاؤل يحتاج إلى العمل: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون صدق الله العظيم وفقنا الله جميعاً إلى مافيه خير الأمة وتقدمها وارتقاؤها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كلمة الشيخ محمود محمدي عراقي رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته «الثقافة» بكافة مجالاتها هي لسان الانسانية الخالد على مرّ الاجيال. ومهما اختلفت لغات الثقافات فانها تنطق جميعاً بلغة واحدة سواء كانت مسموعة أم مقروءة أم مشهودة، وهذه اللغة هي لغة الفطرة الانسانية.. وهي ثابتة.. لا تبديل لخلق الله. «الثقافة» تستطيع أن تشقّ طريقها وسط الامواج المتلاطمة من المصالح المتصارعة ووسط ضجيج النزاعات المادية، لتصل عبر الاجيال بلغة واضحة تدخل شغاف القلوب. لقدتصارع الفراعنة والاكاسرة والاباطرة عبر التاريخ وملأوا الدنيا بالدماء والدموع، لكنهم بادوا جميعا وأصبحوا أثرا بعد عين، بينما شقت عناصر الجمال الثقافي بكلماتها وأصواتها وصورها ومبانيها طريقها الينا لتقول إن البشرية في عناصرها الفطرية الجمالية تنتمي الى أسرة واحدة وتحمل عواطف واحدة، وتشتاق الى واحة جميلة واحدة. التعاون الثقافي بين شعوب العالم هو السبيل الوحيد لمواجهة الصراع المصلحي المحموم، وهو الطريق الوحيد لإحلال الجمال مكان شناعة الويلات والحروب. وهذا التعاون الثقافي لا يمكن أن يستتبّ على الساحة البشرية إلاّ إذا كانت العلاقة بين الشعوب تقوم على أساس «التعارف»، أي أن يكون هدف المجموعات البشرية أن يعرف بعضها بعضاً، والمعرفة أسمى ما يتحلّى به الانسان الذي تشرّف باستخلاف الله على ظهر الارض، وتعلّم الاسماء كلّها. ومن أهم خصائص حضارتنا الاسلامية أنها تقوم على أساس الدعوة الى تعارف المجموعات البشرية، ومن هنا كان التعاون الثقافي بين أبناء دائرتنا الحضارية في أروع صوره على مرّ التاريخ. لقد كنا في أيام ازدهارنا الحضاري قرية كونية صغيرة، رغم انعدام كل سبل الارتباط السريع القائمة في يومنا هذا، لقد كان التعامل قائماً على أشدّه بين علمائنا وأدبائنا وشعرائنا وأصحاب الفنون والصناعات في بلداننا، المتنبي ينشد الشعر في حلب والشام والقاهرة فيترنّم بأشعاره في نفس زمانه الناسُ في نيشابور واصفهان والريّ، ويؤلّف ابن سينا قصته الفلسفية المعروفة «حي بن يقظان» فيتجاوب معه على نفس المنوال ابن طفيل في الاندلس. وسيبويه ينطلق من بيضاء فارس ليكتب في النحو العربي مرجعاً كاد أن يكون مقدساً في جميع أصقاع العالم الاسلامي على مرّ الاجيال. وحكومات العالم الاسلامي على مرّ العصور ماكان أمامها إلاّ أن تستجيب الى الحالة الثقافية المتأصلة في العالم الاسلامي فراحت تختار وزراءها من بين العلماء والفلاسفة والحكماء من أمثال البرامكة وآل سهل وابن العميد والصاحب بن عبّاد ونظام الملك والوزير المهلّبي، بل راحت تبذل الجهد لتقرّب العلماء والادباء من مراكز حكوماتها. حتى المغول الذي غزوا العالم الاسلامي وهم متوحشون استحالوا في الجو الثقافي الاسلامي بعد حين الى رجال حضارة، وليست ببعيدة عنّا دولة المغول العظام في الهند. هذه هي طبيعة حضارتنا الاسلامية، تنشر الروح الانسانية المنفتحة المفكرة العارفة بين الشعوب وتدعوها الى التعارف وتنهاها عن التعالي إذ «إن اكرمكم عندالله أتقاكم». ومن الغريب جداً، أن يحاول المحاولون وصف هذه الثقافة الانسانية الاصيلة بالعنف والارهاب. في اعتقادنا أن هذه المحاولات لا يمكن أن تصدر إلاّ عن أعداء الانسانية. عن الذين يريدون العبث بمقدرات البشريّة، لأن هؤلاء لا يمكن أن يحققوا أهدافهم إلاّ إذا أخمدوا كل صوت ينادي بضرورة استيقاظ الضمير الانساني، وكل دعوة تنادي بكرامة الانسان وعزّة الانسان. إننا نرى في الصهيونية العالمية الخطر الذي يهدد ثقافة البشرية بأجمعها ويهدد كرامة الانسان المسلم والمسيحي بل اليهودي أيضا، لأنها تقوم على خطة مسخ البشرية والسيطرة عليها. إنّ أيّ جهد ثقافي داخل منظومتنا الاسلامية يساهم في إنقاذ البشرية من خطر الحروب والدمار والويلات والمسخ والاستهانة بالمقدرات. ويأتي الاسبوع الثقافي العربي السوري في طهران ضمن دائرة التعاون الثقافي الرائد بين بلدينا الشقيقين ليكون النموذج الأمثل في العلاقات الثقافية بين منظومتنا الاسلامية. وما تحقق حتى الآن على هذا الطريق هو استمرار لمسيرتنا الحضارية الانسانية على مرّ التاريخ، سواء في حقل التبادل العلمي والثقافي والفني أو على صعيد اللغتين الفارسية والعربية، أو على صعيد الحوار الحضاري، أو التقريب المذهبي، أوالمشتركات الأدبية والفكرية والتاريخية. أشكر كل من ساهم من إنجاح هذا الاسبوع من السوريين والايرانيين، وأتمنى لضيوفنا طيب الاقامة في بلدهم ايران والشكر موصول للسيدين وزيري الثقافة ولقيادة البلدين الشقيقين على هذا الاهتمام البالغ بالتعاون الثقافي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته -3- المؤتمر الإسلامي الدولي حول حقيقة الاسلام ودوره في المجتمع المعاصر عمان 27-29 جمادى الاولى 1426هـ من أجل مواجهة تحديات الواقع الراهن عقد في عمان مؤتمر، دعي إليه عدد كبير من العلماء والمفكرين والباحثين من مختلف أقطار العالم الإسلامي وخارج العالم الإسلامي، ورافقت الدعوة «رسالة عمان» لتكون المحور الذي تدور حوله أبحاث المؤتمر. وجاء في رسالة عمان: الإسلام الذي يقوم على مبادئ أساسها: توحيد الله والايمان برسالة نبيّه، والارتباط الدائم بالخالق بالصلاة، وتربية النفس وتقويمها بصوم رمضان، والتكافل بالزكاة، ووحدة الأمة بالحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وبقواعده الناظمة للسلوك الإنساني بكل أبعاده، صنع عبر التاريخ أمة قويّة متماسكة، وحضارة عظيمة، وبشر بمبادئ وقيم سامية تحقق خير الإنسانية، قوامها وحدة الجنس البشري، وأن الناس متساوون في الحقوق والواجبات، والسلام، والعدل، وتحقيق الأمن الشامل والتكافل الاجتماعي، وحسن الجوار، والحفاظ على الأموال والممتلكات، والوفاء بالعهود، وغيرها وهي مبادئ تؤلف بمجموعها قواسم مشتركة بين أتباع الديانات وفئات البشر؛ ذلك أن أصل الديانات الإلهية واحد، والمسلم يؤمن بجميع الرسل، ولا يفرق بين أحد منهم، وإن إنكار رسالة أي واحد منهم خروج عن الإسلام، مما يؤسس إيجاد قاعدة واسعة للالتقاء مع المؤمنين بالديانات الأخرى على صعد مشتركة في خدمة المجتمع الإنساني دون مساس بالتميّز العقدي والاستقلال الفكري، مستندين في هذا كله إلى قولـه تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة:285). وأكّد أنّ منهج الدّعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل:125)، ويرفض الغلظة والعنف في التوجيه والتعبير فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (آل عمران:159). وقد بيّن الإسلام أن هدف رسالته هو تحقيق الرّحمة والخير للناس أجمعين، قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (الأنبياء/ 107)، وقال صلى الله عليه وسلم «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (حديث صحيح). وفي الوقت الذي دعا فيه الإسلام إلى معاملة الآخرين بالمثل، حثّ على التسامح والعفو اللذين يعبّران عن سمو النفس: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (الشورى:40)، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت:34). وقرر مبدأ العدالة في معاملة الآخرين وصيانة حقوقهم، وعدم بخس الناس أشياءهم وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة:8)، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء:58) فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا (لأعراف:85) . وأوجب الإسلام احترام المواثيق والعهود والالتزام بما نصّت عليه، وحرّم الغدر والخيانة: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً (النحل:91) . وأعطى للحياة منزلتها السامية فلا قتال لغير المقاتلين، ولا اعتداء على المدنيين المسالمين وممتلكاتهم، فالاعتداء على حياة إنسان بالقتل أو الإيذاء أو التهديد اعتداء على حقّ الحياة في كل إنسان وهو من أكبر الآثام، لأن حياة الإنسان هي أساس العمران البشري: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ (المائدة:32). والدين الإسلامي الحنيف قام على التوازن والاعتدال والتوسط والتيسير وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة:143)، وقال صلى الله عليه وسلم «ويسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا» (حديث صحيح)، وقد أسّس للعلم والتدبّر والتفكير ما مكن من إيجاد تلك الحضارة الإسلاميّة الراسخة التي كانت حلقة مهمة انتقل بها الغرب إلى أبواب العلم الحديث، والتي شارك في إنجازاتها غير المسلمين باعتبارها حضارة إنسانية شاملة. وهذا الدين ماكان يوماً إلا حرباً على نزعات الغلو والتطرف والتشدّد، ذلك أنها حجب العقل عن تقدير سوء العواقب والاندفاع الأعمى خارج الضوابط البشرية ديناً وفكراً وخلقاً، وهي ليست من طباع المسلم الحقيقي المتسامح المنشرح الصدر، والإسلام يرفضها – مثلما ترفضها الديانات السماوية السمحة جميعها – باعتبارها حالات ناشزة وضرباً من البغي، كما أنها ليست من خواص أمة بعينها وإنما هي ظاهرة عرفتها كل الأمم والأجناس وأصحاب الأديان إذا تجمعت لهم أسبابها، ونحن نستنكرها وندينها اليوم كما استنكرها وتصدّى لها أجدادنا عبر التاريخ الإسلامي دون هوادة، وهم الذين أكدوا، مثلما نؤكد نحن، الفهم الراسخ الذي لا يتزعزع بأنّ الإسلام دين أخلاقي الغايات والوسائل، يسعى لخير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة، والدفاع عنه لا يكون إلاّ بوسائل أخلاقية، فالغاية لا تبرر الوسيلة في هذا الدين. والاصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم، فلا قتال حيث لا عدوان، وإنما المودة والعدل والإحسان: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، ِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة:193). وإننا نستنكر، دينياً وأخلاقياً، المفهوم المعاصر للإرهاب والذي يراد به الممارسات الخاطئة أياً كان مصدرها وشكلها، والمتمثلة في التعدّي على الحياة الإنسانية بصورة باغية متجاوزة لأحكام الله، تروع الآمنين وتعتدي على المدنيين المسالمين، وتجهز على الجرحى وتقتل الأسرى، وتستخدم الوسائل غير الأخلاقية، من تهديم العمران واستباحة المدن: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ (الأنعام:151)، ونشجب هذه الممارسات ونرى أنّ وسائل مقاومة الظلم وإقرار العدل تكون مشروعة بوسائل مشروعة، وندعو الأمة للأخذ بأسباب المنعة والقوّة لبناء الذات والمحافظة على الحقوق، ونعي أنّ التطرّف تسبّب عبر التاريخ في تدمير بنى شامخة في مدنيات كبرى، وأنّ شجرة الحضارة تذوي عندما يتمكن الحقد وتنغلق الصدور. والتطرف بكل أشكاله غريب عن الإسلام الذي يقوم على الاعتدال والتسامح. ولا يمكن لإنسان أنار الله قلبه أن يكون مغالياً متطرفاً. وفي الوقت نفسه نستهجن حملة التشويه العاتية التي تصوّر الإسلام على أنه دين يشجّع العنف ويؤسّس للإرهاب، وندعو المجتمع الدولي، إلى العمل بكل جدّية على تطبيق القانون الدولي واحترام المواثيق والقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وإلزام كافة الأطراف القبول بها ووضعها موضع التنفيذ، دون ازدواجية المعايير، لضمان عودة الحق إلى أصحابه وإنهاء الظلم، لأن ذلك من شأنه أن يكون له سهم وافر في القضاء على أسباب العنف والغلو والتطرف. إنّ هدي هذا الإسلام العظيم الذي نتشرف بالانتساب إليه يدعونا إلى الانخراط والمشاركة في المجتمع الإنساني المعاصر والإسهام في رقيه وتقدّمه، متعاونين مع كل قوى الخير والتعقل ومحبّي العدل عند الشعوب كافة، إبرازاً أميناً لحقيقتنا وتعبيراً صادقاً عن سلامة إيماننا وعقائدنا المبنية على دعوة الحق سبحانه وتعالى للتآلف والتقوى، وإلى أن نعمل على تجديد مشروعنا الحضاري القائم على هدي الدين، وفق خطط علمية عملية محكمة يكون من أولوياتها تطوير مناهج إعداد الدعاة بهدف التأكد من إدراكهم لروح الاسلام ومنهجه في بناء الحياة الإنسانية، بالإضافة الى إطلاعهم على الثقافات المعاصرة، ليكون تعاملهم مع مجتمعاتهم عن وعي وبصيرة قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (يوسف:108) ، والإفادة من ثورة الاتصالات لردّ الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام بطريقة علميّة سليمة دون ضعف أو انفعال وبأسلوب يجذب القارئ والمستمع والمشاهد، وترسيخ البناء التربوي للفرد المسلم القائم على الثوابت المؤسّسة للثقة في الذات، والعاملة على تشكيل الشخصيّة المتكاملة المحصنة ضد المفاسد، والاهتمام بالبحث العلمي والتعامل مع العلوم المعاصرة على أساس نظرة الإسلام المتميزة للكون والحياة والإنسان، والاستفادة من إنجازات العصر في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وتبنّي المنهج الإسلامي في تحقيق التنمية الشّاملة الذي يقوم على العناية المتوازنة بالجوانب الروحية والاقتصادية والاجتماعية، والاهتمام بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتأكيد حقه في الحياة والكرامة والأمن، وضمان حاجاته الأساسيّة، وإدارة شؤون المجتمعات وفق مبادئ العدل والشورى، والاستفادة مما قدّمه المجتمع الإنساني من صيغ وآليات لتطبيق الديمقراطية. والأمل معقود على علماء أمتنا أن ينيروا بحقيقة الإسلام وقيمه العظيمة عقول أجيالنا الشابّة، زينة حاضرنا وعدة مستقبلنا، بحيث تجنبهم مخاطر الانزلاق في مسالك الجهل والفساد والانغلاق والتبعيّة، وتنير دروبهم بالسماحة والاعتدال والوسطية والخير، وتبعدهم عن مهاوي التطرف والتشنّج المدمرة للروح والجسد؛ كماتتطلع إلى نهوض علمائنا إلى الإسهام في تفعيل مسيرتنا وتحقيق أولوياتنا بأن يكونوا القدوة والمثل في الدين والخلق والسلوك والخطاب الرّاشد المستنير، يقدمون للأمّة دينها السمح الميسر وقانونه العملي الذي فيه نهضتها وسعادتها، ويبثون بين أفراد الأمّة وفي أرجاء العالم الخير والسلام والمحبّة، بدقة العلم وبصيرة الحكمة ورشد السياسة في الأمور كلها، يجمعون ولا يفرقون، ويؤلفون القلوب ولا ينفرونها، ويستشرفون آفاق التلبية لمتطلبات القرن الحادي والعشرين والتصدي لتحدياته. والله نسأل أن يهيئ لأمتنا الإسلاميّة سبل النهضة والرفاه والتقدّم، ويجنبها شرور الغلوّ والتطرف والانغلاق، ويحفظ حقوقها، ويديم مجدها، ويرسخ عزّتها، إنه نعم المولى ونعم النصير. قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام:153) . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وفي هذا المؤتمر ألقى السيد محمود محمدي عراقي رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية كلمة هذا نصّها: كلمة سماحة الشيخ محمود محمدي عراقي في مؤتمر عمان: التحديات الراهنة كيف نواجهها لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة:8) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين. أتقدم أولاً بالشكر الجزيل لمؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي على إقامة هذا المؤتمر الاسلامي الدولي في هذه الفترة العصيبة من حياة أمتنا وعلى اختيار المحاور التي ترتبط بما يواجه أمتنا من تحديات . إنّ الهاجس الأول الذي يبدو واضحاً من المحاور ومن رسالة عمّان هو ما تشهده الساحة الاسلاميّة من مظاهر عنف وإرهاب، وما نسمعه كلّ يوم من قتل وتفجير وتفخيخ، وما تطلع علينا بين حين وآخر من دعوات متخلفة متعصّبة تكفيرية.. ومن الواضح جداً أن هذه الحالة لا ترتبط بطبيعة الاسلام، فالنصوص الدينيّة بأجمعها ترفض ذلك، والتاريخ يشهد بأن أمتنا الإسلامية أقامت حضارة عظيمة ساد فيها العقل والحوار واحترام الآخر ونشط فيها التعارف بين الشعوب والقبائل، وتعالت فيها الأمة على الاختلافات القبلية والقومية، بل وحتى الدينيّة، فقد ساد الاحترام بين أصحاب الاتجاهات الفكرية والمذهبية المختلفة داخل الأمة، بل ساد الاحترام في تعامل الأمة مع أصحاب الاديان المختلفة، وتعامل الاسلام مع الزرادشتيين في إيران من أبرز الامثلة على ذلك، كما أن مساهمة اليهود والنصارى والصابئة مع المسلمين في الحقول العلمية والادارية أفضل دليل على روح الانفتاح والسماح في حضارتنا تجاه الآخر. ولكن مع هبوط حركة الحضارة الإسلامية برزت مظاهر العنف والتعصب والارهاب في مجتمعاتنا، وهي ظواهر قد أضرّت بأمتنا وأنزلت بها الويلات وشوّهت صورتها أمام شعوب العالم. وكانت هذه الموضوعات الشغل الشاغل لكل المهتمين بأمور أمتنا خلال العقود الأخيرة. ولقد قُدّمت في هذا المجال مشاريع كثيرة لعلاج هذه الظاهرة وكتبت دراسات في تحليلها، لكن الأمرَ ازداد سوءاً لأن القضية أولاً معقّدة وكبيرة وهي ثانياً ذات أبعاد محليّة ودوليّة واسعة. غير أنّ هناك اتجاهاً غريباً بدأ يظهر على الساحة في تناول هذه القضية المهمّة الحساسة هو الخلط بين مفهوم «الجهاد» و«النضال الوطني» و«مكافحة الاحتلال» وبين الإرهاب والعنف في منطقتنا الاسلاميّة. وهذه الظاهرة بدأت تتصاعد بعد انتهاء الحرب الباردة وأحداث 11 سبتمبر والاستفراد الامريكي بالمنطقة، وطرح مشاريع العولمة الثقافية والسياسية. ومن الطبيعي جداً أن يتّجه المستكبر الطامع الى إخماد كلّ تحرك حيويّ إنساني بين المسلمين، لتحويلهم الى قطعان لا يهمّها الاّ همومها الغريزية واليوميّة الصغيرة. ومن الطبيعي جداً أن يعمد هؤلاء الى خلط الاوراق حتى يصبح من العسير التفريق بين مظاهر «الحياة» في الأمة ومظاهر «الهمجية». ولكن من غير الطبيعي تماما أن تنطلي هذه الأمور على رجال أمتنا وأبناء جلدتنا فيقفون مع هذا الخلط في الاوراق ومع هذا الدجل العالمي الذي يريد أن يستأصل كل مقاومة في أمتنا وكل ردّ فعل تجاه الاغتصاب والظلم والاحتلال والتدمير والتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة من أمور أمة محمدبن عبدالله – صلى الله عليه وآله وسلم- . لا أقصد هنا اطلاق شعارات أو إثارة حماس بل أستهدف القول إننا أمة لها حقّ الحياة وحقّ العزّة وحقّ الكرامة وحقّ تقرير المصير، فلماذا هذا التدخّل السافر في شؤوننا؟ لماذا التدخل في فرض النمط الخاص من الاصلاح والديمقراطية على بلداننا. لماذا هذا العداء السافر والموقف الحاقد تجاه النظام الاسلامي في إيران على سبيل المثال، وهو بكل المعايير الديمقراطية يشهد أعظم تجربة في السيادة الشعبية الدينيّة، ويشهد اكبر مشاركة جماهرية في انتخابات مسؤوليه، والانتخابات الرئاسية الاخيرة نموذج من هذه المشاركة الواسعة، ورغم ذلك واجهت تصريحات معادية وقيحة أقل مايقال عنها أنها انتهاك لحرمة الشعوب وسيادتها وعزتها وكرامتها. لو ألقينا نظرة ولو سريعة على ماجرى في أفغانستان والعراق والجزائر والسودان وغيرها من المناطق التي شهدت أحداث عنف مؤسفة لتلمسنا بوضوح الايادي الاجنبية التي افتعلت ولاتزال تفتعل الاحداث المأساوية، لتلقي بلائمة مايحدث على الاسلام. لا أريد أبداً أن أعلّق مظاهر العنف في العالم الاسلامي على شمّاعة الاجانب، بل أريد أن أقول إن هذه المظاهر لها أسباب داخلية وعوامل خارجية.. ولايجوز أن نغفل عن العوامل الخارجية أبداً، فهي التي سلّطت علينا طالبان وشوهت بهم وجه الاسلام ثم ضربتهم لتحرر المنطقة من التعصّب والتخلّف !! وهي التي دعمت النظام العراقي البائد وغذّته بكل وسائل العدوان ثم أجهزت عليه باسم إنقاذ الشعب العراقي والمنطقة من شرّه.. وهي التي تثير الفتن القبليّة والطائفية والاقليمية لتصوّر المسلمين بأنهم يحتاجون الى من يحميهم من هذه النزاعات ويتولّى أمر استتباب الأمن في منطقتهم. غير أننا نقرّ ونعترف بأن هناك عوامل داخليّة لابدّ أن نعالجها كي نتخلّص من هذه المظاهر المؤلمة المؤسفة المشوّهة لسماحة الاسلام وروحه الحضارية. ومن أهمّ هذه العوامل التخلّف الحضاري.. فلا تزال الروح البدوية التي أفرزت الخوارج سائدة في كثير من أوساطنا الاسلاميّة، لايزال بعضنا يروّج لإشاعة هذه الروح باسم السلفيّة والنصوصيّة ومكافحة البدع.. وأمثالها من اللافتات. إنّ هذه الحالة من التعصّب والتحجّر لايمكن مواجهتها إلاّ بحركة علميّة عقليّة ثقافية تتطلّع الى المستقبل وتنظر الى العالم بأفق رحب واسع يتناسب مع عظمة الأمة الخالدة الشاهدة الوسط على ساحة التاريخ. ولكن الاتجاه نحو هذه الحركة العلميّة العقلية يصطدم بعقبتين، الاولى حالة التخلف القائمة في عالمنا الاسلامي، وهذه يمكن معالجتها بالحكمة والموعظة الحسنة وتربية الاجيال الصاعدة على الانفتاح المقرون بالاصالة والالتزام بالهويّة.. وهذا مانفعله اليوم في إيران. غير أن العقبة الثانية وهي الأسوأ تتمثل في تأهب الآخر لخوض صراع حضاري مع العالم الاسلامي كي لا تقوم له قائمة. مقتل مئات العلماء العراقيين بعد الاحتلال ظاهرة تستحق كل الاهتمام، وتفريغ العراق من محتواه الحضاري بتدمير المكتبات والمتاحف أمرٌ يحتاج الى دراسة وتحليل من كل المهتمين بمستقبل أمتنا. توجيه بعض الفضائيات التي تثبط العزائم وتستهين بقدرة المسلمين وتشيع في النفوس روح الانبهار بالغرب والهزيمة النفسية أمامه وتثير الغرائز الهابطة موضوع خطر على روح الحركة العلمية الحضارية في أمتنا. الموقف من الملف النووي السلمي في إيران أمرٌ يندرج في هذا السياق، خاصة وأن ايران أعربت عن استعدادها لإعطاء كافة الضمانات اللازمة لعدم تجاوز الخط السلمي في الاستخدام. ما تفعله الحركة الصهيونية العالمية من رصد دقيق لكل تطوّر علمي في العالم الاسلامي واختراقه ومحاولة هدمه والتعرّف على النوابغ والعقول المبتكرة وتوفير سبل الهجرة لها من بلاد المسلمين أمر هام للغاية. دخول الصهيونية الى اقتصاد السوق الاسلامي ومحاولة زعزعته حينما يشهد أي انتعاش، كما حدث في بلدان شرق آسيا هو أيضا من محاولات التصدّي الخارجي لكل تحرّك نحو التطوّر في عالمنا الاسلامي. وليس أمامنا تجاه هذه التحديات إلاّ أن نعتمد على الله الواحد الأحد، الذي يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأن تتظافر جهودنا لمواجهة الغزو الثقافي من جهة، ورصّ صفوفنا الداخلية من المحيط الى المحيط من جهة أخرى. وأن نعمل معا علماء وجامعيين وفنانين وأدباءَ وأصحابَ قلمٍ وفكرٍ على دفع حركة الأمة نحو مستقبل حضاري تعود فيه الحركة العلمية كما كانت في عصر الازدهار، ويعود عالمنا الاسلامي ليكون قرية إسلامية مترابطة متراصة متواصلة متعارفة إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق المشاركين في هذا المؤتمر لعرض الصورة الإسلامية كاملة دون إفراط أو تفريط، ودون تراجع في جانب على حساب جانب آخر. والله ولي التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. -5- الملتقى التونسي الايراني حول: الحداثة وتجديد الفكر الديني : الفرص والتحديات أقامت وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ممثلةً بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» الملتقى التونسي – الايراني الأول حول الحداثة وتجديد الفكر الديني، وكان اللقاء خطوة هامة على طريق الحوار بين النخب الفكرية الايرانية والتونسية حول مسألة هامة من مسائلنا الحضارية ترتبط بمسألة الحداثة وتجديد الفكر الديني والمشكلة القائمة بين الأصالة والمعاصرة . وفي هذا اللقاء الذي استمرّ يومين من 10 إلى 11 مايو 2005 بقصر مجمع بيت الحكمة بقرطاج، ألقى الاستاذ عبد الوهاب بوحديبة رئيس المجمع والاستاذ سيد باقر سخائي السفير الايراني بتونس كلمتين في جلسة الافتتاح كما قرئت كلمة الاستاذ محمود محمدي عراقي رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية بالجمهورية الاسلامية الايرانية . وفي الجلسة العلمية الاولى تحدث الاستاذ محمد علي آذرشب عن الفكر الديني بين التحجر والتجديد، والاستاذ منصف الجزار عن التراث وتجديد الفكر الديني الإسلامي، ثم تحدث الاستاذ أحمد جلالي عن «التجديد من مستلزمات الفكر الديني»، والاستاذ محمد الأحول عن «تجديد الفكر الديني لدى عبد العزيز الثعالبي»، والاستاذ محمد البحري عن «الجرجاوي وفرصة الخلافة». وهو مقال منشور في هذا العدد. وترأس هذه الجلسة الاستاذة زاهية جويرو. وأما الجلسة العلمية الثانية فترأسها الاستاذ محمد علي آذرشب وألقى فيها الأستاذ عبدالجبار الرفاعي عن «راهن التفكير الديني في إيران»، والأستاذة زاهية جويرو عن «من عوائق تجديد الفكر الإسلامي»، والأستاذة فاطمة طباطبائي عن «التجديد في فكر الإمام الخميني العرفاني» ودراستها منشورة في هذا العدد، والاستاذ محمد بالطيب عن «مساهمة التصوّف في تجديد الفكر الإسلامي»، والاستاذ كمال عمران عن «مدخل إلى البدعة والإبداع في الثقافة الإسلامية»، والاستاذ صادقي رشاد عن «الفقه التحديات والنواقص وضرورياته». وخطي المشاركون بالعطاء الفكريّ الثرّ لبيت الحكمة عبر الحصول على مجموعة طيبة من منشوراته، كما زاروا المراكز العلمية والثقافية في القيروان، واطّلعوا على النشاط العلمي المرموق فيها. وكان للمستشارية الثقافية الايرانية في تونس دور هام في التعاون مع بيت الحكمة لإقامة هذا اللقاء الفكري.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• اختتام الدورة الأولى لمهارات اللغة العربية
(بازدید: 1092)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر «اللغة العربية إلى أين؟»
(بازدید: 1115)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ندوة الكواكبي
(بازدید: 1008)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الحوار الإيراني العربي / في المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق
(بازدید: 2061)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• وثائق / برنامج التعاون المشترك
(بازدید: 1132)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• مؤتمر تفاعل بين الحضارات العربية – الاسلامية و الحضاراة الغربية و الدور الاسباني
(بازدید: 2114)
(نویسنده: محمد دكير)
• مؤتمر كيف نواصل مشروع حوار الحضارات
(بازدید: 2205)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر المخطوطات العربية في إيران
(بازدید: 1018)
(نویسنده: المستشارية الثقافية بدمشق)
• الاجتماع الثالث عشر لمجمع الفقه الإسلامي (الكويت)
(بازدید: 1011)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي لمؤتمر علماء الإسلام
(بازدید: 905)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المؤتمر الإعلامي الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية (طهران)
(بازدید: 1607)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر علماء الإسلام (بيروت)
(بازدید: 975)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي المؤتمر الدولي الرابع عشر للوحدة الإسلاميّة
(بازدید: 975)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي لمؤتمر الشهيد الصدر
(بازدید: 1020)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المؤتمر العالمي لدعم الانتفاضة
(بازدید: 698)
(نویسنده: آية الله السيد علي الخامنئي)
• البيان الختامي
(بازدید: 983)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت
(بازدید: 762)
(نویسنده: آية الله السيد علي الخامنئي)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت مقدمة
(بازدید: 937)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تقرير عن المؤتمر الثالث عشر للوحدة الاسلامية
(بازدید: 978)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي
(بازدید: 968)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|