الحوار الإيراني العربي / في المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق
|
ثقافتنا - العدد 7
ملتقيات
محمّد علي آذرشب
1426
تقرير ___ في دمشق أقيمت ندوة الحوار الثقافي الايراني العربي بمشاركة إيرانية وسورية. وكان من الجانب الايراني السفير محمد رضا باقري والدكتور مهدي سنائي والدكتور محمدعلي مهتدي، والدكتور صباح زنگنه، والدكتور عباس خامه يار والسيد صدر هاشمي، كما كان من الجانب السوري الدكتور علي عقله عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب، والاستاذ العلامة محمد قجه رئيس مؤسسة العاديات والدكتورة جمانة طه، والاستاذ الدكتور عبدالنبي اصطيف والدكتور عبدالرزاق الزاوي، والدكتور خلف الجراد. السفير باقري في جلسة الافتتاح أكد على ضرورة التركيز على وحدة الأمة ثقافياً، لأن الهجوم الثقافي الذي نتعرض له سوف يحطّم الثقافات الصغيرة ويذيبها، ولابدّ من ظهور الكتلة الثقافية لعالمنا الاسلامي قوية موحدة. والدكتور مهدي سنائي مساعد شؤون البحث والتدريس في رابطة الثقافة والعالم الاسلامي ركز على دور النخب والمثقفين في تجاوز الازمة الثقافية القائمة. الدكتور علي عقله عرسان استعرض المشتركات الواسعة العميقة التي تربط بين العرب والايرانيين، كما أشار إلى ما تواجهه الساحة العربية الايرانية من تحديات مشتركة تفرض عليهما تشكيل جبهة موحدة. في الجلسة العلمية الاولى، تحدث السيد صباح زنگنه من إيران عن الظروف الراهنة واقترح: 1ـ التأكيد على مكانة الإنسان في الشريعة الإسلامية . 2- الاهتمام بتنمية الطاقات البشرية باعتبارها محور كل تنيمة في المجتمع. 3- توسيع نطاق التبادل الثقافي بين إيران والعرب. 4- ضرورة الاهتمام باللغتين العربية والفارسية. 5- الاهتمام بأمر التنمية الاقتصادية وجذب النخب العلمية. * * * ونظراً لأهمية الندوة ضمن إطار اهتمامات «ثقافتنا» نقتطف من الأوراق المنشورة في الزميلة «الثقافة الإسلامية» مايلي: تحت عنوان: «الحوار الثقافي الايراني – العربي» تحدث الاستاذ العلامة محمد قجة عن «وحدة الدائرة الحضارية الايرانية العربية» في أبعادها المختلفة، ومما جاء في ورقته: «ضمت الحضارة الإسلامية خلال انتشارها الواسع لأكثر من عشرة قرون عدداً كبيراً من الشعوب في آسيا وإفريقيا وأوروبا، أسهمت كلها في إغناء مسيرة تلك الحضارة، ولكن الدور المحوري في هذا الإغناء كان لشعبين أساسيين هما العرب والإيرانيون. وقد كان دخول إيران في الإسلام حدثاً هاماً تمّ بطريقة حضارية قامت على الدعوة إلى تحرير الإنسان وتزويده بالقيم العليا والمثل الرفيعة، وليس عن طريق القوة العسكرية كما يحلو لبعض المستشرقين أن يرددوا. منذ القرن الأول للهجرة النبوية، دخلت إيران مع محطيها الواسع شرقاً وشمالاً في العملية الحضارية والثقافية التي وفرتها المظلة الإسلامية المرنة المتسامحة. وعلى الرغم من كل التبدلات السياسية، وتفاوت العلاقات مع الحكم المركزي في دمشق وبغداد، وظهور كثير من الدول المستقلة وشبه المستقلة من طاهرية وصفارية وديلمية وغزنوية وسامانية وخوارزمية وصولاً إلى الصفوية والقاجارية حتى العصر الحديث.. على الرغم من كل تلك التبدلات السياسية، فلقد ظل النتاج الثقافي والحضاري الإسلامي في إيران متميزاً وشاملاً وغنياً. وكان العمق الثقافي والعلمي بكل أبعاده الإنسانية والأكاديمية ينطلق من جوهر إيماني يتوخى رضوان الله في المقام الأول، وهذا ما جعل أكثر العلماء الذين عرفتهم ساحة الحضارة الإسلامية علماء موسوعيين يتناوب إنتاجهم بين العلوم الدينية والأدبية والفلسفية والعلوم البحتة والتطبيقية. وسوف أمثل لهذا النتاج الحضاري من خلال ثلاثة محاور (على سبيل المثال وليس الحصر). وهي أمثلة لمساهمات المدن، ثم مساهمات الأعلام والمؤلفين، ثم مثال من خلال بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب: أـ قمت بدارسة إحصائية تتبعت فيها من خلال معاجم أسماء المؤلفين، أسماء الذين ارتبطوا بمدينة أو منطقة جغرافية. ومن خلال هذه الدراسة حاولت تقصي دور بعض المدن في العملية الحضارية الواسعة عبر من حملوا أسماء تلك المدن مثل البغدادي والأصفهاني والمقدسي.. الخ. وأورد هنا جدولاً بين عدد المؤلفين الذين حملوا أسماء مدن معينة، وأكتفي بذكر المدن التي زاد عدد من ارتبط اسمهم بها على أربعين مؤلفاً وهي حسب التسلسل: 260 مؤلفاً يحملون لقب: البغدادي. 165 مؤلفاً يحمون لقب: الأصفهاني. 125 مؤلفاً يحملون لقب: الرازي أو الحلبي. 100 مؤلفاً يحملون لقب: الشيرازي – الهمذاني – الكوفي – الفاسي – النيسابوري – المقدسي – الأنصاري. 90 مؤلفاً يحملون لقب: البصري – التبريزي – الصنعاني – القزويني. 80 مؤلفاً يحملون لقب: البخاري – الطبري – الطرابلسي – الدمشقي. 70 مؤلفاً يحملون لقب: الطوسي – الكرماني – الهروي – الخراساني – الدهلوي – الزنجاني – الكاظمي – القرطبي. 60 مؤلفاً يحملون لقب: العاملي – المدني – النجفي – القمي – الفارسي – الغزي – المغربي – المصري. 40-50 مؤلفاً يحملون لقب: الخوارزمي – الجرجاني – السمرقندي – المراغي – البلخي – الأشبيلي – الغرناطي – التستري – المروزي – الاسترآبادي – الطباطبائي – المرعشي – الملكي – الموصلي – الأزدي – اليزدي – المكناسي – اللخمي. ويتضح من خلال هذا الجدول مدى التشابك والتلاحم الفكري والحضاري والإسهام الواسع لتلك الرقعة الجغرافية في ميادين التأليف بكافة أشكاله، علماً بأن هذا الجدول يضم أسماء المؤلفين باللغة العربية فحسب، فلو أضفنا إليهم من ألّف باللغة الفارسية لارتفعت الأرقام كثيراً. وهكذا نجد أن مدينة أصفهان تحتل المرتبة الثانية بعد بغداد عاصمة الخلافة الإسلاميّة لمدة خمسة قرون. وتحتل مدن أخرى في إيران وما حولها مراتب متقدمة في سلّم النتاج الحضاري الإسلامي مثل: الري وشيراز وهمدان ونيسابور وتبريز وقزوين وبخارى وطوس ودهلي وهراة.. الخ. ب – من ناحية ثانية نجد إسهامات العلماء المسلمين ذوي الأصول الإيرانية وما حولها في شتى نواحي المعرفة. من علوم قرآنية وحديث ولغة وأدب وتاريخ وجغرافية ورحلات وفلسفة ومنطق وفلك وهندسة وحساب وطب وكيمياء.. وسواها. ولسنا الآن في مجال حصر تلك الأسماء وتعدادها ويمكن ذكر أمثلة قليلة عنها كالبخاري ومسلم والترمذي والكليني والطبري ومسكويه والرازي والزمخشري وسيبويه وابن خالويه والجرجاني والخوارزمي والفيروزآبادي والثعالبي والبيضاوي والأصطخري وناصر خسرو.. وآلاف سواهم. وكل واحد من هؤلاء علم في ميدانه على مرّ العصور. ج – وتدليلاً على ذلك يمكننا إيراد مثال من هذا الحضور الثقافي الواسع في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب خلال أواسط القرن الرابع الهجري، ذلك البلاط الذي استقطب رجال الفكر من شتى أصقاع العالم الإسلامي ليجدوا في شخص سيف الدولة الحمداني رجل الثقافة والفصاحة والكرم والتشجيع. ولقد انتعشت الثقافة والعلوم في حلب وسائر بلاد الشام، وفاقت حركة الثقافة والأدب على عهد سيف الدولة نظيرتها في مصر والعراق، فصار المجتمع الثقافي والعلمي مفعماً بكل أسباب النماء العلمي والنتاج العقلي والتطور الأدبي ، ثرياً بكوكبة عظيمة من العلماء والكتاب والشعراء، العرب منهم والإيرانيين الذين اعتلى بعضهم قمة الشهرة وذروة المجد، وأغنوا التراث الإسلامي بـإسهاتهم المحمود في مسيرة الأدب العربي وتطويره. جدير بالذكر أن قباب قصر الحلبة كانت مزخرفة بأبيات مختارة لأعاظم الشعراء بأحرف فارسية بديعة مما يدل على أن الأمير العربي كان معجباً بالخطوط الفارسية. ومن أهم العوامل التي ساعدت على إثراء الثقافة الإسلامية وآدابها في حلب، اهتمام الأمير الحمداني، بالأدباء والعلماء وهو الذي تتلمذ عند أدباء كبار، ومؤلفين عظام في ذلك العصر، منهم الأديب الفارسي واللغوي ابن خالويه وأبو بكر الصولي وكانت حلب عاصمته كعبة للقصاد من الفلاسفة أمثال الفارابي المعلم الثاني، أكبر فلاسفة المسلمين الذي تخرج بتأليفه أبو علي ابن سينا. أقام الفارابي في كنف سيف الدولة لا يأخذ منه من المال إلا ما يسد رمقه وأخذ يعلم طلابه ويكتب كتبه في المنطق والإلهيات. وفي بلاط سيف الدولة: خاض ابن خالويه إلى جوار الأمير أبي فراس مناظرات نقدية اتصف بعضها بالحدة ضد المتنبي وابن جني. ويقصد عالم إيراني آخر وهو علي بن عبد العزيز الجرجاني بلاط راعي الأدب، الأمير العربي سيف الدولة، وقد تأثر الجرجاني بالبيئة الأدبية في حلب كما يخبرنا الثعالبي، واستعان الجرجاني بما أخذه من الآمدي والصولي ليؤلف كتاباً، راداً فيه الوزير البويهي الصاحب بن عباد، ومتوسطاً بين المتنبي وخصومه، فلم يرفعه إلى درجة العصمة ولم ينف عنه كل فضل، بل وضع الأشياء في نصابها. ومن الأدباء الإيرانيين الذين وفدوا إلى حلب واستوطنوها أبو الطيب اللغوي فوقف إلى جانب المتنبي وابن خالويه وأنصاره. ومن الأدباء الإيرانيين الكبار الذي وفدوا على سيف الدولة أبو علي الفارسي الذي أملى في حلب «المسائل الحلبيات» على طلبة العلم، ومنهم إمام العلوم العربية ابن جني. وقد ألّف ابن جني «اللمع في العربية» جمعه من كلام شيخه الفارسي، وأفاد في كتابه المشهور – الخصائص – من ملاحظات أستاذه الفارسي. وفي أواسط القرن الرابع غادر الأديب الإيراني أبو بكر الخوارزمي بغداد متوجهاً إلى حلب فأقام فيها وتأثر ببيئتها الثقافية كما صرَّح بذلك في قوله: «ما فتق قلبي وشحذ فهمي، وصقل ذهني وأرهف حدّ لساني، وبلغ هذا المبلغ بي إلا تلك الطرائف الشامية، واللطائف الحلبية التي علقت بحفظي، وامتزجت بأجزاء نفسي، وغصن الشباب رطيب، ورداء الحداثة قشيب». وفي بلاط الحمدانيين درس الخوارزمي شعر المتنبي واتصل بابن خالويه والشمشاطي والبكتمري، والعجلي والناشئ الأصغر، والخليع الشامي، والوأواء الدمشقي والتلعفري، والنحوي الرقي. ومن الأدباء الذين كانوا على ارتباط بالبلاط الحمداني، أبو الفرج الأصفهاني الذي أهدى كتابه المشهور – الأغاني – إلى سيف الدولة، فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه. لقد عاش الحمدانيون والإيرانيون في القرن الرابع الهجري في ظل أخوة الإسلام والتاريخ والأدب فكأن الفواصل الجغرافية واللغوية والثقافية بينهم زالت، وكأن العالم الإسلامي آنذاك صار تلك القرية الصغيرة التي نرجو الحياة فيها». «خلال أربعة عشر قرناً بقيت المساجد والحوزات العلمية الدينية والمدارس والمكتبات صروحاً للثقافة، وبقي اهتمام الإيرانيين بالعربية لغة لها مقامها الرفيع لأنها لغة القرآن وعلومه، ولم تستطع تيارات التغريب أن تحد من ذلك الاهتمام، ولم يقع الإيرانيون في فخ استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية كما فعل سواهم، لأن ذلك من شأنه أن يلغي تراثاً عمره أكثر من ألف سنة. وتحتفظ إيران اليوم بقرابة مليوني مخطوط عربي تتناول سائر العلوم والمعارف موزعة في مكتبات كثيرة وبخاصة في مشهد وقم وأصفهان وشيراز وتبريز وطهران، ولقد أدى قيام الجمهورية الإسلامية في إيران إلى استعادة دور إيران التاريخي و وزنها الحضاري والثقافي على مستوى العالم الإسلامي». «إن الحوار المطلوب عربياً وإيرانياً ليس حوار حضارات، فحضاراتنا واحدة، ورؤيتنا للكون والإنسان رؤية فلسفية وأخلاقية مشتركة. ولكن الحوار المطلوب هو توحيد الجهود حول الموضوعات المختلفة التي يمكن أن نصل من خلالها إلى نقاط مشتركة تتمثل في: أـ الاتفاق على النقاط موضوع البحث في سبيل تعميقها وتوضيحها. ب – تحديد الهدف الاستراتيجي من الحوار والخطوات المرحلية التي تؤدي إلى هذا الهدف. ج – الندية القائمة على الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة. د – الاتفاق على تقديم صورة موحدة مشتركة في إطار الحوار مع الآخر، ولاسيما الآخر صاحب الحضارة الغربية. هـ - المرونة المطلوبة في عدم فرض رأي على آخر والاستجابة إلى الوسطية في مواضع الخلاف والبعد عن مفهوم المصادرة. و – الفهم العميق والواعي لمجريات الأحداث المتسارعة من حولنا، وإدراك أننا مستهدفون ليس بوجودنا الحضاري فحسب، وإنما بوجودنا السياسي والديمغرافي، وبالتالي فإن النظرة إلينا تنطلق من كوننا فائضاً بشرياً يجب أن يخرج من التاريخ، كما أخرج الهنود الحمر قبل خمسة قرون. ز – ضرورة الربط بين العامل المحلي والإقليمي من جهة والعامل الدولي العالمي والعولمي من جهة ثانية. من خلال حوارنا الوافي الذي يجب أن يؤدي إلى الحوار مع الآخر في الحضارات العالمية المختلفة. ح – إن الربط بين الإقليمي والدولي يفضي بنا إلى نتيجة أن الرموز السياسية للحضارة الغربية تسعى اليوم إلى استكمال مشروعها الإمبراطوري في عولمة الكرة الأرضية وفق معايير الغرب وقيمه ومثله ومنظوماته الثقافية، وفرض ذلك المشروع بكافة الوسائل الإعلامية والتعليمية والسياسية.. وحتى العسكرية، ومن هنا تبدو كتابات باحثين مثل «برناردلويس» و«هنتنغتون» و«فوكوياما» وسواهم.. مقدمات للعمل السياسي الواسع الذي يستهدف العالم الإسلامي في نهاية المطاف. وهذا ما يحتم علينا أن ننطلق أولاً من توحيد رؤيتنا للعالم عبر حوار عربي إيراني مظلته تلك الحضارة المتسامحة الخلاقة التي سمونا بها لعدة قرون. ط – إن التنوع الإثني والتباين المذهبي يجب أن يصبحا من مخلفات الماضي في ضوء التسارع اللاهث لحركة العالم المعاصر.. تلك الحركة التي لن ترحمنا إذا لم نعرف كيف نقدم أنفسنا للآخرين بموضوعيّة وندّية وتسامح تواكبه قوة ذاتية نصنعها بحوارنا وتفاهمنا وإدراكنا المشتركة للتحديات التي تحدق بها». * * * وتحت عنوان: «إيران والعرب وتداعيات العولمة» تحدث الدكتور عباس خامه يار ومما جاء في ورقته: «العولمة الثقافية أو ثقافة العولمة يطلق عليها ثقافة الغالب أو ثقافة الهيمنة والتي يسميها مروجو العولمة بثقافة الانفتاح، أو ثقافة التعدد والاختلاف أو ثقافة التكيف وذلك لإقصاء عباراتٍ ومفاهيم سادت من قبل مثل الاستقلال والتحرر والوحدة والتنوع والتمسك بالثوابت ويطلقون على الثقافة التقليدية ثقافة الجمود أو الانغلاق أو الانكماش ويطلق البعض أحياناً على ثقافة العولمة مسمى ثقافة الاختراق أو ثقافة التبعية. إن أهم مميزات ثقافة العولمة هذه أنها حولت الثقافة إلى سلطة كما فعلت برأس المال تماماً بدلاً من أن تكون الثقافة وتظل منتجاً اجتماعياً يتكون من خلال البنى الاجتماعية كالعائلة أو المدرسة أو المجتمع. فالعولمة الثقافية تعتبر صدمة عنيفة لكل المجتمعات البشرية التي كانت الذاكرة لهم عنصراً أساسياً في الهوية والترابط الاجتماعي، ولا يقتصر ذلك الوضع على دول العالم الثالث وحدها، فهو ينطبق أيضاً على بلدان متقدمة للغاية على دول أوروبية أيضاً. وحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة فإن الولايات المتحدة الأمريكية تصدِّر سنوياً لأوروبا وحدها 200 ألف ساعة من البرامج التلفزيونية، وفي دراسة لليونسكو فإن بث الإنتاج الأمريكي لتلفزيونات العالم يتجاوز 75% بينما الربع الباقي بين إنتاج التلفزيون الوطني وبين الإنتاج غير الأمريكي (أوروبا وغيرها)، وتشير الإحصائيات أن القطاع السينمائي الأمريكي يمثل 85% من الإنتاج العالمي.. ومن الحقائق الموضوعية أن 88% من معطيات الإنترنت تبث بالإنجليزية مقابل 9% بالألمانية و2% بالفرنسية، مقابل 1% يوزع على اللغات الأخرى. وإن هذا الانتشار الأمريكي تلفزيونياً وسينمائياً وموسيقياً ينشر معه أنماطاً أمريكية متعددة من الألبسة والأطعمة وغيرها من السلع الأخرى وإن ذلك كله يعني التأثير الواضح للثقافة الأمريكية على العالم كله.. أما اللغة الإنجليزية فهي اللغة السائدة اليوم ويراد فرضها لغة وحيدة في نظام العولمة الجديد. إن العولمة الثقافية سائرة ومسروعة في تغييب الانتماءات الوطنية والقومية.. وستقود إلى سيطرة الثقافة الغربية ولاسيما الثقافة الأمريكية. وبعبارة واحدة إن مفهوم العولمة هو نظام يقفز على الدولة والأمة والوطن لصالح الشبكات والمؤسسات والشركات متعددة الجنسية. فهي تستهدف أساساً وقبل كل شيء التربية في العالم الإسلامي والعربي وتفرض عليها حرباً شعواء في ظل واقع حضاري ملتهب بنيران أسلحة الصراع الأيديولوجي والتطوير التقني لتضليل مشروع الانبعاث الحضاري ومحاولة تفريغ العالم الإسلامي من مضمونه والحؤول دون استقلالية المنظومات التربوية للدول الإسلامية عن المؤسسات التعليمية الغربية الساعية لفرض مناهجها دون أية مراعاة لذاتية مجتمعاتنا واحترام خصوصياتنا والاعتراف بهويتنا. فهي تسعى من خلال اختراق المنظمة التعليمية إلى تغيير اتجاهات الأفراد مما يجعل فيها تناقضات بين الأصالة والمعاصرة.. وهو ما يؤدي إلى تغيير المنظومة التربوية والتعليمية على مستوى الدول الإسلامية فثقافة العولمة وحتمياتها التقنية وهيمنتها المتواصلة تقوم على أساس صنع هويتنا الإسلامية على مبدأ «اللحاق» وأسلمة مبادئنا ومؤسساتنا وتفكيرنا باعتبار أن ثقافة العولمة ليست إلا ثقافة حتمية لابد منها ومن دون أي خيار آخر فتسير نحو التدريب الثقافي وفقدان الهوية وإشاعة الفلسفة «اللادينية» و«اللاأخلاقية». فهي بالتالي تسعى جاهدة إلى الترويج الإعلامي المستمر لمفاهيم «القرية الكونية» وثقافة العولمة والعقل العالمي إضافة إلى قضايا أفرزتها في أطر عديدة كنظرية «نهاية التاريخ» أو نظرية «صدام الحضارات». فهي برأي الخبراء والمفكرين ثقافة الجنس وثقافة الاستهلاك وإنها نسخة عن الثقافة الرومانية القديمة التي لا تبشر إلا بمزيد من الشقاء والتعاسة للبشرية المغلوب على أمرها والتبعية للصهيونية العالمية. إنها هيمنة غربية ومشروع أمريكي تحديداً يراد من خلالها فرض الهيمنة الكاملة على العالم الإسلامي». * * * والاستاذة جمانة طه قدمت ورقتها تحت عنوان: «الحوار الايراني/ ثقافة وحضارة» جاء فيها: إن من ينظر إلى خارطة الشرق الأدنى، يرى إيران تطل على الوطن العربي من شرفة خليج تتقاسم أمواهه وشواطئه مع عدد من البلاد العربية. ومن يسير في الأرض العربية أو في الأرض الإيرانية، يشعر أنه يعيش في عمق التاريخ وفي نبض الحضارة. فهناك مشتركات تاريخية ودينية وثقافية عامة، وموقع جيو سياسي وجيو استراتيجي متقارب يضع الطرفين أمام جملة من المواقف الموحدة لمواكبة مستجدات العصر وتحولاته، وفي مواجهة غزو غربي يهدف إلى القضاء على ثقافاتنا . وهذا كله يرتب علينا أن نتصدى لهذا الغزو ونتحداه بثقافة أفضل، أي بإيجاد توليفة تجمع بين المعاصرة وأصالة الحضارة والتراث. كما أن من يسير في الأرض الإيرانية أو الأرض العربية، يشعر أنه يسير في أرض واحدة بسبب تشابه الجغرافية الطبيعية والبشرية. وهنا يحضر في المقدسي البشاري الذي قال عندما سئل عن البيئة في إقليم فارس: «وجدتها أشبه الأقاليم بالشام لأنها تجمع أضداد الثمار وبها (جروم) أماكن شديدة الحر، ومعتدلات وجبال مشجرة عامرة وعسل وزيتون وبركات لم أرها بعد الشام إلا بفارس» . وهذا الوصف يردنا إلى ماذكره المتنبي في وصفه الجمال الطبيعي الخلاب الذي رآه في شعب بوان في إقليم شيراز، هذا الجمال الذي هيج في نفسه الحنين إلى دمشق وغوطتها. ويظهر أيضاً العمق الحضاري والإنساني بين الإيرانيين والعرب، في قول الإيرانيين قديماً: «در يمني پيش مني پيش مني در يمني»، أي (أنت في اليمن فأنت معي في إيران، أنت في إيران فأنت في اليمن). وبفعل التقارب السوري الإيراني، يمكننا اليوم أن نقول: أنت في سورية فأنت في إيران، أنت في إيران فأنت في سورية. من المعروف أن الشعوب عموماً، لا يستطيع بعضها الاستغناء عن الإفادة من معارف بعضها الآخر. لأن الحوار والتلاقح المعرفي بين الثقافات والآداب العالمية ضرورة إنسانية وحضارية تشجع على التجدد والتنافس وتثري الثقافة الوطنية بما هو مفيد لها. ولا شك في أن الحوار بين ثقافتين تنتميان إلى تربة حضارية واحدة هي أكثر ضرورة، فالأمتان العربية والفارسية تمثلان حضارتين عريقتين في الشرق وفي تراث الحضارة العالمية. والمجتمعات العربي والفارسي يتميزان بما فيهما من تنوع في المعارف والعلوم وتعدد في القوميات والأديان والطوائف، وكأنهما بستان يضم أنواعاً متعددة من الأشجار والفواكه والأزهار. وقد التقى هذا التنوع والتعدد والاختلاف في إطار مدرسة حضارية شكلت على امتداد القرون، تنوعاً في الثقافة والفكر وأسست لثقافة إسلامية واحدة. وساعدت في تأصيل حوار قائم على العقل والموضوعية والمحبة النابعة من الإيمان بالله وبالإنسانية، وقربت الشقة الجغرافية والفكرية والاجتماعية بين الطرفين. وقد مكّن هذا الحوار العرب والإيرانيين «من الوقوف على ٍأرضية صلبة، قد لا تتوفر لأي لقاء بين جانبين في المنظومة الإسلامية، لابل في الأسرة الدولية جمعاء» . ولابد من الإشارة إلى فضل الإسلام على بلاد فارس بعقيدة التوحيد، وإلى فضل بلاد فارس في إثراء الحضارة الإسلامية بأسماء علماء وأدباء مازالت تتردد أصداء إبداعاتهم في العقول وفي جنبات دور العلم والمعرفة حتى يومنا هذا. ولو سأل سائل: من هم البناة الأول لصرح الحضارة الإسلامية، العرب أم الإيرانيون؟ سيرد المتعصبون قومياً من كل جانب، الفضل لأمتهم في بناء تلك الحضارة. ولكن النظرة العلمية الموضوعية تضع الأمور في نصابها، وتؤكد دور الطرفين في تشييدها. فإذا كان العرب السداة في نسج صرح الحضارة الإسلامية، فالإيرانيون هم اللحمة في تمتين خيوطها وتلألئها. وهذا كله يعود «إلى الإسلام نفسه، لا إلى أي قومية من القوميات. فهو مصدر الحضارة التي صارت تدعى بالحضارة الإسلامية، وهو الذي أوجد تفاعلاً بين الإيرانيين والعرب، أدى إلى النماء الحضاري والرشد الفكري والنضج الثقافي» . مع أن الفقهاء والمفكرين في تلك المرحلة الزاهرة لم يكونوا متحدين في مواقفهم، ولم يتفقوا على جميع الآراء. ومن المواقف التي يظهر فيها الاختلاف في الرأي والموقف، ما كان بين الإيراني أبي حنيفة والعربي مالك بن أنس، ففي حين يفضل أبو حنيفة الجنس العربي ولا يجيز زواج العربي من إيرانية، يرفض العربي مالك بن أنس هذه الفتوى ويرى عدم وجود تفاضل بين الشعبين. وهذا الاختلاف في الموقف والرؤية هو من مقومات العقل الإنساني، ومن أسباب تقدم الفكر وسلامته. إن أول خطوة من خطوات الالتقاء بين الحضارتين، كانت خطوة لغوية ابتدأت قبل ظهور الإسلام واستمرت بعده. فالعلاقات الإنسانية بين الأمم والشعوب تفرض أن تستفيد بعض الأمم من لغات بعضها الآخر. وترد هذه الاستفادة «إلى الحاجة أولا، وإلى الإعجاب ثانياً» . «فالتأثر والتأثير بين اللغات، في رأي الدكتور صبحي الصالح، قانون اجتماعي إنساني. وإن اقتراض بعض اللغات من بعضها الآخر، ظاهرة إنسانية أقام عليها فقهاء اللغة المحدثون أدلة لا تحصى» . وكان للتجاور الجغرافي بين العرب والفرس، دور في دخول العديد من الألفاظ الفارسية إلى اللغة العربية ودخول العديد من الألفاظ العربية إلى اللغة الفارسية، إلى جانب استخدام الخط العربي والحروف العربية في الكتابة. لقد استوعبت اللغة العربية كثيراً من الألفاظ الفارسية، تم تعريب بعضها لتشابه اللفظ العربي وزناً وخصائص، وبقي بعضها على حاله. ومن الألفاظ المعربة التي وردت في القرآن الكريم: سندس وإستبرق ومرجان وسجل وسرادق وسواها.يقول الأزهري في كتاب التهذيب: «ومن كلام الفرس مالا يحصى مما قد عربته العرب» . ويقول «أدى شير» في معجم الألفاظ الفارسية المعربة: «إن اللغة التي حازت قصب السبق في إعارتها اللغة العربية ألفاظاً كثيرة، هي الفارسية» . ولا يخفى أن بعض الشعراء العرب الكبار أدخلوا في شعرهم ألفاظاً فارسية، ومنهم المتنبي الذي ذكر الشارحون لشعره عشرات منها. وأظن أن استخدام المتنبي وسواه، الكلمات الفارسية في شعرهم لا يعود لعجز في اللغة العربية وإنما يؤكد «صلة التعاون وصلة التبادل وصلة الاقتباس» . ومن مظاهر الحوار الثقافي بين العرب والإيرانيين، اهتمام العلماء الأوائل من العرب بالتاريخ والآداب الفارسية القديمة مثل، المسعودي في مروج الذهب والطبري في تاريخ الرسل والملوك الذي ذكر فيه تاريخ الفرس في أيام الساسانيين. واهتمام الأوائل من علماء الفرس وأدبائهم بتاريخ العرب ولغتهم، حيث جمعوا ثقافة العرب والعجم وجعلوا من إيران موطناً للأدب العربي منذ دخولهم الإسلام. وعندما كانت الدولة الإسلامية تمتد في أراض شاسعة، يسير فيها المسلم بلا جواز سفر أو تأشيرة دخول أو خروج، شهدت بلاد الشام تبادلاً ثقافياً مهماً بينها وبين بلاد فارس، تجلّى في رحلتين متبادلتين قام بها إلى بلاد فارس في القرن السادس الهجري الشامي الدمشقي ابن عساكر، والسمعاني الخراساني. فقدرحل ابن عساكر إلى خراسان في إيران عن طريق أذربيجان.. سعياً إلى لقاء أپي عبدالله الفراوي في نيسابور للإفادة من علمه وفضله. يقول ابن عساكر عن الشيخ الفراوي: «كان مكرماً لموردي عليه، عارفاً بحق قصدي إليه. ومرض مرضة في مدة مقامي عنده نهاه الطبيب عن التمكين من القراءة عليه فيها، وعرفه أن ذلك ربما كان سبباً لزيادة تألمه، فقال لا أستجيز أن أمنعهم من القراءة، وربما أكون قد حبست في الدنيا لأجلهم. فكنت أقرأ عليه في حالة مرضه، وهوملقى على فراشه، ثم عوفي من تلك المرضة» . وقد ذكر في كتاب «معجم شيوخ ابن عساكر» أسماء شيوخه الذين قرأ عليهم، وأسماء المشايخ الذين أجازوه في رحلته إلى خراسان. وسجل في معجم خاص أسماء القرى والأمصار التي رآها أو سمع بها، وهو معجم هام يمد الدارس بأمور كثيرة، وفوائد جغرافية أكيدة، منها: العدد الصحيح للقرى التي قرأ بها ابن عساكر، واللفظ الصحيح لأسماء هذه القرى، وأسماء الكتب والأجزاء التي قرأها ابن عساكر. ورحل السمعاني الخراساني إلى بلاد الشام في رحلة استمرت حوالي تسع سنوات زار خلالها بيت المقدس وعكا وعسقلان والرملة، وعدداً من المدن المهمة في سورية مثل: دمشق والرقة ومعرة النعمان وحلب وحمص، وقرأ على عدد من المشايخ الدمشقيين. من هاتين الرحلتين نستدل على أن الثقافة الإسلامية كانت واحدة في بلاد المسلمين، وقد وحّدت مشاعر الناس وأفكارهم وثقافاتهم. وجدير بالذكر أن الشاعر والمفكر الإنساني سعدي الشيرازي، عاش في بلاد الشام واختلف إلى علمائها ووعظ في مساجدها. وفي معرض حديثنا عن التأثير المتبادل بين الثقافتين، لابد من أن نذكر ابن المقفع الذي «حمل إلى العربية أروع ما انتجته العبقرية الفارسية قبل الإسلام، فترجم منه ما اتصل بالأخلاق، وما اتصل بتاريخ الساسانيين ومن سبقوهم من ملوك إيران، وكذلك ما اتصل بأنظمة ملكهم وحكمهم للرعية . ولم يكتف بذلك بل نقل أيضاً أجزاء من منطق أرسطو، كما نقل قصص كليلة ودمنة الشهيرة التي نقلت عن ترجمته إلى السريانية والعبرانية واليونانية والفارسية الحديثة، وإلى اللغات الأوروبية» . * * * والمفكر الاعلامي الدكتور خلف الجراد تناول الابعاد الثقافية لمشروع الشرق الاوسط الكبير، وجاء فيها: «غني عن القول: إنّ أساليب الشجب والاستنكار والرفض الكلامي لن توقف هذه الاستراتيجية، بل المطلوب قبل كل شيء دراسة مرتكزاتها ومنطلقاتها و«المبادرات» المكملة لها، أو المنفذة لأهدافها لمعرفة عناصرها البنيوية ونقاط قوتها وضعفها ، ومن ثم المباشرة بوضع استراتيجية عملية بديلة، من شأنها القيام بإصلاحات ذاتية شاملة، وبالنهوض المجتمعي .. الذي يمكن أن يحوّل «الشرق الأوسط الكبير» إلى درع حضاري صلب، وليس إلى جسد جغرافي – بشري، شديد الهشاشة والضعف، والقابلية للاختراق والتحطيم والتمزيق. ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى أن مواجهة المشروع الثقافي للشرق الأوسط الكبير يمكن أن تقوم على مجموعة من المرتكزات الثقافية وفي مقدمتها: 1ـ تشجيع مؤسسات البحث العلمي ودعمها حكومياً وأهلياً. 2- تشجيع الاستمرار في تجديد الخطاب الديني سعياً إلى تجسيد الطابع الحضاري التنويري، وفتح أبواب الاجتهاد على مصراعيها، بما يعزز الاتجاه التسامحي والفهم الصحيح لقضايا العصر ومتطلباته. 3- تجديد الخطاب الثقافي وتخليصه من الرواسب المعوقة لتقبل الاختلاف والحوار المتوازن. وإصلاح المؤسسات الثقافية القائمة وتفعيلها ودعمها مادياً ومعنوياً. 4- الحد من أشكال الرقابة على النشاط الفكري والثقافي بما يدعم حرية الفكر والإبداع، بعيداً عن وصاية أي جهة أو فئة تحت أي عنوان أو اسم. 5- تشجيع التفاعل الثقافي بين ثقافات العالم العربي والإسلامي، والبحث عن آليات عملية لمواجهة الهجمة المعادية بأساليب حضارية وعلمية ملائمة. 6- تنشيط مؤسسات الترجمة الحكومية والأهلية، وتنسيق اختياراتها في العالم الإسلامي، بحيث تترجم إلى اللغات العالمية الحية أفضل الأعمال وأنجعها. 7- أخذ زمام المبادرة في المجالات والميادين الثقافية المختلفة، دون انتظار مبادرات الآخرين ومشاريعهم المشبوهة. الأمر الذي يعني وضع أسس ومرتكزات حقيقية للدراسات المستقبلية، الغائبة – للأسف – في فضائنا العربي – الإسلامي. إذ إنّ غياب الدراسات المستقبلية يعني أننا سنظل أسرى ردود الفعل العاطفية، التي سرعان ما تخمد ليحلّ محلّها الاستكانة والتكيف السلبي والاستسلام لإرادات الآخرين ومصالحهم وأهدافهم». * * * ومفكر إعلامي آخر ولكن من فلسطين هو الدكتور فضل شرورو تناول التحديات التي تواجه المنطقة، ودور العلاقات الثقافية الايرانية العربية في مواجهتها، ومما جاء فيها: «قد يكون مرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، من الأوائل الذين تنبهوا لخطورة الغزو الثقافي، في عصر العولمة، هذا العصر الذي يلجأ إلى بسط هيمنة الأقوى، ونظامه، إلى استخدام «القوة» في شقيها.. «القوة الكاسحة» أو المفرطة والمتمثلة بالضربات العسكرية الماحقة ، وبإتباع أسلوب الغزو الاستباقي لأسباب يستطيع تركيبها وتفكيكها حيث يشاء وكيف شاء. واستخدام «القوة الناعمة» المتمثلة باستخدام الضخ الإعلامي من قبل المؤسسات الإعلامية العملاقة الضخمة للتبشير بأسلوب حياة الأقوى، وبضرورة امتثال الشعوب الأخرى لهذا الأسلوب. إن ما يهدد الثقافات الوطنية، عامة هو هذه القوة الناعمة المتمثلة بالإعلام المبرمج.. بدلاً من أن يكون الإعلام وليد الثقافة، فقد عمد إعلام العولمة على الاستحواذ على مساحة الثقافة وطوعها لخدمة التبشير، أو فرض ثقافة الأقوى، في الاقتصاد، في المأكل، في الملبس، وفي اللغة، كما في محاولة تطويع الأديان.. إنهم يتدخلون في مناهج التعليم لتغييرها بحجة «تطويرها» ولتطويعها حسب مناهجهم، بحجة تماشيها مع العصر. إنهم يتدخلون ويوقفون «الزكاة» فريضة دينية ، ويتدخلون في جباياتها، كما في أوجه إنفاقها ويتحرون عن المستفيد النهائي منها.. إنهم ، يغلقون المعاهد الدينية، ويتجسسون على طلبتها وجنسياتهم، وعلى مناهج دراساتهم، ويرحلونهم، بعد أن يسدوا أبواب العلم في وجوههم. كل ذلك، في محاولة لتغييب الهوية، هوية الإسلام عامة، والهويات الوطنية التي يراد لها أن تكون مقلدة لهوية الأقوى، أو المهيمن على مقدرات العالم. هذه المحاربة للهوية ، التي يتصدر الغزو الثقافي الصفوف، في محاولة طمسها، ويواصل إعلام العولمة، قصف الهوية الخصوصية للإسلام، في منطقتنا أولاً، وفي كل مكان في العالم ثانياً.. هي التحدي الأكبر الذي تواجهه الثقافة الإيرانية – العربية وهي، أي محاربة الهوية عبر الغزو الثقافي وإعلام العولمة.. يهدف في الأساس، إلى زعزعة وعينا لذاتنا.. ومدى إدراك قوانا الكامنة وقدرتنا في الدفاع عن هويتنا، وعن ثقافاتنا، وعن حضارتنا.. وفي الإسهام بحضارة العالم». «يرجع بعض المثقفين . أسباب قوة الاستكبار وفي طليعته الولايات المتحدة الأمريكية.. إلى امتلاك الاستكبار لثلاثة منتهيات: ـ منتهى الصغر: وهو المتمثل بعلم الذرة، أو العلوم النووية. والحرص على احتكاره، ومنع الشعوب الأخرى من حق المعرفة، حتى في استخداماته الإنسانية، لأن امتلاك هذا العلم واحتكاره أحد أسباب اختلال موازين القوة في أوجهها المتعددة الاجتماعية والثقافية. ـ منتهى الكبر: علوم الفضاء والسيطرة على الكون.. وحرب النجوم والسيطرة على الكواكب الأخرى.. وهو امتداد الاستكبار نحو الكونية لا تمتلكه الأمم الأخرى، ولا تستفيد من علومه التي لها تطبيقاتها على الأرض.. من مكتشفات باطنية، أو ثروات باطنية، ماء، نفط، معادن.. هذا غير القدرة على التجسس على أمم الأرض جميعاً.. ـ منتهى مركب: ويتمثل بعلوم التقانة العالية، التكنولوجيا أو (H.T) التي تمنع عن الشعوب، ويستثنى من المنع، المحظيون (العدو الصهيوني يدخل الصين العملاقة عن هذا الطريق، ويتعاون مع الهند عن هذا الطريق) وهو علم محتكر، تحرم الأمم من امتلاكه أو التوصل إليه، ويمنع تصديره لمعظم الدول ويمنع تدريسه لأبناء معظم الدول، لأنه يضمن السيطرة لدول الاستكبار، ويضمن للأقوى المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، ميزة التفوق، حتى ضمن حلقة الاستكبار ذاتها.. إن الارتقاء بأمتنا، هو أهم مهمة يمكن أن تجابه المثقفين الإيرانيين والعرب، ونعرف أن التقانة الإيرانية قد خطت خطوات جيدة وثابتة في علم الذرة وكذلك التكنولوجيا ونعرف أن الهجمة الأمريكية – الأوربية على هذه الخطوات قد بلغت حد التهديد المباشر. لكننا لازلنا في بداية الطريق للارتقاء بأمتنا.. فلا طريق آخر للتماهي مع العصر.. حيث معظم حاجاتنا مستوردة.. من أسلحتنا، حتى مختبرات جامعاتنا.. رغم أن مسحاً دقيقاً، للعلماء الذين يعملون لدى دوائر الاستكبار في هذه المجالات، يفيد بأن أكثرهم عقول مهاجرة لسبب أو لآخر.. حيث يمكن لتحسين ظروف العيش، أن نستقطبها من جديد.. فضلاً عن إفساح المجال لعلماء الداخل، الذين لا يجدون المناخات الملائمة للإبداع ووضع بنية حقيقة للارتقاء بأمتنا. عندما كان الإسلام في عصره الذهبي، لم يحتكر علماً، ولم يمنع إنساناً من الاستفادة منه.. في شتى مجالات العلوم الإنسانية والفلكية والطب والرياضيات، بل إن أساس عمل الحاسوب كله.. كان اعتماداً على الخوارزمي ، وإيجاده الـ (0) الصفر الذي اعتمدت عليه صناعات التقانة وما تلاها من متناهيات.. إن العلاقات الثقافية الإيرانية – العربية، لا تندرج تحت عنوان «الفن للفن» أو العلاقة للتباهي بهذه العلاقة.. إنما هي علاقة تمتلك رسالة، وتتوجه إلى هدف، تمتلك رسالة إعادة عصر النهضة الإسلامية، وتتوجه إلى هدف مواجهة التحديات التي هي في الأساس، مجموعة دفاعات عن النفس.. لأن السهو عن هذا يجعلنا عرضة للغزو الثقافي، وتصفية القضية الفلسطينية، وسلب الإرادة، والخضوع لمخططات الضم والسيطرة، ومن ثم البقاء في قاع الحاجة لقوى الاستكبار.. وأخيراً.. إننا نتوجه من خلال هذه الندوة لإحياء اقتراح قديم – جديد يتلخص بالآتي: في عام ألفين وجهت الدعوة إلينا بمناسبة افتتاح معرض الكتاب الدولي في طهران.. لإلقاء محاضرات ضمن فعاليات المعرض.. يومها بلورنا اقتراحاً مفاده أن نتوجه، بجدية خالصة.. بالدعوة لتنشيط الترجمة من الفارسية للعربية ومن العربية للفارسية، فهذا أهم حبل سري يمكن أن يكون له المردود الشعبي المؤثر والهام لتكون العلاقة ليست بين رسميين أو نخبويين فحسب.. بل تتفشى بين الناس كل الناس في إيران، وفي دنيا العرب.. الآن. أنا بصدد إنجاز مشروع دراسة متكامل، حول تنشيط الترجمة، وبمجهود شخصي، أرجو أن يلقى دعم المعنيين. لأنه أحد أهم محاور المواجهة». * * * وأستاذ الأدب المقارن في جامعة دمشق الاستاذ الدكتور عبدالنبي اصطيف ركز على العولمة ومشروع الشرق الاوسط الكبير، ومما جاء في ورقته: «والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هوما موقف كل من سورية وايران، إذ تقفان في الخندق الأول في معركة المواجهة مع سادة النظام العالمي الجديد، من هذه العولمة، ومن ذلك المشروع؟ ليس على المرء أن يفكر طويلاً حتى يتبين أن كلاً من سورية وإيران: • بلد ذو ماض عريق يمتد إلى آلاف السنين. • بلد نام يسعى بكل ما يستطيعه إلى تنمية موارده والارتقاء بمجتمعه. • بلد مسلم تغلب عليه الثقافة الإسلامية. • بلد عانى من التجربة الاستعمارية على نحو ما. • بلد يقيم، بسبب من موقعه الاستراتيجي الحيوي، صلات متنوعة بالغرب والشرق معاً، تشمل: الصلات السياسية والعسكرية والاقتصادية. وكذلك فإنهما يشتركان في الموروث الإسلامي: تاريخاً وعقيدةً وثقافة وفناً وأدباً. والأهم من ذلك كله أنهما عاشا تجربة العولمة الإسلامية بكل أبعادها ، حيث تكافؤ الفرص، وانعدام التمييز، وحيث العمل وحده، أو التقوى ما يرفع ويخفض. ومعنى هذا أن ثمة قاعدة واسعة تجمع بين كل من سورية وإيران يمكن أن ينهض فوقها بناء شامخ من التعاون الاستراتيجي الذي ينطلق من الماضي ليرسم مستقبلاً واعداً لكل من شعبي البلدين، متبصراً بواقع الحاضر الخطير الذي يملي مختلف جوانب هذا التعاون. وأول ما يمليه الواقع الراهن على كل من الدولتين الانصراف انصرافاً جاداً لبناء الذات من الناحية المادية والمعنوية. ومن الطبيعي أن يتطلب بناء الذات من الناحية المادية إعادة النظر جذرياً في طريقة الحياة وأسلوب العيش اللذين يسودان مجتمعي البلدين، واللذين لا ينسجمان مع طموحات الأمة، في بناء قاعدة متينة للصمود في وجه عدو شرس لا يتواني عن استخدام أي سلاح في سبيل إضعاف أية مقاومة لمخططاته التي يرسمها ليس للمنطقة وحدها بل للعالم الإسلامي كله. ومعنى هذا أن على المجتمعين أن ينصرفا إلى الإنتاج أكثر مما ينصرفان إلى الاستهلاك كما هو حالهما الآن، وأن يوظفا الفائض في بناء ما يحتاجانه حاضراً ومستقبلاً حتى يقلّصا إلى أبعد حد من مستوى اعتمادهما على «الآخر» وبالتالي يقللان من خطر ارتهان أي وجه من وجوه تنمية مجتمعيهما لإرادة هذا الآخر الذي لا يرضى بغير الاستسلام لهذه الإرادة والانقياد لكل ما تمليه. أما بناء الذات معنوياً فلا يكون إلا بإعادة النظر وعلى نحو جذري بالنظامين التربوي والتعليمي اللذين يسودان في كلا البلدين حتى يستطيع كل منهما بناء الثروة البشرية التي يغتني بها الوطن أولاً، ثم تغتني بغناه وليس العكس، وربما كان من أهم ما ينبغي التنبه إليه في هذه المرحلة مقدار ما يقدمه المواطن لوطنه وليس ما يأخذه المواطن من هذا الوطن. إن علينا أن نرفع شعاراً يفضي إلى تغيير الهرمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مجتمعينا، وذلك بإفساح مركز للمواطن يتناسب مع ما يقدمه لوطنه، وبعبارة أخرى إن منزلة المواطن ينبغي أن تتحدد بمقدار عطائه لوطنه وليس بمحددات أخرى كالسلطان والنفوذ والقوة الاقتصادية أو الانتماءات الضيقة التي تضعف قوة النسيج الاجتماعي للوطن وتماسكه. وغنية عن البيان الإشارة إلى المعين الأكبر الذي يمكن أن ينهل منه هذا النظام ولا سيما في مجال القيم الأخلاقية والوطنية والاجتماعية وهو الدين الإسلامي الذي بعث نبيه محمد(ص) رحمة للعالمين، ومتمماً لمكارم الأخلاق. وثاني ما ينبغي عمله مما يمليه هذا الواقع الراهن الصعب والمعقد هو السعي المخلص والجادّ والمثابر لتعزيز لحمة التضامن العربي والإسلامي. إن على كل من سورية وإيران أن تعملا بجد ونشاط على توحيد الطاقات العربية والإسلامية على مختلف المستويات وبخاصة على المستوى الأهلي، لأن وطناً عربياً موحداً يشكل عمقاً استراتيجياً للعالم الإسلامي، كما أن عالماً إسلامياً متماسكاً يمكن أن يكون عمقاً استراتيجياً للوطن العربي بأسره. والحقيقة أن «مشروع الشرق الأوسط الكبير» أو «الأكبر» والذي هو في الواقع ليس غير مصطلح «حركي» يقصد به الغرب «العالم الإسلامي» ينبغي أن يتحوّل، بالإرادة المسلحة بالإيمان والعزيمة والعمل، من دريئة لتلقي هجمات الغرب التي تستهدف الإمعان في تجزئته وتفتيته وإضعافه ثم سلب إرادته وتسخيرها لخدمة مصالحه، إلى بؤرة تستقطب مختلف الطاقات العربية والإسلامية من خلال تنمية عناصر التضامن والوحدة في المجتمعات العربية والاسلاميّة، وذلك بالإلحاح على ما يجمع بينها من عقيدة واحدة وقيم مشتركة وتاريخ مشترك، فضلاً عما ينتظرها من مصير مشترك، وتوظيف كل ذلك في الارتقاء بمستوى العلاقات بين هذه المجتمعات على نحو يخدم مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية ويكفل صمودها في وجه الغرب الزاحف كالجراد تحت غطاء العولمة والنظام العالمي الجديد. وباختصار شديد إن علىسورية وإيران أن تكونا طليعة الأمة في التبشير برؤية كهذه، والعمل على تجسيدها من خلال السعي الجاد والمخلص والدؤوب. وإذا كانت رياح التغيير اليوم تهب من الغرب على نحو يذكّر برياح السموم فإن علينا أن نقاومها برياح التغيير الذي يرضاه خالقنا حتى يغيّر ما بنا من ذل وهوان وضياع. وإذا ما شفعنا أقوالنا بالعمل، ونوايانا بالتنفيذ، وطموحاتنا بالتضحية، وتطلعاتنا بالإيمان، فإننا لا محالة بالغون شاطئ الأمان، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وإن غداً لمن يعمل له لقريب».
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• اختتام الدورة الأولى لمهارات اللغة العربية
(بازدید: 1092)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر «اللغة العربية إلى أين؟»
(بازدید: 1115)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ندوة الكواكبي
(بازدید: 1008)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الاجتماع الرابع عشر للجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك في منظمة المؤتمر الاسلامي
(بازدید: 1120)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• وثائق / برنامج التعاون المشترك
(بازدید: 1132)
(نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• مؤتمر تفاعل بين الحضارات العربية – الاسلامية و الحضاراة الغربية و الدور الاسباني
(بازدید: 2114)
(نویسنده: محمد دكير)
• مؤتمر كيف نواصل مشروع حوار الحضارات
(بازدید: 2205)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر المخطوطات العربية في إيران
(بازدید: 1018)
(نویسنده: المستشارية الثقافية بدمشق)
• الاجتماع الثالث عشر لمجمع الفقه الإسلامي (الكويت)
(بازدید: 1011)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي لمؤتمر علماء الإسلام
(بازدید: 905)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المؤتمر الإعلامي الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية (طهران)
(بازدید: 1607)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مؤتمر علماء الإسلام (بيروت)
(بازدید: 975)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي المؤتمر الدولي الرابع عشر للوحدة الإسلاميّة
(بازدید: 975)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي لمؤتمر الشهيد الصدر
(بازدید: 1020)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المؤتمر العالمي لدعم الانتفاضة
(بازدید: 698)
(نویسنده: آية الله السيد علي الخامنئي)
• البيان الختامي
(بازدید: 983)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت
(بازدید: 762)
(نویسنده: آية الله السيد علي الخامنئي)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت مقدمة
(بازدید: 937)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تقرير عن المؤتمر الثالث عشر للوحدة الاسلامية
(بازدید: 978)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• البيان الختامي
(بازدید: 968)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|