العلاقات الايرانية المصرية - رؤية حضارية
|
ثقافتنا - العدد ٢
أوضاع المسلمين
محمّد علي آذرشب
1425
حدث أخيراً انفراج في العلاقات الايرانية المصرية، وهو ما أثلج صدور كل المهتمين بالمستقبل الحضاري لهذه الأمة. بداية لابدّ أن نقول إن الحديث عن العلاقات بين البلدان الاسلامية أصبح يعني مع الأسف العلاقات السياسية لا غير، كما أن العلاقات السياسية اختزلت في مفهوم المصالح الآنية القصيرة المدى، واختزلت اكثر لتعني مصالح أجهزة الحكم، وهذا تسطيح لواقع العلاقات بين بلدان العالم الاسلامي، وتغييب لجذور حضارية تربط بين أبناء الأمة، وإغضاء عن واقع تعيشه كلّ الأمة مترابطة وعن مستقبل ينتظرنا جميعا دون استثناء. إذا كانت كل البلدان الاسلاميّة تشترك في دائرة حضارية واحدة فان بين مصر وايران خصوصية في هذا الاشتراك تعود الى أقدم العصور. قبل الاسلام كانت هذه العلاقات في إطار فتوحات التوسّع، غير أنها مع كل سلبياتها ربطت ايران بمصر منذ عهد قمبيز عام ٥٢٦ قبل الميلاد، ولذلك نرى تشابهاً بين عمارة برسبوليس بأرض فارس والكرنك في مدينة الاقصر، كما أن بعض العادات الفارسية القديمة لاتزال مشهودة في مصر حتى يومنا هذا [١]. وبعد الاسلام فتحت مصر بيد الجيوش الاسلامية، وكان فيها إيرانيون أسلموا في اليمن وشاركوا في هذا الفتح، وسكن بعضهم هناك. وطارد الخراسانيون آخر خليفة أموي هو مروان بن محمد ولاحقوه الى مصر، وسكن منهم جماعة هناك. ثم تولى شؤون مصر بعض الولاة الايرانيين كأبي عون بن يزيد وهرثمة بن أيمن [٢]. وفي العصر الفاطمي اتسعت العلاقات بين إيران ومصر وتواصلت في العهد السلجوقي، وظهرت آثارها في كتب ناصرخسرو: سفرنامه، وزاد المسافرين، ووجه دين، كما ظهرت في أشعاره. ولم تنقطع العلاقات بين البلدين حتى في أحلك الظروف حيث النزاع الصفوي العثماني، بل استمرّ التواصل، نذكر على سبيل المثال زيارة العالم الأديب بهاء الدين العاملي، وهو من رجال التواصل الايراني العربي، مصر عام ٩٢٢هـ. وكان لها الأثر فيما كتبه بعد ذلك خاصة في الكشكول والمخلاة. وكانت إقامة السيد جمال الدين الاسد آبادي المعروف بالافغاني بمصر في العهد القاجاري بداية ارتباط هام بين البلدين في إطار عودة الروح الى العالم الاسلامي. لقد وجد السيد جمال الدين في مصر المرتع الصالح لدعوته الإحيائية، ونشط في هذا المجال وكان تأثيره الأكبر على مصر وايران، حيث أسّس مشروع النهضة المعاصرة في كلا البلدين. وممن رأى في مصر مرتعاً صالحاً للنشاط العلمي الثقافي إيراني آخر هو الشيخ محمد تقي القمي، فمنها بدأ دعوته الى التقريب بين المذاهب الاسلامية، وأسس فيها بالتعاون مع كبار علماء الازهر دار التقريب بين المذاهب الاسلاميّة، وكان لها الاثر الكبير في التخفيف من حدة النزاع الطائفي بين المسلمين [٣]. إن العالم الاسلامي إذ يواجه اليوم تحدياً لوجوده وتهديداً لهويته يرى في زوال موانع اللقاء المصري الايراني بارقة أمل ترفع من قدرة البلدين بل من قدرة العالم الاسلامي على مواجهة التحديات. الهوامش: ١ - جوانب من الصلات الثقافية بين مصر وايران، القاهرة، ١٩٧٥ ص ٦٦. ٢ - نفس المصدر، ٦٧. ٣ - انظر: ملف التقريب د. محمد علي آذرشب المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• قضية الحـجـاب في فرنسا
(بازدید: 2067)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الحوزة الإيرانية في القرن الماضي
(بازدید: 1334)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الاقليات المسلمة في الغرب
(بازدید: 1891)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
|