قضية الحـجـاب في فرنسا
|
ثقافتنا - العدد ٢
أوضاع المسلمين
محمّد علي آذرشب
1425
مرة أخرى تصدرت هذه القضية اهتمامات الساحة الثقافية العالمية عامة والاسلامية خاصة، بعد أن أقرّ البرلمان الفرنسي لائحة منع حجاب الفتيات المسلمات في المدارس الحكومية الفرنسية. الدليل الذي يستند اليه هذا المنع هو مبدأ العلمانية الذي قررته فرنسا في دستور ١٩٤٦ ثم في دستور ١٩٥٨ باعتباره ركيزة الديمقراطية والنظام السياسي الفرنسي. والواقع أن النموذج العلماني الفرنسي الذي تبلورت أبعاده السياسية منذ عام ١٩٠٥ استهدف الفصل بين المؤسسات العامة (المدارس والهيئات الحكومية) وبين الدين بكافة مظاهره الثقافية. وحدثت على أثر ذلك معركة مع الكنيسة الكاثوليكية تخللها كثير من الاحتقانات والمصادمات الفكرية والسياسية العنيفة طوال النصف الاول من القرن العشرين. غير أن الموقف الفرنسي من الحجاب أثار تساؤلات على مستويين: الاول: يرتبط بطبيعة العلمانية الفرنسية ومدى ما تحمله من قيم إنسانية حقيقية. الثاني: يدور حول ما إذا كان هذا الموقف يأتي ضمن الموقف الغربي من الاسلام. بشأن طبيعة العلمانية الفرنسية، فهل هذه العلمانية تقضي مصادرة الحريات وفرض نمط معيشيّ واحد، وتأميم القناعات الثقافية التي يؤمن بها الأفراد لصالح نموذج قيمي واحد؟ إن فرنسا في هذه الحالة تبدو أقلّ تسامحا من البلدان العلمانية التي أعطت مشروعية للتعبير الثقافي المستقل للتجمعات الدينية والعرقية. يقول الدكتور عمر شويكي عضو الجمعية الفرنسية لدراسات العالم العربي والاسلامي معلقا على قضية منع الحجاب في المدارس الفرنسية: «يمكن القول بأن النموذج الفرنسي شيّد نظاماً علمانياً صارماً، بدا في كثير من الأحيان عاجزا عن التطور والانفتاح على الواقع الجديد، سواء في داخل فرنسا أو خارجها، وخلط بين قيمة المدنية والديمقراطية العريقة والانسانية وبين الميل نحو تقديس نصوص علمانية بدا أن استمرارها يحتاج الى قوانين جبرية تقيد من الحرية الفردية للافراد التي هي جوهر أي نظام ديمقراطي، وتقارنه بعلمانية يحرسها الجيش في تركيا، أو الشمولية في تونس (اسلام اون لاين / ٢٩ – ١٢ – ٢٠٠٣). المتوقع من النموذج الفرنسي أن يكون أكثر انفتاحاً من منافسه الانجلوسكسوني، لكنه بدا متخلفاً عنه في هذا الموقف. والواقع أن المحجبات في فرنسا يمثلن قمة الوجه الايجابي للمواطن الذي يصون نفسه ويصون المجتمع من الجريمة والمخدرات، كما أن دخولهن المدارس الحكومية الفرنسية يعني وجود القناعة لديهنّ بأن الاندماج مع المجتمع الفرنسي لا يعني التخلي عن قناعتهنّ الثقافية الخاصة. وأما المستوى الثاني من التساؤلات التي أثيرت حول الموقف الفرنسي من الحجاب فيأتي من الاثارات الاعلامية الفرنسية التي دخلت في حرب مع «الفتيات المحجبات»، فقد سعت للربط بين هذه الظاهرة وظاهرة طالبان والقاعدة، مما يوحي بأنها تندرج ضمن الحملة الثقافية الواسعة التي تشن اليوم على الثقافة الاسلامية باسم مكافحة الارهاب، ولا يخفى ما تسببه هذه الحملة من خوف وذعر للمسلمين في الغرب. وشكك بعض الباحثين في إمكان تطبيق قانون يمنع حجاب الفتيات المسلمات في فرنسا. فقد جاء في مقال افتتاحي لصحيفة «لوفيجارو» بقلم دانييل أمسون أستاذ بكلية الحقوق في جامعة ليل ٢ الفرنسية: إن وضع تشريع يمنع الحجاب الاسلامي عمل غير مبرّر لثلاثة أسباب: الاول – إن قانون منع أية علامة دينية مميزة في المؤسسات العامة للدولة ينص على أن تطبيق هذا القانون يجب أن لاينال من كرامة الطالب ولا يعوق سير الانشطة التعليمية، ولا يبلبل النظام في المؤسسة أو السير الطبيعي للخدمة العامة. لكن منع الحجاب سيسبب حتما اضطرابات في نظام المؤسسة التعليمية ويعيق أنشطة الطالبات. الثاني: ماهو شكل اللباس الذي يسمى حجاباً وماهي حدوده؟ فلا يوجد معيار موضوعي لتحديد علامة الحجاب. والقانون المذكور لم يشر الى نوع اللباس الذي يمكن اعتباره علامة دينية ظاهرة. وتحديد هذا النوع أمر في غاية الصعوبة، بل وقد يؤدّي التطبيق الى الحرج والسخرية. الثالث – يبقى السؤال عن اللائي يتمسكن بالحجاب ولا يراعين القانون، هل سيعاقبن؟ ومن التي ستعاقَب؟ هل التي تدخل المدرسة بالحجاب؟ أم التي تنزعه عند الباب وتعود لترتديه في قاعة الدرس؟ كل هذه الأمور ستحوّل المدرسين الى حرس للمراقبة، بل قد يتطلب الأمر الى إنشاء «حرس علماني» !! يتواجد في كل قاعات الدرس، وهو أمر مستحيل. إنّ الرسالة التي أطلقتها الرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة على شبكة الانترنت احتوت على رفض قائم على منطق عقلاني لمسألة منع الحجاب، وجاء فيها: «إن الكل ينسى أن وراء الحجاب امرأة، مواطنة فرنسية مستقلة تضطر لمواجهة الضغوط السياسية رغماً عنها. يطالبها الناس بأن تحارب من أجل الحرية، بينما يتم منعها من ارتداء شيء تعتبره جزء من صميم عقيدتها وشخصيتها. يا من تنصّبون أنفسكم حماة للديمقراطية والحرية، لماذا تجرّمون من يريد ممارسة شعائر دينه كما ينبغي؟ وهل تكون محاربة خضوع المرأة عن طريق إجبارها على الرضوخ لقوانين مجحفة تحدّ من حريتها؟ !» وتظل الفكرة المشككة في نوايا القرار الفرنسي بمنع الحجاب أكثر بروزا في ساحة المناقشات الفكرية، حتى يذهب بعضهم الى أن الهدف هو إذابة المسلمين في الهوية الثقافية المسيحية الفرنسية. يقول محمود سلطان (اسلام اون لاين ٢٧ / ١٢ / ٢٠٠٣) رئيس تحرير شبكة محيط الاخبارية: «إن فكرة دمج المسلمين في المجتمع الفرنسي ربّما تكون واقعاً، ولكن عندما يستسلم المسلمون لثقافة فرنسا وهويتها المسيحية، وليس الانصياع كما يدعى لمبادئ العلمانية، فليس ثمة مشكلة في الاخيرة، فهي في روحها وقوانينها تقبل هذا الاندماج، متى تحررت من القيود الحضارية (أو الثقافية) وكذلك من أعباء الحفاظ على الجذور المسيحية للهوية الفرنسية».
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• العلاقات الايرانية المصرية - رؤية حضارية
(بازدید: 1240)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الحوزة الإيرانية في القرن الماضي
(بازدید: 1334)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الاقليات المسلمة في الغرب
(بازدید: 1891)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
|