حوار مع الاستاذ الشيخ الدكتور يـوسف القـرضـاوي
|
رسالة التقريب - العدد ١٩ - ٢٠
مقابلات
محمّد علي آذرشب
1419
أجراه: رئيس التحرير كنت قد عرفت الشيخ يوسف القرضاوي من كتاباته الكثيرة، ومحاضراته المسموعة والمرئية، وعرفت فيه رجلا يعيش الهمّ الاسلامي بأوسع معانيه. يفهم كل مايدور في الساحة الفكرية والاجتماعية ويعالجه على أساس من القرآن والسنة، وبلغة العصر، كما يتناول من القضايا ما يحتاجه العصر، وخاصة ما تحتاجه فئة الشباب. حين زار الجمهورية الاسلامية بدعوة من المجمع العالمي للتقريب كان لابدّ أن أتشرف بزيارته، التقيته في محل إقامته، وما إن وقعت عيني عليه حتى تجسّم أمامي نصف قرن من تاريخ الدعوة والصحوة والعودة، وما إن جلست اليه وفتحت معه أبواب الحديث حتى رأيت في الرجل روح الشباب وتجربة الشيوخ، وعلم الازهر، وتاريخ حسن البنا وحسن الهضيبي وسيد قطب ومحمد الغزالي. إنه تاريخ حيّ للصحوة الاسلامية المعاصرة، وصوت معبّر ـ٢١٤ـ عن إرادة هذه الامة في حياة إسلامية عزيزة كريمة، ورؤية مفعمة بالامل في مستقبل الاسلام على ساحة المعترك الحضاري القائم. كان من الصعب عليّ أن أطلب منه تسجيل مقابلة، ولذلك بدأت حديثي معه عن واقع التجزئة في عالمنا الاسلامي، فطفق يتحدث عن هذه الحقيقة المرّة، وما عاناه هو في حياته الدعوية من الحدود والسدود القائمة بين بلدان المسلمين. وحينما بدأ الحديث عن همومه في التقريب وفي توحيد المسلمين، طلبت منه أن أسجل حديثه فرحّب، ثم تواصلت الاسئلة، فكانت هذه المقابلة. "بودّي فضيلة الشيخ أن أسجّل حديثكم بشأن هموم "التقريب" وهموم "الوحدة". ¨مرحبا. بسم اللّه الرحمن الرحيم. الحمد للّه، والصلاة والسلام على محمد رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيّء لنا من أمرنا رشدا. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. أما بعد فيسرني في بداية هذا اللقاء أن أحيي الاخوة في الجمهورية الاسلامية في إيران الشقيقة وأحيي على الاخص المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، ورسالته التي نعتز بها في التقريب بين أبناء الامة الواحدة. وأود أن أقول: إن توحيد أبناء الامة الاسلامية في كتلة واحدة تقف أمام الجبهات المعادية والقوى المتربصة بالامة همٌّ من الهموم الكبرى التي أعيش لها وأموت عليها إن شاء اللّه. فريضة وضرورة نشأتُ في جماعة إسلامية ترى أن وحدة المسلمين فريضة وضرورة. فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع. كان الامام الشهيد حسن البنا (رضي الله عنه) وأرضاه ممن ينادي بوحدة أمة الاسلام، في مشارق الارض ومغاربها. ويقول: إن القرآن عبّر عن الوحدة بالايمان وعن التفرق بالكفر، حينما قال اللّه تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين) [١]. أسباب نزول الآية وسياقها يدل على أن معناها: يرودكم من بعد وحدتكم متفرقين، لأن اليهودي الذي أراد أن يفرق بين الاوس والخزرج حتى أن بعضهم نادى: السلاح السلاح… الى آخره. هو لم يفعل شيئا، الا أنه أراد أن يفرّق الامة بعد وحدتها… قال: يردوكم بعد إيمانكم كافرين… وقال (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات اللّه وفيكم رسوله) [٢] كيف تكفرون: كيف تتفرقون وكيف تتعادَون بعد أن جمعكم الاسلام؟ فمن أجل هذا نشأت منذ بداية شبابي وأنا أؤمن بالوحدة، وكنا نحفظ من الشعر الذي ننشده في رحاب دعوة الاخوان المسلمين: ولست أرضى سوى الاسلام لي وطنا *** الهند فيه ووادي النيل سِيّانِ وكلّما ذُكر اسمُ اللّه في وطن *** عددت أرجاءه من لُبِّ أوطاني وأنا أكدت هذا المعنى في نشيد لي اسمه: "مسلمون". وفي وقت من الاوقات كانوا في بلاد العرب - أيام مدّ القومية العربية - يتغنون ويتنادون بالعروبة ويكادون يتناسون الاسلام. وكل شيء: عرب عرب عرب…. عربا كنّا ونبقى عربا. وأنا في هذا الوقت أنشأت نشيداً اسمه: مسلمون. والنشيد اشتهر وشرّق وغرّب وخاصة على لسان الشباب، وفي بعض البلاد اتخذوه شبه نشيد وطني، ـ ١ - آل عمران / ١٠٠. ٢ - آل عمران / ١٠١. في جمهورية اليمن في أيام الارياني كان التلاميذ في المدارس ينشدونه. والنشيد يقول: مسلمون مسلمون مُسلمون *** حيث كان الحقُّ والعدلُ نكون نرتضي الموتَ ونأبى أن نهون *** في سبيل الله ما أحلى المنون * * * ويقول: يا أخي في الهند أو في المغربِ *** أنا مِنكَ، أنتَ منِّي، أنت بي لا تسل عن عُنصُري عن نسبَي *** إنَّهُ الإسلامُ أمِّي وأبي إخوةٌ نحنُ به مؤتلفون مسلمون مسلمون مسلمون *** …. …. …. فهذا المعنى يسيطر من قديم على تفكيري وعلى توجهي ونفسي. وأرى أن من الامور الاساسية أن تكون هذه الامة أمة واحدة. أمة لا أمم واللّه سبحانه يعبّر عن المسلمين باسم الامة. ولذلك أنا أُخطّئ الكتّاب والمفكرين والخطباء الذين يقولون: الامم الاسلامية، ليست هناك أمم اسلامية، هناك أمة إسلامية واحدة ذات شعوب إسلامية. يقول سبحانه: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) [١]. وترديد كلمة "أمم إسلامية" انسياق وراء الاستعمار الذي يريد أن يجعل منا أمما، ونحن نريد أن نكون أمة كما أرادها اللّه، لا أمما كما أراد الاستعمار. قال سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [٢]، و (وكذلك ـ ١ - الحجرات / ١٣. ٢ - آل عمران / ١١٠. جعلناكم أمة وسطا) [١]، و (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) [٢]. توحيد الامة من الاهداف الكبرى التي أعتَبرُها من رسالتي الاساسية، وينبغي أن تكون من رسالة كل داعية مسلم وكل عالم مسلم يريد أن ينهض باصلاح الامة وتجديد الدين فيها. في تلفزيون قطر كنت أذكر أمس موقفا لي حدث قريبا في قطر. لي برنامج تلفزيوني هناك تحت عنوان: (هدي الاسلام). وهذا البرنامج يُعرَض منذ أن نشأ تلفزيون قطر حتى اليوم. والبرنامج إجابة على أسئلة ترد اليّ وأنا أردّ عليها. في الجمعة قبل الماضية جاءتني رسالة من أحد الاخوة يقول لي فيها: أنا فلان بن فلان دخلت مسجدا من مساجد الدوحة لأصلي فيه، فاذا رجل يلمحني في المسجد فقام في وجهي ثائراً وقال: مالك ولهذا المسجد؟ ما الذي أدخلك هذا المسجد؟ هذا مسجد لاهل السنّة، وأنت لست من أهل السنّة. أخرج من هذا المسجد. يقول صاحب الرسالة: كدت أذوب خجلا من هذا الموقف، لولا أن بعض الحاضرين من أهل العقل والحكمة أسكتوا هذا الرجل. وخرجت وأنافي غاية الخجل مما حدث. أنا انتهزت هذه الفرصة، وتوجهت باللوم على من فعل هذه الفعلة، وقلت: هذا الرجل لم يفهم الدين ولم يفهم العلاقات بين الناس. المسجد مفتوح للمسلمين. أي واحد يريد أن يصلي فيه فأهلا ومرحبا. بالعكس هذا الشخص الذي دخل مسجد أهل السنّة ليصلي وهو شيعي إنما هو رجل رحب الافق واسع الصدر ومتسامح وليس متعصبا. ولو كانت عنده عصبية عمياء لما دخل مسجدا من مساجد أهل السنة. ـ ١ - البقرة / ١٤٣. ٢ - المؤمنون / ٥٢. مثل هذا يجب أن نرحّب به ولا نضيق به. وأخذت معظم الحلقة وهي من خمسين دقيقة حول هذا الموضوع والعلاقة بين السنة والشيعة، وبين أبناء القبلة الواحدة. والسلف عبّروا عن وحدة هذه الامة بعبارة موجزة معبّرة إذ سمّوا المسلمين: أهل القبلة ماداموا يصلون الى قبلة واحدة، فهذا هو الجامع المشترك. وفي الحديث: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو منّا" فنحن أهل قبلة واحدة، ولا ينبغي أن يكون اختلاف المذاهب في مسائل عائقا لنا عن أن تكون لنا أرضية مشتركة تكون أساساً لعمل مشترك لخدمة الاسلام ونصرة قضايا الاسلام وإعلاء كلمة الاسلام وتوحيد أمة الاسلام، والوقوف بوجه مكائد أعداء الاسلام. وهذا هو أساس فكرة التقريب. فكرة التقريب أنا أريد أن أتحدث عن فكرة التقريب، ماذا نريد من وراء التقريب؟ هل نريد أن نجعل السنيَّ شيعيا، أو الشيعي سنيا؟ لا، هذا ليس مقصودا، ولو أردناه لكان خَبَلاً منّا. فاستقرار المذاهب أدى الى أنه لم يعد من السهل أن يتحول فرد من مذهب الى آخر. فلا ينبغي أن يكون هدفنا التحويل من مذهب الى مذهب. ولا ينبغي أيضا أن يكون هدفنا رفع الخلاف. هناك بعض الناس داخل أهل السنة يريد رفع الخلاف بين المذاهب مع بعضها. يقولون: لانريد التعبد على أي مذهب، نريد إلغاء المذاهب. هذا في الواقع ليس ممكنا. قلنا لهؤلاء: لو فعلنا ذلك فسنزيد على المذاهب الثمانية مذهبا تاسعا، وعلى تعبير أهل السنة: نزيد المذاهب الاربعة مذهبا خامسا. لأن معنى ذلك أن تأتي بآراء جديدة يتبناها بعض الناس، وتصبح مذهبا، وهذا هو الواقع فعلا. هؤلاء الذين ينادون بالغاء المذاهب كوّنوا مذهبا آخر، ولكن ليس على رأسه مالك أو أبو حنيفة أو الشافعي أو جعفر الصادق أوزيد بن علي. إنما على رأسه أناس لم يبلغوا - على الاقل - هذه الدرجة. الاختلاف ضرورة لذلك أنا أقول: ليس المقصود من فكرة التقريب رفع الخلاف. الخلاف لابد منه. وأنا ذكرت في كتاب لي تحت عنوان: "الصحوة الاسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم" أن الاختلاف في فروع الفقه وحتى في فروع العقيدة سيظل قائما، في مسائل العدل والتوحيد ورؤية اللّه في الآخرة ومسائل القدر وأفعال العباد ومقدار العلاقة بين القدرة الالهية والقدرة البشرية، والارادة الالهية والارادة البشرية، الناس سيختلفون في هذه الامور. وذكرت أن الاختلاف في الفروع "ضرورة" و"رحمة" و"سعة". هو ضرورة دينية. وضرورة لغوية وضرورة بشرية. وضرورة كونية. هو ضرورة دينية لأن اللّه سبحانه وتعالى لم ينزل كتابه كله آيات محكمات قاطعة الدلالة يجتمع عليها الناس ولا يختلفون. ولكن (منه آيات محكمات هن أمّ الكتاب وأُخـَـرُ متشابهات) [١] النصوص التي جاءتنا: نصوص قطعية الثبوت في القرآن الكريم وبعض الاحاديث المتواترة وهي محدودة. ونصوص ظنية الثبوت وهي تشمل معظم الاحاديث. وظنية الدلالة وهي معظم النصوص سواء كانت نصوص القرآن أو نصوص السنة. لايمكن أن تجزم بأن هذه هي الدلالة الوحيدة. بعضهم قال: كيف تردّ الحديث؟ أنت تقول باجتهادك وأنا أقول بالحديث! قلت له: يا أخي، صحيح أنت تقول بالحديث ولكن حسب فهمك. الحديث معصوم ولكن فهمك ليس معصوما. كل واحد له فهم غير فهم الآخر. تأخذ آية مثل آية الطهارة في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى ـ ١ - آل عمران / ٧. الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهّروا) [١] في الآية خلافات شتى: هل الواو في الآية تفيد الترتيب أو هي لمطلق الجمع كما يقول النحويون؟ هل تشترط النية أو لا تشترط، الآية لم تقل بالنية، إنما هذا استنباط. هل الموالاة شرط أم ليست شرطا؟ في الآية قراءة "وأرجلِكُم" و"أرجلَكُم" فهل الآية تأمر بمسح الرجل كما يفعل الشيعة في الوضوء أو غسلها؟ … وهكذا… فظنية الدلالة هذه أعطت متسعا للخلاف. وتجد هناك جماعة يهتمون بظاهر النص وآخرين يُعْنون بفحوى النص. المدرسة الحرفية الظاهرية، ومدرسة المقاصد التي تُعنى بمقاصد الشريعة. وهؤلاء موجودون. كانوا موجودين من عصر النبوة الى يومنا هذا، وسيظلون موجودين الى ماشاء اللّه. الذين يهتمون بالمقاصد والذين يهتمون بالظواهر. ومعروف في السيرة النبوية قضية قوله (صلى الله عليه وآله): "من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يصلينَّ العصر إلا في بني قريظة". وفي الطريق حينما أوشكت الشمس أن تغرب، جماعة من الصحابة قالوا: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يرد منا أن نضيع الوقت، إنما أراد منا سرعة النهوض، فصلوا في الطريق. وجماعة قالوا: لا، هو قال: فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريظة، ونحن لا نصلي إلا هناك، ولو وصلنا في منتصف الليل. وحينما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) فعل هؤلاء وهؤلاء، لم ينكر على طائفة منهم. لان كلا منهم اجتهد حسب رأيه، فأقرّ الطائفتين. هناك إذن مجال للاختلاف، حسب التوجه. هناك من ييسّر ومن يشدّد. وهذا ما سأذكره في الضرورة البشرية. فانا أقول هناك ضرورة دينية. إن الدين أراد هذه السعة، وأراد أن يكون بهذه ـ ١ - المائدة / ٦. المرونة ليتسع لطوائف الناس المختلفة، للمضيّق والموسّع والمشدّد والميسّر والحرفي والمقاصدي. ولو كان حرفا واحدا ووجها واحدا لضاق بالآخرين. فهذه ضرورة دينية. وهو ضرورة لغوية لأن اللغة كما أشرت في الآية الكريمة: حقيقة ومجاز وصريح وكناية وعام وخاص ومنطوق ومفهوم، ومايُفهِم بالعبارة ومايُفهم بالاشارة… الى آخره… حتى إننا إذا بحثنا في علم "أصول الفقه" نجد الفقهاء والاصوليين اختلفوا في كثير من الاشياء: هل العامل دلالته قطعية أو دلالته ظنية؟ والى أي حدّ يخصص الخاص العام، ويقيّد المقيّدُ المطلق؟ ومفهوم المخالفة مادلالته؟ وأشياء كثيرة، وهذه مباحث لغوية في الحقيقة، ولذلك علم الاصول فيه مباحث هامة أساسها لغوية. وهؤلاء الذين يبحثون في علم اللغة أغفلوا مصدرا هاما من مصادر الدراسات اللغوية وهو علم أصول الفقه والمباحث اللفظية واللغوية فيه. هذه اللغة تتسع… قال قوم في قوله تعالى: (أو لامستم النساء) إن "لامستم" بمعنى وضع البشرة على البشرة. وهذه هي الملامسة. بينما قال آخرون - كما جاء عن ابن عباس - إن المسّ واللمس والملامسة في القرآن كناية عن الجماع إن اللّه حييّ كريم يكنّي عما شاء بما شاء. فلامستم يعني الاتصال الجنسي كما جاء في مواقع آخرى: (إن طلقتم النساء مالم تمسّوهنّ) [١] (وإن طلقتموهُـنّ من قبلِ أن تمسّوهُن) ليس معنى المس هنا وضع البشرة على البشرة. وحينما قالت مريم (ع): (ولم يمسسني بشر) [٢] فهل يعنى أنه لم يضع بشرته على بشرتي؟ ! فهناك كنايات وهناك مجازات، والفقهاء يختلفون في هذه المسائل. الاختلاف أيضا ضرورة بشرية، لان البشر يختلفون مع بعضهم في ـ ١ - البقرة / ٢٣٦. ٢ - آل عمران / ٤٧. التوجهات النفسية والفكرية. عُرف في التراث الاسلامي: شدائد ابن عمر ورُخص ابن عباس. قال أبو جعفر المنصور للامام مالك: أريدك أن تصنّف كتابا تتجنب فيه شدائد ابن عمر ورُخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود، وتوطأه للناس توطيئا… هؤلاء صحابة… ولكن لكل شخصيته التي تختلف عن شخصية الآخر. ابن عمر مشدّد كان يزاحم على الحجر الاسود حتى يدمى ويُجرح. قيل له: لِمَ تفعل هذا؟ دع هذا لمن يأتون من بعيد… من أفريقيا ومن البلاد البعيدة… إنما أنت قرب الحجر. بَعدَ الحج قبّل الحجر كما تشاء. فقال: هفت القلوب اليه فأحببت أن يكون فؤادي معهم. أما ابن عباس فيقول (في تقبيل الحجر والتماسه) لايؤذي ولا يؤذى. والله خلق الناس هكذا. عندما تنظر الى موسى وهارون عليهما السلام. كلاهما نبيّ ورسول من اللّه، ولكن لكل منهما طبيعة غير طبيعة الآخر، مع أنهما من أب واحد وأم واحدة. موسى قوي شديد: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه فوكزه موسى فقضى عليه…. ) [١] حينما جاء ورأى القوم قد عبدوا العجل ألقى الألواح التي كتبت فيها التوارة من الغضب، هو غضب للّه. وأمسك برأس أخيه يجرّه اليه. قال له: (ما منعك إذ رأيتهم ظلوا أن لا تتبعنِ أفعَصَيت أمري قال: يا ابن أمَّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي. إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم تَرقُبْ قولي) [٢] …. ثم إن الاختلاف ضرورة كونية لأن اللّه خلق الكون مختلفا ألوانه. وهذه العبارة تتردد كثيرا في القرآن الكريم: (الم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها، ومن الجبال جُددٌ بيض وحُمرٌ مختلف ألوانها وغرابيبُ سود ومن الناس والدواب والانعام مختلفٌ ألوانه كذلك، إنما يخشى ـ ١ - القصص / ١٥. ٢ - طه / ٩٢ - ٩٤. اللّه من عباده العلماء) [١]. فاختلاف الالوان والتنوع هو مصدر ثراء للحياة في كل جانب من الجوانب، فينبغي أن لا نضيق بالاختلاف لانه يعطينا رؤى متعددة ووجهات نظر متنوعة. وقد تصلح رؤية لوقت ولا تصلح لآخر، ويصلح رأي لبيئة ولا يصلح لأخرى، ويصلح فكر لزمن ولا يصلح لآخر. فعندما تكون عندنا هذه الرؤى وهذه الآراء المتعددة تعطينا ثروة هائلة نستطيع أن نغترف منها ونستفيد منها في إصلاح دنيانا، ونستفيد منها للتشريع في عصرنا المتجدد المتطور. "مع كل هذه الضرورات نرى في المجتمع الاسلامي حالة تمزّق وتشرذم هي أقرب الى العشائرية منها الى الامة، فما هو السبب؟ ¨المسلمون ينقصهم قراءة الاسلام بشكل صحيح وقراءة الواقع بشكل صحيح. أكثر المظاهر السلبية التي تسود في العالم الاسلامي ومنها حالة التشرذم تعود الى هذا النقص. هب أنني مختلف مع الشيعي في بعض المسائل. هل هذا يمنع أن نقف صفا واحدا في القضايا المصيرية؟ ليختلفِ الناس. فالناس سيظلون مختلفين. ولكن هناك قضايا تلزمنى بأن أضع يدي بيد أخي وجاري وابن عمي ومَنْ بيني وبينه صلة ما لمواجهة الخطر الاكبر. القرآن الكريم يقول: (إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) [٢] أي سعة المعركة يجب أن تُنسي الخلافات الجزئية والجانبية كلها ويقف الناس صفا واحدا كأنهم بنيان مرصوص. لا يعلو صوت على صوت المعركة. لو عرفنا أننا في معركة واحدة، وأن عدونا واحد، وأننا نواجه مصيرا واحدا لما سمحنا لهذه العصبية العشائرية والقبلية. الاسلام جاء وقضى على ـ ١ - فاطرة / ٢٧ - ٢٨. ٢ - الصف / ٤. هذه العشائرية والقبلية وقال عنها: إن هذه جاهلية … دعوها فانها منتنة. واعتبر من دعا الى عصبية فليس من المسلمين… ليس منا من دعا الى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية… ومن قتل في هذا فقِتلته جاهلية. فيجب أن نبرأ من هذه العشائرية ونتكلم بمنطق الامة الواحدة. لو فقهنا منطق العصر لعرفنا أنه التكتل وليس التمزق. الكيانات الصغيرة لاحياة لها ولا وجود لها. لايمكن أن تقوم وأن تستمر في هذا العالم الا بضمان القوى الكبرى. إذا أردت أن تعيش في هذا العالم وأنت صغير لابدّ أن تحتمي بكبير ما، وبهذا تكون قد فقدت إرادتك وحريتك واستقلالك وأصبحت ذنبا لغيرك. الكيانات الآن في العالم تتكتل وتتضامن وتتلاحم بعضها مع بعض. رأينا التكتل الاوربي. أوربا تتكتل بشكل سياسي وبشكل اقتصادي وبشكل ثقافي. ورأينا ذلك في أمريكا وكندا… المسلمون أيضا بحاجة الى أن يتكتلوا، وهم أولى من غيرهم بذلك. لايمكن أن يعيشوا، لايمكن أن يدخلوا عصر التكنولوجيا المتطورة دون تكتل. نحن نرى الآن في أوربا أن أكثر من دولة من الدول الصناعية الكبرى تشترك في صنع طائرة ذات إمكانات ضخمة لا تستطيع دولة من الدول الكبرى بمفردها أن تصنعها. بل قيل: إن عددا من الدول الكبرى تشترك في صنع محرك طائرة. فكيف نستطيع نحن أن ندخل عصر التكنولوجيا المتطورة، وعصر الثورات: الثورة الفضائية والثورة التكنولوجية والثورة المعلوماتية… كيف نستطيع أن ندخل هذا العصر فرادى مبعثرين… لايمكن الا أن نكون كيانا كبيرا. المرء قليل بنفسه كثير باخوانه… ضعيف بمفرده قوي بأمته. نحن - كأمة - قوة كبرى. إنما نحن كشعوب وكأوطان مزقها الاستعمار، وجعل الدولة القطرية هي الاساس لايمكن أن يكون لنا وزن وأن يكون لنا شأن في العالم بهذا التمزق. اللّه سبحانه ينبهنا الى حقيقة كبرى حين يقول: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير) [١] والفقهاء عندنا يقولون: الكفر كله ملة واحدة. "الا تفعلوه" أي إن لا يوالي بعضكم بعضا ويساند بعضكم بعضا، ويتلاحم بعضكم مع بعض ويتكتل بعضكم مع بعض تكن فتنة وفساد كبير، لأنه سيكون التكتل في جانب الباطل والتمزق في جانب الحق، وهذا فتنة في الارض وفساد كبير. فالواقع يحتم على المسلمين والدين يحتم على المسلمين أن يتلاحموا فيما بينهم، وأن يبحثوا عن القواسم المشتركة، لا أن يبحثوا عن نقاط التمايز والاختلاف. إذا بحثت عن نقاط التمايز والاختلاف سأجد بيني وبين الشيعة، بل سأجد بين مذاهب أهل السنة تمايزا واختلافا. جماعة تهاجم الاشعرية والماتريدية، وهم من أهل السنة. وهناك حرب بين الصوفيين والسلفيين… وبين وبين… إنما الاولى أن نبحث عن القواسم المشتركة ونكوّن الارضية التي ننطلق منها لاعلاء شأن الاسلام ومجابهة أعداء أمة الاسلام ورسالة الاسلام، وتقوية هذه الامة حتى تقوم برسالتها. "المشكلة ليست في عامة الناس فحسب بل المشكلة في العلماء أيضا. هذه الفتاوى الشاذة والمواقف المتطرفة التي تصدر عمن يسمون أنفسهم علماء بتكفير هذا وإحلال دم ذاك تزيد الطين بـَلّـة وتعمل على مزيد من التمزيق، ما رأيكم في ذلك؟ ¨كان لي حديث أخيرا مع بعض العلماء الافاضل، وتحدثنا عن هذا الموضوع، وقلت لهم: الآفة ليست في العاميّ المحض ولا في العالِم الخالص. العالِم الحقيقي ليس من ورائه شر إن شاء اللّه. والعاميّ المحض ليس من ورائه شر أيضا، لانه يتبع العالم في الغالب ويسأله. إنما المشكل في أنصاف العلماء. قالوا: إنما أفسد العالَم هؤلاء الانصاف، نصف طبيب ونصف نحوي ونصف ـ ١ - الانفال / ٧٣. متكلم ونصف متفقه. نصف الطبيب أفسد الابدان، ونصف النحوي أفسد اللسان، ونصف المتكلم أفسد الاديان، ونصف المتفقه أفسد البلدان بفتاواه. هؤلاء الانصاف… هؤلاء الذين قرأوا بعض الكتب في الاحاديث واستمعوا الى بعض الاشرطة رأوا أنهم أصبحوا أئمة، وينظر بعضهم الى نفسه أنه شيخ الاسلام. وإذا قيل له: أبو حنيفة قال كذا ومالك قال كذا، يقول: هم رجال ونحن رجال!! هذا "المفعوص"! كما نسميه يعتبر نفسه رجلا رأسه برأس أبي حنيفة ومالك!! هذه هي المشكلة. هؤلاء غالبا لم ينشأوا النشأة الاسلامية الصحيحة، ولم يأخذوا العلم من أهله. كان السلف يقولون: لا نأخذ العلم من صُحفي، ولا القرآن من مُصحفي. والمصحفي هو الذي تعلّم القراءة من المصحف فقط ولم يتلق القرآن من قارئ مجيد يلقنه القرآن كلمة كلمة وحرفا حرفا. إذا أردنا أن نتعلم القراءة وعلم القراءات لابد أن نأخذه عن شيخ مُقرئ. وكذلك لا نأخذ العلم عمن أخذ علمه من الصحف ومن الكتب ولم يتلقاه على يد الشيوخ المتقنين. لابدّ أن يتربّى في الحلقة العلمية وفي جوّ العلم وفي مناخ العلم. العلم له جوّ وليس مجرّد أنك تقرأ كتابا وتفهم العبارات فهما قد يكون خاطئا، لانك لم تجد من يسددك ويرشدك ويبين لك خطأك. هؤلاء في الغالب يكونون من هذا النوع… الصحفيون، أخذوا العلم من الصحف ولم يأخذوه عن أهله وشيوخه المتقنين له. نحن في حاجة أن نوعي الامة على خطر هؤلاء، وأن نقف بوجه هؤلاء الذين اجترأوا على الفتوى. العلماء الكبار يتهيبون الفتوى. وأنا أحيانا أُسأل، وتأتيني رسائل فأؤجلها… وأؤجلها، لأني لم أكوّن رأيا فيها ناضجا استريح اليه. وهؤلاء يفتون في أعوص المسائل وفي أخطر القضايا، فلذلك نقول: يجب أن نحذر من هذا الشباب الذي وضع نفسه موضع الفتوى وموضع التوجيه في قضايا الامة، ويجب أن تكون الامة على وعي وبصيرة في هذه الناحية. فمهمتنا توعية الامة في هذه القضية والتحذير من هؤلاء الذين ابتليت بهم أمتنا في العصر الاخير. "عاصرتم الصحوة أكثر من نصف قرن، وعشتم أحداثها وكتبتم عنها، ماهو رأيكم فيمن يقول إنها هيجة عارضة وردود فعل عابرة سوف تنتهي عاجلا؟ ¨القوى المعادية للامة الاسلامية أقلقتها هذه الصحوة وأزعجتها وزلزلت كيانها، وأرادت أن تخترع لها أسبابا ودواعي وبواعث. هناك من قالوا: إن هذه الصحوة ذات أسباب اقتصادية. البطالة في البلاد الاسلامية ومشاكل الشباب. وهناك من قال: إنها ردة فعل نتيجة الاحباط تجاه ماقامت به الانظمة في البلاد الاسلامية. وهناك من قال في مصر: إن هذه الصحوة صنعها أحد حكام مصر ليضرب الشيوعيين. كأن هذه الصحوة قطعة من العجين تشكّلها كيف تشاء… هذه صحوة هائلة… صحوة أمة. وهي صحوة عالمية، وليست في بلد واحد. وإذا كان هذا الحاكم صنعها في مصر، فما الذي صنع الصحوة في ايران وباكستان وأفغانستان وفلسطين والجزائر، بل ومن الذي صنع الصحوة خارج العالم الاسلامي. أنا من الرحّالة الذين يطوفون في الارض. وجدت هذه الصحوة حتى خارج العالم الاسلامي، في أوربا وأمريكا وأمريكا الجنوبية وفي الشرق الاقصى. حيثما ذهبت في الارض وجدت هذه الصحوة. قد تكون هذه الاسباب التي يذكرونها من الاشياء المُعِينة، ولكن الاساس في الامة الاسلامية هي أنه يمكن أن تنام ولكن لا يمكن أن تموت. فهناك قرآن يتكرر على أسماعها آناء الليل وأطراف النهار، وهناك سيرة نبوية وسنة محمدية، وهناك تاريخ حافل وحضارة، وهناك تراث شامخ وثري. هذا كله يغذي هذه الامة ويجعلها لا تستسلم للنوم الطويل. قد تنام فترة من الزمن ولكن لابد أن تستيقظ. وعلى فترات التاريخ الامة أصابها ما أصابها ولكن كانت تخرج بعدها الى استعادة دورها. الصليبيون هاجموها من الغرب والمغول من الشرق، ولكن اللّه هيّأ لها رجالا أيقظوها من سبات، وجمعوها من شتات، وأحيوها من ممات، أمثال عماد الدين زنكي، ونور الدين الشهيد محمود، وصلاح الدين الايوبي، والظاهر بيبَرس، وغيرهم من الذين تصدوا لهذه القوى وردّوها مدحورة وعادت الامة من جديد. في عهد الاستعمار، الاستعمار دخل بلاد المسلمين وقاومت الامة، وكان الذي يحرك الامة لمقاومة الاستعمار هو الدين كما شهد بذلك المؤرخون بما فيهم الغربيون. برنارد لويس قال: إن الحركات الدينية وعلماء الدين كانوا هم المحركون الاوائل لحركات التحرير في العالم الاسلامي، وهذه حقيقة، فاستطاع هؤلاء أن يحركوا الامة. وقام مجددون في كل جهة من جهات الاسلام ومصلحون يعمل كلٌّ في تحريك الامة. وحركات التجديد والاصلاح والايقاظ صنعت صنعها حتى تفجرت في هذه الصحوة. فليست الصحوة وليدة اليوم أو بنت الامس وإذ ذَكرْتُ الصحوة فلابد أن أذكر كل من ساهموا فيها من جمال الدين الافغاني الى محمد عبده، الى عبد الرحمن الكواكبي الى محمد إقبال الى شبلي النعماني، الى حسن البنا، الى سيد قطب، الى مصطفى صادق الرافعي، الى الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ البشير الابراهيمي والشيخ الثعالبي الى محب الدين الخطيب… هناك كوكبة… هؤلاء كلهم ساهموا، حتى جاء الوقت الذي تفجرت فيه هذه الصحوة. وهي ليست مجرد صحوة ذات جانب عاطفي، وجانب حماس. والحماس مطلوب أيضا في الصحوة، ولكنها صحوة عقول أيضا، تقرأ الكتاب الاسلامي. المعارض الدولية للكتاب أثبتت أن الكتاب الاول وصاحب الرقم الاول في التوزيع هو الكتاب الاسلامي. فهي إذن صحوة عقول، فيها وعي، وصحوة إرادات وعزائم، ولذلك وقفت أمام الاستعمار ووقفت أمام القوى الغازية. هي صحوة سلوك والتزام. ظهر هذا في المساجد التي عَـمـرت بالشباب. كانت المساجد لا يعمرها الا الشيوخ الكبار. والآن اذهب الى أي بلد إسلامي تجد أن الذين يعمرون المساجد هم الشباب. انظر الى مواسم الحج والعمرة، كان الذين يذهبون الى مواسم الحج والعمرة الشيوخ الكبار، كما قال الامام الغزالي: الحج هو تمام الامر وختام العمر. يختمون حياتهم بالحج. والآن اذهب الى العمرة في رمضان تجد تسعين بالمائة من الشباب. وهكذا في مواسم الحج. المرأة في البلاد الاسلامية كانت قد تفسخت تفسخا تاما، كنت أمشي في الستينات في عواصم البلاد العربية فلا أكاد أجد امرأة محجبة، حتى المرأة العجوز التي أكل الدهر عليها وشرب كانت متخلعة. ثم جاءت هذه الصحوة فاذا بالشابات المسلمات في الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس وفي شتى ساحات الحياة يلتزمن الحجاب. هذه حركة اسلامية نسائية اختيارية طوعية. هذا كله من عمل الصحوة. رأيت في الجزائر انتشار الحجاب انتشارا هائلا بعد أن كان قليلا. ثم إن هذه الصحوة أثبتت وجودها على الصعيد الاقتصادي. قامت البنوك الاسلامية، والمؤسسات التجارية الاسلامية، وانتشرت في أنحاء العالم. وهذا كله جاء نتيجة من شعور المسلم السلبي تجاه المعاملة بالربا، وحاجته الى مؤسسات تغنيه بالحلال وتجنبه الحرام. على المستوى الجهادي. الجهاد في أفغانستان كيف قام؟ وإن كان إخواننا مع الاسف في أفغانستان قد خذلونا ولم يؤت جهادهم بالثمرة التي كنا نرجوها، ولكن هذا الجهاد دوّخ أعتى دولة ملحدة في الارض والقوة الثانية في العالم على يد الافغان، هذا من أثر الصحوة. ولم يكن جهاد الافغانيين وحدهم، بل كان جهاد رجال الصحوة في العالم بالمال والرجال. في فلسطين، إخواننا في حماس وفي الجهاد الذين زلزلوا بعملياتهم الاستشهادية كيان العدوّ، وإخواننا في حزب اللّه بجنوب لبنان. هذا كله من أثر الصحوة الاسلامية. التنادي بتطبيق الشريعة في العالم… من أين جاء؟ هذا كله من أثر الصحوة. ونحن الآن في ايران… الثورة الاسلامية التي قامت في ايران، وأقامت دولة للاسلام في ايران. من أين جاءت هذه الثورة… هي ثمرة من ثمرات هذه الصحوة. الصحوة الاسلامية أثبتت وجودها. والقول إنها مجرد ردّ فعل ومجرد هوجه عاطفية وزوبعة في فنجان، هذا تهويم من قدر هذه الصحوة العظيمة. صحيح أنها تحارَب الآن ويكال لها من كل جانب، وتوضع أمامها العقبات من هنا وهناك… ولكن نحن نعتقد أن الصحوة لن تموت إن شاء الله، وأنها باقية وستستمر وستنتصر باذن اللّه والمبشرات عندنا أكثر من العقبات. "صدرت عنكم أخيرا فتاوى مثيرة بشأن الربا وبشأن "زواج المسيار" ودار حولها كلام كثير فما هي حقيقة هذه الفتاوى؟ ¨ بالنسبة الى ما أثير حول مسألة الربا فهو موضوع أفتيت به الاخوة أخيرا في أمريكا وأوربا. لقد كنت من المتشددين في هذا الموضوع منذ مدّة طويلة، منذ ٢٥ سنة وأنا أزور أمريكا وأوربا في المؤتمرات الاسلامية والندوات، وخاصة مؤتمرات الطلبة المسلمين. وكنت أُسأل في قضية التعامل بالربا، وخاصة في قضية شراء البيوت، وكنت مشددا في هذا، وأرى المنع. ولكن منذ سنوات تغيّر اجتهادي في هذا، وأصبحت أُفتي بمذهب أبي حنيفة، الذي يقول: يجوز التعامل بالعقود الفاسدة في دار الحرب. ويقصد بدار الحرب ماليس بدار الاسلام، لأن التقسيم عنده ثنائي: دار حرب ودار اسلام، وليس عنده التقسيم الثلاثي الذي قال به بعض الفقهاء وهو: دار الاسلام ودار الحرب ودار العهد. فدار الحرب عنده ماليس بدار الاسلام. يقول أبو حنيفة إن التعامل بالعقود الفاسدة في تلك البقاع جائز للمسلم بشرطين: الأول - أن لايكون في ذلك غدر ولا خيانة. أي أن يراعي المسلم العنصر الاخلاقي في تعامله. الثاني - أن يكون من وراء ذلك مصلحة للمسلم. ووجدت هذا معقولا، فليس من المعقول أن يأتي الاسلام ليطعم المسلم لغير المسلم، ويجعل المسلم يخسر مالَه. قال أحد الاخوة: أنا جئت الى هنا منذ ٢٥ عاما، ولو كنت من أول ماجئت اشتريت بيتا بقرض ربوي من البنك لكنت منذ ذلك الوقت صاحب بيت ولكان هذا الايجار الذي دفعته قد سدّد ذلك القرض. أنا رأيت في الحقيقة أن فتوى أبي حنيفة تحقق مقصد الشريعة في إعلان شأن المسلم. والاسلام يعلو ولا يعلى عليه، لا يمكن أن يخسر المسلم بالاسلام بينما يكسب غيره. أما قضية زواج "المسيار" [١] فهي أحدثت أخذا وردا وجذبا وشدا. حين سئلت في برنامج تلفزيوني عن هذا اللون من الزواج قلت: أنا لا تهمني التسمية. العبرة في الاحكام الشرعية تدور على المسميات والمضامين لا على الاسماء والعناوين. الذي يهمني من الزواج أن تتحقق مقومات معينة في هذا العقد. الايجاب والقبول - وأن يوجد شهود على الاقل شاهدان وهذا هو الحد الادنى للاشهار والاعلان من الناحية الشرعية في نظري - ومالك والشافعي وأحمد يشترطون ـ ١ - لعلم القارئ: إن زواج المسيار كما يسمونه يعني أن يتزوج رجل بامرأة دون أن يبقى عندها، بل يمرّ عليها بين فترة وأخرى. ويكون دون علم الزوجة الاولى عادة. (التحرير). الولي. قلت لهم: في بلدان منطقتنا يجب أن يكون الولي - ثم أن يوجد مهر: (وآتوا صَدُقاتهنِّ نِحلة) [١] - الامر الآخر نية الاستمرار. وإذا وجد الزواج بهذه الاركان والشروط، ما المانع منه؟ قالوا: ليس فيه الزواج الكامل. أي إن الرجل لا يبقى مع المرأة مستمرا، يذهب اليها في بعض الاحيان. قلت: ليس من الضروري أن يحقق الزواج أهدافه المثالية كاملة. الزواج المثالي أن يعيش معها. ولكن هذا زواج يحقق بعض الاهداف، فهو يحصّن المرأة ويعفّها، ويحصّن الرجل ويعفّه. بدل أن يفكر الرجل أو تفكر المرأة في الحرام يرتبطان برباط حلال شرعي. قد تكون المرأة عندها بيت، ولا تريد أن تنتقل الى بيت الرجل، وعندها مال، والمرأة في عصرنا أصبحت في كثير من الاحيان لديها موارد، مدرّسة… طبيبة صيدلية… محامية. ثم إن كثرة كاثرة من النساء في منطقتنا عوانس، وقد فاتهن قطار الزواج، إذا أضفت اليهن المطلقات وهن كثر أيضا في المنطقة مع الاسف والارامل، أصبح عندنا عدد كبير. فاذا استطعنا أن نحل مشكلات هؤلاء الناس بهذا الزواج فما المانع؟ قال أحدهم: هل يمكن أن يتزوج شخص من أجل المتعة فقط؟ قلت: لِمَ لا يا أخي. هو الإحصان. أنا أحصّن نفسي بالحلال وأحصّن المرأة بالحلال، هذه قيمة كبيرة. في الحديث الصحيح: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، فانه أغضّ للبصر وأحصن للفرج". فأشار الى مسألة العفة، ومسألة العفّة والإحصان قيمة كبيرة عندنا في الاسلام. الغربيون سلكوا لاطفاء الشهوة طريق الاباحية، عن طريق مايسمونه بوي فريند، أو جيرل فرند. ولكن نحن لا نقبل هذا في الاسلام. لا نقبل العلاقة الا ضمن رباط شرعي. فما المانع أن نبيح هذا ونجيزه ليتمتع الناس بالحلال، وكثيرا ما ينقلب هذا الى زواج عادي. رب رجل توفيت زوجته الاولى فتصبح ـ ١ - النساء / ٤. هذه الزوجة هي الاصلية ويبقى معها دائما. فهذا هو زواج المسيار، وأنا كتبت فيه بحثا نشرته الصحف القطرية وبعض الصحف الخارجية. بالمناسبة أنا تحدثت في كتابي "الحلال والحرام في الاسلام" عن زواج المتعة والخلاف فيه. بعض الناس عقّبوا على هذا الموضوع. وقالوا: ما كان للشيخ القرضاوي أن يشير الى الخلاف في زواج المتعة. وكان لابد أن يقول إنه حرام قطعا قولا واحداً، ولا يثير أي خلاف فيه. وأنا رددت عليهم: وقلت أنا أحرص أن تظل الاحكام في مرتبتها الشرعية. أي توجد أحكام إجماعية لاخلاف فيها، يجب أن نذكر أنها إجماعية. وأحكام مختلف فيها، يجب أن تبقى وإلا غيّرنا طبيعة الحكم. هذا أمر قال به الشيعة، وروي عن ابن عباس. قالوا: إن ابن عباس رجع عنه، وروي الخلاف في رجوعه، هل رجع أم لم يرجع، لأن بعض تلاميذ ابن عباس ظل يفتي بالمتعة. هذه القضايا يجب التسامح فيها، وترك كل مذهب على رأيه، ولعل في هذا توسعة على بعض الناس. "الموقف الاسلامي من الغرب وتياراته الفكرية لايزال الحديث الاول في الساحة الاسلامية، ما رأيكم في الموقف الصحيح من الثقافة الغربية؟ ¨ بالنسبة الى الموقف من الغرب وتياراته وفلسفته وثقافته وحضارته هناك من يرى ضرورة التحصّن أمام كل مايرد من الغرب ومنع أي تعامل مع تياراته المختلفة وأن نعيش في الصومعة معزولين عن كل مايجري حولنا. وهو تيار لم يعد ممكنا في هذا العصر. ربّما كان ممكنا في وقت من الاوقات… أيام الامام يحيى في اليمن. كان يريد اليمن بعيدا عن كل تأثير غربي، بل بعيدا حتى عن منتجات المدنية الغربية كالقطارات والسيارات. وإنما ينتقل من مدينة الى مدينة على ظهور الخيل والبغال والحمير. وكان يقول: الحمار ولا الاستعمار. لم يعد هذا ممكنا. أصبح العالم متقاربا. أصبح كما يقولون: قرية كبرى. وأنا أقول: أصبح قرية صغرى. في القرية الكبرى قد لا يعلم الناس مايجري في أطرافها. ونحن نعلم مايجري في العالم خلال دقائق، بل لحظات، بل في نفس اللحظة. لا يستطيع الانسان أن يعيش في عزلة. وهناك موقف مضاد للاول، يرى ضرورة الذوبان في الغرب. دعا اليه في العالم العربي سلامه موسى وطه حسين وغيرهما… دعوا الى أن نأخذ بالحضارة الغربية خيرها وشرّها وحلوها ومرّها، وما يُحبُّ منها وما يُكره، وأن الحضارة لا تتجزأ، لايجوز أن تأخذ الجانب العلمي أو التكنولوجي منها ولا تأخذ الجانب الفلسفي والفكري والقيمي والتشريعي. إما أن تأخذها كلها أو تدعها كلها. وهذا غلط. وهناك رأي وسط - وهو الذي نتبناه - في التعامل مع الغرب. نأخذ منه ما يلائمنا، وندع مالايلائمنا. يلائمنا من الغرب العلوم الطبيعية والرياضية والتكنولوجية وتنظيم الادارة والمنجزات الكثيرة في تهيئة الطبيعة لخدمة الانسان، والعمل على رفاهية الانسان وتحسين صحته وأمثال ذلك… هذه نأخذها من الغرب، وفي الواقع أننا حين نأخذها من الغرب، فهي بالمنظار التاريخي الصحيح بضاعتنا رُدّت الينا. لأن الغرب إنما أخذ المناهج العلمية والتجريبية منّا نحن المسلمين. نحن الذين علّمنا الغرب هذه المناهج وأخرجناها من الفلسفة التجريدية النظرية الى التطبيق والى الاستقراء والى التجربة. المسلمون قرروا هذا المنهج نظريا وطبقوه عمليا على يد الاطباء المسلمين والفلكيين والرياضيين وغيرهم من العلماء الذين كانت أسماؤهم أشهر الاسماء في العالم في ذلك الوقت وكانت كتبهم مراجع للعالم وكانت اللغة العربية التي كتبت بها هذه العلوم هي اللغة الاولى. الرازي في كتابه الحاوي، أو ابن سينا في كتابه القانون، أو ابن رشد في كتابه الكليات، أو الزهراوي في كتابه التصريف… كتبوا هذه الكتب، وترجمت الى اللاتينية وانتفع بها الاوربيون. نحن في الواقع حين نأخذ من الغرب العلوم الرياضية والطبيعية وانجازاتها وتطبيقاتها التكنولوجية، إنما هي بضاعتنا تُردّ الينا. إنما الذي ينبغي أن لا نأخذ من الغرب هو الجانب الآخر المتعلق بالقيم وفلسفة الوجود والحياة… الاسس الفلسفية. نظرة الفرد الى الكون والحياة والى المجتمع والى التاريخ، نظرته الى القيم والى الوجود والى ربّ هذا الوجود. هذه يجب أن نأخذها من الاسلام. الخطر الآن أن هناك من يريد أن يجعل من ثقافة الغرب وحضارة الغرب بأنها "كونية". يقول هذه ليست ثقافة تختص بالغرب، وإنما هي ثقافة الكون والعالم. وهذه مغالطة من دون شك. هذه الثقافة تحمل فلسفة الغرب ونظرة الغرب الى الدين والى الحياة والى اللّه. ولكل أمة خصوصيتها. ونحن لنا خصوصيتنا ولا ينبغي أن نلغي خصوصيتنا ونذوب في غيرنا وننماع. لهم دينهم ولنا ديننا. لهم قيمهم ولنا قيمنا. لهم شرائعهم وقوانينهم ولنا شرائعنا وقوانيننا. فيجب أن تظل كل أمة متيمزة بحضارتها وثقافتها وقيمها الموجهة لها والمحركة لابنائها. ونحن أبناء حضارة متميزة وتتميز حضارتنا بأنها جمعت بين العلم والايمان، أنزلت الروح بالمادة، العقل بالقلب، السماء بالارض. لم يكن عندنا انفصال بين هذه الاشياء ولا عداوة بين هذه الاشياء. لم يعاد الدين العلم في تاريخنا، بل العلم عندنا دين والدين عندنا علم. لم يوجد في تاريخنا ولا في تراثنا صراع بين هذه المتقابلات كما حدث في الغرب وفي كنيسته. وثار الناس على الكنيسة لأن الكنيسة وقفت مع الجهل ضد العلم، ومع الجمود ضد التحرر، ومع الظلم ضد العدل، ومع الملوك ضد الشعوب، ومع الاقطاعيين ضد الفلاحين والمستضعفين في الارض. نحن لم نفعل ذلك، ولا نتحمل تاريخ غيرنا. لابد أن نفقه هذا ونقف من الغرب الموقف العدل، ونحذر من الغزو الذي يشنه الغرب ثقافيا. الغرب رحل بعساكره ولكن يريد أن يفرض سيطرته بثقافته ومفاهيمه وقيمه. وخاصة في عصرنا هذا الذي يسمى عصر "العولمة" وعصر "الاقمار الصناعية" و"القنوات الفضائية" و"البث المباشر". ولم يعد من السهل أن تعيش الامة في برجها العاجي أو في صومعتها المنعزلة. ينبغي أن نعدّ العدّة لمواجهة هذا الغزو. لايكفي أن نقول هذا حرام… لابدّ أن نوجد بدائل. وكل شيء باطل له بديل من الحق. وكل شيء من الحرام له بديل من الحلال. المفروض علينا نحن المسلمين أن نهيء هذه البدائل الاسلامية لنواجه بها أباطيل الغرب خصوصا في عصر الغزو الكبير هذا. الذي لم يعد مقصورا على كتاب وعلى مبشر أو مستشرق إنما أصبح بهذه القنوات والوسائل الكبيرة التي تؤثر في شعوب بأكملها. "بالنسبة لمسألة التحصين الثقافي، ماهي كتبكم التي تعطونها الاولوية في قدرتها على إعطاء هذا التحصين باذن اللّه؟ ¨ تعلم أن كل مؤلف يعتبر كتبه مثل أولاده، وتفضيل الاولاد بعضهم على بعض لا يستطيع الاب أن يفعلها. ولكن في مجال التحصين الفكري والثقافي أرى لي كتبا لها أهميتها منها قديمة ومنها حديثة صدرت خلال السنوات الاخيرة. من الكتب القديمة: كتابي: "الايمان والحياة" ويعمل على ترسيخ منطق الايمان من منطلق عقلي ونفسي وحيوي، يتصل بالحياة. ولا يكتفي بقال الله وقال الرسول. وهو مهم لترسيخ العقيدة. ومنها "الخصائص العامة للاسلام" وأرى هذا الكتاب مهما، لانه يوضح المزايا الكبرى للدين المبين في عقيدته. وشريعته ومنهاجه وعبادته من الربانية والانسانية والاخلاقية والواقعية والوسطية. الى آخر هذه الخصائص ومن الكتب الجديدة: "الثقافة العربية الاسلامية بين الاصالة والمعاصرة". ومنها كتبي في ترشيد الصحوة: "الصحوة الاسلامية بين الجمود والتطرف"، "الصحوة الاسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم"، "الصحوة الاسلامية وهموم الوطن العربي والاسلامي". وهناك كتب ظهرت أيضا بعد ذلك في المدة الاخيرة: "أولويات الحركة الاسلامية"، و"فقه الاولويات"، و"عوامل السَّعة والمرونة في الشريعة الاسلامية". و"كيف نتعامل مع السنّة النبوية"، و"كيف نتعامل مع القرآن العظيم" وهو أحدث كتبي. وهناك سلسلة أحب أيضا أن تأخذ حظّها، وهي تتحدث عن التصوف الاسلامي، ولكن بالمنهج الوسطي. وتعلم أنني أتبنّى المنهج الوسطي في كل ما أكتب أو ما أتحدث به أو أفتي به. لست مع المتسيبين ولا مع المتزمتين. أرجو أن أكون من هذه الامة الوسط. ومن قال عنهم سيدنا علي (رضي الله عنه): عليكم بالنمط الاوسط الذي يلحق به التالي ويُردّ اليه الغالي، أريد أن أكون من هذا النمط الاوسط، كما قال تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان. أن لا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) [١]. في ضوء هذا المنهج الوسطي أصدرت سلسلة في تيسير فقه السلوك تحت عنوان: "في الطريق الى اللّه" صدر منها أربعة كتب: ـ ١ - الرحمن / ٧ - ٩. الاول - الحياة الربانية والعلم. لا أذكر كلمة تصوف، لأن بعض الناس ما إن يسمع هذه الكلمة حتى يترك الكتاب ويهجره، وأنا أريد أن يقرأه، فأطلقت اسم الحياة الربانية. الثاني: النية والاخلاص. الثالث: التوكل على اللّه. الرابع: التوبة الى الله، وظهر قبل أشهر. وأنا مستمر في هذه السلسلة. بالمناسبة ذكرت في كتابي: "كيف نتعامل مع القرآن العظيم" أن هذا هو قرآن المسلمين جميعا سنة وشيعة. تعرف أن هناك من يقول إن الشيعة عندهم مصحف آخر هو مصحف فاطمة وأمثال ذلك. أنا قلت: هذا هو المصحف الذي يقرأه المسلمون جميعا، لا نرى عند الشيعة في ايران والعراق وفي سائر العالم الاسلامي مصحفا غير هذا المصحف، فهو الذي يحفّظونه لاولادهم، والذي يقرأون به في صلاتهم، وهو الذي يعلمون به في التلفزيون، وهو الذي يفسره مفسروهم وهو الذي يستدلون به في كتب الفقه، ويستدلون به في كتب العقائد. لايوجد غير هذا المصحف. وعندي رسائل أصدرتُ منها تسع رسائل إسمها رسائل ترشيد الصحوة تتحدث عن بعض الامور أراها هامة. بعضها انتزعتها من كتبي وأضفت لها بعض الاضافات مثل: كتاب الدين في عصر العلم، وكتاب الاسلام والفن، ومركز المرأة في الحياة الاسلامية، والمبشرات بانتصار الاسلام، وآخر رسالة تطبع الآن هي: القدس قضية كل مسلم. ونسيت كتابا مهما وهو: "ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده". وتصلني أسئلة فقهية فأجيب عليها إجابات استدلالية، فيشكل كل جواب بحثا فقهيا، وصارت هذه البحوث كتابين، وأنا بصدد إعداد الكتاب الثالث تحت عنوان: "فتاوى معاصرة". "سألت فضيلته: على أي مذهب؟ ¨ قال ضاحكاً: على مذهب الشيخ القرضاوي ثم قال: أنا مذهبي حنفي، وهو المذهب الذي درسته في الازهر ثم درست المذاهب فأصبحت حين أسأل عن مذهبي أقول: حنفشعي. ولا بأس أن أذكر لك قصة لطيفة حصلت لي سجلتها في الجزء الاول من كتابي: فتاوى معاصرة. حينما كنت طالبا في القسم الثانوي كنت أدرّس الفقه لابناء قريتنا، فقه العبادات. وقريتنا شافعية المذهب. معظم الريف في الوجه البحري من مصر على المذهب الشافعي. وجرت العادة عند مشايخنا أن يدرّسوا الفقه في قريتنا على المذهب الشافعي. حتى من كان منهم على المذهب الحنفي يدرّس الناس على المذهب الشافعي لانه مذهب أهل القرية. كنت آنئذ متصلا بالاخوان المسلمين، وقرأت كتبا خارج المذاهب وتأثرت بهذه القضية، فكنت أدرّس الفقه على المذهب الشافعي ولكني كنت أذكر آراء المذاهب الاخرى. ثمة رأي في الفقه الشافعي يقول: لمس المرأة ينقض الوضوء إذا لم تكن محرما، البنت والام لا تنقض، أما الزوجة فتنقض الوضوء. وهذه القضية كانت تحدث في الريف المصري مشكلة وخاصة في فصل الشتاء حيث الجو بارد والماء بارد. الرجل يتوضأ ويذهب فيصلي المغرب ويعود الى البيت ليتعشّى، فتناوله امرأته العشاء، وقد تخطئ فتلمسه. آه لقد نقضتِ وضوئي… فيحدث شجار وتقوم معركة… وكنت أقول لأهل القرية: إن مجرّد لمس المرأة لا ينقض الوضوء خاصة إذا لم يكن عن شهوة. مرة حدثت في عائلة هذه المشكلة، لمست المرأة يد الرجل، وأوشك أن يحدث شجار، فقالت له امرأته: زعلان ليه… صلّ على مذهب الشيخ يوسف. كنت آنئذ في السنة الاولى ثانوية… والحمد للّه ربّ العالمين.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• مقابلة مع الاستاذ الشهيد مرتضى مطهري / حول مسائل النظام والثورة
(بازدید: 1641)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• حوار مع الدكتور سيد حسين نصر
(بازدید: 1751)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مقابلة مع الشيخ محمدي عراقي
(بازدید: 926)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• حوار مع الاستاذ عبد الاله بلقزيز
(بازدید: 811)
(نویسنده: مصطفى مطبعه چي)
• حوار مع الدكتور جعفر عبد السلام
(بازدید: 886)
(نویسنده: مجيد مرادي)
• حوار مع السيد حسن الرباني نائب الامين العام للمجمع
(بازدید: 1721)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مع الاستاذ الشيخ محمد علي نظام زاده
(بازدید: 1067)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• لقاء مع الدكتور عبد الكريم بي آزار شيرازي
(بازدید: 660)
(نویسنده: عبد الكريم بي آزار شيرازي)
• حوار فكري
(بازدید: 789)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• لقاء مع الأستاذ العلامة السيد محمد باقر الحكيم
(بازدید: 1073)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• لقاء مع الأستاذ المولوي اسحق مدني
(بازدید: 916)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• لقاء مع فضيلة الأمين العام
(بازدید: 959)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|