خطاب الامام السيد علي الخامنئي في جلسة افتتاح القمة الاسلامية
|
رسالة التقريب - العدد ١٨
خطابات
محمّد علي آذرشب
1418
في الثامن من شعبان ١٤١٨ هجرية بدأت الدورة الثامنة لمؤتمر القمة الاسلامية أعمالها في طهران. وهي قمة استثنائية على كافة المستويات كما أشرنا في افتتاحية العدد، وافتتحت الدورة بكلمة تاريخية جعلت المؤتمر أمام الاهداف التي يتوقعها المسلمون من زعمائهم، وشرحت واقع المسلمين ومشاكلهم وعلاج هذه المشاكل. ولارتباط هذه الكلمة بوحدة المسلمين وعزّتهم وكرامتهم ومستقبلهم، ننشرها مع بعض التعليقات الطفيفة. بسم اللّه الرحمن الرحيم في هذا التجمع الاخوي الذي يريد أن يصدح بلسان المسلمين في العالم، أودّ أن أبدأ حديثي بحمد اللّه وشكره. حمدا لك اللهم على نعمة المعرفة، والتوحيد، والعبودية، والمحبّة، حمدا لك اللهم على أخوّة الاسلام وعلى تكريم الانسان، وعلى تعليم الصبر والتوكّل، وعلى التوصية بالاحسان والمروءة. وأصلّي وأسلم على محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) عبدك ورسولك، الذي نشر راية التوحيد والعدل، ورفع صوت تكريم الانسان، فحرّره من عبودية كل شيء وكل شخص سواك. وأسلّم على آل بيته الطيّبين وصحبه المنتجبين ومن اهتدى بهداهم وعلى جميع عباد اللّه الصالحين. وأرحب ترحيبا أخويا من الصميم بكل الضيوف الاعزّاء قادة وزعماء العالم الاسلامي ورؤساء الوفود وكل الاعضاء، والامين العام لمنظمة الامم المتحدة، والامين العام لهذا المؤتمر وسائر الضيوف الاجلاّء. أيها الاخوة والاخوات! لقد تجمّعتم الآن في بيت من بيوت الاسلام وقاعدة من قواعده، ومُضيّفكم، وإن كان هو رئيس الجمهورية رسمياً، فان كل إيراني يرى نفسه مضيّفا لكم في بلد الايمان. أكد السيد القائد في مستهل حديثه على طبيعة الأمة الاسلامية، وطبيعة العلاقة التي تربط بينها فقال: أيها الاعزّة ! جَمعُنا هذا ليس جمعَ أصحاب ربطتهم مصالح معيّنة، وتستطيع مصالح أخرى يوما أن تفك رباطهم… لا، نحن إخوة ربط بيننا إيماننا بالقرآن رباطا أبديا ليس له انقطاع، وجعل منا رغم الفواصل التاريخية والجغرافية والسياسية جسدا واحدا هو الامة الاسلامية. لقد اعتنقنا هذه الرابطة من يوم أن أعتنقنا الاسلام، وليس أمامنا خيار آخر. الاختلافات والخلافات بل حتى النزاعات ليست سوى غبار يمسّ وجه هذه الحقيقة ويمكن غسله بزلال الحكمة والعقل والحلم. لنتطلّع الى هذا التجمع العظيم وهذا اللقاء التاريخي بهذا المنظار كي نستطيع أن نستثمره لصالح شعوبنا وأمتنا الاسلامية الكبرى. أيها الاخوة! أيها الاعزّاء! حديثي في افتتاح هذا المحفل أركزه على ثلاثة موضوعات لاَِخرجَ منه بنتيجة، وهذه الموضوعات هي: الاسلام، والامة الاسلامية، والمؤتمر الاسلامي وآفاق المستقبل… في محور حديثه عن الاسلام سلط الضوء على مهمة الاسلام في الحياة البشرية وقال: ١ - الاسلام الاسلام في فجر بزوغه وفي يومنا هذا طريق نحو عالم جديد مقرون بحياة سعيدة تتضمن كل ما يتطلبه صلاح الانسان وفلاحه. آلام البشر الاصلية التي سعى الاسلام لإزالتها كانت على مرّ العصور والازمان ولا تزال واحدة لا تتغير وهي: الفقر والجهل، وألوان التمييز، والنزاعات وانعدام الامن، ثم الوقوع في شراك الماديّة والخصال الدنيئة. والاسلام دين الانسانية والاعتدال والتعقّل والتسليم أمام إرادة ربّ العالمين، وهكذا كان شأن كل الاديان دون شك قبل أن تمسّها يد التحريف. لذلك قدّم الدواء لهذه الأدواء الانسانية بطريقة عقلانية لا يشوبها الافراط ولا التفريط، ودعا الانسان الى الذكر والتضرّع والارتباط الداخلي برب العالمين، وعلّمه وأوصاه أن يكافح الشرور والعدوان والظلم والفساد، وأن يواجه باستمرار مافي نفسه من جموح الذات والانانية واستفحال الاهواء. أحكام الاسلام الاساسية تبلورت بهذا الشكل، ومنهج الاسلام للحياة الفردية والاجتماعية والاخلاقية والسياسية نما من هذه الجذور. وعلى هذه الاسس بالذات، ولمعالجة تلك الادواء المزمنة الدائمة يقيم الاسلام نظامه السياسي حيث العدالة الاجتماعية، والحريات المختلفة، والسلام العادل، ومكافحة الظلم والعدوان، والعلاقات بين الجنسين، والعلاقات بين كل أفراد المجتمع وبين المجتمعات، وهكذا تزكية النفس والعلاقة الداخلية بين الانسان وربّه. ثم أوضح حاجة البشرية اليوم الى الاسلام فقال: البشرية اليوم - رغم الظواهر البرّاقة الجذّابة المعيشية - تعاني من نفس الآلام التي عانت منها على مرّ التاريخ: أكثر شعوب العالم فقيرة وتسيطر أقلية قليلة على أكثر ثروات المعمورة. أكثر الشعوب محرومة من التطور العلمي، وتتخذ فئة علمها وسيلة للسيطرة على غيرهم. لظى الحروب تستعر في بقاع عديدة من العالم، ويتوجس الناس في غيرها خيفة من اندلاعها. والتمييز بين بلدان العالم على الساحة العالمية وبين الطبقات في أغلب البلدان ظاهرة مشهودة. مادية الغرب تكتسح الاجواء، واغراءات المال والبطن والشهوة طغت على النفوس، ثم إن مظاهر الصفاء والبساطة والسماحة والايثار قد تركت مكانها في قسم عظيم من العالم للخداع والتآمر والحرص والحسد والبخل ولغيرها من الخصال الدنيئة. العالم تطور بشكل واسع وسريع في حقول العلم والتقنية والآلة والسرعة والسهولة، لكن الادواء المزمنة القديمة لاتزال تفتك بالبشر والعقبات الاساسية لاتزال قائمة دونما تغيير. الليبرالية الغربية والشيوعية والاشتراكية وغيرها من المدارس جرّبتها البشرية وثبت فشلها، والاسلام اليوم - كما في السابق - هو شاطئ النجاة والبلسم الوحيد، وصوت الاسلام اليوم لايزال كما كان قبل أربعة عشر قرنا يدعو البشرية إذ يقول: (قد جاءكم من اللّه نورٌ وكتابٌ مبين. يهدي به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام ويُخرجُهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم) [١]. وعن واجب المسلمين تجاه التعتيم على حقيقة الاسلام وتجاه محاولات المسخ والتشويه قال: المهمُّ الكشف عن الوجه الناصع للاسلام وتعرّفه. جهود الاعداء الحقودين خلال قرون التقت مع تصرفات الاصدقاء الجهلة الغافلين خلال قرون أطول لتشوّه وجه الاسلام النيّر، ولِتزيد عليه أو تنقص منه عن غرض أو عن ذوق جاهل. ولإن كانت الاذواق المريضة والمصالح الدنيوية لاتزال تفعل فعلها في تعتيم صورة الاسلام من قِبل أهله، فان الهجوم الاعلامي لاعدائه يزيد على ذلك بكثير بطرق مدروسة خبيثة. أحد محاور هذه الجهود الضخمة التي يبذلها الاعداء في هذا المجال الهجوم الاعلامي الشرس الضاري على ايران الاسلام بعد إقامة دولة الاسلام في هذا البلد. وللتعتيم على نداء هذه الثورة الكبرى جنّدوا طاقاتهم لتوجيه التهم لها ونشر الاخبار ـ ١ - المائدة / ١٥ و ١٦. الكاذبة عنها. ماقالوه كذبا عنّا ونسبوه الينا أصبح بسبب تكراره مملاّ ثقيلا على الاسماع. وكان أكثر المرجفين نشاطا الصهاينة ووسائل الاعلام الصهيونية العالمية المعروفة وعملاء الاستكبار، وفاقهم جميعا الامريكيون، أي كل أولئك الذين تضرروا من هذه الثورة أكثر من غيرهم. أيها الاخوة المسلمون. انطلاقا من هذا، فان مهمتنا الكبرى هي معرفة الاسلام ونشره، وترسيخ مابيننا من أواصر التعارف. أما عن محور الامة الاسلامية فقد أشار الى الدور التاريخي الذي نهضت به هذه الامة على صعيد بناء الحضارة الاسلامية فقال: ٢ - الامة الاسلامية الامة الاسلامية هي الثمرة الاولى لنهج الاسلام السياسي - الانساني… هذه الامة بدأت من مدينة النبي على منوّرها أفضل الصلاة والسلام، وشقّت طريقها بصورة مدهشة إعجازية نحو تكوّنها الكمي والكيفي. لم يمض نصف قرن على هذه الولادة المباركة حتى ضرب الاسلام بجرانه في مايقرب من نصف أصقاع الحضارات القديمة المجاورة، أعني إيران وروما ومصر، ثم بعد قرن أقامت حضارة باهرة وحكومة عزيزة مقتدرة في قلب العالم تمتد من سور الصين شرقا حتى المحيط الاطلسي غربا وأحراش سيبيريا شمالا والمحيط الهندي جنوبا. في القرنين الثالث والرابع الهجريين وما بعدهما قامت حضارة باهرة لاتزال بركاتها العلمية والثقافية مشهودة بوضوح في الحضارة العالمية الراهنة. لإن حاول المغرضون الغربيون في سردهم لقصة تاريخ العلم والحضارة أن ينظروا بعين الاجمال والاهمال لهذه النهضة العلمية والحضارية العظيمة، وأن يؤرخوا للعلم بدءً باليونان والرومان وينتقلوا مباشرة الى النهضة الاوربية، حتى كأن الموت عفا على العلم والحضارة لألف سنة ثم عاد الى الحياة مع النهضة الاوربية فجأة!! لكن الحقيقة أن القرون الوسطى كانت عصر جهل وظلام ووحشة للغرب وأوربا فقط، وكانت للعالم الاسلامي بأصقاعه التي تفوق أوربا أضعافا وتمتد من الاندلس حتى الصين، عصر سطوع ويقظة وعروج علمي. وبشأن الهدف من هذه الالتفاتة التاريخية قال: الهدف من هذه العودة الى التاريخ ليس تفاخرا بالماضي، بل الهدف التأكيد على أن الطاقة التي أوجدت هذه الحضارة متمثلة بالاسلام ومعارفه الحياتية لايزال بين ظهرانينا وينادينا بقوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) [١]. الاسلام أثبت قدرته على دفع أبنائه نحو الاعتلاء المدني والعلمي والعزّة والاقتدار السياسي. الايمان والمثابرة والحذر من التفرقة، شروط ثلاثة لازمة لتحقق هذا الهدف الكبير، والقرآن يعلمنا بقوله: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين) [٢]. وبقوله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن اللّه لمع المحسنين) [٣]. وبقوله: (وأطيعوا اللّه ورسولَه ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحكم واصبروا إن اللّه مع الصابرين) ١. عدم توفّر هذه الشروط الثلاثة ساق الامة الاسلامية اليوم الى وضعها المؤسف الموجود. في القرنين الماضيين على الاقل كان للاعداء المتربصين المخططين وبعض الحكومات الاسلامية الهزيلة الى جانب عوامل وظروف تاريخية وسياسية مختلفة السهمُ الاوفى في إيجاد هذه الوضع ونحن اليوم نرث هذه التركة الثقيلة. أيها الاخوة! تعالوا نترك للاجيال القادمة إرثا أكثرَ افتخارا مما وصلنا. ـ ١ - الانفال / ٢٤. ٢ - آل عمران / ١٣٩. ٣ - العنكبوت / ٦٩. ٤ - الانفال / ٤٦. دور الاستكبار في مآسي المسلمين بينه السيد القائد بعد أن أوضح معنى الاستكبار: في استقراء العوامل الخارجية للوضع الحالي، أرى أن هجوم جبهة الاستكبار ذو أثر أكبر من غيره. نحن نطلق كلمة "الاستكبار" على منظومة تستند الى قدراتها السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والى نظرة تمييزية للنوع البشري، فتنطلق لفرض سيطرة مقرونة بالاستخفاف والاستهتار على المجموعات الانسانية الكبرى أعني الشعوب والحكومات والبلدان، فتضغط عليها وتستثمرها وتتدخل في شؤونها وتنهب ثرواتها. تتعنت في تعاملها مع الحكومات وتظلم في تصرفها مع الشعوب وتستهين بمقدساتهم وتقاليدهم. المثال البارز لهذه الظاهرة: الاستعمار، ثم الاستعمار الجديد، وأخيرا الهجوم الشامل السياسي والاقتصادي والاعلامي بل حتى العسكري الذي يشنه أساطين الاستعمار القديم وورثتهم، فارضين علقمه على الشعوب جهارا بدون قناع. القوى الغربية في هذا الهجوم الفاعل استثمرت تطور العلم والتقنية وبعض الخصال القومية لشعوبها. نحن لا نلوم العدوّ، إنما اللوم على أولئك الذين يوفرون فرصة انتصار العدو وعوامل اندحارهم بما يحملونه من أنانية وحب عافية وضيق نظر. الغرب في هجومه الشامل قد استهدف أيضا ايماننا وخصالنا الاسلامية، وفي ظل متاعه العلمي، الذي يحس الجميع بحاجتهم اليه، يصرّ على تصدير ما ابتُلي هو به الى مجتمعاتنا من ثقافة التسيب والاباحيّة وعدم الالتزام بالدين والاخلاق. وهذا المستنقع الاخلاقي الآسن سيبتلع دون شك في مستقبل ليس ببعيد حضارة الغرب القائمة ويبيدها من الجذور. وعن وضع العالم الاسلامي بعد الغزو الاستعماري واستفحال عوامل الضعف الداخلية قال: العالم الاسلامي على أثر الغزو المعادي والعوامل الداخلية الموروثة من الاجيال السابقة في وضع مأساوي لا يحسد عليه. الفقر والجهل والتخلف العلمي والضعف الخلقي وأفظع من كل هذا سيطرة الاعداء الثقافية وأحيانا السياسية، من جهة. والمشاكل الكبرى مثل قضية فلسطين ومسألة افغانستان، ولبنان، والعراق، وكشمير، والبوسنة والهرسك، والقفقاس وغيرها من جهة أخرى، تشكل قائمة طويلة من المسؤوليات الالهية والانسانية أمام الحكومات والشخصيات السياسية وقادة العالم الاسلامي. يجب أن نأخذ زمام المبادرة بأيدينا، لقد كان الزمام حتى الآن بيد العدو، وكان دورنا ترديد المزيد من الشكوى والعتاب. قضية فلسطين باعتبارها رأس الحربة في كل قضايانا الاسلامية ركز عليها السيد القائد وقال: فلسطين على الساحة التاريخية تبدلت الى إقطاعية صهيونية على أثر عشرات المبادرات التي أقدم عليها العدو. بدأت بشراء أرض الفلسطينيين، ثم تواصلت عبر تسليح الصهاينة المهاجرين، ثم إثارة الحرب الداخلية واعلام تقسيم فلسطين، ثم احتلال أجزاء جديدة من هذا البلد الاسلامي العربي، ثم احتلاله بأجمعه، وإضافة أجزاء من مصر وسوريا والاردن اليه. وهنا بادرت البلدان العربية المجاورة لفلسطين لمرة واحد فقط وأخذت زمام المبادرة بيدها، وتَمثّل ذلك بحملة مصر وسوريا في رمضان ٩٤ هجرية قمرية، وهي - وإن لم تحقق النتائج المرجوّة كاملة بسبب التعاون الامريكي الاسرائيلي وتهاون البلدان الاسلامية - قد سجلت مفخرة للجبهة العربية وحررت أجزاء من الارض العربية. بعد ذلك عاد الصهاينة وحماتهم وعلى رأسهم أمريكا الى أن يمسكوا بزمام حركة الساحة في إطار شعارات التسوية وفي اتجاه تثبيت الاحتلال الغاصب لفلسطين، جارّين وراءهم كل خصومهم حيثما استطاعوا الى ذلك سبيلا. كان ينبغي علينا نحن الدول الاسلامية أن نقدّم مساعدات أكثر جدّية لدول المواجهة من أجل إنقاذ فلسطين. فيما مضى بعض حكوماتنا لم تتوان حتى عن توجيه طعنة الى ظهر دول المواجهة. والمثال البارز لذلك حكومة إيران في عهد بهلوي. كانت إيران آنئذ مع الاسف مأمنا للصهاينة ومساعدا حميما للكيان الصهيوني. أيها الاخوة الاعزاء! هذا الوضع لا يتناسب مع العزّة الاسلامية، وهو بعيد كل البعد عن علاج مايلمّ بالامة الاسلامية. كل البلدان الاسلامية يجب أن تتحمل السهم المناسب في استعادة الحقّ الفلسطيني، وأيضا لابد أن يخرج العالم الاسلامي من حالة الانفعال الى حالة المبادرة والاقدام. هاتان المسؤوليتان يتحملهما فعلا الشباب المؤمن الغيور الفلسطيني واللبناني بكل وجودهم، فتحيةً لهم. معارضتنا لما يسمى بمحادثات السلام في الشرق الاوسط إنما هي لأنها غير عادلة ولأنها استكبارية، ولأنها مهينة، ثم لأنها غير منطقية. مبدأ مايسمى بالارض مقابل السلام يعني أن الصهاينة يعيدون أرض البلدان المجاورة، لأخذ الاعتراف بملكيتهم لفلسطين. أي كلام أكثر إجحافا من هذا الكلام؟ وماهو الجواب الذي يمكن تقديمه للشعب الفلسطيني العريق في معاملة الغبن هذه؟ ومن سخرية الدهر أن العدو الصهيوني رفض هذا أيضا، ولم يرض بتنفيذه!! ألم يحن الوقت أن يكون للعالم الاسلامي رد مناسب لهذا السلوك الاستكباري؟ لو رتبنا علاقاتنا على أساس من الاخوّة لاستطعنا ذلك. ماذا تستطيع أمريكا أن تفعله أمام اتحاد جبهة اسلامية تمتد من اندنوسيا حتى شمال افريقيا؟ ! سياسة التمزيق والتشتبت بين أجزاء عالمنا الاسلامي مارسها الاعداء منذ القديم، وتتركز اليوم على فصل ايران عن سائر المسلمين لأسباب لا تخفى على أحد بهذا الشأن قال: إن الاستكبار يراهن اليوم على حالة التمزّق في هذه الجبهة، أما آن الوقت لان نرصّ الصف لصالحنا؟ ! حضور عدوّ كالكيان الصهيوني في قلب العالم الاسلامي كان بامكانه أن يقرّب بين صفوفنا… لكن الايدي الاستكبارية الخفية أبعدت هذا الخطر من طريقها، وعملت على أن نخشى من بعضنا أكثر مما نخشى العدو! الوساوس والاكاذيب والاعلام المضاد، جعلت البلدان الاسلامية تخشى من بعضها خطأ ودونما مبرّر. منذ ثمانية عشر عاما حتى الآن يعمد مهندسو السياسة الاستكبارية الى بثّ سمومهم لتخويف جيراننا في الخليج الفارسي من إيران الاسلام التي تحمل راية الاتحاد والاخوّة. أنا أعلن أن أي خطر لا يهدد أي بلد إسلامي من إيران الاسلام. إيران الاسلام ببركة حياتها في ظلال أحكام القرآن الكريم تتطلّع اليوم أكثر مما مضى لاتحاد العالم الاسلامي وعزّته واقتداره. نحن الايرانيون، ببركة إيماننا بالاسلام ورغم مؤامرات العدو الاعلامية، حافظنا على وحدتنا الوطنية بشكل فريد وخلاف ما يدّعيه العدوّ ويرغب فيه وسّعنا دائرة الحضور الجماهيري، والانتخابات الباهرة التي جرت هذا العام لاختيار رئيس الجمهورية نموذج لهذا الحضور المتزايد. الحكومة منسجمة، والمسؤولون تربطهم علاقات حميمة، وبين الحكومة والشعب روابط عاطفية مفعمة بشعور الثقة. كل مساعينا العلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية تقوم على أساس ما علّمنا الامام الخميني من الاعتماد على النفس بعد التوكل على اللّه سبحانه. ونحن ببركة هذه الثقة بالنفس استطعنا أن نعيد الى بلد خَـرِب متخلف، ورثناه من العصر البهلوي وازداد خرابا خلال الاعوام الثمانية من الحرب المفروضة، البناءَ والنماءَ والنشاط الفعّال. هذه الظاهرة نشاهدها في بعض البلدان الشقيقة أيضا، لكن الاهم من ذلك كله هو العزّة والاقتدار السياسي. شعبنا وحكومتنا بفضل التمسك بالاسلام والمشاركة السياسيّة الجادّة استطاعا أن يقتلعا جذور التدخل الاجنبي في بلادنا. الامة الاسلامية بأجمعها أيضا متعطشة الى حالة تسودها الثقة بالنفس والعزّة والاستقلال، وعلينا أن نسعى جميعا على هذا الطريق. هذه مسؤولية تاريخية وكل الاجواء متوفرة ليستعيد العالم الاسلامي عزّته واقتداره وكامل استقلاله. لو أن تنسيق المساعي على هذا الطريق بحاجة الى مجمع متمركز فنحن نمتلكه، إنه منظمة المؤتمر الاسلامي، فَلـنَلقِ نظرة على هذه المنظمة وآفاق المستقبل المرتقب. ومحور الحديث عن منظمة المؤتمر الاسلامي هو محصلة ما تناوله في المحورين السابقين. بيَّن أولا ما يواجه المنظمة من مسؤوليات جديدة في الظروف الراهنة وقال: ٣ - منظمة المؤتمر الاسلامي وآفاق المستقبل ٢٧ عاما مضت على حريق المسجد الاقصى الذي أدّى الى ولادة هذه المنظمة. ظروف عالمنا المعاصر جعلت هذه المنظمة أمام مسؤوليات أكثر جدّية من قبل. فهي تستطيع أن تكون مظهر اتحاد حقيقي بين البلدان المسلمة في مسائلها ومصالحها المشتركة. باسم أعضائها تنطق وتطالب وتنفّذ، وبدعمهم المالي والاقتصادي والسياسي تتحرك، لتكون بين أعضائها رابطا لحل مشاكلهم، ولتكون مركز لقاء وعنصر تنسيق حيثما استوجب مشروع كبير وهدف مشترك حشدَ الهمم والطاقات. تقضي حيثما لزم التحكيم، وتنصح حيثما نفع النصح. العالم الاسلامي اليوم - رغم أن حصته في التجارة العالمية أقل بقليل من ٢٠% وهي نسبة سكانه الى سكان العالم - غير أن المقدار الخاص بتجارته الداخلية بين البلدان الاسلامية أقل بكثير من هذه الحصة أيضاً. هذه المنظمة تستطيع أن يكون لها دور فعّال في هذه المسألة الاقتصادية الحساسة ذات التأثير على سياسة هذه المجموعة أيضا. بعض بلداننا تحظى بامكانات طبيعية وانتاجية وطاقات علمية وصناعية وثقافية قيّمة مما تحتاجه بلداننا الاخرى احتياجا مُبرما. هذه المنظمة تستطيع أن تنهض بدور فاعل في تبادل منطقي عادل لهذه الامكانات. جماعات كبيرة من المسلمين اليوم ودائما يعانون من آلام مضنية تتطلب حلاً عاجلاً. على سبيل المثال تتعرض الآن بعض الولايات الافغانية مثل باميان الى مجاعة عامة وتقترب من برد قارس شديد. والشعب العراقي يعيش واحدة من أكبر محنه التاريخية ويعاني من نقص في الغذاء والدواء وأرواح الملايين من أبنائه وخاصة الاطفال في خطر. وفي الجزائر مذابح رهيبة ترتكبها أيد خفية، لتتهم بها الاسلاميين ولتشوه بها وجه الاسلام. وفي البوسنة وكشمير والصومال وقرباغ وبقاع أخرى يواجه المسلمون مشاكل حادّة. منظمة المؤتمر الاسلامي تستطيع أن تشكل لجانا خاصة وتضع مشاريع عمل فاعلة يشترك فيها كل الاعضاء لحل هذه المشاكل. وحول تنشيط المنظمة لتصل الى مستوى ما يتوقعه منها المسلمون قال: لتنشيط هذه المنظمة في المسائل المرتبطة بين الاعضاء لا نحتاج الى شيء ولا الى أحد سوى الارادة الجماعية والمساعدات المالية من الدول الاسلامية الغنية. المعارضة المحتملة من البلدان التي تتضرّر من اتحاد المسلمين لا تستطيع أن تقف في طريقنا، اللهم الا إذا أوجدت تزلزلا في إرادتنا. حين كان المسلمون في منطقة البلقان يتعرضون لإبادة وحشية، وكان أولئك المسلمون يدافعون لوحدهم عن هويتهم الاسلامية أمام جموع عسكرية منظمة مهاجمة وجموع متفرجة، كان من المفروض أن يكون مثل هذا المركز متواجدا ليخفف عن بعض آلام أولئك الاخوة، وليكون ثقلا في ميزان المعادلات العالمية لصالح ذلك الشعب المظلوم. والآن، فان حضور الاساطيل الاجنبية وخاصة أمريكا بعددها وعدتها في الخليج الفارسي - وهو بحر اسلامي ومركز هام للطاقة في كل العالم - يؤدي الى انعدام الامن. وجود منظمة اسلامية متقدرة يستطيع من جهة أن يرغم الاجانب على سحب شرورهم بمنطق العزّة والاقتدار الاسلامي، ويستطيع من جهة أخرى أن يزيل مبررات هذا الحضور، كما أنه بامكانه أن يرسل متى ما اقتضى الامر قوات من نفس البلدان الاسلامية لصيانة أمن هذه المنطقة وسلامها. والآن تعاني أقليات مسلمة في بعض بلدان العالم من التمييز والظلم والسلوك المتعصّب أشدّ المعاناة. مساعدة هؤلاء واجب كل المسلمين. غير أن المساعدة الجادّة المطلوبة في إطار العلاقات الدولية بحاجة الى مركز إسلامي دولي. وأي مركز أنسب من منظمة المؤتمر الاسلامي؟ ! عشرات المهام تنتظر التنفيذ، وكل واحدة منها تلقي مسؤولية على جميع البلدان الاسلامية. وما ذكرناه نموذج لذلك. وفي كل هذه المواضع لا تستطيع أية حكومة اسلامية أن تؤدي مايؤديه مركز دولي اسلامي. ودعا السيد القائد في نهاية كلمته الى استثمار فرصة هذه الدورة الاستثنائية لتحقيق عزّة المسلمين على الساحة العالمية فقال: أيها الاخوة! أيها الضيوف الاعزاء! تعالوا نغتنم الفرص متكلين على حول اللّه وقوته ونتقارب ونقوي مركز الاتصال بيننا. المؤتمر الاسلامي يجب أن يتابع قراراته حتى التنفيذ الكامل كي يكون لهذه الاجتماعات عطاء لشعوبنا. ولابد أن يستطيع تأسيس برلمان لمجالس البلدان الاسلامية، وأن يحقق الامل القديم في إقامة سوق مشتركة اسلامية، وأن يخطط لديوان عدالة اسلامي، وأن يكون، نيابةً عن خمسة وخمسين بلدا اسلاميا ومليار وبضع مئات الملايين من السكان، من الاعضاء الدائمين في مجلس الامن التابع للامم المتحدة، وطالما كان حق الفيتو قائما فليكن العضو السادس من الاعضاء الذين يملكون هذا الحق في ذلك المجلس. هذه آفاق مستقبل هذا المؤتمر، وبهذا سيستطيع أن يرسم آفاق مستقبل الامة الاسلامية. والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• كلمة الامام الخامنئي في المولد النبوي الشريف
(بازدید: 993)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• موجز كلمتي - الشيخ الهاشمي الرفسنجاني و الرئيس خاتمي
(بازدید: 881)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• توجيهات الامام القائد
(بازدید: 1132)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• إرشاد و توجيه من الولي الفقيه
(بازدید: 764)
(نویسنده: آية الله السيد علي الخامنئي)
• رسالة سماحة الشيخ الرفسنجاني إلى الدورة الأولى للمجمع
(بازدید: 760)
(نویسنده: الشيخ الرفسنجاني)
|