الإمامة
|
ثقافتنا - العدد 14
فكر إسلامي
الشيخ مجيد العصفور
1428
قراءة نص للشيخ ميثم البحراني (636ـ 699هـ) المقدمة تكتسب مسألة الإمامة أهمية خاصة في الفكر الإسلامي، إذ يتداخل فيها الديني مع الدنيوي والعقيدي مع السياسي، والحياتي مع الأخروي، وقد كانت هذه المسألة محل جدال وسجال بين المفكرين المسلمين، في شتى العصور وحتى وقتنا الراهن، ومن غير المتوقع أن تحسم لما فيها من تشعبات وتفرعات واختلافات حتى حول طبيعة هذه المسألة، فهل هي من الأصول أم الفروع، وأي العلوم أحق بالفحص فيها، الفقه أم علم الكلام، أم السياسة أم غيره. وحسب الدكتور علي أبو ملحم"يمكن القول أن مشكلة الإمامة أقدم المشاكل التي واجهت العرب فقد ذر قرنها منذ اللحظة التي قبض فيها النبي .ويقول الشهرستاني(479ـ 548هـ): وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان . إن صعوبة مسألة الإمامة قادمة من تماسها المباشر مع موضوع الشرعية، التي تشعر الفرد ببراءة الذمة فيما بينه وبين الله عز وجل، ففي الحديث النبوي الشريف «من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية» أو«من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». ومن ناحية أخرى تحسم الشرعية العلاقة الجدلية بين الحق والقوة في المجتمع، وموضوع الشرعية ليس محل تجاذب وتطور عند المسلمين فحسب بل هو عند كافة المجتمعات البشرية وكثيراً ما تأثرت الشرعية بتغيير القوى المجتمعية والتي غالباً ما تكون متحركة يطرأ عليها التغيير. ولقد طرحت مسالة "الشرعية"في وقت مبكر جداً عند المسلمين، فبعد وفاة رسول الله(ص) دارت المجادلات التي شهدتها سقيفة بني ساعدة، وأدت إلى تعيين أبي بكر خليفة للرسول حول المبررات التي يطرحها كل من الفرقاء المختلفين لدعم مرشحه للخلافة."ونعلم أن القرب من الرسول والانتماء إلى قريش والسبق إلى الإسلام هي المبررات التي رجحت كفة الخليفة الأول لكن هذه النتيجة لم تنه الإشكال. وجاء تنصيب عمر بن الخطاب كخليفة ثان، وجعل عثمان بن عفان ضمن ستة، اختير منهم كخليفة ثالث، ومبايعة شعبية لعلي كخليفة رابع، ليفتح أسئلة جديدة عند المسلمين حول موضوع الشرعية. وبعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب وتنازل الإمام الحسن عن الخلافة كان صعود الأمويين سدة الحكم سبباً في تأجيج المسالة. ومنذئذ واجه الفقهاء والمحدثون المسلمون حقيقة أن الدولة التي تحكمهم لم تعد منبثقة منهم، ولا صادرة عن ذات المورد الذي منه ينهلون. وهذا ما يجعل مسألة الإمامة في حالة تجاذب مستمر يحاول فيها كل طرف أن يؤكد على ما ذهب إليه من اجتهاد ليثبت به الشرعية التي من خلالها يبرر التزامه الديني وتفاعله الاجتماعي مع أية سلطة تقوم في المجتمع، وكذلك تنعكس على علاقته بالإخوة المسلمين الشركاء معه في المجتمع. وهناك من نظر إلى أن السبب الأساس الذي جعل الأمة تتحول إلى فرق وشيع هو موضوع الإمامة لأن:"مدار الخلاف فيها يقوم حول تساؤل عريض عن أحق المؤمنين بتولي رئاسة الدولة الإسلامية ولما كان الإسلام ديناً ودولة، لهذا فقد شهدنا تحول هذا الصراع السياسي وارتقى إلى مستوى الخلافات العقائدية ومن هنا أطل الخطر المحدق بالأمة الإسلامية فمزق وحدتها وفرق سوادها شيعاً وجماعات متناحرة يكاد يكفر بعضها البعض الآخر. دواعي اختيار النص لقد جاء اختياري لقراءة نص في موضوع الإمامية للمتكلم الإمامية الشيخ كمال الدين ميثم البحراني، في هذه الندوة الخاصة بحياته وإنتاجه العلمي، لعدة اعتبارات: 1ـ عد الشيخ ميثم من كبار متكلمي الشيعة الإثناعشرية، ويعبر رأيه عن رأيهم في مسألة الإمامة، مع ما هنالك من اختلاف في رأيه العقلي في المسألة حيث لم يعتبر اللطف دليلاً عقلياً راجحاً واستعاض عنه بدليلي الخير والتمكين كما سيتبين لنا من خلال قراءة نصه، وقد قال عنه كبار علماء الإمامية ما يفيد عظم مكانته في الطائفة. 2ـ لقراءة نص الإمامة قيمة علمية خاصة بالنسبة للفكر السياسي عند الشيعة الإثني عشرية، سيما ما يتصل بوجوداتهم السياسية الحديثة، حيث أن الممارسة الفعلية انعكاس لنظرية الإمامة وامتداداتها (أعني بها المرجعية الدينية الشيعية) وإن لم يتعرض الشيخ ميثم في بحثه لما بعد الإمام الثاني عشر عليه السلام لكن القراءة الدقيقة للفاعلية السياسية عند الشيعة في وقتنا الراهن بحاجة إلى فهم نظرية الإمامة ويمكن من خلال هذه القراءة تفسير المواقف التي يتخذها الشيعة في مختلف الظروف السياسية، وكذلك تفاعلهم أو انسحابهم من الحياة العامة هنا وهناك. 3ـ يلمس الباحث في قراءته للنص المعروض منتهى الموضوعية عند الشيخ ميثم، حيث أنه بعد أن يطرح رأيه يذكر رأي الآخرين واعتراضاتهم عليه، بل إنه يطرح الإشكالات العلمية على رأيه نفسه، ثم يناقش هذه الإشكالات مستفيداً من كافة العلوم ليخلص إلى تأكيد الرأي الذي ذهب إليه، ولعل هذا ما جعل الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني يقول عنه:"ويكفيك دليلا على جلالة شأنه وسطوع برهانه اتفاق كلمة الأنصار وأساطين الفضلاء في جميع الأمصار على تسميته بالعالم الرباني،وشهادتهم بأنه لم يوجد مثله في تحقيق وتنضيج المباني. 4ـ يدرك القارئ للنص الجهد الكبير الذي بذله الشيخ ميثم البحراني في تقصي الآراء المختلفة في موضوع الإمامة ولواحقها، ويدل إدراجه لمختلف الآراء مدى احترامه للرأي المخالف، ولن يجد القارئ أية لفظة تشعر باستنقاص أصحاب الآراء المخالفة والمعارضة له، كما أن ذكره للأسماء، لشخصيات أو مذاهب، ليدل على احترام كبير لمن يختلف معه، وأنه يسعى للتوصل إلى الحقيقة التي اقتنع بها عن دراية ومعرفة.وهذا ما كان يشير إليه في كتبه المختلفة،رغم وجود اعتراضات على ما يذهب إليه. 5ـ نظراً لكون مسألة الإمامة قضية عقائدية عند الشيعة، ترى أنها تصبح قسيمة الجنة والنار في مختلف مستوياتها وأبعادها، وترى أن الشيعة علماءاً وجمهوراً يرتبطون بعلاقة ولاء للأئمة الإثني عشر لدرجة التقديس، وقد ينسحب طيف من ذلك في العلاقة بالمرجعية الدينية باعتبارها امتداداً عاماً للإمامة، لذلك ليس غريباً أن نجد الشيخ ميثم البحراني وهو الفيلسوف المتكلم يختار عنواناً لكتابه "النص المختار" يعكس هذا الوعي العقائدي، “النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة"، إذ يعتقد الشيعة بأن الإيمان بالإمامة أصل من أصول المذهب، فهم بالإضافة إلى إيمانهم بالتوحيد والرسل والبعث يوم القيامة يؤمنون بالعدل الإلهي والإمامة، فالأول امتداد للإيمان بالتوحيد، والثاني امتداد للإيمان بالنبوة. 6ـ يقف الشيخ ميثم البحراني في منتصف المسافة تقريباً بيننا والعهد النبوي، وتأتي معالجاته لمسألة الإمامة في أكثر من كتاب كما نقل عنه الباحثون في إنتاجه العلمي، ليدل على أن هذه المسألة لم تزل محل سجال وجدال بين الأمة الإسلامية وأن إعادة طرحها هو ما يتطلبه الواقع للمساهمة في بناء تنمية مجتمعية سليمة تتوافق والشريعة الإسلامية السمحاء، ولعل ذلك ما نحن اليوم بحاجة ماسة إليه إذ أن التنمية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية هي أكبر التحديات التي تواجه المسلمين اليوم، في ظل عالم سريع التغير وفي حالة نمو مضطرد. وفي تقديري أن الشيخ ميثم لم يكتب بحثه في الإمامة هذا، مساجلة عقيدية، أو لترف فكري، ونزهة في خلافات الماضين، بل لشعوره بقيمة الوقوف على هذا البحث للمساهمة في الدفع باتجاه التنمية والتطوير في الأمة الإسلامية، وقد كان بحثه هذا استجابة لرغبة أحد المعنيين بهذا الأمر في تلك الفترة التاريخية وهو الملك عز الدين أبو المظفر عبد العزيز بن جعفر بن الحسين النيسابوري،صاحب البصرة،وصفه الشيخ ميثم بقوله:مولانا المعظم العالم العادل البارع ذي النفس الأبية. ملاحظات عن النص المختار 1ـ أصل النص هو الكتاب الذي نشره مجمع الفكر الإسلامي في قم المقدسة وحققه صاحب الفضيلة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي، معتمداً على نسختين مخطوطتين، إحداهما: نسخة مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) في مشهد وثانيتهما: نسخة مكتبة خاصة للسيد محمد علي الروضاتي في إصفهان. وقد بذل المحقق جهداً مشكوراً لإحياء هذا التراث الخالد، وذكر عن منهجية البحث التي اعتمدها المصنف أن:"الكتاب (النجاة في القيامة) يحتوي على أهم المسائل المتعلقة بمبحث الإمامة.ومنهج البحث فيه هو ذكر المسألة والآراء المتضاربة فيها ثم بيان الرأي الراجح ثم العود إلى الآراء المخالفة لمناقشتها استدلالياً، ويذكر المؤلف ما يثبت الرأي المختار عنده، كما أنه يبين المناقشات الجارية في دلالة هذه الأدلة مع الإجابة عنها. هذا كله مع القناعة والالتزام بالطريق العقلي المستقيم والتجنب عن كل نزعة ذاتية والاقتصار على الدفاع عن الحق والدين القويم. 2ـ يتضمن النص مقدمة وثلاثة أبواب. في المقدمة يعرف الإمامة ومذاهب الناس فيها، وفي الباب الأول يتعرض للشرائط المعتبرة في الإمامة، وفي الباب الثاني:يتكلم عن تعيين الإمام، أما الباب الثالث: فقد قرر فيه شبهة المعترضين عليه والجواب عنها. 3ـ سنقوم في هذا العرض بطرح تلخيص لرأي الشيخ ميثم رضوان الله عليه في مسألة الإمامة فقط مع الإشارة إلى ما ذكره من خلاف لرأيه أو إشكالات أثارها هو على رأيه، وسنترك التفصيل في ردوده على ذلك، لمراجعة النص الأصلي، إلا ما اقتضاه الحال. النص المقدمة عرف الإمامة «أنها رئاسة عامة لشخص من الناس في أمور الدين والدنيا». ثم ذكر أن هنالك ثلاثة آراء حول ضرورة الإمامة توزعت حولها آراء المسلمين، قائلا: "الإمامة إما أن تكون واجبة مطلقاً أو ليست واجبة مطلقاً أو أن تكون واجبة في حال دون حال، وإلى كل واحد من هذه الأقوال ذهب قوم: فالأول هو مذهب جمهور المتكلمين، والثاني هو مذهب النجدات من الخوارج، والثالث مذهب أبي بكر الأصم والفوطي. أما القائلون بوجوبها مطلقاً: فمنهم من أوجبها على الله تعالى وجعل طريق وجوبها العقل فقط، وهو مذهب الإمامية من الاثني عشرية وغيرهم ويثبتون الوجوب على الله تعالى بأن الإمامة لطف في الدين فتجب على الله تعالى بأن لا يخلي الزمان عنه. ومنهم من أوجبها على الخلق إما سمعا فقط، وهو مذهب أصحاب الحديث والأشعرية وجمهور المعتزلة، منهم أبو علي. وأبو هاشم وإما عقلاً وسمعاً وهو مذهب الجاحظ. وأبي القاسم البلخي وأبي الحسين البصري ومن تابعه. وهؤلاء لما لم يقولوا بأنه لطف في الدين لا جرم لم يوجبوه على الله تعالى. وأما القائلون بوجوبها في حال دون حال: فقال الأصم: لا يجب نصب الإمام في حال ظهور العدل والإنصاف بين الخلق، إذ لا حاجة إليه، ويجب نصبه عند انتشار الظلم وظهوره. وقال هشام بالعكس من ذلك أي عند ظهور الظلم لا يجب نصبه لأنه ربما كان سبباً للفتنة، لتمردهم واستنكافهم عن طاعته فيكون نصبه سبباً لازدياد الشرور، فأما عند ظهور الانتصاف وانتشاره فيجب نصبه لبسط الشرع وإظهار شعاره، فهذا تفصيل المذاهب في هذه المسألة.. وبعد أن يعرض عن ذكر تفاصيل آراء الآخرين يفصل رأيه في مسألة الإمامة قائلا: فنقول:" الإمامة واجبة عقلاً وسمعاً "ويبدأ بالدليل العقلي مبدعاً وجهين في هذا الدليل، نطلق على الأول:دليل الخير، وعلى الثاني:دليل التمكين.ونلاحظ هنا أنه أعرض عن ذكر دليل اللطف، الذي قال عنه أن الشيعة يرونه دليلاً عقلياً في إثبات وجوب الإمامة على الله عز وجل، وسيكشف عن رأيه في هذا الدليل بعد ذكر دليليه. التفصيل في دليل الخير قال:" نصب الإمام إما أن يكون خيراً محضاً أو الخير فيه أغلب، أو شراً محضاً أو الشر فيه أغلب، أو متساويين والأقسام الثلاثة الأخيرة باطلة لما يعلم بالضرورة بعد تصفح أحوال الخلق وعاداتهم أنه متى كان بينهم رئيس منبسط اليد قوي الشوكة، يردع ظالمهم وينصر مظلومهم، ويحثهم على الواجبات ويكفهم عن المحرمات، كانوا إلى الصلاح أقرب وعن الفساد أبعد. وإذا لم يكن بينهم مثل هذا الرئيس كان حالهم بالعكس، وفطرة العقل شاهدة بما ذكرنا، وإذا كان الأمر كذلك لم يمكن أن يقال الشر في هذه الحالة مساو للخير فضلاً عن القسمين الأخيرين فبقي أن يقال أنها خير أو الخير فيه غالب، وأيما كان فهي تفيد المطلوب. أما الأول: فلأن ذات الله تعالى فياضة بالخيرات، لا توقف لها في إفاضة الخيرات على أمر غير ذاتها، فكان إيجادها لمثل هذا الخير المحض واجباً. وأما الثاني: فهو أيضا كذلك، فأما كونها مشتملة على شيء من الشرور فلا يضر في وجوب وجودها، لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير في الجود والحكمة. فيثبت بما قررناه أن نصب الإمام واجب من الله تعالى، وهو المطلوب." بعد توضيح رأيه يطرح الإشكالات على الرأي بقوله:لايقال،ثم يجيب عن هذه الإشكالات واحداً بعد آخر ليؤكد صحة ما ذهب إليه،ونحن في هذه الورقة لم نشأ أن نتعرض لغير رأيه. التفصيل في دليل التمكين قال: ربما يقصد الشيخ بالتمكين ما جاء في قوله تعالى:وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (القصص:6) . قال:"الإمامة جزء من أجزاء التمكين الذي هو واجب، وجزء الواجب لا بد وأن يكون واجباً، فالإمامة واجبة، أما الكبرى فظاهرة ومتفق عليها وأما الصغرى فبيانها: أن الداعي إلى فعل أكثر الطاعات واجتناب المعاصي في أكثر الخلق في كل وقت موقوف على وجود الإمام وغير ممكن الحصول من دونه، وهذه ضرورية بعد تصحيح أحوال الخلق والاطلاع على أخلاقهم وطبائعهم ولوازم أمزجتهم، وإذا كان فعل الطاعة غير ممكن بدون الداعي لاستحالة الترجيح من غير مرجح والداعي غير ممكن من أكثر الخلق إلا بوجود الإمام، وجب أن يكون الإمام جزءاً من أجزاء التمكين، وكانت أولى بالوجوب." اعتراضه على دليل اللطف ويذهب في اعتراضه على دليل اللطف أن ما أبدعه من دليل عقلي على وجوب الإمامة أدق مما ذهب إليه من سبقه من متكلمي الشيعة الإمامية بقوله:"وهذا التقدير أولى من قول أصحابنا: إن الإمامة لطف وكل لطف واجب، لأن تقدير كبرى قياسهم في غاية الصعوبة والتعسر." الباب الأول يتعرض فيه للشرائط المعتبرة في الإمامة ويفصلها في أربعة أبحاث 1 ـ في كون الإمام معصوماً. 2 ـ في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته. 3 ـ في أن الإمام يجب أن يكون عالماً بكل الدين. 4 ـ في السبب الذي يتعين به الإمام. أولا:شرط العصمة يقول:"قالت الإمامية والإسماعيلية: إن العصمة شرط في الإمامة، وإن اختلفوا في علة وجوبها، فإن الإسماعيلية بنوا وجوبها على أنه لما كان الإمام معلماً للمكلفين ما يحتاجون إليه من العلوم وجب أن لا يخطئ، وقالت الإمامية: إنما وجبت في حقه لكونه لطفاً، فلو لم يكن معصوماً لم يكن لطف إذ لا إمام غيره. وقال الباقون من الأمة: إنها ليست بشرط." ثم يبين معنى العصمة بقوله:"العصمة ملكة نفسانية يمتنع معها المكلف من فعل المعصية." ثم يأتي ببرهانين على شرط العصمة: البرهان "الأول: لو لم يكن الإمام معصوماً للزم التسلسل في وجود الأئمة، والثاني باطل فالمقدم مثله.ويوضح برهانه بالقول:"أن علة حاجة الخلق إلى الإمام إنما هي جواز الخطأ عليهم، بدليل أنـّا متى تصورنا جواز الخطأ عليهم استلزم ذلك التصور حاجتهم إلى الإمام من غير توقف على تصور أمر آخر، وذلك يوجب كون جواز الخطأ علة حاجتهم إلى الإمام، فلو ثبت جواز الخطأ عليه لكانت حاجته إلى إمام آخر حاصلة، لقيام علة الحاجة فيه، ولزم التسلسل. وأما بيان بطلان التالي فظاهر." "البرهان الثاني: الإمام تجب متابعته بمجرد قوله، وكل من كان كذلك كان واجب العصمة، فالإمام واجب العصمة. أما أنه تجب متابعته فلوجهين: أولا: لأنه لا نزاع في وجوب متابعته على العامي في الفتوى والحكم، ومتابعة من ينصبه لهما، وأن العالم والعامي يجب عليهما متابعته في سياسته، وعدله وتوليته، وأمره ونهيه، وتنفيذه إلى الغزوات، وإقامة الحدود والتعزيرات. وأما أن ذلك بمجرد قوله فلأنه لو كان لأمر آخر ما كان فعلنا متابعة له. ثانياً: لأنه لو جاز خلافه لجاز إما في كل الأحكام أو في بعضها، والأول محال، لأن الأحكام الحقة لا يجوز خلافها، والثاني أيضا باطل، لأنا على تقدير أنا خالفناه في حكم جاز أن يكون ذلك الحكم في نفسه حقاً، وحينئذ يكون قد خالفنا الحق وإنه غير جائز. وبتقدير تسليمه فالمقصود حاصل لأن مقصودنا ليس إلا وجوب اتباعه في بعض الأحكام. وأما الكبرى: فلأنه لو لم يكن معصوماً لجاز أن يخطئ الحق ويرتكب خلافه ونحن لا نعرفه، فبتقدير ذلك منه وقد وجب اتباعه وجب علينا حينئذ ارتكاب ما نهينا عنه. بعد ذلك يعالج إشكالات يثيرها على برهاني العصمة، ثم يورد احتجاج خصومه عليه بقوله: "احتج الخصم بأنه لو وجب نصب الإمام المعصوم على الله لفعله، ولو فعله لكان ظاهراً، لأنا نعلم بالضرورة أن هذا المقصود لا يحصل إلا إذا كان ظاهراً متمكناً من الترغيب والترهيب، فأما إذا كان مستخفياً عن الخلق لم يحصل منه البتة شيء المنافع. وهو هنا يريد دفع التشكيك بالقول بالإمام الغائب كما في العقيدة بالمهدي المنتظر وهو الإمام الثاني عشر،كما في تطبيقه لمسألة الإمامة وهو ما يعتقده الشيعة الإمامية قاطبة.يقول: "والجواب: أن اللطف الحاصل لانبساط يده ذو أجزاء ثلاثة، جزء يجب على الله فعله، وهو إيجاد الإمام المعصوم بجميع شرائط الإمامة، والثاني يجب على الإمام نفسه، وهو تحمل أعباء الإمامة والقيام بأمورها، والثالث يجب على سائر المكلفين، وهو تمكينه والانقياد تحت أوامر أقلامه. ثم إن الماهية المركبة لا تحصل إلا بتمام أجزائها، والجزء الفائت من اللطف ها هنا إنما هو المتعلق بالمكلفين، فإنهم لما خوفوا الإمام لا جرم كان مستتراً منهم، ولم يلزم من ذلك عدم وجوده، فإن الجزء المتعلق بالله تعالى أو الجزء المتعلق به نفسه موجودان." ثانيا:في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته في ما هو إمام فيه، يأتي بأربعة براهين على ذلك: البرهان "الأول: أن الإمام يجب أن يكون معصوماً، وكل من كان كذلك وجب أن يكون أفضل من غير المعصوم. أما المقدمة الأولى فقد مر بيانها، وأما الثانية فمعلومة بالضرورة. البرهان "الثاني: لو لم يجب كون الإمام أفضل من رعيته لكان إما أن يكون مساوياً أو أنقص، والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله [ و ] إنما قلنا: أنه يستحيل أن يكون مساوياً لأنه لو كان في رعية الإمام من هو مساو له فيما هو إمام فيه لما كان متعيناً في الحاجة إليه، فلم يجب أن يوجد، وقد تعين في الحاجة إليه من بين سائر الأمة فوجب أن يكون موجوداً، فوجب أن لا يكون فيهم مساو له فيما هو إمام فيه." البرهان "الثالث: إنا سنبين إن شاء الله تعالى أن الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله)، وإذا كان كذلك لزم أن يكون الأفضل، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يخص بتأدية أحكام الله تعالى وأوامره إلا من كان أحفظ لها وأقوم بتأديتها، وأعلم بمواردها، وذلك هو الأفضل الأعلم، والعلم بصدق هذه الصفة فطري فوجب أن يكون الإمام أفضل." البرهان"الرابع: لو جاز تقديم غير الأفضل لجاز إما تقديم المساوي أو الأنقص، والأول باطل لأن تقديم المساوي إن كان لا لأمر كان ذلك ترجيحاً للممكن من غير مرجح وهو محال، وإن كان لأمر فهو إما أن يرجع إلى ذات الإمام فيكون في نفسه أرجح من غيره وقد فرضناه مساوياً هذا خلف، أو إلى غيره مع أن نسبة غيره إليه وإلى من يساويه في الحكم بالتقديم على سواء فاختصاصه بالحكم دون الآخر يستدعي مخصصاً آخر، والكلام فيه كالكلام في الأول، فيلزم إما التسلسل أو الترجيح من غير مرجح، والثاني أيضا محال لأنك علمت في حد الإمامة أنها: رئاسة عامة لجميع الخلق في أمور الدين والدنيا، وذلك يقتضي أن يكون جميع المكلفين في محل الحاجة في طرقي الدين والدنيا إلى من تحققت هذه الرئاسة في حقه، فوجب حينئذ أن يكون الإمام أفضل من سائر الخلق فيما هو إمام فيه." بعد هذه البراهين الأربعة يقول:واعلم أنه قد دخل في هذه المسألة بحسب مقتضى البراهين المذكورة وجوب أن يكون الإمام أعلم الخلق وأشجعهم وأحلمهم وأكرمهم وأتقاهم وبالجملة سائر الكمالات، للمعنى المفهوم من الإمامة. ثالثا:في أن الإمام يجب أن يكون عالما بكل الدين يقول في هذا الشرط للإمامة:"مرادنا بذلك أنه عالم بالأحكام الكلية من الدين بالفعل وأما الأحكام الجزئية المتعلقة بالوقائع الجزئية فله ملكة أخذ تلك الأجزاء من القوانين الكلية من موادها متى شاء وأراد، ومعنى ذلك أنه يكون متمكناً من استنباط كل حكم في كل صورة صورة متى شاء. وأطلق بعض أصحابنا القول بأنه يجب أن يكون عالماً بكل الدين ولم يفصّلوا، فإن كان مرادهم ما ذكرناه من التفصيل فهو حق، وإن كان المراد أنه يجب أن يكون عالماً بجميع قواعد الشريعة وضوابطها وقوانينها، ثم بجزئيات الأحكام المتعلقة بالحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها على سبيل التفصيل، فليس الأمر كذلك، وبرهان فساده: أن الجزئيات التي يمكن وقوعها كالمسائل الجزئية الواقعة في كل باب من أبواب الفقه والتي يمكن وقوعها غير متناهية، وما لا نهاية له يستحيل تعلق علم الإنسان به على سبيل التفصيل دفعة، والمقدمتان نظريتان، وما كان محالا استحال أن يكون شرطاً في صحة الإمامة". رابعا:في السبب الذي يتعين به الإمام قال رضوان الله عليه:"أجمعت الأمة على أن الإنسان لا يصير إماما بمجرد أهليته للإمامة وأجمعت أيضا على أن المقتضي لتعيين الإمام ليس إلا أحد الأمور الثلاثة: الأول: إما أن ينص عليه النبي أو الإمام. الثاني: أن تختاره الأمة وتجتمع عليه. الثالث: أن يدعو أهل الإمامة إلى نفسه بشرط أن يكون مبايناً للظالمين آمراً بالمعروف عاملاً به، ناهياً عن المنكر مجتنباً له، وهذا الإجماع إجماع عرضي ليس مقصوداً بالقصد الأول من جميع الأمة، بل معناه أن أحداً من الأمة لم يذكر سبباً رابعاً لتعين الإمام. اعلم أن الاتفاق من كل الأمة حاصل على كون السبب الأول ـ وهو النص من النبي أو الإمام ـ سبباً إلى تعيين الإمام، واختلفوا في الطريقين الباقيين، واتفقت الإمامية على إبطال أن يكون أحدها سبباً. وذهب الأشعرية وجمهور المعتزلة والخوارج والصالحية من الزيدية إلى أن الاختيار سبب لثبوت الإمامة، وذهب الباقون من الزيدية إلى أن الدعوة طريق إلى ذلك، ووافقهم على ذلك أبو علي الجبائي دون غيره من الأمة." وكعادته بعد استعراض الآراء المختلفة في الموضوع قيد البحث يرجع ليثبت ما يذهب إليه من رأي في كون تعيين الإمامة بالنص فيقول:"لنا في المسألة من الاستدلال أنواع ثلاثة: أحدها: أن نبين فساد الاختيار والدعوة عقلاً فيتعين أن السبب هو النص فقط. الثاني: أن نبين أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفوض أمر الإمامة إلى الاختيار والدعوة عقلاً، فيتعين النص وإن جاز ذلك عقلاً. الثالث: أن نبين أن النص وجد من الرسول (صلى الله عليه وآله)، فيكون الاختيار باطلاً. النوع الأول من دليل التعيين: الأول: أنا بينا أن الإمام يجب أن يكون معصوماً، وذلك مما لا يصح معرفته بالاختيار والدعوة عقلاً، فتعين أن السبب هو النص فقط. الثاني: أنا بينا أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته في كل ما هو إمام فيه، وذلك مما لا يمكن معرفته بالاختيار والدعوة. الثالث: القول بالاختيار يؤدي إلى خلو الزمان عن الإمام، وذلك غير جائز. بيان الأول: أن الاختيار ليس لكل أحد بل لأهل الحل والعقد من الأمة الذين هم أقل الأمة عدداً، وهؤلاء بالاتفاق غير معصومين، فبتقدير أن يختلفوا في إمامين مثلاً فتعين كل فرقة إماماً باختيارهم تتعادل الفرقتان، فأما أن يعمل باختيارهما، وهو باطل بالاتفاق، وإما أن يعمل بأحدهما، وهو تحكم محض، لأنه ترجيح فيه على الآخر. وإما أن ينتفي الاختياران فيكون ذلك إخلاء للزمان من الإمام. النوع الثاني: في الاستدلال بيانه من وجوه: "الأول: أن الضرورة قاضية بعد الخوض في أمر الدين أن السياسة هي التي يقوم عليها الدين ولا يتم بدونها، ثم إنه قد علم من حال الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه كان يسوس أمته كما يسوس الوالد أولاده الصغار، ومصداق ذلك قوله (صلى الله عليه وآله): " إنما أنا لكم كالوالد الشفيق " ثم إذا كان الوالد تجب عليه الوصية بأولاده الصغار عند موته فلأن يجب عليه أن يوصي بأمته إلى أحد يقوم فيهم مقامه وينفذ فيهم أمر الدين ويحفظه يكون أولى. الثاني: أنه (عليه السلام) قد شاع وتظاهر عنه مبالغته في بيان أحكام الشرع من الفرائض والسنن والآداب وشرح كيفية الاستنجاء و... والعقل يشهد بأن أمر الإمام أهم من كل واحد من هذه الجزئيات فإذا ثبت أنه (عليه السلام) لم يخل ببيان هذه الأشياء فبطريق الأولى أن لا يخل بأمر الإمامة. الثالث: أن الله تعالى ما قبض نبيه إليه حتى أنزل عليه: اليوم أكملت لكم دينكم. ولا يكون مكملاً للدين إلا وقد بين كل ما يتعلق به، والإمامة إن لم تكن أعظم أركان الدين فلا شك أنها من الأمور المهمة في الدين، فإذن من الواجب أن يكون تعالى قد بين أمر الإمامة إما في كتابه أو على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، وذلك يقتضي وجود النص." النوع الثالث من الاستدلال: قال: فسنبينه إن شاء الله تعالى في تعيين الإمام. ثم أورد احتجاج خصومه على قوله بالنص في تعيين الإمام،قال:احتج الخصم في إبطال النص بأن قال: لو نص الرسول (صلى الله عليه وآله) على الإمام بعده نصاً جلياً لكان ذلك بمشهد أهل التواتر أو لا يكون والتالي بقسميه باطل، فالمقدم كذلك، أما الملازمة فظاهرة، أما بطلان القسم الثاني من التالي، فلأنه يبطل أصل الحجة، وأما القسم الأول فلأنه لو كان كذلك لوجب اشتهاره بين الأمة كسائر المتواترات. وإنما قلنا ذلك لأن تنصيص الرسول (صلى الله عليه وآله) على إمامة شخص معين أمر عظيم، وكل أمر عظيم يقع بمشهد أهل التواتر فلأنه لا بد وأن ينتشر في أكثر الخلق، وكل خبر هذا شأنه فلأنه لا بد وأن يحصل العلم لسامعيه فهذا ادعاء بحت... يصح بصحتها المطلوب. وإنما قلنا أن تنصيص الرسول (صلى الله عليه وآله) على إمامة شخص معين أمر عظيم، لأن أعظم الأشياء عند الإنسان الدين وأعظم الناس الشارع، فإذا أقام الشارع إنساناً نائباً له في دين أمته ودنياهم فلا شك في كون تلك المنزلة أعظم المنازل. وإنما قلنا أن الأمر العظيم الواقع بمشهد الناس لا بد وأن ينتشر لأنا نعلم بالضرورة أن أهل الجمعة إذا انصرفوا عن المسجد وقد تنكس الخطيب عن المنبر مثلا فإنما يمتنع أن لا يخبروا الناس بذلك وأن تتوفر دواعيهم على نقله. وإنما قلنا: أن الخبر الذي هذا شأنه يفيد العلم، لأن ذلك ضروري. وإذا ثبتت هذه المقدمات لزم من وجود النص انتشاره وظهوره فيما بين الخلق كسائر المتواترات، فلما لم يكن كذلك علمنا كذبه. والجواب: أنا سنبين إن شاء الله تعالى صحة النص الجلي على إمامة علي (عليه السلام) وأنه بلغ مبلغ التواتر، وحينئذ ينتفي الاختيار. الباب الثاني في تعيين الإمام بعد أن تحدث الشيخ ميثم في المقدمة والباب الأول،عن رؤيته في نظرية الإمامة،نراه في هذا الباب،يكشف مصاديق هذه النظرية،فيذكر الأئمة واحداً واحداً، مدللاً على ما يذهب إليه،بأدلة عقلية ونقلية،يثبتها في بحثين:"1 ـ في أن الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام).2 ـ في تعيين باقي الأئمة (عليهم السلام). وقبل الشروع في الكشف عن أدلته في ذلك يأتي بمقدمة،يقول فيها:"ذهب جمهور المعتزلة والأشعرية والخوارج والمرجئة: إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم ينص على إمام بعده. وقال قوم: إنه نص على إمام بعينه. ثم اختلفوا في ذلك المنصوص عليه، فقالت الشيعة: إنه نص على علي (عليه السلام). وقال قوم: إنه نص على أبي بكر. وقال آخرون: إنه خص العباس بأقوال وأفعال تستلزم إنه الأحق بالإمامة دون غيره. والذين ذهبوا إلى القول بالنص على أبي بكر فمنهم من قال: إنه نص خفي وهو تقديمه له في الصلاة وهذا القول محكي عن الحسن البصري. ومنهم من قال: إنه نص جلي وهو قول جماعة من أصحاب الحديث. فهذا تفصيل المذاهب." البحث الأول في بيان أن الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:"وبيان ذلك بثلاثة أنواع من الأدلة: النوع الأول: في النصوص الجلية، وهي ثلاثة: الأول: النص المتواتر على إمامته، وهو قول النبي (صلى الله عليه وآله) مخاطباً لأصحابه: " سلموا عليه بإمرة المؤمنين " الثاني: قوله وهو مشير إليه آخذ بيده: " هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا " الثالث: قوله (عليه السلام) يوم الدار وقد جمع بني عبد المطلب: " أيكم يبايعني ويؤازرني يكن أخي ووصيي وخليفتي من بعدي " فبايعه علي (عليه السلام) فوجب أن يكون أخاه ووزيره ووصيه وخليفته من بعده." ولا يترك طرحه من دون ذكر ما عليه من اعتراضات، فيعالجها، ثم يرجع لتأكيد ما ذهب إليه. النوع الثاني:الاستدلال بالنصوص وهي ثلاثة:"الأول:قولـه تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، حيث يقول:والاستدلال بهذه الآية مبني على أمور ثلاثة: أحدها:أن لفظة الولي محتملة في اللغة لمعنى أولى.الثاني:أن هذا الاحتمال متعين الإرادة هاهنا منها.الثالث:أن المراد بقوله تعالى: يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون علي عليه السلام وحده، ويلزم من هذه المقدمات أن يكون علي "ع"أولى بتدبير الأمة والتصرف في أمورهم، وذلك معنى كونه إماما."وذكر في التفصيل:أطبق المفسرون على نزول هذه في حق علي "ع"لأنه لم يتصدق وهو راكع غيره، فوجب أن يكون هو المراد لا غير. الثاني:"التمسك بقوله يوم خم وقد جمع الناس بعد رجوعه عند حجة الوداع، وكان يوما صائفاً حتى أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه لشدة الحر وجمع الرواحل، وصعد عليها مخاطباً لهم:ألست أولى منكم بأنفسكم قالوا:اللهم بلى، قال:من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله. الثالث:"قول النبي (صلى الله عليه وآله):"أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"قال:وجه الاستدلال به أن هذا الحديث يثبت لعلي "ع"من النبي (صلى الله عليه وآله) مثل جميع المنازل التي كانت ثابتة لهارون من موسى "ع" ومن المنازل الثابتة لهارون من موسى كونه مستحقاً للقيام مقامه بعد وفاته لو عاش بعده، فوجب أن يثبت لعلي"ع" ذلك. النوع الثالث: الاستدلال بالبراهين العقلية، وهي أربعة: البرهان الأول: علي (عليه السلام) أفضل الصحابة، والأفضل يجب أن يكون هو الإمام، فإذن يجب أن يكون علي هو الإمام.وجاء باثنين وعشرين وجها ليدلل به صحة ما ذهب إليه.قال في السابع منها:"إن جميع فرق العلماء تنتهي في علومهم مع اختلاف أنواعها إليه، فوجب أن يكون أعلمهم . أما علم الأصول فالمتكلمون إما معتزلة وهم ينسبون إليه، وإما أشعرية وهم ينسبون إلى أبي الحسن الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي المعتزلي وهو ينسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام). وأما الشيعة فانتسابهم إليه ظاهر. وأما الخوارج وهم مع بعدهم عنه منتسبون إلى أكابرهم وكانوا تلامذة علي (عليه السلام). وأما علم التفسير: فرئيس المفسرين ابن عباس وكان تلميذاً لعلي (عليه السلام). وأما علم الفقه: فكان (عليه السلام) فيه في أعلى درجة، ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أقضاكم علي. وأما الفصاحة: فمعلوم أن أحداً من الصحابة الذين بعده والذين معه أيضا لم يدركوا درجته ولا القليل منها. وأما علم النحو: فمعلوم أنه إنما نشأ منه وهو الذي أرشد أبا الأسود الدؤلي إليه وأما علم التصفية: فمعلوم أن نسبة جميع الصوفية تنتهي إليه. وأما علم الشجاعة وممارسة الأسلحة فمعلوم أن نسبة هذا العلم تنتهي إليه أيضا. فثبت بما ذكرناه أنه (عليه السلام) كان أستاذ العالمين بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وجميع الخصال الحميدة والمقامات الشريفة حاصلة له، وإذا ثبت أنه (عليه السلام) كان أعلم الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجب أن يكون أفضلهم بعده لقوله تعالى: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وقوله تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات. البحث الثاني في تعيين باقي الأئمة (عليهم السلام) قال:"الإمام الحق بعد علي (عليه السلام) ولده الحسن، ثم الحسين، ثم ابنه علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي بن موسى الرضا، ثم ابنه محمد الجواد، ثم ابنه علي الزكي، ثم ابنه الحسن العسكري، ثم ابنه محمد الخلف الحجة المنتظر (عليهم السلام). ولنا في إثبات هذا الترتيب وجهان: الأول: أنا قد بينا أن الإمام يجب أن يكون هو المنصوص عليه من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله) أو من يقوم مقامه، وثبت أيضا أن الإمام يجب أن يكون معصوماً، ثم علمنا بالتواتر أن عليا (عليه السلام) نص على ابنه الحسن بالخلافة، فتعين أن يكون هو الإمام بعده. وتعين أنه معصوم، وإنه نص على أخيه الحسين وهكذا نص كل واحد منهم على من بعده من المذكورين، فوجب أن يكون هو الإمام فلزم من ذلك أن تكون الإمامة معينة في المذكورين واحداً بعد آخر إلى آخرهم. الثاني: الخبر المتواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال للحسين (عليه السلام): " ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم حجة ابن حجة أخو حجة أبو حجج تسع " وهذا نص في المسألة. بقي أن يقال لو سلمنا تواتر هذا الخبر في هذا اللفظ، لكن لم قلتم، إن التسعة هم الذين عنيتموهم، ولم يجوز أن يكون غيرهم من أولاد الحسين (عليهم السلام)، فحينئذ يتعين الرجوع منا إلى كل واحد منهم وقد نص على من بعده. إذ نقول: إن غير الإمام يعترف باختيار الرعية له و ]عدم[ اطلاعهم على أنه صاحب الملكة الرادعة عن المعاصي المسماة بالعصمة من بين سائر أولاد الإمام، وبتعيين الإمام يتعين أن يكون هو الإمام الحق، وبظهور الكرامات على يده. وأما الكلام في تواتر هذا الخبر سؤالاً وجواباً، وتقريراً وإبطالاً، فكما تقدم في تواتر النص الجلي على إمامة علي (عليه السلام)." الباب الثالث الرد على أقوال معارضيه بعد أن يقدم الشيخ ميثم رأيه في موضوع الإمامة ويذكر مصاديقها، تراه يعود مجدداً لموضوعيته المتناهية ليذكر المخالفين لنظريته، الأمر الذي يعني أن معالجة مثل هذه المسألة المعقدة في تاريخ المسلمين، لا يمكن أن تتم بطريقة الإقصاء والتهميش، بل بذكر كل الآراء الواردة بكل شفافية واحترام، والتأكيد على الرأي المختار،بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية، وهنا يتوجب علينا أن نثبت ما قاله رضوان الله عليه،لنتعلم منه موضوعية البحث العلمي،يقول:" فاعلم أن المخالفين لنا في المسألة إما شيعة أو غير شيعة، أما غير الشيعة فهم المنكرون لتقديم علي (عليه السلام) على أبي بكر وهم أكثر الأمة، وأما الشيعة فأصولهم فرق أربعة: الإمامية، والكيسانية، والزيدية، والغلاة، وكل فرقة كالنوع لأصناف، ويلزم مقالة كل واحدة من هذه الأصناف إنكار أحد الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، ونحن نعين كل واحدة من الفرق . وبعد أن يثبت أقوالهم، يأتي عليها ليدحضها بطريقته المنهجية، ويؤكد على أن ما ذهب إليه من رأي هو الصحيح.وإنك لتستغرب لشدة إحصائه للفرق وآرائها واحترامه لكل رأي وعدم تسخيفه مهما اعترض عليه،رغم المناخ السياسي والفكري المشحون الذي امتاز به عصره رحمه الله. الخاتمة مع أن موضوع الإمامة من المواضيع الشائكة في تاريخ المسلمين، ونقاشه غالباً ما يتسم بالتوتر والصراع غير أننا نجد العالم النحرير الذي نحتفي به في هذه الندوة المباركة يتعرض لهذا البحث، بروح الباحث الذي يعيش بداخله الطمأنينة والسكينة بحثاً وراء الحقيقة،وقد تكون النظرية التي أثبتها الشيخ ميثم ودافع عنها في غاية المثالية والبعد عن الواقعية،إذ أن التاريخ لم يذكر عن وصول هؤلاء الأئمة إلى دور القيادة الفعلية للأمة الإسلامية،سوى فترة خمس سنوات حكم فيها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام،ثم قرابة ستة أشهر تنازل فيها الإمام الحسن عليه السلام عن الحكم لمعاوية بن أبي سفيان،أما بقية الأئمة فقد كانوا بعيدين أو مبعدين عن الدور القيادي في الأمة. لكن المثالية قد تصبح في يوم ما واقعاً، وكثيرة هي الممارسات التي تتصل بقيادة الحياة كانت أشبه بالمستحيلة في عقلية المسلمين، وتحولت الى واقع مقبول،وعلى حد تعبير أحد الأكاديميين: "إن ما نسميه اليوم بطريقة الانتخابات لم يعرفها العالم الإسلامي في صورة عملية واضحة .. فكيف إذا كانت الفكرة نابعة من صميم الفكر الإسلامي، وينظر لها مفكرون كبار كالفيلسوف الحكيم الشيخ ميثم البحراني. بالتأكيد أن فهماً أعمق لهذه النظرية يتطلب المتابعة التاريخية لما بعد مرحلة الإمامة المعصومة التي نظر لها الشيخ ميثم، وهذا يستدعي من الباحث أن يدرس النظريات المتولدة من نظرية الإمامة كنظرية ولاية الفقيه التي قامت عليها جمهورية إيران الإسلامية،وكذلك نظريات الولاية عند الفقهاء الشيعة. الهوامش: 1ـ الدكتور علي أبو ملحم،الفلسفة العربية مشكلات وحلول،232،مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر،1994م ـ الشيخ محمد مهدي شمس الدين،نظام الحكم والإدارة في الإسلام،ص 7،دار الثقافة للطباعة والنشر،نقلا عن الملل والنحل،لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني. 3ـ صحيح مسلم:12/241ـاصول الكافي للكليني:1/376 4ـ صحيح مسلم:6/22.نقلا عن نظام الحكم والإدارة في الاسلام،مصدر مذكور. 5ـ توفيق السيف، نظرية السلطة في الفقه الشيعي، المركز الثقافي العربي، 2002 6ـ رضوان السيد، الجماعة والمجتمع والدول، نقلا عن المصدر السابق. 7ـ رضوان السيد، المصدر السابق. 8ـ الدكتور محمد علي أبو ريان،تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام،ص 121،دار النهضة العربية،بيروت. 9ـ المهتدي البحراني، تاريخ علماء البحرين،ص 77،مؤسسة البلاغ،1994م،بيروت. 10ـ للإطلاع أكثر على الموضوع يمكن مراجعة اصل الشيعة وأصولها، الشيخ محمد رضا مظفر. 11ـ مقدمة النجاة في القيامة، الشيخ محمد هادي اليوسفي، نشر مجمع الفكر الإسلامي، قم المقدسة 12ـ استعمل الفقهاء المسلمون مصطلح الإمامة لوصف النظام السياسي،في محاولة للحفاظ على الصبغة الدينية للسياسة، فالإمامة، على رغم أن معناها اللغوي لا يتجاوز مفهوم الرئاسة أو التقدم،إلا أن القرآن استعملها تكراراً في معنى الرئاسة ذات المضمون الديني،وخصوصاً تلك التي تأتي على أنقاض إمامة جورية معادية للدين والرعية،كما في مثل قولـه تعالى إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين،ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين...للتفصيل حول تأصيل تعريف الإمامة، يراجع، توفيق السيف، نظرية السلطة في الفقه الشيعي،مصدر مذكور. 13ـ أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي الأهوازي البصري البغدادي، المعتزلي الكبير المتوفى في بغداد سنة 306 ه، وفيات الأعيان 1: 481.نقلا عن المحقق 14ـ أبو هاشم عبد السلام بن محمد الجبائي الأهوازي البغدادي المعتزلي الكبير المتوفى في بغداد سنة 321 هـ. وفيات الأعيان 1: ،ن292 وأتباعهما. 15ـ عمرو بن بحر الجاحظ البصري المتوفى بالفالج في البصرة سنة 225 وهو غلام النظام المعتزلي. 16ـ أبو القاسم البلخي عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي المتوفى 317. وفيات الأعيان 1: 252. 17ـ هشام بن الحكم الشيباني (175 أو 179 أو 190 أو 199 هـ) ولد بالكوفة ونشأ بواسط وسكن بغداد، كانت له كتب في الرد على الزنادقة وعلى القائلين بإمامة المفضول وعلى المعتزلة في طلحة والزبير، وفي القدر والإمامة.(هذه وما قبلها توضيحات المحقق). 18ـ ذكر الشيخ مرتضى مطهري:"الإمام لطف"المقصود من التعبير أن الإمامة نظير النبوة،خارجة عن اختيار البشر واستطاعتهم،متصلة بطرف أخر يجب أن تصدر منه،فاذا كانت النبوة يجب أن تأتي من خلال الوحي وهي تعيين من السماء،فما كانت الإمامة – وهي مثلها – إلا بتعيين من النبي عن الله،والفرق بينهما أن النبوة تصدر مباشرة عن الله،ويكون ارتباط النبي بالله مباشرة، أما الإمام فيعينه النبي "عن الله".للتوسع يراجع،الشهيد مرتضى مطهري،الإمامة،ص 94،مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر،قم. 19ـ تجده مشابهاً مع ابن ابي الحديد المعتزلي في القول بذلك كما في شرح نهج البلاغة،1:6. 20ـ الطاغية، إمام عبد الفتاح إمام،عالم المعرفة 183،1994الكويت. ـ قال السيد كاظم الحائري:لا يختلف اثنان من علماء الإمامية حول أن الأئمة المعصومين الإثني عشر الوحيدين الصالحين للقيادة،لامتلاكهم أهلية الهداية الفكرية والإمامة الاجتماعية،والزعامة الدينية للمسلمين بعد رسول الله(ص) لكن يخضع للنقاش دائما هو كيفية استمرار هذا الأمر في غياب الإمام المعصوم. للتوسع مراجعة آراء في المرجعية الشيعية. ـ يرى العلامة النراقي أن ولاية الفقهاء مطلقة وغير محدودة،كولاية الأنبياء والأئمة"ع" على الأمة الإسلامية،باستثناء بعض الموارد.المصد السابق ـ حسب السيد فضل الله هنالك ثلاث اتجاهات بالنسبة لموضوع الولاية:1/الولاية العامة 2/الولاية الخاصة 3/الولاية الجزئية،المصدر السابق
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• الامداد الغيبي في حياة البشرية
(بازدید: 1445)
(نویسنده: مرتضى مطهري)
• البرهان والعرفان
(بازدید: 1334)
(نویسنده: الدكتور علي أبو الخير)
• المنطلقات الفكرية للتعددية السياسية
(بازدید: 1877)
(نویسنده: الدكتور حسان عبدالله حسان)
• المنظومة الفكرية للشهرستاني وموقع ابن سينا منها
(بازدید: 2123)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تأملات في دعاء شهر رجب
(بازدید: 3400)
(نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• قصة الناي في فكر الكواكبي
(بازدید: 1794)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ما الذي يعنينا في هذا الاستشراق؟
(بازدید: 1289)
(نویسنده: عبدالنبي اصطيف)
• مقاصد الشريعة في المجتمع الإسلامي
(بازدید: 2789)
(نویسنده: الدكتور عمار الطالبي)
• مناهج دراسة مسألة «المهدي»
(بازدید: 1296)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ
(بازدید: 1222)
(نویسنده: مرتضى مطهري)
• الاسلام وايران / الاتجاه الحضاري
(بازدید: 2176)
(نویسنده: الدکتور محسن الويري)
• التجديد والزمن - رؤية الشهيد الصدر لمؤثرات التجديد
(بازدید: 1254)
(نویسنده: السيد حسين الشامي)
• التحديات التي تواجه الإسلام / في العصر الحديث
(بازدید: 6892)
(نویسنده: الدكتور محمود حمدى زقزوق)
• الحداثة والتجديد / في فكر الإمام الخميني العرفاني
(بازدید: 1723)
(نویسنده: الدكتورة فاطمة الطباطبائي)
• الشهيد مطهري وإحياء الفكر الاسلامي
(بازدید: 2456)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العلاقات الدولية / واحترام العهود والمواثيق في الإسلام
(بازدید: 2924)
(نویسنده: الدكتور وهبة الزحيلي)
• الغلو والتطرّف والإرهاب / وموقف الإسلام منها
(بازدید: 1333)
(نویسنده: الدكتور مراد ويلفريد هوفمان)
• الغلوُّ والتَّطرف والإرهاب / وموقف الإسلام منها
(بازدید: 1617)
(نویسنده: الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي)
• دور الامام الصدر في التطوير الفقهي / وتحديد المشكلة الاقتصادية
(بازدید: 1078)
(نویسنده: الدكتور عبد الهادي الفضلي)
• سنن التاريخ عندالشهيد الصدر
(بازدید: 1570)
(نویسنده: عبدالإله المسلم)
|