فلسطين في الشعر اللبناني
|
ثقافتنا - العدد 10
أدب
الدكتور عبدالمجيد زراقط
1427
«ملخّص» قضية فلسطين قضية مركزية من قضايا الشعر اللبناني، واكب أحداثها، وكتب تاريخها، وكشف وبيّن، وحرّض، وبقي، على الرغم من كل ما حدث، يدعو إلى التحرير، ويؤمن بأنه آتٍ ولو بعد حين. مثلت قضية فلسطين مكوّنا أساسياً من مكوِّنات الذات العربية – الإسلامية ووجدانها، وندر أن تجد شاعراً عربياً لم ينشد لفلسطين شعراً يصور نكباتها، أو يدعو لتحريرها، أو يحيي بطولات شعبها، أو يتتبع أحداث تاريخها.. لهذا قد لا يستطيع الباحث الإحاطة بالشعر الذي قيل في فلسطين، في الإنتاج الشعري العربي، في مقالة، أو في كتاب، فالموضوع يحتاج إلى موسوعة كثيرة الأجزاء لتفيه حقه. وإن كان لابد من الحديث في هذا الموضوع في صفحات معدودة، فسوف نتحدث عن حضور فلسطين في الشعر اللبناني على سبيل المثال. وسوف يكون حديثنا موجزاً يقدم إشارات دالة تحتاج إلى تفصيل. والحديث المفضل يقتضي أن يخصّص له مجلد أو أكثر في تلك الموسوعة التي أشرنا إليها قبل قليل، وخصوصاً أن الشعر الذي قيل في الجنوب اللبناني لا ينفصل عن الشعر الذي قيل في فلسطين، فقد تشابكت القضيتان، وهذا ما سوف نلاحظه لدى قراءتنا شعر عدد كبير من الشعراء الجنوبيين منهم. واكب الشعراء اللبنانيون القضية الفلسطينية منذ بدايتها، فرأوا إلى حقيقة وعد بلفور الذي تعهد فيه وزير خارجية بريطانيا، عام 1917، لزعيم الحركة الصهيونية، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبينوا أهدافه ونتائجه، ورأوا أنه ينبغي أن يكون عامل وحدة، فقال الشاعر محمد علي الحوماني، على سبيل المثال: لفلسطين في الشام يدٌ إن فـــرَّقها بلفـــــــــور فقــد لا يغفل عنها لبنانُ وحَّــــدها قبـــــلاً عدنــــــانُ وأنشد رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) قصيدته المشهورة: «وعد بلفور»، ورأى فيها أن الحق أكبر من المتجبِّر ومن وعوده، وأن الكريم لا يحسن من جيب غيره، ثم يكشف زيف دعاوى المستعمر ويدعو الشعب إلى أن ينهض… ومما جاء في هذه القصيدة المعروفة: الحق منك، ومن وعودك أكبر تعد الوعود، وتقتضي إنجازها لو كنت من أهل المكارم لم تكن .. فلقد نفوز ونحن أضعف أمة يا مصدر الكذب الذي ما بعده تجني على وطن المسيح مدمِّراً أو مالـ«يوضاس» اللعين وآله يا عرب، والثارات قد خلقت لكم يدعوك شعبك، يا صلاح الدين، قم نســي الصليبيـــون ما علّمتهــــم فاحسب حساب الحقّ، يا متجبِّرُ مهج العباد، خسئت يا مستعمر من جيب غيرك محسنا يا «بلفر» وتؤوب مغلوباً، وأنت الأقدر كذب، تعالى الحق عمَّا تنشر وتذيع أنك في البلاد معمّر إلا فلسطين الشهيدة مهجر اليوم تفتخر العلى أن تثأروا تأبى المروءة أن تنام ويسهروا قبل الرَّحيل، فــعد إليهــم يذكروا.. وإذ يمضي الاستعمار/ الإنتداب الإنكليزي في تنفيذ «وعد من لا يملك إلى من لا يستحق»، يكشف الشعراء أهدافه، ويواكبون الأحداث، ومنها أحداث الثورة المستمرة التي قامت في فلسطين لمنع تهويدها وسعي الإنكليز إلى القضاء على الثورة والثوار.. ومن نماذج هذه الأحداث ذلك الحدث الذي يقوم فيه الإنكليز بإعدام عدد من المناضلين عام 1930، وهم الرعيل الأول من شهداء القضية الفلسطينية. يقول الشاعر رضا شرف الدين: إنَّ هؤلاء الأبطال يثبتون أنه: في كلّ يوم للعروبة مشهد يُنبي بأن العزَّ ملء إهابها وفي قصيدة ثانية يرى الشاعر القروي أن «وعد بلفور» مثل دور المحفز للشعور بضرورة الوحدة، وحدة أمة مخلدة كالفجر، ولها في كلِّ يوم من أيام التاريخ غضبة مضرية، ومما جاء في هذه القصيدة: جزى الله عنا «بُلفراً» أجر محسن عرفنا به أنا سلالة أمة .. لنا كلّ يوم غضبة مضريَّة فكلّ فتاة فـــي فلسطين «خولـة» فوالله لم يبرأ من الفضل «بلفر» مخلدة كالفجر يطوى وينشر تبرهن أن الحق كالله أكبر وكلُّ غــلام في فلسطين «عنتــــر» وعندما تقوم ثورة 1936، ينبري شعراء كثر مثل موسى الزين شرارة وعلي مهدي شمس الدين بإنشاد القصائد المؤيِّدة والمحرِّضة والداعية إلى استمرار الثورة حتى تحقيق الأهداف. لكن التدخل العربي الرسمي/ الأنظمة يوقف هذه الثورة، ثم تتوالى الأحداث، وينشط المقاومون ويحرزون انتصارات يتم تصوير بعضها. لكن القوى الاستعمارية تنجح في تحقيق وعدها. وتحل النكبة في عام 1948، فيغزر الشعر ويغدو ملاحم ودواوين، فالشاعر بولس سلامة ينظم ما سماه «فلسطين وأخواتها»، والشيخ سليمان ظاهر ينظم ما سمَّاه «ديوان فلسطينيات»، وكذلك ينظم شعراء كثر، منهم محمد علي الحوماني وموسى الزين شرارة، الشعر الغزير. فلكل شاعر من الشعراء المواكبين أحداث فلسطين من الشعر ما يؤلف ديواناً. وفي هذه الفلسطينيات عين ترى المصاب فتأسى أسى وجدانياً عميقاً، ووعي عميق نافذ إلى حقائق الأمور يدفع اليد لتشير إلى موطن الداء، فنقرأ، على سبيل المثال، بعض النماذج. يقول فؤاد جرداق في نكبة 48، آملاً بالنصر محرّضاً عليه وواثقاً من تحقيقه: قل لابن صيهون اللئيم بأننا وتـــدوس معطسة الكماة، وتزدري عرب، سنقرن وعده بوعيده شـــوس الأبـــاة بماله ونقــــوده ويرى الشيخ علي شمس الدين، بعد أن يقوم الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، إلى طبيعة المشاركة العربية الإسلامية، ويسخر منها سخريَّة مرّة، ومما يقول: فالمسلمون ليس من واجبهم إلا القيام بصلاة الغائب! وإذ يجد أن سخريتة تنبه المتلقي، يلتفت إلى الواقع المعيشي، فيحدِّد موطن الداء ويشخِّص من رمى الورى بـ «الدواهي الدهم»، ومما يقول: ما ضرَّنا أجنبيٌّ في طماعته وإنَّ مــن بـــاع أثمن أرض لليهود ولا جنى «وعد بلفور» على العرب رمى الورى بالدواهي الدهم عن كثب إنّهم عصبة أضرت العرب أكثر ممَّا أضرَّها الأجنبي ووعد بلفور. ويرى محمد علي الحوماني أن هذه «العصبة» عاثت في البلاد فساداً. ولذا تجب الثورة على أفراد هذه العصبة ورميها رمي العجم، أي النواة، ومما يقوله: تولوا، فعاثت بها عصبة متــى يفصح الشعـــب عن حقــه كبار النفوس صغار الهمم فيلفظهــــــم منـــه لفظ العجــم ويصوِّر عبد الحسين عبد الله وجهاً من وجوه ما حدث، وهو الاضطرار إلى ترك البلاد واللجوء إلى الخيم والأكواخ، فيصف لاجئة تبحث عن مكان لها تحت الشمس، فيقول: حملت، في الظلام، طفلا هزيلاً وعيونُ الشمس تهمي عليها تغمر الطفل بالحنان وتلقي كلِّمـــا شــــاهدت على البعد داراً باكياً يملأ الفضاء عويلا مالآتٍ عرض الطريق سيولاً فوق عينيه ثوبها المبلولا أســرعت نحوهـــا تروم الدخولا.. ويدعو في قصيدة مشهورة إلى الثورة، فيقول: وطن دعائمه الجماجم والدَّم في كل ناحية شهيد رابضٌ يــا من رأى تلــك الحراب تحطمت تتهدَّم الدنيا ولا يتهدّم وبكل صرح شاعر يترنَّم والحـــق لا يُلوى ولا يتحطّـــــمُ ويبقى الأمل في النفوس راسخاً، فيرى الشيخ إبراهيم شرارة في نشيده: «عرب نحن» أن مغتصبي فلسطين ذئاب، ولكنهم سوف يجلون أخيراً، كما أجلي من سبقهم من المستعمرين، ومما قال: .. وكما ذلَّت فرنسا، وجلت فسنجلي عن فلسطين الذئابا هؤلاء الذئاب كانوا قد توافدوا من مختلف بلاد العالم، وقد أدرك قادة الرأي هذا الخطر، فتنادوا إلى إحياء يوم هو «يوم فلسطين» وجه فيه السيد محسن الأمين نداء معروفاً ونظم شعراً..، فحدد موقع فلسطين في العالم العربي الإسلامي وبيّن أهميتها ودورها وضرورة إنقاذها.. ويقول الشيخ عبدالحسين صادق محذراً من «الأفاعي» داعياً للنهوض والثورة: …لا يُغْرِكم منهم نعومة لمسهم حتَّامَ أنتم في سُبات جهالة أعطوا مقاليد القيادة لا مرئ عضوا النواجذ، فالظبا عن هامكم ليســـت براجعــــة لكم أوطانكم فالصل ألين ما يجسُّ وأنعم عما يضعضع مجدكم ويهدم ثبت البصيرة رأيه مستحكم تنبو، وموروا بالأسنة تسلموا «حتى يراق علـــى جــوانبها الدم» لكن الحماة ظلوا نياما «في سبات جهالة»، فيرى عبدالرؤوف الأمين (فتى الجبل) حالة الأمة الغافية، وحالة عدوها المستيقظ الغدار، فيصور هذه الثنائية التي أفضى قيامها إلى أن تصبح فلسطين الشهيدة مسرحاً للغدر: الثأر نام، وهل سمعت بأمَّة نامت على مهد الحمام ولينه نامت، وأقزام اليهود بأرضها .. فــــإذا فلسطين الشهيـدة مسرح تغفو، وبين ضلوعها إعصار!؟ وعدوّها مستيقظ غدَّار سادوا وراء حدودهم وأغاروا للغـــدر، وقـــد حفّت بها الأخطار ارتكب الصهاينة مجازر كثيرة على مسرح فلسطين الشهيدة. وعلى مسرح الجنوب اللبناني. ففي عام النكبة اقتحموا القرية العاملية «حولا»، وجمعوا رجال القرية في غرفة وقتلوهم، ومما يقولـه عبدالحسين مزرعاني، وهو ابن القرية المنكوبة ومن معاصري النكبة: ما حلّ في حولا سيبقى ماثلا إن اللئام بشيخها قد أعملوا .. هــذي فلسطين الشهيدة أصبحت رغم الفنا وتعاقب الأزمان فتكاً، وبالاطفال والفتيان يا للأسى فــي قبضـــــة الطغيان.. وإذ تصبح فلسطين الشهيدة الجريحة في قبضة الطغيان، يدعو الشعر إلى تجديد العهد وتشارك المرأة الشاعرة الرجل الشاعر، فتعلن «زهرة الحر» أنها نقطة من أدمع محمومة ودماء، وتسترجع «سورة الإسراء»، ومما تقوله: أنا من فلسطين الجريحة نقطة سالت على الصخر الأصم فـ … يا قارئ القرآن جدّد عهدنا سبحــان من فـي الوحي قال لعبده: من أدمع محمومة ودماء فجرّت جنباته قطعا من الرمضاء واقرأ علينا سورة الإسراء للقدس سر ليلا مـــن البطحــاء… في المهجر، شارك الشعراء المهاجرون في الإنشاد لفلسطين، وفي جمع المال من أجل نصرة قضيتها، فهذا الشاعر القروي يخصص ريع كتابه: «حضن الأم» لفلسطين، فيقبل المعيِّدون، في عيد الأضحى، على شراء الكتاب، فيقول مرتجلا مؤرّخاً: على اسم فلسطين الحبيبة بعته إذا حـــدّث الأحفـــاد عنه مؤرِّخ ولم أبغ عند الناس شكراً ولا ربحا يقدّسه الأحفاد ما قدّسوا الأضحــى وإن كان لنا أن نتتبع شعر الشاعر القروي، نلاحظ أنه تابع الصراع، ورأى أن السعي إلى السلم لم يحقق شيئاً، وأن السلاح «المركوم» لم يستخدم… والتحرير معقود للفدائي، إن ضمن له الكفاح طليقاً، يقول القروي: أيها المسلمون الله أكبر جثة السلم أنثنت فاقبروها السلاح المركوم من دون حرب لـــو ضمنتم لـــه الكفاح طليقـــاً أو ما حان أن نثور ونثأر!؟ قبلما هذه الملايين تقبر ليته في يد الفدائي خنجر حــــرّر الأرض وحـــــده وتحرّر مثلت فلسطين قضية مركزية لدى شعراء الحداثة اللبنانيين أمثال خليل حاوي وميشال سليمان ومحمد علي شمس الدين وحسن عبدالله وحودن فخر الدين وشوقي بزيغ وآخرين… لم يكن تعبير خليل حاوي، الداعي إلى العبور من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد مباشرا. وإنما كان لغة شعرية تمثل «المعاناة» الجادة لمعضلات إنسانية فلسفية هي من مستلزمات الإنسان الشاهد عصره الحاضر شهوداً فعلياً.. كانت الخيبة الكبرى في العام 1967، فإذا الأرض العربية من منظور حاوي هي الأم الحزينة، والأم الحزينة في التراث المسيحي هي السيدة مريم العذراء التي فقدت ابنها. والأم الحزينة في الواقع العربي هي الأرض العربية التي فقدت فلسطين والقدس و..، وشيعت ألف مسيح ومسيح. «ولم يبق في الأفق سوى دخنة فحم من محيط الخليج». تتكثف دخنات الفحم في اجتياح العام 1982 للبنان . فيركن الشاعر إلى رصاصات تمحو العار، وتبعده عن عالم القحط. وهو يقول: «رباه..، لا أحتمل هذا العار» أو رباه، لم أعد أحتمل كل هذا العار!»، كأنه لعازر نفسه يعود إلى حفرته بعد أن تجلبب العقم بالعار. ولم يعد العيش حياة. في الاجتياحات الصهيونية، تمثلت الهمجية الوحشية. وقد صور الشعر ذلك، فهذا الشاعر محمد علي شمس الدين، المتصف شعره بميزتي الاتصال بالتراث والتجديد في آن، ينشد لفلسطين شعراء يتجاوز ما هو عام وعادي إلى الكشف الجديد على مستويي البنية والرؤية. ففي قصيدة «أغنية كي تنام زينب»، على سبيل المثال، يصور همجية الصهيونية من خلال زينب/ الرمز، ومما جاء في هذه القصيدة: «… فلتفتح، يا آذار ، شبابيك التّيهِ لي طفل يبحث عن لعبته في قبر أبيه زينب..، من ألبسك الثوب الأسود؟ من قصّ ضفيرتك الشقراء وقصّ الشفة المرجانة قومي نلعب قبل رحيل الأشجار» وإذ تواجه تلك الهمجية قوة مقاومة، يصور الشاعر ما يحدث، ويقول: «أخيراً/ ها قد فرحنا بالرعد يأتي من الجنوب../ فرحنا بغيمتين تقرعان سنّ الندم/ فوق جبل عامل/ أخيراً../ فرحنا بهذا البريد من الرعد الوافد/ من وادي جهنَّم». ويصور جودت فخر الدين حالة الناس المتشبثين بأرضهم في الجنوب اللبناني، المواجهين للمحتل حين تدهمهم الطائرات، فيقول: «.. حين تدهمنا الطائرات / نحاول ألا نخاف/ ونحاول ألا نخاف/ ونجهد أن لا تفارقنا غبطة الشجر المتأهب للاخضرار/ نحاول أن نشبه الشعب في الشوق والانحناء». وفي قصيدة أخرى يدعو المقاتل إلى أن يتقدم ويمنح الذين يجهدون كي لا تفارقهم غبطة الأشجار قبضة من الريح الجنوبية: «تقدّم أيها المقاتل الذي لا يستريح / وامنح المزارعين قبضة من الريح الجنوبية/… أيها المقاتل الجميل، هل ترى؟ ما أجمل الموت على مداخل القرى!». يفضي مسار تطورات القضية الفلسطينية إلى منعطف سمي بـ «السلام» أو التسوية، تمضي فيه الأنظمة وتبشر به بعض الأقلام الموظفة من خدمة هذه الأنظمة، ويبقى المقاومون ماضين في دربهم، ويقف الشعراء مع هؤلاء، ويرون أن دربهم هو الدرب الموصل إلى التحرير والانتصار. يتبين محمد كامل سليمان المفارقة الغريبة القائمة بين «السلام» من نحو أول، و «عناقيد الغضب»/ الاجتياح الإسرائيلي في عام 1996م، من نحو ثان، فيقول: «هذي العناقيد الحقودة/ من دمي قُطفت/ ومن كرم الطفولة/ من الدوالي الأمهات، من السلام / باسم السلام..». وإذ يتبين أن ليس لدى الصهاينة، سوى عناقيد حقودة، يرى أن لابد من المقاومة، وإخراج السيف من غمده بعد ما صدئ الكلام: «يا سيفنا المغمود قد صدئ الكلام../ سبحان من يحيي العظام/ أنا يوسف الصديق، ما جدوى الكلام؟». ويبدو أن الشعراء أجمعوا على أن القاومة هي الطريق الموصل إلى التحرير والنصر، والإجماع نفسه دال على أن الوجدان الشعري هو وجدان مقاوم، وهو يمثل وجدان الرائين إلى قضيتهم المركزية، وفي ما يأتي نقرأ نماذج من هذا الشعر. يؤكد وهيب عجمي أن محمداً جسد الآمال، ورتل الآيات، وأعلن أن موعد التحرير قد حان، لذا فهو يوالي أمة الثوار: محمد جسد الآمال فينا محمد رتل الآيات فجراً هو التحرير آتٍ، يا بلادي نــــوالي أمة الثـــــوار صدقـــاً بشعب طيب ضحّى وعانى وأعلن موعد التحرير حانا وعزم شبابنا الأوطان صانا وللثــــوار جـــــــدّدنا ولانـــا وكان للانتفاضة وثورة الحجارة نصيب وافر من الشعر، فهذا مصطفى سبيتي يهدي قصيدته: «وعندك يا قدسنا نلتقي» إلى أطفال الحجارة، ويرى أنها «تحيي الذي مات من مجدنا الأسبق»، وأن القدس هي التي توحد من تفرّقت بهم الأهواء: خذي جمر أحداقنا وارشقي حجارة أهلك، يا قدس، تحيي وغير جراحك تهوي الشموس .. تفـــرِّقنا، فــــي هواك، الدروب حصى قدَّ من حقدنا المحرق الذي مات من مجدنا الأسبق لتذوي أسى ليلنا المطبق وعنـــــدك، يـــا قــدسنا، نلتقي ويهدي محمد توفيق صادق قصيدته: «أسوارة الدر» إلى رمز من رموز الانتفاضة، الشهيد محمد جمال الدرّة، ويرى أن أسطورة أطفال الحجارة تتوهّج في الوقت الذي تتبدد فيه كل أساطير العصر، ومما جاء في هذه القصيدة: .. أبا للإبا أعلولى نديّ حصاده يصيح: أعد كل السبايا حرائراً عبرنا وريد المستحيل منائراً فكـــــل أســاطير العصور تبدّدت فتى عربياً رافع الرّأس سيّدا فإن لنا في القدس وعداً وموعدا وقلنا لسيف الموت أن يتغمدا وأسطـــورة الأطفــال لـن تتبـدّدا وينشد قيصر مصطفى «حداء الحجارة» لفتية نهضوا من أمة صارت حجارة، ومما يقوله: … يا فتية الأحجار والـ أحجاركم حمم تثو يا محفل الأحرار، يا … شلــــوا العروش فقــد غـدت مقلاع، يا وحي الحضارة ر، تعيد للإسلام ناره شرفاء تاريخي وغاره للبـــغي في وطنــي معــــارة… المسار الذي أفضى إلى خيار التسوية كان مسار كلام وشعارات تتكرر. يسخر حسن عبدالله، في قصيدة «شيء من … 1948» من هذه الشعارات التي تعيش وتحيي. يبدأ بنداء فلسطين التي..، ويكرر التي وصلتها: الأوصاف والشعارات، فكأن فلسطين تحيا بالكلام والصراخ وترداد التعييش. جاء في هذه القصيدة: «… ويا فلسطين/ فلسطين التي تمضي / فلسطين التي تأتي/ فلسطين التي: «تحيا فلسطين»/ التي/« عاشت فلسطين»/ التي / عيشها الاسم الذي/ / «يعيش!»/ فوق ربعة غزيرة الحشيش». ثم يرى أن المقاومين هم الذين لن يسمحوا للغزاة بأن يحققوا أهدافهم: لا بالمرور ولا بالبقاء إن مروا، ولا بـ..، وتترك للقارئ أن يملأ الفراغ، أن يحول النقاط إلى كتابة. يقول الشاعر: «… في ذلك المكان من عينيه حيث يوجد الوطن/ وهكذا/ لم يسمح المقاومون للغزاة أن..». ويفيد حسن مرتضى من التراث الشعبي، فيرى إلى عكا/ فلسطين،.. في قصيدة عنوانها: «شو.. هم.. عكا!؟» وهذا العنوان يشير إلى المثل الشعبي القائل: «شو هم عكا من هدير البحر»، والشاعر يترك للقارئ أن يكمل العنوان، فيبدو الامر كأنه بديهي، ثم يرى إلى التاريخ، والى الوعد الذي تنطق به ربى حطّين، ومما يقوله: «يا ناظراً عكا بحرف السين/ هل صادفت لي وعدا/ تواعد في ربى حطين..». يسقط على هذه الطريق شهداء، فيرى الشاعر أن كل واحد من هؤلاء سيصبح جيلا، يعلن شوقي بزيع هذه الرؤية، فيقول: «… ونحن المساكين، نحن الملايين/ لا شيء يفصل أعراسنا عن سقوط الطغاة/ توحّدت الأرض فينا/ فكل قتيل سيصبح جيلا/ وكل بنفسجة أحرقوها ستصبح بنفسجة المستحيل/ وكل شهيد تكمله الأرض/ كل احتراق تكمله النار..». وهكذا نرى، استنادا إلى هذا العرض الموجز، أن قضية فلسطين قضية مركزية من قضايا الشعر اللبناني، واكب أحداثها، وكتب تاريخها، وكشف وبيّن، وحرّض، وبقي، على الرغم من كل ما حدث، يدعو إلى التحرير، ويؤمن بأنه آتٍ ولو بعد حين..
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• الأدب العربي في إصفهان
(بازدید: 1242)
(نویسنده: حيدر محلاتي)
• دور الأدب في بناء الحضارة المعاصرة
(بازدید: 4451)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• فلسطين .. والشعر
(بازدید: 1078)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• فلسطين .. والشعر
(بازدید: 2280)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• فلسطين في شعر المملكة العربية السعودية
(بازدید: 3227)
(نویسنده: الدكتور محمد بن حسن الزير)
• فلسطين في شعر المملكة العربية السعودية
(بازدید: 2661)
(نویسنده: الدكتور محمد بن حسن الزير)
• الأواني المستطرقة
(بازدید: 1837)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الأدبان المعاصران العربي و الفارسي مقاربة في الظواهر المشتركة
(بازدید: 1174)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الخطاب الانساني في مثنوي مولانا جلال الدين الرومي
(بازدید: 2468)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• سعدي الشيرازي
(بازدید: 1973)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• يد العشق
(بازدید: 1353)
(نویسنده: عيسى العاكوب)
• الحماني العلوي - شاعر من سلالة الهاشميين
(بازدید: 1576)
(نویسنده: حيدر محلاتي)
• أبو فراس الحمداني
(بازدید: 2097)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الأسلوب الأدبي للشهيد الصدر
(بازدید: 720)
(نویسنده: الشيخ عبد المجيد فرج الله)
• الوحدة الدينية في شعر الشيخ الفرطوسي
(بازدید: 1479)
(نویسنده: حيدر محلاتي)
• أثر المعتزلة على الادب العربي
(بازدید: 1214)
(نویسنده: فالح الربيعي)
• ادباء ايرانيون في دراسات سيد قطب
(بازدید: 1614)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• شاعران كبيران في إيران
(بازدید: 1515)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الحكومة الاسلامية من منظور الشاعر الكميت بن زيد
(بازدید: 1272)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الرسالية في الشعر الشيعي
(بازدید: 948)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|