ثقافتنا - العدد ٢
دراسات حضارية
محمد الفنيش
1425
ملخّص القيم والمعتقدات لها دور كبير في توجيه السلوك الانساني، والثقافة لها دون شك تأثير هام في عملية التنمية، والركود والتخلف عند المسلمين يعود الى ما أصاب أفكار المسلمين وسلوكهم. مما أدى الى نوع من الانفصام بين النظرية والتطبيق، والى أن تفقد الافكار الاسلامية للمجتمع فعّاليتها وقوتها الدافعة، والى ملء الفراغ بحشو من الافكار الميتة من الداخل، والافكار غير المجدية من الخارج. ولابد من تصفية الثقافة الاسلامية من شوائب الضعف ومظاهر الجمود التي ترسبت عبر القرون، يعقب ذلك عملية إعادة الثقافة الى حيوتها لتصبح قوة تدفع إنسان المنطقة على طريق بناء حضارته. _______ *ـ مستشار اقتصادي في واشنطن مقدمة على الرغم من الجهود الكثيرة التي بذلت في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية لفهم وتفسير عملية التنمية فإن التقدم الفعلي الذي تم تحقيقه مازال محدودا. لقد ظهرت نظريات كثيرة – بعضها يقترح سياسات محددة للتطبيق – ولكن عدد البلاد النامية التي نجحت في كسر قيود التخلف مازال قليلا جدا، كما أن الصورة في العالم العربي والإسلامي بالذات، ورغم توفر كثير من العوامل المساعدة، مازالت مخيبة للآمال. وباختصار، فإن العالم اليوم – ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين – مازال أكثر فقرا وأقل عدالة مما كان يتوقعه أكثر الناس في منتصف القرن الماضي. وفي السنين الأخيرة، وبعد نهاية الحرب الباردة، عادت الأسئلة الملحّة تطرح من جديد، تبحث عن تفسير لمعضلات التخلف والتنمية. إذا كان الاستعمار والتبعية للخارج هي تفسيرات غير كافية للفقر وغياب الديمقراطية، وإذا كان هناك عدد من الاستثناءات المهمة للتفسيرات التي تستند إلى الجغرافيا والمناخ، فكيف يمكن تفسير التقدم الغير مرضي نحو الرخاء والعدالة الاجتماعية والتعددية السياسية في نصف القرن الماضي؟ لقد عاد كثير من علماء الاجتماع إلى العوامل الثقافية لتفسير التحديث، والديمقراطية السياسية، وسلوك الأقليات الإثنية، والتقارب والصدام بين البلاد والحضارات المختلفة ولكن ظهرت أيضا حركة مضادة تعارض هذا الاعتماد على التفسيرات الثقافية وتثير كثيرا من الشكوك حولها. ويشتد الجدل الآن في الميدان الأكاديمي بين هؤلاء الذين يرون أن للثقافة نفوذا وتأثيراً أساسياً، ولكنه ليس التأثير الوحيد على السلوك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهؤلاء الذين يتمسكون بتفسيرات عامة وشاملة كالمتمسكين بمبدأ المنفعة المادية الخاصة بين الاقتصاديين، «والاختيار العقلاني» بين علماء السياسة، وأنصار الواقعية الجديدة بين العلماء المتخصصين في العلاقات الدولية. من الصعب أن نتصور رفضا كاملا لدور الثقافة وتأثيرها على السلوك الإنساني، على الأقل، كعامل ضمن مجموعة من العوامل المؤثرة. وهناك الكثيرون من المهتمين في البلاد النامية – بما في ذلك البلاد العربية والإسلامية – الذين يرون أن للثقافة دورها المهم في التنمية، ويريدون أن يصلوا إلى فهم أعمق للجوانب الإيجابية والسلبية التي لها تأثير على التنمية في ثقافتهم، ويفكرون في إمكانيات التغيير الثقافي وسبل تحقيق ذلك التغيير. قد يكون من المفيد في هذه الظروف، إلقاء بعض الضوء على أهم التيارات الفكرية المعاصرة في الغرب والتي تحاول أن تجد تفسيرا لقضايا التخلف والتنمية في العالم. وتهدف هذه الورقة أساسا إلى محاولة المساهمة في هذا المجال بتقديم عرض سريع لبعض هذه الاتجاهات مع التركيز على دور العوامل الثقافية. وستتبع ذلك ورقة أخرى – إن شاء الله – تركز على «دور الثقافة العربية – الإسلامية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي والإسلامي». يقدم القسم (الأول) من الورقة التي بين أيدينا عرضا سريعا لأهم التيارات الفكرية لتفسير قضية التخلف والتنمية والتي سادت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مع تركيز على الاتجاهات التي تؤكد على أهمية العوامل الثقافية. أما القسم (الثاني) فيعرض بعض القضايا وأوجه النقد والشكوك التي يثيرها المعارضون للمدارس التي تركز على أهمية دور الثقافة. ويركز القسم (الثالث) على دور الجغرافيا كعامل مؤثر على التنمية بما في ذلك علاقة الجغرافيا بالمؤسسات. وفي القسم (الرابع) يطرح السؤال عن مدى التغيير الذي يمكن أن يطرأ على دور الثقافة في عصر العولمة. ويتعرض القسم (الخامس) لإمكانيات التغيير الثقافي وما يعترض ذلك من صعوبات. وتختتم الورقة ببعض الملاحظات العامة في القسم (السادس) والأخير. أولا – تيارات معاصرة لتفسير التخلف والتنمية فيما يلي عرض سريع لأهم هذه الاتجاهات: ١ - نظريات التحديث بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وفي جو كان يغلب عليه الكثير من التفاؤل، كان ما يمكن أن يطلق عليه نظرية التحديث هو الاتجاه الغالب كسبيل لتحقيق النمو والتنمية. لقد كانت النظرة السائدة هي أنه من الضروري للبلاد الفقيرة أن تحذو حذو الأمم الغنية، وأن تقدم على إنشاء مؤسسات ثقافية كتلك التي قامت في البلاد الغنية، حتى تتمكن من تحقيق مستويات من التكوين الرأسمالي، والإنتاجية، والاستهلاك، تقارن بتلك المستويات التي تم التوصل إليها في البلاد المتقدمة. كانت نظرية والت روستو عن «مراحل النمو الاقتصادي» في عام ١٩٦٠ من أهم النظريات في هذا المجال ولم يكن روستو أستاذا جامعيا فحسب، ولكنه كان أيضا مستشارا للأمن في البيت الأبيض، الأمر الذي أعطى لأفكاره وزنا مهما في مجال السياسة والتطبيق العملي. كانت الفكرة الأساسية التي نادى بها روستو وآخرون، هي أنه لكي يتمكن إنسان البلاد المتخلفة من أن ينتج ويستهلك كما يفعل الأغنياء، عليه أن يغير من الخصائص الثقافية التقليدية وأن يتقدم بطريقة منتظمة ليحقق – الإقلاع –إلى مرحلة التنمية المستدامة. لقد كان هناك أيضا اعتقاد سائد أن بإمكان البلاد المتقدمة والغنية أن تدفع عملية التحديث في البلاد المتخلفة عن طريق ما تقدمه من مساعدات اقتصادية وثقافية وعسكرية (Lerner ٥٨,Weiner ٦٦). ودفعت هذه النظريات، والمؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بعضها البعض كجزء من الحرب الباردة. كما قدمت هذه الاتجاهات الأساس الفكري لبعض المؤسسات المهمة التي أنشأتها الإدارة الأمريكية مثل «التحالف من أجل التقدم» Alliance for Progress، «وكتائب السلام» Peace Corps. ولكن هذه الفصيلة من نظريات التحديث التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، أهملت وبصورة واضحة ومخلة، العوامل الخارجية مثل الاستعمار والإمبريالية، وكذلك الأنواع الأكثر جدة من السيطرة الاقتصادية والسياسية، وكان لابد لكل ذلك – بالإضافة إلى عوامل أخرى – أن يؤدي إلى ردة فعل قوية. وجاء زلزال الستينات الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي ليدفع بالثقافة كمفهوم نظري مؤثر جانبا، وتأثرت العلوم الاجتماعية، إلى حد بعيد، باتجاهات الهيكلية (Structuralism Theory). لقد أكد منظرو الماركسية الجدد بشدة على مدى استغلال البلاد الغنية للبلاد الفقيرة ودفعها إلى مواقع من العجز والاعتماد المستديم على الخارج. وتم استبدال «الثقافة» في العملية التنموية بمفاهيم وقضايا أكثر تحديدا كالطبقة، والعنصر، والجنس، ومازالت هذه المفاهيم تحتفظ بدورها المهم في العلوم الاجتماعية كأدوات تحليلية. ومن هذا المنطلق، رأى البعض بأن التأكيد على دور الثقافة يمكن أن يكون نوعا من الانصراف عن العمليات الحقيقة التي تجري في هذا العالم المعاصر، ويمكن حتى أن يكون غطاء مقصودا لما يقوم به الرأسماليون والعنصريون من استغلال. ٢ - عن الاستعمار والتبعية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ولعدة سنوات، كان هناك نوع من التفاؤل لتحقيق التقدم والرفاهية والعدالة الاجتماعية في البلاد النامية، وخاصة التي حصلت على استقلالها. ولكن الواقع كان بعيدا عن ذلك، وتحول التفاؤل إلى نوع من خيبة الأمل، والإعياء، وكثير من الإحباط. وعندها بدأ واضحا أن مشاكل التخلف هي أكثر صعوبة وتعقيدا مما تنبأ به خبراء التنمية، كان لابد من البحث عن تفسير، وكانت أكثر التفسيرات شيوعا تفسيرين تمتد جذورهما إلى النظرية الماركسية – اللينينية، هيمنا على التفكير السياسي في البلاد النامية وكذلك جامعات كثير من البلاد المتقدمة: الاستعمار والتبعية. بالنسبة للمستعمرات القديمة التي حصلت على استقلالها، كان الاستعمار حقيقة واضحة ومؤلمة وعميقة الأثر، من الصعب تجاهلها كتفسير مهم للتخلف. وكان هذا واضحا بالذات في إفريقيا، حيث تم رسم الحدود، في أكثر الأحوال، بطرق عشوائية مبيتة دون مراعاة للانسجام الثقافي أو الترابط القبلي على سبيل المثال. لقد قامت القوة المستعمرة بتدمير المؤسسات الثقافية التقليدي، وبطريقة منتظمة، لخدمة أهداف الاستغلال الاقتصادي للمناطق المستعمرة، وكان الهدف الأساسي للمؤسسات الاقتصادية التي أقيمت هو ضمان شروط تجارة المستعمر، وكان الاستعمار بلا شك سببا رئيسيا في تعطيل أي إصلاح داخلي حقيقي. أما بالنسبة لبلاد «العالم الثالث» التي حققت استقلالها منذ قرن أو يزيد كما هو الحال في أمريكا اللاتينية، فقد أخذت الإمبريالية شكل التبعية. لقد فسر مفكّرو أمريا اللاتينية والمتعاطفون مع هذه النظرية من الخارج فشل التنمية بأنه نتيجة لاستغلال الأمم الغنية القوية. لقد تم استغلال البلاد الفقيرة التي تقع في الأطراف من جانب البلاد الغنية الرأسمالية في المركز، والتي عملت على إبقاء أسعار المواد الأولية في مستويات منخفضة، وضخمت أسعار المواد المصنوعة، كما أن شركاتها المتعددة الجنسية استمرت في تحقيق أرباح طائلة على حساب البلاد الفقيرة في الأطراف. لقد ازدهرت حجج هذه المدرسة في أمريكا اللاتينية، وانتشرت بعد ذلك إلى المستعمرات التي نالت استقلالها حديثا. وهناك من يرى – رأيا لا يخلو من الصدق – وهو أن لهذه النظريات جانبها السلبي، فرغم أهمية التأثير السلبي القوي للاستعمار على تنمية البلاد النامية، فهناك أيضا خطر المبالغة في التأكيد على أهمية هذا التأثير والوقوف عند ذلك، الأمر الذي يؤثر سلبيا على الروح المعنوية وبذل الجهود وتكثيفها، فليس هناك شك في أن تركيز اللوم على الخارج والتماس الأعذار لقصور الجهد الذاتي يؤدي إلى حالة من العجز والركود. ٣ - عودة إلى «الثقافة» في منتصف الثمانينات عاد الاهتمام من جديد بدور الثقافة كعامل مهم لتفسير ظاهرة التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وكان لنشر كتاب (١٩٨٥) Lawrence Harrison“Underdevelopment is a State of Mind: The Latin American Case" تأثير مهم. فقد صدر منذ ذلك الوقت، ومن منطلق أهمية العامل الثقافي، عدد من الدراسات في مجال تحليل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لم يكن الاهتمام بالثقافة كعامل تفسير وليد الحقبة الأخيرة، فقد وجه كثير من الاهتمام، في الأربعينات والخمسينات، إلى الثقافة كعامل مهم وأساسي لفهم المجتمعات، وتحليل الفوارق بينها، وتفيسر تطورها الاقتصادي والسياسي. ولكن بعد الإنتاج الأكاديمي الغزير في هذه الفترة [١]، شهد الحقل الأكاديمي هبوطا في الاهتمام بدور الثقافة في الستينات والسبعينات. يرى البعض أن كتاب هاريسون – الذي أشرنا إليه، كان من أكثر الأعمال التي أثارت جدلا وساهمت في إحياء الاهتمام بموضوع الثقافة. لقد اعتمد الكتاب على عدة دراسات عن حالات في المنطقة، ليبين أن الثقافة كانت عقبة أساسية في طريق التنمية في معظم بلاد أمريكا اللاتينية. وقد أثار هذا التحليل كثيرا من الاحتجاج بين الاقتصاديين والمثقفين والعاملين في حقل التنمية في أمريكا اللاتينية. ولكن يبدو أن حدة هذه المعارضة بدأت تهدأ في السنوات التالية، وأن بعض المعارضين، قد بدأوا يرون – على الأقل – جوانب صحيحة في التفسيرات الثقافية كتلك التي يقدمها لورنس هاريسون. بدأت التفسيرات التي ترجع تخلف البلاد الفقيرة إلى عوامل خارجية أهمها الاستعمار والإمبريالية تفقد كثيرا من رنينها، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. وبدأ الشعور يتزايد – خاصة في الحقبة الأخيرة من القرن العشرين – بوجود فراغ في مجال التفسير. لقد دعت المؤسسات الدولية، على مر السنين، إلى عدد من الحلول تتضمن: الإصلاح الزراعي، التنمية المجتمعية، التركيز على الجماعات الأشد فقرا، الحاجات الإنسانية الأساسية، التقنية المناسبة، دور الفساد وتأثيره على التنمية، الخصخصة، وأخيرا التنمية المستديمة. ولكن هذه المبادرات، بما في ذلك التركيز الأخير على اقتصاد السوق والتعددية السياسية، فشلت إلى حد كبير، منفردة أو مجتمعة، في تحقيق نمو سريع واسع الانتشار وديمقراطية وعدالة اجتماعية في العالم الثالث. في هذه الظروف بدأ عدد متزايد من الأكاديميين، السياسيين، والعاملين في حقل التنمية، يركزون من جديد على القيم والاتجاهات الثقافية كعوامل تساعد على التقدم أو كعقبات تقف في طريقه. وبدأ عدد من علماء الاجتماع، وبدرجة متزايدة، يرجعون إلى العوامل الثقافية لتفسير التحديث، والديمقراطية السياسية، والاستراتيجيات العسكرية، وسلوك الأقليات العرقية، والتقارب والصدام بين المجموعات البشرية. أثار كتاب صمويل هنتنجتون عن «صدام الحضارات» (١٩٨٩) Samuel P. Huntington كثيرا من الضجة والاهتمام، حيث أكد المؤلف على أهمية الثقافة كعامل أساسي بالنسبة للتنمية والصدام بين الجماعات البشرية. المصدر الأساسي للصدام في هذا العالم الجديد في نظره سوف لن يكون في المقام الأول الأيديولوجيا أو الاقتصاد، ولكنه سيكون ثقافيا. بعد نهاية الحرب الباردة، بدت الأيديولوجية أقل أهمية كمبدأ لتنظيم السياسة الخارجية، وبدت الثقافة كمرشح معقول يملأ هذا الفراغ. وعليه فقد انتهى هنتنجتون إلى أن حروب المستقبل سوف تقع «بين أمم وجماعات تنتمي إلى حضارات مختلفة» العالم الذي يراه، هو عالم مقسم إلى «مناطق ثقافية»، تشكلت على أسس ثقافية دينية مازالت قوية حتى يومنا هذا رغم قوى التحديث. المناطق هي: المسيحية الغربية – العالم الأرثوذكسي، العالم الإسلامي، المناطق الكونفوشية، واليابانية، والهندوكية، والإفريقية، وأمريكا اللاتينية. سوف يهيمن الصدام على السياسات العالمية، وستكون خطوط معارك المستقبل عند نقاط الانفصال والتصدع بين هذه الحضارات، مع تركيز خاص على احتمالات الصدام بين الغرب والعالم الإسلامي. لقد ركز هنتنجتون على تأثير الثقافة على أنماط الترابط والتصدع والصدام في عالم مابعد الحرب الباردة، وأكدت مجموعات أخرى من المحللين والدارسين على أهمية القيم والمؤسسات الثقافية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وعلاقتها بالأنظمة السياسية، وأثرها على اتخاذ القرارات. ولكن ظهرت أيضا حركة مضادة تنتقد بشدة التفسيرات الثقافية، وقد اعتبر هنتنجتون ظهور هذا التيار المعارض دليلا على نجاح المدرسة التي تتبنى التفسيرات الثقافية وأعلامها الجدد [٢]. استمر الاهتمام الأكاديمي بالموضوع يتزايد في عدد من الجامعات ومؤسسات البحث الغربية، وهو أمر يستحق – في تصورنا – المتابعة والاهتمام. ولعل ما تقوم به جامعة هارفرد في هذا المجال، هو من أهم الأمثلة على ذلك. أ - ندوة هارفرد (١٩٩٩) في عام ١٩٩٨ قررت أكاديمية الدراسات الدولية والمحلية التابعة لجامعة هارفرد، بحث العلاقة بين الثقافة والتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالأخص في البلاد الفقيرة، وتم في إبريل ١٩٩٩ عقد ندوة تحت عنوان «القيم الثقافية والتقدم الإنساني» شارك فيها عدد مهم من المفكرين الذين ساهموا في إحياء الاهتمام بموضوع الثقافة، وبعض الذين يمثلون وجهات نظر مختلفة. واشترك هاريسون وهنتنجتون (٢٠٠٠) Harrison and Huntington في تحرير كتاب ضم مجموعة الدراسات التي قدمت في هذه الندوة تحت عنوان: (Culure Matters: How Values Shape Human Progress) إن السؤال الرئيسي الذي يحاول أن يجيب عليه الباحثون كالذين شاركوا في هذه الندوة هو: كيف تؤثر الثقافة على المدى والسبل التي تحقق بها المجتمعات أو تفشل في تحقيق التقدم في مجال التنمية الاقتصادية والديمقراطية السياسية؟ وكيف يمكن للإجراءات السياسية وغيرها من الإجراءات أن تغير من أو تزيل العقبات الثقافية لتسهيل التقدم؟ ومن الضروري للتعامل مع هذه الأسئلة بطريقة فعالة أن يتم تحديد وتعريف للمصطلحات. وهذا ما فعله هنتجتون في المقدمة فالمقصود «بالتقدم الإنساني» هو التحرك نحو التنمية الاقتصادية والرخاء المادي، والعدالة الاجتماعية – الاقتصادية، والديمقراطية السياسية أما عن «الثقافة» فقد كان لها بالطبع معان متعددة في فروع المعرفة المختلفة وفي سياقات مختلفة وغالبا ما استعملت للإشارة إلى الإنتاج الفكري والموسيقي والفني والأدبي للمجتمع. وقد استعمل بعض الأنثروبولوجيون المصطلح ليعني طريقة الحياة بكاملها لمجتمع ما: قيمه، ممارساته ورموزه، ومؤسساته، وعلاقاته الإنسانية. يقول هنتنجتون «نحن مهتمون بالكيفية التي تؤثر بها الثقافة على تنمية المجتمع، إذا اشتملت الثقافة على كل شيء فهي لا تفسر شيئا، وعليه فإننا نعرف الثقافة بطريقة ذاتية صرفة بأنها القيم، والمواقف، والمعتقدات، والتوجهات، والفروض الضمنية السائدة بين الناس في مجتمع ما». ب – عن ماكس ويبر كثير من الباحثين الجدد الذين يركزون على أهمية دور الثقافة هم في الغالب من ورثة ماكس ويبر (١٩٥٨) Max Weber الذي فسّر صعود الرأسمالية كظاهرة ثقافية تمتد جذورها إلى الدين. لقد كانت هناك عودة من طرف عدد من علماء الاجتماع إلى فلسفة ويبر، ويطلق هؤلاء على أنفسهم أنصار مدرسة ويبر الجدد. (Mann, ١٩٨٦; Holton and Turner, ١٩٨٩; Swedberg, ١٩٩٨). يعتبر ماكس ويبر من أوائل علماء الاجتماع الغربيين الذين أثاروا أسئلة نافذة حول العلاقة بين الثقافة والاقتصاد. وانتهى إلى أن الرأسمالية الأوروبية استندت في قيامها الى مجموعة متميزة من المؤسسات ومجموعة خاصة من القيم الثقافية. وفي دراسات لاحقة عن الهند، والصين، والعبرانيين القدماء قدم ويبر حالات مقابلة عن أوضاع لم تكن فيها البيئة المؤسسية أو الثقافية – في نظره – تناسب أوتساعد على نمو رأسمالية عقلانية. البروتستانتية هي التي ساعدت على ظهور الرأسمالية الحديثة، وكان ذلك أساسا عن طريق نشر مبدأ خلقي يحكم السلوك اليومي ويشجع على النشاط الاقتصادي. الفكرة الأساسية لماكس ويبر – كما يرى ديفيد لاندس [٣]. أحد أنصار مدرسته المتحمسين – هي أن الدين في أوروبا، وفي الفترة مابين القرنين السادس عشر والثامن عشر، أدى إلى تشجيع ظهور – وفي أعداد كبيرة – نموذج إنساني كان قبل ذلك نادرا واستثنائيا. هذا النموذج، الذي يتمتع بصفات العقلانية، والنظام، والاجتهاد، والإنتاجية العالية كوّن الاقتصاد الجديد ونمط الإنتاج الجديد الذي نعرفه بالرأسمالية الصناعية. ورغم حماس بعض الأنصار الجدد لمدرسة ماكس ويبر، فمن الإنصاف القول بأن أغلب المؤرخين اليوم لا ينسبون كثيرا من القبول والمعقولية لأبحاثه. كما أن بعض الاقتصاديين – كما سنرى فيما بعد – وجه إليها كثيرا من النقد. ج – تفسيرات ثقافية في مناطق أخرى بعد عشر سنوات من الدراسة في جنوب آسيا أصدر Gunar MyrdaL كتابه Asian Drama: An Inquiry into the poverty of Nations وانتهى إلى أن العوامل الثقافية، الخاضعة لنفوذ ديني قوي، هي العقبات الرئيسية في وجه التحديث، فهي لا تقف في طريق الأنشطة الإبداعية فحسب، ولكنها تهيمن على السلوك السياسي، والاقتصادي والاجتماعي. لقد لاحظ أن النظام الطائفي يجمد الفوارق ويبقي عليها، ويقوي نزعة احتقار العمل اليدوي. كما أن ضعف عامل الثقة يولد الفساد والمحاباة. لقد انتقد ميردال علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع لفشلهم في تقديم نظام أكثر شمولا من النظريات والمفاهيم تنطلبه الدراسة العلمية لمشكلة التنمية، رغم اعترافه بأن ذلك ليس بالأمر السهل، وانتهى بالدعوة إلى التغيير الثقافي الذي تقوده الحكومات وبالأخص عن طريق نظام التعليم. وتعرض بعض الباحثين الغربيين إلى ركود العالم الإسلامي وبطء تقدمه في القرون الأخيرة. ولعل برنارد لويس هو من ضمن أشهر الذين يرجعون هذا الانحدار – خاصة بعد ما وصلت إليه الإمبراطورية العثمانية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر من توسع ونفوذ – إلى عوامل ثقافية. فهو يركز على مايطلق عليه غلق باب الاجتهاد من طرف العلماء المسلمين في الفترة مابين القرنين التاسع والحادي عشر، والآثار التي ترتبت على ذلك بالنسبة لتحديث الفكر الإسلامي. لقد كان أثر ذلك في نظره هو إخماد للحركة والتجربة والإبداع والأصالة وتقوية نظرة إلى العالم قوامها القدرية والتواكل والجمود [٤]. ثانيا – نقد التفسيرات الثقافية كما سبق أن أشرنا، تم توجيه كثير من النقد إلى التفسيرات التي تركز على الثقافة كعامل أساسي وراء السلوك الإنساني. وفيما يلي إشارات إلى بعض الشكوك وأوجه النقد التي تثار من طرف مصادر متعددة. ١ـ خطر التعميم كثير من المتحفظين على مركزية دورالثقافة لا ينكرون تأثير عناصر معينة من الثقافة على عملية التنمية، ولكنهم يعتقدون بضرورة رفض ما يعتبرونه تفسيرات أحادية مثل هذه التي يتبناها هنتنجتون وديفيد لاندس. الثقافة تحمل وجوها كثيرة. كما أن التعميمات الواسعة قد تؤدي – في نظرهم – إلى نتائج عكسية تقترب بنا من العنصرية. فالصينيون في جنوب شرق آسيا ليسوا متجانسين، وكذلك الأمر بالنسبة للماليزيين الأصليين. والأمريكيون، والأستراليون والإنجليز أقل من أولئك تجانسا. وعلى الرغم من أن الثقافة تؤثر على التنمية الاقتصادية، إلا أنها في حد ذاتها ليست على الإطلاق ثابتة وتتطور مع الفرص الاقتصادية، ويمكن أن تؤدي النظرة المتشائمة لهنتنجتون حول مستقبل العالم الذي تسوده الصدامات الثقافية، إلى تضخيم الميزانيات العسكرية أكثر من أن تؤدي إلى الإثراء الفكري المفيد. من الأفضل لنا – وفقا لهذه النظرة – أن نفسر التنمية الاقتصادية، والثقافة، والتحديث، والعولمة كعمليات معقدة تنتج عن تفاعل كثير من العوامل المختلفة، بدلا من أن نراها كعمليات سببية قائمة بحد ذاتها. وليس من المفيد فكريا أن نضع أي شيء أو كل شيء تحت مظلة أي عامل فردي أو عملية سببية واحدة (٢٠٠٠ – Jessob,). ويرى هيرب تومسون [٥] أن المشكلة الأساسية بالنسة للجدل الدائر حول العلاقة السببية بين الثقافة والتنمية الاقتصادية هو الكسل التحليلي الذي يبرز عند مواجهة المسائل المعقدة. الميل إلى البحث عن التفسيرات السهلة التي تعتمد على عامل فردي يفسر النجاح أو الفشل هو محاولة لتفادي المجهود الذهني الشاق الذي يتطلبه تحديد وتحليل العلاقات التاريخية والهيكلية المتشابكة. كما يذكرنا تومسون بأن الدرس الذي يجب أن نتذكره حينما نواجه بمسألة التفوق الذي ينسب إلى ثقافة ما، هوالدرس الذي سبق أن خبره أهل الهلال الخصيب، والصين، والعالم الإسلامي، والإمبراطورية البريطانية، مقابل ثمن لم يكن بخسا. الظروف تتغير والأيام تتداول. وتفوق الماضي لم يكن في يوم من الأيام ضمانا لتحقيق التفوق والهيمنة في المستقبل. ٢ - هل هناك تحيز؟ بعض المخالفين يعيبون على عدد من أنصار مدرسة التفسيرات الثقافية ما يرونه تحيزا وضعفا في الموضوعية من بين هؤلاء (١٩٩٨) Andre Gunder Frank الذي اتهم لاندس وآخرين، بتركيزهم الصارخ على تدوين التاريخ من وجهة نظر أوروبية وتقديم نظرية اجتماعية تنظر إلى الأمر من خلال منظار وردي أوروبي – أمريكي. فينتهي بها ذلك إلى إهمال وقائع بقية العالم، وأحيانا تزيف الأدلة من الغرب نفسه. هذا النوع من البحث يمثل – في نظره – أيديولوجية عنصرية وتحليلا فيه الكثير من التحيز والتجني. لم تكن أوروبا ولكن آسيا، وخاصة الصين، هي التي ظلت القوة المهيمنة في العالم حتى ١٨٠٠. انحدار الشرق الذي تلا ذلك وتحول مركز الجاذبية إلى الغرب يمثل عمليات مؤقتة كانت نتيجة لعوامل عالمية أكثر منها محلية، وقد قارب دورها التاريخي على الانتهاء ونحن الآن، ومع هذا الصعود الآسيوي المعاصر، وخاصة في الصين، نشهد بداية دورة تاريخية جديدة. لقد قدم (١٩٩٠) Ander Wink، بحثا مهما خارج دائرة التركيز الأوروبي، حلل فيه العلاقات المعقدة والحميمة بين الشرق الأوسط الإسلامي والهند لمدة ألف سنة، حتى القرن الثامن عشر. لقد كانت التجارة التي بدأت نتيجة لفتوحات المغول هي السبب الرئيسي وراء تغييرات ثقافية عميقة في كل من الشرق الأوسط والهند لم يكن غزو وأسلمة الجزء الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية، أمرا هامشيا كما تصوره أغلب الكتب المدرسية للتاريخ الهندي، لقد كان – في نظر wink – خطوة في غاية الأهمية أدت إلى دمج الهند في نمط تجاري عالمي تزداد كثافته وحركته. لقد كانت التنمية الاقتصادية هي القوة الديناميكية التي أدت إلى تغيير تاريخي في هذا الجزء من العالم. ٣ - مشكلة التعريف يرى كثيرمن النقاد أن قضية تعريف الثقافة هي من القضايا الأساسية التي تؤثر بشدة على كل التفسيرات الثقافية. كيف نعرّف ثقافة ما؟ يعتمد أغلب الباحثين الذين يتبنون التفسيرات الثقافية في محاولاتهم لتعريف الثقافات، جزئيا، على تعريفات ذاتية: الثقافات هي ما يعتقد الناس أنهم جزء منه أو ما ينتمون إليه. ففي نظر هنتجتون الحضارة هي أشمل مستويات التعريف والهوية التي يعرف الإنسان بها – وبقوة وحماس – نفسه ويحدد هويته. ولكن المشكلة – كما يرى بعض النقاد – هي أن عددا قليلا من الناس يحددون هويتهم كجزء من مجموعات ثقافية كبرى. الاتجاه الغالب هو ربط الهوية والانتماء بمجموعات أضيق مثل الأمة والمجموعات الإثنية. أوروبا تقدم مثلا على ذلك ففي استفتاء أجري في ١٩٩٥ لحساب الهيئة الأوروبية، وجد أن نصف السكان في بريطانيا، والبرتغال، واليونان قدموا أنفسهم من منطلق وطني صرف وليس كأوروبيين، وكذلك ثلث الألمان، والأسبان والهولنديين. ومن الملفت للنظر أن هذا الأمر كان في مكان من العالم توجد فيه مؤسسة مهمة هي الاتحاد الأوروبي تكرس نفسها لدعم وتأكيد (الهوية الأوروبية). وعلى الرغم من أنه من الممكن أن يتواجد الولاء الوطني إلى جانب هوية ثقافية أوسع، إلا أن هناك اعتقاداً غالباً بصفة الخصوصية الوطنية، مما قد يؤثر على الولاء الأوسع. وقد يختلف هذا الأمر بين الثقافات المختلفة، ولعله من الممكن القول أنه بالنسبة للبلاد العربية والإسلامية وحين المقارنة بين ثقل الصفة الوطنية والانتماء الثقافي، فإن الميزان يرجح في صالح الانتماء الثقافي، وإن كان ذلك لا يعني اختفاء كل النعرات والاتجاهات الوطنية والقطرية في كل الأحوال. يخلص هؤلاء النقاد إلى القول بصعوبة قبول التعريفات الذاتية للثقافة. ولكنهم يرون أيضا أن استخدام الكتاب لمجموعة من المصطلحات المعتادة: اللغة والدين، والتاريخ، والتقاليد والمؤسسات… الخ – لتعريف ثقافة ما، لا يخلو من المشاكل. فمن الواضح أن الثقافات ليست أشياء مفردة، ولكنها مجموعات من الخصائص. لكن المشكلة هي أن هذه الخصائص كثيرة الغموض وقد تدفع في اتجاهات مختلفة كما أن نفس الثقافات تضم جوانب وخصائص من الممكن أن تؤدي إلى آثار مختلفة تماما في أوقات مختلفة. وعلى سبيل المثال، في كثير من الأحوال تذكر القيم الإسلامية وكأنها المناقض والمقابل للقيم الغربية التي تدعو للتجديد والتحديث. ولكن من الممكن إرجاع هذا القصور إلى الجمود والركود الذي خيم على العالم الإسلامي في قرون الانحطاط الأخيرة. فليس هناك في الإسلام كفكرة ما يقف في وجه التجديد المفيد الذي لا يتعارض مع أصوله الأساسية. وكما لاحظ مقال The Economist «… في الإسلام يفترض أن يكون هجر التقاليد أمرا سيئا حتى يثبت خلاف ذلك. ومع ذلك، وفي نفس الوقت، فالإسلام هو دين توحيدي يشجع العقلانية والعلم. ويرى بعض المؤرخين – وهو أمر معقول – أن الجامعات الإسلامية في إسبانيا في العصور الوسطى هي التي حفظت العلوم والاتجاهات العقلانية حية حينما كانت أوروبا في عصورها المظلمة، وأن الاسلام كان حلقة اتصال حيوية في العصور الوسطى بين العالم القديم للإغريق والرومان والنهضة الأوروبية. ومن الممكن أن يبرز هذا الجانب العلمي والعقلاني من الإسلام إلى المقدمة من جديد…». مثال آخر يذكر هو حالة الصين ودور التقاليد الكونفوشية (بديل القيم الآسيوية) لقد كانت الصين في فترات مختلفة من تاريخها أكثر بلاد العالم رخاء وأيضا أشدها فقرا. لقد شهدت فترات زاهية من التقدم العلمي وكذلك فترات من التخلف التقني والعزلة. وفي الوقت الحاضر، يبدو أن الأمر المهم بالنسبة لدور هذه التقاليد هو التشجيع على العمل والادخار والاستثمار من أجل المستقبل، بالإضافة إلى التأكيد على التعاون لتحقيق غاية واحدة وكل هذه الصفات تذكر عادة لتوضيح الدور الذي قامت به التقاليد الكونفوشية في دفع حركة النمو الآسيوي. ولكن ماكس ويبر رأى نفس هذه التقاليد بصورة مغايرة تماماً. لقد رأى بأن الإصرار الكونفوشي على الطاعة للسلطة الأبوية لم يشجع على المنافسة والإبداع وعليه فقد عرقل النجاح الاقتصادي. وأرجع ويبر تخلف الصين إلى الثقافة الصينية، كنقيض للنمو الذي تحقق في الغرب بسبب الثقافة البروتستانتية. ويذكر النقاد بأن الصين ليست هي البلد الوحيد التي أسيء تشخيص حالتها، فقد أثبتت التفسيرات الثقافية للأداء الاقتصادي خطأها في بلاد متعددة ومختلفة مثل اليابان، والهند، وغانا، وكوريا الجنوبية (لقد كان هناك توقع في ١٩٤٥ بأن الهند وغانا – بين هذه الدول الأربع – ستحققان قدرا أكبر من النجاح وذلك بسبب الارث الثقافي لكل منها). ٤ - نقد فكر ماكس ويبر كما سبق أن أشرنا فإن الكثيرين من الباحثين الذين ينتمون إلى المدرسة التي تؤكد على أهمية دور الثقافة يعتبرون فكر ويبر هو نقطة الانطلاق والأساس في تفكيرهم، وأنهم هم ورثة مدرسته. وعليه فقد وجه نقاد هذه المدرسة بعض نقدهم إلى فكر ويبر نفسه. وفيما يلي مثل آخر على ذلك: كتب ويبر نظريته الاجتماعية في بداية القرن العشرين، وكان مجال بحثه هو ظهور الرأسمالية وأسباب عدم ظهورها في أجزاء أخرى من العالم القديم. لقد وضع نوعا من التمييز المثالي بين المجتمعات قبل الرأسمالية، والمجتعات الرأسمالية الحديثة. وما يميز هذه الأخيرة هو أن الدولة تقيدها قاعدة القانون، وأن القابلية للتحرك اجتماعيا عالية، كما أن التبادل الاقتصادي يتم عن طريق مؤسسات السوق. ويرى جفري ساكس أن ماكس ويبر لم يوجه اهتماما كافيا لثلاث قضايا – أولاً: - لقد قدم صورا ساكنة نسبيا للمجتمعات الرأسمالية وغير الرأسمالية، وليس المبادئ التي تحكم تطورها الاجتماعي. ثانيا: لم يعالج بطريقة مرضية التفاعلات التي تتم بين المجتمعات بما في ذلك قبول التقليد المؤسسي أو رفضه، والحكم الاستعماري، والصدام العسكري. ثالثا: ركز أساسا على المجتمعات الرأسمالية وما قبل الرأسمالية. وكا يجب أن تتوسع خريطته الاجتماعية لتشمل على الأقل ثلاث أنواع من التنظيمات الاجتماعية: الحكم الاستعماري، والمجتمعات الاشتراكية، والمجتعات المنهارة. وهذه الحالة الأخيرة هي حالية تتوقف فيها المؤسسات الاجتماعية عن القيام بدورها. ومن الصعب تجاهل هذه الحالات المهمة الثلاث التي ذكرها جفري ساكس. ففي حقيقة الأمر أن أغلب العالم في التاريخ الحديث تم حكمه عن طريق مؤسسات غير رأسمالية ومن المؤكد أن الحكم الاستعماري لم يكن مدرسة جيدة للرأسمالية الحديثة. ومن الممكن القول الآن بأن الاشتراكية – على الأقل في المجال الاقتصادي – لم تقدم صورة مشجعة في أكثر الأماكن التي مورست فيها. أما عن المجتمعات التي في طريقها إلى الانهيار فهي ظاهرة متكررة الحدوث مرت بها كثيرمن البلاد المتخلفة. هناك حاجة إلى نظرية اجتماعية تفسر انتقال المجتمعات بين هذه الأنواع المختلفة من التنظيمات الاجتماعية. لماذا وصلت بعض المجتمعات إلى مرحلة الرأسمالية، وانتهت مجتمعات أخرى في قبضة الاستعمار، بينما وجدت فئة ثالثة نفسها تسير في طريق الانهيار؟ وماهي أبعاد تأثير المرحلة الاستعمارية على المجتمعات التي خضعت لهذه التجربة؟ ٥ - نفوذ محدود لقد أكد عدد من النقاد – من ضمن ذلك مقال The Economist الذي أشرنا إليه – على أن الثقافات لا تتحرك أبدا في عزلة، فهي حين تؤثر على سلوك الناس، هي دائما جزء من مزيج أوسع. هذا المزيج يضم السياسات الحكومية، والقيادات الشخصية، والتغيير التقني أو الاقتصادي… الخ. وليس من السهل تحديد ما إذا كانت الثقافة، أو عامل آخر ضمن هذا المزيج، هو السبب وراء نتيجة معينة، كما أن دور الحكومات وتأثيرها مازال قويا ومحوريا، على عكس المقولة بأن هذا النفوذ تقلص، في الوقت الذي يتزايد فيه نفوذ الثقافة. كما أن العولمة – التي هي أساساً قوى اقتصادية – تؤدي إلى تغييرات كبيرة في كل مجتمع، ومن الواضح أن تلك التأثيرات تترك أثرها بطرق مختلفة على الثقافات المختلفة. وفي ضوء هذا تنتهي «The Economist» إلى مايلي: «في الوقت الذي سوف تستمر فيه الثقافة في ممارسة تأثير ونفوذ مهم على البلاد والأفراد، فإنها لم تصبح فجأة أكثر أهمية، دعنا نقول، من الحكومات أو القوى الاقتصادية، كما أنها لا تلعب الدور الأساسي والشامل الذي لعبته الأيديولوجيا أثناء الحرب الباردة. أغلب نفوذها هو ثانوي، بمعنى أنه يأتي جزئيا كرد فعل «لعصر المعرفة» وفي داخل المزيج الشامل من العوامل التي تؤثر على سلوك الناس، يمكن أن يكون دور الثقافة في حالة انكماش وانحدار، وليس في حالة توسع وارتفاع، فهو محصور بين التوسع النهم لدور الحكومة من جانب، وانتشار تيار العولمة من جانب آخر». ثالثا – الجغرافيا والثقافة ١ - دور الجغرافي يركز بعض الاقتصاديين على العوامل الجغرافية كتفسير للنمو الاقتصادي، وبالأخص المناخ (الذي يؤثر على الأمراض، والفرص الزراعية، وإمكانية استعمال بعض أنواع التقنية… الخ) وتوفر السواحل والمنافذ على البحر (وما لذلك من علاقة بمدى الارتباط بالعالم الخارجي). ومن الواضح أن هذه عوامل مهمة في تفسير ثراء وفقر الأمم. فعلى وجه التقريب كل الديمقراطيات المتقدمة تقع في المناطق معتدلة المناخ، وأغلبية كبرى من البلاد الفقيرة تقع في المناطق الاستوائية. ولكن هذه الصورة لا تخلو من استثناءات كثيرة ومهمة، فهناك عدة أقاليم تقع في المنطقة المعتدلة ولكن أداءها لم يكن جيدا، أو على الأقل ليس بنفس المستوى الذي تحقق في غرب أوروبا. تشمل هذه الأقاليم شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وأجزاء من نصف الكرة الجنوبي (الأرجنتين، تشيلي، أوروجواي، جنوب إفريقيا)، وأجزاء كبيرة من وسط وشرق أوروبا والاتحاد السوفييتي السابق كانت جميعها حتى عهد قريب تحت سيطرة الحكم الشيوعي. وهناك أيضا النجاح المهم الذي حققته بلاد تقع في المناطق الاستوائية: سنغافورة، هونغ كونغ، ونصف تايوان، وقبلها اليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى الأداء المتميز للأقليات الصينية في تايلاند وإندونيسيا وماليزيا والفليبين. جفري ساكس هو أحد الاقتصاديين المعروفين الذين يعطون للعوامل الجغرافية دورا مركزيا. وهو لا ينفي أن هناك احتمالاً لأن يكون للعوامل الثقافية دور في التأثير على هذه الحالات الاستثنائية التي أشرنا إليها. وإن لم يتضح لديه السبب تماماً أهو معتقدات داخلية لهذه المجتمعات أو العلاقات الدولية لهذه البلاد (وبالتالي فرصها التجارية). تربط النمو الاقتصادي الحديث – في نظره – علاقة وثيقة «بالمؤسسات الرأسمالية» مثل احترام حقوق الملكية، وسيادة القانون والأسواق الكفوءة وكذلك العوامل الجغرافية المناسبة. ولا يرى أن هناك سوى أدلة محدودة جدا تشير إلى أن العوامل الدينية يمكن أن تضيف قوة تفسيرية جديدة إلى هاتين الفئتين العامتين لتفسير النمو الاقتصادي. فهو يلاحظ مثلا: «… هناك بعض الأدلة على أن أداء البلاد الإسلامية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط كان محددا في الأمد الطويل بالنسبة للوضع الجغرافي المساعد (منطقة معتدلة، بالتحديد مناخ البحر المتوسط، وتوفر للسواحل) ولكن ليس هناك دليل على أن هذا الأداء المحدود استمر بعد ١٩٦٥، لقد زاد متوسط الأداء لعدد من البلاد الإسلامية كثيرا – على الأقل في العشر سنوات الأخيرة – عن المتوسط في العالم» [٦]. ولا نظن أن هذا يعتبر تفسيرا كافيا للركود الطويل الذي مرت به هذه المنطقة، أو أن العوامل الثقافية لم تلعب دورا مهما في هذا الركود. يرى جفري ساكس أنه على الرغم من أن التفسيرات الثقافية للأداء الاقتصادي يمكن أن تكون عاملا مساعدا في بعض الظروف، إلا أن هذه التفسيرات يجب أيضا أن تختبر مقابل إطار يسمح لأبعاد أخرى للمجتع بأن تلعب دورها (الجغرافيا، والسياسة، والاقتصاد) وأخذ هذه العوامل الأخرى في الحسبان ينقص كثيرا المجال أمام دور مهم ومستقل للثقافة. وبصورة أعم فإن هناك حاجة إلى كثيرمن العمل التاريخي لإيجاد إطار سليم لقياس ودراسة تطور المؤسسات الاجتماعية والتفاعل بين السياسة، والثقافة والاقتصاد أثناء التغيير الاجتماعي. وبنفس الدرجة من الأهمية يجب أن نحسّن فهمنا لدور العوامل الخارجية في التطور الاجتماعي. لقد كان وزن العوامل الدولية في التغيير الاجتماعي في غاية الأهمية لمدة قرنين على الأقل، ومن المحتمل أن تزداد هذه الأهمية في المستقبل تحت تأثير الضغوط المتزايدة لعولمة المجتمع والسياسة والاقتصاد. ٢ - الجغرافيا والمؤسسات والسياسات إذا قبلنا بأن النمو الاقتصادي في البلاد الفقيرة يعتمد على عوامل متعددة، فسيظل من المفيد محاولة تحديد أي هذه العوامل أكثر أهمية. لقد ركز الاقتصاديون، ولسنوات طويلة، على أهمية السياسات الاقتصادية السليمة، وفي السنين الأخيرة زاد التركيز على أهمية المؤسسات التي تشجع النمو وخاصة: الاستقرار السياسي، وحقوق الملكية، والأنظمة القانونية، وأنماط ملكية الأرض… الخ كما نسب بعض الاقتصاديين – كما رأينا - وزنا كبيرا للعوامل الجغرافية. قد تعتمد التنمية الناجحة على كل هذه العوامل، ولكن سيظل من المهم عمليا اكتشاف أي منها أكثر أهمية. فإذا كانت السياسات أكثر أهمية من الجغرافيا، فإن ذلك أمر يدعو إلى التشجيع على اعتبار أن السياسات هي أكثر قابلية للتغيير من الجغرافيا. لقد نشرت دراسة حديثة [٧] حاولت اختبار أهمية هذه المجموعات من العوامل الثلاث، عن طريق دراسة عينة تضم ٧٢ بلدا غنيا وفقيرا. وكانت النتيجة أن المؤسسات هي أكثر العوامل أهمية وأن السياسة والجغرافيا، كعوامل مستقلة، لا يكاد يكون لها تأثير يذكر. لقد وجدت الدراسة أن البلاد التي لديها مؤسسات جيدة يكون عادة أداؤها الاقتصادي مقبولا، بغض النظر عن نوعية السياسات التي تتبعها، وعن الظروف الجغرافية التي تحيط بها. الجغرافيا وحدها وكعامل مستقل ليس لها تأثير واضح ولكن الجغرافيا المناسبة تؤثر على التنمية عن طريق تأثيرها على المؤسسات. الجغرافيا المناسبة تساعد على قيام المؤسسات الجيدة، والمؤسسات الجيدة تدفع عجلة التنمية الاقتصادية. ولكن كيف تشجع الجغرافيا المناسبة على قيام المؤسسات الجيدة؟ تلاحظ الدراسة أن كل البلاد التي اشتملت عليها العينة هي مستعمرات سابقة. وقد اتبع الأوروبيون عدة استراتيجيات استعمارية. لقد قرر الأوروبيون – وبسبب الظروف الجغرافية والمناخية – الإقامة وبأعداد كبيرة، في شمال أمريكا واستراليا، وأقاموا هناك مؤسسات لحماية الملكية الخاصة وتقليص دور الدولة. ولم يقبل الأوروبيون – لنفس الأسباب، وخاصة انتشار الأمراض – على الاستقرار في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وبدلا من ذلك، وبدرجات متفاوتة، ركزوا على استخراج المعادن والمحاصيل التجارية. الأمر الذي عنى قدرا أقل من الديمقراطي واحترام حقوق الملكية في هذه المناطق الأخيرة. هذه المؤسسات – بنوعيها الجيد والرديء – ثبتت جذورها وامتدت وكانت النتيجة، وبصفة عامة، هي هذا النمط من توزيع الدخل الذي نراه سائدا في عالم اليوم. من الواضح أن تغيير المؤسسات هو أكثر صعوبة من تغيير السياسات، وعلى الأرجح فإن إصلاح المؤسسات سيظل أقل صعوبة من تغيير الجغرافيا. إن التحدي الحقيقي الذي يواجه اقتصاديات التنمية – طبقا لوجهة النظر هذه – هو التحول عن المؤسسات الرديئة إلى المؤسسات الجيدة. رابعا – التقارب الثقافي في عصر العولمة أحد الأسئلة المهمة التي يثيرها بعض الباحثين هو: في هذا الاقتصاد الحديث، الذي تمارس فيه ضغوط قوية على المجتمعات لتبني قيم واتجاهات تتواءم مع النموذج الإنتاجي السائد، هل مازال للثقافة اليوم نفس النفوذ والتأثير الذي كان لها في المجال الاقتصادي في ظل نظام اقتصادي مختلف وأقل عولمة؟ كثيرا ما تتضمن الدراسات التاريخية عروضا غنية حول تأثير الاتجاهات والخواص الثقافية على المجتمعات وسبل تقدمها وتنميتها، وذلك لأن هذه الخواص والصفات استمرت تاريخيا وأثرت تأثيرا كبيرا على التشكيل والصياغة الاقتصادية لهذه المجتمعات. أما في الظروف الحاضرة، فيمكن القول، بأن الأفكار الاقتصادية، وضغوط السوق العالمي قد تؤدي إلى انكماش مدى المجال المتاح أمام العوامل الثقافية لكي تمارس تأثيرها على السبل والتوجهات الاقتصادية التي تختارها المجتمعات. مايكل بورتر هو أحد الذين ينظرون إلى الموضوع من زاوية عالمية [MICHAEL E. PORTER (٢٠٠٠)] بدلا من التركيز على أن هناك خصائص ثقافية معينة لازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية، هو يرى بأن «الثقافة الاقتصادية العالمية» هي التي ستدفع كل مجتمع نحو الإنتاجية والقيم التي تفضى إلى ثقافة عالمية يطبعها كثير من التجانس [٨]. ويعرف الثقافة الاقتصادية بأنها «المعتقدات، والاتجاهات والقيم التي تؤثر على ماله علاقة بالأنشطة الاقتصادية للأفراد، والمنظمات، والمؤسسات الأخرى. وفي رأيه أن الحقبة الأخيرة توضح أن في إمكان الأمم تعديل ثقافتها الاقتصادية وبسرعة في ظل الظروف المناسبة. وأن من الخطر اليوم، وفي ظل اقتصاد عالمي تتوفر فيه إمكانيات الوصول إلى المعرفة والتقنية المتقدمة، الاعتماد الكامل على التفسيرات الشاملة للرخاء الاقتصادي مثل الجغرافيا والمناخ أو القيم الدينية كان من الممكن للعوامل الثقافية أن تلعب دورا كبيرا بالنسبة لاختيار توجهات البلاد ومدى النجاح الذي تحققه، في زمن كان يجري فيه تطبيق عدة نظم ونماذج اقتصادية ولكننا اليوم نواجه وضعا ومناخا اقتصاديا شديد الاختلاف. لقد زادت الإمكانيات أمام المواطنين في بقاع مختلفة للتعرف على أنماط السلوك الناجح في أماكن أخرى. وعليه فقد زاد التقارب في الرأي في العالم حول مايجب القيام به لتحقيق الرخاء الاقتصادي. هذا التقارب المتزايد والالتقاء حول نموذج معين للكفاءة والإنتاجية، يؤدي إلى ضغوط كبيرة على البلاد التي تفشل في تقبله وتبنيه. السياسات الاقتصادية والأداء الاقتصادي هي الآن موضع قياس ومقارنة بين البلاد المختلفة، والأسواق المالية تعاقب البلاد التي لا تتبنى سياسات تعتبرها سليمة ومقبولة، ومنابع الاستثمار الأجنبي قد تجف حين لا تتوفر الأجواء المناسبة له، والقادة السياسيون هم الآن في موضع المساءلة من طرف قوى اقتصادية حتى حين لا يتمكن مواطنوهم من إخضاعهم لمثل هذه المساءلة، كما أن التقدم التقني السريع يزيد أيضا من تكلفة العزلة والتردد في قبول الممارسات العالمية والنموذج السائد، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من شدة ضغوط هذه القوى السائدة في هذا الاقتصاد الحديث ويجعل تجاهلها أمرا صعبا. يرى مايكل بورتر أن ما نشاهده هو ظهور أسس ثقافية اقتصادية عالمية تعبر الحواجز التقليدية بين الثقافات لتصبح ظاهرة مشتركة. إن هناك مجموعة من المعتقدات، والاتجاهات، والقيم التي لها علاقة بالاقتصاد سوف تكون عامة مشتركة، أما الجوانب الثقافية التي يتضح ضعفها وقلة إنتاجيتها، فسوف تتهاوى تحت ضغط الاقتصادي العالمي وأمام الفرص التي يوفرها. ومع ذلك فسيظل للثقافة دورها المهم في تحقيق الرفاهية الاقتصادية، وربما يكون هذا الدور اگثر إيجابية. إن الجوانب الفردية في كل مجتمع والتي تكون مصدراً لحاجات ومهارات، وأساليب للعمل، وقيم غير عادية ستصبح هي الجوانب المميزة للثقافة الاقتصادية… «هذه الجوانب المنتجة في الثقافة مثل شغف كوستاريكا بظواهر البيئة، والولع الأمريكي بالجوانب العملية والمريحة، والياباني بالألعاب والرسوم المتحركة، سوف تصبح مصادر في غاية الأهمية لميزات تنافسية يصعب تقليدها، مما يؤدي إلى أنماط جديدة من التخصص العالمي حيث تنتج البلاد وبصفة متزايدة السلع والخدمات التي تمنحها ثقافتها ميزة خاصة للتفوق في إنتاجها». وعليه – ووفقا لوجهة النظر هذه – فعلى الرغم من أن التقارب حول نموذج اقتصادي بعينه سوف يتزايد، فإن الفروق والاختلافات بين الثقافات سوف تظل قائمة، وسوف لن تمحى العولمة الثقافة، بل ويمكن أن تكون الاختلافات الثقافية مصدرا لميزات تخصصية تساهم في زيادة رفاهية كل الأمم في الاقتصاد العالمي. خامسا – إمكانيات التغيير الثقافي من الواضح أنه إذا كان هناك قبول بأن العوامل الثقافية يمكن أن تساعد على تفسير استمرار مشاكل الفقر وغياب العدالة في كثير من بلاد العالم الثالث، وإذا كانت بعض القيم الثقافية تمثل عقبات رئيسية في طريق التقدم، فليس هناك بديل لمحاولة تشجيع ودفع عمليات التغيير الثقافي بهدف السير في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد أثار بعض الباحثين ومنهم Robert Klitgaard سؤالا مهما: «إذا كانت الثقافة بهذه الأهمية، وإذا كان الباحثون والمهتمون قد درسوا موضوع الثقافة لمدة قرن أو يزيد، فلماذا لم يتم التوصل بعد إلى نظريات متطورة، وتوجيهات عملية عامة، وعلاقات عمل وثيقة بين الدارسين للثقافة والمسؤولين الذين يضعون السياسات التنموية ويقومون على تنفيذها»؟ هناك نوع من الاتفاق على أن القيم الثقافية ليست جامدة ويمكن أن تتغير، وإن كان ذلك يتم ببطء في أغلب الحالات، وأن المواقف والاتجاهات الثقافية أكثر قابلية لتغيير أسرع. وهناك من الباحثين المعروفين مثل لورنس هاريسون من يعتقد أن من الأسباب الرئيسية لتخلف العالم الثالث هو فشل الحكومات ومؤسسات التنمية في أن تأخذ في الحسبان قوة الثقافة كعامل مؤثر يمكن أن يساعد على التقدم أو يعرقله. ويرى هاريسون على سبيل المثال «أن اختلاف الثقافة بين غرب أوروبا وأمريكا اللاتينية هو العامل الرئيسي الذي يفسر نجاح مشروع مارشال وفشل التحالف من أجل التقدم «Alliavce for progress». ولكن التحرك العملي في طريق التغيير الثقافي لا يخلو من العقبات، فمواجهة موضوع الثقافة يثير عددا من المصاعب التي قد تدفع البعض إلى محاولة تفاديه، فقضية الثقافة، مثلا، يمكن أن تثير حساسيات وطنية وعرقية وشخصية بإثارة أن بعض الثقافات أكثر تفوقا من غيرها، على الأقل، بمعنى أنها أكثر تشجيعا أو قدرة على تحقيق التقدم والرخاء الإنساني. كما أنه ليس من السهل التعامل مع موضوع الثقافة فكريا لأن هناك مشاكل تتعلق بالتعريف والقياس، كما أن العلاقات السببية بين الثقافة وعدد من العوامل والمجالات الأخرى كالسياسات، والمؤسسات، والتنمية الاقتصادية تتحرك في كلا الاتجاهين بمعنى أن الثقافة تؤثر في هذه المجالات وتتأثر بما يحدث فيها. وعليه فإن من أكثر القضايا إثارة للجدل والنقاش في هذا المجال، هي إلى أي حد يمكن أن يدمج التغيير الثقافي في إطار التنظير، والتخطيط، والبرمجة لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية، ويزداد الجدل حدة حينما تأتي مبادرات التغيير الثقافي من الخارج وما يمكن أن ينطوي عليه ذلك من معان وحساسيات. ومع ذلك، فقد بدأت بعض المبادرات في بعض بلاد العالم الثالث، وكذلك في بعض الدوائر الأكاديمية في الغرب، تهدف إلى ترجمة هذا الاتجاه إلى تطبيقات عملية هدفها تسريع النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية. لقد تم في بعض بلاد أمريكا اللاتينية اتخاذ خطوات عملية لتشجيع التغيير الثقافي في المدارس والكنائس وأماكن العمل. ومن المبادرات المحلية، على سبيل المثال، ما يقوم به «معهد التنمية الأساسية» في بيرو الذي يشجع ما يطلق عليه «الوصايا العشر للتنمية» في عدد من بلاد أمريكا اللاتينية. وفي المجال الأكاديمي يعتقد بعض الباحثين – كعدد من هؤلاء الذين شاركوا في ندوة هارفارد التي أشرنا إليها، أن الحكومات ومؤسسات التنمية قد أهملت إلى حد كبير دور القيم والمواقف الثقافية كعوامل تساعد على التقدم أو كعقبات تقف في طريقه، ويرون أن ربط التغيير الثقافي بالتنمية في مجالات السياسة والتخطيط والبرمجة هو طريق واعد يتطلب الكثيرمن المتابعة والبحث. وقد انتهت تلك الندوة إلى أنه «… يجب القيام ببرنامج بحث شامل يغطي الجوانب النظرية والتطبيقية وذلك بهدف دمج تغيير القيم والمواقف في مجالات سياسات التنمية، والتخطيط، والبرمجة في بلاد العالم الثالث. وستكون المحصلة النهائية للأبحاث توجيهات إرشادية تتعلق بتغيير القيم والمواقف، بما في ذلك مبادرات عملية لتشجيع القيم والمواقف التقدمية» ومن الممكن أن تساهم هذه المحاولات، سواء ما يجري منها ببلاد العالم الثالث، أو في مجالات البحوث الأكاديمية في بالغرب، في إنارة الطريق أمام بلاد العالم الثالث. سادسا – ملاحظات أخيرة بعد هذا الاستعراض نختتم الورقة ببعض الملاحظات العامة: ١ـ لاشك أن الاتجاهات، والقيم، والمعتقدات التي يشار إليها أحيانا مجتمعة بمصطلح الثقافة، تلعب دورا بالنسبة للسلوك الإنساني والتقدم. ذلك أمر لا ينكره حتى أصحاب وجهات النظر المعارضة. غير أنهم يرون بأنه، على الرغم من أن دور الثقافة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي ليس موضع تساؤل، إلا أن فهم وتفسير هذا الدور في إطار يشمل عوامل ومؤثرات أخرى وعزل تأثير دور الثقافة هو أمر يمثل تحديا. كما أن المتحمسين لأهمية دور الثقافة، لا ينكرون أن الثقافة لا تقف وحدها. قد يغرم التحليل الاقتصادي بفكرة أن سببا واحدا جيدا ووجيها يكفي للتفسير، ولكننا نعلم أن العوامل التي تحكم العمليات المعقدة متعددة ومتشابكة، كما أن التفسيرات التي تقوم على سبب واحد قد لا تغني ولاتفيد كثيرا. إن نفس القيم التي تخنقها حكومة سيئة في الداخل – في أرض الوطن، يمكن أن تجد فرصتها في مكان آخر – خارج الحدود. ولعل هذا يفسر نجاح مشاريع المهاجرين في الخارج – كالجاليات الصينية في آسيا. لقد عاد كثير من علماء الاجتماع في السنين الأخيرة إلى العوامل الثقافية لتفسير عدد من الظواهر الإنسانية بما في ذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأكد بعضهم أن ظاهرة العولمة نفسها سوف لن تقضي على دور الثقافة. ستظل الثقافة – في نظرهم – عاملا مؤثرا على التنافس والتنمية الاقتصادية، ولكن العولمة تتضمن تسريعا للانتقال الثقافي سيكون من شأنه تأكيد التقارب والنمطية في الثقافة مما يسهل على البلاد المختلفة تجاوز العقبات ونواحي الضعف التي تتصل بالثقافات المحلية أو تفرضها العوامل الجغرافية. ٢ - من الملاحظ أننا نجد أن أشد أنواع التشكيك بالنسبة للعلاقة بين القيم الثقافية والتقدم الإنساني مصدرها علمان: الاقتصاد والأنثربولوجيا. المشكلة الرئيسية بالنسبة لكثير من الأنثروبولوجيين، وعلماء الاجتماع الآخرين المتأثرين بهم، هوتقليد النسبية الثقافية، الذي سيطر على العلم في القرن الماضي ويجد حرجا في إصدار الأحكام حول ثقافات وقيم وممارسات المجتمعات الأخرى. أما عن الاقتصاديين، فإن أغلبهم لا يشعر بالارتياح حين التعامل مع مسألة الثقافة، بالأخص لأن ذلك يتضمن مشاكل في التعريف، وصعوبة في القياس. كما أن المجال الذي يتم فيه التحرك يتضمن عوامل أخرى نفسية وسياسية ومؤسسية وغيرها. هناك اعتقاد مبدئي بالنسبة لكثير من الاقتصاديين، بأن السياسات المناسبة والسليمة والتي يجري تطبيقها بفعالية، تؤدي إلى نفس النتائج بغض النظر عن الثقافة السائدة. ولكن هذا لا يسمح لنا بتفسير اختلاف الأداء في المجتمعات المتعددة الثقافات، حيث يكون أداء بعض المجموعات أفضل من غيرها، كوضع الجاليات الصينية في عدد من البلاد الآسيوية، واليهود في كثير من الجهات التي هاجروا إليها. ليس من الصعب أن نرى أن موضوع الثقافة قد يخيف كثيرا من الباحثين لأنه قد يحمل رائحة الوراثة والعنصر، وجو الثبات وصعوبة القابلية للتغيير. والغنيون عموما يفضلون تغيير أسعار الصرف، وأسعار الفائدة، وتحرير التجارة، وإصلاح المؤسسات السياسية وتطوير الإدارة. من المفيد التذكير بأن أغلبية الاقتصاديين والمشتغلين في مهنة الاقتصاد، قد تجاهلوا – وإلى حد كبير – الجدل والحوار الغني حول علاقة العوامل الثقافية بالتنمية (Biling ٢٠٠٠) لم ير هؤلاء أن مناقشة موضوع الثقافة بصفة عامة، وبعض الأفكار والمشاريع الأخرى البديلة له مثل دور الطبقة، والاستعمار والإمبريالية، هي من ضمن اختصاصهم أو من القضايا التي يمكن أن يشملها علم الاقتصاد. وعليه، فهذا النقاش، وكثير من الحوارات الأخرى المهمة والأساسية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية، كان لها تأثير محدود جدا على الاقتصاد كعلم ولذلك، فإننا سنجد، حتى اليوم بأن أغلب النقاش والحوار حول التنمية الاقتصادية، مازال محصورا ضمن خطاب الأنثروبولوجيين، وعلماء السياسة أو علماء الاجتماع. ومن الملفت للنظر أن فرع التنمية الاقتصادية أصبح يفقد كثيرا من التأييد داخل المهنة كموضوع اقتصادي حيوي يستحق المتابعة والاهتمام. ٣ - ليس هناك شك في أذهان الباحثين الذين يؤكدون على أهمية دور الثقافة في التنمية أن عملية التغيير الثقافي لخدمة أغراض هذه التنمية، سوف لن يكون أمرا سهلا. نحن في حاجة إلى فهم أعمق لعدد من القضايا المهمة، إذا كان الهدف هو الوصول لإيجاد نظريات متقدمة، وتوجيهات عملية، وعلاقات مهنية وطيدة بين الدارسين للثقافة، وبين هؤلاء الذين يرسمون سياسات التنمية ويقومون على تنفيذها. ٤ - لاشك أن التوجه إلى الاهتمام بدور الثقافة، كعامل أساسي يؤثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي والإسلامي، هو توجه صحيح وجدير بالتشجيع. ولا نظن أن هناك خلافاً كبيراً حول أهمية هذا الدور في تخلف هذه المنطقة بالذات. وربما تكون هذه الأهمية هي أكثر وضوحا في هذه المنطقة من غيرها من مناطق العالم فليس من الممكن مثلا إرجاع الركود والتخلف في شمال إفريقيا والشرق الأوسط – كما أشارت هذه الورقة – إلى عوائق الجغرافيا والمناخ. فهي منطقة معتدلة المناخ، غنية بسواحلها الممتدة وانفتاحها على الخارج. ومن الصعب أيضا أن نرجع تخلف المنطقة إلى عوامل اقتصادية بحتة، كقلة توفر الثروات الطبيعية، أو ندرة رأس المال مثلا. ويكفي أن نشير هنا إلى فترة «الوفرة النفطية» في كثير من بلاد المنطقة. وليس من الممكن كذلك – كما سبق أن أشار كثير من الباحثين – إرجاع الركود والتخلف في النمطقة إلى الإسلام كفكرة، أو إلى العرب والمسلمين كأمة أو عنصر، فقد سبق لهذه الفكرة أن بعثت حضارة فريدة، ضخمة الإنجازات، في فترة وجيزة من التاريخ كما أن القيم الثقافية التي تذكر عادة كقوى دافعة ومحرك للتقدم الاقتصادي والاجتماعي مثل قيمة العمل، وتقدير قيمة الوقت، والادخار، والتعاون… الخ. هي قيم لها مكانتها الرفيعة في الفكرة الإسلامية، ومكانها المرموق في التجارب التاريخية الناجحة للعرب والمسلمين. يظل من المعقول إذا إرجاع الركود والتخلف، أساسا، إلى ما أصاب أفكار العرب والمسلمين وسلوكهم، من ضعف وانحراف وجمود خلال قرون طويلة من الانحطاط. لقد أدى هذا الوضع إلى نوع من الانفصام وتضخيم حجم الفجوة بين النظرية والتطبيق، وإلى أن تفقد الأفكار الأصلية للمجتمع فعاليتها وقوتها الدافعة، وأن يتم ملء الفراغ بحشو من الأفكار الميتة من الداخل، والأفكار غير المجدية من الخارج. وفي النهاية لابد من منهج يتضمن أولا تحديدا سلبيا للثقافة العربية الإسلامية، يؤدي إلى تصفيتها من شوائب الضعف، ومظاهر الجمود التي ترسبت عبر قرون الانحطاط. يعقب ذلك تحديد إيجابي يتضمن العناصر الأساسية التي تعيد للثقافة حيويتها فتصبح قوة دافعة تحكم سلوك إنسان المنطقة، وتدفعه في طريق بناء حضارته. وهذا مشروع ليس بالمشروع الهين الذي يمكن الاستخفاف به، أو الاستغناء عنه، فهو يحتاج إلى كثير من اليقظة والصبر والإصرار وتظافر الجهود. الهوامش: ١ - من الأكاديميين الذين كانت لهم مساهمات معروفة. David Mc Clelland, Edward Banfield, Gabriel Almon, Margaret Mead and William pye. ٢ - وأشار بالذات – كمثل على ذلك – وإلى مقال مطول نشرته مجلة «The Economist» في نوفمبر ١٩٩٦ يتضمن نقدا يثير كثيرا من الشكوك حول الأعمال الحديث لكل من: Francis Fukuyama, Lawrence Harrison, Robert Kaplan, Seymour Lipset, Robert Prutnam, Thomas Sowell and Samuel Huntington. ٣ - Huntington (eds) landes, Culture Makes Almost all the Difference, in (Harrison and David (٢٠٠٠). ٤ - أنظر على سبيل المثال: Bernard Lewis, “The West and the Middle East” , Foreign Affairs ٧٦, (January – Feb, ١٩٩٧) … ٥ - Gerb Thompson, Gulture and Economic Development: Modernization to Glboalization”, Theory and Scienece (٢٠٠١) , ISSN: ١٥٢٧ – ٥٥٥٨… ٦ - Jeffery Sachs, Notes on a New Sociology of Economic Development, in Harrison and Huntington (٢٠٠٠). ٧ - William Eastrly and Ross Levin, “Tropics, Germs and Grops: How Endowments influence Ecomomic Development “NBER working paper, ٩١٠٦. The Economist, Roots of Development, October ٥, ٢٠٠٢. ٨ - Michael E. Porter “Attitudes, Values, Beliefs and the Micro economics of Prosperity, Harrison and Humtington (٢٠٠٠) … المراجع ١ - Biling, Michael s. (٢٠٠٠) Institution and Culture: Neo Weberian Economic anthropology. Journal of Economic Issues, ٣٤ [٤] , December: ٧٧١ – ٧٨٨. ٢ - Frank, Andre Gundar (١٩٩٨). Reorient: Global Economy in the Asian Age. Los Angeles, CA: University of California Press. ٣ - Fukuyama, Francis (١٩٩٦) Trust: The Social Virtues and the Creation of Prosperity. Toronto: Free Press. ٤ - Fukuyama, Francis (١٩٩٢) The End of History and the Last Man. New York: Free Press. ٥ - Harrison, Lawrence E. (٩٨٥) Underdevelopment is a State of Mind. Madison, WI: Madison Books. ٦ - Harrison, Lawrence E. and Huntington, Samuel P. (eds) (٢٠٠٠) Culture Matters: How Values Shape Human Progress. New Yoryk: Basic Books. ٧ - Holton, Robert J. and Turner, Bryan S. (١٩٨٩) Max Weber on Economy and Society. London: Routledge. ٨ - Huntington, Samuel P. (١٩٩٨) The Clash of Civilizations and the Remarking of World Order. Carmichael, CA: Touchstone Books. ٩ - Inglehart, Ronald and Baker, Wayne (٢٠٠٠) Modernization, cultural change and the persistence of traditional values. American Sociological Review, ٦٥ [١] , February: ١٩ – ٥١. ١٠ - Jessop, Bob (٢٠٠٠) Reflections on globalization and its (il) logic (s) , in Olds, Kris, Dicken Peter, Kelly, Phillip F. , Kong, Lily and Yeung, H. W. (eds) Globalization and the Asia _Pacific. London: Routledge: ١٩ – ٣٨. ١١ - Krugman, Paul (١٩٩٧) What ever happened to the Asian Miracle. Fortune, ١٨August> HttpLweb. mit. eduLKrugmanL www / #other. ١٢ - Latham, Michael E. (٢٠٠٠) Modernization as Ideology: Averican Social Science and Nation Building in the Kennedy Era. Chapel Hill: University of North Carolina Press. ١٣ - Lerner, Daniel (١٩٥٨) The Passing of Traditional Society: Modernizaing the Middle East. New York: Free Press. ١٤ - Mann, Michael (١٩٨٦) The Sources of Social Power. Volume ١, Cambridge: Cambridge University Press. ١٥ - Porter, Michael, Sachs, jeffrey, Warner, Andrew and Schwab, Klein (eds) (٢٠٠٠) The Global Competitiveness Report ٢٠٠٠. Oxford: Oxford University Press. ١٦ - Rostow, Walt Whitman (١٩٦٠). The Stages of Economic Growht: A non –commmunist manifesto. Cambridge: Cambridge University Press. ١٧ - Sachs, jeffrey (١٩٩١) Spontaneous Privatization: A Comment. Soviet Economy, ٧ [٤] October – December. ١٨ - Swedberg, Richrd (١٩٩٨) Max Weber and the Idea of Economic Sociology. Princeton: Princeton University Press. ١٩ - Weber, Max ١٩٥٨ (١٩٠٤) The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism. Translated by T. Parsons. Reprint, New York: Charles Scribner’s Sons. ٢٠ - Weiner, Myron (١٩٦٦) Modernization: The Dynamics of Growht. New York: Basic Books. ٢١ - Wink, Ander (١٩٩٠) Al –Hind, The Making of the Indo – Islamic: Early Medieval India and the Expansion on islam, ٧ th – ١١ th Centuries. Volume ١,Leiden: E. J. Brill.
|