مصير العالم الإسلامي
|
ثقافتنا - العدد 11
العالم الإسلامي
الدكتور مصطفى شريف
1427
«ملخّص» إن العالم الإسلامي يعاني من ثلاثة تحديات: تهديد القيم الروحية على الصعيد العالمي، وسياسة الكيل بمكيالين، والتناقضات الداخلية وأمام الهيمنة الغربية ثم موقفان: الذوبان أو الانغلاق، وكلاهما فاشلان. ردّنا في مواجهة التحديات ينبغي أن يكون على ثلاثة مستويات: المستوى السياسي، والاخلاقي، والتطبيقي. والعلاقة مع الآخر ينبغي أن تكون قائمة على مرجعية القرآن الذي أمرنا أن نتعامل معه بالتي هي أحسن . الوضع جد خطير، خطابنا لم يصل كما ينبغي الحال عند المواطنين مسلمين وغير مسلمين، الوضع معقد يجب أن نواجه تحديات الساعة بنظرة علمية موضوعية صريحة، مصداقيتنا في الرهان. العاطفة والدعاية لم ولن تحققا شيئاً. التحليل الفكري والعلمي بأسلوب منسجم مع تحولات عصرنا يمكن أن يؤثر نوعاً ما. نحن كشعوب إسلامية سنعاني ككل الشعوب، كل الشعوب معنية بالتحديات والأزمة الإنسانية التي نعيشها. ولكن كشعوب إسلامية نعاني ثلاث مرات: أولاً: ككل الشعوب نلاحظ أن القيم الأساسية، الروحية والإنسانية مهددة في الصميم، بسبب انزلاقات الحداثة ذات الطابع الغربي وتناقضات النظام الدولي الجديد مبني على قانون الأقوى. ثانياً، نعاني كمسلمين بسبب سياسة الكيل بمكيالين. ثالثاً، نعاني كمسلمين بسبب تناقضاتنا الداخلية. تشويه صورة الإسلام هي عملية ليست معزولة عن الواقع المرّ، وهو تعميم أسلوب ومقاييس وممارسات متناقضة تماماً مع الدين بصفة عامة والقيم الإسلامية بصفة خاصة. العولمة الغربية تهمش وتعزل الدين عن الحياة وهي المشكلة الأولى. الكراهية ضدنا والأفكار المسبقة ضد الإسلام سببها الأول أن نظهر نحن المسلمين كآخر مقاومين ضدّ هذا النمط: العزل وتهميش الدين عن الحياة. مهما نعمل بسبب تمسكنا بالدين ووفائنا بالميثاق مع الله عزوجل نظهر سلبيين. في هذا الإطار، عولمة السوق ومنطق التجارة اللذان يدمران كل القيم الإنسانية والدينية، يهدفان للسيطرة على حياة الناس في كل مستوياتها. الآخرون، غير المسلمين، خاصة في الغرب يقولون إنّ التقدم والحداثة والعصرنة مبنية على ثلاثة مقاييس، أولاً: ممارسة العقل بلا شروط، ثانياً: الفصل الجذري بين الدين والسياسة، ثالثاً: المجتمع مبني على استقلالية الفرد بلا حدود. العولمة، والنظام الدولي الجديد، والحداثة ذات الطابع الغربي تريد أن تفرض علينا هذه المقاييس. يجب الرد عليهم بصفة مدروسة وطريقة واضحة، لأنه وحسب وجهة نظرهم نظهر كمتخلفين، كآخر متخلفين في العالم. خاصة أن مقاومتنا على كل المستويات أمام انزلاقات الحداثة ذات الطابع الغربي وتناقضات النظام الدولي الجديد ونقائصنا الداخلية، تظهر مقاومتنا سلبية رجعية أو على الأقل ضعيفة وغير كافية؛ بل وأكثر تظهر هذه المقاومة في بعض الأحيان كجريمة إذا استعملت العنف الأعمى، وهذا واقع مرّ يستعمله الأعداء ويوظفونه لأنّ بعض المجموعات في مجتمعاتنا كما هو معروف – بسبب الجهل واليأس – يخربون بيوتهم بأيديهم وبأيدي المؤمنين. أمام سيطرة الغرب وهيمنته ومحاولة فرض مقاييسه في إطار العولمة، البعض منا يلجأون ويختارون الذوبان في هذا النموذج الذي يعتبرونه نموذجاً بلا بديل بسبب ميزان القوة. والبعض الآخر خوفاً من هذا الوضع الخطير ورفضاً لهذه السيطرة ينغلقون على أنفسهم ويركزون على الظاهر والتطبيق الحرفي كردّ. الموقفان (الذوبان والانغلاق) محكوم عليهما بالفشل. لنصحح بعمق، وبموضوعيّة وفعالية وضعنا الخطير يجب أن نقول لأنفسنا وللآخرين، أولاً: العقل هو المحرك، هو الوسيلة الأساسيّة للتحكم في الواقع والانتصار أمام محنة الحياة واختيار الأمور السياسية والاقتصادية وغيرها من أمور الدنيا. ولكن يجب في نفس الوقت أن أقول للغربيين الذين يرفضون أي تنوير كتنوير الرسالة السماوية إن ممارسة العقل ضروري ولكن غير كافٍ، العقل جوهري ولكنه لا يضمن كل شيء. ثانياً: قضية الفصل بين السياسة والدين، يجب أن نقول لأنفسنا وللآخرين إنّ الإسلام لم يخلط بينهما، لا غموض ولا لبس في هذه النقطة الأساسية. ولكن في نفس الوقت الفصل ليس تعارضاً وتناقضاً بينهما. الإسلام دين ودنيا يربط ويحقق الانسجام بين كل مستويات الحياة، الخاصة والعامة، الجانب الروحي والمادي، الدنيوي والديني وغير ذلك. يظهر اليوم في إطار عولمة منطق السوق وهيمنة الأقوى، أن الفصل بين السياسة والدين وصل إلى تهميش الدين والسياسة في نفس الوقت. الدين بمفهوم معنى الحياة والموت، والسياسة بمعنى مسؤولية وحرية الشعوب والأفراد. أصبحنا اليوم في خطر كبير تدريجياً نعيش بلا حرية وبلا معنى ديني وروحي. الرد على المقياس الثالث وهو التركيز الغربي على استقلالية الفرد بلاد حدود، يجب أن نقول أيضاً لأنفسنا وللآخرين إنّ الإسلام حرّر الإنسان ويركز على حرية الفرد كأساس للحياة، ولكن كيف نعيش معاً، كشعوب وكأمم، كجماعات إنسانية؟ التوازن بين الفرد والجماعة، الفرد والشعب، الفرد والأمة، ضروري. اليوم الردّ أمام التحديات الداخلية – كالجهل والفقر واحتكار السلطة وتوظيف الدين لأغراض سياسية ضيّقة – والخارجية كتهميش الدين وسيطرة منطق السوق على العالم والاستعمار بشكلة الجديد، الردّ يجب أن يكون مبنياً على ثلاثة أسس: أولاً: على المستوى السياسي بناء مجتمع مسؤول، وبناء دولة القانون، ديمقراطية حقيقية، لأننا لم ولن نحل مشاكلنا بدون مساهمة الشعوب. كيف نجند شعب وهو غير معني باختيار المسؤولين والبرنامج؟ حتى ولو لم يوجد نموذج مثالي للديمقراطية، ومع أن الديمقراطية ضرورية إلا أنها غير كافية، يجب أن نغرسها في مجتمعاتنا على المستوى الداخلي ونناضل أن تكون أيضاً حقيقة على المستوى الدولي. لا ديمقراطية داخلية بدون ديمقراطية دولية والعكس صحيح. على هذا المستوى السياسي يجب أن أقول لشركائنا ونظرائنا الآخرين.. أصدقائنا في الغرب، إنّ المشاكل في الميدان هي مشاكل سياسية، تحقيق السلم والسلام مرتبطان بتصفية الاستعمار والاحتلال في الأرض العربية والإسلامية. ثانياً: على المستوى الأخلاقي والإنساني، أمام تحديات الأزمة العامة ومشاكل التطور والنمو الحل مبني على التحكم في العلم والمعرفة. اليوم نعيش حرب الذكاء وحرب المعلومات. الخروج من المأزق والتهميش مرهون بأولوية العلم والمعرفة النافعين. ثالثاً: على المستوى التطبيقي لا بديل عن الحوار كمنهج حضاري لتبادل الآراء وتصحيح تناقضات الجميع. في إطار العولمة والوضع العالمي لايوجد حل محلي. نحن كأمة.. أمة الوسط، في هذا الوضع الخطير الذي يهدد أسس الحياة، يجب أن نحافظ على المفهوم الصحيح للدين المبني على مبدأ جوهري وهو: وللآخرة خير لك من الأولى، وفي نفس الوقت نواجه تحديات الساعة المبنية على مبدأ آخر وهو: ولا تنسَ نصيبك من الدنيا. العلاقة مع الآخر يجب أن تكون مبنية على مرجع واضح: وجادلهم بالتي هي أحسن، وهذا توجيه التفتح، وفي نفس الوقت هناك توجيه آخر متكامل، وهو: لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. وهذا توجيه اليقظة. التفتح واليقظة في نفس الوقت هما منهج أمة الوسطية. آخراً، تصحيح صورتنا المزيفة مرهون بالنقد الذاتي أمام تناقضاتنا، والنقد البنّاء أمام تناقضات الآخرين.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• تحليل ثقافي من العراق لأحداث لبنان
(بازدید: 690)
(نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• انتصار لبنان.. حضارياً
(بازدید: 1033)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• انتصار لبنان.. حضارياً
(بازدید: 979)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تحليل ثقافي من العراق لأحداث لبنان
(بازدید: 641)
(نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• ظاهرة الإسلاموفوبيا قراءة تحليلية
(بازدید: 913)
(نویسنده: خالد سليمان)
• الإسلام و التعاون الإقليمي والدولي
(بازدید: 1010)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العلاقات بين تونس و ايران عبر التاريخ
(بازدید: 1326)
(نویسنده: عثمان العكاك)
• بعد مرور ٧ قرون على مولده أسفار ابن بطوطة مازالت حديث العالم
(بازدید: 2397)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تونسيان يدافعان عن شخصيتين ايرانيتين
(بازدید: 1191)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الأمة الإسلاميّة والقرن الجديد
(بازدید: 655)
(نویسنده: الدكتور محمد محمود صيام)
• الامة الاسلامية والقرن الجديد
(بازدید: 583)
(نویسنده: الدكتور محمد محمود صيام)
• النظام العالمي الجديد و العالم الإسلامي
(بازدید: 5381)
(نویسنده: الدكتور سعيد عبد اللّه المهيري)
• النظام العالمي الجديد والعالم الاسلامي
(بازدید: 1187)
(نویسنده: الدكتور سعيد عبد اللّه المهيري)
• السير في الارض عند المسلمين - ابن بطوطة في إيران نموذجا
(بازدید: 1180)
(نویسنده: الشيخ واعظ زاده الخراساني)
• نحن و دولة الإسلام في إيران
(بازدید: 849)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• نحن و النظام الدولي الجديد
(بازدید: 884)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|