نحن و السلفية
|
الوحدة الإسلامية
//
"السفلية" كما يتضح من مدلولها اللغوي عودة إلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة المتقين والتابعين لهم بإحسان، ورفض كلّ البدع التي استحدثت على مرّ العصور في الدين. إنها إذن الالتزام بالدين من مصادره النقيّة الصافية والابتعاد عن كلّ ما طرأ عليه من شوائب غريبة عليه. ولا يصحّ إسلام مسلم مالم يؤمن بمثل هذه السلفية، بل ويمكن أن تكون هذه السلفية معيارا لمدى صحة واستقامة وسلامة كلّ دعوة وحركة ونهضة ترفع شعار الإسلام. ليس إيماننا بهذا يقوم على أساس تقرير القرآن فحسب، بل إنّ الواقع العالمي المشهود يقدّم لنا بالأرقام الهائلة مدى فداحة الخسارة التي منيت بها البشرية جرّاء ابتعادها عن منهج دين الفطرة. بهذا المنطق القويم يجب أن نعلن للبشرية بأننا سلفيون، وأن لا سبيل إلى التخلص من المآزق والمآسي القائمة إلاّ بترك كلّ بدع الانحراف عن منهج هذا الدين. هذه العودة في الواقع لا تعني إدارة عقارب الزمن إلى الوراء، بل تعني الانفتاح على حقيقة قائمة حيّة من حقائق الوجود، وهي حقيقة ثبات متطلبات الفطرة الإنسانية…. والإسلام دين الفطرة، وكل خروج عن هذه الفطرة إنما هو خروج عن حقيقة قائمة في النفس الإنسانية، وكل إهمال لهذه الفطرة إنما هو إهمال لحسابات دقيقة ركبت منها نفس الكائن البشري كما ركبت أجهزته العصبية والدموية والهضمية… سنن التشريع إذن مثل سنن الكون الثابتة، وكل ابتداع في هذه السنن إنما هو سباحة خلاف الاتجاه الطبيعي لتيار الماء فيه "الضنك" و "الإرهاق" و "النكد" و "سوء العذاب". أردنا بهذه المقدمة أن نفرّق بين المعنى الحقيقي المفهوم من كلمة السلفية وهذا المعنى الاصطلاحي الذي يطلق على تيار من أبناء العالم الإسلامي. تميّز هذا التيار بقراءة جامدة لنصوص الدين تنأى عن التعقّل والاجتهاد، ولذلك ابتلى بسطحية شديدة، كما اتجه إلى رفض كلّ الجهود العلمية الجبارة التي أثمرت عنها دوحة الإسلام على مرّ العصور بحجّة أن السلف الصالح لم يشتغلوا بها، وهذا ما يركّز السطحية والسذاجة أيضا في فهم الدين والدعوة إليه. ثم إنّ هذه الطريقة في فهم الإسلام انسحبت على قراءة أحداث الماضي والحاضر والمستقبل. فقد انشدّت نظرة السلفيين بالماضي، وبقيت في الماضي، ورأت أن الرسالة الخاتمة طوت عصرها الذهبي في قرنها الأول، ثم انحدرت، وليس بالإمكان أفضل مما كان!! وبالنسبة للحاضر ليس هناك اهتمام بينهم على المستوى المطلوب بما يحيط الإسلام من تحديات فكرية وحضارية، وعدم الاهتمام هذا يتجلى في لغة خطابهم ومحتواه، فإنها لم ترتفع إلى مستوى هذه التحديات، ولم تدخل ساحة الفكر العالمي المعاصر لتقول كلمة الإسلام فيها، كما يتجلى أيضا في عدم السعي لتقديم المشروع الإسلامي المتكامل للحياة المعاصرة، وأكثر من كلّ ذلك يتجلى في الانشغال بالخلافات الفقهية الصغيرة أو بالخلافات التاريخية المذهبية الموروثة مما يدلّ بوضوح على عدم استيعاب لمسؤوليات الرسالة الإلهية الخاتمة على الساحة العالمية الراهنة. وإذا كان الحاضر مهملا في اهتمامات هؤلاء الاخوة فالمستقبل يكاد يكون ملغيا. وأودّ أن أنصف إخواننا السلفيين وأقول إنّ عدم الاهتمام بمستقبل الإسلام لا يقتصر على التيار السلفي بل إنّ عامة الإسلاميين مبتلون به بدرجة وأخرى. لم نسمع بمؤتمر يستشرف مستقبل الإسلام والعالم الإسلامي. وقلّ أن نجد مفكرا إسلاميا يتعرّض لهذه القضية. مجموع الخصائص المذكورة للتيار السلفي جعلته في كثير من الأحيان يقف موقفا معارضا لدعاة "التقريب". منطق دعاة التقريب يتجه إلى التعالي على الخلافات الفقيهة الصغيرة وعدم الخوض في النزاعات التاريخية الموروثة والاهتمام بما تتطلبه الرسالة الخاتمة على الصعيد العالمي، وهو منطق لا ينسجم مع التوجه السلفي العاكف على قراءة جامدة لنصوص الدين. وهنا لابد من التأكيد على أن الطيف السلفي يضمّ فصائل ارتفع بعضها إلى مستوى المسؤولية فكان من دعاة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة ومن دعاة الوحدة بين جميع المسلمين…. ولكن العقدين الأخيرين شهدا أيضا مع الآسف مواقف سلفية تتعارض تماما مع توجّه التقريب … بل شاهدنا من يستغلّ هذه المواقف لمصلحة سياسية تستهدف تفريق المسلمين. ما أردنا بهذه السطور أن نقرع آذان إخواننا السلفيين باللوم، بل أن نتوجّه إليهم بالدعوة إلى حوار بناء يشتمل على تفهم أبعاد الرسالة الخاتمة ومسؤوليات الإنسان المسلم الراهنة لنخرج منه بأسس عملية للتعاون فيما اتفقنا عليه وهو في اعتقادنا كثير، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، وهو بالنسبة للمشتركات قليل… وعلى الله قصد السبيل.
|
مقالات أخرى من هذا الكاتب |
• "أكبر" و المذاهب
(بازدید: 608)
(موضوع: شخصيات)
• أبو فراس الحمداني
(بازدید: 688)
(موضوع: أدب)
• إحياء الاسلام أولا
(بازدید: 620)
(موضوع: فكر إسلامي)
• ابن زيدون عاشق الجمال
(بازدید: 834)
(موضوع: أدب)
• ابن سينا في منظار الشهرستاني
(بازدید: 698)
(موضوع: شخصيات)
• الأدبان المعاصران العربي و الفارسي مقاربة في الظواهر المشتركة
(بازدید: 524)
(موضوع: أدب)
• الأدبان المعاصران العربي و الفارسي مقاربة في الظواهر المشتركة
(بازدید: 657)
(موضوع: أدب)
• التقريب في القرن الماضي
(بازدید: 530)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الثقافة و التنمية التجربة الايرانية
(بازدید: 993)
(موضوع: تنمية)
• الحج و الحرم المكي في الآداب الفارسيّة
(بازدید: 632)
(موضوع: أدب)
• الحكومة الاسلامية من منظور الشاعر الكميت بن زيد
(بازدید: 620)
(موضوع: أدب)
• الخطاب الانساني في مثنوي مولانا جلال الدين الرومي
(بازدید: 634)
(موضوع: أدب)
• الرسالية في الشعر الشيعي
(بازدید: 643)
(موضوع: أدب)
• السيد الشهيد محمد باقر الحكيم و التقريب مشروع فكري و مسيرة عملية
(بازدید: 645)
(موضوع: شخصيات)
• المنظور الثقافي للتنمية في ايران و ابعاده
(بازدید: 797)
(موضوع: تنمية)
• الوقف في مواجهة التحديات الحضارية
(بازدید: 687)
(موضوع: ملتقيات)
• جولات تقريبية "القسم الاول"
(بازدید: 509)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• جولات تقريبية "القسم الثالث"
(بازدید: 529)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• جولات تقريبية "القسم الثانی"
(بازدید: 536)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• سعدي الشيرازي
(بازدید: 652)
(موضوع: أدب)
• شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي الحلبي
(بازدید: 729)
(موضوع: شخصيات)
• صورة الحج و أماكنه المشرّفة في الآداب الفارسيّة
(بازدید: 752)
(موضوع: أدب)
• مروري گذرا بر نگارش تاريخ ادبيات عرب
(بازدید: 1455)
(موضوع: تاريخ ادبيات)
• موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلاميّة
(بازدید: 655)
(موضوع: تاريخ)
• موقف الرئيس الاسد من الثورة الاسلامية الايرانية / الخلفية التاريخية
(بازدید: 536)
(موضوع: شخصيات)
• نحن و البدعة
(بازدید: 588)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و التاريخ
(بازدید: 583)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الحج
(بازدید: 649)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و السياسة
(بازدید: 595)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الصحوة الإسلامية
(بازدید: 565)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و العزّة الإسلاميّة
(بازدید: 612)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و الغز و الثقافي
(بازدید: 628)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و النظام الدولي الجديد
(بازدید: 657)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و دولة الإسلام في إيران
(بازدید: 620)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و شهر رمضان المبارك
(بازدید: 663)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و قضايانا المشتركة
(بازدید: 602)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• نحن و مؤامرات الإثارة الطائفية
(بازدید: 588)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• وحدة الدائرة الحضارية الإيرانية – العربية
(بازدید: 630)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• وقفات عند فكر الإمام الخامنئي - التوحيد
(بازدید: 960)
(موضوع: )
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• كلمة لابدّ منها
(بازدید: 1040)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العالم الاسلامي و أسئلة النهضة
(بازدید: 989)
(نویسنده: عبد الله القمي)
• سبيل اخراج الامة
(بازدید: 725)
(نویسنده: محسن عبد الحميد)
• قيم التضامن و التكافل في التراث العربي و الإسلامي و أبعادها الإنسانية
(بازدید: 1162)
(نویسنده: محمد قجة)
• أفكار حول التقريب و الوحدة
(بازدید: 1243)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• أهل البيت المرجع بعد الرسول - صلى الله عليه و آله -
(بازدید: 811)
(نویسنده: الشيخ جعفر السبحاني)
• الصراع الإسلامي - الصهيوني أحد محاور الوحدة الإسلاميّة \ بقلم التحرير
(بازدید: 1023)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المذاهب الإسلاميّة الخمسة: تاريخ وتوثيق
(بازدید: 2039)
(نویسنده: نبيل علي صالح)
• المصلحة الإسلاميّة في منهج أئمة أهل البيت
(بازدید: 867)
(نویسنده: شهاب الدين الحسيني)
• الوحدة الدينية الخاتمة
(بازدید: 1045)
(نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• دعاة تقريب نعم
(بازدید: 823)
(نویسنده: علي المؤمن)
• الحب و التقريب
(بازدید: 921)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• السنن الحَسنة
(بازدید: 907)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أمة إسلامية واحدة
(بازدید: 839)
(نویسنده: الدكتور محمود حمدى زقزوق)
• تجربة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة
(بازدید: 905)
(نویسنده: فهمي هويدي)
• تكريم روّاد التقريب
(بازدید: 875)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• دور العصبيات في إضعاف الكيان الاسلامي
(بازدید: 1250)
(نویسنده: عبد الكريم آل نجف)
• رأي في التقريب
(بازدید: 852)
(نویسنده: الشيخ عبدالله العلايلي)
• علاج الحواجز النفسية للتقريب بين المذاهب الاسلامية عند الشهيد الصدر
(بازدید: 1028)
(نویسنده: الشيخ محمد رضا النعماني)
• فرصة عظيمة و لكنها مهددة
(بازدید: 918)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|