نقد كتاب: لا سنة و لا شيعة
|
رسالة التقريب - العدد ٨
كتب
شهاب الدين العذاري
1416
مقدمة: إن امتنا الإسلاميّة أمة واحدة، واحدة في عقيدتها وفي منهجها وفي سلوك أبنائها، وواحدة في مصالحها ومصيرها، وتشترك في قيم واحدة وثقافة واحدة وتاريخ أحد، وما نجده في المرحلة التاريخية الراهنة من خلاف وتفرق فإنه طارئ على أسسها الثابتة، طرأ عليها لابتعادها عن المفاهيم والتعاليم والموازين الإلهية، وهذا الطارئ لم يكن وليد المرحلة الراهنة، وإنّما أوجده الماضي بما فيه من أحداث ومواقف وولاءات متناقضة، اختلفوا وتنازعوا في الأمر في زمن الفتوحات والغنائم، اختلفوا بعد أن هوت عروش القياصرة والأكاسرة بأيديهم، واختلفنا نحن على لاشيء، اختلفنا والأعداء يحيطون بنا من كلّ حدب وصوب، يريدون القضاء علينا، وتصفية كياننا وطمس مبادئنا وقيمنا، اتحدوا وهم مختلفون عقيدة ومنهجاً وسلوكاً، وبقينا نحن متفرقين وجميع ما نرتبط به يدعونا للوحدة، والوحدة والتآلف في هذه المرحلة حاجة ضرورية لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضد عقيدتنا وضد كياننا في زمن ذهبت فيه خلافتنا وتجزأت دولتنا الواحدة، ولازالت بعض أراضينا بيد أعدائنا، ولازالت أغلب الثروات تستثمرها الدوائر الاستكبارية، فالمصلحة الإسلاميّة تفرض علينا العمل من أجل التقريب والوحدة، وأهم من كلّ ذلك أن الوحدة تكليف الهي، هو أهم التكاليف الموجهة للفرد المسلم أو للأمة الإسلاميّة، فلتكن كلّ نشاطاتنا وأعمالنا متوجهة للتقريب والوحدة، فالالتزام بالتكاليف الإلهية من صلاة وصوم وحج وزكاة وغير ذلك يبقى مبتوراً ولا يحقق ملاكه الواقعي في حالة التمزق والتشتت والتنازع. وقد ازداد عدد الداعين للوحدة ورص الصف الإسلامي في هذه المرحلة، وتنوعت أساليب دعوتهم، ولكنها بقيت في حدود الصيحات ولم يتحقق منها في الواقع إلاّ الخطوات البطيئة في مجال التقريب، وقد قامت الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية بخطوات تقريبية ولكنها غير كافية لتوحيد كلّ الأمة الإسلاميّة ما لم تكن الوحدة هماً دائماً لكل العلماء والمفكرين في طول الأمة وعرضها، وقد اخترنا كتاب (لا سنة ولا شيعة) للدكتور محمّد علي الزعبي، أستاذ الفلسفة وله علاقات وثيقة مع دعاة الوحدة السابقين، منهم: الشيخ عبدالله الجزار، والشيخ توفيق الأيوبي والسيد محسن الأمين، كما له كتاب آخر بعنوان (الإسلام بين السنة والشيعة) وقد عالج المؤلف مرض الفرقة علاجاً واقعياً بعد استعراضه للأسباب والعوامل التاريخية التي وقعت في طريقها، فاستعرض أولاً عهد الخلفاء الراشدين ومواقفهم الوحدوية بعضهم مع البعض الآخر وتعاونهم في تطبيق الإسلام، ثم تطرق إلى أهم المسائل التي وقع الخلاف فيها. واختار المؤلف "لا سنة ولا شيعة" عنواناً لكتابه، وهذا العنوان متداخل بين السنة والشيعة فكلاهما سنة وكلاهما شيعة كما جاء في وصفه لهما وأهم المواضيع التي تطرق إليها المؤلف والتي اخترناها في هذا العرض: أولاً: المسلمون كلهم سنيون وكلهم شيعة. ثانياً: الخلافة. ثالثاً: الاجتهاد في الإسلام. رابعاً: عباد الورق. خامساً: التغيير. سادساً: الأنانية والجدل. سابعاً: الواجب علينا. مواضيع الكتاب في مقدمة الكتاب يفرق المؤلف بين مفهوم التعصب والتمسك، فالتعصب يعني: من عصب عينيه كي لا يرى النور، والتمسك يعني: من عرف النافع فتمسك به والمضر فاجتنبه، ويرى الكاتب أن الهدف من كتابه هو التصميم على تحطيم الحواجز التي أرتنا المسلمين معسكرين، وشحنت أفكارهم بما يحول دون تأسيس خيمة اجتماع. ويستعرض المؤلف في الموضوع الأول - المسلمون كلهم سنيون وكلهم شيعة - معنى السنة والشيعة ليثبت من خلال المعنى أن المسلمين جميعاً هم شيعة وسنة في آن واحد فالشيعي هو سني والسني هو شيعي فيقول: "كلهم سنيون: يحرصون على العمل بسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله -، وكلهم شيعة: يوالون الإمام علياً والأئمة من ذريته، ويصلون عليهم في صلاتهم" [١]. وعلى أساس ذلك فهم معسكر واحد، كتابه واحد، ورسوله واحد، ومنهل فقهائه ومجتهديه واحد. ثم يتطرق إلى نقاط الاشتراط والاتفاق في هذا المعسكر الواحد، ويحددها في النقاط التالية: ١ - الالتقاء بالأركان ومنها موالاة الجديرين ونصح المتجاوزين. ٢ - الحرص على خدمة الإنسانية وإنقاذها بيد رحيمة وقلب كبير. ٣ - الاجتماع بعصمة الكتاب الكريم، وما وافقه من روايات صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - . ٤ - الاتفاق على عصمة القرآن واحترام آل البيت النبوي واحترام من احترموهم. ٥ - الاتفاق على مصدري التشريع: القرآن والتركة النبوية. ٦ - الالتقاء في راية واحدة؟ إن هذه أمتكم أمةً واحدةً؟ [٢]. ٧ - موالاة ما جاء به رسول الله وما ضحى في سبيله السابقون من أصحابه وتلاميذه وأهل بيته وحاملي راية المثل العليا. ويطلق المؤلف على السنة والشيعة عبارات تصفهما بأنهما "عينا الإسلام المبصرتان" و"كفان يغسلان وجهاً واحداً". و"جدولان لنهر واحد". و"جناحا الإسلام". ويرى المؤلف أن المسلمين ظلموا أنفسهم منذ رأوا أنفسهم معسكرين: سنة وشيعة. ويلفت المؤلف النظر إلى الواقع المأساوي الذي نعيشه متفرقين. فيقول: "ألا لقد كان لنا أرض وديار وممالك، لكن مازلنا بين منحرف ومعارض وموال نتناحر على الغنائم حتّى أصبحنا غنائم" [٣]. ويقول: "لقد هدمنا بتفرقتنا ما عجز عن هدمه المنحرفون" [٤]. وفي الموضوع الثاني: يستعرض المؤلف قصة الخلافة، فيميز بين معنى الخليفة والإمام، فالخليفة، هو الذي يأخذ بالعدل ويعطي بالعدل والإمام هو القائد والطليعة والأمير والمقدم والخليفة، فالإمام أعم من الخليفة، ويرى المؤلف انصراف كلمة الإمام إلى علي بن أبي طالب وذريته. ويرى المؤلف أن أصحاب رسول الله السابقين لم يكونوا حريصين على منصب، لذا لم يحصروا الخلافة في ذراريهم. ولكن عدم حصر الخلافة في ذراريهم لا يقوى على النهوض كدليل والمفروض أن يأتي بدليل من خلال سيرتهم ليدل دلالة واضحة على المدعى. ثم يستعرض المؤلف التآلف والتآزر والتعاون بين الإمام علي والخلفاء كدليل على إخلاصهم جميعاً ويستدخل على ذلك بان علياً لا يتعاون مع غير المخلصين ومن مصاديق هذا التعاون والتآلف: ١ - أن علياً أحبط بسيفه مؤامرات أعدتها قبيلتا عبس وذبيان في عهد أبي بكر. ٢ - سمى علي أبناءه بأسماء الخلفاء (أبو بكر وعمر وعثمان) [٥]. ٣ - أشاد بعفة عمر وإخلاصه وعاش له مستشاراً وناصحاً [٦]. ٤ - احترم علي عثمان ونصحه وحذره من بطانته. ٥ - وصف علي أبا بكر وعمر بأهل الإسلام وقام لهما مقام السمع والبصر. ٦ - اقتداء أصحاب علي بعلي في التعاون، فكان سلمان في عهد عمر والياً على المدائن وعمار والياً على الكوفة. ٧ - تعاون علي وكشف كوامن الطلقاء الّذين حاولوا استغلال ما حدث في السقيفة. ٨ - تعاون علي مع المخلصين وعفا عن المناوئين من أصحاب الجمل، والتمس للخوارج معذرة من حسن نيتهم. ويتوصل المؤلف من خلال هذه المواقف إلى نتيجة منطقية فيقول: "أذن لا عداوة بين علي والخلفاء الثلاثة، إذ هو يعلم أن التعاون مع غير المخلصين محرم بل ومهادنتهم محرمة، ومثله لا يسالم أو يعاون ترغيباً أو ترهيباً" [٧]. ويرى المؤلف أن الخلافة "خيمة اجتماع" وان المخلصين يتعاونون مع غير الخليفة إذا نفذ ولو بعض المحتوى، ويسوق الأمثلة على ذلك ومنها: ١ - انخراط عبدالله بن عباس وأبي أيوب الأنصاري في جيش معاوية. ٢ - دعاء زين العابدين (علي بن الحسين) للجيش الأموي بالنصر. ٣ - الحسين بن علي وحفيده زيد كانا يقصدان حمل معاصريهما من الحكام على التنفيذ. ويرى المؤلف أن الاختلاف ليس بين الأئمة والمجتهدين بل بين محبي العاجلة الّذين ارتدوا كلمة خليفة قولاً ولم ينفذوا محتواها عملاً. وفي ختام الموضوع يقول: "ولنفرض أن أئمتنا ومجتهدينا اختلفوا في المنفذ إذ يستحيل اختلافهم في التنفيذ" [٨]. وفي الموضوع الثالث: يتطرق المؤلف إلى الاجتهاد في الإسلام ويعتبره مدخلاً للتطوير ودليلاً على حيوية الشريعة "فالاجتهاد في الإسلام مدخل للتطوير، ودليل على حيوية الشريعة واستعدادها للقيام بدور الرائد. وفتح باب الاجتهاد ترحيب طبيعي بالأحسن واستعداد لصنع الأحسن" [٩]. ويقسم الاجتهاد على ثلاث مراحل. الأول: الاجتهاد في عهد النبي - صلى الله عليه وآله - . الثاني: الاجتهاد في عصر الصحابة. الثالث: الاجتهاد في عصر التابعين. ويرى المؤلف أن مصادر الاجتهاد على نوعين: أولاً: المصادر القطعية وهي: القرآن والحديث النبوي والعقل. ثانياً: المصادر غير القطعية وهي: الإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة ويعبر عنها بالقرائن غير القطعية. ويرى المؤلف أنّه لا فرق بين الفقه في عهد التابعين حتّى القرن الرابع الهجري فهو فقه إسلامي غير منسوب لأحد "لم يكن المقبلون على دروس زين العابدين - علي بن الحسين - يتناولون فقهاً سنياً أو شيعياً، إذ لم يكن لهذا المدلول الطارئ وجود في القرن الأول والثاني والثالث وشطر من الرابع " [١٠]. ويمثل المؤلف تعدد الآراء الاجتهادية بتعدد زجاجات الدواء للمرض الواحد بصيدلية واحدة. ويرى أن الاجتهاد في الجزئيات لا يفرق بين المسلمين "لقد اجتمعت كلمتنا بالأركان والكليات. فهل يستطيع شقها طفيف جزئيات أو ظنيات متطورة فرضها خلود الشريعة وحيويتها ومسايرتها للظروف" [١١]. ويعدد المؤلف أسماء العلماء الّذين ساهموا في دعم الوحدة الإسلاميّة ومنهم: ١ - الشيخ محمّد محمود شلتوت. ٢ - الشيخ محمّد أبو زهرة. ٣ - الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء. ٤ - آية الله الكاشاني. ٥ - الشيخ الزنجاني. ٦ - الشيخ الخالصي. ٧ - الشيخ محمّد جواد شري. وينقلنا المؤلف إلى رأي الشيخ كاشف الغطاء كما جاء في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) ص ٦١: "وإذا اقتصر المعتقد على التوحيد والنبوة والمعاد والعمل بالفرائض، فهو مسلم مؤمن يترتب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه ووجوب حفظه وحرمة غيبته". ثم يتطرق المؤلف إلى الاجتهاد السياسي، ويرى بأن من تصدى للحكم بعد عهد الراشدين فاقد لتكليفه يتنفيذ الوحي الذي تلقاه رسول الله - صلى الله عليه وآله - . وهذه الرؤية اتفق عليها أئمة أهل البيت وأقطاب الفقه منذ مالك بن أنس حتى الآن والاتفاق بعدم تنفيذ الوحي انعكس في موقفين. الأول: موقف الردع الذي نفذه الحسين بن علي وزيد ومحمد ذو النفس الزكية. الثاني: موقف التأني مراعاة للظروف نفذه المجتهدون وأقطاب الفقه وهم مالك بن أنس وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل والشافعي [١٢]. واتخذ أئمة أهل البيت والمجتهدون موقفين. الأول: الموقف السلبي في الداخل. الثاني: الموقف الإيجابي في الخارج والمتمثل بالتعاون مع الدولة في الخارج في مواجهتها للدول غير الإسلاميّة. ولم يرق للدولة مواقف المجتهدين المتحدة مع مواقف أهل البيت. ويسوق المؤلف بعض الأمثلة على ذلك ومنها: ١ - أخذت على الشافعي موالاته لعبد الله بن الحسن. ٢ - أخذت علي أبي حنيفة موالاته لزيد بن علي وإرسال المال إليه. ٣ - أخذت على مالك موالاته لمحمد بن عبدالله بن الحسن ذي النفس الزكية. ٤ - بوغت أحمد بن حنبل في منزله بتهمة إلجاء ثائر علوي. ثم يستعرض المؤلف دليله على عدم تبني الحكام المعادين لأهل البيت أحد المذاهب الفقهية الأربعة فيقول: "إن حبس أبي حنيفة وأحمد ومالك وعرض الشافعي على السيف، مستلزم لا محالة عدم الاعتراف بمذاهبهم الفقهية" [١٣]. وفي الموضوع الرابع: يتطرق المؤلف إلى الخطأ الذي ارتكبه الكتاب باعتمادهم على الروايات دون عرضها على موازين التمحيص ويسميهم بعباد الورق ويرى الكاتب أن الّذين كتبوا التاريخ هم بشر معرضون للخطأ ولتقاذف التيارات المتضاربة وإن الروايات المتعلقة بالتاريخ السياسي هي ثمار ميول وأهواء أو مشوبة بهما. ويرى الكاتب أن اتخاذ النصوص التاريخية دون تمحيص قد وضع الحواجز بين المسلمين وضاعف من تمزيق الكلمة وشوه مسيرة المخلصين [١٤]. ويتطرق المؤلف إلى دور السياسة في وضع الحديث لتبرقع انحرافها ببرقع ديني، ويرى أن العرض على كتاب الله هو مقياس صحة الحديث ووضعه. ويذكر مثالين على ذلك: ١ - الحديث المنسوب إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - : "أصحابي كالنجوم" [١٥]. ٢ - الحديث المنسوب إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - : "صلوا خلف كلّ بر وفاجر". ويعرضهما المؤلف على قوله تعالى:؟ إن الأبرارا لفي عليين؟ ؟ وإن الفجار لفي سجين؟ . فيسقطهما دلالة لمخالفتهما للنص القرآني، وينفي نسبتهما للرسول ويثبت المؤلف بعض الملاحظات المهمة حول الأحاديث المنقولة: ١ - أن بعض الرواة ليسوا مجهزين بحصانة تدرأ عنهم الميول. ٢ - أن البخاري ومسلم والكليني نقلوا عن جمهور لم يسلم ولو بعضه من مرض الميول والنوازع. ٣ - كتب الأحاديث لدى جميع المسلمين يؤخذ مجموعها بعين الاحترام. ٤ - الوقوف قليلاً في الأحاديث المتعلقة بالسياسة لاقترانها بالأهواء والميول والنزعات. ٥ - ضعف بعض الأحاديث من كتاب لا يقتضي ترك كلّ مافيه. وفي مجال التفسير يرى المؤلف أن القرآن معصوم أما التفاسير فغير معصومة لأنها متأثرة بجملة من العوامل: ١ - السياسة. ٢ - التطاحن على الدنيا. ٣ - التعصب. ٤ - الأهواء. ٥ - الرواية عن المتعصبين. وفي الموضوع الخامس: يتطرق المؤلف إلى التغيير ويدعو المسلمين إلى العمل على تغيير أوضاعهم ومواقفهم ويحدد مجموعة من الملاحظات الواقعة في طريق التغيير. ١ - التنازع يؤدي إلى الفشل وذهاب القوة وتبدد الآمال وتشجيع الأعداء على مواصلة ابتلاعنا. ٢ - طليعة التغيير هم أرباب الأقلام المشرعة. ٣ - التغيير استجابة لأوامر الله الذي ضمن لنا النجاح بالتغيير. ٤ - التغيير جهد وليست قصائد وخطباً وكتباً. ٥ - التغيير يحقق المصلحة العامة. ٦ - التغيير لا يتم إلاّ بالتعاون. ٧ - التغيير أهم الأدوار في زمن النهوض. ٨ - تغيير أسلوب التأليف الجاف الذي لا يزيد القراء إلاّ تخلفاً. ٩ - الحذر من التعصب. ١٠ - عدم الإخلاص في التعاون إعلان الحرب على الله ورسوله. ١١ - التعاون على غربلة الكتب والمؤلفات. ١٢ - الاعتراف بالأخطاء بحق الأمة وحق الإسلام. وفي الموضوع السادس: يتطرق المؤلف إلى الجدل، فيتطرق أولاً إلى حوافزه والمشجعين عليه، وثانياً إلى عواقبه. فالحوافز والمشجعون يمكن تحديدها في النقاط التالية: ١ - التوجيه السياسي الذي يلتقط من ساحة الجدل أدلة على شرعية وجوده [١٦]. ٢ - بعض المسؤولين يرأسون ساحة الجدل. ٣ - بعض الملوك يعدون الجوائز لمن كانت صولته على إخوانه أشد مرارة. ٤ - طلائع الاستعمار. ٥ - مجهولون يؤلفون ما يثير كوامن الجدل. ٦ - الجدل أصبح باب ارتزاق وتقرب لأعداء الأمة. ومن خلال آراء المؤلف حول عواقب الجدل يمكن اختصارها في نقاط: ١ - الانشغال عن معالي الأمور. ٢ - عرقلة سير الثروة الفكرية. ٣ - الحيلولة دون اجتماع القلوب. ٤ - نسيان مهمة أهل البيت والمجتهدين الأساسية. ٥ - انعدام ملكة المقارنة. ٦ - تشويه جمال الإسلام وحجب نوره. ٧ - الغزو الكافر للبلاد الإسلاميّة. ٨ - خسارة القدس. وفي ختام البحث يتطرق المؤلف إلى جملة من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين والتي يمكن تحديدها ببعض النقاط: ١ - عرض التراث وخصوصاً التاريخ والحديث على موازين التمحيص الفكري. ٢ - الإعراض عن السياسة في إعادة كتابة التاريخ والحديث. ٣ - إدراك التسمية الواحدة التي سمانا بها الله وشبهنا رسوله بالجسم الواحدة. ٤ - الدعوة إلى الإسلام، وإيضاح أسباب الفرقة ودوافعها التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه. ٥ - الاعتراف بالتطاحن السياسي في تاريخنا. ٦ - الاعتراف بأن الّذين مثلوا أدوار الشر ليسوا سنة ولا شيعة. ٧ - التكفير عن الأخطاء. ٨ - الصبر على العقبات والمعوقات. ٩ - سد الفراغ الفكري. وفي نهاية هذه الصفحات ينتهي استعراضنا لأهم مواضيع الكتاب. ملاحظات ورأي: لقد أجاد المؤلف في إثاراته المختلفة حول الخلافات والسبيل إلى تحجيمها، وتطرق إلى المواقف الوحدوية التي قام بها السلف الصالح بموضوعية وحيادية تامة حتّى أن القارئ لا يستطيع أن يميز الانتماء المذهبي للمؤلف وهذه حالة تكاد تكون نادرة في أسلوب المؤلفين، فجميع المؤلفين أو الأغلبية العظمى منهم، يتركون بصماتهم المذهبية في مؤلفاتهم وأن لم يقصدوا ذلك ومن خلال استعراضنا لأهم مواضيع الكتاب نضع الملاحظات التالية: أولاً: استطاع المؤلف أن يجمع بين التسميتين: سنة وشيعة فجميع المسلمين هم سنة بأتباعهم سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله - وهم شيعة لموالاتهم للإمام علي - عليه السلام -، وهذا ما نطمح إليه بالعودة إلى التسمية التي سماهم الله وهي المسلمون، ولكن هذا الطموح حالة مثالية لا يمكن للواقع تجاوزها ألفه واستساغه اتباع كلا المذهبين وبما أن المسلمين قد وضع بعضهم الخطوات الأولية للتقريب والوحدة فيمكن لهم تجاوز التسميتين أو وصلوا إلى تحقيق الدرجة القصوى في سلم التقريب وهذا ما يحتاج إلى جهود جبارة والى قوت طويل وفي حالة واحدة وهي عدم وجود المعوقات والعراقيل ومنها مخططات أعداء الإسلام الرامية لتوسيع الخلاف والفرقة. ثانياً: أن الخلفاء وان تعاونوا في تسيير حركة الإسلام ولكنهم من ناحية المتبنيات الفكرية أو النظرية بقي لكل منهم وجهة نظره الخاصة بالخلافة وتوزعوا على نظريتين، نظرية عدم استخلاف النبي أو عدم النص ونظرية استخلافه للإمام علي - عليه السلام - والنص عليه، وهذا الاختلاف بقي في حدود النظرية ولا زال إلى يومنا هذا، والتعامل الموضوعي مع هذه المسألة هو إبقاؤها في حدود النظرية مع التعاون في الموقف العملي والتعامل معها باعتبارها فاصلة جزئية دون ترتيب أي أثر عملي عليها في الواقع المعاش بعد الاتفاق على عدم وجود فواصل كلية بين السنة والشيعة. ثالثاً: التأكيد على ما توصل إليه المؤلف من أن الأئمة والمجتهدين اتفقوا على انحراف الحكام بعد الخلفاء الراشدين عن مهمة الوحي، والتركيز على هذا المفهوم، لكي تفهم الأمة أن الحكام الّذين انحرفوا في التطبيق لم يكونوا من السنة ولا الشيعة حتّى لا تنسب الانحرافات إلى هذا المذهب أو ذاك، وبذلك يتسنى لاتباع المذهبين تناسي الجرائم التي ارتكبها الحكام وعدم تحميل المذهب المقابل مسؤوليتها. رابعاً: إن غربلة التاريخ والحديث والتفسير مهمة شاقة، ولا يسلم الباحثون من الذاتية الناجمة عن الخلفيات الفكرية والولاءات المتعددة، والحد الأدنى من إعادة البحث والتأليف هو حذف كلّ ما يثير النزاع والأحقاد بعد أن يثبت عدم صحته، لأن موازين الجرح والتعديل مختلف فيها من قبل الباحثين السنة والشيعة ولا يمكنهم الوصول إلى كتابة تاريخ موحد أو حديث موحد أو تفسير موحد. خامساً: من العقل والحصافة أن تبقى الخلافات والمتبنيات الاجتهادية في حدودها الجزئية وفي مجالاتها النظرية مع توحيد الموقف العملي والتحرك ضمن الأفق الواسع والهدف الأسمى باستبقاء أسباب الود في النفوس والقلوب لمواجهة التحديات الخطيرة التي تحيط بالأمة جمعاء. ١ - المصدر ص ١١. ٢ - سورة الأنبياء - آية ٩٢. ٣ - المصدر نفسه ص ١٥. ٤ - المصدر نفسه ص ١٦. ٥ - أن التآزر والتعاون حقيقة واقعية وقد صرح الإمام علي بذلك وعلى سبيل المثال قوله: "فتولى أبو بكر تلك الأمور وصحبته منا صحا وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً". شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج ٦ ص ٩٥ وسيرته دلت على ذلك، ولكن تسمية أبنائه على أسماء الخلفاء غير ثابتة ولم يدل دليل لفظي على ذلك فالامام لم يصرح بذلك. ٦ - الإمام علي كان حريصاً على وحدة المسلمين طبقاً لما تمليه المصلحة الإسلاميّة فكان مستشاراً للخلفاء لا بالمعنى المفهوم حديثاً وهو إسناد منصب المستشار وإنّما كان الخلفاء أن عجزوا عن مسألة من المسائل العقائدية أو السياسية أو القضائية رجعوا إلى الإمام علي ليدلي برأيه لهم، حتّى قال بحقه الخليفة الثاني: "لولا علي لهلك عمر". الطبقات الكبرى ابن سعد ج ٣ ص ٣٣٩ المناقب للخوارزمي ص ٨١ تذكرة الخواص ابن الجوزي ١٤٧. "لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن" المناقب ص ٩٦. ٧ - المصدر ص ٢٣. ٨ - المصدر ص ٣٣. ٩ - المصدر ص ٣٨. ١٠ - المصدر ص ٤٢. ١١ - المصدر ص ٤٦. ١٢ - عبارة التأني الأولى استبدالها بعبارة الموقف السلبي السلمي. ١٣ - المصدر ص ٦١. ١٤ - الحكام المعاصرون لا يهمهم الانتماء أو الاعتراف بأي مذهب ولكنهم واقعاً اعترفوا بتلك المذاهب لإضعاف المذهب المقابل. ١٥ - الأصل "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم". ميزان الاعتدال ج ٣ ص ٤١٣. مسند أحمد ج ٤ ص ٣٩٩. اعتبره ابن الجوزي من الموضوعات - المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ص ١٨٧ ويناقضه الحديث: "بؤتى باصحابي يوم القيامة إلى ذات الشمال، فأقول: إلى أين؟ فيقال إلى النار والله، فأقول: يارب هؤلاء أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك…. " صحيح البخاري ٥ / ٢٤٠٦، صحيح مسلم ٢ / ٣١٦. وتناقضه سيرة الأصحاب - فمنهم من أقيم عليه الحدّ لشربه للخمر. وطعن بعضهم بالخليفة الثالث وقتلوه. وخرج بعضهم على الإمام علي. إضافة إلى سقوطه دلالة، فالحديث موجه إلى الصحابة فكيف يقول الرسول - صلى الله عليه وآله - لصحابته "بأيهم اقتديتم اهتديتم". أي بمعنى "يا أصحابي اقتدوا بأصحابي"!. ١٦ - هنالك حوافز أخرى للجدل منها: حب الظهور، المباهات، التعصب، الأهواء، اشغال الفراغ.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• قصة الطوائف
(بازدید: 908)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• كتب في ميزان التقريب
(بازدید: 1013)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الموسوعة الميسرة في الاديان و المذاهب المعاصرة
(بازدید: 1130)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|