banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

خطاب مولانا جلال الدين الرومي
ثقافتنا - العدد 16

الدكتور غلام علي حدادعادل


غلام علي حداد عادل[*]
ملخّص
خطاب مولانا يتلخّص في توسيع آفاق العالم، ودفع الإنسان لتحقيق هدف كبير في الحياة، وعدم الانشغال بظواهر الحياة المادية، والتأكيد على <العشق> باعتباره جناح تحليق الانسان، وأن حبّ الإنسانية لا يتحقق إلاّ بحبّ الله. ينتمي مولانا في ثقافته إلى دائرة الحضارة الإسلامية غير أنه بِلُغتِهِ الفارسية ينتمي إلى الثقافة الإسلامية الإيرانية.

الحديث عن مولانا جِدُّ عسير، فهو مثل محيط عظيم وعميق، ولا يسعنا إلاّ أن نقف عند ساحله، ولعلّنا كما يقول حافظ الشيرازي: <التائهون على طريق البحر>، كلما رمينا ببصرنا في هذا المحيط لا نرى ساحله. أمواج هذا البحر البعيد صغيرها وعظيمها تصلنا باستمرار وتخطف قلوبنا وأبصارنا. نغسل أحيانًا يدًا في زلال مائه، ونضع أحيانًا، إذا واتتنا الجرأة، أرجلنا فيه ونسبح في ساحله القريب، ولكن أين نحن وأين مولانا في أعماق فكره وبحار روحه؟!
يبقى اللسان عاجزًا أمام تلك الروح السماوية وذلك القلب المتوقّد وتلك الأفكار القوية الوثّابة، ويظلّ ضعيفًا في وصف ما عند مولانا من ذوق وفن ولطافة طبع وروعة بيان. خطابه بعد مرور قرون على عصره تهفو اليه القلوب، وتصيخ إليه الأسماع. ومع أنه اتخذ في بعض أشعاره لقب "خاموش" أي الخامد، لكن صوته لم يخمد لحظة خلال ثمانية قرون. غير أن عالمنا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى استماع صوته وفهم خطابه.
بيانه الذي هو نفس بيان الأنبياء والأولياء، موجّه إلينا وإلى أمثالنا ليقول: إن الوجود أوسع بكثير من هذا العالم الفاني والزائل الذي نعيش فيه. وهذا العالم المادّي والمحسوس لم يُخلق عبثًا بدون هدف، إذْ له بداية ونهاية. وهذا الذي ترونه في هذا العالم من نظم وجمال وحركة وهيجان لا ينبثق من هذا الجسد الظاهري المادي لهذا العالم، بل هو مظهر لجمال ربّ العالمين فاتح الأبواب . يقول([1]).
چون زشورستان تن رفتى سوى بستان جــــان
جز گل وريحان ولاله وْ وچشمه‌هاى آب كو؟
چون هزاران حُسن ديدى كان نَبُد أز كالبُــد
پس چرا گوئى: <جمال فاتح الابواب كـــو>؟
چون به وقت رنج ومحنت زود مى‌‌يابى درش
بازگوئى: <او كجا، درگــاه او را باب كـــو>؟
باش تاموج وصالــش در ربايد مـــر تـرا
غيب گردى، پس بگوئى: <عالم اسباب كو>؟
أي: إن خرجت من بلقع الجسد واتجهت إلى بستان الروح/ فهل ترى سوى الورد والريحان والزنبق وعيون الماء؟
وأنت إذ ترى الآلاف من مظاهر الجمال التي لا تشعّ من الجسد/ فلماذا تقول: <أين جمال فاتح الأبواب>؟
وإذ تجد بابَه سريعًا في وقت المصاعب والـمِحَن/ أتعيد القول أيضا: <أين هو وأين باب منزلته>؟
وَلْيَخْطفك موج وصاله/ وتصبح غيبًا، بعدها تقول: <أين عالم الأسباب>؟
نداء مولانا أن هذا العالم طافح بالروح، ولابدَّ من معرفة روح العالم. ورؤية هذه الروح، تتطلب باصرةً قادرةً على رؤية الروح، والعين التي ترى العالم ليست مؤهلة لذل كما يقول حافظ الشيرازي:

ديدن روي ترا ديدة جان بين بايد



وين كجا مرتبة چشم جهان بين من است؟


أي: رؤيتك تحتاج إلى عين ترى الروح/ وأين هذه من مرتبة العين التي ترى العالم؟
روح العالم هي نفسها غيب هذا العالم وباطنه. وعالم الأسباب لا ينبغي أن يشغلنا عن عالم الغيب ومالهذا العالم من جانب باطني ومعنوي، لا يجوز أن نبقى على مستوى ظاهر هذه الحياة الدنيا الذي تشير إليه الآية الكريمة:
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾(الروم /7).
كما أن الإنسان كلّه فكر كما يقول مولانا وليس عظامًا وأليافًا فحسب:([2]).
اى برادر تو همه انديشه‌اى
گر گل است انديشه تو گلشنــــى

ما بقى خود استخوان وريشه‌اى
ور بـودخـارى تو هيمــه گلخنــى

أي: أنت يا أخي بأجمعك فكرة/ وما عداها فأنت عظام وأليافٌ
إذا كان فكرك وردًا فأنت مزهرية/ وإذا كان شوكًا فأنت حطب المحرقة.
وكما أنّ الروح في بدنك لا يجوز إنكارها بحجة أنها لا تُرى بالباصرة.. كذلك لا يجوز إنكار روح العالم في جسم هذا العالم. خطاب مولانا للعلماء الذين يبحثون عن النظام الحاكم في ظواهر الطبيعة وللفنانين الذين يعشقون جمال الخلقة وعظمتها هو أنّ القمر الذي ترونه في هذا النهر الجاري المارّ إنما هو صورة لقمر السماء التي انعكست فيه وليس هو القمر الحقيقي. فحذار أن تشغلكم هذه الصورة المنعكسة بطمع ساذج عن صاحبها كما يقول حافظ:
عكس روي تو چو در آينة جام افتاد



صوفي از خندة مي در طمع خام افتاد


أي: حين انعكست صورة وجهك في زجاجة الكأس/ وقع الصوفي على أثر ابتسامة الشراب في طمع خام (ساذج).
نعم حديث مولانا هو: ([3])
اسم خواندى، رو مسمى را بجـــو

مه بـه بالا دان نه انــدر آب جــو

أي: إن ذكرت الاسم فابحث عن المسمى/ واعلم أن القمر في الأعلى لا في ماء الساقية.
ويوصي الباحث عن الحقيقة بقوله: ([4])
چشم سوى چراغ كن، سوى چراغدان مكن. أي : ارم بطرفك صوب نور المصباح لا إلى المصباح ويقول: ([5])
خلق‌را چون آب دان، صاف وزلال
قرنها بگذشت واين قرن‌نوي است
قرنها بر قرنها رفت اي همام
آب مبدل شد درين جو چند بار
پس بنايش نيست بر آب روان
اين‌صفت‌ها چون‌نجوم معنوي‌است
جمله تصويرات عكس‌آب‌جوست

اندرآن تابان صفات ذو الجلال
ماه آن ماه است، آب آن آب نيست
وين معاني برقرار ومُستدام
عكس ماه وعكس اختر بر قرار
بل كه بر اقطار عرض آسمان
دان‌كه بر چرخ معاني مستوي‌است
چون‌بمالي‌ چشم خود،خود جمله اوست

أي:
اعتبر البشر مثل الماء الصافي الزلال/ وفي قعر هذا الماء المشرق صفات ذي الجلال.
قرون مضت وهذا قرن جديد/ القمر نفس القمر، ولكن الماء ليس
ذلك الماء.
لقد مضت قرون تلو قرون أيها الهمام/ وهذه المعاني في بقاء واستدام.
الماء تبدل في هذه الساقية مرّات/ وأما صورة القمر وصورة الكوكب فباقية.
ليس أساسها إذن قائمًا على الماء الجاري/ بل على أقطار عرض السماوات.
هذه الصفات مثل النجوم المعنوية/ واعلم أنها مستوية على فلك المعاني.
كل الصور هي انعكاس في ماء الساقية/ ما إن تفرك عينيك فإنها بأجمعها هو (صاحب الوجه الباقي بعد فناء كل شيء).
خطاب مولانا إلى الانسان المعاصر وكل الناس في جميع الأعصار والأجيال: إن الانسان من عالم أسمى من هذا العالم، وسوف يعود إلى ذلك العالم([6]).
ما ز بالائيم وبالا مي‌وريم
ما از اينجا و از آنجا نيستيم
خوانده‌اي انـــــا اليه راجــعون

ماز دريائيم و دريا مي‌رويم
ما ز بيجائيم و بيجا مي‌رويم...
تا بداني كه كجاها مي‌رويــــــم؟

أي: نحن من العُلَى ونتجه إلى العُلَى/ نحن من البحر ونتجه إلى البحر.
لسنا من هنا ومن هناك/ نحن من لا مكان ونذهب إلى لا مكان...
هل تلوت: إنا اليه راجعون/ حتى تعرف إلى أين نحن ذاهبون؟
الإنسان في هذا العالم.. عالم الطين.. وعالم الصلصال من حمأ مسنون هو غريب، إنه ذلك الناي الذي قُطع من مزرعة القصب، يبحث عن أصله في هذا العالم المادي. وكل ما يصدر من البشر في هذا العالم من آلام الاشتياق وتباريح الهوى إنما هي شكوى من هذا الفراق عن الأصل. أنين الناي هو نار العشق، وما يستطيع أن يوقظ في روحنا ذكر ذلك الوطن المألوف إنما هو العشق.
أهمية مفهوم العشق في منظومة مولانا تبلغ درجة بحيث لو أطلقنا على سِفره <المثنوي> اسم <العشق نامه> قياسًا على <الشاهنامه> للفردوسي
لا نتجاوز الصواب.
العشق جناحنا الذي نحلق به إلى سماء الله، تلك السماء التي هبطنا منها إلى الأرض، عشقنا دواء كلّ آلامنا يقول مولانا: ([7]).
هركه را جامه ز عشقي چاك شد
شادباش اي عشق خوش سوداي‌ما
اي دواي نخوت وناموس ما
جسم خاك از عشق بر افلاك شد
جمله معشوق است‌و‌عاشق پرده‌اي
چـــون نباشد عشق را پــرواي او

او ز حرص وعيب، كلي پاك شد
اي طبيب جمله علتهاي ما
اي تو افلاطون وجالينوس ما
كوه در رقص آمد و چالاك شد
زنده معشوق است‌و عاشق مرده‌اي
او چــــو مرغي ماند بي‌پر، واي‌او

أي: كل من دخل في تجربة العشق/ فقد برئ تمامًا من الحرص والعيوب
كن قرير العين أيها العشق يا مُنيتنا الجميلة/ يا طبيب كلّ أمراضنا.
يا دواء أنانيتنا وذاتياتنا/ يا أفلاطوننا وجالينوسنا.
الجسم الترابي بفضل العشق سماعلى الأفلاك/ بل إنّ الجبل اهتزّ بفضله راقصًا.
كل مافي الوجود إنما هو المعشوق وليس العاشق سوى ستار/ الحيّ هو المعشوق والعاشق ميت.
ومن لم يحظ بالعشق/ فهو كطائر بلا جناح، والويل له.
شعلة العشق في الانسان تؤدي به إلى أن يتجه صوب الماء لا نحو السراب، والانسان البعيد عن حقيقة الحكمة والجمال يتجه إلى سراب يحسبه الظمآن ماءًا حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، يقول مولانا: ([8])
بر سر آتش تو سوختم ودود نكرد
آزمودم دل خود را به هزاران شيوه
آنچه از عشق كشيد اين دل من، كه نكشيـد

آب بر آتش تو ريختم وسود نكرد
هيچ چيزش بجز از وصل تو خشنود نكرد
وآنچــــه در آتش كرد اين دل من عود نكرد

أي: لقد احترقت في نارك ولم يتصاعد دخان/ وصببتُ الماء على نارك ولم يَجْدِ ذلك نفعاً.
جرّبت قلبي على ألف طريقة/ فلم يسعده شيء سوى وصالك.
وما تحمّل قلبي من العشق لم تتحمله الجبال/ وما جرى على قلبي في هذه النار لم يجرِ على العود.
مولانا يريد أن يقول للانسان الحائر المعاصر الذي يبحث عن دوائه في صيدليات الدجالين الخالية إلاّ من البريق:
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد/ 28).
حيث يقول كما ذكرنا:
جرّبت قلبي على ألف طريقة/ فلم يسعده شيء سوى وصالك.
الانسان لا يتصل ببحر الحقيقة الإلهية مالم يتجاوز قيود الانشدادات الموهومة ويقتلع من قلبه المظاهر الفارغة. من كان يتهيب من الفناء ويخاف منه عليه أن يتصل بذلك البحر وأن لا يخشى من الفناء فيه: ([9])
اي فسرده عاشق ننگين نمد
جوي ديدي، كوزه‌اندر جوي ريز
آب كوزه چون در آب جو شود
وصف او فاني شـــد وذاتش بقــا

كو ز بيم جان، ز جانان مي‌رمد
آب را از جوي كي باشد گريز
محو گردد در وي وجو او شود
زان سپس نه كم شود نه بد لقــــا

أي: أيها الكئيب العاشق لخرقتك/ الذي يبتعد عن المعشوق خوفًا على نفسه.
أرأيت النهر؟! صبَّ ماء الكوز في النهر/ متى كان الماء يهرب من النهر؟
حين تصبّ ماء الكوز في النهر/ فإنه يمّحي فيه ويصبح من النهر.
أوصاف ذلك (الماء) تفنى ويبقى ذاته/ وبعد ذلك فإنه لا يعتريه نقص ولا عَفَن.
خطاب مولانا إلى الإنسان المعاصر هو أنّ حبّ الإنسانية لا يتحقق إلاّ بعبادة الله([10]). مستحيل أن يحتفظ الانسان بعزّته بدون الله. فالإنسان صَدَفَة قيمتها فيما تتضمنه من لؤلؤة، وهذه اللؤلؤة هي قلب الانسان، وهذا القلب ليس من عالم الطين والحمأ المسنون، بل هو من نفخة روح ربّ العالمين، إنه نافذة على <بستان العشق المزدان>. ومن هذه النافذة يشعّ النور الى داخل بيت الوجود الإنساني يقول مولانا:([11])
دل مثل روزن است، خانه بدو روشن است



تن به فنا مي‌رود، دل به بقا مي‌رود


أي: القلب مثل النافذة، والبيت به مضيء/ الجسم يتجه إلى الفناء، والقلب يتجه إلى البقاء.
أولئك الذين يحطّون من قدر الانسان ومنزلته ويهبطون به إلى مستوى الطين، ثم يرفعون عقيرتهم بالدعوة إلى حبّ البشرية ـ إن لم يكونوا أنفسهم مخادعين ـ فهم على الأقل لا يعرفون إلى ماذا يدعون الآخرين. الواقع أن الانسان إذا تخلّى عن عبادة الله فإنه يعبد نفسه وعبادة الذات في غياب عبادة الله ليست سوى الأنانية.
نداء مولانا إلى العالم المعاصر والإنسان المعاصر هو أنه ليس من الحكمة أن تقطعوا ارتباط الانسان بالله وتخطفوا منه قلبه الذي ينشد الله، وتسدّوا هذه النافذة التي تطلّ على ساحة ربّ العالمين، وتطلوها بالطين. حرمان الانسان من عبادة الله إنّما هو إشغاله بعبادة الأصنام، الحرية الحقيقية لا تتحقق بهزيمة العدوّ الخارجي فقط، فالعدوّ الأصلي كان في أنفسنا. يقول مولانا مشيرًا إلى حديث رسول الله(ص) بشأن الجهاد الاكبر والجهادالاصغر:([12])
اي شهان كشتيم ما خصم برون
كشتن اين، كار عقل وهوش نيست

ماند خصمي زو بتر در اندرون
شير بـاطن سخرة خرگوش نيست

أيها السادة قتلنا العدوّ الخارجي/ وبقي خصم أسوأ منه في الداخل.
وقتله لا يقدر عليه العقل والذكاء/ فأسَدُ الباطن لا يخضع للأرنب.
من لا يخضع لولاية الله فإنه سيخضع حتمًا لولاية النفس الأمّارة بالسوء، وكيف يمكننا في عالم فارغ من ولاية الله وولاية أولياء الله أن ندعو الانسان لأن يؤثر على نفسه، ويتحمّل الأتعاب من أجل راحة غيره، ويغضّ الطرف، بحكم الاخلاق، عن مصالحه من أجل مصلحة غيره؟! وهذا هو هدف مولانا من رفع نداء أنبياء الله وخاصة سيد الكونين محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام في العالم، يريد منّا أن نترجّل من مطيّة الغرور والأنانية والذاتية، وأن نستمد العون من العشق لنتحرك نحو المعشوق، وعلى هذا الطريق نتوسل بـ<الانسان الكامل> و<الولي المطلق> الذي هو مرآة ظهور الله سبحانه والخليفة الحق، ونقبل ولايته، ونعلن ولاءنا له عن عشق وتسليم.
النقطة الأساسية في مولانا هي إن العشق لم يكن بالنسبة اليه لقلقة لسان أو صورة ذهنية، فهو قد عاش مع العشق وجرّب العشق بكل وجوده.. وهذا ما يذكره عند حديثه عن شمس التبريزي(مراده الذي ألهمه الطريقة) إذ يقول: ([13])
تا تو حريف من شدي اي مه دلستان من



همچون چراغ من جهد نور دل از دهان من

أي: ما إن رافقتني أيها القمر المسخِّر القلوب



حتى أصبح نور القلب كالمصباح يطفح من فمي


ويقول في نفس القصيدة:
ذره به ذرّه چو گُهر از تَفِ آفتاب تو



دل شده است سر به سر آب و گل گران من


ومن حرارة شمسك (شعت) ذرات كالمجوهرات/ فأصبح تراب خلقتي بأجمعه قلبًا.
ويقول أيضاً:
از تو، جهان پر بلا، همچون بهشت شد مرا



تا چه شود ز لطف تو صورت آن جهان من


أي: بفضلك أصبح هذا العالم المليء بالبلايا جنّة/ فماذا عسى أن تصبح من لطفك صورة ذلك العالم؟!
* * *
مولانا تتسع شهرته في عالمنا اليوم البعيد عن المثال المطلوب. وآثارة، لا فقط في إيران وسائر البلدان المتحدثة بالفارسية، وليس فقط في العالم الاسلامي، بل في جميع أرجاء العالم، تتناولها الأيدي بشوق. ديوان شعره كان منذ سنين أكثر دواوين الشعر شهرة ومبيعًا في أمريكا([14]) لقد تجاوز الحدود الجغرافية والاختلافات السياسية والثقافية والدينية والقومية واللغوية بفضل أفكاره السماوية، وخاطب فطرة البشر في بقاع الأرض بما يحمله من مشاعر العشق ولغة الفن المفعمة بألوان التمثيل والتشبيهات الجميلة، وأوصل نداء التوحيد والنبوة والمعاد والولاية بلغة خلاّبة طافحة بالمشاعر إلى جميع الآفاق والأنفس، حتى يمكن القول، بل لابدّ من القول، أنه لوحدة يشكل <إذاعة> تبث النداء المعنوي للاسلام في العالم.
مولانا بلغة أشعاره الفارسية يرتبط بالثقافة الإسلامية الإيرانية، وأبعاد هذه الثقافة أوسع بكثير من البلد الذي يسمى في جغرافية العالم اليوم بإيران. فلقد ساهمت شعوب كثيرة في إيجاد هذه الثقافة وانتشارها مثل شعب أفغانستان وتاجيكستان ومناطق من آسيا الصغرى وشبه القارة الهندية ومناطق كثيرة أخرى. وهم اليوم أيضًا شركاء في حراستها. نحن الإيرانيين نفخر بأننا المخاطبون المباشرون بلغة مولانا وحرّاس أمناء على هذه اللغة. ولكننا لسنا الوحيدين الذين نرى أن مولانا ينتسب إلينا، الإخوة الافغانيون يرون أنه ينتسب إليهم بسبب مولده ونشأته في بلخ. والتاجيك يرون أنه تاجيكي بسبب ولادته في منطقة من بلخ هي الآن ضمن حدود تاجيكستان. وجيراننا الأتراك الأعزاء أيضا يرون أنه منهم بسبب إقامته ثلاثًا وأربعين سنة في (قونية)، ولابد هنا أن نرفع كلمة شكر إلى الإخوة الاتراك لما يبذلونه من جهود واسعة في تكريم مولانا. وعلى حدّ قول القائل: وكل يدّعي وصلاً لليلى.. وبقول حافظ الشيرازي:
ميدمد هر كسش افسوني و معلوم نشد



كه دل نازك او مايل افسانه كيست


أي: كل واحد يحكى له قصة/ وليس معلومًا إلى أية قصة يميل قلبه الرقيق.
نعم، الجميع يرى نفسه هو المقصود بضمير (نا) في (مولانا)، ويرى أن جلال الدين محمد مولاه، ويفخر به، ولكن ثمة فخر أكبر يجب أن نسعى لاستحصاله، وهو أن نكون في درجة يرى فيها مولانا أننا منه، كما نعتبره
أنه منّا.


الهواهش:
--------------------------------------------------------------------------------
[*] - أستاذ قسم الفلسفة في جامعة طهران. رئيس مجلس الشورى الاسلامي.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- گزيده غزليات شمس، غزل شماره 358 (به كوشش دكتر شفيعي كدكني) انتشارات جيبي، تهران، 1352 (فارسى) = منتخبات من غزليات شمس .
[2]- مثنوي دفتر دوم، ابيات 278 و 279 (فارسي) = المثنوي/ الدفتر الثاني.
[3]- مثنوي، دفتر اول، بيت 3471 (فارسي) = المثنوي/ الدفتر الأول.
[4]- گزيدة غزليات شمس، غزل 273 (فارسى) = منتخبات من غزليات شمس.
[5]- مثنوي، دفتر ششم، ابيات 3182 تا 3193 (فارسي) = المثنوي/ الدفتر السادس .
[6]- گزيدة غزليات شمس، غزل 273 (فارسي) = منتخبات من غزليات شمس.
[7]- مثنوي، دفتر اول، ابيات 22 به بعد (فارسي) = المثنوي/ الدفتر الأول.
[8]- گزيدة غزليات شمس، غزل 135 (فارسي) = منتخبات من غزليات شمس.
[9]- مثنوي ، دفتر سوم، ابيات 3912 بعد (فارسي) = المثنوي/ الدفتر الثالث.
[10]- نصر، سيد حسين، تحفه‌هاي آن جهاني (مجموعه مقالات، به كوشش علي دهباشي) انتشارات سخن، چاپ دوم، 1384، ص 375 (فارسي) = تحف ذلك العالم.
[11]- گزيدة غزليات شمس، غزل 154 (فارسي) = منتخبات من غزليات شمس.
[12]- مثنوي، دفتر اول، ابيات 1376 و 1377 (فارسي) = المثنوي / الدفتر الأول.
[13]- گزيدة غزليات شمس، غزل 300 (فارسي) = منتخبات من غزليات شمس.
[14]- تحفه‌هاي آن جهاني، ص 9 (مقدمه) (فارسي) = تحفة ذلك العالم.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• التغيير في الكتب المدرسية الإيرانية   (بازدید: 1182)   (موضوع: دراسات ثقافية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]