banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

رحلة إلى كعبة الحبيب - القسم السابع وا لأخير - 2
ثقافتنا - العدد 15

علي اللّهوردي خاني
1428

ومن علامات الغفلة ما جاء في الكتاب الكريم في وصف الغافلين: )وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ( (يـس:10) فهؤلاء تمادوا في غفلتهم فانسدّت منافذ قلوبهم حتى ما عادوا يميزون بين الخير والشرّ. هؤلاء فقدوا كلّ مقومات اليقظة واستماع كلمة الحق، وما عادوا أحياءًا. والتنبيه والإنذار يوقظ الأحياء: )إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ( (يـس:11).
لتحصيل العلم مراتب:
الأولى – عن طريق الاكتساب بالاستماع والقراءة والمطالعة الصحيحة.
الثانية – أن يتعهّد البذرة التي أودعها الله في قلب بني آدم، ويسعى في سقايتها ورعايتها بالأعمال الصالحة وبذل الجهد. هذه البذرة رمز من رموز العلم، ومالم تصل إلى درجة الكمال لا تتوفر في القلب تجليات ربّ العالمين.
المرتبة الثالثة: التجليات الإلهية التي تفيض من الله سبحانه على الإنسان لتتحقّق فيه المعرفة التامّة في جميع المراتب.
واليقظون هم الذين يسعون باستمرارلجعل قلوبهم مستعدة لقبول التجليات الإلهية، كما ورد في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لكميل: «..اللهمّ بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهرًا مشهورًا، أو خائفًا مغمورًا، لئلا تبطل حجة الله وبيّناته، وكم ذا؟ وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلّون عددًا، والأعظمون قدرًا، بهم يحفظ الله حُجَجه وبيناته، حتى يودعها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استَعْوَرَهُ المترفون([2]) . وأنِسُوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها معلّقة بالمحلِّ الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضِهِ والدعاةِ إلى دينه.. آهِ آهِ شوقًا إلى رؤيتهم! انصرف يا كميل إذا شئت»([3]) .
هذه الدرجة من المكانة الإنسانية تحتاج إلى جهد وسعي للخروج من نوم الغفلة، وإذا وافى الأجل والإنسان غافل فيحشر يوم القيامة أعمى: )قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى( (طـه:125- 126).
في قاموس الفكر الإلهي ثمة السعيد المطلق والشقي المطلق. السعيد المطلق هو الذي بلغ بقواه الباطنية مرتبة الفعليّة. والشقي المطلق من أضاع هذه القوى ولم يبلغ بها درجة الفعليّة. وبينهما درجات تقرب من السعادة أو الشقاوة. وعلى هذه الدرجات ثمة من يتجه نحو السعادة وثمة من يتجه نحو الشقاء.
وأولياء الله لا يهتمون بسعادتهم فحسب، بل يعيشون همّ سعادة الآخرين وإنقاذهم من الشقاء، ومن يفكّر في سعادة نفسه فحسب، فهو إلى الشقاء أقرب، لأنه حبيسُ ذاته.
فهموم العارفين هي هموم بناء أنفسهم وبناء مجتمعهم، وهي هموم كبرى لا يفهم عظمتها إلاّ الذين يتسلقون جبال الكمال الإنساني ليبلغوا قممها. والسعادة كل السعادة في هذا الهمّ الكبير، والشقاوة كل الشقاوة في الهموم الصغيرة المحدودة في إطار الذاتية والأنانية.
ومن أراد أن يجتاز سجن الذاتية وينطلق إلى ساحل السلامة والأمان فعليه:
1ـ التفكير في نهاية شوط الحياة، والسعي لتصحيح الأعمال والأفكار قبل وصول الأجل، والابتعاد عن الانشغال بعيوب الآخرين.
2- توجيه النصح المستمر للنفس قبل أن ينصحها الآخرون.
3- الإعراض عن كل ما يبعد الإنسان عن حبّ الله.
4- النظر إلى الدنيا بعين الحقيقة وترك مالا يوفّر له منها السعادة والفلاح.
5- الاهتمام بإصلاح غيره وموعظتهم بالحكمة وبالتي هي أحسن.
6- كظم الغيظ والسيطرة على حالة الغضب.
7- أن يسعى قدر الإمكان إلى تغيير الأخلاق الرذيلة وإبدالها بالأخلاق والفضائل الحسنة. وأفضل هذه الأخلاق الصدق فهو أمّ الفضائل.
8- القناعة بما قسم الله سبحانه.
9- فتح منافذ القلب لتعليمات القرآن والسنّة والأولياء والعلماء والصالحين، والابتعاد عن أهل الضلال من أي لون كانوا.
10- الإقبال على قراءة القرآن وتلاوة الأدعية والأذكار، وأداء العبادات بإخلاص كامل وبهمّة عالية ونشاط متزايد.

التفكير ثمن النجاح
الساحة البشرية كانت دائمًا تشهد طغيان النوازع المادية في بعض النفوس، مما يجعل الساحة تعجّ بالشهوات والمظالم والوحشية والحروب والصراع الدموي، كما كانت أيضًا تشهد مقابل أولئك أناسًا يحملون مشعل الهداية ويبشرون بقيم الأمن والسلام ليضعوا بلسمًا على جراح البشرية ويوجهوها إلى ساحل الأمان، ويهدوا الضالين إلى طريق الحق والحقيقة. هذه المجموعة الثانية أدركت معنى السعادة الحقيقية فأعرضت عمّا يتهافت عليه الناس من سعادة ظاهرية، وراحت تنمّي قواها الباطنية التكاملية. وما بلغه هذا الفريق من كمال إنما كان بسبب ما عزموا عليه من تفكير. وهذا التفكير هو الذي ساقهم إلى السعادة الحقيقية وإلى الهدف الحقيقي من الحياة. إنّ التفكير هو الثمن الذي دفعوه لنجاحهم في ساحة الحياة.. وكل ما تشهده الساحة من ويلات إنّما هو بسبب الإعراض عن دفع هذا الثمن.
الإنسان هو الذي يصنع التاريخ والمستقبل. فهو يستطيع أن يعرف مستقبله استنادًا إلى ما يمارسه اليوم، فالغد يولد من رحم أعمال اليوم.
أعظم ثروة ونعمة وسعادة للإنسان هو التفكير.. التفكير الذي ينطلق من عقل إلهي. والشقاء كلّ الشقاء في إقدام دونما تفكير. النتائج التي يجنيها الإنسان من تفكيره الإلهي مضمونة. أما النتائج التي يفرزها العقل النظري فهي قابلة للاستفادة إلى حدّ ما، ولكن في الأمور المادية لا المعنوية الإلهية.
للعقل الإلهي مراتب ، ومرتبة كمالِهِ لا تنحصر بالأنبياء والأولياء، بل إن غيرهم أيضا قادرون على أن يبلغوا بقواهم الباطنية درجة الكمال.
وبهذا العقل الإلهي نستطيع أن نفهم مافي القرآن الكريم من معان عميقة، إذ الانتهال من معين كتاب الله يتوقف على درجة ما عندنا من علم ظاهري وباطني ودرجة تزكية النفس.
والاكتفاء بالعلم الظاهري وبعلوم اللغة العربية لا يقودنا إلى بطون معاني هذا الكتاب الكريم، بل لايسعفنا أيضا في فهم كلام الذين أنعم الله عليهم بالحكمة وبالهداية إلى الصراط المستقيم.
وفي القرآن إشارات إلى حقائق عميقة يأتي في سياقها قولـه سبحانه إن هذه الإشارات إنما هي لأولي الألباب: )إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الأَلْبَابِ( (آل عمران:190) وقوله سبحانه: )فَبَشِّرْ عِبَاد، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ( (الزمر:17 - 18).
واللبّ يعرّفه العرفاء بأنه «العقل الخالص من الشوائب». عقل الإنسان مشوب بالحسّ والخيال، ومثل هذا العقل لا يستطيع أن يشاهد الحقيقة، لكنه يتخلّص من هذه الشوائب بالتزكية وتهذيب النفس. بالتزكية يستطيع الإنسان أن يرتبط بعوالمة الثلاثة: الناسوتي والملكوتي والجبروتي.
القوة السامعة تتلقّى الأصوات، ولكن لا تحلّلها ولا تخرج منها بنتيجة، فالعقل هو الذي يفهم ذلك، والعقل الباطني بشكل خاص هو الذي يميّز الصحيح من السقيم والجميل من القبيح والمجاز من الحقيقة.
وحين نكون أمام كلام الله وكلام أولياء الله فإننا نحتاج إلى عقل باطني مزكّى كي نفهم ما في هذا الكلام من حقائق ذات أبعاد لا متناهية. الحواس الظاهرية محدودة، فهي لا تدرك غير المحدود، والقوى الباطنية على أثر التزكية ليس لها حدود، ولذلك فإن لها قدرة إدراك اللامحدود، وقدرة اجتياز المحسوسات إلى المعقولات، وفي هذا المقام يصل التفكير من الجزئي إلى الكلي، ومن المحدود إلى اللامحدود، ومن النسبي إلى المطلق، شرط أن يكون هذا التفكير متمركزًا لا مبعثرًا.
القرآن الكريم، إذ دعا إلى التفكير، حذّر من مزالقه. الإسلام يعارض استهلاك طاقة الفكر فيما لا طائل تحته ولا ثمر فيه سوى إجهاد العقل والروح، وفيما لا ينتج ما من شأنه التطوير في المجال المادي والمعنوي. حتى الإرشاد والتعليم يجب أن يكون مؤثّرًا في المتلقّي وإلاّ سقطت المسؤولية عن الداعية والمعلّم، والله سبحانه يقول لنبيّه: )لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ألاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ( (الشعراء:3).
الحثّ القرآني على التفكير يتركز بشكل خاص على ثلاثة موضوعات: الطبيعة، والإنسان، والتاريخ.
آيات الحثّ على التفكير في الطبيعة: في خلق السماوات والأرض وفي الكواكب والنجوم وفي جريان الرياح وفي الحيوانات والنباتات والجمادات كثيرة، بعضها ورد في سياق الدعوة إلى النظر : )قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ( (يونس:101)، وبعضها في سياق القَسَم: )وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا( (الشمس: 1-2). وهذا الحثّ يأتي ضمن المشروع الإسلامي للارتباط بالطبيعة واستثمار مواهبها واكتشاف قوانينها.
والحثّ على التفكير في الإنسان كثير أيضًا: في خلقته ونموّه ونشوئه ومصيره وعجيب خلقة هذا الكائن الإنساني، وتميّزه عن سائر المخلوقات. وهذا الحثّ مما لا تخفى آثاره في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، بل في الحقل الإيماني أيضًا:)سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ( (فصلت:53).
والمجال الثالث الذي حثّ القرآن على التفكير فيه: التاريخ. وقصص القرآن عن الأمم الغابرة تأتي في هذا السياق، إضافة إلى حثٍّ مباشر للنظر في حياة الأمم والشعوب. وفي آيات الذكر الحكيم على هذا الصعيد عطاء ثرّ في قوانين حركة التاريخ، وارتباط هذه الحركة بالإنسان وأعمال الإنسان: )قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ( (آل عمران:137).
في النصوص الدينية أيضا حثّ على الاعتبار من حياة الماضين. وفي وصية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لابنه الحسن يقول: «أي بنيّ، إنيّ وإنْ لم أكنْ عُمِّرتُ عُمْرَ من كان قبلي، فلقد نظرتُ في أعمالِهِم، وفكّرتُ في أخبارهم ، وسِرْتُ في آثارهم حتى عُدتُ كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورِهم قد عُمّرتُ مع أولهم إلى آخرهم..» ([4]) .
ودراسة حياة الماضين فيها عبر واستخلاص تجارب واستنتاج قوانين تحكم حياة الشعوب والقادة والعلاقات بين الأمم. وهي بمجموعها تدلّ على رؤية دينية لحركة التاريخ تتلخّص بأن هذه الحركة ليست عفوية ولا عشوائية وإنما تسير وفق «سنن» اجتماعية ثابته تحكم مسيرة البشرية على مختلف مراحلها.

ضرورة محاسبة النفس
الإنسان كائن مكرّم في الوجود، وعظيم في الخلقة، فهو في ظاهره موجود صغير، ولكن في معناه عالم كبير، بل انطوى العالم الأكبر فيه، كل ما نراه في الطبيعة من مظاهر نجد شبيهًا له في معنى من المعاني لدى الإنسان، بما في ذلك حركة الأفلاك وتعاقب الليل والنهار، والفصول الأربعة. من هنا فإن هذا الموجود العظيم مخلوق لأداء مهامّ عظيمة.. ولابد أن يكون الإنسان على وعي مستمر بالنسبة إلى مكانته في الوجود ومسؤوليته في الكون. وهذا الوعي المستمر بحاجة إلى محاسبة.. محاسبة دائمة ليكون الإنسان باستمرار على مستوى المسؤولية. وليتلافى ما فاته من تسويف وإهمال وتجاهل تجاه المكانة وتجاه المسؤولية.
ومحاسبة النفس تكون طبعًا على أساس فهم كامل للإنسان والكون والحياة.. وبدون ذلك فإن الإنسان قد يتجه إلى ماضيه حزينًا لأنه لم ينل القدر الكافي من متاع الحياة الدنيا ولم يعبَّ المزيد من شهواتها ونزواتها. وفي آداب العرب والفرس وغيرهم نرى الكثير من الحزن على الشيب وفوات فرص اللذات.. وهذا يعني غياب الفهم الديني لمسؤولية الإنسان وكرامته وعظمته.
السالك طريق الله يحاسب نفسه على مافاته من فرص التكامل، وعلى ما هو عليه الآن من حالة وما يجب أن يفعله في المستقبل من مهام تتناسب مع شأنه ومنزلته في الوجود.
إنّ محاسبةَ النفس من أهمّ عوامل تكامل الإنسان، وحركة الحياة التكاملية، وبدون هذه المحاسبة يُصبح الإنسان ريشة في مهبّ الريح، لا يملك أن يقرّر حاله ولا أن يصنع مستقبله. وعلى مستوى الأمة فإنها لو كانت في حالة محاسبة لنفسها باستمرار لما انحدرت إلى ما انحدرت إليه من حالة مزرية، ولما سيطر عليها الطغاة والفراعنة، ولما خضعت للغزاة والطامعين، ولا سبيل لها للتخلص من حالتها هذه إلاّ أن تدخل في محاسبة جادّة مع نفسها كي تتخلّص من حالة ذلّها وهوانها، ولكي تتخلّص من المشاريع الوهمية التي تتظاهر بإنقاذ الأمة، وليس فيها سوى تعميق الهزيمة.
محاسبة النفس يساعد الأمة على تغيير نفسها ومن ثم تغيير حالتها المتردية ذلك) إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (.
سالك طريق الحق ينبغي أن يخلو إلى نفسه ساعة في اليوم يراجع فيها سلوكه الظاهري وأخلاقه الباطنية، وما عملته جوارحه. ويضع صفحة قلبه أمامه. فإذا رأى نفسه في حالة عبادة وطاعة وبُعد عن المعصية شكر الله على ذلك، وإن لم يكن كذلك سارع إلى العلاج وإلى التوبة، لابدّ أن يبحث في خبايا نفسه عن الثغرات والعثرات كي يجبر ذلك بالموعظة والنصح واللوم ومجالسة الأخيار، ثم أن يفكّر في الحَسَن من الخصال، وإذا وجد إحداها مفقودة سارع إلى تحصيلها.
في أقوال أئمة الدين تأكيد على مواصلة السير التكاملي بدون هوادة، حتى أن من تساوى يوماه فهو مغبون، ولابدّ من السعي لعدم الوقوع في الغبن ولتلافي ما غُبن فيه من قبل.

الفراعنة وكرامة الإنسان
المنهج القرآني يدعو الإنسان إلى التحرر من كل ما يعيق تكامله في داخل نفسه من كبر وغرور وأنانية وحسد ونفاق و.. وفي محيطه الاجتماعي من سيطرة فرعونية واستغلال واستعباد.
القرآن الكريم في حديثه عن فرعون يشير في آية إلى قواعد هامّة ترتبط بالحياة الاجتماعية وبطبيعة السيطرة الفرعونية حيث يقول سبحانه: )فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ( (الزخرف:54):
ـ الاستخفاف
ـ الطاعة
ـ الفسق .
ثلاثة موضوعات مترابطة يتحدث الأول عن أسلوب السيطرة الفرعونية في التعامل مع المجتمع. إنه الاستخفاف بكل ما تتضمن هذه الكلمة من معاني الاستهانة والتحقير وسلب الكرامة.
ولا تظننّ أن هذه الحالة الفرعونية تصيب الحكام المتغطرسين فحسب، بل يمكن أن يصاب بها كل إنسان يملك شيئًا من أسباب القوّة. القوة المالية أو الجسمية أو حتى الروحية.. أقول حتى الروحية لأن السالك إلى طريق الله قد يصيبه الغرور في وسط الطريق، فيحتقر ما سواه، ويستخفّ بغيره. والموضوع الثاني في الآية هو طاعة الجماهير التي استخفها فرعون، وانصياعها لأوامره، بعد أن تفقد شخصيتها وكرامتها وإرادتها. فالطاعة للفراعنة لا تأتي من قوم يحترمون أنفسهم، بل من الذين هانوا وفقدوا كرامتهم.
والثالث، وهو الأهم هو: «إنهم كانوا قومًا فاسقين» وهذا تعليل لما سبق، لا نتيجة له. أي إن فسق هؤلاء القوم هو الذي وفّر الفرصة لفرعون كي يتأمرّ عليهم. والآية وإن كانت تذم هؤلاء القوم تشير من وجه آخر إلى مكانة الإنسان وعظمة إرادته، إذ إنه قادر على أن يرفض كل سيطرة وهيمنة على مقدراته. ولولا فسقه لما تبوّأ الفراعنة كرسيّ الحكم... وما فرعون إلاّ نتيجة من نتائج تراجع الجماعة البشرية عن مكانتها التي قررها الله سبحانه للإنسان.
هذه الآية الكريمة ترفض ما يشاع بأن السلطان الظالم قَدَر محتوم، وترفض أن يكون الظلم في المجتمع ناتجًا عن عوامل خارج إرادة الجماعة البشرية . وتقرر أن سبب أكثر ما يمنى به المجتمع من مصائب وويلات إنما هو بسبب سلوك الإنسان نفسه. والفسق أو التخلّي عن المكانة السامية التي شاءها الله للانسان في هذا الكون يولّد فرعون حتمًا. ولو حدث أن سقط فرعون في المجتمع الفاسق فسيولد فرعون آخر لأن المحتوى الداخلي لإنسان المجتمع الفاسق له قابلية توليد السيطرة الفرعونية.
الخضوع لإرادة الله سبحانه هو الخضوع لنداء العقل والفطرة والضمير.. وهو السبيل الوحيد الذي يقتلع من النفس دوافع الاستسلام للطغاة.
حين يكون الإنسان عاجزًا عن السيطرة على نفسه وأهوائه فإنه عن مقاومة الظالمين أعجز. وما نعانيه من سيطرة مقيتة على العالم الإسلامي إنما هو بسبب ابتعادنا عن المنهج القرآني في بناء النفس الإنسانية وتهذيبها. وهكذا سيطرة الشيطان: )إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ( (النحل:99) .
فسيطرة الشيطان تنبعث من التخلّي عن ولاية الله سبحانه، وما ينتج عنها حتمًا من تولّي الشيطان: )إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ((النحل:100).

المفهوم الحقيقي للتقية
التقية مفهوم قرآني، ومقصدها مواصلة الجهاد في أحلك الظروف، لكنّ هذا المفهوم العظيم استغله المتخاذلون والمهزومون ليبرّروا تقاعسهم.
في القرآن الكريم آيات كثيرة بشأن التقية أبرزها ثلاث هي:
الأولى: )لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ( (آل عمران:28) فتولّي الكافرين من المحرمات الكبرى، إلاّ أن يكون في ذلك مصلحة إسلاميّة كبرى تستهدف صيانة بيضة الإسلام والمحافظة على قوّة المسلمين وشوكتهم. لكننا نرى اليوم مع شديد الأسف من يتولاهم عن قناعة، أو عن طمع في العروش والمناصب، أو عن انزلاق في شهوات المال والجنس والمغريات الأخرى.
الثانية: قولـه سبحانه: )مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ( (النحل:106) وهذه حالة أخرى، يُمتحن فيها الإنسان بدينه، ولابدّ أن يصمد ويقاوم، إلاّ إذا كان في ذلك إبادة للإنسان المؤمن، عندئذ من أجل أن يحافظ على استمرار مسيرته الحياتية الجهادية، يستطيع أن يتظاهر بخلاف ما انعقد عليه قلبه من إيمان،
الثالثة:) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ( (غافر:28). وكتم الايمان هنا عملية جهادية في الواقع لمواصلة طريق الدعوة بشكل مأمون.
الأصل في تعاليم الإسلام الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن هذا الأصل قد يحتاج أحيانًا إلى ما يسمى اليوم الانسحاب التكتيكي، من أجل مواصلة العملية بنَفَس أقوى، ومن أجل حفظ الجماعة المجاهدة في الظروف الحالكة، من هنا فحالة التقية استثنائية، وذُكرت في النصوص الدينية بأداة الاستثناء: «إلاّ»، ومن هنا أيضًا لا يمكن اعتبار التقية أصلاً كما يتخذه الغارقون في ذاتياتهم واللاهثون وراء مصالحهم الدنيوية.

الصبر والنجاح
العُسر من الفرص التي تتيح للإنسان فرصة الكمال إن تعامل معه وفق مفهوم «الصبر». والصبر هو تحمل المشاقّ من أجل الوصول إلى هدف كبير، والإنسان العارف يستشعر اللذة في هذه الطريق لأنه يرى فيه سبيلاً لرفع الحجب عن النفس وإزالة الشوائب من القلب، وللوصول إلى المحبوب وإلى مرحلة الشهود بدون حجاب.
من هنا جاءت توصيات الكتاب العزيز بالصبر والمصابرة.
والصبر جسمي وروحي. والجسمي فعّال وانفعالي. الفعّال ماكان مواصلة لتحقيق أمر شاق. والانفعالي ما كان مقاومة لدفع شدّة من الشدائد. والصبر الروحي هو أسمى مرحلة لأنه ضبط النفس والسيطرة عليها كي لا تنحدر في مهاوي الرذيلة وتبعد الإنسان عن الكمال.
والصبر يتّسع لمساحة واسعة من مواقف الإنسان في ساحة الحياة، كالصبر أمام منغّصات الحياة بأنواعها، والصبر في ميدان المواجهة والجهاد والقتال، والصبر على كتمان الأسرار، والصبر أمام مغريات المال والمتاع في غير ما أحلّ الله سبحانه، والإعراض عن فضول العيش وهو القناعة، والصبر على امتلاك ناصية الدنيا وهو الزهد.
ولأهمية الصبر في صناعة الإنسان كان صنوًا للإيمان، فروي عن النبي(ص) أنه سُئل عن الإيمان فقال: «وهو الصبر».
من لم يتحلّ بالصبر لا يستطيع أن يطوي طريق ذات الشوكة، ولا يقدر أن يواصل مسيرة الكمال، بل تثنيه العقبات التي تواجه أي إنسان في حياته.
المنتصرون والفائزون والناجحون وأصحاب الأرقام القياسية في العلوم والفنون والرياضة طووا مراحل صعبة من المعاناة حتى وصلوا إلى هدفهم المنشود.
أما أولئك الذين اختاروا لأنفسهم أن يعيشوا في دعة وبطر وراحة ورفاه فلا يحققون أدنى تقدّم في مضمار الحياة، ولا يقاومون أدنى ريح تهبّ عليهم في ساحة الحياة.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يشبّه ـ كما مرّ ـ المقاومين بالأشجار البريّة التي تقاوم أمام أعتى العواصف، بينما لا تستطيع النباتات التي تعيش بين الظلال والمياه الجارية ذلك، إذ تقلعها الرياح من جذورها.
الصبر يحتاج إلى رصيد روحيّ يوطّد الإنسان على التحمّل ويغذّيه في مراحل الطريق، والارتباط بالله سبحانه رصيدٌ مابعده رصيد. ومن هنا كانت الاستعانة بالصلاة مقرونة بالاستعانة بالصبر: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( (البقرة:153).
والدعاة إلى الله يحتاجون إلى التواصي بالحقّ وإلى التواصي بالصبر، كي يواصلوا طريق ذات الشوكة بعلوّ همّة ونزاهة نَفْسٍ، وطول نَفَس.
وهنا يجب التأكيد على أن الصبر هو غير الخنوع والرضوخ والاستكانة، الصبر يعني مواصلة طريق المقاومة، ويعني تحمّل الشدائد على طريق كمال الفرد والمجتمع. أما الخنوع والرضوخ للواقع الفاسد فليس من الصبر بشيء، إنه تحمّل الذلّ والاستضعاف، وهو محرّم في الإسلام، لأنه ظلم للنفس وإبادة لطاقات الإنسان: )إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا( (النساء:97)؟!
فالأمر هنا بالهجرة من الأرض التي تضيّق على الإنسان وتمنع حركته نحو الكمال. ولا يجوز الرضوخ لمثل هذه الظروف، وليس في ذلك أية قيمة إنسانية، بل إنها تخالف القيم الإنسانية.
وفي النصوص الدينيّة إن العُسر والشدّة ممّا يُبتلى به الإنسان لامتحان قدرته على المقاومة، فالدنيا دار اختبار لإرادة الإنسان وقدرته. والفائزون هم الذين يسيرون في اليسر والعُسر نحو رضا الله، لا تمنعهم الشدائد ولا تثنيهم الضرّاء: )الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( (آل عمران:134).
والصابر ترتفع همومه إلى مستوى الهموم الرسالية الكبيرة، ولا تشغله الهموم الصغيرة التي تشغل عامة الناس وتقضّ مضجعهم. فالهموم الصغيرة تصدّ السالك عن المسير، بينما الهموم الرسالية تدفعه إلى المراحل السامية.
وكلّما كانت مسؤوليات الإنسان الرسالية أكبر كان بحاجة إلى الصبر أكثر، من هنا جاء تأكيد القرآن على النبي الكريم بالصبر: )فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ( (الروم:60)، )فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ( (الاحقاف:35)، )فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً،إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا( (المعارج:5-7).
الغافلون يعيّرون المؤمنين أحيانًا بما يتحملونه من ابتلاء واختبار، بينما هؤلاء المؤمنون يطوون الطريق الحقيقي للحياة، وينالون درجات الكمال في كل خطوة من مسيرهم، وفي هذا الطريق يتلقى الصابرون كل شدائد الحياة بصدر رحب، وبلذّة لا يستطيع أن يفهمها الغافلون الخاملون. هذا المسير التكاملي هو وحده الذي يفرّق بين الإنسان والحيوان.
مسيرة خلق الإنسان في رحم أمه استعراض لتدرّجه في الكمال، وإشارة إلى ضرورة المعاناة بعد خروجه من الرحم ليواصل مسيرة التكامل: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( (المؤمنون:12- 15).
الإنسان في صعوده سلم الرقيّ الإنساني بحاجة إلى عاملين: عامل الإرشاد الإلهي عن طريق الأنبياء والأولياء، وعامل الإرادة الداخلية المتمثلة بالصبر والمواصلة، وبدون هذين الاثنين يصاب الإنسان في حالتي الخير والشر بردود أفعال لا تليق بإنسانيته: )إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا( (المعارج:19-21) )كَلا إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى،أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى( (العلق:6-7) .
حين يفقد الإنسان ارتباطه بإنسانيته الحقيقية يصبح صغيرًا أمام الشرّ وأمام الخير وأمام الاستغناء، فلا يتخذ الموقف المتناسب مع علوّ منزلته في هذا الكون، أما حين يرتبط بخالق الكون، فإنه لا يعبأ بما يواجهه، بل يتعالى عليه، وهذا ما أراده الله سبحانه لهذا المخلوق: )لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ( (الحديد:23).
إن الشدائد والصعاب تخفّ على من يحملون الأهداف الكبرى، بل تصبح لذيذة عندهم حين يعلمون أنهم يجتازون الامتحان تلو الامتحان ويحققون النجاح تلو النجاح. أما الذين يعيشون لذاتهم وأنانيتهم فيرون في كلّ شدّة إخفاقًا وفي كلّ صعوبة سدًا وفي كل بليّة نهاية لآمالهم الصغيرة، وهنا تختمر فكرة الانتحار لدى هؤلاء الأفراد الصغار، ويعمدون لإنهاء حياتهم، وهي عملية قتل للنفس المحترمة: )مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ( (المائدة:32).
ومن هذه الآية الكريمة يمكن أن نفهم نوعًا آخر من القتل، وهو قتل الطاقات الخلاّقة في نفس الإنسان وإماتة روحه وقلبه، وفي ذلك مسؤولية لا تقل عن مسؤولية إنهاء حياة الإنسان الطبيعية، ويمكن أن نفهم من الآية أيضا أن القتل يحرم البشرية (الناس جميعًا) من عطاء المقتول. فقد يكون هذا المقتول قادرًا في المستقبل على القيام بمهامّ علمية أو اجتماعية كبيرة، وفي قتله حرمان من هذا العطاء الإنساني العام.
ومن المفاهيم التي تخفف على الإنسان المؤمن وطأة المصاعب والمصائب هو عدم علمه بما تنطوي عليه الأمور من خير أو شرّ، وهذا المفهوم تبينه الآية الكريمة بكل وضوح في قولـه سبحانه: ) وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( (البقرة:216).
والدنيا في نظر المؤمن دار ابتلاء وامتحان، أي دار معاناة على طريق الصعود والكمال، وكلّما كان الطريق أصعب كان الوصول إلى الكمال أسرع، من هنا لا يجوز أن يتعوذ الإنسان من الفتنة أي الامتحان العسير، بل أن يتعوّذ من الامتحانات التي لا يخرج فيها الإنسان ناجحًا موفقًا، وهذا معنى قول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام:
«لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلا وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَ لَكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاتِ الفتن»([5]) .
اللهم وفّقنا لأن نجتاز شوطنا الحياتي بعشق إلى الوصال. اللهمّ املأ قلوبنا بالهموم الكبيرة التي تزكّي النفس وتبارك الحياة برحمتك يا أرحم الراحمين.

الهوامش:
--------------------------------------------------------------------------------
[*] - عارف إيراني. والمقال ترجمة جزء من كتاب مطبوع في جامعة طهران تحت عنوان «سفر به كعبه جانان» سنة 2001م
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- نهج البلاغة، خطبة رقم 81 .
[2]- أي إن هؤلاء الأوتاد يرون الذي يراه المترفون وعرًا خشنًا يرونه لينًا سهلاً.
[3]- نهج البلاغة، الرسائل/ 147.
[4]- نهج البلاغة، الرسائل، رقم 31 .
[5]- وسائل الشيعة، ج 7، 1137.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 697)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 702)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 773)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 741)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 634)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب - القسم السابع وا لأخير - 1   (بازدید: 1254)   (موضوع: )
• رحلة إلى كعبة الحبيب / القسم الأول   (بازدید: 746)   (موضوع: عرفان)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]