banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

موقفنا من مشروع الوحدة
ثقافة التقريب - العدد 2

السيد محمد حسين فضل اللّه
1428

• مشروع الوحدة الإسلامية يقوم على أساس عقلية هادئة متّزنة مسؤولة
• الخصوصية السنية والخصوصية الشيعية يجب أن تتحول إلى وسيلة لفهم الفكرة العامة للإسلام • المسلمون يحملون مسؤولية غربلة العقائد والفتاوى والعادات الشائعة، وعرضها بعد الغربلة بصورة تساعد على مخاطبة الآخر • اللقاءات العلمية تساعد على اعتراف الفريقين أنهما إذا أخطآ أو أصابا فمن موقع اجتهادي • لا بدّ للشيعي أن يفهم أنه لا يصل إلى تحقيق الأهداف في الحرية والعزّة والاستقلال إلاّ في الدائرة الإسلامية الكبيرة .
إننا نتبنّى اتجاه السير في حركة الوحدة الإسلامية، ونرى أنه السبيل الأمثل لانطلاقة الإسلام في العالم.. الأمر الذي يمثل النهج الشرعي للسير العملي للإنسان المسلم فيما يرضي الله، وفيما يقرّب إليه.. كما يمثل النهج الواقعي لاستعادة سيطرة الإسلام على الحياة، وتحقيق العزة والكرامة للمسلمين، في جميع مجالاتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. وذلك على أساس عدة نقاط:
1ـ إن مشروع الوحدة الإسلامية، ليس مشروعاً استعراضياً عاطفياً، يرمي إلى إلغاء المواقف الفكرية بحركة انفعالية سريعة، بل هو مشروع يرمي إلى إعطاء عقلية موضوعية هادئة تناقش المواقف الفكرية بهدوء واتزان ومسؤولية، لتكون الساحة للأفضل والأقرب إلى الحقيقة الإسلامية من قاعدة الحجة والدليل.. وبذلك فإنها تلغي الخوف من الاحتواء من خلال تأمين الضمانات العملية للوصول إلى ذلك الهدف.
2- إن الانطلاق من صفة الإسلام في أي تحرك فكري أو عملي، هو الذي يحقق لأي فريق إسلامي القدرة النفسية على مواجهة أية قضية فكرية أو شرعية، بجدية الاهتمام، وبسعة الأفق، ورحابة الصدر، والبعد عن التشنج وإثارة الحساسيات الذاتية.. لأن القضية عنده في مجملها هي ماذا يقول الله ورسوله.. وما يقوله الإسلام من خلال ذلك، بعيداً عن كل مألوف أو موروث.. فإما أن تكون القضية ثابتة بالطرق الصحيحة الاجتهادية فتقبل، وإما أن تكون غير ثابتة فترفض.. وهذا هو الذي يوحي بتغلّب الصفة العامة على الصفة الخاصة، أو تأكيد الصفة الخاصة بمقدار انسجامها مع أجواء الصفة العامة.
وقد يكون من الطبيعي أن نركز على دور التربية السليمة في الحصول على هذا الأسلوب في بناء الشخصية الإسلامية، فيجد السني صفة السنية، كوجهة نظر في فهم الإسلام، كما يجد الشيعي صفة الشيعية منهج فكر في فهم الإسلام.. وبذلك تتحول الخصوصية إلى وسيلة فكرية لفهم الفكرة العامة.
3- أن تتحول صيغة الأبحاث الفكرية القائمة على مناقشة الأفكار الإسلامية المختلفة، من صيغة تتخذ صفة الهجوم والدفاع التي تثير في داخلها ومن حولها أجواء الحماس والانفعال، عند تسجيل نقطة هنا ونقطة هناك، إلى صيغة تأخذ شكل البحث والتحليل الدقيق للقضايا المطروحة في البحث.. لأن هذه الصيغة توحي بانطلاق البحث من مصادره الأصيلة بطريقة هادئة موضوعية، تلتقي بالفكرة، أمام احتمالين يتحركان في نطاق وجهتي نظر متنوعة، وبذلك يمكن الوقوف معهما، أمام الجذور العميقة للفكرة.. ليعرف في نهاية المطاف، كيف يلتقي هذا أو ذاك بالجذور.. ليكون هو الوجه الصحيح للفكرة.. بعيداً عن أن يكون هذا الاحتمال، وجهة نظر زيد أو أن يكون وجهة نظر عمرو.. وهذا هو المنهج القرآني الذي ركز على الموضوعية والحكمة والطريقة التي هي أحسن.. والانطلاق من مواضع اللقاء إلى مواطن الخلاف.
4- أن يعمل الشيعة على توضيح الخط الإسلامي الأصيل، فيما يعتنقونه من أفكار ومفاهيم في جانب العقيدة، أو في نطاق الأشخاص، أو في تفاصيل الشريعة.. وذلك بالأساليب المتحركة في ساحة الحوار، وبالعمل على كتابة ذلك بطريقة واضحة صريحة، وأسلوب علمي لا تعقيد فيه.. وتسهيل وصول النشرات المتضمنة لهذه الأفكار إلى كل مكان في العالم من أجل تطويق الدعايات المضادة التي تعمل على تشويه الصورة الإسلامية لفكرة التشيع.. ولا سيما فيما يتعلق بالموازين الإسلامية لفكرة التوحيد والشرك، والغلو والاعتدال في الأشخاص، وقضية تحريف القرآن، أو موضوع مصحف فاطمة، وعصمة الأئمة، وما إلى ذلك من الأمور التي يراد إثارتها من أجل إبقاء الهوة عميقة بين الجماهير الإسلامية، من السنة والشيعة.
5- أن نعمد، من جديد، إلى غربلة العقائد والعادات والفتاوى الشائعة لدى الأمة من أجل إخضاعها للمقاييس الفنية الاجتهادية في فهم الكتاب والسنة.. وفي تقويم الأحاديث في صحتها وضعفها انطلاقاً من دراسة شخصية الراوي، ومتن الرواية.. لأننا نلاحظ أن كثيراً من القضايا التي يحملها الناس في أفكارهم، لا ترجع إلى مصادر اجتهادية صحيحة، بل ترجع إلى التسامح في القضايا التي لا تمثل حكماً شرعياً.. كقضايا الثواب أو العقاب او الفضائل أو غير ذلك من الأمور.. مما قد يرويه الوضاعون والغلاة والضعفاء الذين لا تقوم برواياتهم حجة في دين أو دنيا.
إن ذلك هو السبيل للوصول إلى الإسلام الصحيح في كل المفاهيم الفكرية والأحكام الشرعية، الإلزامية وغيرها. لأن أيّ مفهوم وأي حكم إنما هو جزء من الإسلام، فإذا انحرفت الصورة فيه، انحرفت الصورة الإسلامية في وعي الإنسان المسلم.
ولا يقتصر هذا الأمر على الشيعة، وحدهم، بل يعمّ السنة أيضاً، فيما لديهم من تركة ثقيلة من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة التي كوّنت مفاهيم متنوعة غير إسلامية في مصادرها الأصلية.
6- أن نعمل على تشجيع اللقاءات بين الفعاليات الإسلامية العملية، من السنة والشيعة من أجل إيجاد علاقة حميمة فيما بينها من جهة، وتحويلها إلى علاقة علمية فكرية يتم فيها التعارف والتلاقي بين الأفكار، ثم الحوار العلمي الهادئ من جهة أخرى ليعي كل منهما الطريقة التي يفكر بها الآخر، ليعرف أنه لا يتحرك من موقع الرغبة في الخطأ من قاعدة الخطأ، بل يتحرك من موقع الإخلاص للحق.. من قاعدة الحق.. حتى لو أخطأ طريق الوصول.. وبذلك يعرف الفريقان أنهما يخطئان إذا أخطآ من موقع اجتهادي، كما يصيبان، إذا أصابا، من الموقع نفسه.
7- أن يعيش الشيعة في تحركهم السياسي من مواقع السياسة الإسلامية العامة لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى الأهداف الكبرى في الحرية والعزة والاستقلال السياسي والاقتصادي إلا في الدائرة الإسلامية الكبيرة.. لأن دروس الاستعمار قد علمتنا أنه يملك كل أوراق اللعب في الدائرة الطائفية.. بينما يفقد أكثر الأوراق في الدائرة الإسلامية.. فلا مجال للتفكير بأن هناك قضية شيعية يمكننا أن نطرحها في الساحة الدولية.. لأن الاستعمار سيطرح أمامها، قضية سنية.. وبذلك يشغل الساحة بالنـزاع الطائفي الذي يمهد له السبيل على الموقف كله.
إن مثل هذا الخطر قد يواجه مصاعب كثيرة في الساحة الفعلية وذلك بفعل وجود أوضاع طائفية حادة، في المجتمع الإسلامي الآخر.. مما قد يجعل من اندفاع الشيعة في الدائرة الإسلامية الكبيرة، حالة ضعف أو استضعاف، فيما يحاوله الآخرون من منع ذلك، أو استغلال ذلك لمصالح فئوية خاصة.
ولكننا نؤكد هذا الخطر، على أساس الهدف الكبير، الذي لابد من طرحه في الساحة لتوعيتها في الانطلاق بالقضايا الإسلامية في الفضاء الرحب والهواء الطلق، على أن يتحرك العاملون معه بسياسة المراحل التي تحمي الساحة من ردّات الفعل الصعبة التي قد تهدم البيت على رؤوس الجميع.
وأخيراً، إننا نعتقد، أن الإخلاص للقضايا الكبيرة التي جعلها الله أمانة في أعناقنا يقتضينا التضحية ببعض الجوانب الأخرى في مرونة إسلامية عميقة.. وهذا ما عشناه في الأسلوب العملي الذي أرادنا أهل البيت(ع) أن نسير عليه.. ونجد أمامنا في هذا المجال أسلوب الإمام عليّ أمير المؤمنين(ع) في الفترة التي عاشها بين وفاة الرسول، (ص)، وخلافته فيما حدثنا عنه من أجوائها، وموقفه من تلك الأجواء:
".. فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يريدون محق دين محمد(ص)، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما زال كما يزول السراب، فنهضت حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه.".
وفي قوله عندما سمع قوماً من أهل العراق يسبون أهل الشام:
"إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكن لو وصفتم أفعالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب في القول وأصدق في الحجة، وقلتم مكان سبكم إياهم: ربنا أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به..".
وقول الإمام الصادق(ع) في حديث عن معاملة الشيعة لبقية المسلمين: "صلوا في جماعتهم، وعودوا مرضاهم، واحضروا جنائزهم أو موتاهم، حتى يقولوا رحم الله جعفر بن محمد، فلقد أدب أصحابه. كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا..".
إن هذه الكلمات وأمثالها تثير فينا الروح الايجابية في مواجهة الأخطار الكبيرة التي تواجه الواقع الإسلامي.. نحن لا نعتقد أن الأخطار التي واجهت الإسلام والمسلمين في عهد الخلفاء فيما عاشه الإمام علي(ع) من ايجابيات اللقاء والتعاون، من أجل مصلحة الإسلام العليا، هي أشد من الأخطار التي تواجه الإسلام الآن، بل نعتقد أنها أشد من الماضي.. وذلك هو وحده الذي يفرض علينا الانفتاح على الساحة الإسلامية الكبرى لتكون جزءاً من الأمة في قضاياها الكبيرة.. لنلتقي عندما نلتقي من موقع الإسلام، لمصلحة الإسلام، ولنختلف عندما نختلف من موقع الإسلام، لمصلحة الإسلام.. لنعطي قضية الإسلام كل ما عندنا من فكر وحركة وجهاد وإيمان، ولنستجيب لنداء الله: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• التقريب.. منهج تربوي   (بازدید: 1283)   (موضوع: )
• المواقف المختلفة من مشروع الوحدة   (بازدید: 986)   (موضوع: )
• تأملات في خط التقريب و الوحدة   (بازدید: 585)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• حقائق هامة في الحوار الاسلامي - الاسلامي   (بازدید: 655)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]