banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

تفعيل دور المؤسسات في بناء الوحدة
ثقافة التقريب - العدد 1

عبد الرحمن حمود السميط
1428

• مؤسسات المجتمع المدني أضحت ضرورية لتحقيق التنمية الشاملة
•مؤسسات العمل التطوعي قادرة على أن تنبّه الأمة على أهمية الوحدة
• أغلب مؤسساتنا تفتقد إلى رؤية إستراتيجية في تشخيص الأولويات • من سبل تطوير هذه المؤسسات هو التعاون فيما بينها لتبادل التجارب والخبرات على صعيد العالم الإسلامي.

إن ما تقوم به مؤسسات ومنظمات المجتمع الأهلي/ المدني لم يعد مجرّد تعبير عن نوايا حسنة أو عطاءات خيرية يقدمها المحسن أو المتصدّق إلى المحتاج أو ذي الخاصة، ولكنه أضحى على درجة كبيرة من الأهمية في تحقيق التنمية الشاملة، ويعلق الكثيرون عليه آمالاً كبيرة في توجيه عملية التغيير الاجتماعي والسياسي والحضاري بشكل عام، وفي ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم المعاصر بشكل خاص. وبالرغم من كثرة القواسم المشتركة بين مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في البلدان العربية والإسلامية، وبالرغم من أهمية ما تسهم به تلك المؤسسات والمنظمات في تحقيق وحدة الأمة إلا أن ثمة عديداً من التحديات التي تواجهها وتحد من فعاليتها، وتحتاج هذه التحديات الى بذل جهد كبير من أجل التغلّب عليها، وسوف نقدّم هنا عدداً من المداخل والأفكار لتكون موضعاً للنقاش وتبادل المشورة بشأنها بهدف التوصل إلى أفضل الاختيارات التي يتعين القيام بها في هذا المجال. ولكن علينا أن ندرك جيداً أن هدف وحدة الأمة الذي نتحدث عن إسهام مؤسسات المجتمع الأهلي/ المدني في تحقيقه لن يكون نتاج جهد يوم نغرس فيه البذور في الصباح لنجني ثمرتها في المساء أوفي صباح اليوم التالي ، وإنما هو برنامج عمل مركب ومعقد وشاق، ويحتاج ضمن ما يحتاج إلى نَفَس طويل، وإلى تعبئة شعبية واسعة النطاق، ويحتاج أيضاً إلى رؤية بعيدة المدى نرسل النظر فيها إلى عشرات قادمة من السنوات، إلى جانب الاهتمام بالمدى القريب والمنظور سواء بسواء. وفيما يلي أهم المداخل التي يمكن من خلالها تفعيل أداء مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني/ الأهلي في تحقيق وحدة الأمة:
1ـ المدخل التربوي التعليمي
يرتكز هذا المدخل على الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات التربية والتعليم في بناء العقليات وتوجيه السلوك الفردي والجماعي. ومن خلال هذه المؤسسات يمكن أن نغرس في عقول الناشئة منظومة القيم والمبادئ التي تحضّ على العمل الأهلي/ المدني من منظور وحدة الأمة؛ التي تقوم على أساس التعاون والتكامل بين مختلف الشعوب العربية والإسلامية. وإذا كانت البرامج والمشروعات والنشاطات التربوية – في وضعها الحالي – تفتقر إلى مثل هذا المضمون؛ فمن الضروري تطوير المناهج الدراسية والأنشطة الترفيهية والتربوية في هذا الاتجاه الذي يؤكد على قيمة العمل التطوعي، ويرفع من شأن مؤسساته، وينبّه الأذهان إلى أهميتها في تحقيق وحدة الأمة بصفة عامة، إلى جانب أهميتها القصوى في ترقية حياة المجتمع ونموه الاقتصادي والاجتماعي بصفة خاصة. ومثل هذه المعاني يجب أن تتضمنها المقررات والمناهج الدراسية والأنشطة الترفيهية وبرامج خدمة المجتمع وحصص الأشغال والتدريبات العملية؛ ابتداءً من المراحل الابتدائية من السلّم التعليمي، وصولاً إلى أعلى درجات هذا السلّم. وتقع مسؤوليات إنجاز هذه المهمة التطويرية في مناهج التربية والتعليم على الوزارات والهيئات والمراكز التربوية والتعليمية، وفي مقدمتها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، كما تقع أيضاً على المفكرين ودعاة الإصلاح وصانعي الرأي وقادة المجتمع المدني في مختلف البلدان العربية والإسلامية.
2- المدخل الثقافي الإعلامي
نظراً لضعف الخطاب الثقافي الذي تبثـّه وسائل الإعلام فيما يتعلق بالمجتمع المدني ومؤسساته بصفة عامة، وبدور هذه المؤسسات في تحقيق وحدة الأمة بصفة خاصة؛ فإن المطلوب وفقاً لهذا المدخل هو صياغة ونشر خطاب ثقافي إعلامي يركز على تلك المعاني الغائبة، ويهدف إلى بناء صورة ذهنية صحيحة و واقعية عن المجتمع المدني ودوره في النهوض بالمجتمعات المحلية من جهة، وفي تحقيق التآزر والتعاون والوحدة بين شعوب الأمة من جهة ثانية. ولتيسير مهمة وسائل الإعلام في أداء مهمتها في هذا المجال يجب أن تخصص أكبر مما هي عليه الآن للبرامج التثقيفية المدروسة حول المجتمع المدني ومؤسساته وما تقوم به من أدوار في خدمة المجتمع والأمة، مع التركيز على تغيير الصورة الذهنية النمطية الشائعة عن العمل الخيري الإسلامي ومؤسساته بصفة خاصة، وإبراز أهميتها في تحقيق التقارب والوحدة بين المجتمعات الإسلامية الغنية منها والفقيرة. كذلك من الضروري إفساح المجال لعرض تجارب العمل الأهلي الناجحة.
وفي تصورنا أن الهدف الاستراتيجي/ المركزي الذي يجب أن تتجه نحوه الجهود الإعلامية والتثقيفية هو العمل من أجل توحيد الثقافة المرجعية لمختلف مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني، وتخليص الثقافة السائدة حالياً من عيب الازدواجية، ومن ثم القضاء على كثير من الثغرات التي تسببها هذه الازدواجية.
3- المدخل التشريعي القانوني
يتطلب هذا المدخل – شأن غيره من المداخل – درجة عالية من التعاون والتنسيق بين الجهود الأهلية والحكومية في مختلف البلدان العربية والإسلامية؛ بهدف إعادة النظر في الأطر القانونية التي تنظم عمل مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني/ الأهلي، والقيام بتنقيتها من العقبات التي تحول دون فاعلية هذه المؤسسات من ناحية، والتي تحول دون تواصلها وتعاونها إقليمياً وعالمياً على المستويين العربي والإسلامي من ناحية أخرى. ومن المفترض أن تتجه الجهود في هذا الميدان إلى القوانين القائمة فتدرسها دراسة مستفيضة لتكشف عن القواسم المشتركة فيما بينها، وتبرزها وتقترح وسائل تفعيلها، ولتكتشف أيضاً تلك العوائق التي أشرنا إليها وتبين كيفية التغلب عليها؛ مع ما يقتضيه ذلك من تعديل النصوص التي تحتاج إلى تعديل، ووضع نصوص جديدة أو استصدار قوانين جديدة بكاملها؛ بحيث تكفل درجة أعلى من التعاون والتنسيق بين كافة المستويات الإقليمية والدولية، إلى جانب ما يجب أن تكفله لها من الاستقلالية وحرية الحركة بعيداً عن قيود البيروقراطيات الحكومية، ويجب أن تكفل لها أيضاً موارد مالية كافية لتمويل مشروعاتها وبرامجها دون الحاجة إلى مصادر التمويل الأجنبية.
4- مدخل إعادة ترتيب الأولويات
تشير النتائج التي توصلت إليها الدراسات الميدانية في عدد من البلدان العربية والإسلامية إلى وجود خلل كبير في أولويات مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني، وأن أغلبية المشروعات والبرامج التي تقوم بها تفتقر إلى رؤية استراتيجية تساعد على ترتيب تلك الأولويات بشكل عملي، كما كشفت هذه الدراسات عن «محدودية العمل الجماعي وسيادة النـزعة الفردية». وإذا استمرت هذه الحالة فإنها ستكون من أكبر العوائق التي تحول دون الإسهام في تحقيق هدف الوحدة؛ إذ أن ترك ترتيب الأولويات لا يقتصر على هذه المؤسسة أو تلك المنظمة بمفردها، وإنما ينصرف أيضاً إلى الأمة في مجموعها، لهذا اعتبر علماء السلف أن «ترك الترتيب للقربات والخيرات من جملة الشرور»، وقالوا أيضاً «لا يكفي كون الفعل من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت والشرط والترتيب» (الغزالي: إحياء علوم الدين، القاهرة: دار الشعب، ج1، ص 72(. وفي هذا السياق فإن من أهم التوجهات السائدة لدى مؤسسات المجتمع المدني وتحتاج إلى إعادة
نظر الآتي:
أـ غلبة النمط الفردي في العمل الخيري وغياب الثقافة المؤسسية، والواجب هو تنمية قيمة العمل الجماعي والممارسة الشورية داخل المؤسسات والتنظيمات الأهلية وفيما بينها؛ ليس فقط على مستوى كل قطر من الأقطار، وأنما على المستوى الإقليمي العربي والإسلامي.
ب – شيوع ثقافة التبرير والاعتذار للتغطية على الممارسات غير الصحيحة، والواجب هو ممارسة النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء التي أدت إلى تقوقع مؤسسات العمل الأهلي على ذاتها وداخل الحدود القطرية الضيقة، والعمل على تجاوز هذه الحالة، والاهتمام بغرس روح التعاون والتكامل بين مختلف المؤسسات، والإصغاء للرأي والرأي الآخر، وممارسة الشورى والالتزام بما يجمع عليه رأي الأغلبية، وهذا هو أقصر الطرق العملية نحو هدف الوحدة الشاملة بين مختلف شعوب الأمة.
ج – غلبة الميل إلى الأعمال الإغاثية المؤقتة، والواجب هو أن يجري التركيز على المشروعات التنموية المستدامة بدرجة أكبر من الأعمال ذات الطابع المؤقت. وكلما زاد حجم المشروعات التنموية وتحسنت نوعياتها وارتبطت بقضايا ومشكلات عامة مثل مشكلات الفقر والبطالة والمرض، زاد دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق وحدة الأمة عبر الإسهام الفعال في حل مثل هذه المشكلات التي استعصت على الحلول الفردية المنعزلة عن بعضها.
5- مدخل التدريب وبناء القدرات الذاتية
لهذا المدخل أهمية كبيرة في تطوير مؤسسات المجتمع المدني بصفة عامة، وفي توجيهها نحو التكامل والتعاون بما يخدم هدف وحدة الأمة بصفة خاصة. وقد كشفت الدراسات الميدانية الحديثة في هذا المجال عن وجود نقص حاد في عدد الخبراء المختصين بالتدريب والتأهيل في مجال العمل الأهلي بصوره المختلفة، كما كشفت تلك الدراسات عن غلبة المكون الأجنبي على المحلي في عملية التدريب وما تحتاج إليه من عناصر مادية وبشرية؛ الأمر الذي ينعكس سلبياً على أداء المؤسسات والمنظمات من كافة الجوانب؛ بما في ذلك الجانب التنسيقي أو التعاوني الذي يصب باتجاه هدف وحدة الأمة والتكافل بين شعوبها.
وفي تصورنا أن هذه الحالة السلبية بحد ذاتها توفر فرصة كبيرة لتفعيل القدرات الذاتية عبر التنسيق والتعاون بين مراكز البحوث ومعاهد التدريب العربية والإسلامية، وأن تنهض هذه المراكز والمعاهد بتطوير برامج تدريبية مشتركة عالية المستوى من جهة، وأن تقوم بتأهيل وتخريج كوادر متخصصة في هذا المجال وفقاً لرؤية عربية إسلامية شاملة من جهة أخرى. وبذلك يمكن الإسهام في سد النقص الحاصل في هذا الميدان الحيوي، والقضاء على التأثيرات السلبية للعنصر الأجنبي الذي يعمل وفقاً لأولوياته الخاصة التي لا تتفق بالضرورة مع أولوياتنا، بل ربما تصادمت معها بقصد مسبق وبوعي كامل.
إن التدريب والتأهيل ضمن الإطار العام الذي أشرنا إليه يدعم بالضرورة مؤسسية المجتمع المدني/ الأهلي في البلدان العربية والإسلامية، و«المؤسسية» هي واحدة من الطرق المؤدية إلى الوحدة؛ شأنها شأن العملية التربوية والتعليمية وشأن وسائل الإعلام وأدوات التثقيف العام التي تأخذ هذا الهدف بحسابها، وشأن التشريعات القانونية التي تتخذ من المقاصد العامة للشريعة مرجعية عليا لها.
* - الدكتور السميط، باحث من الكويت.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• دور مؤسسات المجتمع في التقريب   (بازدید: 1819)   (موضوع: )

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]