banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

رحلة إلى كعبة الحبيب
ثقافتنا - العدد 12
عرفان
علي اللّهوردي خاني
1427

«ملخّص»
المؤمنون الحقيقيون أصحاب إيمان ويقظة ووعي، وذوو مواقف عادلة منصفة، بعيدون عن الإفراط والتفريط، فازوا في ساحة الجهاد مع النفس ودعوا الناس إلى الدخول في ساحة الجهاد هذه . معيارهم في السعادة هو مدى ما قطعوه من أشواط على طريق الكمال على جميع أبعاده الإنسانية. وهذه العلامات الظاهرية والباطنية لابدّ أن تظهر على الإنسان كي يكون مؤمناً والاّ كان الادّعاء سطحياً.

الايمان نموّ البذور الالهية
الإيمان زاد السفر لسالك طريق الحقّ سبحانه، السالك لا يستطيع أن يواصل طريقه ويبلغ مقصده دون ثبات على الإيمان، والثبات على الإيمان هو حصول حالة الجزم. ومالم يقترن الجزم بالإيمان لا يتحقق طلب الكمال.
الإيمان في كل شخص عبارة عن الارتباط بخالقه وفق ما قررته النصوص الدينية. الإيمان تحرّك بذور الحقيقة ونموّها، تلك البذور التي أودعت بيد الزارع الأزلي في مزرعة قلب الإنسان، غير أنها بحاجة إلى إرواء ورعاية ومراقبة. فعملية النموّ والإثمار ترتبط بالإنسان نفسه.
البذور الإلهية في داخل الإنسان هي عبارة عن «الله» بأوصاف جلاله وجماله المطلقة، وبإشرافه وهيمنته على العالم، وبارتباطه بالإنسان بواسطة العامل الداخلي أي العقل والوجدان، والعامل الخارجي أعني الأنبياء والأوصياء ومن يخلفهم من الأولياء والعلماء الإلهيين.
من أراد الارتباط بربه، فلابد أن يتمسّك بعروة الأنبياء والأوصياء وأهل الله، والاستفادة من توجيهاتهم، وإلاّ كان ارتباطه بالله ناقصاً نقصانا شديداً، بل كان محالاً. من انفصل عن هدي النبوّة في الإيمان لا يحصل إلاّ على أوهام يحسبها إيماناً ، ولكن بذور الإيمان في داخله لم تتحرك ولم تَنْمُ، إذ إن هذه الحركة تتحقق باستقبال كلام عظماء الدين لا غير.
أولياء الله أشخاص تعهّدوا بذور الحقيقة في نفوسهم بالإرواء والرعاية وبلغوا بها مرحلة النضج والكمال والإثمار، وهم يقدّمون هذه التجربة الثمينة لطلاّبها، لكن استقبالها يحتاج إلى أذن واعية، والى عزيمة لقطع مراحل الكمال بالإعراض عن الأهواء النفسية والجواذب الماديّة، وبالعلم والعمل والتقوى.
استقبال كلام عظماء الدين تمنح الطالب سعة في أفق التفكير والتعقّل، وتضيّق دائرة الميول النفسية والشهوية، وتعطيه قدرة محاسبة الأعمال واتضاح الصحيح والخطأ منها، وبهذا يحصل السالك على توفيق طاعة الله ورسوله وأوليائه وعلى قدرة تبديل الأمور النفسية والصفات الحيوانية إلى أمور وصفات عقلية، واجتناب الأمور غير الإلهية، ومواصلة طريق التكامل.

علائم للإيمان
الاسلام دين السلام، ومن معاني الإسلام الدخول في السلم، السلم في داخل الإنسان والسلم في علاقة الإنسان بالإنسان الآخر. المسلم الحقيقي يجب أن يرى ثمار عمله بالإسلام متمثلة في الشعور بالسلام والأمن في داخله، بحيث يطمئن بأنه يسير وفق سنن الطبيعة، وبحيث يشعر الآخرون بالأمن والاطمئنان في التعامل معه، ويأمنون من غدره وخيانته.
والإيمان أسمى من الإسلام، والمؤمن من ظهرت علامات الإيمان عليه ومنها: الصبر والانضباط والسيطرة على النفس أمام تحديات الانحدار. مثل هذا الإنسان يتحلّى بالتقوى طبعاً، وقلبه منزّه من المعاصي، ولا يهمّ بارتكاب المحرّمات. مثل هذا الإنسان يدأب ليل نهار على كسب رضا الله سبحانه وتحصيل الحقائق وكسب العلوم والمعارف الحقّة هؤلاء لا يفوّتون فرصة إلاّ ويفتحون فيها قلوبهم لنداء ربّ العالمين.
المؤمنون الحقيقيون أصحاب إيمان ويقظة ووعي، وذوو مواقف عادلة منصفة، بعيدون عن الإفراط والتفريط، فازوا في ساحة الجهاد مع النفس ودعوا الناس إلى الدخول في ساحة الجهاد هذه . معيارهم في السعادة هو مدى ما قطعوه من أشواط على طريق الكمال على جميع أبعاده الإنسانية. وهذه العلامات الظاهرية والباطنية لابدّ أن تظهر على الإنسان كي يكون مؤمناً والاّ كان الادّعاء سطحياً.
ما يصدر عن أهل القلوب والعرفاء من كلام يشكلّ دلالة من دلالات مراتبهم المعنوية. أضف إلى ذلك أعمال هؤلاء تدلّ أيضا على إيمانهم، فهم قد بلغوا درجة يشعرون فيها بلذّة طاعة الله وبمرارة معصية الله، فهم لذلك بعيدون عن المعاصي كل البعد.
في الإنسان المتكامل يبلغ الإحساس باللذة المعنوية ذروته، ويكون الفرد حينئذ قد أدرك الجمال المطلق، وأين الجمال الجزئي من ذلك الجمال المطلق؟!

حسن الفاعل وحسن الفعل
لابدّ لمن يريد أن يطوي مسير تكامله أن يوفّر شروط هذا العزم، والعرفاء يسعون لتوفّر هذه الشروط ويدعون الآخرين لتوفيرها في أنفسهم، والشروط هي تحقق الركنين: الإيمان والعمل الصالح. وبدون توفّر هذين الشرطين لا يمكن أن تكون بقية شروط المسيرة فاعلة.
الإيمان والعمل الصالح يعني مجموعة ما يجب أن يتوفر في الفاعل وفي الفعل من صفات الحسن. فهي في الفاعل التحلّي بالروح الطاهرة وبالإيمان بما أنزل الله، وهي في الفعل أن تكون حسب منهج الشريعة. من هنا فإنّ شرط النجاح في الوصول إلى المقصود أن يكون عمل الإنسان منطلقاً من إيمان ومعرفة، ومنسجماً مع تعاليم الوحي والرسالة. وهذان الركنان هما معيار قبول العمل عند الله سبحانه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ( (فاطر:10).
بين العالم العلوي وقلب العبد طريق: الحق سبحانه يغدق فيضه من الملكوت الأعلى على روح الإنسان، وهذا الفيض يصل من الروح إلى القلب ، ومن القلب إلى النفس، ومن النفس يتبلور هذا الفيض في صورة العمل المطلوب.
وإذا صدر عن الإنسان عمل ظلامي، فإنه يؤثر على النفس، ومن النفس تنتقل كدورة إلى القلب، ومن القلب تصدر غشاوة تغطّي الروح، وبمقدار سُمك هذه الغشاوة ينسدّ طريق الروح إلى عالم الغيب ويضعف الانشداد بهذا العالم.
القادرون على انتخاب طريق الحقّ سبحانه واجتياز مراحل هذا الطريق هم الذين يمتلكون القدرة الروحية، فالاقتدار الجسمي وحده لا يجدي نفعاً، بل إن قدرة الإنسان في هذا المسير تتناسب مع مستوى قدرته الروحية.
يتوقف مقام الإنسان ومنزلته عند الله على درجة معرفته وإيمانه وعمله، والإيمان إن لم يقترن بالعمل الصالح فهو إيمان مجازي وليس بذي فائدة.
فالإيمان لابدّ أن يتجلّى بالعمل. إنّ غير العامل أو المتردّد في العمل لم يطوِ مراحل الإيمان والكمال. لو راجع إنسان طبيباً حاذقاً لكنه لم يعمل بتوصياته مع علمه بما يلحقه عدم العمل من أضرار، فإن إيمان هذا الفرد بالطبيب مجازياً وإلاّ كفّ عمّا نهاه الطبيب. وكلّما كان الإيمان أعمق كانت مرحلة التقوى أسمى، لأنّ الإيمان الكامل مقترن بالورع والتقوى حتماً.
قيل إن بلوغ الإيمان حدّ كماله يحصل في حالتين:يحصل لدى الأنبياء والأوصياء والأولياء الواصلين، والموت لدى هؤلاء لا يزيد في يقينهم، لأنهم وصلوا إلى هذا اليقين في حياتهم، ولقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لو كُشِف لي الغطاء ما ازددت يقيناً»(1) . والحالة الأخرى تشمل أغلبية المؤمنين، فهم بوفاتهم تنكشف أمامهم الحقيقة بكاملها ويصلون إلى درجة اليقين، لكنّ هذا اليقين لا يدفعهم إلى حركة تكامليّة، لأن القدرة الروحية للإنسان تنشأ عن عمله الإلهي، وعالم الآخرة ليس عالم تكليف وعمل. في العالم الأخروي قدرة الإنسان ناشئة عما حصل عليه من تعليم وتعلّم، وتزكية نفس، ورياضة ومجاهدة وعبادة وطاعة في الدنيا، من هنا كانت الدنيا هي الفرصة الوحيدة للإنسان كي يستثمرها أفضل استثمار وأن لا يفرط فيها أبداً.
بشأن ارتباط الإيمان والعمل الصالح روي عن الرسول (ص) قوله: «لا يستقيم إيمان أحدكم حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم عمله»(2) .
أعمال العارفين قائمة على أساس من الوحي والرسالة. وهؤلاء يقدّمون مشروع الرسالة الإسلامية وحقيقة الإسلام بأعمالهم. لكن أنصاف العلماء لا يعدو الإسلام أن يكون لقلقة على لسانهم دون أن يتجسّد في أعمالهم.
المفارقة بين الأقوال والأعمال هي السائدة بين المسلمين اليوم مع الأسف. الظواهر هي السائدة لكنّ الواقع يدلّ على عدم الالتزام العملي بالرسالة. من مظاهر عدم الالتزام هذا التخلّف المشهود في عالمنا الإسلامي على صعيد العلوم والتقانة والتطوّر. نحن ندّعي بأننا خير أمة أخرجت للناس، لكننا محتاجون في كل أمورنا إلى غيرنا. لا يمكن أن ندّعي الإسلام بينما نحن لم نسع حثيثاً على طريق الاكتفاء الذاتي ببحوثنا وبإنتاجنا العلمي.
الإسلام أمرنا أن نطلب العلم ولو بالصين، وأن نأخذ الحكمة ولو من لسان غير مسلم، لكنّ شعورنا بالتعالي والتورّم في ذاتياتنا يمنعنا من استيعاب فكر الآخر والانفتاح عليه والاستفادة من تجاربه.

يوم اليقظة
يوم اليقظة هو اليوم الذي يتحرر الإنسان من ذاتياته بالتفكير والتعقّل. وكم هم الذين قضوا عشرات السنين من عمرهم في العبادة، لكنّ هذه العبادة لم تزدهم إلاّ تكريساً لذاتياتهم، فلم ينتقلوا من الظواهر إلى البواطن ولم يبلغوا درجة الوصال والسجود الحقيقي.
في الكون مالا يحصى من الظواهر التي تدعو الإنسان إلى هذا السجود الحقيقي لكنّ كثيراً من الناس يمرون عليها غافلين، ثم ينقضي عمرهم وهم مغبونون.
المستبدون الغارقون في ذاتياتهم مثل رجل يفقد بصره بالتدريج حتى يصاب بالعمى الكامل: ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ( (البقرة:18) والعالم غير المتحرر من ذاتياته هو ركام من المعلومات لا تجديه نفعاً ولا تجدي الآخرين.
مثل هؤلاء الأفراد يغلب عليهم التقليد، ويبتعدون عن البصيرة. يخالون أن الاشتغال بعلم الكلام مثلاً يؤدّي إلى اليقين بينما لا يزيدهم هذا الانشغال إلاّ ابتعاداً عن الهدف إذا لم يكن مقروناً بتحوّل القلب والروح.
طبعاً هذا لا يعني الدعوة إلى ترك علوم الاستدلال والبرهان، فالقرآن يشير إلى أن المنطق يجب أن يكون مدعوماً بالبرهان إن كان صادقاً: (هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( (البقرة:111) هدفنا هو التأكيد على أن أخذ الدليل الظاهري دون تفكير وتعقّل إلهي يؤدّي إلى تكريس الذاتية وتضخّمها.
حين يتحرر السالك من التقليد ويرتقي إلى الإيقان، يقذف الله نوراً في قلبه يرى به المعلومات والمعقولات بصورة واضحة مضيئة مثلما تشاهد العينُ المحسوسات. يشير الرسول(ص) فيما يروى عنه إلى هذا النور فيقول: «إنّ النور إذا دخل في القلب انفسح له وانشرح» . سُئل عن علامة ذلك فقال: «التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله».

منبع القوى الروحيّة
قوة الإيمان منبع القوى الروحية الخلاّقة في الإنسان، وبدونها لا يمكن أن يكون لباقي القوى الروحية عطاء. فالقوى الروحية لا يمكن الإحساس بها بالحواس الظاهرية، االوسيلة الوحيدة لإدراك كمالها هي قوة الإيمان لا غير. قوة الإيمان، بما تغرسه من اعتقاد قوي في قلب الإنسان، تجعل الفرد قادراً على التمتع بسائر القوى الروحية.
قوة الإيمان تسمو بالإنسان إلى ساحة جمال الروح، وتزيح الستار عن بهائها، فيتلمّس قدرتها الباهرة،وينهل من عطائها الحياتي.
قوّة الإيمان تدعم القوى الروحية الخلاّقة متى ما احتاجت إلى هذا الدعم. ربما تواجه حواس الإنسان أموراً تؤدّي إلى بلبلة في ذهن الإنسان وتشويشاً، عندئذ تسرع قوة الإيمان لتتدارك الأمر وتزيل آثار الشكوك والشبهات. من هنا فإن الذي يعتري إيمانهم خلل يعيشون في حالة قلق واضطراب وفقدان الشعور بالسعادة.
قوة الإيمان تزيل المظاهر السلبية كالخوف والشك والترديد. وليس شيء أضرّ على حياة الإنسان من الخوف، إذ إنه يؤثر مباشرة على مصير الفرد ويضعف إرادته ويجعله منطوياً على نفسه ومتردداً وخجولاً دونما داع لذلك. الشك والترديد أيضا سم مهلك ببعد الفرد عن روح العشق والمثابرة والإقدام.

أفول نور الإيمان
كمال الإنسان له علاقة مباشرة بنموّ العلم والإيمان فيه. القرآن يكرر التأكيد على العلم والإيمان باعتبارهما معياراً لكمال الأفراد ومكانتهم عند الله سبحانه. ومن أوتي العلم والإيمان فقد أوتي الرفيع من الدرجات: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ( (المجادلة:11).
وإذا ما ابتُلي الإنسان بمرض الأنانية والذاتية وعبادة الدنيا يضعف إيمانه ويفقد عقله ووعية، ويصاب بالعمى الداخلي، وتنعدم عنده قدرة التمييز بين النفع والضرر والتفريق بين الحق والباطل، وبين الجميل والقبيح.
نعم، بضمور نور الإيمان في القلب، يأفل معه أيضاً نور الحقيقة وقدرة التسامي في الحياة. وتصبح كلمة الحق غير مؤثرة فيه ولو ألقيت عليه بأفضل الأشكال وأوضح الأساليب. ولقد شهدت ساحة كربلاء مثل هؤلاء العميان الذين خاطبهم الحسين(ع) بأبلغ عبارة، وبذل لهم النصح، فما كان جواب القتلة إلاّ أن قالوا: «ما نسمع ما تقول».
هذه الحالة التي اعترت هؤلاء القوم القساة لم تحدث فجأة، بل كانت نتيجة إهمال طويل لتنمية القوى الروحية الداخلية، وحين جاءت ساعة الامتحان تبلورت هذه النتيجة في فشل ذريع أمام الإرادة، وسقوط في جريمة نكراء.

الإيمان الظاهر والباطن
الإيمان جزءان: إقرار باللسان ، وتصديق بالجنان. والإقرار باللسان وحده ليس بكاف. يقول سبحانه: ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ( (الحجرات:14) كما أن استيقان النفس وحده ليس بكاف، ولابدّ أن يكون الموقف العملي مطابقاً لما استقرّ في النفس، وفي حقّ أولئك الذين يفترق موقفهم العملي عن استيقانهم يقول سبحانه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ( (النمل:14).
كما أن الإيمان القائم على الظنّ والحدس وعلى تقليد الأسلاف ليس بنافع، ويذمّ القرآن هذا الإيمان الضعيف الذي يقوم على الانفعال بالجوّ السائد: ويقول على لسان هؤلاء المقلدين: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ( (الزخرف:23).
مما تقدّم نفهم أن الايمان ظاهري وباطني. الإيمان الظاهري: الإقرار والاعتراف بالحقائق والأصول والفروع باللسان الظاهري. والإيمان الباطني: الإقرار بلسان القلب بالأصول والفروع والحقائق والعمل بها. الإيمان الظاهري إن افتقد الإيمان الباطني فهو والكفر سواء.
المؤمن الحقيقي يجب أن يكون عارفاً بذاته وعارفاً بمجتمعه، أي أن يراقب ذاته كي يكون الإيمان راسخاً في أعماقه، ويراقب المجتمع كي يميّز بين المؤمنين الحقيقيين، وبين المتظاهرين بالإيمان الذين هم دائماً مصدر الفتن والمشاكل والتفرقة في المجتمع.
أمير المؤمنين علي(ع) يؤكد في وصاياه على التقوى وعلى الحذر من هؤلاء المنافقين الضالين المضلّين يقول: « أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَ أُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ، فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ، وَ الزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ، يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً، وَ يَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً، وَ يَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ، وَ يَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ، قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ، وَ صِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ، يَمْشُونَ الْخَفَاءَ، وَ يَدِبُّونَ الضَّرَاءَ، وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ، وَ قَوْلُهُمْ شِفَاءٌ، وَ فِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ، حَسَدَةُ الرَّخَاءِ، وَ مُؤَكِّدُو الْبَلاءِ وَ مُقْنِطُو الرَّجَاءِ، لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ، وَ إِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ، وَ لِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ، يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ، وَ يَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ، إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفُوا، وَ إِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا، وَ إِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا، قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلا، وَ لِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلا، وَلِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلا، وَ لِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً، وَ لِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً، يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ، وَ يُنْفِقُوا بِهِ أَعْلاقَهُمْ، يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ، وَ يَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ، قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ، وَ أَضْلَعُوا الْمَضِيق،َ فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَان،ِ وَ حُمَةُ النِّيرَانِ، أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ»(3).
وعلى السالك أن يبذل الجهد في تقوية العلم والعمل والإيمان، ويبلغ بها درجة الكمال ما استطاع، وبدون ذلك لا يمكن أن يدخل ساحة الجهاد في سبيل الله، أو أن لا يكون لجهاده عطاء.
ويقابل الإيمانَ الكفر، وهو أيضا جليّ وخفيّ. من أنكر أصلاً من أصول الدين أو فرعاً من فروع الدين علناً فقد أعلن كفره. ذلك لأن إنكار أصل من الأصول يخلّ بكل الأصول الأخرى، فإنكار النبوّة يؤثر دون شك على كل بقية أصول الدين، كما أن إنكار الخمس يؤدي إلى الإخلال بسائر الفروع كالصلاة مثلاً التي تبطل باللباس الذي فيه حقٌّ لم يدفعه صاحبه.
والشرك أيضا جليّ وخفيّ . فالجليّ أن يجعل لله شريك علناً، كبعض النحل التي قالت بوجود إله للخير وإله للشر، أو إله للنور وإله للظلمة.
ولئن كان الشرك الجليّ خاصاً بجماعات ذات عقائد خاصة، فإن الشرك الخفي ذو إطار واسع يشمل كثيراً من الأفراد. من يقدّم رضا الناس على رضا الله في أعمال الخير فقد أشرك شركاً خفيّاً. والموحّد الكامل من استعاذ بالله من كل شرك، ولم يشتر رضا المخلوق بسخط الخالق. وعلى السالك أن يكون دقيقاً في تعامله مع نفسه ومع غيره كي لا يصاب بتبعات الشرك الخفي.

الذاتية، رؤية مشركة
من أقسام الشرك، عدم معرفة الخالق على مستوى مافي الإنسان من طاقات ومن قوة معرفية. من كرّس نفسه في إطار المصالح الدنيوية فهو لم يعرف معبودة على مستوى مافيه من قدرة على المعرفة، ومعرفته ضئيلة. مثل هذا الفرد ذاتي وأناني، ولا يستطيع أن يتجاوز ذاته في فكره وآماله ورؤيته.
عدم تجاوز الذات في الرؤية يعني عدم التفكير في المصالح الاجتماعية، وينتج عن ذلك سلوك متعارض مع النهج الإلهي، ولا يمكن لمثل هذا الفرد أن يبلغ كمالَه ولا أن يستثمر طاقاته.
إنّما يستطيع الإنسان أن يعرض عمّا سوى الله حين يعرف معبوده على الوجه الأتم، وإلاّ كان توجهه مشوباً بالشرك وكانت آماله منشدّة إلى هذا وذاك.
الإنسان، قبل أن يصل حدّ البلوغ الحقيقي، موجود ضعيف. والدرك الضعيف يعني النظرة الفردية الذاتية قبل النظرة الاجتماعية، والاهتمام بالذات قبل الاهتمام بالغير. ومادام الإنسان لم يرتفع إلى مستوى الرؤية الجماعية ولم يتحلّ بالرؤية التوحيدية، فإن نظرته فردية مشوبة بالشرك.
التوحيد عقيدة البالغين. وكم من الذين بلغوا من العمر عتيّاً لكنهم لايزالون يعيشون عهد الطفولة، هؤلاء، في مقابل الموحّدين ، لم يصلوا سنّ البلوغ، لأنهم لايزالون يحملون خصال الطفولة من ذاتية وفردية. من هنا كان الشعور بالتوحّد مع الغير وبالأخوة من أهم معالم الإيمان والتقوى. من كان همّه أن يكون هو وحده على الحق وهو وحده على الصبر فليس من أهل النجاة، إذ لابدّ أن يكون من المتواصين بالحق ومن المتواصين بالصبر، كما نصّت على ذلك سورة« العصر» .
الإنسان الذي يحصر اهتمامه بنفسه كي ينجو وحده في الدنيا والآخرة ليس من المتقين، وليس من الموحّدين. والتفكير الفردي الذاتي مهما كان لونه فهو نوع من الشرك، ومثل هذا الفرد لابدّ أن تظهر عليه علامات الهلوع والجزوع والمنوع التي تتحدث عنها الآية الكريمة: (إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً( (المعارج:19 - 21) ولاتزول هذه العلامات إلاّ إذا خرج من شركه وذاتياته.
على العكس من ذلك، الخصال الحميدة كلّما كانت أقرب إلى الذهنية الجماعية كانت إلى التوحيد أقرب، حتى أن نظرة السالك ترتقي لترى أن أي ظلم ينزل بإنسان فإنه ظلم بالإنسانية أجمع، وكل خطوة إيجابية لإحياء الإنسان فهي خطوة حياتية لكل البشر:(… أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ( (المائدة:32) .
في داخل الإنسان أودعت خصلتان: خصلة حبّ الذات، وخصلة التفكير الجمعي. وبكيمياء التوحيد تتبدل خصلة حبّ الذات إلى تقوى، وإلاّ أفرزت التكاثر والتفاخر والعدوان. فالنفس قد ألهمت فجورها وتقواها، لكنّ خصلة الفجور تظهر تلقائياً، بينما خصلة التقوى تحتاج إلى رعاية وتعهّد.
وتبقى البشرية في صراع مستمر بين المتقين والفجّار، وبين الموحّدين والمشركين، وبدون هذا الصراع يعمّ الفساد في الأرض: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ ( (البقرة:251).
وإنسانية الإنسان تتحقق – وفق هذه النظرة – في خضمّ خوض هذا الصراع، عندئذ تتصلّب إرادة السالك، وتتّسع آفاق كفاءاته، وتتذلّل مشاكله. مَن أراد أن يواجه الواقع الاجتماعي بذهنية راكدة خامدة فإنه يُبتلى بالأوهام، لأن العالم وما يرتبط بالعالم في حالة حركة مستمرة، والإنسان في مسيرة هذه الحركة والسعي يجعل الله له من بعد عُسر يسراً، راحة الكائن البشري تبدأ من لحظة اشتباكه مع المشاكل، والعسر واليسر مقترنان، ولا يمكن لليُسر أن يتحقق دون عُسر: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً( ومادام السالك لم يتطهّر من الشوائب في أتون المشاكل فإنه لم يصل إلى البلوغ الحقيقي.
اطمئنان القلب يحصل نتيجة الوصول إلى مرحلة البلوغ الحقيقي. ومن طلب البلوغ دون أن يطوي المراحل والرياضة والمجاهدة فهو إنسان يعيش في خيال ذهني.
ضرورة الصدق
من مسلتزمات الإيمان الصدق. فنور الإسلام في الإخلاص، ونور الإيمان في الصدق. من هنا لابد أن يتخذ السالك الصدق والإخلاص شعاراً له في الحياة. والصدّيق من كان الصدق مَلَكته في جميع الأحوال والصفات والأقوال والأفعال. وفي النصوص الدينية: «النجاة في الصدق»(4) ، وكل أسرار النجاة والنجاح كامنة في هذه العبارة القصيرة. تفاصيل هذه العبارة يفهمها أصحاب القلوب اليقظة. فالعلم ليس فيه إجمال، أينما كان ثَمّ علم، فثَمّ التفصيل أيضاً، وفهم معانيه المعنوية والباطنية يتطلب ابتعاداً عن قسوة القلب وظهور حالة الليونة واللطف في الفؤاد.
قال الصديقون: الصدّيق من كان مع الله صادقاً، ومع نفسه مجاهداً، وفي القلب مشاهداً، وفي الروح مُلاطِفاً. النفس بيت الأمانة، والقلب حرم المشاهدة، والروح حرم بيت اللطافة.
من هنا فإن إحدى مراتب الصدق أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه. الروح الإنسانية ميّالة إلى التحرر من القيود الدنيوية والحركة باتجاه الجذبات الإلهية لتستوعب عظمة المطلق.
أما الذي لا يتفهّم هذه الحقيقة ويخدع نفسه بمتاع دنيوي رخيص، فإنه، إضافة إلى خيانته لمجتمعه، يخون نفسه أيضاً: «عبادَ الله إنّ أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربّه وإنّ أغشّهم لنفسه أعصاهم لربّه»(5) .
نعم، في سلّم الخيانات لا خيانة أكبر من الانغماس في الذاتية، ولا جريمة افظع من جريمة خداع النفس.
مَن خدع نفسه فهو في الحقيقة قد ضيّع روحه الإنسانية، ولا يستطيع أحد أن يجد روحه سوى نفس مَن ضيّعها. الهداة يشعلون مصباحاً على طريق الذين ضيّعوا أنفسهم، وتبقى على الإنسان مسؤولية فهم معالم الطريق واجتيازه.
من جلس من حالة استرخاء وبطر، وشغل نفسه بألعاب فكريّة وخيالية لا يستطيع أن يجد علاجاً لآلامه، فهذه الألعاب الشطرنجية تشكل على الألم حجاباً، وتجعل الجرح مزمناً.
من تعلّل بالأعذار أمام الحق سبحانه فقد هرب من نفسه، وماذا يفعل الهداة امام من فرّ من نفسه؟! لا يمكن الوصول إلى الحقّ دون جدّ واجتهاد، والحياة الحقيقية ظاهرة عظيمة لا يتمتع بها إلاّ من أدركها.
الإنسان الذي يقول ولا يعمل، ويلجأ إلى التخيّل والى الأماني الموهومة بدلاً من التفكير والتعقل، ويخدع يومه الراهن بمواعيد مؤجّلة، لا يمكن أن يكون موضع اعتماد الآخرين، ولا يمكن أن يعتمد عليه الناس في حساباتهم الحياتية.
فرار الإنسان من أي التزام إنما هو في الحقيقة فرار من النفس، وهو من أشدّ الأمراض النفسية. إهمال هذا الداء والتغطية عليه بعوامل تخديرية مختلفة لا يجدي نفعاً، إذ سرعان ما تزول هذه العوامل لكن آثاره التدميرية المتمثلة بالغربة عن النفس تظل باقية.
من هنا يتوجّب على السالك أن يلتفت إلى وضعه الروحي، وأن يكون في عملية محاسبة لنفسه باستمرار، وأن يهبّ صادقاً لرفع نواقصه ومعايبه، وأن يجد نقطة بداية الإصلاح في وجوده، وأن يقوّم أعمال الآخرين بنظرة موضوعية واقعيّة، لكنه يجب أن يكون حذراً من الانشغال بعيوب الناس دون الالتفات إلى عيوبه.
من أراد أن يطوي طريق الكمال عليه أن يعلم أنه لا يسلك طريقاً معبّداً، لذلك عليه أن يكون مستعداً وأن يتجهّز بكلّ وسائل التشخيص والدفع الذاتي، إضافة إلى اهتمامه بطهارة النفس وصفاء القلب.
ومن مراتب الصدق الأخرى، الصدق مع الناس، فالتجسّس والتلصّص على أخبار الآخرين يتعارض مع التعامل الصادق مع الغير، ولها أثر في التزلزل الروحي. قد يكون الباعث على هذا اللون من التعامل الحسد والاستئثار بالمصالح المادية وسدّ الطريق على تقدّم الآخرين. وهذه الصفات غير الإنسانية تؤدي إلى حالة من التشاؤم وتزلزل الثقة في المجتمع، وبالتالي إلى صراع ونفاق وتفرقة في الساحة الاجتماعية.
على السالك أن يكون صادقاً مع من يصَدُقه، ومعرفة الصدق في الآخرين تتطلب حالة من الارتفاع والسموّ. وإن وجد في الآخر نقصاً في درجة صدقه فلابدّ من تنبيهه، وإن لم يتنبّه فالسالك غير ملزم بالتعامل الصادق معه.
بعض الأفراد يتظاهرون بالصدق للوصول إلى أهدافهم، فهؤلاء يرون في الصدق وسيلة لاهدفاً، وهؤلاء لا يرون في الصدق قيمة من القِيمَ، بل سلّماً للوصول إلى الأطماع. ومثل هؤلاء يغدرون إن تطلبت مصالحهم ذلك، وهذه ظاهرة مشهودة لعبّاد الدنيا والغافلون عن الآخرة، لأن المؤمن بالحساب لا يغدر: «ما يغدر من عَلِمَ كيف المرجَع»(6) .

الإخلاص ورفع الحُجُب
أمام الطريق التكاملي الإيماني للسالك موانع وحُجُب يسعى السالك لإزالتها من أجل مشاهدة جمال الحق دونما ستار. هذه الحجب هي دون شك من صنع الإنسان، فالله سبحانه قرّر أنه خَلَقَ الجِنّ والإنس ليعبدون، أي ليسيروا في طريق الكمال تجاهه سبحانه، فكيف يضع بينه وبينهم حجباً وموانع؟!
هذه الحجب متنوعة ونكتفي بذكر اثنين منها:
الأول: الحجب الناشئة عن الانحرافات العملية، مثل الانغماس في المعاصي والاستسلام للأهواء والمشتهيات والأنانيات. وهذه الانحرافات تشكل حجاباً معرفياً وتبعد الإنسان عن الله سبحانه.
بل إن أقوى الأدلة على الحق والحقيقة تصبح في نظره باهتة غير ذات تأثير أو محتوى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا
يَسْتَهْزِئُونَ( (الروم:10) .
الثاني: الحجب الناشئة عن تعامل خاطئ مع علوم الطبيعة. فهذه العلوم كلها معالم تشير إلى ما في الطبيعة من نظم وحكمة والى خالقها الحكيم، ولكن قد تتحول هذه المعالم إلى أوثان يقف عندها بعضهم لتكون قاطعة للطريق، بدل أن تكون هادية ومرشدة إلى الله العليم الحكيم.
من هنا يدعو الصالحون أن تكون الآثار مَجلبة للأنوار. يقول سيد الشهداء الحسين بن علي(ع) في دعاء عرفة: «إلهي أمرتني بالرجوع إلى الآثار فارجعني إليك بكسوة الأنوار»(7) .
العقول الناضجة المتربية تأبى أن تكون حبيسة مظاهر الطبيعة بل تتجاوزها لترى ماوراءها. تقرأ في دفتر هذه المظاهر ما يجعلها تواصل حركتها التكاملية نحو اكتشاف الأبعاد الأعمق لهذا الكون، عندئذ ترى جمال الطبيعة وانسجامها وتناغمها وتنطلق منها لرؤية الجمال المطلق.
الانتقال من ظواهر الطبيعة إلى عمقها وما وراءها يتطلب الإخلاص، فبالإخلاص يتلقّى الإنسان المعارف تلقياً حقيقياً يحوّلها إلى كمال ونور «يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده»(8) .
والإخلاص هذا ينبع من إيمان الإنسان بمصدر حوله وقوته، فلا يرى له حولاً ولا قوة إلاّ بمصدر كل حول وقوّة، ويؤمن بكل وجوده أنه «لا حول ولا قوّة إلا بالله».

الهوامش:
* - عارف إيراني. والمقال ترجمة جزء من كتاب مطبوع في جامعة طهران تحت عنوان «سفر به كعبه جانان» سنة 2001م.
1 - بحار الانوار، ج 40، ص 153.
2 - مستدرك الوسائل، ج 9، ص 31.
3 - نهج البلاغة، الخطبة 194.
4 - غرر الحكم ، ص 216.
5 - نهج البلاغة/ 116.
6 - نهج البلاغة، ص 83 .
7 - البحار، ج 95/ ص 226.
8 - مصباح الشريعة، ص 16.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 697)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 702)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 741)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 634)   (موضوع: عرفان)
• رحلة إلى كعبة الحبيب - القسم السابع وا لأخير - 1   (بازدید: 1254)   (موضوع: )
• رحلة إلى كعبة الحبيب - القسم السابع وا لأخير - 2   (بازدید: 1329)   (موضوع: )
• رحلة إلى كعبة الحبيب / القسم الأول   (بازدید: 746)   (موضوع: عرفان)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 634)   (نویسنده: علي اللّهوردي خاني)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 697)   (نویسنده: علي اللّهوردي خاني)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 702)   (نویسنده: علي اللّهوردي خاني)
• رحلة إلى كعبة الحبيب   (بازدید: 741)   (نویسنده: علي اللّهوردي خاني)
• رحلة إلى كعبة الحبيب / القسم الأول   (بازدید: 746)   (نویسنده: علي اللّهوردي خاني)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]