banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

الكواكبي والدين
ثقافتنا - العدد 12
شخصيات
أسعد السحمراني
1427

«ملخّص»
التدين في رؤية الكواكبي عزم على التضحية والفداء في مسيرة جهادية لإعلاء كلمة الله تعالى، ولا يكون مع الضعف والخذلان. ويؤمن أن الاسلام دين الدعوة إلى وحدة الكلمة ونبذ التفرقة، ويرى أن رسالات السماء ثورات إنسانية استهدفت تحقيق شرف الإنسان وكرامته. ودعا إلى نبذ الغلو وممارسة منهج الوسطية. والاسلام دعا المسلمين إلى الأخذ بالأسباب اللازمة إلى تحقيق الرفعة والرقي مقرونين بالمثل وفضائل الأخلاق.

مقدمــة:
السيد عبد الرحمن الكواكبي (1271هـ/1855م - 1320هـ/1902م) عاش في الأمة وأمواج التحديات تتلاطم داخلها وحولها ومن الخارج، فالاستبداد السلطوي من الولاة والحكام مستمد من الاستبداد العثماني العام، والاحتلال طال بعض أجزاء الوطن العربي والعالم الإسلامي من الجزائر وتونس إلى مصر والسودان إلى الهند وسواها، والتخلف سيطر في ميادين العلوم والمعارف والاقتصاد والصناعة وسائر المرافق.
عاش الكواكبي تحدياً ثقافياً حيث بدأ الغزو الأجنبي وانقسم الناس في الأمة إلى ثلاثة اتجاهات:
1- اتجاه انبهر بالوافد الأجنبي، وادّعى أنه لا نهوض للأمة من كبوتها، ولا خلاص لها من مشكلاتها إلا بالاستيراد فكرياً وتقنياً هذا مع هجر التراث والتنكر للدين وهذا ما أسموه لاحقاً: الحداثة.
2- اتجاه وقع بردة الفعل وادّعى أن أي استفادة من الآخر، أو أي انفتاح على الأمم والحضارات - والغرب أساس فيها- إنما يشكل خطراً محدقاً ولا سبيل للحفاظ على الدين والهوية إلا بالانغلاق والجمود، ومطالبة الناس بأن يعودوا إلى السلف يقلدونهم بشكل حرفي رتيب.
3- اتجاه مؤمن مستنير، ومتدين ملتزم ومتمسك بالهوية وثقافة الأمة دون انغلاق ولا جمود، والكواكبي أحد رموزه، وهذا الاتجاه النهضوي كان يدعو إلى الإيمان بلا تعصب أو جمود، وإلى التدين دونما تجارة تتستر بالعامل الديني وإلى التمسك بتراث الأمة وثوابتها دون انعزال، هذا مع الانفتاح على تجارب الأمم وحضارات الشعوب ومنجزاتها للاستفادة منها.
وإذا كنا نتحدث عن الكواكبي في عام تصنيف حلب الشهباء عاصمة للثقافة الإسلامية ولأن الهوية ليست أمراً طارئاً، وإنما كل مدينة وقصبة وناحية في أمتنا العربية تعد عاصمة للثقافة الإسلامية وللإيمان الديني لأن أمتنا جهد رسالات السماء الخالدة وأهلها ينتمون إلى هذه الرسالات وبشكل خاص وشامل ينتمون إلى الإسلام والمسيحية، وأمتنا منصة إطلاق الدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان السليم كما أنها وطن المقدسات وبذلك فهي مقصد الحجاج والزائرين من كل أرجاء المعمورة. لكل هذه العوامل فإن الحديث عن الكواكبي والدين يكون أكثر من ضروري لأن أي مشروع نهضوي في الأمة العربية والعالم الإسلامي لا يستطيع أن يتجاوز الإسلام في العامل السياسي والاقتصادي والتربوي والفكري وأما جانب العقيدة والعبادات فهو أمر خاص بأتباع الإسلام فقط.
وإذا كان الصراع العربي الصهيوأمريكي صراعاً له أكثر من منطلق وبعد ديني فإنه من غير الممكن تحييد العامل الديني في معركة المصير. فالاستعمار الصهيوني الاستيطاني الإحلالي لفلسطين وأجزاء أخرى من الأمة إنما تمّ ويتم بناء لمزاعم توراتية، والالتزام الأمريكي بالمشروع الصهيوني وبمؤامرات الشرق الأوسط الكبير يشكل فيه البعد الأيديولوجي الديني العامل الأبرز في هذه المرحلة والدليل هذا العداء المصرح به من قادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإسلام، وطرح تهمة الإرهاب ضد الإسلام بمناسبة وبدون مناسبة.
لا يزعم هذا البحث - المحاضرة أو الورقة لملتقى حول الكواكبي بأنه أحاط بكل ما طرحه المفكر الإصلاحي حول هذا الموضوع، وإنما يتوقف البحث بأسلوب انتقائي عند بعض المفاهيم والمواقف والاقتراحات التي أوردها الكواكبي في آثاره وأعماله الفكرية.

الديـن والإنسان:
إن الله تعالى فطر الإنسان على التدين فكل إنسان من لحظة اكتمال وعيه يثور في داخله سؤال تقليدي: من صنع الكون وخلقه؟ كيف خلقه؟ ممّ خلقه؟ لماذا خلقه؟ ما المصير والمآل؟. هذه الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الناس هي التي تتحول إلى ما عرّفه العلماء بأنه إسلام الربوبية.
وقد انطلق الكواكبي من هذا المنطلق في تحديد علاقة الإنسان بالدين مؤكداً بأن التدين فطرة، وفي طبيعة كل إنسان حتى المنكر الكافر إنما يكون قد دان بمصدر للكون هو معبوده وإلهه.
قال الكواكبي: «إنّي كنت أيضاً أظن أنه يوجد في البشر أفراد ممن لا دين لهم، وأنّ من كانوا كذلك لا خلاق لهم؛ ثم إن خبرتي الطويلة قد برهنت لي أن الدين بمعناه العام وهو إدراك النفس وجود قوة غالبة تتصرف في الكائنات، والخضوع لهذه القوة على وجه يقوم في الفكر، هو أمر فطري في البشر؛ وأن قولهم فلان دهريّ أو طبيعي هو صفة لمن يتوهم أن تلك القوة هي الدهر أو الطبيعة فيدين لما يتوهم.
بناء على ذلك ثبت عندي ما يقرره الأخلاقيون: من أنه لا يصحّ وصف صنف من الناس بلا دين لهم مطلقاً بل كل إنسان يدين بدين، إما صحيح، أو فاسد عن أصل صحيح، وإما باطل أو فاسد عن أصل باطل. (1)
إن الكواكبي المتعمق في علوم الإسلام، وبالشريعة قرآناً وسنّة انطلق إلى هذا التحديد لفطرة التدين في الإنسان من الآية الكريمة: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ( (الروم:30). فالدين كما أراده الله تعالى أساسه الحنيفية والسماحة؛ أي التوحيد مع الاعتدال والانفتاح ومن حادوا عن ذلك ففسدت عقيدتهم أو انحرفوا إلى مفاهيم شوهاء أساسها الباطل إنما كانوا كذلك بفعل جهلهم بالحقيقة الدينية الخالدة.
يحتاج الأمر أن يقصد المؤمنون إلى الدين الصحيح، وليس المفاهيم المحملة بالأهواء والغايات الخاصة لأن الدين الصحيح يؤمن سعادة الدارين: الدنيا والآخرة. وعند الكواكبي: «فالدين الصحيح كافل للنظام والنجاح في الحال، والسعادة والفلاح في
المآل»(2) .
إن التدين أو التقوى لا يكون بالالتزام بالعبادات، والنـزوع إلى الآخرة كما يشيع بعض المتسلطين الذين يريدون صرف المسلمين عن الاعتناء بالحياة الدنيا، وعن طلب الحرية وممارسة الشورى والحياة السياسية الديمقراطية، والتقوى الحقيقية هي التقرب إلى الله بالفضائل ومحاسن الأعمال بالإضافة إلى العبادات. والتقوى عند الكواكبي: «معنى التقوى، لغة، ليس كثرة العبادة كما صار ذلك حقيقة عرفية غرسها علماء الاستبداد القائلين في تفسير: (عند الله)؛ أي في الآخرة دون الدنيا؛ بل التقوى، لغة هي الارتقاء أي الابتعاد عن رذائل الأعمال احترازاً من عقوبة الله».(3) .
فالإسلام يؤسس للحرية ويحض على الشورى، ويدعو إلى العدل ويتوعد الظالمين ويستنكر الظلم كما أنه دين إلى توحيد الله، ووحدة الصف والكلمة بالتآخي، والشورى الإسلامية تبدأ مع أهل المعرفة والاقتصاص الذي يجمعهم مصطلح أهل الحل والعقد. وعنده: «إن الإسلامية مؤسسة على أصول الحرية برفعها كل سيطرة وتحكّم، بأمرها بالعدل والمساواة والقسط والإخاء، ويحضّها على الإحسان والتحابب، وقد جعلت أصول حكومتها: الشورى الأريستوقراطية، أي شورى أهل الحل والعقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم، وجعل أصول إدارة الأمة: التشريع الديمقراطي، أي الاشتراكي»(4)
وقد استند الكواكبي إلى النص القرآني الذي أصّل لهذه الشورى فقال: «وهذا القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوي حتى في القصص منه؛ ومن جملتها قول بلقيس، ملكة سبأ من عرب تُبّع، تخاطب أشراف قومها»(5): ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ، قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) (النمل:32 - 33).
هاتان الآيتان حوتا من ثوابت الفقه السياسي والاجتماعي معاني كبيرة أولها الشورى وأنها أصل وواجب على كل مسؤول عندما يريد اتخاذ قرار مسؤول وحكيم حيث أنه لن يخيب من استشار، وبعد ذلك تشير الآية إلى امرأة هي الملكة بلقيس مما يعطي بيناً شرعياً واضحاً بأن تولي المسؤولية العامة فيه حق للمرأة كما الحال بالنسبة للرجل ثمّ إن الإنجاز وخوض الصعاب يحتاج من أهل الأمة العزيمة والقوة وبهذا كان جواب قوم بلقيس، ولقد كان الكواكبي مصيباً عندما أعطى هذا المفهوم واستند فيه إلى القرآن الكريم بمثل هذه الآيات البينات.
والتدين عزم على التضحية والفداء في مسيرة جهادية لإعلاء كلمة الله تعالى، ولا يكون التدين مع الضعف والخذلان. وعندما وضع الكواكبي تصوره الإصلاحي في مشروعه: «أم القرى»، واجتمع أعضاء الجمعية المفترضة، وهو بينهم العضو الفراتي خاطبهم قائلاً: «من كان منكم يعاهد الله تعالى على الجهاد في إعلاء كلمة الله والأمانة لإخوان التوحيد أعضاء هذه الجمعية المباركة فليجهر بقوله: على عهد الله بالجهاد والأمانة، ومن كان لا يطيق العهد فليعتزلنا»(6) .
لقد انطلق الكواكبي بالمسيرة من حيث يجب لأن من افتقد عامل الأمانة والقوة ولم يكن عنده استعداد للعطاء والتضحية لا يصلح لإكمال المسيرة، ولا للسير فيها. وإذا حاول الدارس تأصيل ذلك قرآنياً وجد أن الله تعالى قد قال ذلك بلسان إحدى ابنتي شعيب، وقول الله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ
الأَمِينُ( (القصص:26).
الفُرقـة مذمومـة:
يؤكد الكواكبي على أن الإسلام دين التوحيد، ودعوة لتوحيد الكلمة بعيداً من الفرقية والانقسام. فبعضهم أحلّ المذهب والفرقة والطائفة مكان الدين، وهذا ليس من الدين. فالدين الشجرة والأصل والمذاهب ثمار مفيدة عندما تكون فروعاً في الكل وفي الإطار الديني الواحد الموحد. فكل أهل الإسلام يجب أن يجتمعوا صفاً واحداً امتثالاً لأمر الله تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا((آل عمران:103) .
قال الكواكبي: «ثم أيها الإخوان: أظنكم كذلك تستصوبون أن نترك جانباً اختلاف المذاهب التي نحن متبعوها تقليداً، فلا نعرف مآخذ كثيرة من أحكامها، وأن نعتمد ما نعلم من صريح الكتاب وصحيح السنّة وثابت الإجماع، وذلك كيلا نتفرق في الآراء وليكون ما نقرره مقبولاً عند جميع أهل القبلة.» (7) .
إن الأعداء والشيطانيين يعملون لزرع الفتن ونشر الفرقة كان ذلك ولا يزال وسيبقى سبيلاً للمؤامرات، وها هو واقعنا اليوم والعدو الصهيوني والأمريكي لم يجد سوى زرع الفرقة وبث روح التعصب المذهبي ليجعل الناس في حالة اقتتال بغيض ومقيت، والكل يذكر قول جورج بوش بعد 11/9/2001: «سنجعل الإرهابيين يواجهون بعضهم بعضاً»، وكذلك خط المستعمر والعدو زمن الكواكبي حيث أراد الأعداء أن يمكنوا أتباعهم من الحكام المستبدين من المضي في سلطانهم وتسلطهم من خلال زرع التفرقة بين أبناء الأمة. وبشأن ذلك يقول الكواكبي: «وأقل ما يعينون به الاستبداد تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضاً، فتتهاتر قوة الأمة ويذهب ريحها فيخلو للاستبداد ليبيض ويفرّخ، وهذه سياسة الإنكليز في المستعمرات لا يؤيدها شيء مثل انقسام الأهالي على أنفسهم وإفنائهم بأسهم بينهم بسبب اختلاف في الأديان والمذاهب»(8) .
يدعو الكواكبي لوحدة المسلمين، ويدعو لرفض كل طرح انقسامي أو فئوية تعصبية، فذلك مخالف لدين الله، ومذهب لقوة الأمة وإضعاف لها، وكسب للأعداء. ولا يكتفي بذلك بل ينتقل إلى وجه آخر من وجوه معالجة داء التفرق المذموم حيث يدعو العرب غير المسلمين إلى رص الصف القومي مع المسلمين في وحدة وطنية راسخة لرد كيد الأعداء الذين يريدون الشر بالأمة من خلال الفتنة التي قال الله تعالى عنها بأنها أشد أو أكبر من القتل.
يخاطب الكواكبي داعياً إلى الوحدة الوطنية والقومية فيقول: «يا قوم: وأعني بكم الناطقين بالضاد غير المسلمين، أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد، وما جناه الآباء والأجداد، فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين، وأجلّكم من أن لا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون»(9) .
إن الطائفية والمذهبية وسائر أشكال التعصبات الرديئة تعد معدلاً يفتّ من قوة الأمة، ويلقيها في أتون نار الافتراق والتخاصم والتنازع المقيت لهذا وجه الكواكبي نداءه قائلاً: «يا قوم: وأريد بكم شباب اليوم رجال الغد، شباب الفكر رجال الجد، أعيذكم من الخزي والخذلان بتفرقة الأديان؛ أعيذكم من الجهل، جهل أن الدينونة لله، وهو سبحانه ولي السرائر والضمائر»(10) .
إننا اليوم حيث العدوان الصهيوأميركي الكبير والخطير على أمتنا نحتاج الإصغاء إلى نداء الكواكبي في كل قطر عربي وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي، نحتاج أن نبعد عن صفوفنا الفرقة كي نحفظ وحدتنا ونحق عزتنا، وقد جاءنا الخطاب الإلهي فيه قوله تعالى:( وَلا تَنَازَعُوافَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ( (لأنفال:46).

الدين والسياسة والإستبداد:
إن الإسلام ورسالات السماء عموماً كانت ثورات إنسانية إستهدفت شرف الإنسان وكرامته، وكان الشرع محدداً لمقاصد تدور كلها حول الإنسان المستخلف في الأرض، وأنه الإنسان المكرم دون سائر المخلوقات.
وإذا كان بعض السياسيين، وبعض السياسات، قد إستغلوا الدين ليحققوا أهدافهم، وليستبيحوا الحرمات والسنن فإن ذلك أمر طارئ ومنافٍ لجوهر الدين وطبيعته. وفي الحديث عن مقولة الارتباط بين الديني والسياسي في البعد الديني قال الكواكبي: «تضافرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، والبعض يقول إن لم يكن هناك توليد فيهما أخوان أبوهما التغلب وأمّهما الرياسة، أو هما صنوان قويان بينهما أنهما حاكمان أحدهما في مملكة الأجسام والآخرين في عالم القلوب. والفريقان مصيبان في حكمهما بالنظر إلى مغزى أساطير الأولين والقسم التاريخي من التوراة والرسائل المضافة إلى الإنجيل، ومخطئون في حق الأقسام التعليمية الأخلاقية فيهما، كما هم مخطئون إذا نظروا إلى أن القرآن جاء مؤيداً للاستبداد السياسي.» (11) .
هناك لفتة مهمة في هذا النص حيث يظهر الكواكبي عالماً دقيق الملاحظة فإنه يميّز بين منظومة القيم الأخلاقية وهي واحدة في رسالات السماء جميعاً وهي محققة لكرامة الإنسان محاربة للظلم والفساد والطغيان، وبين الإضافات البشرية التي تأتي حاملة لمفاهيم بشرية، ومقاصد يرمي إليها من كتب النصوص. والمعلوم أن كتاب العهد القديم والتوراة أحد أقسامه صاغوا المحطات التاريخية مع إسقاط الرؤية اليهودية المشحونة بدفائن نفوسهم وحالات أهوائهم وغاياتهم، والعهد الجديد المسيحي بعد أناجيله الأربعة فيه الرسائل وهي برأي الكواكبي تحوي ما يبرر التسليم بالأمر الواقع والخضوع للظالم أما كتاب الله القرآن الكريم فإنه يؤكد في آياته البينات على أن الله تعالى يأمر بالعدل وينهي عن الظلم ويتوعد الظالمين، ويتوعد من يسكت عن الظلم والظالمين، والآيات في ذلك كثيرة منها قوله تعالى:(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ( (هود:113).
أراد الكواكبي أن يبين خطر تواطؤ علماء الدين مع المستبد لأنهم بذلك يعينونه على ظلمه، ويجتهدون في صوغ المبررات التي توهم العامة بأن ما يفعله من تعسف وتجاوزات هو حق له. وكان الأصل أن يكون العالم ناصحاً للسلطان ومرشداً يعينه إن أحسن، ويطلب منه الكف عن الظلم والفساد إن جنح وانحرف.
وينبه الكواكبي إلى حالة عاشتها أوروبا، وكانت عند بعض سلاطين وولاة الحقبة العثمانية وسواهم ممن اتخذوا بطانة تحاول أن تزعم حقاً إلهياً لهؤلاء المستبدين، وقد يصل الأمر ببعض الأعوان من المرتزقة أن يعينوا الظالم على زرع الفرقة وتبرير الانقسام، وهذا أمر نشهده هذه الأيام حيث نجد بعض الغلاة والمتطرفين قد وظفوا جهودهم مع الطاغية العالمي الأمريكي والأجنبي، ويعملون تمزيقاً وزرعاً للفتن انطلاقاً من فئويات ومذهبيات رديئة وأفهام عقيمة وبذلك هم مسخرون لخدمة الأعداء. وبشأن استقواء المستبد برجال الدين المزيفين يقول: «إنه ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله، ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله، وأول ما يعينون به الاستبداد تفريق الأمم إلى مذاهب وشِيع متعادية تقاوم بعضها بعضاً.» (12)
وإذا كان الكواكبي صاحب مشروع إصلاحي نهضوي، وهذا يقتضي تشخيص أسباب التخلف والركود والفتور فإنه يجد في العلماء الذين يشترون بدينهم دنياهم السبب الرئيس، فيقول: «إنّي أرى أن السبب الأكبر للفتور هو تكبّر الأمراء، وميلهم للعلماء المتملقين المنافقين، الذين يتصاغرون لديهم، ويتذللون لهم، ويحرّفون أحكام الدين ليوفقوها على أهوائهم»(13)
تأسيساً على ما تقدم يجد الكواكبي أن الإصلاح الديني هو المقدمة الطبيعية للإصلاح السياسي، وأن الإصلاح الديني هو السبيل الأسرع، والطريق الأقصر إلى الإصلاح، ويقول: «إن كل المدققين السياسيين يرون أن السياسة والدين يمشيان متكاتفين، ويعتبرون أن إصلاح الدين هو أسهل وأقوى وأقرب طريق للإصلاح السياسي» (14

المتطرفون والمدلسون باسم الدين:
عانى الكواكبي ومعاصروه من الغلو والتطرف، ومن ممارسات تبعد بأصحابها عن منهج الوسطية، وعن المنهج الرباني الذي جاء فيه قول الله تعالى: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( (الحج:78) .وقد تصدى للمهمات أشخاص إما متنطعون متشددون وإما متساهلون أكثر من اللازم، ومنهم قبيل كان يرغب بصحبة السلاطين والولاة والتقرب إليهم ولا يجد مانعاً من إخضاع المفاهيم الدينية لأهوائه وأهواء من يواليهم، وهؤلاء سمّاهم الكواكبي: العلماء المدلسين، أو المتمجدين.
لقد حدد الكواكبي في مشروعه النهضوي المعنون: "أم القرى" أسباب الفتور، وعندما وصل إلى حصر الأسباب الدينية للفتور ذكر بينها ما يلي:
- الذهول عن سماحة الدين وسهولة التديّن بها.
- تشديد الفقهاء المتأخرين في الدين خلافاً للسلف.
- تشويش أفكار الأمة بكثرة تخالف الآراء في فروع أحكام الدين.
- إدخال العلماء المدلسين على الدين مقتبسات كتابية وخرافات وبدعاً مضرّة.
- إدخال المدلسين والمقابرية على العامة كثيراً من الأوهام.
- التعصب للمذاهب ولآراء المتأخرين وهجر النصوص ومسلك السلف.
- تكليف المسلم نفسه ما لا يكلفه به الله وتهاونه فيما هو مأمور به»(15)
إن مراجعة هذه النقاط وهي بعض ما جعله الكواكبي من الأسباب الدينية للفتور تبيّن لنا كيف شكّلت وتشكل مثل هذه الأمور في كل مرحلة حتى يومنا هذا معاول هدّامة تركت تأثيراتها السلبية ولا تزال.
فالذهول عن سماحة الدين خروج عن منهجه القويم، ومثل ذلك يقود أصحابه إلى حالة طرفية، وإلى سلوك انفعالي لا استقرار فيه، وقد حذّر البلاغ الرباني من ذلك ومن مثل هذا الصنف الذي يهجر الوسطية والسماحة ففي الآية الكريمة: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ( (الحج:11).
يأتي بعد ذلك التشديد أو التهاون، والتشويش الذي يربك الناس ويحيّر الأفهام، ويجعل الحليم حيراناً أضف إلى ذلك فعل بعض المدلسين في الاستيراد والاقتباس لمفاهيم وافدة تحمل معها سموم الفتنة، ودسائس تفسد الوحدة. ويصف في هذا الباب عملية التحذير التي يمارسها بعضهم زاعماً أن نصيب المؤمن هو في الآخرة ولا حاجة للاعتناء بالدنيا. كل هذه الأمور مضافاً إليها التعصبات للمذاهب والفرق هي التي أسهمت في الغفلة والفتور، وزرعت الشك، ونشر البدع، وعطلت دور المصلحين.
وإذا كان الاستبداد داء عضالاً - كما قال الكواكبي- فإن المستبد يعتمد سبيل تزهيد الناس بالأمور الحياتية ويوجههم للانشغال بالعبادات والشعائر دون سائر موجبات الدين أو أنه يقرب العلماء وأصحاب التأثير منه، ويمنّ عليهم ببعض المكاسب ليكونوا عوناً له في قيادة الناس إلى غير الطريق السليم.
قال الكواكبي: «لا يخاف المستبد من العلوم الدينية المتعلقة بالمواد المختصة ما بين الإنسان وربّه، لاعتقاده أنها لا ترفع غباوة، ولا تزيل غشاوة، وإنما يتلهى بها المتهوسون للعلم حتى إذا ضاع فيها عمرهم، وامتلأتها أدمغتهم، وأخذ منهم الغرور ما أخذ، فصاروا لا يرون علماً غير علمهم، فحينئذ يأمن المستبد منهم كما يُؤمَن شرّ السكران إذا خمر. على أنه إذا نبغ منهم البعض ونالوا حرمة بين العوام لا يعدم المستبد وسيلة لاستخدامها في تأييد أمره ومجاراة هواه في مقابلة أنه يضحك عليهم بشيء من التعظيم، ويسدّ أفواههم بلقيمات من فتات مائدة الاستبداد»(16).
ويكمل الكواكبي متحدثاً عن أنواع الأمراض الفكرية لجهة تعليل النفس بما هو ليس من الحق في شيء فيقول: «الأسير المعذب المنتسب إلى دين يسلّي نفسه بالسعادة الأخروية، فيعدها بجنان ذات أفنان ونعيم مقيم أعدّه له الرحمن، ويبعد عن فكره أن الدنيا عنوان الآخرة، وأنه ربما كان خاسر الصفقتين، بل ذلك هو الكائن غالباً. ولبسطاء الإسلام مسليات أظنها خاصة بهم يعطفون مصائبهم عليها وهي نحو قولهم: الدنيا سجن المؤمن، المؤمن يصاب، إذا أحب الله عبداً ابتلاه، هذا شأن آخر الزمان، حسب المرء لقيمات يقمن صلبه، ويتناسون حديث: إن الله يكره العبد البطّال. والحديث المفيد معنى: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم غرسة فليغرسها»(17
إن هذا المسرد من المقولات التنويمية المثبطة للعزائم الداعية إلى الخمول والكسل والتسليم بالأمر الواقع الذي يتداوله البسطاء والضعفاء يمقته الكواكبي الذي فهم الإسلام على أنه عمل وإنجاز وإعمار لا تهاون فيه، ولا تسليم بأمر واقع.
وإذا غادر بعضهم الكسل فإنه يذهب باتجاه اعتماد منهج العسر بدل أن يلتزم منهج اليسر الذي أكد عليه شرع الله تعالى، وبات الشرع عند هذا القبيل وكأنه لائحة محظورات وممنوعات، وكأنه ترهيب ولا محل فيه للترغيب وبذلك يشعرون المسلم وكأنه في سجن، وقد حذر الكواكبي من ذلك قائلاً: «وهكذا بالتمادي عظم التشديد في الدين حتى صار إصراً وانحلالاً، فكأننا لم نقبل ما منّ الله به علينا من التخفيف فوضع عنّا ما كان على غيرنا من ثقيل التكليف».(18)
أما المدلسون فإنهم تمادوا في توظيف الشرع لخدمة أهوائهم أو أهواء من يتقربون لهم، وبات لهم لكل موقع وركن وأداء مفهوم يميلون به عن الحق والحقيقة الإلهية السامية والشريعة التي وجهت وشرّعت من أجل إسعاد الإنسان وكرامته. ولكن عند المدلسين بات الاستغلال واقتناص الفرص والظروف هو السائد، وقال في توصيف المدلسين:
«فهؤلاء المدلسون قد نالوا بسحرهم نفوذاً عظيماً به أفسدوا كثيراً في الدين وبه جعلوا كثيراً من المدارس تكايا للبطّالين الذين يشهدون لهم زوراً بالكرامات المرهبة، وبه حوّلوا كثيراً من الجوامع مجامع للطبالين... وبه جعلوا زكاة الأمة ووصاياها رزقاً لهم... أجاب المولى الروحي: إن كل الديانات معرّضة بالتمادي لأنواع من التشويش والفساد، ولكن لا تفقد من أهلها حكماء ذوي نشاط وعزم، ينبهون الناس ويرفعون الالتباس»(19).
هذا الحوار الذي افترضه الكواكبي بين المحاور المدني والمحاور الروحي حول الفعل السلبي للمدلّسين يأتي من خلاله على أن التعميم لا يصح، والمسار الطبيعي عند الأمم والشعوب من أتباع أية ديانة - وليس الإسلام فقط- أن يكون هناك من سلك طريق الحكمة والاستقامة، وعمل في استنهاض الناس وشحذ هممهم على درب الفلاح والصلاح، وبالمقابل هناك من يستغل ويفسد ويشوش، فالناس ليسوا سواء. ولفتة الكواكبي هذه مفيدة كي يقف عندها بعض المعاصرين مما ينظرون إلى النصف الفارغ من الكوب ولا يلتفتون إلى النصف الممتلئ وما فيه.

الديـن والترقـي:
إن الإنسان مفطور على ميول الترقي والتسامي فإذا ما امتلك المعارف، والوعي والمدارك السليمة، وسعى باتجاه المقاصد النبيلة فإنه يستطيع الوصول إلى مبتغاه.
والدين والإسلام خاصة دعا المؤمنين إلى العمل بجد والأخذ بالأسباب واعتماد الوسائل والأمور المشروعة كي ينجزوا ما فيه الخير والنفع وهذه الميول الدافعة باتجاه الرفعة والرقي تقترن بميول قيمية مشبعة بالمثل وفضائل الأخلاق فيتولد عن ذلك الضمير الذي يشكل في داخل ذات كل مؤمن وازعاً يضبط مساره ومسار الاجتماع الإنساني عموماً ليمنع الشطط والانحراف، وليضع حداً للغلو والتطرف، والتستر بالدين لمآرب ونوازع خاصة، وليجعل كل المساعي مفاتيح للخير مغاليق للشر.
قال الكواكبي في عنوان: «الدين والترقي»: «فلا شك أن الدين إذا كان مبنياً على العقل، يكون أفضل صارف للفكر عن الوقوع في مصائد المخرّفين، وأنفع وازع يضبط النفس من الشطط، وأقوى مؤثر لتهذيب الأخلاق، وأكبر معين على تحمل مشاقّ الحياة، وأعظم منشط على الحياة المهمة الخطرة، وأجلّ مثبّت على المبادئ الشريفة، وفي النتيجة يكون أصبح مقياس يستدل به على الأحوال النفسية والأفراد رقياً وانحطاطاً.» (20)
إن اعتماد المنطلقات والمبادئ من الدين والشرع الحنيف، ومن ثمّ اعتماد المعايير التي تقاس بها الأمور وتضبط هو التعامل السليم إذ الشرع حدد ذلك ونطق بالكليات، وترك للفقه الحركة فهماً واجتهاداً حسب الظروف مع مراعاة الأزمنة والأمكنة. والمشروع النهضوي في الوطن العربي والعالم الإسلامي يفيد فيه ما حدده الكواكبي لأن هجر الدين والشرع في صياغة المشروع النهضوي تنكر وحداثة خطيرة، والجمود على فقه وأفهام تفصيلية تجزيئية موروثة كذلك مسلك وعر، وجمود لا جدوى منه.
ويرى الكواكبي ضرورة فصل الأدوار القيادية فالفقهاء وعلماء الدين لهم دورهم في الإرشاد والنصح والتقويم،وعلماء التربية والتعليم لهم مواقعهم في الإعداد والتحصين والتأهيل، وأهل الحكم والسلطة والسياسيون لهم مهامهم الموكلة إليهم لذلك نبه الكواكبي إلى ضرورة الفصل بين أدوارهم لأن الدمج والخلط هو الذي يقود إلى التسلط والاستبداد.
أورد الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد»: «مبحث التفريق بين السلطات السياسية والدينية والتعليم:
هل يجمع بين سلطتين أو ثلاث في شخص واحد؟، أم تخصص كل وظيفة من السياسة والدين والتعليم بمن يقوم بها بإتقان؟، ولا إتقان إلا بالاختصاص، وفي الاختصاص، كما جاء في الحكمة القرآنية: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ( (الأحزاب:4) ولذلك لا يجوز الجمع منعاً لاستفحال السلطة.» (21)
وقد وجد الكواكبي أن هناك أمرين لا بد منهما لحركة الترقي وللمشروع النهضوي، والفتور حاصل بسبب التحلي عنهما هما:
1- عدم استيعاب الروح الجماعية في التوجيه الإسلامي، وبالتالي عدم استثمار مناسبات الاجتماع من صلاة الجماعة إلى الاجتماع الأوسع في الحج مروراً بفريضة الجمعة وسائر المناسبات الشوروية العامة.
2- بعض العلماء آثر السلامة فهرب من الطرح الفكري والفقهي المطلوب خوفاً من الأذى، وعمد إلى التعمية وطرح مسائل لا تحرك ساكناً ولا تسكن متحركاً.
جاء تشخيصه هذا في حوارات تأسيس جمعية «أم القرى» حيث قال: «يخيّل لي أن سبب هذا الفتور الذي أخلّ حتى في الدين، هو فقد الاجتماعات والمفاوضات، وذلك أن المسلمين في القرون الأخيرة قد نسوا بالكلية حكمة تشريع الجماعة والجمعة وجمعية الحج؛ وترك خطبائهم ووعاظهم، خوفاً من أهل السياسة، التعرّض للشؤون العامة. كما أن علماءهم صاروا يسترون جنبهم بجعلهم التحدّث في الأمور العمومية والخوض فيها من الفضول والاشتغال بما لا يُعنى»(22).
إن المشروع النهضوي الإصلاحي يحتاج إذن على الصعيد الديني أن يتم توظيف الاجتماعات الدينية المفروضة أو التي تتم الدعوة إليها في إطار اهتمامات الأمة موضوعاً وحواراً كي تتبلور وحدة الموقف الضرورية للنهوض بالأمة وصناعة التقدم، ولرد التحديات والتعديات وما أكثرها.
ونختم مع الكواكبي في أمر كان مصيباً فيه هو أنه إذا كنا نطلب التقدم والخلاص فالواجب تهيئة البدائل، ويكون ذلك بتنظيم الصفوف ورصها ولا يتحقق ذلك إلا بالعمل المؤسسي، وبالتنظيم الذي يضمن الاستمرارية، والخط البياني التواصلي في حمل المبادئ والسعي لتحقيق المقاصد، وبالتالي تحقيق الترقي والتقدم.
قال الكواكبي بشأن جمعية «أم القرى»: «على أن فحص انعقاد جمعيتنا لمن أعظم تلك المبشرات، خصوصاً إذا وفقها الله تعالى بعنايته لتأسيس جمعية قانونية منتظمة، لأن الجمعيات المنتظمة يتسنى لها الثبات على مشروعها عمراً طويلاً يفي بما لا يفي به عمر الواحد الفرد... وهذا هو سرّ كون الجمعيات تقوم بالعظائم وتأتي بالعجائب... وكلنا يعلم أن مسألتنا أعظم من أن يفي بها عمر إنسان ينقطع.» (23)
إن هذه المقالة وقفة مع موضوع الكواكبي والدين لا تدّعي أنها وفّت الموضوع حقه، ولكنها وقفة مع فكر هذا العلم الحلبي والعالم العربي والمفكر الإسلامي، والفقيه السياسي، والمصلح الثائر على الاستبداد والظلم والاستعباد، وسبب اختيار الموضوع هو المناسبة «حلب عاصمة الثقافة الإسلامية»، والعامل الآخر هو إرادة الرد على بعض المتسرعين الذين زعموا أن الكواكبي كان لادينياً والرجاء أن تكون المقالة قد أصابت بعض الهدف وحققت بعض مقاصدها.

الهوامش:
* - أستاذ العقائد والأديان في جامعة الإمام الأوزاعي- بيروت. مسؤول الشؤون الدينية في المؤتمر الشعبي اللبناني.
1 - الكواكبي، عبد الرحمن، الأعمال الكاملة، تحقيق وإعداد الدكتور محمد جمال طحان، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، سنة 1995، ص 286، 287.
2 - الكواكبي، عبد الرحمن، الأعمال الكاملة، م س، ص 287.
3 - الكواكبي، عبد الرحمن، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تقديم الدكتور أسعد السحمراني، بيروت، دار النفائس، ط3، سنة 1427 هـ- 2006 م، ص 55.
4 - الكواكبي، عبد الرحمن، طبائع الاستبداد، م. س، ص 156.
5 - الكواكبي ، عبدالرحمن، طبائع الاستبداد، م. س، ص 51
6 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م. س، ص 278، 279.
7 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 281.
8 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 47، 48.
9 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 156.
10 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 160.
11 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 45.
12 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 47.
13 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 308.
14 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 48، 49.
15 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 359.
16 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 66.
17 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 129، 130.
18 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 325.
19 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 297.
20 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 146.
21 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 178.
22 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 306.
23 - الكواكبي، عبدالرحمن، الأعمال الكاملة، م.س.، ص 283.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (موضوع: )
• الصهيوأميركية وضرورة مواجهتها   (بازدید: 823)   (موضوع: فلسطين)
• مالك بن نبي والإنسان ومسار الحضارة   (بازدید: 1464)   (موضوع: دراسات حضارية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• الشيخ ميثم البحراني رمز من رموز التراث والتواصل الحضاري   (بازدید: 1930)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الشيخ ميثم البحراني على خلفية أوضاع عصره   (بازدید: 1640)   (نویسنده: الشيخ ماجد الماجد)
• الشيخ ميثم البحراني.. يخترق العصر   (بازدید: 1430)   (نویسنده: الدكتور صباح زنكنه)
• العلامة ابن ميثم البحراني موجز حياته العلمية   (بازدید: 1593)   (نویسنده: زهراء مصباح)
• ميثم البحراني حياته ودوره في دعم الحركة العلمية في البحرين   (بازدید: 2797)   (نویسنده: الشيخ حميد مباركة)
• ابن ميثم البحراني وعصره   (بازدید: 1085)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• رمز من رموز التراث والتواصل الحضاري   (بازدید: 1229)   (نویسنده: الشيخ ميثم البحراني)
• كيف ينبغي النظر إلى ظاهرة الشيخ ميثم البحراني؟   (بازدید: 1321)   (نویسنده: محمد جابر الانصاري)
• مجدّد العصر   (بازدید: 754)   (نویسنده: إبراهيم محمد جواد)
• ملامح من شخصية العالم المفكر الشيخ ميثم البحراني   (بازدید: 1663)   (نویسنده: السيد محمد بحر العلوم)
• العلامة المطهري / في آرائه الفلسفية والعقائدية   (بازدید: 4025)   (نویسنده: السيد حسن النوري)
• الملف / رجل الإحياء والاستئناف الحضاري   (بازدید: 941)   (نویسنده: مرتضى مطهري)
• احمد صدقي الدجاني رجل الفكر الحضاري   (بازدید: 1594)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الشيخ محيي الدين بن عربي و أثره الحضاري في حوض المتوسط   (بازدید: 1189)   (نویسنده: محمد قجة)
• العلامة محمد تقي القمي رائد للتقريب والنهضة الإسلامية   (بازدید: 2852)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• رائد الدراسات الفارسية في مصر   (بازدید: 987)   (نویسنده: الدكتور صادق خورشا)
• شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي الحلبي   (بازدید: 2526)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ملف مالك بن نبي   (بازدید: 1273)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الاتجاه النقدي عند الشهرستاني   (بازدید: 1894)   (نویسنده: د. محمد حسيني أبو سعدة)
• شيخ الإشراق   (بازدید: 1697)   (نویسنده: سيد حسين نصر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]