banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

محاسن أصفهان / القسم الثاني
ثقافتنا - العدد 10
تاريخ
محمّد علي آذرشب
1427

(الرغبة في الإقامة باصفهان)
ومن محاسنها الموجبة أن يجتاب اليها القفار، وتركب فيها الأسفار، ويجشم إلى جوارها عرق القربة، ويعتصر بمائها شرق الغربة، أنّ أكثر من يأتونها من كلّ فجِّ عميق ومكان سحيقِ، من يعين على الانكفاء إذا تراءى لهم من محاسن مصيفها ومشتاها بعض، ولاح لهم من أفقها ومضٌ، وقابلوا كثير فضائلها بيسير رذائلها، ألقوا بعراصها عصيّهم وأناخوا بفنائها مطيّهم، ولـمّا يؤثر على التنبّك والتماشي في مناكبها حتى لو قال إنسانٌ لبعضهم ردّ الله غربتك أو سهّل أوبتك، ساءهُ ولم يحمده دعاءهُ ويوهم أن الشاعر لم يعن غيرها ببيته:
ما يطرأ المــرء الغريب جنابهــا إلا أطاح بها عصـــا التسيــار
(من محاسن معالمها)
ومي المحاسن التي تفرّدت رقعتها بمزاياها، وتخّصصت خطتها بصفاياها، السور الذي استحدثه علاء الدولة حول البلدة، وهو زهاء خمسة عشر ألف خطوةٍ سوى ما أهمله خارجاً عنها، وعطّله منقطعا منها، من المحال المشهورة مثل كما آن، و برا آن، وسنبلان، وخرجان، وفرسان، وباغ عبد العزيز، وجروا آن، وأشكهان، ولنبان ويذاباذ، حصاراً راسياً في الثرى أساسه وسامياً إلى الثرّيا رأسه؛ تراجح باركانه الجبال الراسيات ، ويناطح ببروجه النجوم الساريات، فياله من سورٍ يناجي بقرنه السماء وخندقٍ يداني بقعره الماء، كماقال أبو عبادة البحتري:
ملأت جوانبه الفضاء وعانقت
وتسيـــلُ دجلــةُ تحته ففنــاؤه شرفاتُهُ قطع السحابِ الممطرِ
من لجّة غَمــرٍ وروضٍ أخضــر
وكما قال صاحب الرسالة:
سورٌ علا قمّة العيّوق ذروتُه
من دون أبرجه في أبرج الفلك
لو كان يحضر يأجوجاً لما فتحـت
وحـولــه خنــدقٌ قــد لجّ لجّته وجاوزت منطق الجوزا مناكبه
الدوّار تُرى متى تسري كواكبه
نـــوماً وأعجزها نقباً مناقبـــه
فليــس يـــــمّ ولا نيلٌ يناسبه
وقد فتح منها أبوابا اثني عشر حديدية، يجوز كلّ واحد منها الفيلة بتخوتها، والرايات منصوبةٌ بعذباتها، وما وجب تقديم ذكره على غيره من حديث دار الإمارة، ومجلس الوزارة، والدواوين المرتّبة، والرسوم المهذّبة، والخدم المؤدّبة، والحجب الصفيقة، والستور الرقيقة، وما ترجع إليه من الهيئة الرادعة، والحشمة الوازعة، والعدل الشامل، والأمن الكامل، قد كان دركاه السلطان، إذ البلدة بلدةٌ، مشغولاً بصهيل الجياد العربية، وصليل المراكب الذهبية، ودعو الخلفا والخشبية، ونعر البوّابين الأبيّة، وضرب دبادب النوبة، وركض خيول الحلبة، وفي كل ناحية من داره ديوان، فيه أماثلٌ وأعيانٌ، من كتّاب حسّاب، وسَفَرة مهرة، كلّ نبيه بأبيه شبيه، ينميه حسبه إلى فاضل فائق، تعزوه صناعته إلى ماهر حاذق، لم ينفك عنهم معنى قول أبي الطيب المتنبي:
وكلّكـــم أتــى مأتـــى أبيه وكلّ فعـــال كُلّكُــمُ عُجــابُ
يأمرهم وينهاهم محتشمٌ موقّرٌ، ومقدّمٌ مصدّرٌ، أهل للدست والسرير، وأحلّ بالمحل الخطير، وأعطى الدواة المذهبة، والجنائب المقربة، والموكب السريّ، والجناق النمري، ذو عقل متين، وحلم رزين، ورأى رصين، يمكن أن يسوس إقليماً طرف قلمه، ولا يعجز أن يأسو كليماً لطف كلمه، يستنزل بجواره أصداع الأعلام الشاهقة، ويستكفي بجواره عوادي الأحداث الطارقة، قدجمع إلى رياسة جَدّه سياسة جِدّه، يلاحظ شزراً، ويتكلّم نزراً، كما قال:
إذا انتدى واجتبى بالسيف دان له
كأنمــا الطيُر منهــم فوقَ هامهم شوس الرجال خضوعَ الجرب للطالي
لا خوفَ ظُلم ولكنْ خوفَ إجلالِ
ماشئت حولـه من حواش وخفاف، في أقبية وخفاف، إن شاء ادّرعوا إلباس البأس وإن شآء توّخوا إيناس الناس، لا يتكلّمون احتشاماً إلا همساً، ولا يسمعون كلاماً إلا جرساً، كما قال البحتري:
تطاطا الخدود الزور تحت سكوته وتنتظر الأسماع مـاهو قائـــل
ومن فضائلها الانهار والجداول التي تجتاؤها مزرية على خليج والصراة، بل على دجلة والفرات ، لصفائهن من الرنق والكدر، وخلوصهنّ من القذى والقذر، تنزّهت أن تنتقل اليها الكساحات، وتبرّأت أن تُقذف فيها القمامات، وتحاشت أن تقذرها الحمامات، تحتضن مباهاً أصفى من الدمعة، وأضوى من الشمعة، وأشهى من وصل الكواعب، والذّ من رضاب الحبائب، وأخلص من ضمائر الأصدقاء، وأنقى من جيوب الأتقياء، وأخفّ من أرواح الظرفاء.
ومن مفاخرها أنّ في داخلها من الدور السريّة الفيحاء، والقصور السنيّة القوراء، المتصلات بالحمامات والاصطبلات، إلى ميادين وباغات، وبساتين مئون تصلح كلّ واحدة منها لأمير كبير أو عميد خطير، بخيله وحشمه، وخولـه وخدمه، ودوابه وأسبابه، ومن المستصلحات للعمداء المحتشمين والوزراء المعظمين، والزعماء المقدّمين، ألفان يتّصل بكل واحدة منها حجر عامرة ومجالس فاخرة، ثم جماعة دور العامة من أهلها والمحترفة من سكانها، لا تضيق الواحدة منها بعامل منظور أو متصرّف مذكور أو حاجب مشهور.
ومن الأسواق ما العالم إليه بالأشواق حسن تصفيف ونسق، وآنق تأليف وفرق، وفرط رحمة، وكثرة نعمة، وتناهي أجّةٍ، وتماوج أشباح، وتلاغط صياح، وما يجمعه من السلع الثمينة النادرة، والأمتعة النفيسة الفاخرة، مثل طرائف بغداذ، وخزوز الكوفة، وديباج الروم وتستر، وبزّ مصر وقباطيّها، وجواهر البحرين، وآبنوس عمان، ونوادر الصين، وفراء خراسان، وخشب طبرستان، وأكسية آذربيجان وأصوافها، وفرش أرمنية وما يقاربها، من الظروف والأواني والفُرُش والأمتعة والأثاث والعقاقير والأدوية، والأخلاط والأبازير، التي مساقطها من البلدان المتطارحة، والأوطان المتنازحة، وقد أكبّ كلّ طائفة من أهلها فيها على شأنها المحترفة على الصناعات، وغيرهم على مبايعات، إلى غيرها من أسواق الأطعمة والأشربة التي في غيرها شغلٌ عن إيرادها وإفرادها، وأسواق المحال النائية التي لا فائدة في رصفها ووصفها، إذا المغزى في الرسالة سواها، وبلغت من قيمة أسواقها وعظم قدرها وعلوّ خطرها وجلالة أمرها، أنه وقع التبايع وقتاً من الأوقات في أيام كافي الكفاة، على صندوق من صناديقها المنصوبة المشبهة بالدكاكين لا تزيد مساحته على كفّ من الأرض بعشرة آلاف درهم، فحُكي ذلك لـلصاحب، فقال: يحطّ عنه سواد ليلة. فبقيت عليه أياماً إلى حين وفاته، فلمّا أن توفيّ وانمحت آيات سنته في حسم مواد الأذيّة، وانقلبت راية سيرته في بسط العدل في الرعية، تراجع كلّ التراجع وبارت سوقها عند التبايع.
والجامعان الكبير العتيق البديع الأنيق بُني أصله القديم عرب قرية طيران وهم التيم، ثم لما اتسعت البلدة بإضافة القرى الخمسة عشر الخصيبُ بن مسلم البقعة المعروفة بخصيباباد، ثم أعيد في أيام المعتصم سنة ست وعشرين ومائتين، ثم زاد فيه أبو علي بن رستم في خلافة المقتدر فصار أربع أدور، يماس كلّ حدّ من جماعتها رواقاً، ويلاصق كل رواق منه أسواقاً، بله الطرازاتِ دروباً وزقاقاً.
وذكر لي أن موضع السقاية في وسطه كان وقت استحداثه داراً ليهودي يأبي بيعها مع ما يعرض عليه ويرغّب فيه ويرغب فيه، ويبذل له من الأموال الجمّة والرغائب الضخمة، إزاحة لعلّته واستنزالاً عن ملّته، فيما عضّ عليه من اللجاج، وتمادى فيه من الاعوجاج، وجعل ثمنها أضعافاً، ولم يرضها حتى استيم من الدنانير بما يستر أرضها، وانخدع عنها، وانتُزعت من مُلكه، واستُخلصت للمسجد، منخرطة في سلكه. وقيل إن هذه الدار كانت بخصيباباذ فابتاعها على الوجه المذكور الخصيب، وهو من منذئذٍ يطن بالتهليل والتحميد، ويحنّ بالتسبيح والتمجيد، لاينظم لإحدى الصلوات الخمس أقلّ من خسمة آلاف رجل، وتحت كل أسطوانة منه شيخ مستند ينتابه جماعة من أهلها بوظيفة درس أو رياضة نفس، تزين بمناظرة الفقهاء ومطارحة العلماء، ومجادلة المتكلّمين ومناصحة الواعظين، ومجاوراة المتصوفين وإشارات العارفين، وملازمة المعتكفين إلى ما يتّصل به وينضمّ إليه من خانكاهات قوراء مرتفعة، وخانات عامرة متسعة، قد وقفت لابناء السبيل من الغرباء والمساكين والفقراء، وبحذائه دار الكتب وحجرها وخزانتها اللواتي قد بناهنّ الأستاذ الرئيس أبو العباس أحمد الضبي، ونضد فيها من الكتب عيوناً، وخلّدها من العلوم فنوناً، قد تخيّرها على مرّ الأيّام فضلاء سالف الأزمنة، وأدباء غابر الآونة، ويشتمل فهرستها على ثلاث مجلّدات كبيرة من المصنفات في أسرار التفاسير وغرائب الأحاديث، ومن المؤلفات في النحو واللغة والتصريف والأبنية ومن المدونات من غرر الأشعار وعيون الأخبار، ومن الملتقطات من سنن الأنبياء والخلفاء وسير الملوك والأمراء، ومن المجموعات من علوم الأوائل من المنطقيات والرياضيات والطبيعيات والإلهيات، إلى غير ذلك مما يفتقر إليه طالب الفضل والمميز بين العلم والجهل.
واستعمل بعض الاصفهانيين المدعو كان أبو مضر الرومي باباً مُصرّعاً تكلّف فيه أعمالا عجيبة، وذَهَبٌ فيه مقدار ألف دينار سوى نفقة ألطاف. والمنارتين المبنيّتين على الفيلفاءين، علق في الممر المنفتح من الجامع إلى رأس السوق المعروفة بسوق الصباغين.
والجامع الحديث الصغير المشهور بجورجير الذي بناه الصاحب كافي الكفاة، وقد أوتي فضلاً على الجامع الاكبر في صلابة الأطيان وارتفاع المكان واستحكام البنيان والمنارة التي أجمع المهندسون على أنه لم يُبنَ في العالم أرشق منها قداً، وأتمّ مدّاً، وأدقّ عملاً، وأحكم تفصيلاً وجملاً. قد تأنـّق في إبداعها الصانع وتنوّق، ولطّف في بنائها ودقّق. اتخذها من اللّبِن والطين، في قرار مكينٍ. قُيّدت قاعدتها من الأرض يقفيز، وشُيّدت قائمتها إلى حرز حريز. ارتفاعها مأئة ذراعٍ، وسطحها باع في باع.
وفي كل ما عددته وسردته من المساجد والخانكاهات ودار الكتب للفقهاء مدارس، وللأدباء مجالس، وللشعراء مواسم ومآنس، وللمتصوفة والقراء محابس.
(خصلتان حسنتان)
ومن محاسنها التي أطلق قولي فيها، ولايكاد أحد ينافيها، خصلتان حسنتان كل واحدة منها سنيّة، لا يتحمد بأشرف منهما رعيّة. أوتينا معاً عامة إصفهان خاصة من بين سائر البلدان:
أحدهما - المثابرة على الجماعة للصلوة.
والثانية - الاهتمام بـإحسان الطاعة للولات.
ومن جليّ المناقب التي لم يتّسم بها مصر، وعليا المراتب التي لم يَسمُ إليها قُطر، اتفاق العالَم بأنه لم يمت فيها قطّ من منذ استحداثها إلى هذه الغاية ملك. وسمعت المشايخ أنهم تتبعوا أيامها الخالية وسنيّها الماضية فلم يعثروا منها على ما يباين هذا الشرط ويتخطّى هذا الخط.
(كثرة الخيرات)
ومن محامدها التيَ ينثّ عنها أنه كان فيما مضى يجلب للمذابح بخطّتها صبيحة كل يوم من مجالها حدود ألفي رأسٍ أغناماً، ومائة رأس بقورة، ثم لايكاد يبقى منها وقت المساء رأس إلا أتت عليه أضراسٌ. وأما ما يذبح في الأعياد فمُربٍ على الحصر والتعداد، وذلك سوى حدود مائة الف رأس غنما تجعل في البيوت بها رزذاً ومليحاً، يبقى إلى القابل منها سليماً صحيحاً، لا يتغيّر طعماً ولا ريحاً، وألف بقرٍ تقدّد فلا تنتن ولا تدود. وبلغت لذاذة هذا القيد مبلغاً يستهديه الصديق من الصديق، وهو على مائتي فرسخ على مراحل من اصفهان استهداء عزّ الأثقال، فينفذ ما ينفذه اليه منه معبّأً في السلال.
ومنها أنه يتّخذ كلٌّ كذخذاء منها، معدماً كان أو مكثراً، على حسب حاله، أو كذخذائية للمشتاة من الشواريز النظيفة والرواصير اللذيذة والكواميخ الشهية والخيار والباذنجان وغيرهما من سائر الثمار والنبات، والمربيات بالخل، والألوان من العصارات والألبان، ما يصل به طرفي سنته فلا يتسنّه منه شيء، ولو ضاف أقلهم عُدّة وميرة، وأنزرهم كذخذائية وذخيرة، في ليلة داجية في شتوةٍ شاتية، ثلاثون رجلا لما يعجز عن قِراهم، ولم يُحزِنْهم مَسراهم، وأسعَفَهم ترحيباً وأوسعهم تقريباً، ولم يحتج إلى البروز من منزله بتصنّع وتجمّل وتحمّل وتمحّل .
ومنها أنه لا ينقطع طوال الشهور الصيفية في دار أعوز كل كذخذاء من أهلها الجمد، بل يكون له منه كل يوم وظيفة لا تنفد. ولولم تكن من فوائدها التي ازدادت بها عزّاً وتميّزت بها مزّا، غير الفواكه المستطرفة والأشربة المستنظفة، ومياه الرياحين والورد، والثياب الإبريسميه الفائقة والطرائف الصينية الرائقة، المجلوبة منها إلى الآفاق، في الحر والبرد لكفاها فخراً باقياً لا يفنى، وشرفاً نامياً لا ينفى، وفضلاً بادئاً لا يخفى.
(حذاقة الصنّاع)
ومن مآثرها المأثورة ومفاخرها المشهورة ما يحكي عنها من فراهة صانعيها، وحذاقة محترفيها، وقد اختُبروا فوافق العيان الخبر، وغبروا في أوجه من مضى من طبقاتهم ومَنْ غبر، وكانت البلدة بما فيها من المرافق والمآثر والمنافع والمفاخر تزين بأهلها المربين على الأكفاء والأشكال، الموفين على الأشباه والأمثال، من المتصرّفين الكفاة الظرفاء، والمتجنّدين الحماة النجداء، والمتنعّمين من التناء الرؤساء والمترفهين من السوقة التجار، والمتعطلين من العامّة الشطّار.
(نوادي الاصفهانيين)
من عاداتهم بالغدوات إذ الزمان زمان أن يجتمع بكل موضع منها ضرب منهم يستصحبون بنيهم في ديوان أو ميدان أو بستان أو دكّان، يروم كل منهم في أبناء جنسه ذِكراً جميلاً، يعاني أمراً جليلاً، ويتنازعون في الأحساب والأنساب، ويتكثّرون بالأتباع والأصحاب، تفاخراً بالدراية، وتحاذياً في الكفاية، وتصاولاً في التنكيل والأيد، وتطاولاً بالسباق والصيد، وتحاوراً في الضياع والعقار وتحدّثاً عن السماع والعقار، وتكاثراً بالأموال والبضاعات وتنافساً في الحِرَف والصناعات، وتحارباً في المصاع والقراع، وتبارياً في الخداع والصراع، ثمّ ينفضّون عنها على درجاتهم إلى مجالس حِيزَ لها الأطيبَ الأشهى من المطاعم والمشارب، وجُمع لها الأطرب الألهى من الحوائج والمآرب، ذات ريحان وراح، و وجوه صباح، واغتباق واصطباح، واعتناق وصفاح، وأغاني وأماني، من استماع إلى ألحان داودية، واستمتاع بغرر يوسفية، قد أدرجت أرجاؤها بسحائب أنشأها أنفس أنفاس الكبار والندود، وقطرت أقطارها بوبل أفاضَهُ على الرطل والكأس أنواء الحدود.
(تكاتف أهل إصفهان)
ومما يشهد بتكاثف كان في ساكنيها وتكانف بين قاطنيها، ما أخبرني به المعتمدون من شيوخنا قالو سمعنا الآباء والأجداد قالوا: ورد إصفهان زمناً من الأزمان عسكر من العساكر زهاء ثلاثين ألف رجل، فأخذوا من تنزل الدور وهتك الستور والعيث والتخريب والتنكيل والتعذيب، فيما لا قِبَل لأهلها بمثله، والجأهم إلى الفتك بهم، فتناذروا به متقاسمين، فلمّا جنّ عليهم الليل تناهضوا إليه متظاهرين، فتفرّغ كل واحد منهم عمّن في داره وجواره بما وجد السبيل إليه، فانتفوا عن آخرهم في ليلة واحدة، ولم يتأتَّ لهم ذلك إلاّ لفرط قوة، ووفور عدة، واستحكام شوكة، وتناهي حميّة واحتدام عصبية.
(التنافس بين الخواص)
وممّا يدلّ على التنافس كان بين خواصّها والتفاخر في أعيانها ماحكاه لي الموثوق بمقالته المسكون إلى شهادته، أنه رأى على عهد غير بعيد بمحلّة من محالّها تسمّى جروا آن، صار أكثرها الآن رسوماً بالية وأطلالاً خالية، خمسين مسجداً عامرة تقام كلّ يوم في جميعها الجماعات، ولا تنظم كلّ جماعة في واحد منها أقلّ من خمسين رجلا، بنى كلّ واحد منها رئيس من رؤسائها أنَفاً من أن يحضر مسجد سواه، واستنكافاً من أن يحضر غير مصلاّه.
ومن الشواهد على جدة أهلها وسعتهم ويسارهم وثروتهم ما أنبأنيه الثقة وصدّقته الروايات المتسقة قال: كنت جالسا عيداً من الأعياد بمحلّة تسمى بان لوفه حيث الشارع بمنظر منّي فاجتاز بي إلى المصلّى من ساكني ويذاباذ التي صادر الآن بعضها تحت السور، والبعض تحت القبور، والباقي أخنى عليها الذي أخنى على لبد قريب، ألفا رجل من الحلليّين في عمائم القصب والتوزيّ والبميّ والبقيار والأصواف المصرية والأثواب السقلاطونية والعتابيّة.
(أبو الطيب المعبّر)
ومن خصائصها التي لم تؤت مثلها فيما مضى من الزمان بلدة من البلدان، وقد رأيناه أمس عياناً لا خبراً، ماتوحد الله تعالى لها في أمر أبي الطيب المعبّر المعروف كان لعبد الله كوبيبند وما أوزعه الله تعالى وتقدس من الاصابة في فُتيا علم الرؤيا من غير تصفّح لكتابة، أو تعلّمٍ من أربابه، أو أخذٍ من أهله. وأعجب الأشياء أنه لم يكن بين أكثر تعبيراته وما تشتمل عليه كتب هذا العلم في الديار ملازمة، كما لم يُر بينها وبين الأقدار مباينة، وكان من مبادي أسباب تهذّبه لهذا العلم الشريف وتوغّله في بحبوحة هذا السر اللطيف أنه كان بمكة في مقتبل شبابه، فرأى في المنام ليلة يستقي من سقاية الجامع بـإصفهان، ففتك به أسود في يده سيف مسلول ضرب به يمينه فندرها، فارتعدت فرائصه، وهبّ من المنام فلما أصبح تبغّى بتلك البقعة امرء عنده تأويل الأحلام فوجد شيخاً هِمّا وقصّ عليه رؤياه، فقال له: يافتى قد أفاض الله تعالى عليك من علمه المخزون شيئاً، وآتاك من النبوة جزءاً فعبّر ما سُئلت من الرؤيا بعد يومنا هذا بما شئت فلن تجاوز الصواب.
ومن غرائب تأويلاته ما حدثنيه إنسانٌ يقال له الفضل بن يله قال كنت وكيل المسجد الجامع زماناً، وكان أبو الطيب هذا مشرفاً عليَّ، فتماشينا يوماً من الأيام في بعض الطرق، فلما انتهينا إلى باب دار الصاحب التي يسكنها الشيخ الجليل أحمد بن عبد المنعم الوزير، استقبلتنا امرأتان تقول إحديهما لصاحبتها: توقفي فها هو المعبّر وأني سألته عن رؤيا رأيتها، فَدَنت منه فقالت له: أيها الشيخ رأيت في المنام كأنّ طويراً من الجنس الذي يسمى الديباج ينهض من يميني مرة ويقع عليها أخرى، يلتقط الحب من راحتي، فبينما اغتظت نزعت رأسه من جسده وقتلته، نبّئني بتأويله. فقال أبو الطيب: مَنْ هذه المرأة التي هي مصاحبتك؟ قالت: هي والدتي. قال: ابعثيها إن لم تكن هي. فقالت ويهاً أيها الرجل أقلل فلا يمكنني التبرّؤ من والدتي. فقال: احضري داري وحيدة لاشرحها لك. فقالت: أعيذك من أن تواعد القحاب إلى منزلك! أفتني إن كنت مفتياً فيه. فقال أبو الطيب كالمتبرم بألفاظها واشتطاطها: كنت تعشقينَ أمردَ يختلِفُ إليك وقَتَلتِهِ، فتعلّقت بها صاحبتها صارخة قائلة: كان والله ابني بعينه. أسلَمته مصاحبتها لحينه وأخذت في واويلاه! ووا إبناه! حتى ترقّى الخبر فيه إلى الشيخ الجليل أبي العباس. فاستدعاهم جميعاً واستعلم القصة واستوضح جليّة الأمر واستلّ الإقرار بقتله من لسانها، وأنه مطروح في غيابة الجبّ بدارها، فأشخص من استخرجه منها قتيلا، وطُليت المرأة بالنفط وغشيت بالبواري وأُحرقت.
وما حدثنيه والدي عن أبيه قال: رأيت فيما يرى النائم ليلة أني كنت استقي ماءاً، فلما دلوت دلوي وجدت فيها سمكتين كبيرة وصغيرة، وكنت حينئذ مستوطناً قرية جوزدان، وكان لي في بعض مزارعها أكاران، فوافيت أبا الطيب من الغد مستفتياً لرؤياي، فقال: إن لك أجيرين، والعمل بينهما فوضى، وسيأتيانك راغبين إليك في قسمة ما يتعاملان فيه، فلا تسعفهما بحاجتهما، فإنّ قسمته راجعة عليك بضرر عظيم، فلما أبت إلى منزلي فإذا أنا بهما على باب المنزل يختصمان، فتحاكما إليَّ وقالا: جئناك لتفصل بيننا وتفرز ما يعمل فيه كل واحد منا، فقلت لهما امضيا في دعة الله فلست بفاعل ذلك بتةً.
وسمعت الثقة قال: رأيت ليلة من الليالي رؤيا وقعت منها في حيرة غير منحسرة عنّي، ولم يمكني الانفكاك عن أسر ما دهمني فيه بالاستفتاء للاستحياء. فجئت أبا الطيب كالمدهوش فلما نظر إليَّ قال لي: يا أبا فلان ما جاء بك؟ فقلت: رؤيا يمنعني الخجل أن أقصّه فقال: ألا أقوله كما هو؟ قلت: بلي، قال: رأيت كأنك تطأ أمك، و فلابأس، به فزد في البّر لها ولا تعقّها، وراع ما أنت قاصٍ به حقّها.
وكان يتجادى في ذكره عند علاء الدولة، ويحكى عنه غرائب من أعلام تأويل الأحلام ترجّح في قبولها، فاستحضره يوماً استحضاراً واستفتاه عن رؤيا مختلفة استدراجاً واختباراً، فكان أبو الطيب لا يزيد على الإنصات والإطراق، فقال له: أين أنت من الجواب؟ فقال: أيد الله الأمير وما جواب المزاح والكذاب؟! فخجل علاء الدولة وقضى منه العجب.
(من مدنها وقراها)
ولو لم يكن باصفهان من المناقب المنوّهة بذكرها المنبّهة على أمرها المعليّة لصيتها غير مدينة جيّ وما والاها من القرى والقصور، وترجع إليها من حصانة السور، وتشتمل عليه من زخارف الدور، وتجمعه من نفاسة المكان وكياسة السكان، التي تشوق رواية أخبارها السامعين كما تروق رؤية آثارها الناظرين، لكفاها شرفاً، وسأذكر منها طرفاً.
لقد صحح إجماع عيون المشايخ والأكابر وتوافق بطون الصحائف والدفاتر، أن قهندز المسمّى ساروية بها اتُّخذ في القديم قبل اتخاذ المدينة خزانةٌ للكتب نظيراً للهرمين ضناً بالعلوم وصيانة لها، وذلك كان وقتاً تخوّف طوفان نار في أيام الفرس، حتى أنهم كانوا يكتبون الكتب في لحاء التوز إذ صادفوها أبعد من التعفّن وأسلم من الدروس، بعد أن تجمّع حكماء ذلك الزمان وتأمّلوا ترب البقاع تدبّراً للأطيب الأزكى وتخيّراً للأبقى الأوقى، وهندموه وهندسوه وشيّدوه بعد أن أسّسوه وأفرطوا في الإنفاق عليه إفراطاً، وخلطوا بطينه أخلاطاً تصون عن الغرق والحرق، فمارس ذلك الطوفان مراساً، وانحرست به الكتب انحراساً، وقد تهدّمت من هذه المصنعة قبل زماننا بسنين ناحيةٌ فوُجد في أزجٍ معقود من طين الشيفتق كتبٌ كثيرة من كتب الأوائل، مكتوبة كلّها على لحاء التوز بالكتابة الفارسية القديمة. وذكر حمزة الاصفهاني مصنّف كتاب إصفهان: أن هذه المدينة فيما يقال بناها الإسكندر على يد جيّ بن زاردة الإصفهاني، فسُمّيت به.
ومنهم من يقول: إنها كانت مبنيّة قبل أيام جم فخرّبها أفراسياب التركي فيما خرّب من سائر مدن إيرانشهر، ثم أعاد بناء أساسها خماني جمة آزاد بنت بهمن بن إسفنديار الملكة، قبل مجي الإسكندر، فماتت خماني، وقد ارتفع من بناء السور النصف، فورد الاسكندر بعد ذلك فلم ير فيها عمارة، فتركها على حالها، فغبرت على هذه الحال إلى أيام فيروز بن يزدجرد، وذلك أن فيروز تقدم إلى آذرشابوران بن آذرمانان البهلوان من قرية هرستان من رستاق ماربين جدّ مافروخ ابن بختيار الذي كان جد صاحب الرسالة هذه بأن يُتمّ بناء سور مدينة جي، وذلك قبل الإسلام بمائة وسبعين سنة. فاستتم آذرشابوران بناء سورها، وركّب فيها الشُرف، وهيّأ مواقف المقاتلة، وعلّق فيها الأبواب الاربعة. وهنّ باب خور الذي وجهه إلى ميدان السوق، وباب ماه الذي يسمى باب اسفيش، وباب تير الذي يسمى باب تيره، وباب جوش الذي يسمى باب اليهودية. وأنشأ إلى جانبها قرية فسماها آذرشابوران وبنى فيها داراً جليلة، ثم بنى في باغ داره إيوانا فأسكنه ناراً، ووقف عليها هذه القرية.
ومن الغرائب أن الشمس إذا حلّت أول درجة من الجدي تطلع في باب خور وتغرب في باب اليهودية، وإذا حلّت أول درجة من السرطان طلعت في باب اسفيش وغربت في باب تيره، وعرض أساس هذا السور ستون لبنة سوى الفرهيز الملزق بالشيفتق. وذكر بعض المتقدمين أنه قرأ على بعض أبوابها مكتوباً يقول اشتادوير الموكّل بالقيّاسين والبنّائين أنه ارتفع ثمن أدام العملة لسور هذه المدينة ستمائة ألف ألف درهم، وذكر بعضهم أن الموكّل رُفعت إليه رفيعةً بخمسين ألف درهم، فرصفت إلى نفقة الفرهيز الملزق بالأساس والسوق بـباب خور التي يقال لها سوق جرين، كان ينتقل إليه من إصفهان كل سنة صغار أهلها وكبارهم خاصة وعامة، بأثقالهم وصبيهم على طبقاتهم ودرجاتهم شهراً وشهرين من فصل النيروز متتابعين في اللهو واللعب، متهافتين في النشاط والطرب، فإذا كان وقت النيروز أقاموا فيه أسواقاً ينادى فيها على الأعلاق النفيسة بالأثمان الخسيسة، والعامة يموج بعضهم في بعض، والخاصة ينظرون من كل رفع إلى خفض، فلا يزالون في رفاهيتهم ينقلبون، أشغالهم فكاهة ومجون وأخلاقهم خلاعة وجنون، وكان ذلك مما يعجب فناخسرو عضد الدولة في حال صغره، فلما أن شبّ وبلغ من الملك ما أحبّ، واستولى على ملك فارس، أوعز باتخاذ مثال له بـباب شيراز في موضع يقال له سوق الأمير ففعل، وحشر إليه من أصناف الناس كل مضحك ومطرب، وحصل فيه من الأشياء كل رائع معجب، ودعا إليه أهل شيراز وسائر الآفاق، وأمرهم بـإقامة الأسواق على ما عهده بسوق جرين بـإصفهان فتكلّف الناس ما ساومهم، وكل ذلك بمرأى منه، وهو في ندمائه على قصر له بفنائه، آخذ في الشرب والسماع والأنس والاستمتاع، فلما دار النبيذ في رأسه، وناجاه جنّه بوسواسه، أراد أن يفضل صنيعه على سوق جرين بباب المدينة، وقال للملقب بـقوزاز الملك الإصفهاني أبي عبدالله ابن نصر: كيف تراها فقال: أيّد الله الشاهنشاه! وابقاه لإبداع أشكاله واستحداث أمثاله هذا يفعل وذلك ينفعل.
ومن المحامد التي عَلَت نظارها من البلدان، وفاقت لها ضرائرها من الأوطان، المصلّى والجبيلة الضامنان للمتبتّل إلى أحدهما تقبل الصلوات واستجابة الدعوات، المتنزهان للمتألّهين المتفرّجان للمتأوّهين، المأنسان للمستوحشين، المفزعان للمستأمنين، مبهطا زمر الملائكة، ومحطّا رحل الرحمة، فيها من المقامات الكريمة والرباطات العظيمة والمصانع القديمة والمساجد الزكية والمشاهد الشريفة والبقاع المباركة والأماكن العليّة والأراضي المقدسة، ما يبتسم عن الروح أفقها، وينسجم بالعفو غربها وشرقها، إذا لزمه المرء أظلّه الغفران وأقلّه الرضوان، وأقبل بالرحمة إليه الملك الحنّان، وأشعرته مجاورته التقوى، وحثته على ابتغاء وجه ربه الأعلى ، ورغّبه في العبادة، وجلبه إلى الزهادة، وأوزعه الاعتصام بحبله، والالتجاء إلى حولـه، والاتكال على طَولـه، والاستماع لقوله، وألَهَمه لزوم بابه تنسّكاً، وبعروته الوثقى تمسكاً، وقرّبه من صفح الملك وصفاح الملك.
ومن البيّنات الناطقة بتصديق المسطور وتحقيق المنثور أشعار قفيتها ذكر المدينة والمصلّى وما والاهما، كانت بها أخص، ولم يعيّن على غيرهما فيها ولم ينص، فمنها أبيات أبي سعيد محمد بن محمد الرستمي:
لله عيش بالمدينة فاتني
حَجّي إلى باب الحديد وكعبتي
والله لو عرف الحجيج مكاننا
أو شاهدوا زمن الربيع طوافنا
زار الحجيج منى،نعم، وذووالحجى
ورأو ظباء الخيف في جنباته
أرض حصاهــا لؤلؤ وترابهـــا أيام لي قصر المغيرة مألف
باب العتيق وبـالمصلي الموقف
من زرنروذ وجسره ما عرّفوا
بالخندقين عشية ما طوّفوا
جسر الحسين وشعبه فاستشرفوا
فرموا هنالك بالجمار وخيّفوا
مسـكٌ وماء الــمدّ فيهـا قرقـف
وأبيات أبي غالب هاشم بن الحسن بن محمد الرستمي:
إذا أحيى البلاد لنا حياها
سقى أرض المدينة ماء ورد
وردّت عاجلاً أيدي الليالي
لقد كانت لنا في ساحتيها
حدائق دونها جناتُ عدنٍ
يذلّ الدرّ منتثراً حصاها
أحاط بها لذي القرنين سورٌ
وأفدانٌ طلبن لدى الثريا
ديار لم نزل نأسي عليها
فواهاً للمدينة كيف لاحت
ويا لهفي على كرماء كانت
كعترة رستم وبنى زيادٍ
من الغرّ الذين سَمَوا لمجد
نجوم ما تــواري الأرض يومــاً وأروى من عزاليه صداها
زكيّ العرف لا يسقي سواها
عليها ما نضته من حُلاها
قديماً لا تعفّت ساحتاها
ترى الروّاد فيها ما تراها
و يخزي المسك منتشراً ثراها
أناف على المجرة وامتطاها
نثاراً لم ينله فرقداها
أسى الخنساء إذ فقدت أخاها
لا عينها السخينة ثم واها
بسطوتها لدى الجلّى تباهى
وأولاد الخصيب ومن تلاها
عليه انزلت آيات طاها
مــحاسنهـا وإن وارت سناهــا
لاجرم أن هذه البلدة لم تزل كان بين البلدان في عليا الطبقات، وسنيَّ الدرجات، بحيث تشرأب إليها ملوك الأمصار النائية، وتتشوّفها أمراء الأقطار الدانية، وتتّلع لها الأطماع ويتّفق دراكا دونها القراع، ويتوفّر عليها ولاتها بفضل تحدّب، وينصّب لها وزراؤها بمزية تعصّب، ومما يؤكد قولي تأكيداً ويؤيد شهادتي تأييداً أخبار وحكايات لم أرَغنىً عن إيراد بعضها، إذ لم يمكنني استغراق كلّها.
(من أخبار أمراء إصفهان)
منها ما حكى لي أن ابن خارجة أحد بناة إصفهان المقبوض على أملاكهم تبع ركن الدولة من إصفهان إلى الري متألما مما جرى عليه في مغنى ضياعه وعقاره، ومسترداً من جملتها ما يزجي به باقي إعماره، وكان لا يركب ركن الدولة وقتاً إلا وهو بمرصد منه وعلى فوهة طريقه في مضيقه، فتفقّده مرات بجوائز ومبرّات تفادياً عن تظلّمه وحسماً لمادة تألّمه، وكان لا يكفّ عن الإبرام، ولا يداني مَرامي المرام، فقال له ركن الدولة يوماً: يا شيخ ما يحبسك هاهنا، ولم لا تعاود بقعتك؟! اذ ليس في عزمي أن أرد ضيعتك. وماذا تنتظر؟! قال له بالإصفهانية: يا خَرْ مُرذْ ياخَرْ خُذاى ، أي إما أن يموت الحمار أو صاحبه. فلم يفهم ركن الدولة لفظه حتى جلس في مجلس الأنس وتفاوض الندماء فيما جرّ حديثه ونفض نبيثه، وأورد بعضهم معنى لفظته لغطاً، فثار ركن الدولة سخطاً، ونذر سفك دمه، فأخبر ابن خارجة بالحال وألجئ إلى الارتحال فأفلت، وعاوده إصفهان فلما أن كان بعد مدة حضر ركن الدولة إصفهان مكتحلاً بأشباله، فعرض له ابن خارجة أول ركبة، ركب وفي موكبه بنوه الثلاثة في شارع، وبيده قصّته فتذكّر الدولة لفظته وزبر إليه بالتزنية والسبّ، والحاشية بالدفع والذبّ، فقال له ابن خارجة بلغته الـاصفهانية: اليسه تاكي كوا تجايه نه مردي بيرهه، أي يا أحمق إلامَ تمضَغُ الخرا ألست شيخاً؟! فأطرق ركن الدولة كاظماً غيظه خجلاً ثم قضى أمره عجلاً .
ومنها ما حُكي أنه كان من عادة مؤيد الدولة الإشراف على قصره كلّ ليلة متسمّعاً للحركات والأصوات من البلدة، وكان كلّما أحسّ في الفناء بكثرة الغناء، وما يشبه من زعقات المتواجدين، ونغمات القوّالين والشادين، طابت نفسه وتمّ أنسه وراجع مجلسه آخذاً في اللهو مستأمناً إلى غرة السكر من فكرة الصحو. وإن لم يسمع منه شيئاً وَجَمَ له وجوماً واستشعر أحزاناً وهموماً، وأحيا طول ليلته قلقاً وأرقاً، وواصل السحر سهراً، وأمر من الغد تعرُّف الحال في الحادث بها وأبى إلا الوقوف عليه، وصرف الهمّة اليه، متوصّلاً إلى تلافيه وإزالة الشغل فيه.
ومنها أنه كان يطوف في قصره بـإصفهان ظهيرة، فقرع سمعه تناجي جماعة من تلامذة الدواوين ومحرّريها خلا في الدار، بعضهم ببعض يقولون: لو استدعانا شاهانشاهنا هذا وقال لنا ليتمنَينَ كلٌ منكم أمنيةً مقضيّة فما المقترح؟! فقال أحدهم: أنا أشكو إليه فاقتي وإضاقتي راغباً إليه في تضعيف رزقي، وإطلاق المتأخر من مستحقّي، فإن دَخلي يعجز عن خَرجي، وأنا منه في تَعَب ونَصَب.
وقال الآخر: أنا استطلق من مطبخه الخاص كل يوم راتباً دارّاً يجمع من ألوان مائدته ما يكفيني وخمسة من الندامى، ومن بيت الشراب ستة قلاجوي مداماً.
وقال: الثالث أنا أسأله الإيعاز بـإحضاري وقت خلوه بجواريه البرايجيّات مجلسه لأشاربه مستمتعاً بمعاشرتهنّ، غير ممنوع ولا مدفوع، وإركابي إذا سكرت دابةً من دوابّ نوبته إلى داري.
فانبعث أشقاهم وقال متهاتفاً: أنا إن أعطى شاهانشاه كلاً منكم سؤله، وبلّغه مأمولـه سائله ضربي مائةِ سوطٍ ونفيي من البلدة. ولم يدرِ المدبر أن البلاء موكل بالمنطق.
فلما استرق السمع واستوعب من أحاديثهم الأصل والفرع، انصرف وجلس اليوم الثاني مستدعياً لهم واحداً فواحداً، وسألهم عن متمنّاهم ليُسعفهم بمبتغاهم، فلما انتهت النوبة إلى المدبر أحسّ بالشرّ وأوجس منه خيفة، وامتنع عن إعادة مقالته وتكرير حكايته، حتى شدّد عليه. ثم أوردها برمّته، فقال مؤيد الدولة، قد أعفيناك عن الضرب فاعطوا هذا المشؤوم النحس ألف درهم، وأخسأوه عن جانبنا لأنه سيّء الظنّ بنا.
ومنه أنه رؤي أوقات الضحوات مرّات يتطلّع من طرف القصر على مَنْ في داره من كتّاب الدواوين،وكان يقول: ليرجعوا هؤلاء المساكين إلى الدور، ليقبلوا على السرور، فقد وفوا الخدمة وأكدوا الحرمة، ولا نرى الانفراد بالترويح والترفيه ولاخَلاقَ لخدمنا فيه.
ومنها مابلغ من عناية الصاحب الجليل كافي الكفاة بعامّتهم فضلاً عن خاصّتهم، وخفض جناح الذلّ لهم، وسحب ذيل العفو على ماكان منهم، وتمييزهم من سائر رعايا البلاد. فقد حُكي أنه كان في أيام صباه بـإصفهان إسكاف، وكان مختَلَف الصاحب إلى مدارسه بباب دكانه، والإسكاف كلّما مرّ به الصاحب تَسَفّه عليه وأوسعه لعناً وسباً، وتنقّصاً وثلباً، وتعييراً بالاعتزال، ورمياً بالكفر والضلال، وكان الصاحب يتغافل عمّا يتلفظ به، إلى أن ترقّى المرتبةَ التي ترقّاها، فاتّفق أنّ يوماً من الأيام تَنَزّلَ دارَه جنديُّ، فلم يجد إلى إزعاجه سبيلا، ولا لشكواه مزيلا، دون إنهاء الحال فيه إلى الصاحب. غير أن حالتيه الطارفة والفارطة ترجّحانه بالرغبة والرهبة،فإحداهما تسوّل له التظلّم وتلقنه التألّم، وتصوّب حليته وتقوّي مخيّلته. والثانية تذكّره جريمته، وتصرف صريمته، وتذكّر هيبته فتقرّر خيبته، فاستخار الله وقال ما يدريه أنّى ذلك، ورفع إليه قصته، فعرفه الصاحب، ووقع إلى الأستاذ الرئيس أبي العباس الضبي توقيعاً بقضاء حاجته وإسعافه بالمسؤول من إزعاجه، في ضمنه ما معناه: فإنّ لرافعها حقاً لا يسع إغفالاً، وحرمةً لا تقتضي إهمالاً، أوجبنا تسبّبه إلينا بسبّه إيّانا.
ومنها ما انتهى إلينا عن فخر الدولة سمعت أن إنساناً رفع إليه أنه يستوفي على المستغلات والأملاك بـإصفهان خارجاً عن المعاملات والحقوق ثلاثمائة ألف درهم يحصلها في خزانته، وكان فخر الدولة ذلك الوقت متفقراً إلى أموال جمّة ونفقات كثيرة ينفقها في نهضته لمحاربة عساكر خراسان، ويفرّقهم في كتائبه لتسريبهم إلى باب جرجان، فوقع ذلك في روعه، فلمّا دخل عليه الصاحب ناولـه قصته وقال: يا أبا القاسم تدبّر أمر هذا الرجل وقررّه، فبنا إلى مثل هذا المال مساس حاجة. فتأمل الصاحب قصته وقال سمعاً وطاعة لأوامر شاهنشاه، ثم انكفأ عن مجلسه إلى غيره، واستحضر الرجل وقال له: أنت صاحب هذه القصة والضامن استخراج هذا المال من الوجوه المذكورة؟! فقال نعم أيد الله الصاحب، وصرّح بمضمون القصّة شفاهاً. فسلّمه الصاحب من الحين بن لوراب أستاذ الدار وقال: ليحسن تفقّده الليلة ولا يُترك سدى، فسأفصّل أمره غداً، فلما عاود داره، لم يقرّ قراره، حتى كتب فتيا في استحلال دم الساعي فيما سعى فيه، متنجّزاً فيه خطوط المتفقّهين والقضاة والمعدّلين، وركب من الغد إلى مجلس فخر الدولة وعرضه عليه، فقال: عليّ تحصيل هذا المال من وجهه من غير أن يتوجّه إلى الرعية فيه عَنَت أو ينداهم مكروه، ثم شيّعها من النصائح الممحّضة، والمواعظ المحرّضة، ما استنزله عن رأيه فيه، ودعاه إلى ما ينافيه من إجراء حكم السياسة عليه في قطع لسانه وكحل عينيه، ولم يبرح حتى وجّه المال عن عشرة رجال مياسير لم يؤثّر فيهم تأثيراً كثيراً.
ومنها ما حدثني به أبو نصر طاهر بن إبرهيم بن سله جدّي من قِبَل الأم، وكان من أبناء عمّ الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد بن العباس الانداآني الوالي كان بـإصفهان، قال: كأني به وكنت أترعرع ناولني إنسان من معارفي قصة لأرفعها إليه، وكان يدّعي استدراك خمسة آلاف درهم في خراج ماربنان. فخلوت بالأستاذ في داره لعرضها عليه فتأملها وقال لي: احضر أنت وصاحبها غداً الديوان فلا أتفرّغ لأمره الآن، ففعلت. فلمّا حضر الأقوام وكثر الزحام، واستقرّ ديوان الأمر والنهي، واستحرّ وطيس الدعوى والنفي، استقدم رافع القصة وأجلسه وآنسه، ثم استدرجه واستنطقه بمودعها في الملاء، حتى تفوّه به بين يديه، وشهد الأعيان عليه. فقال: أحسنت ونصحت، ناول القلم واكتب بأن يستوفى مبلغ هذا الاستدراك إلى الاصل الثابت عليها عن آخره من غير استهلاك، ومن غير تغيير رسم، ولا إزلال قدم، ولا تبديل سنة، ولا زيادة وضيعة، وتسلّم الضيعة آخر السنة غنّاء مأهولة عامرة ومزروعة كما هي، فقال: أعزّالله مولانا الأستاذ! وهل أستطيع؟ فقال وما يدريني يا رقيع، أحدّثَتكَ نفسك بأني أنخدع لحديثك الخبيث، وأخرّب قرية من أمّهات القرى تغلّ خسمة آلاف دينار بخمسة آلاف درهم؟! ولا كرامة لك يا سخين العين، وأشار إلى مَنْ حواليه فَجُرّ برجليه، وأمر أن يعلى بالسّياط، ويركب مقلوباً، وبالمناداة بأن هذا جزاء السعاة، وما بين ذلك كنت أتقلّب على مثل الجمر حياء، وودت لو خُسف بي الأرض فانطويت انطواء، ثم أقبل عليَّ قائلا ولما يسكن عنه الغضب: إياك وأن تدفع اليّ مثل هذه القصة بعد هذا.
ومنها ماشاهدناه من ظؤور علاء الدولة أبي جعفر محمد بن دشمنزيار في توخّي نظام أمورها، وحماية بيضتها، والمجاحشة عن ناحيتها، فإنه قد ملكها نيفاً وأربعين سنة، وكان من عادته مدة إمارته أن يكون له بسائر الديار في ظهراني أعاديه من بطائنهم وقرائنهم جواسيس، لاستنشاء أخبارهم، وتنسّم أسرارهم، واستيناء أحوالهم، وتأمّل أهبّهم وعددهم، واستقراء خيولهم وعددهم، واستعلام انحائهم ومقاصدهم، والاستكشاف عن مذاهبهم ومراصدهم، حتى إذا أحسّ من أحدهم يقصد إصفهان، وكان ممّن يمكنه مقاومتهم ومزاولتهم، ألقى مراسي المصابرة والمشاورة، متوصّلا إلى ذبّه عنها، وقهره دونها. وإن كان ممّن لم تمكّنه معاجزتهم ولم تتأتّ له مناجزتهم، لشدة شكيمة، أو استحكام شوكة، أو فرط قوة، أو تمام شكّة، راوغه وتنحّى عنها عجلاً، وتجافى إلى طرف من الأطراف معتزلاً، لتصان البلدة عن الغارات بوقاية الملاطفة والمداراة، ثم حينئذ دبّر من هناك إزعاجه وإخراجه عنفاً ولطفاً.
ومنها أن السلطان الماضي ركن الدين طغرلبك أبا طالب محمدبن ميكائيل لما استوى عليها، واستولى على أهلها، أخذ فيها وفي سائر بلاد مملكته من الرأفة والرحمة والمعدلة والنصفة بما لم يعهد منه قبله، لِما أشرب قلبه من هواها، وأُلقي عليه من محبتها، بعد أن عاودها بنفسه مرتين، ونزل عليها سنتين، مع ما فرّط من أهلها إليه من سوء الأدب، وتحمّل في استفتاحها من النَّصَبْ والتعب، وبلاه منهم من المجاهدة، والتفوّه بكل ما يكون من شرائط المحاصرة، والإصرار على العصيان وإظهار الشقاق والطغيان، ثم إنه تملّكها بعد ذلك اثنتي عشرة سنة، وكان لا يؤثر مما كان ينضمُّ عليه طرفا المشرق والمغرب من الممالك، ويحيط به قطر الغور والنجد من المسالك عليها شيئاً، حتى أنه كان لا يصبر عنها، ويأبى إلاّ أن يطالعها في كلّ سنة أو سنتين مرة، ويقيم بها أشهراً عدة، غير مجحف عليها وعلى أهلها، وأنه أنفق عليها فيما استحدثه بها وبالأفنية من الأبنية مدائن وقصوراً، ومساجد ودوراً، حدود خمس مائة ألف دينار.
ومنها السلطان الشهيد شاهنشاه الأعظم، مالك رقاب الأمم، سيّد ملوك العرب والعجم، ملك الإسلام، وظهير الإمام، وكهف الأنام، عضد الدولة القاهرة، وتاج الملة الباهرة، سلطان ديار المسلمين، وبرهان أمير المؤمنين، أبو شجاع ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، لقّاه الله رضوانه. وبوّأه جنانه، لما طلعت شمس سعادته من خراسان في عسكره اللجب، والبُهم من رجاله النخب، وكَسَر بظاهر الريّ من كَسرَ من شياطين الجابرة، وأرعن من أرعن من ملاعين الفراعنة، أُخبر بموافات أخيه الملك أبي] [ فأورد باب إصبهان في جيش من جيوشه لمحاصرتها، فعيل به الصبر، وعاجله كما جلّى طريدته الصقر، فوافق مجيئه انكفاء الملك عنها منهزماً إلى كرمان، مردوداً على عقبه، فدخل إصفهان بالطالع الأسعد، وأقام بها أياما يتامّلها ويشتملها من إحسانه وإرعائه ما يشتملها، وحلت في قلبه وعينه بحيث حمله حبّها وشعفه بها على اتباع الأخ إلى كرمان، ذاباً عنها ومناضلاً، فتساقط الخبر إليه وانحشر إلى واذشير محتصناً بقلعتها، ولم يكن سبب ما نشأ بينهما من المنازعة والمكاشفة، وماشجر من المحاربة والمخالفة، إلا إقدام أخيه الملك على قصده، وعلى أنه كلّما همّ بالمعاودة إليها جدّد بالقرب منها في العسكر رسوم السياسة والزجر، وشدّد عليهم حدود النهي والأمر، ثم إن عثر من بعضم فيها على أدنى شيء يشبه تطاولاً وتسحّباً، ولو كان من أخصّ حاشيته أو أعزّ خيلباشيّته، لم يقنعه من التنكيل والعقاب دون ضرب الرقاب.
وشكا أهلها في بعض السنين سوء سيرة الولاة والعمداء، ورفعوا إليه ما يرهقهم من الإجحاف والاعتداء، فامتعض وأمر بمعاقبة من كانوا عليها وبتعذبيهم، فضلاً عن تغريمهم وتأديبهم، ثم حظر على العمّال والمتصرّفين وأولي الأمر فيها بكلمته العليا التعرّضَ لهم بما يُثقل عليهم، والتطرّق بسوء أو مكروه إليهم، ولما اعتقده في أهلها في النصيحة والأمانة، وفي البلدة من المنعة والحصانة، استثبت ابنه وولي عهده الملك العادل الأجل جلال الدولة وجمال الملة وولي العهد في الأمة بأن رسم له الاقامة فيها، وبأن ضمّ إليه مقطعيها، حتى يكون كالمطلّ على فارس وخوزستان، الناظر إلى الجبل وآذربيجان، الذاب عن الريّ وخراسان، الملجئ عمه إلى كرمان، فينحرس بكونه ثَمَّ الأطراف، وتنخرط في طاعته الأكناف، وتفرّغ هو أدام الله أيامه، ورفع أعلامه، إلى أن خفّف الأعنّة لأقصى المشرق والمغرب فاستخلصهما بيمينه، وشغل الهمّة بإقليمي الهند والروم فسلّمها إلى أمينه.
ومنها أن مولانا الصاحب الأجل، نظام الملك، قوام الدين، شمس الكفاة، فخر الوزراء، صدر الإسلام، رضيّ أمير المؤمنين، من منذ أسعد العراق تدبيره الصائب، ونظره الثاقب، يعتقد في إصفهان أحسن الاعتقاد، ويعتمد على أهلها أوفى الاعتماد، ويعتدّ بالقليل من خدمتهم أكثر الاعتداد، ويسهمها من بين الأمصار في جميع الأبواب أوفر الحظوظ من الاعتناء بها والانصباب، ومازال كان يزينها وأهلها في العين القريرة السلطانية، ويشرح له فضلها بالكلمات البرهانية، حتى منّ الله تعالى وأوزع الموقف السلطاني فضل الرأفة عليها، وألهمه الزيادة في الإحسان إليها، فأشار إلى مولانا في الملتمس أدنى إشارة بأخفى عبارة، انبعث لامتثالها نفسه النفيسة انبعاث المتصيّد لأعراض القنص، أو الطائر تهيّأ إفلاته من القفض.
وجرّد الأمر العالي بألاّ يفضَّ فيما بعده مما يكون اسمه مال القسمة والتقسيط ماقدره حبه أو ذرة، ولا يتّجه إليها من قبل العمّال والمتولّين مضرّة، وبأن يحذف عنها اسم التوزيعات والعلاوات، ويـمّحي سمة التوابع والمحالات، وبألاّ يتأوّل عليهم بشنقصةٍ يعود على الملك والدولة بهجنة ومنقصة، وبألاّ يُتجَنّى على أحد، وبأن يؤاخذ الجاني بالحق في جنايةٍ ظاهرة بشهادات متظاهرة، وأمر بكلّ ما يضع عنهم إصرهم، ويخّفف ظهرهم، وأن يرتّب للمستأنف فيهم السيرة الجميلة، ويحطّ عنهم الأعباء الثقيلة، وبأن ينشأ على هذا الصوب في ذا المعنى مثال يجري على قضيّته العمّال، وبأن يُنسخ منه نسخِ يقرأ في الجوامع بها وبالأطراف على رؤس المنابر، وفي صدور المحافل والمحاضر، وبأن يُنقش نكته في الألواح، تسمّر على كل باب جامع ومشطاح، يتأملها البلدي والغريب، ويتسامع به البعيد والقريب، ليكون أخلد ذكراً، وأجدّ نشراً، وأسير بشرىً، وأوقع في قلوب الأشرار، وأردع للدعار في عامة الديار، ولتتّصل إلى المجلس الأعلى السلطاني الدعوات، وتقصر على شكر ما أنعم به الخلوات، وتختتم باستدامة دولته الصلوات، وقد أنعم بـإجراء التسويغات والأنظار القديمة، وبـإضافة ما سمحت به الهمّة العالية النظامية به آنفاً إليها وبالاقتصار من المعاملات على المشخص الواجب، وبأن تبقى فيهم هذه السنن ضربة لازب.
ولم يبق بها صاحب فضل، ولا طالب علم، ولا راوي حديث، ولا ناظم بيت، ولا كاتب كلمة، ولا مورد نكتة، ولا متقن مسألة، ولا حامل محبرة، إلا أدرّ عليه مرسوماً، وأقام له رزقاً معلوماً، أو أقطعه حصّة، أو ردَّ عليه بالملكية مزرعة، فيعيشون من أياديه، في ظل رطيب المطارح، ويتقلّبون من واديه في حمى رحب المسارح، فيتعرّفون عليهم جناح حشمته، ويتسلسل لهم قراح نعمته، ويعاد في دولته إلى العمارة صبيحة كل يوم محلّة وبقعة ودرب وطرف، وتستجدّ دور وحوانيت يتّسق به شملها الشتيت، وانزجر الغشمة الظلمة، وانعمرت البقاع المصطلمة.
لاجرم أن اتصلت له الأدعية، وكثرت العلوم الشرعية، وتشاغلت بعبودية ولائه الأفئدة، وتوافقت في مدحه وإطرائه الألسنة، لازالت أفعاله مقاليد الخيرات، وأيامه تواريخ السعادات والبركات، وأمر بابتناء مدرسة تجاور جامعها للفقهاء الشفعوية، فابتنيت كأحسن مارؤي هيأة وهيكلاً، وصنعة وعملاً، ومحلاً ومنزلاً، وعلى طرفها منارة عجيبة الوضع، رائقة الأصل والفرع، يصعد ثلاث أنفس إلى أعلاها في ثلاث جرجات فلا يرى أحد صاحبه إلى أن يعلوها. وقدر ما انصرف في نفقاتها والموقوف عليها من الضياع والمستغلات الموسوم ابتياعها للوقف عليها عشرة آلاف دينار.
ومنها أن السلطان المعظم شاهنشاه الأعظم، ملك العرب والعجم، سيّد ملوك الأمم، أبا الفتح ملكشاه قد رُبيَ فيها، وشبّ في نواحيها، وتعرّفت هي إليه في المدة المديدة بحقائقها، وقلّبتها الأيام لنظره بجلائلها ودقائقها، وعنى بها فيها المقدار، وساعدها الفلك الدوّار، فوقف من محاسنها وخصائصها على الغوامض الخفية، ودعته همته العلية إلى إعادة الماء إلى مصابها المتعفية، وألِفها إلفَ الطفلِ لمرضعته، وأنِسَ بها أُنس الصبّ بمسمعته، ثم لما أن قضى الله عزّوجل في السلطان الشهيد (رضي الله عنه وأرضاه) ما قضاه، وتولّى من أمور العالم ما كان يتولاّه، استظهر ببركات أدعية أهلها على المصاعب، وتقوّى بممالاتهم على درء المصائب، فانضاف له حسن الإيالة إلى استكمال الآلة، وتفشّى الأمن والعدل في الممالك يميناً ويساراً، وانتشر ألوية الصلاح في الأطراف انتشاراً، وجرت الأمور فيها على أحسن نسق، وتبّرحت الفضائل والمكارم من كل سرب ونفق، وكفى ما كان على أبيه معتاصاً، وأخذ بنواصي الأغراض فلم تجد عن طاعته مناصاً، وروّى ظمأ الظميّ من نفوس الأعداء، وسوّى معالم الاعتدال بنفي الاعتداء، فلا نهضة من نهضاته إلا وتقصم عسكراً جرّاراً، ولا لحظة من لحظاته إلا ويتعبد أحراراً، ويقود إلى التعفير له جبّاراً فجباراً، فيومٌ يسكن له تكين فيسلم له ماوراء النهر، ويوم تقاصر له قيصر فينفتح لحاجبه الروم بالقهر، والسلطان كَبَتَ الله مناوئيه يعدّ كلّ ذلك الآن نتائج دعوات أهل إصفهان.
ولو لم يكن من خصائصها ومناقبها غير أن أول نظر مولانا ولي النعم فخر الملك نصرة الدين أبي الفتح المظفر رضيّ أمير المؤمنين في الأمور السلطانية كان بها كفاها، لأنه كان من الأعظم المعاون التي استوت بها الدولة، واستقامت بها المملكة، وعلت لها الكلمة، وصاب فيها التدبير، وتيسّر معها التعسير، فقد ولي منها ماوليه في عنفوان شبابه والجدّ جذع، والقوم في التدبير شرع، بنظر ثاقب، ورأي صائب ، وقلب جريّ، ومنظر بهيّ، وهمّة عالية، الى يد مبسوطة، فأمر بقصر الأيدي، وزجر المتعدي، ورتبه أحسن ترتيب، وهذّبه أحمد تهذيب، وأجرى الأعمال على أجمل مجاريها، إذ أعطى فيها القوس باريها، انتصب للوزارة فيها آمراً وناهياً، فجبر كسيراً، وشدّ واهياً، فراعت صورته، وشاعت سيرته:
وليـــــس لله بمســتنكـــــــر أن يجمـــع العالم فـــي واحـد
انخرطت المشارق والمغارب في سلك أمره، وانتصف في معدلته، زيد المضروب من عمره، وشملت الممالك عامة وإصفهان خاصة، سعادة نظره، وشاهَدَت عياناً ما كانت تتمناه من خبره، فنفقت بها أسواق العلوم، وامّحت آثار السفه واللّوم، وقرّت عيون أهل الأدب، ودرّت أرزاقهم من غير طلب، فوسعهم الغنى والسعة، ودعتهم إلى الطرب الدعةُ، وعمرت فيها منازل الفضل، وبسقت فروع العدل، وأصبحت آمنة مطمئنة في أمانه، متحلّية بمجاورة وكيله وقهرمانه، فلأهل السدادِ من ديوانه نظر وتسويغ، ولأهل الفساد من زمانه زجر بليغ، أخصبت الديار وآمنتها، فلها من حضوره نواله وهبته، ومن غيبته مثاله وهيبته، تشاربت في أكنافها الذئاب والسخول، وتقاربت في الأمن الجبال والسهول.
ومنها أن الله تعالى وتقدس وفّقها لرياسة رئيس لا يسع حشمته إقليم وسياسة عظيم، لا يتعاظمه عظيم، كالرئيس الأجل السيد أبي عبدالله القاسم بن الفضل بن محمود، ولقد حلاّه الله بما حلاّه من النعم البيض، والجاه العريض، وطهارة الأزر، وجلالة الخطر، والبصيرة الفارقة، والرجولية الصادقة، والحشمة المغنية عن الأعوان، والكفاية المعطلة للديوان، والهيبة التي ما مثلها حجاب، والسعادة التي لا يعوقها عوائق وأسباب، فأصبح وسيرته المعروفة وحالته الموصوفة، وآثاره الظاهرة وصنائعه المتظاهرة، منبئة عما كَلَّ عن استيعابه لساني وبناني، وقصر عن استقصائه خاطري وبياني.
هذا التعليق أنموذجٌ ما كانت ترجع إليه إصفهان من جوامع المنافع، وشمةٌ
مما كانت تشتمل عليه من فضائل الخصائل، ونبذٌ مما كانت تستظهر به من أمارات العمارات التي شوهدت على عهد غير بعيد، وعوينت في زمان حديث جديد، وبعضها كان قائماً على سوقه إلى أواخر هذه السنين سنة إحدى وعشرين وأربعمائة التي اتفقت الغارة الشعواء بها وبعضها كان على حالته إلى غاية سنة أربعين وأربعمائة التي استولى فيها القحط والحصار، لتورّد العساكر السلطانية الطغرلبكية التي استولى عليها التركمانية. والقليل منها متشبث بطاقة من أهداب الرداع، ومتلبّث على وقدٍ ينظر دعوة الداع، وكاد أن يحكم فيها حكم الاعتساف، ويحال على الانتساف.
ولو لم يكن المقصود في الرسالة الاكتفاء منها بتقصار الاقتصار والتوكؤ على مخصرة الاختصار، والالتحاء من كثافة الإطالة والإملال، إلى لطافة الإقالة والإقلال، لأجررت اللسان فيها رسنه، وتركته ولسنه، ولألقيت حبل القريحة فيها على غاربها، لتجول في مشارقها ومغاربها، لكنني أتحقّق أني لو أوتيت فصاحة من غَبَرَ من البلغاء، من لدن عبدالحميد إلى زمان ابن العميد، ومن الشعراء من وقت لبيد إلى عهد ابن الوليد، وكانت لي كل جارحة ألسنة تملي في مفاخرها، ما استوفت أواخرها، بل حصلت في ربقة القصور، وارتهنت في صفقة الحسور، فسقياً لأمة قد خلت، وأيام طابت وحلت، وإصفهان إصفهان، والناس ناسٌ، والذَّنَبُ ذَنَبٌ والرأس رأس كشهور قائل البيت:
شهــورٌ ينقضين ومـــا شعرنــا بأنصاف لهنّ ولاسرارالصَمَّة القُشيري
وزمان الهرندي إذ قال:
زمانٌ كل يومٍ كان فيه
تباكرني قيانٌ بالقناني
وأسحــب بالبطالة فضل ذيلــي كيوم العيد يفتح بالتهاني
وتطربني غوانٌ بالأغاني
كــأني مــن زمانــي فـي أمان
وزمن الشيخ أبي القاسم بن أبي العلاء الذي يقول:
سقى الحيا زمناً قدّرتُهُ حُلُماً
لم أوفــه حقَّــه حتى استقلّ ولا هبَبْتُ منه وخلاًّ جاء فانصرفا
حصّلتُ معناه إلاّ بعد ما سَلَفــا
وليالي أبي الفرج بن يونس:
حواشــي ليالينا تـرفّ غضارةً فلو عصرت لينا لذابــت أمانيــاً
وأيام عبد الله بن أحمد الخازن:
فيا أسفاً لأيام تولّت
زمــا ناً مامضــى إلاّ حميــــداً معطّرة العشايا والغدايا
رضيَّ العيشِ مأمــون البلايـــا
إذ الأيام تتوضَّح بالمسرّات وتتحجّل، وتتحفّف في تحصيل الإرادات وتتعجّل، فياعجباً لعيش لو يدوم، فكانت سحابة صيف أقشعت، وصحابة طيف أقلعت، كما قال صاحب الرسالة:
مضت فانقضت والعين لم تمتلي بها
سحابةُ صيف ما تريــث ظلّهــا أَأَومض لي برقٌ أم انقضّ كوكب
وغفــوة صــبٍّ هائـــمٍ تتقلّب
فسقياً لها ثمّ سقياً إذ لم يدفع إلى تذكّرها.
وبمثل بيت أبي الفرج على بن محمد بن يونس:
أؤبّن عصراً أرض جدواه أخصبـت وأندب عيشاً بردنعمــاء أنهجـا
(فخر الملك )
لا بل على الحقيقة إن تحاكمنا إلى الواجب صادر عن ارادة من الله تعالى في أن يبتلي أهلها بما يقرّ لهم ناب النوائب، ويصبّ عليهم سوط المصائب، وينيخ عليهم كلاكل البلابل، ويتحرّك دونهم سلاسل الزلازل، حتى إذا أذاقهم طعم الاستنقاذ والاستشلاء، أو ساق اليهم شطراً من المواهب والآلاء، وقع من الشكر موقعه، وعلماً منه بالعباد ألاّ يعرفوا الأشياء إلاّ بالأضداد، كالضياء بالظلام، والصحة بالسقام، والعدل بالاهتضام، والسلامة بالانتقام، فمنّ عليهم بالإنعام في إلقاء الزمان، إلى مولانا فخر الملك نصرة الدين، وليّ النعم أبي الفتح المظفر إمام الكرام، وكهف الأنام، والقرم الهمام، الكريم المعتصر، الشريف العنصر، البدر الزاهر جمالاً، والبحر الزاخر نوالاً، والغيث الهامي أسبالاً، والليث الحامي أشبالاً، الذي لم تعرف البحور إلا من تبجّس أنامله مسترقة، ولا الصخور إلا من بأسه مختلقةً، ولا النيران إلا من عزائمه مقتبسة، ولا المناجح إلا من آرائه مختلسة، الذي لم يفته لله معنى بيت أبي تمام:
أغـرّ ربيـط الجأش ماضٍ جَنانهُ إذا ما القلوبُ الماضيات ارجَحَنّتِ
وبيت معبد بن سلم الضبيّ:
خميص الحشا هشّاًيراح إلى الندى قؤولٌ إذا مــازلّ صاحبـه لعـــا
وبيته:
كالغيث إن شمتــه وافــاك ريّقـه وإن تحمّلت عنه كان فـي الطلب
وبيت أبي عبادة البحتري:
سحاب إذاأعطى حسام إذاسطا له عزّة الهندي في هِزّةِ الغصـــنِ
ولم يخالف قول أبي الفرج بن يونس:
فتى العزم شيخ الحلم مكتهل الحجى حيا الجدب ليث الحرب بدرالمحافل
وتعيّن خلقه بمعنى بيت أبي القاسم بن العلاء:
تردى الحصان بهضبة من حلمـه وبلُجّة من جــــوده وعلومــه
ولو أنصف الهرندي في البيتين لم يخاطب بهما غيره:
بشانيك ما قد حلّ منك بمالكا
أرى سمحـــاء الناس طرّا كأنهم فما حاتم من جوده من رجالكا
تفاريق حسبان وأنــت فذالكــا
فلا زال شخص الكرم ببقائه محوطاً، وأمر الأقاليم بأقلامه منوطاً، وحمى الفضل بحشمته منيعاً، وجناب العقل به خصيبا مريعاً، وزند العلم به وارياً، وكعب الأدب فيه عالياً، فقد انبرى لها كهفاً لعفاتها مجيراً، وورداً على عداتها مبيراً، بعد أن أشرفت أوطانها على البوار، وقطّانها على الدَّمار، وتقطّعت بها مناظم المعاظم، واستبيحت محارم المكارم. وشقاشق النوائب بها هادرة، وعقائق النيارب إليها متبادرة، فتداركها برأيه الزنيق، وتدبيره الأنيق، وهمّته العليّة، وعنايته الجليّة، برأيه المحكم، وحلمه الراجح، واعتقاده الصالح، وفضائله الوافرة، وحركاته الظافرة، وعزمه الثاقب، ونظره الصائب، وعفّى أعلام مفاقرها بمحاسبه عليها من ذلاذل كرمه، وطهّرها من لحظات مقادرها بما أزله اليها من نواضح نعمه، وقمع دواعي الفساد بهيبته الرادعة، وقطع علائق العناد بأوامره الصادعة، وشرفت بوطي أخمصيه تربتها، حتى اتخذتها العيون كحلاً، وأخصبت ببسط راحتيه خطتها فلن تلائم بعده محلاًّ. فما أجدره بأن يكون ممدوحاً بأبيات أبي القاسم بن أبي العلاء:
زهيت مدينة إصفهان بعوده
وتبرَّجت جيٌّ له في حلّةٍ
من بعد ما نكست نواظر أهلهــا ملكاً يرى الدَّهر امتثال رسومه
شوكاء نمنمها الحيا بسجومه
أسفاً فكــــلٌ مُطرقٌ لوُجُومِــهِ
وما أجدرها بأن تكون في عودها إليها معنيّة ببيت أبي الفرج بن يونس:
لتَعَنْبَـــرت دقعـاؤه ورمالــه واستَروَضَـــت أعلامه و وهـاده
وبأبيات الصاحب:
فلمّا تشكّت إصفهان حنينَها
نهضتَ لها من كِبرِ همّك نهضةً
لجرَّت على سمك المجرَّة ذيلها
وجـاءت بوادي زرنروذ تحيّــةً إليك وأنّت أنّةَ المتألّم
وقلتَ اطمئنّي إن عندك مَوسِمي
وتاهت على أرض الحطيم وزمزم
إليك وقالــت إنه نـــزْلُ مقدمي
وكيف لا وقد جذب فيها بضبع الفضل، وجلب أهلها إلى ربع العدل، وأعاد إلى أبناء النعم أنقاً ورواء، والى ذوي العلم رونقاً وماء، وجبر مهيضهم، وعالج مريضهم، ودفع خاملهم، وأحسب آملهم، ورقح أحوال أهوالهم، ورشح أطفال آمالهم، وتخصّصوا معه بمعنى بيت المتنبي:
وتـَـحتَ رَبابِــهِ نَبتَوا وأثّــوا وفي أيامــــه كثــروا وطابــوا
وأصبحت أطماع الطامحين إلى نسفها منسحمة، وأصلاب المستشرين بعسفها منقصمة، وغياهب الخطوب المتفاقمة عن فنائها متقشعة، وغمائم الجدوب المتراكمة عن سمائها متعلّقة. ولو قدرت على الكلام لشكرت لوليّ الإنعام ببيت شقيق الفاضري:
لعمري لقد دافعت عني عظيمـة وأرقأت من عيني الدموع السوافكا
وبأبيات أبي الفرج بن يونس:
قصّت جناحي حادثاتٌ أعضلت
والدهر عنّي كان يعرض مذنباً
درّت عليَّ عروق أخلاف الغنى
فشكرتُ صُنعك كالرياض مجـودة فغرزت فيه قوادماً ومناكبا
حتى مَنَنتَ فجاء يضرع تائبا
لـمّا غدوتُ لضرعِ جودك حالبا
شكرت مناظرهاالسحاب الصائبا
فَليربعْ على ضِلعه مُباريه، وَليرجَعْ على عقبه مُجاريه، فلن يلحقا غُبارَ موكبه، ولن يبلغا نجاد منكبه، وهل يسامى مَنْ صار شراكاه للنسرين شركين، وتمكّن يداه من النيرين في الفلكين، أم هل يرامى من لا يفوته غاية مُرام ولا يفوقه عزّة مَرام، أم هل يساجل من تطامن لقدمه المرزمان، وتدوّخ لحكمه قرن الزمان، وإنْ ذُكر عِلم فهو ربّه، أو استبهم مُشكل فهو طبّه، أو علا خطب فهو ابنُ بَجدته، أو عن معضل كُفي بنجدته، وصاحب الرسالة قد مدحه بقصيدة تضمّنت أبياتاً مقتضيةً إيرادها لموافقتها هذا الفصل:
فبيتُ المعالي بات وهو قوامه
وفي أي عِلم شئتَ عن أي مشكلٍ
لقد شمل الآفاقَ معروفُ كفّه
توقّل طول المجد طفلاً ودونه
توقّر أكناف البسيط بحمله
فلولم يُحِط حيّاً أحاط بِصَقعه
توّلى فلمّا أن تجلّى لحفظه
به هبّ ريح منه أضحت سماؤه
قدانجسم الأطماع عن سرب أهلها
فشا الأمن من أكنافـــه وسـواده
كفت كفّه استسقاء سكانِ قُطــرِهِ وعقدُ المساعي عاد وهو نظامه
نبا الفهم عنه سَلْه فهو إمامه
وذا المسك عُرفاً لايكاد انكتامه
تطاطا إذ رام الصعودَ سنامُهُ
وقد خفّ فيها بَذْبَلٌ وشمامُهُ
دواعي فسادٍ كاد فيه اصطلامه
تحلّى به حتى تجلّى قتامه
وأقشع عنه غمّه وغَمامه
بأن ساسها أقلامُه وحُسامه
تشـارب فيــه ذيبــه وبهامـــه
ولولم يُجِدْ دهراً بِقَطــرٍ جَهامُــهُ
ومن قصيدة مدحه بها:
طوبى لأرض راح فيها أو غدا
أوتيت سؤلَكِ أبشرى محسودةً
أسباب رزق الله في إقليمنا
أترى مفاتِحَ أم مَواتِحَ منهل الـ
توحي إلــى أقلامـــه ألفاظــه يا جيُّ شمّي ريحه واستنشقي
ما بين قطري مغرب أو مشرق
أقلامه لو لم تكن لم يرزقِ
أرزاق تفتحُ بابَه أم تستقي
مِنْ مونقٍ معناه أو مِــنْ مُوبِــق
ولو أدرك الأستاذ أبو الفتح أحمد بن علي المافروخي هذه الأوقات لما مدح غيره بهذه الأبيات:
واعدتَ جيّاً غضّة ترتاح في
وشّحتها أمناً وعدلاً فائضاً
وشَحَنتها كرماً ترفُّ رياضُه
جــوّ المقيم بها منيـــف غضارةٍ رغدٍ ووجهٍ بالرَّبيعِ طليقِ
في ضمّ منشور ورتقِ فتوقِ
أسداء إحسان ورعى حقوق
ونَدَى وغصنُ العيشِ جدّ وريـقِ
ذو الغرّة الطليقة، والعذبة الذليقة، واليد المبسوطة، والسدة المحوطة، فللعفاة من تباشير بشره عنوان. ناطق عن صحيفة الكرم، وللزوّار في وكفات كفّه برهان صادق على مغيّبات النعم، يحلّ عقد السحر مجاراته مداراة، ويصدع صمّ الصخور مفاوضته مماراة، كما قال النابغة:
القائلُ القــــولَ الـــذي مِثلُــه يــــمرعُ منه البلـــدُ الماحِــلُ
الذي لم تَربِ الكتابةُ بمثل ارتضاع أقلامه، ولم تغب الكتيبة لشبه ارتفاع أعلامه، ولم يداوَ بمثل مدة دواته عُضال، ولم يبلغ ما يبلغه طعان ولا نضال، الذي أنطق الجمهور بـإطرائه، وثنى ألسنَتَهم إلى الجهر بثنائه، فتوارد في مدحه ناشِئوا الفضلاء، وتوافق فيه طارئوا الشعراء، ولقد قرطس أبو الفرج بن يونس في بيته، إلاّ أن معناه لا يليق بغيره:
ماصاغ مدحاً في رئيسٍ شاعــرٌ فــأجــاد إلا والعميـــدُ مرادُهُ
وصارت خواطر المشايخ الأعيان منهم إليه مصورة، وقرائح الأحداث الشبّان عليه مقصورة، وإنّي من أشعارهم الجارية مُجري رسالتي هذه في مدح إصفهان أبياتاً مشفوعة بمديحه، وخادمه صاحب الرسالة يقول:
لئن خربت جيٌّ وليس بصقعها
أفاضلُ دنياهم وأعيان عصرهم
شبابٌ وشيبٌ كلّما استبرأوا رأوا
إخاؤُهُم فَخرٌ وصحبتهُم عُلىً
يُخيّل ما أمْلُوهُ نَثراً وأنشَدوا
توارى بهم ثاراتُ دهر معاندٍ
زمانٌ يناوى الفضلَ حتى كأنّه
يحاول كلٌ أن يسلّ سخيمة الـ
بلى باب فخر الملك كهف يكادمَنْ
ليأتوا جناب العزّ منه ولا يكن
ستُردَدْ إليهــم عزّةٌ بعـــد ذلــة لذى الفضل عزُّ إنّ فيه بقايا
خبايا طوتها بـإصفهان زوايا
براء من التغيير بين برايا
وذكرهم عند اللبيب إلايا
قريضاً من الوحي المنزّل آيا
أفاضلهَ يَلقونَ منه بلايا
نوى في امرئ ينوي التفضّل نايا
زمان لهم والدّاء فيه عيايا
به يتحاماه الزمان رزايا
على أحدج منهم حذار منايا
وتجعلْ لهم فــي العالمين مزايــا
فمن جمع مدحهما في شعر، ونَظَم ذكرهما في عقد، الأديب ذو البيانين أبو عبد الله الحسين النظري:
حوت إصفهان خصالاً عجابا
هواءاً منيراً وماء نميراً
وترباً زكيّاً ونبتاً روياً
وفاكهة لا ترى مثلها
تفيدُ الأعلاء بُرءاً كما
وزاد محاسنَها زرنروذ
تقدّرها والحصى تحتها
وكالرقش حائرة في مضيق
وكالسابغات إذا ما جرت
وفيها فصول الزمان اعتَدَلْنَ
فلا البردُ يُردي ولا الحرّ يؤذي
ترى ابنَ ثلاث بها يستفيد
ومن فَوقِه حافظاً كاتباً
وقوماً سراة رحابَ البنان
بدور المآثر رأياً مُصيباً
فأطيِبْ بهم سادةً قادةً
ولستَ ترى مثلها في البلاد
غداً فخر ملكٍ لهم سيّداً
فتىً خيّر الله أخلاقَه
وعــادت لكـــلّ جمــالٍ مجالاً بها كلّ ما تشتهيه استجابا
وخيراً كثيراً ودوراً رحاباً
وروضاً رضيّاً يناغي السحابا
نسيماً وطعماً ولونا عجابا
يُفيد الربيعُ الرياضَ الشبابا
مياهاً كطعم الحيوة عذابا
لجيناً فويق اللآلي مُذابا
إذا اضطرب الموجُ فيه اضطرابا
عليه الصبا فكسته الحبابا
فلا فصلَ إلا وما فيه طابا
ولا الريح تقذي وتذري تُرابا
حديثَ الرسول ويتلو الكتابا
أديباً نجيباً يباري النجابا
عِراب اللسان وما هُم عرابا
بُحورُ المكارم مالاً مُصابا
وأطيبْ بهم بلداً مُستطابا
ولا مثلَهم في البرايا صَحابا
ولولاه صارت وصاروا نهابا
فجازت من الطيّبات لُبابا
وصارت لكــــلِّ صلاحٍ مآبــا
وأبو طاهر البسطامي من قصيدة:
قالت ولا مستنكرٌ
إن يُبدع الفردوسَ ليـ
إن شاء فوقَ الأرض أو
قد قال قومٌ إنها
كذبوا وحَقِّ الله
أوَ ليس جيّ جنةٌ
أوَ ليس منها السّلسبيل
حصباؤها المرجانُ بل
هل دورُها إلا التي
من ذا تأمّلها فلم
ما زانها إلا الذي
هذاك فخرُ الملك ذو
غـــوثُ الطريـــد المستكيـــن من قُدرة الربّ القدير
ـس عليه ذلك بالعسير
فوقَ السماء بلا مشير
مِنْ بعد بعثرةِ القبور
واحتجّوا علىكذب وزور
أوَ ليس هذا بالشهير
وتُربها فوق العبير
يُزري حصاها بالشذور
وَعَد الإله من القصور
يتولّ بالطرف الحسير
فاق الأنام بفضل خير
النائل الجمّ الغفير
ونعشـــــةُ الجَــــدِّ العَثـــور
وأبو الرجاء حامد بن محمد المعروف بالعقاب:
أيا بلدةً روحاء طابَ نسيمُها
ويا بقعة لازال يأرج جوّها
نميرُكِ سلسالٌ وظلّك سَجْسَجٌ
محلّتنا فيها مرادٌ لمن رعى
بها الروضة الغنّاء والغادة التي
أوانس جرواآن والجيُّ ناعم
لقد طاب سقياها وغضّ نباتها
بها من بقايا الفاضلين عصابةٌ
وكيف يرجّى في صلاح عشيرةٍ
لــه عادتا طَــولٍ وبَذل أعرّتــا ويا جنةً فيحاء دام نعيمها
كما شجّ بالمسك الزكيّ أديمها
ونعماك في الحالات هنّى وخيمها
وإن درست بالحادثات رسومها
إذا خالطتها النفس زالت همومها
يساعدني فيها مع الدهر رسمها
وعطّر ريّاها ورقّ نسيمها
بحشمة فخر الملك فهو زعيمها
فسادٌ ومولانا العميد كريمها
لمكرمة تــولى ونُعمـــى نديمهـا
والشيخ أبو الفضل سعد بن الحسين المافروخي:
خذي مهجتي فيما سألت وصدّقي
تعرّفتُ حال الجيّ قبل اختلالها
ذكرتُ زماناً طاب ماكان داعياً
عهدتُ وشملُ الأنس مجتمع به
فكم مجمع قد كان في حجراته
ومن موضع للأنس مأوى تنزّه
غناء هزار فوق عود مورّقٍ
ونعمة ملاّك وجدوى لسوقة
تنادت بها الأيام هل من منازع
تقضّى وقد أشفى على الهلك كلّها
فلاحَظَ فخر الملك حالتها التي
به انتظم المختلّ وانزجر العِـــدى أجبك ومافيها تزيّد منطق
وكان إليها الدهر لم يتطرّق
إلى رفع سور لا ولا فتح خندق
وغُصنُ مسرّات نضيرُ التورّق
بحسن كلام أو لقول مصدّق
ومطرب شرب بالرضى متنسّق
لدى مزهر يشدو وكأسٍ مروّق
وفرحة كتّاب بنفع ومرفق
وقال لسان الغنم هل من معوّق
ولم يكُ يُرجى فيه عيشٌ لمن بقي
نَبَتْ فَتَلافاها برأي موفّق
وشاع الهدى مابين غرب ومشرق
وعاصم بن أبي الوفاء بن المظفر بن أبي الأسود:
سُقيتِ حيا الغمامةِ إصفهانُ
وإنك في بلاد الأرض مصرٌ
تعوّد أن يُقرّظك اللسان
لطافةُ تربةٍ وصفاءُ ماء
وحسبك ظل فخر الملك جاراً
مجدٌّ ماجد مجدٌ مجيد
وما يحويه مِنْ عَـــرض مُهــان فإنك جَنّة لابَلْ جِنانُ
يُشير إليه بالحٌسِنِ البَنانُ
وجُنّ بطيبِ جَنّتك الجَنان
ورقّةُ قهوةٍ تحوي الدنان
لِتزه به فخادِمُك الزمان
ومنطقه اللآلي والجُمان
وعِرضُ المجد محفـــوظ يُصــان
وأبو الفضل إسماعيل بن محمد الجرباذقاني:
يا إصفهان سُقيت الخمرَ صافية
يا حبّذا جبل الريّان من جَبَلٍ
بـزندروذ ديونٌ قد مَطَلتُ بها
يا بقعةً هي دار الخُلد أو خُلِقت
وزادَهـــا بهجــةً فيمــا يُعدّ لها إذ قلتُ قلّت لها سقياً غواديها
وحبّذا لي مصلاها وواديها
وإن أعش فزماني سوف يَقضيها
أنموذجاً لنعيم دائم فيها
إن نصرة الدين فخر الملك داعيها
وأبو العلاء بختيار بن بنيمان بن خرزاذ:
سقيت يا إصفهان من كورةٍ
فالأرض عَقْدٌ وأنتِ واسطةٌ
وهل توازي النجوم بدر دجىً
احسن به والربيع مقتبلٌ
وجدّ نَورٌ بصوب باكرة
وقابلَ الزعفرانُ نرجِسَهُ
وزندروذ الضحى بصفحته
حُبابةٌ تنثني على حبك
ينساب في جريه على عجل
حكى ندى يــد فخر مملكــة الـ مِدْحَةُ صَقع سواكِ مَنكورهْ
والبِرُّ شخص وإنّك الصوره
أم هل تباري بنورها نوره
أزهاره كالبرود منشوره
وجاد نَوء بصوغِ باكوره
وغازل الأقحوان كافوره
سبائك للّجين مذروره
يخال أثر الصفاح مشهوره
كالأيم يفلى الطريق مذعوره
سلطـان بل في الخفوف مأمــوره
وأبو العلاء محمد بن أحمد المهروقاني:
أقول لغيم مدّ في الأرض مطرفاً
فرجَّع فيه الرعد رنّة ثاكلٍ
بعاطفة القُربى اسق جَيّاً وأهلَها
هي البقعة الغناء أيَّة بقعةٍ
إذا نَسَمَت فيها الصبا رقّ روضها
هواءٌ نسيميٌ وتربٌ ممسّك
فلو شاهدته جَنّةُ الخلد واجتلت
بها كلّ وضّاح الجبين إذا احتبى
ولو لم يكن من فضلها غير أنها
كفاهـــا بهـذا مفخراً وفضيلــةً تطرّزه إيماضه البرق بالذهبْ
تبيت حليف الوجدتبكي وتنتحب
شآبيب تهمي مثل ما تفرغ القربْ
تسابقها في الحسن أحرزت القصب
كشارب خمر هزّه سانح الطرب
وماء كمايجرى الرضاب علىالشنب
محاسنها في عينها قضت العجب
فمن فضله المشهور يُقتبس الأدب
الىمثل فخر الملك تنمى وتنتسب
على مدى الأيام تَحسدُها الشُهب
وإسماعيل بن أبي طاهر بن عبد الرحيم:
تكلّفني وصف اصفهان وإنها
بأيّ أقاليم البلاد تقيسها
قد اعتدلت أوقاتها وفصولها
لها نشوات لا يحاذَر بردُها
فَمَن حلّ جياً ليس يثني رحالها
لتشرب مياه الزندروذ اشتكت
ودع ذا فيكفيها من الفخرأن غدت
فلُقياه بدرٌ إن تغيّب بدرُها
فلا أوحشت من عدله سري السّهى لأطيب أرض الله جاد غَمامُها
وكل بلاد عبدها وغلامها
وما استكرهت يقظاتها ومنامها
وأصيافها ما إن يخاف احتدامها
وأنسيَ حاجات بأخرى انتظامها
من السّقم نفس كي يخفّ سقامها
وفي يد فخر الملك هذا زمامها
وحذياه قَطرٌ إن تقحّطِ عامها
وغرّد فـي أفنان أيــك حَمامهـا
وأبو منصور بن المظفر التميمي الشروطي:
بأزراد المناقب والفضائلْ
ففيه توشّحت زهرُ الخصائل
فماهي بالخوافيّ الأفاضل
رأته تصفّحا أعلى المنازل
سواها بالثريّا إذ تُساجل
كمثل الشمع صفّاه المراجل
كطعم السلسبيل لمن يقابل
شحين بالركايا والمناهل
وقد يلتفّ أمثال السلاسل
ولون مدوده عصر الصنادل
نظير مقلّدات بالهياكل
وطوراً قد تحلّق في السواحل
فتُطربُهم نواعيق الزلازل
مدى ما الشمس تغرب في الأصائل
فهذا المدح في التحقيق باطل فصار الآن فرضاً أن يزائل
محارمه على أيدي الأراذل
ولا إنصاف في التمييز حاصل
وأرياً ثم بُدّل بالحناظل
ومن يغني العفاة عن المسائل
أبي الفتح الندى السند الحلاحــل شَدَدتُ عُرَى المساعي والمعالي
بوصفي الـإصفهان وما يليه
أما إنّي أكرّرها التذاذاً
بقاع الأرض قَدْ حَسَدته لـمّا
وأيةُ بقعة تزري كفاحاً
هواء سَجْسَج رغد وطينٌ
وماء في العذوبة قد تناهى
وأرضٌ لَدْنَةٌ صلباء جَرماً
ويجري زرنروذ بعَقوتيه
حسبت خريره منه زئيراً
ويا حُسنَ الفواخت والقماري
وعشّاق الطيور ترنُّ طوراً
تحار ضمائر النظّار فيها
سقاه الله من وَدَق الغوادي
فيا نفسي أبيتِ اللعن مهلاً
مقام النفس فرضاً كان فيه
غصون الفرض جدّت واستحلّت
فلا تَوْقير أهل العلم باقٍ
وكان حلاوة شيبت بسُمٍّ
بمن ذا نستجير ومن نرجّي
سوى القرم المظفّر فخــر ملــك
والجوهري الواعظ:
ففيه شموسٌ طالعات وأقمُرُ
وروض أقاح كالنجوم منوّر
وصحة ماء مستطاب وأنهر
تضوّع في أردانها الدهر عنبر
لذاذتها شهدٌ وثلج وسكّر
وبُردٌ وديباج ومَرطٌ ومئزَرُ
غدا عاجزاً عن مثله اليوم عسكر
ككثبان رَمل لا تني تتصغّر
حنين أسود للمجاعة تزأر
كجنة عدن روضها يتعطّر
لذا الملك فخراً بل به الدّهر يفخر سقى الله إصفهان دار أحبّتي
ووردٌ ونسرين وآس ونرجسٌ
وطيبُ هواء مسلتذّ لرقّةٍ
وأشجار جيٍّ كالعرائس إذ بدت
عليها ثمار مشتهاة كأنما
وفيها ثياب للملوك لطيفة
وفيها نبات لا يكون ببلدة
وفيها خدود كالبدور وأعجزٌ
كأن حنين الزندروذ خلالها
ترى ماءها مثل اللجين وأرضها
ومعقلها القوم المظفر مــن غــدا
وأبوغالب هبة الله بن محمد بن هرون:
حويِتِه من معانٍ حارَ مُحصيها
مياه دجلة إذ جاشت أواديها
كالكحل إن جزرت أمواه واديها
ودور كردابة تحكي تلوّيها
أشبالها بعد أن باتت بِراعيها
فضيّةٌ طرّزت بالتبر تمويها
هنّ الجنان من الفردوس تشبيها
كأنّما حُشيتِ مسكاً حواشيها
قضى العجائب منها عين رائيها
سبحان خالقها سبحان باريها
بل من خصائص ماقد رُكّبَتْ فيها
برّاً وبحراً فلا مصر يدانيها
وتربةً عِطرُ الكافور يحكيها
جار الأئمة أخزتها دعاويها
فتح المظفر راعيها وكافيها
هام الثريّا وحازتها مراميها
خبراً ونوّه باسم الفضل تنويها
من البلاغة في أعلى مراقيها
مادامت الزهر تجري في مجاريها
بالطوع والقدر الماضي يواتيهـــا يا إصفهان لقد فقت البلاد بما
بـزرنروذ الذي يحكي تموجه
مصندل الماء وقت المدّ أزرقه
ينساب كالأفعوان الصلّ مطّرداً
خريره كزئير الأسد إذ فقدت
كأنّه وهلال الأفق طرّزه
ومن رياض يروق العين رائقها
تَضُوع أرجاؤها عند الصَّبا أرَجاً
إذا الأزاهير عن أكمامها طلعت
وأصفر فاقع أو أبيض يَقَقٌ
ومن ثمار تراها من لطائفها
يا بلدة فاقت الآفاق أجمعها
ماء نميراً وجواً سجسجاً أرجاً
هذا وكم من أديب أنشأته إذا
وحسبها مفخراً أن الأجل أبا الـ
قومٌ له هِمّةٌ شماء قد وطئت
أحيا معالم آدابٍ أحاط بها
ممكّنا من نواصي العلم مرتقياً
لازال مشرقة أيام دولته
يقابل الفلك الجـــاري أوامــره
والقاضي محمد بن أحمد القمي:
حين هبّت بها وفود الشمال
بكمال وصفت أو بجمال
خصّ جنّاته بخمس خصال
والرياحين والمياه الزلال
ورثتها أواخر عن أوال
بأزاهيرها خوافي الرءال
من لجينٍ مذوّب بجلال
أيم يرتاد طرقه في صلال
يبتغي الصيد للطوى باغتيال
حين قال المنادمون نزال
أو دنا للرحيل وقت الزوال
جود فخر الملوك فينا بمال
علم العلم طوده المتعالي
للذي شـمّه نسيم الغوالي
هــو والسحـــر عندنا في مثـال من إلى إصفهان يبلغ وصفي
با أجلّ البلاد شرقاً وغرباً
خصّها الله ذو الجلال بما
بالبساتين واعتدال هواء
والقصور التي بناها ملوك
وكأن الرياض فيك تحلّت
حبذا زرنروذ واد تغطّى
تحسب الماء فيه تجري كجري الـ
صوته في الهياج صوت هزبر
قد نزلنا بضفّتيه غُدُوّاً
وخلونا بشُرب خمرٍ ولهو
فوجدنا السماح فيه بماءٍ
أريحيٌّ سَمْحٌ بهيٌ سخيّ
إن طُرساً يمسّه فاح منه
إنّ لفظاً بــه يريــــد لسانـــاً
قد طويُت رسالتي على عواهنها وهناتها، ولففتها على مضمناتها، أخللت أم أحمضت، وأجللت أم أغمضت، وفي الفصول من خلل العبارة متتبّع، وفي الفصوص لقلة البضاعة مترقّع، وإن أحلت في مقدمات الرسالة وأطلت، ومطلت في أواخرها وعطلت، لقد جهدت فيها جهد المقلّ، وانسلخت بابلاء الوسع من مسك المخلّ، وجمعت ما قدرت عليه نظماً ونثراً، وتصفّحت ما وجدت السبيل اليه بطناً وظهراً، فلم أظفر بغير ما اشتمل عليه حجم هذه الأجزاء القليلة الأجزاء، ووعدت نفسي عنها أحسن الجزاء، وسيلحق به آنفا ما يمكن إلحاقه، ويُساق إلى كل باب منها ما يتسهل مَساقه، والمتصدّي لما تصدّيت له أن قرطس وأصاب، وأعجب وأطاب، لايكاد يسلم من إحدى خلّتين هما كحماري العبادي إما أن يلام لتصديع وترجيع، أو يذام بتقصير وتضجيع، وقد وضعت قليل ما أرجع إليه من فضل، وأعيش به من عقل، بين يدي الناظر فيها على طبق، ورفعته على منصّة لكل ذي عين وحدق، واعتصمت بحبل التوكّل، واختتمت بفصل التنصّل، فصبراً يا نفس للنقرات صبراً وستراً.
اللّهم على العورات ستراً، ورحم الله فاضلاً تأمّلها فأصلح ما وجد فيها من خلل، وعثر عليه من خطل، ومَنّ على صاحبها بتثقيفه وترتيبه وتنقيحه وتهذيبه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
تمّ الكتاب بحمد الله تعالى وحسن تيسيره وفرغ من تحريره العبد الضعيف المذنب الراجي إلى رحمة الله تعالى حيدر بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي القاسم المديني في الثاني من شهر الله الحرام ذي الحجة خمس وثلاثين وسبعمائة، حامداً لله تعالى، ومصلياً على خاتم النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين أجمعين.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• أخبار التقريب   (بازدید: 1050)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• إصفهان.. عاصمة الثقافة الإسلامية   (بازدید: 1028)   (موضوع: ثقافة)
• أضواء على رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية   (بازدید: 2097)   (موضوع: مؤسسات ثقافية)
• احمد صدقي الدجاني رجل الفكر الحضاري   (بازدید: 1594)   (موضوع: شخصيات)
• اخبار التقريب   (بازدید: 950)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• اخبار التقريب خلال العام الماضي   (بازدید: 1079)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• اختتام الدورة الأولى لمهارات اللغة العربية   (بازدید: 1092)   (موضوع: ملتقيات)
• اعلان طهران حول الحوار بين الحضارات   (بازدید: 1019)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الأبعاد التقريبية في نداء الامام الخامنئي   (بازدید: 911)   (موضوع: نداءات)
• الإسلام و التعاون الإقليمي والدولي   (بازدید: 1010)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• الاجتماع الثالث عشر لمجمع الفقه الإسلامي (الكويت)   (بازدید: 1011)   (موضوع: ملتقيات)
• الاجتماع الرابع عشر للجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك في منظمة المؤتمر الاسلامي   (بازدید: 1120)   (موضوع: ملتقيات)
• الاعداد من ١ - ١٦ من مجلة «رسالة التقريب»   (بازدید: 2054)   (موضوع: فهرس)
• الامام الشيخ محمد شلتوت (٢ / ٢) الاستاذ الدكتور محمد عمارة   (بازدید: 2322)   (موضوع: شخصيات)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (موضوع: )
• الايسيسكو و القرن الحادي و العشرون   (بازدید: 1241)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• البوسنة الجرح النازف   (بازدید: 1594)   (موضوع: )
• البيان الاول واصداؤه   (بازدید: 983)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• البيان الختامي   (بازدید: 968)   (موضوع: ملتقيات)
• البيان الختامي   (بازدید: 983)   (موضوع: ملتقيات)
• البيان الختامي المؤتمر الدولي الرابع عشر للوحدة الإسلاميّة   (بازدید: 975)   (موضوع: ملتقيات)
• البيان الختامي لمؤتمر الشهيد الصدر   (بازدید: 1020)   (موضوع: ملتقيات)
• البيان الختامي لمؤتمر علماء الإسلام   (بازدید: 905)   (موضوع: ملتقيات)
• التغيير الإسلامي في إيران من منظور حضاري   (بازدید: 1098)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الثقافة   (بازدید: 1274)   (موضوع: )
• الحضارت حوار أم صدام؟   (بازدید: 1223)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الحلقة المفقود ما قبل تعارف الحضارات   (بازدید: 1342)   (موضوع: دراسات حضارية)
• الحوار الإيراني العربي / في المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق   (بازدید: 2061)   (موضوع: ملتقيات)
• الحوار الاسلامى - الاسلامى   (بازدید: 900)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الحوار الاسلامى - الغربى   (بازدید: 956)   (موضوع: حوار)
• الحوار الاسلامى - القومى   (بازدید: 976)   (موضوع: حوار)
• الحوار الاسلامى - المسيحي   (بازدید: 1125)   (موضوع: حوار)
• الحوار الايرانى - العربى   (بازدید: 954)   (موضوع: حوار)
• السياسة بين السلب والإيجاب   (بازدید: 1686)   (موضوع: )
• الشهيد مطهري و احياء الفكر الاسلامي   (بازدید: 1491)   (موضوع: شخصيات)
• الشيخ ميثم البحراني رمز من رموز التراث والتواصل الحضاري   (بازدید: 1930)   (موضوع: شخصيات)
• الصراع الإسلامي - الصهيوني أحد محاور الوحدة الإسلاميّة \ بقلم التحرير   (بازدید: 1023)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• العروة الوثقى في الذكرى المئوية لصدورها   (بازدید: 1453)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• العزّة وثقافة التقريب   (بازدید: 725)   (موضوع: )
• العلاقات الايرانية المصرية - رؤية حضارية   (بازدید: 1240)   (موضوع: أوضاع المسلمين)
• العلامة محمد تقي القمي رائد للتقريب والنهضة الإسلامية   (بازدید: 2852)   (موضوع: شخصيات)
• القضية الفلسطينية من منظور حضاري   (بازدید: 986)   (موضوع: فلسطين)
• القيادة الإسلامية والانفتاح على الآخر   (بازدید: 1030)   (موضوع: فكر إسلامي)
• المؤتمر الإعلامي الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية (طهران)   (بازدید: 1607)   (موضوع: ملتقيات)
• المؤتمر العالمي الحادي عشر للوحدة الاسلامية   (بازدید: 986)   (موضوع: ملتقيات)
• المؤتمر العالمي السابع للوحدة الإسلاميّة   (بازدید: 884)   (موضوع: ملتقيات)
• المؤتمر العالمي للسيد جمال الدين الاسد آبادي المعروف بالأفغاني   (بازدید: 1087)   (موضوع: ملتقيات)
• المجمع العالمي للتقريب يدين الجريمة الصهيونية في مسجد الخليل   (بازدید: 913)   (موضوع: بيانات)
• المحور الفقهي   (بازدید: 875)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت مقدمة   (بازدید: 937)   (موضوع: ملتقيات)
• الموسوعة الميسرة في الاديان و المذاهب المعاصرة   (بازدید: 1130)   (موضوع: كتب)
• الوحدة الوطنية في المنظار الإسلامي   (بازدید: 1607)   (موضوع: )
• انتشار الإسلام في إيران هل دخل بالسيف أم عن طريق القلوب؟   (بازدید: 920)   (موضوع: )
• انتصار لبنان.. حضارياً   (بازدید: 1033)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• انتصار لبنان.. حضارياً   (بازدید: 979)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• بعد مرور ٧ قرون على مولده أسفار ابن بطوطة مازالت حديث العالم   (بازدید: 2397)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• بيان المجمع العالمي للتقريب بمناسبة أحداث لاهور المؤسفة   (بازدید: 1023)   (موضوع: بيانات)
• تجديد الخطاب الديني بين الفعل والانفعال   (بازدید: 925)   (موضوع: فكر إسلامي)
• تجديد الخطاب الديني بين الفعل والانفعال   (بازدید: 1039)   (موضوع: فكر إسلامي)
• تساؤل   (بازدید: 994)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• تقرير حول المجمع العالمي للتقريب   (بازدید: 1144)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• تقرير عن المؤتمر الثالث عشر للوحدة الاسلامية   (بازدید: 978)   (موضوع: ملتقيات)
• تقرير عن المؤتمر الدولي الخامس للوحدة الإسلاميّة الامانة العامة للمجمع العالمي للتقريب   (بازدید: 2336)   (موضوع: ملتقيات)
• تقرير مختصر عن الندوة العالمية للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة في ماليزيا الأمانة العامة للمجمع العالمي للتقريب   (بازدید: 2373)   (موضوع: ملتقيات)
• توجيهات الامام القائد   (بازدید: 1132)   (موضوع: خطابات)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (موضوع: )
• تونسيان يدافعان عن شخصيتين ايرانيتين   (بازدید: 1191)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• ثقافة التقريب... لماذا؟   (بازدید: 1333)   (موضوع: )
• ثقافـة الحـوار   (بازدید: 1376)   (موضوع: حوار)
• جولة في كلمات التحرير   (بازدید: 1489)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• حافظ الشيرازي شاعر الغزل   (بازدید: 4576)   (موضوع: )
• حوار مع الأستاذ الدكتور يوسف الكتاني   (بازدید: 3118)   (موضوع: )
• حوار مع الاستاذ الشيخ الدكتور يـوسف القـرضـاوي   (بازدید: 1827)   (موضوع: مقابلات)
• حوار مع السيد حسن الرباني نائب الامين العام للمجمع   (بازدید: 1721)   (موضوع: مقابلات)
• خطاب الامام السيد علي الخامنئي في جلسة افتتاح القمة الاسلامية   (بازدید: 1902)   (موضوع: خطابات)
• دار التقريب بين المذاهب الاسلامية القاهرة القسم الثاني - تاريخ ووثائق   (بازدید: 5026)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• دار التقريب على لسان متحامل   (بازدید: 1912)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• دور الأدب في بناء الحضارة المعاصرة   (بازدید: 4451)   (موضوع: أدب)
• رؤية اسلامية لحال الامة   (بازدید: 1923)   (موضوع: فكر إسلامي)
• رسالتان متبادلتان بين الأمين العام و شيخ الأزهر   (بازدید: 2171)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• زيارات - لقاءات - بيانات   (بازدید: 1680)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• سؤالان حول الأدب الفارسي وجواب الجواهري وسيد قطب   (بازدید: 3825)   (موضوع: )
• سعدي الشيرازي من رموز وحدتنا الحضارية   (بازدید: 1521)   (موضوع: )
• سعدي شاعر الإنسانية   (بازدید: 1861)   (موضوع: )
• سماحة الإمام الشهيد مرتضى المطهري   (بازدید: 1743)   (موضوع: شخصيات)
• سماحة الإمام الشيخ محمّد الغزالي   (بازدید: 1361)   (موضوع: شخصيات)
• عاشوراء بمنظار حضاري   (بازدید: 1463)   (موضوع: دراسات حضارية)
• عاصفة الشهوات.. والإذلال   (بازدید: 1264)   (موضوع: )
• عالم الكتب   (بازدید: 1590)   (موضوع: )
• عبدالرحمن الكواكبي من روّاد الاستنهاض الحضاري   (بازدید: 1350)   (موضوع: دراسات حضارية)
• عطاء السيرة   (بازدید: 998)   (موضوع: )
• فتوى جبهة علماء الأزهر بشأن منفذي العمليات الاستشهادية   (بازدید: 1466)   (موضوع: فقه)
• فضلية الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله)   (بازدید: 987)   (موضوع: شخصيات)
• فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري (رحمه الله)   (بازدید: 1096)   (موضوع: شخصيات)
• فقه الاختلاف   (بازدید: 734)   (موضوع: بيانات)
• فلسطين .. والشعر   (بازدید: 1078)   (موضوع: أدب)
• فلسطين .. والشعر   (بازدید: 2280)   (موضوع: أدب)
• فلسطين.. ثقافياً   (بازدید: 922)   (موضوع: فلسطين)
• فهرست الاعداد من ١ - ٦٠   (بازدید: 917)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (موضوع: )
• قراءة سريعة في التوجه التقريبي للقائدين   (بازدید: 967)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• قرارات الدورة ١١ لمجمع الفقه الاسلامي   (بازدید: 996)   (موضوع: ملتقيات)
• قصة الطوائف   (بازدید: 908)   (موضوع: كتب)
• قضية الحـجـاب في فرنسا   (بازدید: 2067)   (موضوع: أوضاع المسلمين)
• كلمة الامام الخامنئي في المولد النبوي الشريف   (بازدید: 993)   (موضوع: خطابات)
• كلمة عن المؤلف والكتاب   (بازدید: 945)   (موضوع: تاريخ)
• كلمة لابدّ منها   (بازدید: 1040)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• كنّا قرية صغيرة   (بازدید: 977)   (موضوع: دراسات حضارية)
• كيف نقرأ التاريخ   (بازدید: 784)   (موضوع: )
• لقاء أعضاء لجنة تنسيق العمل الاسلامي المشترك بالامام القائد   (بازدید: 1091)   (موضوع: ملتقيات)
• لقاء مع الأستاذ العلامة السيد محمد باقر الحكيم   (بازدید: 1073)   (موضوع: مقابلات)
• لقاء مع الأستاذ المولوي اسحق مدني   (بازدید: 916)   (موضوع: مقابلات)
• لقاء مع فضيلة الأمين العام   (بازدید: 959)   (موضوع: مقابلات)
• مؤتمر «اللغة العربية إلى أين؟»   (بازدید: 1115)   (موضوع: ملتقيات)
• مؤتمر علماء الإسلام (بيروت)   (بازدید: 975)   (موضوع: ملتقيات)
• مؤتمر كيف نواصل مشروع حوار الحضارات   (بازدید: 2205)   (موضوع: ملتقيات)
• مؤتمرات تقريبية   (بازدید: 983)   (موضوع: ملتقيات)
• محاسن أصفهان / القسم الأول   (بازدید: 1921)   (موضوع: تاريخ)
• محاضرات في حوار الحضارات   (بازدید: 3790)   (موضوع: حوار الحضارات)
• محور الادب   (بازدید: 884)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• محور العقيدة   (بازدید: 970)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• محور القرآن   (بازدید: 865)   (موضوع: مجلة رسالة الإسلام)
• محور وحدة الدائرة الحضارية الإيرانية العربية   (بازدید: 968)   (موضوع: دراسات حضارية)
• مسألة «المهدي المنتظر» برؤية حضارية   (بازدید: 1137)   (موضوع: دراسات حضارية)
• مسألة التقريب بين أهل السنة و الشيعة   (بازدید: 956)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مشاريع علمية   (بازدید: 974)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• مشاكل و عقبات في طريق وحدة المسلمين   (بازدید: 1311)   (موضوع: )
• مع الاستاذ الشيخ محمد علي نظام زاده   (بازدید: 1067)   (موضوع: مقابلات)
• مع مصطلح الفطرة قسم الدراسات و البحوث في المجمع العالمي للتقريب - قم   (بازدید: 1426)   (موضوع: دراسات مقارنة)
• مفتي مصر يرد   (بازدید: 969)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مقابلة مع الاستاذ الشهيد مرتضى مطهري / حول مسائل النظام والثورة   (بازدید: 1641)   (موضوع: مقابلات)
• مقابلة مع الشيخ محمدي عراقي   (بازدید: 926)   (موضوع: مقابلات)
• ملف مالك بن نبي   (بازدید: 1273)   (موضوع: شخصيات)
• من اصداء المؤتمر العاشر للوحدة الاسلامية   (بازدید: 893)   (موضوع: ملتقيات)
• من الطائفية الى الرسالية   (بازدید: 981)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• من رواة الحديث المشتركين لدى الشيعة و السنة من أصحاب الإمام محمّد الباقر "عليه السلام" \ مركز البحوث و الدراسات الإسلاميّة من رواة الحديث المشتركين لدى الشيعة و السنة   (بازدید: 1759)   (موضوع: سُنة)
• من هنا وهناك   (بازدید: 1136)   (موضوع: )
• من هنا وهناك   (بازدید: 1403)   (موضوع: )
• مناهج دراسة مسألة «المهدي»   (بازدید: 1296)   (موضوع: فكر إسلامي)
• موجز كلمتي - الشيخ الهاشمي الرفسنجاني و الرئيس خاتمي   (بازدید: 881)   (موضوع: خطابات)
• موقف الإسلام من التراث الإيراني القديم   (بازدید: 1065)   (موضوع: )
• نداء الامام الخامنئي الى حجاج بيت اللّه الحرام   (بازدید: 896)   (موضوع: نداءات)
• نداء الامام القائد في الذكرى   (بازدید: 926)   (موضوع: نداءات)
• ندوة الكواكبي   (بازدید: 1008)   (موضوع: ملتقيات)
• نشاطات المجمع في سطور   (بازدید: 955)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• نشاطات عالمية   (بازدید: 889)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• نصوص موثـّقة من أقوال الحسين بن علي في كربلاء   (بازدید: 2994)   (موضوع: تاريخ)
• نظرة في بعض مواد الدستور الاسلامي   (بازدید: 1212)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• وثائق   (بازدید: 923)   (موضوع: مؤسسات تقريبية)
• وثيقتان تقريبيتان (١- فتوى جمع من مراجع العراق ٢- رسالة زين الدين إلى الباقوري)   (بازدید: 1068)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• وحدة المسلمين فريضة   (بازدید: 1123)   (موضوع: )
• وقفة عند إعلان العواصم الثقافية للعالم الإسلامي   (بازدید: 1035)   (موضوع: ثقافة)
• وقفة عند الثورة الاسلامية في ذكراها العشرين   (بازدید: 927)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• كلمة عن المؤلف والكتاب   (بازدید: 945)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• محاسن إصفهان   (بازدید: 1041)   (نویسنده: سعد بن الحسين المافرّوخي الاصفهاني)
• محاسن إصفهان   (بازدید: 932)   (نویسنده: سعد بن الحسين المافرّوخي الاصفهاني)
• محاسن أصفهان / القسم الأول   (بازدید: 1921)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• مصادر مختصة باصفهان   (بازدید: 1383)   (نویسنده: السيد مهدي فقيه إيماني)
• نصوص موثـّقة من أقوال الحسين بن علي في كربلاء   (بازدید: 2994)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• موقف الايرانيين من الدعوة الإسلامية   (بازدید: 1132)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• سيف الدولة و غزوات الصليبيين   (بازدید: 686)   (نویسنده: بتول مشكين فام)
• إعادة كتابة التاريخ   (بازدید: 611)   (نویسنده: شاكر الفردان)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة   (بازدید: 617)   (نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة   (بازدید: 668)   (نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة   (بازدید: 633)   (نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة - ٥ -   (بازدید: 720)   (نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• موقف الخلفاء العباسيين من أئمة أهل السنة الأربعة و مذاهبهم   (بازدید: 1467)   (نویسنده: الدکتور عبد الحسين علي أحمد)
• مقدمة فكرية لحركة المشروطة   (بازدید: 715)   (نویسنده: الدكتور علي اكبر ولايتي)
• موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلاميّة   (بازدید: 837)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلاميّة   (بازدید: 655)   (نویسنده: )
• موقف الإسلام من التراث الإيراني القديم   (بازدید: 1840)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]