banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

المفهوم القرآني للإحياء
ثقافتنا - العدد 6
قرآن
مرتضى مطهري
1426

«ملخّص»
الحياة في القرآن لها معنى حضاري كبير، ومن مظاهر الحياة في المجتمع: الوعي والتحرك، والترابط والتضامن، وتكريم شخصيّاته الفكرية، وارتباطه بتاريخه الثوري.
ومن أسباب تخلف المسلمين تشويه المفاهيم الاسلامية من ذلك مفهوم العمل، ومفهوم التوكل، ومفهوم الزهد.
القرآن يتحدث في كثير من آياته عن الحياة ومراتبها النباتية والحيوانية والإنسانية، وسنقتصر في حديثنا على وجهة النظر القرآنية حول الحياة الإنسانية.
القرآن في حديثه عن الحياة الإنسانية يتجاوز المظاهر البيولوجية للحياة كحركة القلب ودوران الدم ونظائرها. فهذه الحياة حيوانية لا تستطيع وحدها أن توضح الإطار الإنساني للحياة، وثمة نوع آخر من الحياة ينبغي أن يتزوّد به الإنسان كي يتمتع بالحياة الإنسانية، وقد يفتقد شخص هذه الحياة وهو يتمتع بكامل مظاهر الحياة البيولوجية. من هنا قال القرآن (لِينذر من كان حيّاً(. وهذا التعبير القرآني يوحي بتقسيم الناس الى فئتين: حية وميتة. ويقول إن النداء الإلهي يجد طريقه الى قلوب الذين لازالت فيهم بقايا حياة، أما الذين افتقدوا الحياة فلا أثر للإنذار الإلهي عليهم.
القرآن يمثل للحركة على طريق الله وللحركة على غير طريق الله، فيركز على خصائص الحياة والنماء في الحركة الاولى، والجدب والموات والضلال في الحركة الثانية فيقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ( (البقرة/ 264) (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( (البقرة:265).
يقول في موضع آخر:( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( (الأنعام:122)
الحياة التي يتحدث عنها القرآن هنا ليست بالحياة البيولوجية، بل حياة إنسانية، يخرج الإنسان بها من الظلمات البهيمية الى نور الهداية الإلهية، ومن مظاهر الموت التي تجعل الإنسان أرضاً صلدة غير قابلة لتقبل كلمة الحق، الى ظاهرة الحياة التي تحوّل الإنسان الى تربة صالحة لحمل الرسالة الإلهية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ( (لأنفال:24).
لكن هذه الاستجابة لا تتحقق فيمن انعدمت فيه كل مظاهر الحياة الإنسانية:
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ( (النمل:80)

مظاهر المجتمع الحي
نحن لا نستطيع أن نفهم طبعاً كنه الحياة الانسانية ، لأن الحياة الحيوانية لاتزال عصيّة الفهم فما بالك بهذه الحياة الأكثر تطوراً وتعقيداً. غير أننا نستطيع أن نفهمها من خلال تلمّس آثارها.
من هذه الآثار: الوعي والتحرك.
كلما ازداد وعي المجتمع وروح الحركة والاندفاع فيه كان أقرب الى الحياة، وكلّما هبط عنده الوعي وخمدت فيه روح التحرك كان أقرب الى الموت(1).
والآن لنلق نظرة على أوضاعنا الراهنة انطلاقا من المفهوم السابق لنرى مقدار مافينا من حياة. هل نحن ننظر بعين الاحترام الى السكون أم الى الحركة؟ والجواب على هذا السؤال مهم للغاية لان المجتمع كلما مال الى السكون يزداد احترامه الى كل ماهو راكد وساكن.
لاشك أن المنطق السائد بيننا هو منطق احترام الساكن الجامد، وهو مظهر انحطاط المجتمع وموته(2). أحد الاخوة الظرفاء أطلق على هذا المنطق اسم «منطق التعامل مع القطار».
سبب هذه التسمية يشرحها هو إذ يقول:
في أيام الصبا كنت أذهب الى محطة القطار – وكانت السكك الحديدية حديثة التأسيس في إيران آنذاك – فأرى القطار واقفاً والاطفال مجتمعون حوله ينظرون اليه باحترام وإجلال. ويبقى المتفرّجون الصغار على حالتهم هذه حتى يبدأ القطار بالحركة، وما إن يتحرك حتى يسارع الاطفال الى التقاط حجر ليرموا به القطار. وهكذا يزداد رشق القطار بالحجارة كلما ازدادت سرعته!!
لقد كنت أعجب من هذه الظاهرة وأسائل نفسي لماذا يميل هؤلاء الاطفال الى احترام القطار مادام واقفاً؟ ولماذا ينعدم هذا الاحترام عندما يشرع القطار بالتحرك؟!
عندما كبرت ودخلت المجتمع اكتشفت اللغز، ألفيت أن هذه الظاهرة قانون عام يسود كل المجتمعات التي افتقدت الحياة. كل شيء في نظر هذا المجتمع يحظى بالاحترام والتجليل مادام ساكناً، فاذا تحرك يتخلّى عنه الناس، بل أكثر من ذلك يلقمونه بحجر من كل حدب وصوب، أما المجتمع الحيّ فلا يحترم إلا الوثاب المتحرك والمتيقّظ.
الأثر الآخر من آثار الحياة في المجتمع: الترابط والتضامن بين أفراده. هذا الترابط يزداد كلما كانت روح الحياة نابضة أكثر في المجتمع، غير أن هذا الترابط يتجه نحو الوهن والضعف باتجاه المجتمع نحو الموت.
هذا المؤشر هو الآخر يعيننا على فهم مقدار مافي المجتمع من حياة، ويمنحنا معياراً لفهم وضع عالمنا الاسلامي المعاصر المفعم بالنزاعات والحروب والاختلافات الداخلية، والمنقسم على نفسه الى أجزاء يتجاذبها أعداء الاسلام ويساومون عليها. هذا المعيار يوضّح لنا بجلاء أن المجتمع الاسلامي بشكل عام مجتمع ميّت.
دعوة الاسلام تتجه أوّل ماتتجه الى إيجاد المجتمع المترابط المتكافل المتضامن، ومن هنا فهي دعوة الى الحياة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ( (لأنفال:24).
والمجتمع الاسلامي الواقعي مجتمع حيّ لأن أفراده مرتبطون مع بعضهم ارتباطاً عضوياً وثيقاً:
«مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى».
هذه الحمّى التي تظهر في البدن ليست عملية مواساة فحسب بل هي عملية نفير سائر الأعضاء لمواجهة العدوّ الذي هاجم العضو المصاب ولترميم ما أصاب هذا العضو من أضرار.
أين المسلمون اليوم من هذا الترابط العضوي؟! هل العالم الاسلامي ينهض اليوم بأجمعه إذا تعرّض أحد أجزائه لعدوان؟!
هذه الظاهرة السلبية ليست بجديدة على عالمنا الاسلامي، لأن الموت بدأ يدبّ في جسد هذه الأمّة منذ أن استشرى فيها الانحراف، وبلغ الأمر بها أن اقتطع أعداء الاسلام جزءاً عزيزاً من جسدها ومركزاً حضارياً عظيماً من مراكزها وهو الاندلس، فلم يظهر على سائر الأجزاء ردّ فعل حياتي، لأن سائر الأجزاء كانت منغمسة في صراعات داخلية بما في ذلك الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة.
حال المسلمين اليوم من مسألة فلسطين تأكيد آخر على هذه الظاهرة. هل المسلمون المعاصرون على مستوى المسؤولية من هذه القضية؟ هل إن موقفهم من العدوان الاسرائيلي يجسّد وصف رسول الله للجماعة المؤمنة؟! الجواب واضح طبعاً.
الرسول القائد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في موضع آخر: «من سمع مسلماً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»(3).
هذا الحديث الشريف يجري مجرى الحديث السابق في التأكيد على ظاهرة الترابط العضوي بين المجتمع المسلم الحي. إنه ينكأ جراح كل إنسان مسلم واع يرى أجزاء العالم الاسلامي تتعرض لأبشع أنواع المجازر الوحشية ولأفظع انتهاكات الحرمات الانسانية، دون أن تظهر على المسلمين آثار المواساة والتجاوب العاطفي والعملي، بل الذي يزداد ظهوراً فيهم اتجاههم نحو المزيد من الشقاق والنفاق والعداء!!. (4).
من المظاهر الأخرى للمجتمع الحي تكريم شخصياته الفكرية، وأقصد الشخصيات الحية التي تعيش في المجتمع بالدرجة الاولى، لأن تكريم الأموات قد لا ينمّ عن ظاهرة حياة. أحد الأصدقاء طرح عليّ سؤالاً طريفاً قال فيه: أليس تكريم العلامة إقبال اللاهوري من مظاهر التقرّب من الأموات؟ هذا الصديق لا يعترض طبعاً على هذا التكريم، بل يقصد أن التكريم ينبغي أن يتجه أولاً الى الشخصيات الفكرية الحيّة وكم بين ظهرانينا اليوم من هذه الشخصيات التي تستحق كل تكريم، وخير مثال على ذلك العلامة الكبير السيد محمدحسين الطباطبائي(5). هذا الرجل يستحق كل تكريم لجمعه كل الخصال التي ينبغي أن يتصف بها إنسان مسلم مفكر ملتزم.
فهو أولاً مثال الورع والتقوى، وقضى عمره وهو يطوي مراحل تهذيب النفس والارتقاء على سلّم الكمال الانساني. لقد انتهلتُ سنوات طوال من فيض علمه وتربيته ولازلت دؤوباً على التزوّد منه.
وهو أيضا عالم مفكر سبر العلوم الاسلامية بفطنة وذكاء وقدّم للمسلمين عطاءاً فكريا ثرّاً على رأسه مجلدات الميزان في تفسير القرآن وهو أفضل تفسير معاصر للقرآن، وأستطيع أن أدّعي أنه أفضل تفسير كتب حتى الآن للقرآن منذ عصر صدر الاسلام حتى يومنا هذا ، مع الاعتراف بأهمية التفاسير الأخرى ومع التأكيد على أن كلام الله لا يحيطه تفسير مهما شمل واتّسع.
كما أنه الرجل الذي يعيش آلام الأمة وهمومها وقضاياها، ولا أدّل على ذلك من موقفه من القضية الفلسطينية وتصدّيه لجمع تبرعات مالية للاخوة الفلسطينيين(6).
هذا الرجل تجاوزت شهرته إيران بل تجاوزت العالم الاسلامي، والعلماء المسلمون يتوافدون عليه من كل حَدَب وصوب، وأخيراً زاره الأستاذ علاّل الفاسي من المغرب وأعرب الأستاذ الفاسي عقب اللقاء عن إعجابه الكبير بهذه الشخصية الفذّة. المستشرقون الأوربيون هم أيضا على علم بمكانة هذا المفكر الاسلامي الكبير.
إنها لفريضة علينا أن نكرّم السيد الطباطبائي ونشيد بمكانته ونعطيه مايستحقه من الاهتمام والتقدير.
الصفة الأخرى للمجتمع الحي ارتباطه بتاريخه الثوري، فالارتباط بهذا التاريخ وبالأفراد الذين صنعوه بدمهم يؤكّد أنّ المجتمع حيّ أبيّ الضيم لا ينثني أمام مايواجهه من تحديات وصعاب.
ولهذا علّمنا أئمة آل البيت أن نخاطب الشهداء بقولنا: «ياليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيما» علمونا أن نحيي ذكرى الشهيد، ونبكي عليه، ونعيش أهدافه وحركته واندفاعه، علّمنا سيد الشهداء الحسين بن علي أنه: «كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء».
إنَّ مفاهيم إحياء ذكرى شهداء التاريخ الاسلامي، وسيد الشهداء على الخصوص قد شُوّهت الى حدّ كبير مع الأسف، ولذلك فقدت عطاءها المطلوب، ولابدّ من إعادة نظر في تاريخ شهداء الاسلام بمن فيهم تاريخ سيد الشهداء، لنستلهم منه ما يعيننا على مواصلة طريقهم السامي العظيم(7).

أسباب تخلف المسلمين
تحدثنا عن مظاهر الحياة في المجتمع، وبينّا أن مجتمعنا الاسلامي يفتقد هذه المظاهر، مما يدلّ على أنه أقرب الى الموت منه الى الحياة. بقى علينا أن نبحث في أسباب هذا التخلّف في إطار المفاهيم الممسوخة المشوهة السائدة بين المسلمين. لان الانحراف عن الاسلام وبالتالي اتجاه المسلمين الى مظاهر الموت رافقه مسخ لمفاهيم الاسلام الأصيلة حتى عادت نظرة المسلمين الى الاسلام نظرة باهتة ميتة لا حراك فيها منذ خمسمائة عام، كما يقول الدكتور إقبال. من هنا كانت الخطوة الأولى على طريق الاحياء تتمثل في تصحيح المفاهيم السائدة في أذهاننا. وفيما يلي نعالج بعض هذه المفاهيم.

مفهوم العمل
الاسلام دين العمل، هذه الحقيقة تبدو واضحة من خلال نصوص القرآن وسنة المعصوم. هذه النصوص تؤكد للبشرية ارتباط مصيرها بعملها في إطار فكري واقعي منطقي منسجم مع قانون الخليقة.
القرآن يتحدث عن دور العمل فيقول:( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاّ مَا سَعَى) (لنجم:39).
ويقول: (فَمــَنْ يَعْمَلْ مِثْقَــالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يــَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَــلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ( (الزلزلة:-8)
هذه التعليمات من أهم المؤثرات اللازمة لحياة الامة وحركتها. فحين تسود في الأمة ذهنية ارتباط مصيرها بعملها، تسعى الى الاعتماد على نفسها وعلى طاقاتها، وهذا ما يؤدّي الى خلق الديناميكية اللازمة لحياة الأمة. هذه التعليمات تلقّاها الجيل المسلم الأول من منبع الوحي فتغلغلت في أعماقه فكرة ارتباط مصيره بعمله الخالص لوجه الله، وانبثقت في وجدانه ثقة عجيبة بالنفس، واندفع الى ساحات الجهاد لايهاب هيل الاعداء وهيلمانهم ولا يخشى القُوى الكبرى المسيطرة آنذاك على العالم.
هذه التعاليم السامية اعترتها بمرور الزمن أنواع الشوائب ومنيت بألوان الانحرافات، وتفاقم الانحراف بمرور الزمن حتى فشت بين المسلمين أفكار تستهين بالعمل، وتركت الأفكار الواقعية المنطقية بشأن السعادة مكانها لأفكار وهمية خيالية بعيده عن المنطق والواقع.

نماذج من انحراف مفهوم العمل
من هذه الأفكار الوهمية فكرة «الحظ» التي ظهرت لتعبّر عن غياب جميع قوانين الكون وسننه في الذهنية السائدة. وهذه الفكرة انعكست على الأدب قديمه وحديثه(8).
واضح أن الحظ فكرة لا تقوم على أساس أي منطق علمي أو فلسفي أوقرآني. لكنها سرت في مجتمعاتنا الى كل مواقف حياتنا الصغيرة والكبيرة.
نموذج آخر من الانحرافات الفكرية في هذا المجال النظرة الممسوخة الى نتيجة صراع الحق مع الباطل(9). الحديث يدور في مجتمعاتنا حول عدم إمكان انتصار الحق، وعدم إمكان انتصار الدعوة الملتزمة بقيم الصدق والعدل، وعدم إمكان الانسان الحصول على مكاسب مادّية إن كان مقيداً بموازين الصدق والانصاف. وهذا اللون من التفكير يتناقض تماماً مع المدرسة الاسلامية التي ركزت على النظرة التفاؤلية لمسيرة العالم.
القرآن يشير في مواضع عديدة الى أن نظام الكون هو النظام الأحسن، ولا يمكن تصور نظام أحسن منه. يقول في آية: (الذي أحسن كل شيء خلقه( وفي آية أخرى يقول على لسان موسى بن عمران: (ربّنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثُمَّ هَدَى(.
والانسان في نطاق هذا النظام موجود مختار، بمقدوره أن يسير وفق نظام الخليقة الفطري، وبامكانه أيضا أن ينحرف يمنة ويسرة.
وهذا الاختيار واحد من مظاهر هذا النظام الأحسن، حيث الانسان فيه كائن مسؤول وحامل للامانة وخلاّق.
هذا الاختيار يستتبعه انحراف مجموعة من الناس عن الصراط المستقيم، لكن نظام الخليقة بمجموعه يسير وفق معايير الحقّ والعدل. وأمام هذا الانحراف تتحمل المجموعة الصالحة مسوؤلية مقارعة المنحرفين. وهذه المجموعة الصالحة السائرة على طريق النظام الكوني والمكافحة من أجل الحق والعدل تحظى باسناد ربّ العالمين. فنظام الكون يسند السائرين على طريق الحقّ، وليس للباطل سوى جولة سرعان ما يتراجع بعدها أمام الحق. القرآن الكريم يمثل لصراع الحق والباطل أجمل تمثيل فيقول: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ( (الرعد:17) .
فالزبد الذي يمثل الباطل يذهب جفاء أمام الحق. وهذا هو قانون الخليقة الذي لا يتخلف، ولكن تسري بيننا أحاديث واهية مشككة في جدوى الكفاح من أجل الحق والعدل وعلى طريق الحقيقة والاستقامة.
نحن لم نُقدم مرة واحدة على الدخول في تجربة عملية كفاحية، ومع ذلك نقذف الخليقة بالعبثية والبطلان.
انتشار فكرة المجددين مظهر آخر من انحراف أفكار المسلمين بشأن مفهوم العمل. هذه الفكرة تستمد جذورها من حديث ذي سند واه يقول: «إن الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها».
هذه الفكرة راجت في الفكرين السني والشيعي غير أنها لم تدخل الوسط الشيعي قبل القرن الحادي عشر، ففي هذا القرن كتب الشيخ البهائي رضوان الله عليه عن الكليني، ووصفه بأنه مجدد المذهب في رأس القرن الثالث، مستعيراً هذا الوصف مما أشيع في الفكر السني. بعد ذلك أطلق على المجلسي أنه مجدد المذهب في رأس القرن الثاني عشر، والوحيد البهبهاني مجدد المذهب في رأس القرن الثالث عشر، والميرزا الشيرازي مجدّد المذهب على رأس القرن الرابع عشر الهجري.
الغريب في هذه الفكرة أن النوابغ الذين ظهروا في أواسط القرون الهجرية لم يُعتبروا مجددين، كل ذنبهم أنهم لم يظهروا على رأس القرن كالشيخ الطوسي مثلا . والأغرب من ذلك أن الباحثين عن المجددين لم يستثنوا عتاة الملوك من حساباتهم فاعتبروا نادرشاه مثلاً من المجددين!!
هذه الفكرة تتعارض تعارضا تاماً مع مبدأ التغيير الذي تقره الآية الكريمة: (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم(.
هذا المبدأ يربط كل تغيير في المجتمع الانساني بتغيير المحتوى الداخلي لافراد ذلك المجتمع. تجديد الحياة الاجتماعية – انطلاقا من مفهوم هذه الآية – لايتم الاّ حينما يكون أفراد الأمة مستعدين لمثل هذا التغيير. بينما فكرة المجددين تعفي الأمة من هذه المسؤولية، وتلقيها على عاتق فرد أو أفراد معينين، وبهذا الترتيب تمسخ أعظم فكرة قرآنية حركية عملية.
فكرة المجددين استغلها أصحاب مصالح السيطرة ليثيروا الفتن والمجازر، وليصرفوا الامة عن التفكير بنواقصها ومشاكلها وتخلفها وانحرافها.
جذور انحراف مفهوم العمل
يحدثنا التاريخ أنّ انحراف مفهوم العمل في الاسلام بدء منذ ظهور فكرة «الارجاء» على يد أناس غارقين في أوحال الرذيلة. هذه الفكرة، التي تبنتها السلطة الحاكمة في العهد الاموي، راحت تفرق بين «الايمان» و«العمل»، وتؤكد على أهمية مايضمره الانسان في قلبه من إيمان، وتستهين بالعمل(10).
مدرسة أهل البيت تقف بوجه التحريف
وقف أئمة آل البيت (عليهم السلام) بوجه كل انحراف ظهر بعد وفاة القائد الاول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بما في ذلك انحرافات المرجئة، ومفاهيم انفصال الايمان عن العمل والاستهانة بالعمل.
الاحاديث الكثيرة التي وصلتنا عن هؤلاء الائمة في هذا المجال تؤكد أنهم خاضوا خلال قرون متوالية حرباً فكرية هدفها إحباط محاولات المسخ والتشويه، والتأكيد على أهمية العمل، ودفع المسلمين نحو الالتزام العملي بالخط الاسلامي.
وهذه طائفة من تلك الأحاديث: (11)
عن الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) :« وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيماء الصديقين، وكلامهم كلام الابرار، عمار الليل، ومنار النهار.. لا يستكبرون، ولا يعلون، ولا يغلّون، ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان، وأجسادهم في العمل(12)».
وعنه: «ألا وإنّ اليوم المضمار، وغداً السباق.. ألا وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل، فمن عمل في أيام أمله، قبل حضور أجله، فقد نفعه عمله، ولم يضرره أجله(13)».
وعنه: «المؤمن بعمله(14)».
وعنه: «المرء لا يصحبه إلاّ العمل(15)».
وعنه: «العلم يرشدك. والعمل يبلغ بك الغاية(16)».
وسئل علي (عليه السلام): «الايمان قول وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال: الايمان تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالاركان. وهو عمل كله(17)».
وعنه أيضاً: «لاتكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجو التوبة بطول الامل، يقول في الدنيا قول الزاهدين، ويعمل فيها عمل الراغبين.. ثم يبالغ في المسألة حين يَسأل، ويقصر في العمل، فهو بالقول مدلّ، ومن العمل مُقلّ، يرجو نفع عمل مالم يعمله(18)».
وعن الامام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) :« إنّ ولايتنا لا تدرك إلا بالعمل(19)».
وعنه: «لايقبل عمل إلا بمعرفة. ولا معرفة إلاّ بعمل(20)».
سئل أبو جعفر (الباقر) عن اللعب بالشطرنج فقال: «إنّ المؤمن لفي شغل عن اللعب(21)».
وعن الباقر أيضا: «إياك والتسويف، فإنه بحر يغرق فيه الهلكى(22)».
وعن الامام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «الإيمان عمل كلّه(23)».
وعنه: «الايمان لا يكون إلا بعمل، والعمل منه، ولا يثبت الإيمان إلا بعمل(24)».
وعنه أيضا: «ملعون، ملعون من قال: الإيمان قول بلا عمل(25)».
وعنه: «يا ابن جندب.. رحم الله قوماً كانوا سراجاً ومناراً، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم(26)».
وعنه: «كونوا دعاة الناس بأعمالكم، ولا تكونوا دعاة بألسنتكم(27)».
وعن الصادق أيضا: «من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو الى النقصان، ومن كان الى النقصان، فالموت خير له من الحياة(28)».
كل هذا التأكيد على مفهوم العمل يوضّح مَعلَما هاماً من معالم مدرسة آل البيت هو الحركة الدائبة على خطّ الاسلام التكاملي، ونبذ كل انفصال بين الإيمان والعمل، وجعل العمل معياراً لتقويم خلوص الانسان وقربه من الله.
نحن اليوم اكتفينا مع الاسف بالانتساب الى مدرسة آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مستوى القول لا العمل(29).
الاسلام أكد أن الانتساب وحده، أياً كان شكله، لا يغني الانسان عن العمل، ولايمكن أن يشكل نقطه إيجابية في صفحة أعمال الانسان إن لم يرافقه التزام عملي.
القرآن يدين أولئك الذين زعموا أنّ لهم عند الله قرابة وزُلفى ، وأنهم مستثنون من العذاب الإلهي:
(وقالوا لن تمسنا النار الا أياماً معدودةً: قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده، أم تقولون على الله مالا تعلمون؟!
بلى من كسـب سيئة وأحـــاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون( (البقرة/ 80-81).
الاسلام يرفض أن تكون وشيجة القربى شفيعاً للانسان. يتحدث القرآن عن نوح (عليه السلام) أنه قال لرب العالمين حين رأى قرب هلاك ابنه: (ربّ إنّ ابني من
أهلي( (هود/ 45 ).
فيجيبه الله تعالى: (إنه ليس من أهلك، إنه عملٌ غيرُ صالح(( هود / 46 ).
وعن الامام الصادق (عليه السلام) : لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة، قام على الصفا قال: «يا بني هاشم! يا بني عبدالمطلب إني رسول الله إليكم، وإني شفيق عليكم. لا تقولوا: إنّ محمداً منا. فو الله ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلاّ المتقون. ألاّ وإني قد أعذرت فيما بيني وبينكم، وفيما بين الله عزوجل وبينكم، وإنّ لي عملي ولكم عملكم»(30).
وروي أن رسول الله(ص) قال لبضعته فاطمة الزهراء (عليها السلام): «يافاطمة اعملي بنفسك إني لا أغني عنك من الله شيئاً».
وعن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): «أنه ليس بين الله وبين أحد قرابة. ولا تنال ولاية الله الا بالطاعة. ولقد قال رسول الله لبني عبدالمطلب: إيتوني بأعمالكم لا بأحسابكم وأنسابكم . قال الله تعالى: (فإذا نُفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون . فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومَنْ خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون((31).

مفهوم التوكل
التوكل من المفاهيم التربوية الاسلامية السامية . وهو مثل سائر مفاهيم الإسلام دقيق وحسّاس وذو حدّين. يمكن أن يكون له أعظم الآثار الإيجابية على الصعيدين الفردي والاجتماعي، إنْ فُهم بالشكل الصحيح. ومن الممكن أن ينقلب هذا المفهوم الى عامل مثبط للهمم والعزائم إن شُوّه مفهومه الاسلامي الصحيح.
المفهوم القرآني للتوكل ينبض بالزخم والدفع والحياة، ويزيل عوامل التردّد والتراجع والانهزام والخوف من النفس الانسانية، ومتى ماأراد القرآن أن يزيل عوامل الضعف من المحتوى الداخلي للفئة المسلمة ويقوّي عزيمتها وإرادتها وصمودها يطرح مفهوم التوكل:
(ولَنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون(( ابراهيم/ 12).
(إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارّهم شيئاً بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون(( المجادلة/ 10 ).
(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون( (النحل/ 98 - 99 ).
(ولا تُطع الكافرين والمنافقين ودَعْ أذاهم وتوكل على الله(( الاحزاب/ 48).
(فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين(( آل عمران/ 159).
هذا المفهوم الحيوى للتوكل تبدّل مع الاسف بين المسلمين اليوم الى تواكل وتقاعس عن العمل والاندفاع(32).

الزهد
الزهد في اللغة ترك الشيء والرغبة عنه. وفي الإصطلاح يطلق على ترك الإنسان لشيء يرغب فيه رغبة طبيعية. أي إنّ صفة الزاهد لا تطلق على المريض الراغب عن تناول الطعام ولا على العنّين الراغب عن اللذة الجنسية .
الزهد من المفاهيم الإسلامية السامية البناءة التي انحرفت في أذهان المسلمين، ولعل الانحراف في مفهوم الزهد سرى الى المسلمين من المسيحية. فالمسيحية فرّقت بين العمل الدنيوي والعمل الأخروي، واعتبرت كل ممارسة عملية للإنسان مع الطبيعة والحياة عملاً دنيوياً، بينما أطلقت على الطقوس المعزولة عن كل ممارسة حياتية اسم العمل الأخروي أو العبادة. وهاهو «المنجد» بين أيدينا يعبّر عن هذه النظرة المسيحيّة إذ يقول: زَهَد في الدنيا، أي تخلّى عنها للعبادة. وتزهّدَ: ترَكَ الدنيا للعبادة.
هذا المفهوم المنحرف عن الزهد ليس بجديد على المدرسة المسيحية، فقد ظهر فيها يوم ظهرت فيها الرهبانية التي قال عنها القرآن الكريم: (ورهبانية ابتدعوها( والاسلام رفض هذه الرهبانية حين وصفها القرآن الكريم بأنها بدعة، وقال عنها رسول الله(ص): «لارهبانية في الاسلام».
الاسلام يرفض أي انفصال بين العمل الدنيوي والأخروي، ويؤطر كل نشاطات الإنسان الحياتية بإطار ديني، ويعتبرها عبادة وعملاً أخروياً، إن كان فاعلها يبتغي منها رضا الله.
القدرة الاجتماعية والاقتصادية في يد الإنسان المسلم وسيلة لتحقيق مهمّة خلافة الله على وجه الأرض. لا وسيلة لاستثمار الآخرين واستضعافهم: (اجعلني على خزائن الأرض إني حَفيظٌ عليهم( (يوسف/ 55).
علماء الإسلام أفتوا بحرمة الخدمة في جهاز الحاكم الجائر، لكنهم أفتوا أيضا بجواز تولّي منصب في هذا الجهاز إن كان الهدف انقاذ المظلومين وخدمة الناس، بل أفتى بعضهم باستحباب ذلك وبوجوبه.
وعلى المستوى الاجتماعي ، أوجب الاسلام ارتفاع المجتمع المسلم في قوته الى مستوى يبعث الرهبة في قلوب أعداء الكيان الإسلامي: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوكم( (الأنفال/ 60).
الزهد في الاسلام لا يعني على الاطلاق الانفصال عن الحياة، والابتعاد عن كسب القدرة اللازمة لاداء المسؤوليات الالهية على ظهر الارض، بل يعنى الارتفاع عن الانشداد البهيمي بالارض، والترفع عن ممارسة القدرة في سبيل الاستثمار والاستضعاف، يعني بعبارة أخرى تحوّل الممارسات الحياتية الى وسيلة للارتقاء على طريق المثل الاعلى الحقّ ومن هنا تصبح الدنيا عند الانسان الزاهد وسيلة لاغاية. لا يحس بالفشل والانكسار إن فقد متاعها، ولا ينبهر بها ولا يقع في أسرها إن انفتحت أمامه كنوزها.
وهذا ما أراده أمير المؤمنين علي (ع) إذ قال: «الزهد بين حكمتين في القرآن: (لكي لا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم( ».

لذات الدنيا
تكررت في النصوص القديمة عند الحديث عن الزهد عبارة الإعراض عن لذّات الدنيا والإعراض عن طيبات الدنيا.
ابن سينا يقول في النمط التاسع من الاشارات: المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها يسمى بالزاهد.
مثل هذه العبارات تُوحي أن الاسلام يقرر نوعين من اللذات: الدنيوية والأخروية، وتوحي أنّ الانسان مخيّر أمام واحد من هذين النوعين من اللذات، إما الدنيوية وإما الأخروية. لكن هذا التصوّر عن اللذة مرفوض في الاسلام.
الإمام علي (ع) يقول: «إن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركو أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت(33)».
أي إن الانسان المسلم يتمتع بلذات الدنيا كما يتمتع غيره، لكن هذا التمتع مؤطّر بما فرضه الله من حدود، ومترفّع عن الانشداد البهيمي بالأرض والمتاع. أي إنه بعبارة أخرى يبتعد عمّا حرّم الله.
وهنا تجدر الاشارة الى أن القرآن يذهب الى أن اللذة الحقيقية تكمن فيما أحلّ الله، وليس ثمة لذّة واقعية فيما حرّم الله وإن خال الانسان أنها لذّة.
يقول تعالى: (ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث( (الاعراف / 157).
فما حرّم الله ليس بلذّة بل هو الوبال والخبيث بعينه. ولم يحرّم تعالى على عباده شيئاً من الطيبات الحقيقية: (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق( (الاعراف/ 24). (يا أيها الرسل كُلُوا من الطيبات واعملوا صالحاً( (المؤمنون/ 51).
ليس هناك لذة دنيوية إذن تحرم الانسان من لذات الآخرة، بل هي المحرمات التي يخال مرتكبها أنها لذة وما هي بلذّة.
وليست هناك لذّة محرّمة مازال المتمتع بها وقّافاً عند حدود الله، ومنشداً الى خط الدين التكاملي المتسامي.

أهداف الزهد في الاسلام
الاسلام يحث الانسان على الزهد تحقيقاً للاهداف التالية:
1ـ الإيثار: فمهمة الدين تتمثل في حل المشكلة الاجتماعية الناتجة عن تعارض المصلحة الفردية مع المصلحة الاجتماعيّة. والاسلام يربّي أبناءه تربية ينحلّ معها هذا التعارض، بل ويصبح الفرد المسلم يجد لذته في التضحية بلذائذه من أجل مصلحة الآخرين. يحرم نفسه من الملبس والمأكل والمشرب كي يتمتع بها الآخرون، ويحرم نفسه من النوم والراحة كي يسعد الآخرون.
صُوَر الايثار التي يذكرها لنا القرآن وكتب التاريخ عن الرعيل الاول من المسلمين تؤكد قدرة الاسلام على خلق الانسان المتفاني في سبيل الآخرين.
سورة (هل أتى( تخلّد واحدة من تلك الصور، حيث تتحدث عن إيثار أمير المؤمنين عليّ وأهل بيته الكرام. وتشير الى تقديم مايملكونه من طعام الى مسكين ليلة والى يتيم في الليلة التالية والى أسير في الليلة الثالثة: (ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً(
(الدهر/ 7 – 8 ).
الاسلام حثّ على هذا الزهد في متاع الحياة الدنيا ورغّب فيه لانه تربية للانسان على طريق السمو والتكامل، ومدح الصفوة المؤمنة من الانصار التي جسّدت أروع صور الايثار في المدينة، فقال تعالى: (ويُؤثِرون على أنفُسِهم ولو كان بهم خصاصة( (الحشر/ 9).
2- المواساة: الاسلام يربّي أفراد المجتمع على الاشتراك في العواطف والأحاسيس، ويصيّر منهم جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.
من هنا لا يمكن أن نتصور في المجتمع الاسلامي وجود فئة معدمة وفئة مترفة. لان روح المواساة التي يخلقها الاسلام في المجتمع تأبى على المتمكنين أن يتركوا المعوزين في فاقتهم وفقرهم. وهنا يأتى دور الزهد ليخلق روح التكافل الاجتماعي، وليدفع أفراد المجتمع الاسلامي الى الأخذ بيد الضعفاء وإزالة ظاهرة الفقر من المجتمع أو لازالة ظاهرة التفاوت الفاحش في مستوى المعيشة.
الاسلام يعير أهمية كبرى لزهد الحاكم الاسلامي، لأن هذا الحاكم بحاجة الى روح المواساة أكثر من غيره، ولأن الزهد في الحاكم يخلق في المجتمع معايير لاترتبط بالمال والمتاع.
من هنا كان لزاماً على الحاكم الاسلامي في المجتمع المسلم أن يعيش مثل أبسط الناس وأضعفهم في المعيشة.
هذا أمير المؤمنين علي(ع) يجسد نموذج الحاكم المسلم الزاهد إذ يقول: «.. وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الاكبر، وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديتُ الطريق الى مُصَفّى هذا العَسَلِ ولُبابِ هذا القمح، ونسائج هذا القزِ ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي الى تخيّر الاطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لاطمع له في القرص ولا عهد له بالشبع. أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل:
وحَسبكَ داء أن تبيتَ ببطنة وحولُك أكبادٌ تحنّ الى القدّ
أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش؟(34)».
3- التحرر والانعتاق: الانسان مقيد بعوامل بيولوجية وطبيعية لا يستطيع أن يتخلّى عنها، فهو مضطرّ الى التنفس والى تناول الطعام والى إعداد وسائل الوقاية من البرد والحرّ ونظائرها.. غير أن هناك من القيود ما يستطيع أن يتحرّر الفرد منها إن روّض نفسه على التحرّر. مثل قيود شحّ النفس والنهم وحب الادخار والاستئثار والجاه والمقام والشهرة ونظائرها. هذه القيود تكبّل الانسان إن أطلق العنان لهواه ولم يروّض نفسه على الانعتاق من ربقتها.
الإنسان مكلّف بالتحرر من هذه القيود المفتعلة قَدَر مايتحمله من مسؤولية على الساحة الاجتماعية. لذلك كان الانبياء مكلّفون بالتحرر من هذه القيود أكثر من غيرهم.
الزهد يؤدي في حياة الانسان دوراً هاماً في تحريره من العوامل التي تشدّه الى البطر والراحة والسكون وتكريس الذات، ويجعله قادراً على الاندفاع السريع على صعيد العمل الاجتماعي والخدمة الاجتماعية.
من هنا كان الانبياء عليهم السلام أكثر الناس تحرراً من القيود المفتعلة، وكان رسول الله(ص) «خفيف المؤونة» كما تذكر كتب السيرة.
وهذا خرّيج مدرسة رسول الله، علي بن أبي طالب، يتحدّث عن ترويضه لنفسه على الانعتاق من القيود الدنيوية المفتعلة فيقول:
«إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك(35)، قد انسللتُ من مخالبكِ، وأفلتُّ من حبائلكِ، واجتنبتُ الذهابَ في مداحِضكِ.. أغربي عنّي(36) فوالله لا أذلّ لك فتستذليني، ولا أسلس (37). لك فتقوديني، وأيم الله – يميناً أستثني فيها بمشيئة الله – لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها الى القرص(38) إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعنَّ مقلتي كعين ماء، نضب معينُها(39) مستفرغةً دموعها. أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك، وتشبع الربيضة(40) من عُشبها فتربض، ويأكل علي من زاده فيهجع؟!! قرّت إذن عينه(41) اذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة(42) والسائمة المرعيّة!»
وهذا الانعتاق لا يعني الانعزال عن الدنيا، بل يعني دخول معركة الحياة بترفّع والتخلص من كل الذاتيات، والذوبان التام في المبدأ، والتضحية المستمرة على طريق أهداف الرسالة. يعني ممارسة الحياة ممارسة القائد لها لا المنقاد، والموجّه لمسيرتها لا التابع لها اللاهث وراءها.
وهكذا كان أمير المؤمنين علي وسائر المقتدين برسول الله(ص).
3- تذوّق اللذات المعنويّة: الانغماس في تلبية حاجات الجسد الماديّة يغلّظ الحسّ ويضخّمه، ويغلق منافذ المشاعر الانسانية واللذائذ المعنوية. الفرد الذي يعيش بين معلفه ومضجعه لا يمكن أن يتحسّس لذة معنوية مثل لذة الدعاء ولذه الاتصال بالله ولذّة التضحية من أجل الآخرين ولذّة طلب العلم والتفكير والعطاء.
وحين يمارس الانسان عملية الترفع عن الانغماس في اللذات المادية، وعملية الانسلاخ من الانشداد بالارض والمتاع، فإنه ينفتح على عالم جديد وعلى لذات جديدة لا تقل عن اللذات المادية، إن لم تكن أعمق منها. من هنا كانت لذة الصلاة قُرّة عين الرسول الاعظم، وإحدى ثلاثة أشياء يتعشقها في الحياة الدنيا.
الانسان العابد الزاهد يرى حقائق الكون بمنظار يختلف عن ذلك الفرد المنغمس في حسّه المادي..
والفرق بين الاثنين لا يقتصر على إطار الرؤية، بل يتّسع ليشمل التفكير والاستنتاج والتقويم والربط، يقول تعالى: (إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الالباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض. ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك(.

الهوامش:
(*) محاضرة مترجمة، والترجمة وما عليها من تعليقات تمّت قبل أكثر من عشرين عاماً (بُعيد استشهاد الاستاذ).
1 - كلمة «الحي» ترد في القرآن لتفصح غالبا عن معنى العلم والقوّة. فالقرآن يصف الله بالحي: «الله لا إله الا هو الحي القيوم».. و«الحي الذي لايموت». والحياة هنا لا تعني طبعا الحياة البيولوجية بل تعني العلم المطلق والقوة المطلقة.
هذا المفهوم نستطيع أن نتخذه معياراً لفهم ماهو من الإسلام وماهو دخيل عليه. كلًما كان من شأنه أن يقف بوجه تصاعد وعي المسلمين وقدرتهم وقوتهم فليس من الإسلام بشيء ، لأن الإسلام دين الحياة، ودين الحياة لا ينسجم مع الجهل والعجز والضعف.
2 - حينما دبّت «الحياة» الاسلامية في جسد الأمة بايران باذن الله تعالى تغيّرت نظرتها ومعاييرها فانتفضت من رقادها وهجرت الراحة والدعة والسكون، وبدأت تطلب اللذّة والسعادة في ميادين الجهاد لا في المضجع والمعلف، وبدأت تقيّم الافراد والمجموعات من خلال حركتها على طريق الاسلام. (المترجم).
3 - أصول الكافي، ج 3، ص 239.
4- بعد أن عادت الأمة في إيران الى الاسلام عادت مظاهر الحياة طافحة في كل مظاهر المجتمع، فمظاهر التكافل والتعاون والتعاضد بين أبناء الامة في الجمهورية الاسلامية بدأت تسجل أروع ماسجله الاسلام من معاجز على صعيد خلق «الامة» «الواحدة». (المترجم).
5 - هذه المحاضرات ألقيت يوم كان العلامة الطباطبائي حياً، وفي السبعين من عمره، لكنه رحل عنّا (تغمده الله برحمته) في الثامن عشر من شهر محرم عام 1402، ودفن في مدينة «قم».
6- الاهتمام بالقضية الفلسطينية ظاهرة قديمة مشهودة بين أبناء الامة الاسلامية في إيران، وخاصة على مستوى طلائعها الاسلامية الواعية، ولم تستطع القوى الصهيونية المتحكمة في إيران الشاه أن تصدّ الأمة عن التفاعل بهذه القضية الاسلامية، بل كانت مسألة فلسطين دوماً على رأس اهتماماتها.
وكان من المتوقع أن يطرأ تغيير كبير على هذه القضية لصالح الأمة الاسلامية بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران. لكن الصهيونية العالمية سارعت الى الانقضاض على الولادة الاسلامية المباركة، وشن أنواع الحروب المباشرة وغير المباشرة عليها.(المترجم).
7- الاستاذ الشهيد يذكر هنا نماذج من حادثة كربلاء تجسيداً لما فيها من مواقف عظيمة، حذفناها لعدم ارتباطها مباشرة بالموضوع، ونحيل القاريء الى كتاب «ثورة الحسين» لفضيلة الشيخ محمد مهدي شمس الدين ففيه تسجيل رائع لكثير من تلك المواقف.
8 - يستشهد الاستاذ الشهيد بأمثلة من الأدب الفارسي الذي يركز على فكرة الحظ ويربط مصير الانسان بهذه الفكرة. ولها في الادب العربي نظائر كثيرة منها قول الشاعر:
إنّ حظّي كدقيق
ثم قالوا لحفاةٍ
صعب الامر عليهم
إن من أشقاه ربّي
بين شوك نثروه
يوم ريح اجمعوه
قال قوم اتركوه!
كيف أنتم تسعدوه؟!
(المترجم)
9 - في بعض مجتمعاتنا العربية مثل سائد يقول: «الظالم سالم» يحكي هذه الذهنية المشككة في قدرة قَيِم الحق والعدل والصدق على الانتصار في معترك الصراع. (المترجم).
10 - قالت المرجئة «لا تضرّ مع الايمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة» وقالوا: «إن الايمان الاعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه، وعبد الاوثان، ولزم اليهودية والنصرانية في دار الاسلام، ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الايمان عندالله عزوجل، ولي لله عزوجل، من أهل الجنة».
(ابن حزم الفصل في الملل والنحل 4/204) . ولاحظ في هذا الموضوع: أحمد أمين: فجر الاسلام: 279 و 291-294، وضحى الاسلام 3: 316-329، وأجناس جولد تسيهر، العقيدة والشريعة في الاسلام: 75 – 77 و295 هامش رقم 20، (أنظر: ثورة الحسين، محمد مهدي شمس الدين، ط4، ص / 115- 117) (المترجم).
11 - في هذه الفقرة من محاضرة الاستاذ الشهيد شروح بالفارسية للاحاديث تتخللها استطرادات كثيرة لا تخلو منها عادة كل محاضرة ارتجالية. كما أن الاحاديث التي يرويها المحاضر في هذا المجال خالية من ذكر المصادر وهذا ما دفعني الى إجراء مزيد من التهذيب على هذا الموضوع، والرجوع الى أحاديث أئمة آل البيت في هذا المجال لاستخراجها من مصادرها، مستفيداً من الكتاب القيّم «الحياة» للحكيميين. (المترجم).
12 - نهج البلاغة/ 718.
13 - نهج البلاغة/ 98.
14 - غرر الحكم/ 14.
15 - غرر الحكم/ 23.
16 - غرر الحكم/ 53.
17 - البحار 69/ 74.
18 - تحف العقول/ 110.
19 - الكافي 2/75.
20 - تحف العقول/ 215.
21 - الخصال/ 2/62.
22 - البحار 78/ 164.
23 - الكافي 2/ 34.
24 - الوسائل 6/127.
25 - البحار 69/19.
26 - تحف العقول/ 221.
27 - الكافي 2/78.
28 - الوسائل/ 11/ 376.
29- لا يخفى أن هذا الانتساب تحوّل منذ اندلاع الثورة الاسلامية في إيران الى ارتباط عملي وثيق نجد مصاديقه في ظاهرة الاندفاع نحو ساحات الجهاد والشهادة لاقرار حاكمية الله على الارض، وتحطيم الطاغوت، وتطيق الاسلام الصحيح البعيد عن الانحرافات. وهذه الظاهرة تشكل أهم معالم مدرسة آل بيت رسول الله(ص) (المترجم).
30 - البحار 96/ 233.
31 - عيون أخبار الرضا 2/235.
32- عاد هذا المفهوم يسجل عطاءه العظيم في الجمهورية الاسلامية. فقد تكالبت قوى الاستكبار العالمي بأجمعها لضرب الثورة والتضييق عليها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، لكن كل هذه الضغوط والتضييقات لم تزد أبناء الامة في إيران إلا صمودا وإصراراً على مواصلة حمل مسؤولياتهم الرسالية، مجسدين بذلك قوله تعالى: «الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم» (آل عمران 174 – 175).
33 - نهج البلاغة، باب الكتب والرسائل.
34 - من كتاب علي الى عامله على البصرة عثمان بن حنيف.
35 - الجملة تمثيل لتسريح الدنيا وإبعادها عن نفسه.
36 - أي ابتعدي عني.
37 - أي لا أنقاد.
38 - أي تفرح بالرغيف.
39 - أي أبكي حتى لا يبقى دمع.
40 - الربيضة: الغنم.
41 - دعاء على نفسه ببرود العين – أي جمودها – وهي حالة من يفقد الحياة.
42 - أي المتروكة.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• الامداد الغيبي في حياة البشرية   (بازدید: 1445)   (موضوع: فكر إسلامي)
• الملف / رجل الإحياء والاستئناف الحضاري   (بازدید: 941)   (موضوع: شخصيات)
• نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ   (بازدید: 1222)   (موضوع: فكر إسلامي)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المنطلقات الفكرية للتعددية السياسية في القرآن الكريم 2/2   (بازدید: 1498)   (نویسنده: الدكتور حسان عبدالله حسان)
• مدخل الصدق ومخرج الصدق   (بازدید: 1563)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• الرحلة بين المعرفة و التفويض   (بازدید: 1164)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• الكتاب الناطق   (بازدید: 1294)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• تأملات في آية التقوى من سورة الاعراف   (بازدید: 2401)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• أحكام المفردات في القرآن   (بازدید: 729)   (نویسنده: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي)
• أربعة دروس من سورة الانشراح   (بازدید: 1885)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• القبول و الجزاء في القرآن   (بازدید: 1693)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• المجتمع الإنساني في القرآن الكريم ٦   (بازدید: 1089)   (نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• المجتمع الإنساني في القرآن الكريم - ٥   (بازدید: 748)   (نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• المجتمع الانساني في القرآن الكريم - ٣   (بازدید: 1095)   (نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• حساب المستضعفين   (بازدید: 1344)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• سؤالات مجهولة من أسئلة نافع بن الأزرق إلى عبدالله بن عباس   (بازدید: 2134)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• القصص القرآني - القسم السابع   (بازدید: 1531)   (نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• المجتمع الانساني في القرآن الكريم [٢]   (بازدید: 1046)   (نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• الفـرقـان   (بازدید: 774)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• القصص القرآني - القسم الخامس -   (بازدید: 751)   (نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• القصص القرآني - القسم الرابع   (بازدید: 831)   (نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• الكلمات الابراهيمية - ١   (بازدید: 1868)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• الكلمات الابراهيمية القسم الثاني   (بازدید: 876)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]