banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

سياسة تغريب العالم الاسلامي
رسالة التقريب - العدد ٢٦
ثقافة
محمد عللوه
1420

"ملخّص"
الثقافة الاسلامية تتعرض لغزو التغريب، لا لكي تكون غربية، بل لتهتز دعائمها، وتضعف بُنيتها، ويُحبط مفعولها في الامة، فما هي طبيعة هذه المواجهة؟ وماهي السبل المتبعة في هذا التغريب هذا مايحاول الباحث أن يعالجه، من خلال استعراض مظاهر التغريب التي تمارسها دول الاستكبار العالمي تجاه العالم الاسلامي.
مافتئ الاستعمار الغربي منذ أن داست أقدامه ديار العرب والمسلمين يعمل على تغريب العالم الإسلامي في كل الميادين، وذلك بغية حرفه عن أصول عقيدته وشريعته وبغرض أن يحوله الى عالم تابع للغرب ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. ورغم أن المسلمين يمتلكون في أصل رسالتهم السماوية أسساً ثابتة وقواعد حنيفة تقوم عليها دولتهم، الا أن الاستعمار استطاع وفي غياب الوحدة الاسلامية - أن ينال من كل دولة على حدة، بل إنه استطاع أن يؤثر على هذه الامة فيضرب بعضها ببعض أو يدجّن بعضها الآخر في شبحية الذل أو يقوقع الآخرين في بلدانهم أو يلوح بعصا قوته في وجه فريق رابع، وبهذا استطاع أن يحدّ الحدود فيما بينهم ويجزئ الأقطار ويلقي بذور الشقاق والتغريب والانحراف. فإلى أي مدى أفلح في ذلك؟ ذلك هو بحثنا.
عندما ظهر الاسلام قوياً في جزيرة العرب وكان يحمل في طياته مشروعا حضاريا متكاملا يصلح نظاما لكل شعوب الارض، كان ظهوره مدعاة لتساؤل أبناء امبراطوريتي الروم وفارس عن دواعي ظهوره وفي أرض غير ذي زرع. وقد كانت عوامل نهوض المسلمين أكبر مما ظن هؤلاء إذ أن دولتهم قامت على قيم التوحيد والعلم والتقوى وحفظ كرامة الانسان والتعامل مع الشعوب بالحسنى وعدم العدوان على أحد، وكان من مبادئه نقل هذه القيم الحضارية الى الشعوب التي ترزح تحت نير الاستعباد والاستغلال. وفي هذا الوقت بالذات كانت دولتا الفرس والروم قد انتهتا يومئذ الى عبادة الأباطرة عند الرومان والأكاسرة عند الفرس، وتحجمت بالقيم الانسانية لتصبح خضوعا لملك أوسجوداً للنار، وقتلا للعقول التي وهبها الله للبشرية. ولما كان الأمر كذلك كان لابد من اصطدام هؤلاء بقيم الحضارة الاسلامية من الجولة الأولى. ولذا راحوا يغيرون على أطراف الجزيرة العربية من أجل وأد هذه الدولة في مهدها. ولهذا السبب كانت أعظم خطوات رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قبيل وفاته هي تسيير جيش أسامة الى أطراف الجزيرة لملاقاة الروم. وتابع أبو بكر ذلك الجيش في خلافته وحسب المستشرقون أن وقوف أبي بكر في وجه دولتين عظمي
ين وإعلانه الحرب عليهما في وقت واحد مغامرة غير مضمونة ولكنها أثمرت في عهدالخليفة عمر فتم القضاء على الدولتين العظميين في عشرة أيام. ستة أيام في معركة اليرموك وانتهت دولة الروم وأربعة أيام في القادسية وانهت الفرس.
استيقاظ الغرب على عظمة المسلمين
وتنتهي أسطورة الفرس والرومان - وإن كانت دولة بيزنطا قد امتدت الى مابعد ذلك - ويسارع المسلمون الى عبور الأقطار ونشر رسالة الاسلام بدء من القرن السابع، وتقوم دولتهم في دمشق وبعدها في بلاد الاندلس، ويحدث الاحتكاك المباشر مع الغرب الذي ربما عرف شيئا عن المسلمين وحياتهم عبر الرحلات التجارية التي كان يقوم بها المسلمون الى ديارهم.
ولكن الغرب يومئذ كان قدانتهت به المسيحية المشوهة الى مذاهب متعددة حجرت على العقول والأفكار وتسلم رجال الكنيسة زعامة الناس فطمسوا معالم العلوم والحكمة حتى كان رجل الكنيسة يتحكم في الملوك وتتويجهم. وقد انتهى الأمر بهؤلاء الى انهيار الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية مما دعا الغرب يومئذ ومن خلال الفوضى الدينية والاقتصادية الى القيام بحملات صليبية ظالمة اتخذت من الدين شعارا لها لحمل الناس على النهوض الى القتال…. ومن خلال احتكاك الغرب بالمسلمين اطلعوا على مدى تقدمهم وحضارتهم في ميادين السياسة والعلوم والاقتصاد وعلوم الطبيعة والحياة، وعرفوا مدى حريتهم وعدالتهم وأدركوا الفارق الكبير بين تخلفهم وهمجيتهم والأشواط الكبيرة التي قطعها المسلمون في ركب الحضارة بل إنهم اطلعوا عن قرب على مدنية المسلمين ورقيّهم الأدبي والعلمي والأخلاقي.
وعندما تم طرد الصليبيين عام ١٢٩٢م أدرك أبناء الغرب وخاصة هؤلاء الذين انخرطوا في الحملات الصليبية من المحاربين والتجار ورجال كنيسة، أدركوا باحتكاكهم بالشرق المسلم المتحضر مدى رقيهم، فكان أن نقلوا عادات المسلمين وأفكارهم وشاراتهم وأساليبهم في الزراعة والتجارةوأدوات الحضارة وحتى أفكارهم في التسامح والحرية وكيف تتعايش بينهم المذاهب المختلفة بينما كانت الحروب دائرة بين مذاهبهم في أوربا [٢]. ولما عرفوا ذلك سرعان ما سلكوا الطريق الصحيح فانخرطوا في مدارس المسلمين في الأندلس وصقلية يتعلمون على أيديهم ويترجمون علومهم ويتقنون آدابهم وصناعاتهم. وكان منهم رجال كنيسة وملوك كفردريك الثاني وروجر الثاني، ولكن نواياهم لم تكن يومئذ سليمة اذ كانوا يخفون من النيات مالا يبدونها للمسلمين وكان يبيتون مالا يرضى من القول والفعل ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم - ومن ثم راحوا يطورون أنفسهم بإنشاء الجامعات وترجمة القرآن ونقل كنوز المسلمين من آداب وعلوم وصناعات من جهة وراح مستشرقوهم يعملون على تغريب الاسلام والدين فراحوا يكتبون ويؤلفون ويشوّهون هذا الدين بدء من قرآنه ونبيه وتاريخه ورجاله وحضارته… كان ذلك بدء الزحف على الاسلام والمسلمين و
الغزو الثقافي الاسود بتسليط الأضواء على كل القيم الحضارية التي بنيت عليها حضارة المسلمين ليتم نسف جسورها.
وقد وافق ذلك كله عندهم ظهور عصر النهضة والخروج من بلدانهم ليسقطوا على بلدان المسلمين مستعمرين للأرض والانسان ومشوهين الدين والحضارة ومحاولين فرض نمطهم الغربي وقيمهم الآلية.
محاصرة الاسلام
إذن فمنذ اللحظة الاولى التي نقلوا فيها علوم المسلمين راحوا يرسمون الخطط لمحاصرة المسلمين في كل مكان على الرغم من أن المنصفين منهم أظهروا لهم حقيقة الاسلام وأنه لا يعادي الأديان ولا يحمل الحقد على أحد وهو دين العدل والتسامح واحترام الشعوب ورغم امتداح هؤلاء للدين إلا أن معظم الغربيين وبقيادة رجال الكنيسة ومند بداية عصر النهضة راحوا يتهيأون للإطاحة بالاسلام، ثم تم التعاون الدولي يوم بدأ هؤلاء بشن حملات استعمارية لاستعمار الشعوب وكانوا يدخلون البلدان بصورة ثالوث: الجندي والتاجر والكاهن. ورغم وقوع دول العالم الثالث فريسة لهؤلاء، منذ بضعة قرون والبعض الآخر في فترة مابين الحربين العالميتين، ورغم تطور الشعوب وتغير موازين القوى والتعامل مع الشعوب وذهاب موجة الاستعمار الأولى وأن هؤلاء لابد خارجون يوما ما من تلك الدول الا أنهم مازالوا يعدون الخطط لتغريب تلك الشعوب وخاصة العالم الاسلامي سياسيا وثقافيا واقتصاديا، وسنركز الحديث حول دور هذه الأبعاد الثلاثة في طمس معالم الشخصية الاسلامية.
١ - التغريب السياسي
يحسن بنا أن نشير هنا إلى ظاهرة الديمقراطية والليبرالية التي تقوم عليها النظم في الدول الغربية. فنقول إن هذه الظاهرة يتعامل الغرب من خلالها وينظر بمنظورين لا منظور واحد، فهي في بلدانهم تعني حكم الشعب نفسه بنفسه من خلال موافقة الأغلبية، الى جانب نشر العدالة والمساواة واحترام الانسان مع وجود معارضة للحزب الحاكم، بمعنى إعطاء الشعب منتهى الحرية في اختيار من يريد، وعلى هذا قامت حكومات الغرب ودولها ورفعت عقيرتها عاليا في مواجهة النظام الشيوعي ذي الحزب الواحد وأعلنت أنها تمتلك النظام الأمثل الذي يحترم حرية الشعوب.
إلا أنهم عندما اضطروا إلى نقل هذا النظام الديمقراطي إلى الشعوب التي استعمروها بعدأن ولّى زمان الاستعمار، وبعد ان اضطر الغرب الى الخروج من تلك الدول وتحملوا مسؤولية إعداد حكومة برلمانية وإنشاء كيان سياسي لتلك الدول كقاعدة لاستقلالها، رأوا عندئذ أنه ليس أفضل من إعارة تلك الدول نظامهم الديمقراطي. ولكن هؤلاء كانوا يدركون في نفس الوقت أن الديمقراطية إذا انتشرت بماهي قائمة عليه في دول الغرب فإن الشعوب ستدرك بحدسها الداخلي من هو الوطني الصادق الذي ستسارع إلى انتخابه، وعندئذ سيذهب بعيدا ويخطط لتسيير دولته في مسار يخالف مسار الغرب، وهم يريدونه أن يكون محتوى من قبلهم، ولهذا راحوا يراقبون الديمقراطية في هذا البلد أوذاك ويعملون ما أمكنهم على أن يتم انتخاب رجالهم الذين تم تربيتهم تحت أعينهم ويحملون أفكارهم، ولو على حساب الآخرين الذين يريد الشعب أن ينتخبهم وكثيرا ما يؤدي ذلك الى قيام الحروب الأهلية في تلك البلدان.
ومنذ أن وضع ميكيافيللي مبدأيه: "الغاية تبرر الواسطة - وفصل السياسة عن الدين والاخلاق" وراح الغرب يحذو حذوه في ذلك، منذ ذلك الوقت أسقط الغرب من حسابه حقيقة مفهوم الديمقراطية وحرية الشعوب لأنه حينما خلا المسرح لممثلين كبار من ورثة الحضارة الرومانية كانت تلك السمات اللاإنسانية وأحال هؤلاء المسرح السياسي العالمي الى ميدان صراع واسع.
بل إن الغرب تطلع منذ أن شعر بقوته ودانت له الدول وجابت سفنه البحار، تطلع الى الاسلام والمسلمين من أجل متابعة إخضاعهم، خصوصاً بعد تفتيت الدولة العثمانية وتحويل تركيا إلى دولة علمانية، فكان أن فرقوا العالم العربي الى ٢٤ دولة كل دولة لها علمها ورايتها ودستورها وسياستها واقتصادها حتى لاتكاد ترى بينها أثراً للروابط الأخوية أو الدينية وقد أحاطوا تلك الدول بطريقة من التعامل السياسي لكل منها بحيث لا تسعى كل دولة إلا لمصالحها وبذلك ضمنوا انعدام قيام الوحدة العربية، ثم التفتوا الى أقطار الاسلام في الارض وراحوا يحاصرونها بمثل ذلك فكان أن ولدت بنغلاديش من باكستان وبقيت كشمير تثير القلاقل بين الهند وباكستان وأحاطوا أندونيسيا بآلاف المبشرين النصارى، وضغطوا اقتصاديا على بقية الدول أو سياسيا بإثارة الحروب الاهلية، مما ضمن لهم أن المسلمين لم يعودوا يشعرون بما يصاب به قطر من أقطارهم فضلا عن المسارعة الى إنقاذه وبحيث صرت تشعر بهذه الغربة القاتلة العربية والاسلامية التي يتحسّسها المسلم اذا مانزلت مصيبة بإحدى بلاد الاسلام خاصة فلسطين أو البوسنة والهرسك أو أفغانستان. حتى لتكاد تظن أن المسلم لم يعد لديه أية مشاعر تجاه إخوة له من
أبناء دينه وهم يُقتلون أو تهتك حرماتهم أو تهدّم ديارهم.
ورغم أن دستور معظم الدول العربية ينص على أن الاسلام هو دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية إلا أن الزعامة السياسية لجأت إلى بعض الخطوات التدريجية من فصل الدين عن السياسة وإلغاء الهوية الدينية، ثم تعديل الدستور، بمعنى أن التعرض للدين أصبح بشكل هامشي ففي بداية الثورة المصرية ١٩٥٢ ظهرت أفكار الثورة المصرية والعروبة كنتيجة لقضايا ذات أبعاد وطنية مثل تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي والوحدة بين مصر وسوريا. وهي قضايا ذات أبعاد وطنية تراجع معها طرح قضايا الدين في المجتمع مما أمكن القول "بأن التعبير السياسي يكتسب وينتزع رفعة الشأن على حساب المحاور الأخرى وأشكال التعبير ومنها الديني" [٣].
وهكذا غاب عنا الدين كمحرك رئيسي يدعونا الى الوحدة بل صار الدين اليوم البعبع الذي يخرّب بيوتنا - كما يظن - والذي يجلب لنا الإرهاب والخوف، أليس هؤلاء الأصوليون إرهابيين؟ ان هذه التسمية الغربية لهؤلاء بالأصولية الاسلامية لا تعني تشويه سمعتهم بما يقومون به من قتل وتخريب بقدرما يقصدون بها إلى أن هؤلاء يرجعون في النهاية الى أصول دينهم والى أخطر أخلاق ذلك الدين وهو الإرهاب والقتل مما يذكّر بأن ديننا نشر بالسيف والقوة…. وإلا لماذا لا يسمونهم بالمجرمين مثلا ولا داعي لوصمهم بالاسلام ولكن الغرب انما يريد أن يجعل من الدين مقتلة للشعوب وطريق ارهاب لها ليتم تشويهه بذلك …. انظر لقد غيّبوا عنا الدين زمنا بما ضغطوا به من قوة عسكرية وسياسية وطرح أفكار العروبة والقومية، ثم انظر كيف غيّبوا عنا جمال الدين ورونقه بما راحوا يظهرون ما يفعله هؤلاء الأصوليون بعد أن حملوهم هم على مايقومون به بعد زرع الفتنة والخلاف بينهم وبين حكوماتهم. فإذا أريقت الدماء فليس ثمة سبب إلا ان هؤلاء الأصوليين ينتمون الى دين هو الاسلام والذي يدعو الى القتل والارهاب مما يشعرك أن هؤلاء الغربيين أنما يقصدون عن عمد تشويه هذا الدين بالارهاب والقتل، مع أن ذلك هو
تاريخهم عبر العصور الوسطى وفي حروبهم القومية وامتدادهم بعد عصرالنهضة حتى تم لهم إقامة الديمقراطية، وحتى بين الحربين لم يتوقف نزيف دماء الشعوب التي سفحوها. انهم يعملون على خلق الفتن السياسية للمسلمين كفتنة ليبيا وتشاد، أو بين موريتانياوالسنغال، أو بين مصر والسودان (قضية حلايب المتنازع عليها)، أو بين السودان وجنوبه، أوبين الهند وباكستان حول كشمير أو بين العراق وايران، أو بين فصائل الدولة الواحدة كما في لبنان والعراق والصومان وأفغانستان فاذا سالت الدماء كان سببها الأصوليين الارهابيين في كل بلد من تلك البلدان.
وقد يتدخلون في شؤون الشعوب صراحة أو التفافا من الخلف عن طريق الكادر السياسي الذي تربى في أحضانهم فيدفعون بهم الى أحضان المسرح السياسي في صورة انتخابات هزيلة هشّة تُسيَّر من وراء الكواليس ليحتل هؤلاء كرسي الرئاسة فتدار الحكومة من قبلهم وبموافقة الغرب أو أمريكا على قراراتهم ومن ثم يقف المعارضون - ولو كان الشعب كله - ليحملوا السلاح ويعلنوا عدم رضاهم فيوصموا عندئذ بأنهم لا يفهمون الديمقراطية أو لا تصلح لهم العدالة الاجتماعية - حسب المفهوم الغربي - أو ليوصموا بأنهم اسلاميون أصوليون إرهابيون.
ومن أبشع صور التدخل أو التغريب السياسي أن يرتضي الشعب القيام بانتخابات عامة لكافة فصائله وبكل حرية ثم يفوز حزب الإنقاذ في الجزائر فوزا ساحقا ثم تُفاجأ بالتدخل الغربي ليضغط على الجيش فيحلّ الانتخابات لعدم نزاهتها ولتغرق الجزائر بعد ذلك في حرب أهلية دموية….
هذا التغريب السياسي المكشوف بعضه والمخفي بعضه الآخر وراء الكواليس لا يستطيع أن يقيم الأمن والأمان والعدالة للشعوب، وهو صورة تدل بحق على أن للغرب ديمقراطيتين: واحدة يتعامل بها في بلدانه وأخرى مع الشعوب، وأن الديمقراطية المصدرة مطاطية تتسع لكل الشعوب وهي تتبلور من أجل أن يتم انتخاب أزلام أمريكا والغرب وطمس حقوق الشعوب صاحبة المصلحة. ان الالتفاف على الشعوب لعبة مكشوفة وان كانت الشعوب لا تملك القدرة على إظهار كل أوراقها، ولكن ورقة واحدة منها تكفي لفضح ألاعيب الاستعمار في تدخله في أنظمة الشعوب ومحاولته هيكلة الأنظمة السياسية في تلك الدول ضمن نطاق الرؤية الغربية المصدرة ولو خالف ذلك حقيقة ماهم عليه في بلادهم من نظام وديمقراطية.
وأبشع تلك الدعوات في التغريب السياسي مايدعو إليه بعض كتابنا من ضرورة فصل الدين عن الدولة ليتحقق لنا من الرقي والتطور والرفاهية كما تحقق لأوروبا وأمريكا. والحقيقة أن هؤلاء لم يفصلوا بين الدين والدولة الا من خلال الصراع الطويل بين سلطة الكنيسة والسلطة الزمنية عبر مئات السنين، سالت فيها الدماء وتغلب فيها رجال العلم والعقل حيث عجزت الكنيسة بجمودها عن تطوير المجتمع. أما الاسلام فهو يؤمن بقانون التطور في كافة الميادين وهو يتوافق مع كل مايدعو اليه العقل فلا حاجة للمسلمين والمجتمعات العربية للعلمانية والتي لا تمتلك ما تضيفه بل هي متناقضة مع احتياجاته الرئيسية لخصوصية نشأتها التاريخية وبعدها عن الإطار الديني والقيمي للعروبة" [٤]. كما أن ديننا لا يعادي الدولة ولا الحكومات وليس فيه بندٌ يعارض حقوق الانسان أو حريته وكرامته، وليس فيه رجل دين متسلط فالتشابه معدوم بينهما في ذلك، فكيف نلج طريقا سلكه الغرب لا تتشابه مفرداته مع مفردات الاسلام. كما أن مناهضة الكنيسة للعقل والعلم ليس في ديننا شيء من ذلك، ثم أن تخلفنا ليس بسبب الدين - كما يظن الكثيرون - لأن الدين لم يمنع دولة تريد أن تنمّي اقتصادها أن تنميه ولم يقف في وجهها وهي
تطالب بحرية العقل وحرية الوطن ولم يفرض على الشعوب خرافات لتؤمن بها ولكن هؤلاء يريدوننا أن نفصل بين الدين والدولة لنقع في شرك الفوضى الانسانية والأخلاقية والسياسية… أقول ونحن اليوم لا نفصل بين الدين والدولة فحسب بل يبدو أن الدين قد كاد يتبخّر من كثير من الدول فهل أفلحنا في ذلك؟
إنه التغريب الذي يريدون أن نخوضه فتتقطّع بنا السبل وليس عندنا نهضة علمية صناعية كما كان في الغرب عندما تمّ له الفصل، وعندها سنقع في شر أعمالنا، كما أن الغرب نفسه بذلك الفصل بين الدين والسياسة لم يهدأ لحظة. فقدنشأت فيه فلسفات ومذاهب راحت تخط الطريق للانسان ولكن الانسان لم يجد راحته في أي منها ولولا شيء من التطور العلمي والتقني يغطي على الفوضى الاجتماعية لبدا واضحا مساوئ ذلك الفصل بينهما… وفي ميدان الديمقراطية في ديار الغرب فنحن لا نرى إلا ظواهرها عندهم التي نسمع عنها في نشرات الأخبار، أما حقيقة تلك الديمقراطية وآثارها في المجتمعات فهي التي تكشف لك صحتها أو زيفها. صحيح أنهم لا يقتتلون على الرئاسة، مثلنا ولكنهم رغم ذلك لا يفتأون يريقون الدماء في مجتمعاتهم فالقتل والجرائم وقتل الأطفال في بريطانيا، والفساد المستشري والإيدز والخمرة واللواطة صارت جزء من حياتهم. وهذا يعني أننا نقصد الجانب الأخلاقي للديمقراطية. أم يريدوننا أن ننادي بديمقراطية بلا أخلاق فتنقلب موازين مجتمعاتنا لتتحول الى مسارح الجريمة والقتل والأفيون.
لقد أرسى الاسلام من الشورى دعائم فلسفة للنظام السياسي لأن القرآن الكريم يفرض على المسلمين القيام بواجبات دينية يستحيل عليهم القيام به والوفاء بحقوقه إذاهم لم يقيموا دولة الاسلام، فهي ليست ركنا دينيا وإنما واجب مدني يصعب تنظيم شؤون المجتمع دون الوفاء به وهذا يعني رفض العلمانية منهجاً وأسلوباً" [٥].
التغريب الثقافي
الثقافة كلمة تستعمل للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات بما تحتويه من العقائد واللغة والقيم والمبادئ والسلوك والمقدسات، ولا يمكن أن تنشأ حضارة لأمة مالم يكن وراءها ثقافة قوية تمتلك من الدين والقيم والأخلاق مايسمو بها فوق الأمم. وقد كانت حضارة المسلمين التي انتشرت خلال ثمانية قرون تعتمد على ثقافة إسلامية شاملة أساسها القرآن الكريم ولحمتها اللغة العربية التي استوعبت كل مستجدات الحضارة قديمها عند الشعوب التي ترجمت عنها وحديثها فيما استحدثه العلماء المسلمون من نظريات، ولتلك الحضارة تاريخ حافل بالأمجاد التي تعلي من شأن الانسان وتكرمه، وفيها تراث يحتضن عظمة هذه الأمة، وهي ثقافة قائمة على التوحيد الذي جمع أبناء الأمة الاسلامية بكافة أجناسها وألوانها وحال بينها وبين التمزق والتشطير والانقسام بين الشرق والغرب.
ولما كانت الثقافة هي الوسيلة العظمى لإيقاظ الفكر عند الشعوب والنهوض بها من الحضيض، ولما كانت الثقافة الإسلامية تتسم بالوضوح والتكامل والوسطية والقدرة على الحركة والتجاوب مع مختلف البيئات والعصور وقادرة على مواجهة الأخطار والغزو الخارجي وحركات التغريب، لكل هذا وجه الاستعمار سهامه منذ تطلع إلى الاستيلاء على العالم الاسلامي - إلى ثقافة هذه الأمة فراح يغزوها في دينها ولغتها وتاريخها وتراثها وقيمها تشكيكاً وتشويهاً وقلباً للحقائق.
ولكي نعرف الغرب يجب النظر إليه باعتباره كيانا جغرافيا (أوربا) وصاحب ديانة (المسيحية) وله فلسفة هي (التنوير) وضمن إثنية (العرق الابيض) وداخل نظام اقتصادي (الرأسمالية) ورغم ماقدمه الغرب عبر مفكريه وفلاسفته من حقوق الانسان والديمقراطية فإنه مازال في إطار المعنى الكلي لمفهوم التغريب الذي يقوم على الوعي بالذات (الأنا الفاعل) الذي يسعى بشتى الوسائل لإحداث تبعية الآخر لتحقيق ذاته، فالتغريب يقوم على الامبريالية بوصفها نظاما كاملا من الاغتصاب يقوم على الإقطاع ومحو الثقافة وإحداث التخلف [٦].
كانت الثقافة إذن أحد أكبر الأصول التي راح الاستعمار يشوهها ويطمس معالمها ولهذا قبل أن يستقل جنده سفنهم للاحتلال كان يرسل المبشرين ليمهدوا الطريق الى غزو فكري ثقافي يشوه فكر تلك الأمة وينشر نمطه الثقافي الحضاري، وكان أول ما سددوا السهام إليه في البلدان الاسلامية المصدر الأول للثقافة الاسلامية وهوالقرآن الكريم فزعموا أنه من تأليف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأنه نزل لجزيرة العرب وأنه أدى دوره وانتهى وأن تطور العصور قد تجاوزه وجعل أفكاره بالية، وأنه إذا أراد العرب والمسلمون الدخول في عصر الحضارة الغربية فما عليهم الا أن يبتعدوا عنه ويستجيبوا للمذاهب الفكرية الغربية التي تعبر عن روح حضارتهم. ثم كان أن ثنّوا بلغة المسلمين، أليست اللغة وعاء تلك الثقافة والدين فزعموا أن العامية أفضل من الفصحى وأن مفرداتها أكثر وأن الفصحى قاصرة عن أن تعبر عن معطيات العلوم والحضارة الإنسانية وزعموا أن كتابتها بالحروف اللاتينية أفضل، وقاموا بعد ذلك بنشر لغتهم حيثما حلوا ونزلوا. ورحل الاستعمار وبقيت اللغة كما هي لغة القرآن يقرأ بها المسلمون وذهب كل دعاة التغريب والعامية حتى من أبناء العروبة مسلمين أو غير مسلمين وتبين هدف الاستعمار من
كل تلك الدعوات وهو القضاء على هذا الدين وأبنائه…
ولكن الاستعمار لم يتوقف عن محاولة التغريب الثقافي لأبناء العروبة والاسلام وقد أيقن أهمية هدم الثقافة في أية دولة يريد احتلالها ولهذا فرض عندما سيطر على الأمة العربية ثقافته بأسلوب العنف وقام بدعم مؤسسات علمية تربوية عن طريق الإرساليات لتخريج أجيال جديدة تعلي من قيم الغرب وتثير الشبهات حول الاسلام والمسلمين. وقد عملت تلك المؤسسات - كما يقول أنور الجندي - على صياغة عقولنا صياغة من شأنها أن تجعلنا تابعين أو مستعبدين [٧].
والشيء الذي يقلق مجتمعاتنا العربية والاسلامية أن هذه المجتمعات غير مسموح لها أن تنتج تاريخها الخاص كما تشاء وطبقا لمعطيات تراثها وإمكانيات حاضرها [٨]. بينما يقرر د. محمد أركون أن للمجتمع العربي المسلم الحق في أن ينتج بكل حرية وأن يبني قيمه الأخلاقية والدينية والثقافية التي يراها ملائمة له، ولكن الحقيقة لم يتح لأي مجتمع اسلامي أن ينتج تاريخه الخاص بواسطة قواه الداخلية وحدها من القرن التاسع عشر وحتى الآن [٩].
ولما كانت ثقافة الغرب مستمدة من الفكر اليوناني الهليني القائم على المادية والوثنية والمسيحية وكان فكرنا الاسلامي قائما على الجمع بين الدين والدنيا والمادة والروح، لذلك كان لابد من قيام التحدي بين الثقافتين - ولكي يفرض المستعمر ثقافته بالقوّة وليتجنب المواجهة قام بإثارة قضايا جديدة لتغريب الثقافة الاسلامية فطرح قضية "أن الثقافة عالمية" ليصح له بحضارته القوية أن يستولي على العالم الاسلامي - بينما أكد الجميع أن المعرفة عالمية والعلم عالمي ولكن الثقافة قومية لأنها تستمد قيمها من جذور الأمة ولغتها ودينها وتاريخها، وتعد دعوته تلك بأن العالم كله يجري نحو وحدة الفكر العالمي من أخطر دعوات التغريب والغزو الثقافي [١٠].
ومن هذه المغالطات التي روّجها التغريب الثقافي أنه لا فرق بين العقل العربي والعقل الغربي وأن العرب والمصريين غربيون بالفكر لارتباطهم بالثقافة اليونانية القديمة [١١] وذلك للتعمية على الفوارق الذاتية والنفسية للأمة الاسلامية. وقد عمد من أجل ذلك إلى تربية كوادر من أبنائنا في جامعاته لإخراجهم من قيمهم وثقافتهم وليدفع بهم للسير ببلادهم نحو الإقليمية وأخطار التحلل والإلحاد. كما عمدت قوى التبشير والإرساليات الى تحريف المقومات العلمية والحضارية للعرب بحيث كتب الكثيرون صفحات مزيفة مضللة عن التاريخ العربي والحضارة الاسلامية فأنكروا على العرب والمسلمين الأصالة الفكرية واعتبروا كل ما ترجموه عنهم إنما هو ترجمات علوم الحضارات القديمة وكان الهدف من ذلك هوإسقاط مرحلة هامة من مراحل التطور الحضاري الإنساني بإغفال دور الحضارة الاسلامية. وقد دافع علماء الغرب أنفسهم عن المسلمين وردوا الاعتبار لأبناء الاسلام واعتبروا الحضارة الاسلامية أعظم حلقة في ملف الحضارات الانسانية والتي تربى عليها أبناء الحضارة الغربية اليوم وبعيد عصر النهضة فأقاموا على أصولها حضارتهم.
ولعل أخطر ما يهددنا أننا نتقدم نحو الحضارات الأخرى المتكاتفة ونحن ملل ونحل وقد ضرب أعداؤنا أعز ما يربطنا وهو ديننا عندما أفرغوا استقلالاتنا من محتواها الحضاري فلم تنحل جيوشهم الداخلية عن أراضينا إلا بعد أن عشّشت ثقافاتهم البديلة في ضمائرنا [١٢].
وقد كان من أعمال التغريب الثقافي أن الاستعمار عمد إلى تقديم قشور الحضارة إلينا وحجب جوانب القوة عنا كما عمد إلى إبعاد الفكر الاسلامي والثقافة الاسلامية عن مجال الحياة ومناهج التربية وربّى كوادر راحت تدافع عن ثقافته بحجة أننا لا يمكن أن نتطور إلا اذا أخذنا بها، على الرغم من أن الحضارة يمكن أن يتم نقلها بين الأمم لأنها مادية، أما الثقافات فلا تنقل لأنها بنت بيئتها وقيمها ودينها فلها ثبات في الأرض. كما أن الغرب نفسه عندما نقل حضارة المسلمين في الأندلس لم ينقل ثقافتهم وإنما أخذ ما يناسب تطوره الحضاري، ولكن هؤلاء يأبون إذا ما أرادوا تزويدنا ببعض مظاهر حضارتهم إلا أن نستورد ثقافتهم المادية الوثنية العارية من القيم والأخلاق والمتحللة من كل دين ليتم فسادنا وإفسادنا.
واذا كان - ألبرت اشفيتسر - يرى "أن السبب في انحلال الحضارة هوسبب أخلاقي لأن الحضارة تنهار إذا أعوزها العامل الأخلاقي حتى حيثما تكون العناصر الأخرى من الحضارة مزدهرة نشطة" [١٣] فإن تغريب الثقافة ونشر قيم الثقافة الغربية المنحلة سيؤدي بالضرورة الى فساد وانحلال المجتمع العربي والاسلامي ويتم سيطرة الغرب علينا عندئذ… ومن تلك القضايا التي طرحها الفكر الغربي ليتم السيطرة على الثقافة الاسلامية:
١ - مهاجمة الدين بصفة عامة ومحاولة وضع العلم في مواجهته كبديل. وقد فصل الغرب بين العلم والدين وبنى حضارته على ذلك. يقول محمد أركون: "إن تاريخ الاحتكاك بين الاسلام والغرب ما انفك يفرض علينا فكره المتمثل بأن دين محمد (صلى الله عليه وآله) يقع خارج دائرته الثقافية" [١٤].
٢ - القضاء على اللغة بنشر العامية.
٣ - إثارة الشبهات حول التاريخ الاسلامي والدعوة إلى إقليمية التاريخ للتنقيص من قيمة التاريخ الاسلامي عالميا.
٤ - طرح قضايا الفلسفات اليونانية الغربية بما تحمله من وثنيات وتعدد، فمرة يصدرون إلينا القومية البعيدة عن الدين ومرة دعوى التحرر ومرة الوجودية والماركسية والفرويدية والعصرنة والحداثة والعقلانية، ليتم تشويش الفكر الاسلامي وإشغاله بقضايا جانبية بعيداً عن الدين.
٥ - نشر القيم الغربية التي لم تنشر إلا القلق والفوضى والانسان المشرد الضائع في الغرب وذلك ليتم نشرها بين المسلمين ليتهيأ لهم إخراجهم من قيمهم الخالدة.
٦ - طرح قضايا تؤدي الى إحباط همة المسلمين فمرة تراهم يقولون إن الاسلام هومصدر ضعف المسلمين ومرة يصوبون سهامهم نحو الشريعة فيرونها شريعة محدودة قاصرة على جزيرة العرب مستمدّة من القانون الروماني. وقد نفى ذلك علماؤنا وأثبتوا أن القانون الروماني الذي وجد في القرن ١١ م و١٢ م قد سبقته القوانين الاسلامية بقرون وأنه هو استمد بعض ماجاء فيها واعترف مؤتمر القانون الدولي المقارن بلاهاي والمنعقد في ١٩٣٢ بالشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع والقانون المقارن مع استقلالها الكامل عن التشريع الروماني.
وعندما أحكم الغرب سيطرته على العالم العربي والاسلامي قام بالسيطرة على الثقافة والتعليم والتربية ولجأ إلى إقصاء القيم الاسلامية وعزلها أو عرضها عرضا مشوها مع إبعاد كل ما يتصل بها من جوانب القوة أو البطولة التاريخية بغية تذويب الأجيال الجديدة في الفكر الغربي.
كما جرى تغييب التراث الاسلامي والتاريخ الاسلامي بعرض جوانب الضعف والتشكيك والاضطراب فيهما [١٥] وقد استطاعت قوى الثقافة العربية والاسلامية أن تكشف زيف الاستعمار وزيف الشبهات التي طرحها الفكر الأوربي كما كشفوا أهداف النظام التربوي الغربي الذي فرض على مدارسنا وجامعاتنا والذي استهدف إنشاء أجيال تتنكر لشخصيتها الاسلامية وتبغض دينها وتنظر الى تاريخها باحتقار وتعتبر حضارته قد أكل الدهر عليها [١٦].
لقد أراد الغرب أن يوحد العالم ولكن تحت سلطانه ولمصلحته والعالم لايُساس الا بالعدل والحب والإخاء، ولكن الغرب لجأ الى القوة الغاشمة محاولاً تفريغ هذه الأمة من قيمها ودينها وثقافتها بحيث لم يسمح لها أن تنتج تاريخها الخاص بحريتها، فهو من جهة يمارس هيمنته الاقتصادية والسياسية والثقافية على تلك الدول وهو من جهة أخرى يستهزئ بنظامها وقيمها لأنها لا تعرف كيف تتحرر من دينها ولغتها وعاداتها لتصبح حديثة على الطريقة الغربية. كل ذلك على الرغم من أن ثقافة أوربا مهددة بالخطر بل ان من العلماء من تنبأ بإعادة انبعاث جديد للحضارات الشرقية، ويقصد حضارة الاسلام ويرى أن هذا سيؤدي الى أفول المحور الثنائي الذي يتصرف بمقدرات الكون ومن هؤلاء العلماء بول كنيدي في كتابه "نشوء وسقوط الدول الكبرى" وهو يرى أن الأمراض التي فتكت بالامبراطوريات السابقة بدأت تنخر في جسد هاتين الدولتين [١٧] ويقصد روسيا وأمريكا.
وهنا يبدو دور الثقافة الإسلامية كبيراً في تنبيه الأجيال التي أحاطها الاستعمار بثقافته، لمحاولة إخراجها من شباكه أولاً ثم السير بها الى آفاق المعرفة والثقافة الاسلامية ليتم إعادة بناء قيمها ووجداناتها من خلال قيم الإسلام الخالدة.
٢ - التغريب الاقتصادي
كان من أهم أسباب الحروب الصليبية الحالة الاقتصادية السيئة والركود الذي شلّ حركة الغرب فاضطروا إلى الخروج والقيام بتلك الحملات الظالمة، إذ أن الجماهير في فرنسا وايطاليا - كما يقول د. جورج حداد - رأت انفراجا لها في هذه الحروب بسبب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية السيئة في بلادها [١٨].
ومن خلال تلك الحروب تعرف الغرب على مدنية المسلمين وحضارتهم ورقيّهم فكان أن أعدوا للاستيلاء على الشرق ونهبه. وسرعان ما عملوا عقب النهضة الصناعية على التطور الاقتصادي لهم معتمدين على مانقلوه من علوم المسلمين في الأندلس وتم لهم بمخترعات العلم إخضاع الشعوب والاستيلاء على أوطانها وثرواتها، وخاصة البترول.
وصار البترول الهدف الأول الذي من أجله يشنّون الحروب الظالمة لأنه عليه تدور مصانعهم في أوربا وأمريكا ومازالوا يعبثون به ويخططون حتى فقد البترول قدرته على التأثير على الغرب كسلاح فعال استخدم في حرب تشرين عام ١٩٧٢ بل إنه تم تغريبه ومحاصرته وحتى منعه من أن يصدر من كثير من الدول الاسلامية والعربية التي تقف من أمريكا موقف المعارض، حتى صار بترولنا مغترباً في أراضينا ومهاجرا في نفس الوقت الى أمريكا والغرب. وأمسينا كمن يسبح فوق بحر من البترول ولكنه مايزال يشحذ لقمة الخبز من الغرب نفسه.
وعندما تكونت لدى الغرب الثروات الطائلة، تطلع إلى بلدان الشرق وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد ساعدتهم الثورة العلمية في استخراج خيرات الشعوب ومواردها، ولم يلجأوا عندئذ إلى تغريب اقتصاد البلدان فحسب بل أنهم أزالوا ممالك إسلامية كانت قائمة في إفريقيا لها اقتصادها وحضارتها كامبراطورية غانا وامبراطورية مالي والسنغال [١٩].
ولم يستنزف هؤلاء خيرات الارض فقط وإنما انصب تغريبهم على الانسان الفاعل نفسه في إفريقيا. فقامت تجارة الرقيق بكل ما تحمل من أبعاد لا إنسانية ليتم تغريب اقتصاد الأفارقة بنقل الملايين منهم إلى أمريكا كيد عاملة بدلاً من الهنود الحمر الذين تم إبادتهم أو من أجل إخراج الذهب من أمريكا الوسطى وساحل الذهب.
ومن مظاهر التغريب الاقتصادي أن الغرب تجاهل عن عمد الطلبات الداعية إلى ضرورة أن تضع أوربا مهارات وتقنيات تحت تصرفهم (العالم الثالث). فقد رفضت امريكا بناء السد العالي بمصر حتى تقدم الاتحاد السوفياتي وعمل على إنجازه. ومن هذا التغريب صورة أقرب إلى القرصنة في وضح النهار "فقد ذكر مسؤول صومالي حكاية بلاده مع المساعدات الأمريكية الغذائية وأننا كنا ننتج الذرة ما يكفينا ولكن أمريكا كانت تصرّ على أن نزرع البطاطا بدلاً من الذرة وهي عماد غذائنا، وعندما كنا نصرّ على زراعة الذرة كانت أمريكا تغرق السوق الصومالية بالذرة في موسم الزرع والبذار وبأسعار أقل وذلك لكي يدع الفلاح أرضه بوراً وبهذا يضرب الاقتصاد الصومالي" [٢٠].
ومن هذا القبيل إلزام بريطانيا مصر - يوم استعمارها لها - بزراعة القطن من أجل تشغيل مصانع النسيج في مانشستر، وإلزام فرنسا الجزائر بزراعة الكرمة لتشغيل معامل الخمور، ولما قامت مصر بزراعة القطن وتصنيعه وأقامت مصانع الزجاج وبخبرات أوربية، رأى الغرب أن ذلك يتعارض مع احتياجات الرأسمالية الأوربية التي كانت تريد من مصر أن تكون منتجة للقطن ومصدرة له لتستورد المصنوعات الأوربية. لذا تآمر الغرب على مصر وحولها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وعلى يد الخديوي إلى شحاد دولي حيث رهنت مصر بأكملها لرجال المال الاحتكاريين الدوليين [٢١]. ومن هذه الصور القائمة أن الورش الحرفية كانت في الجزائر مزدهرة في مدن وهران وقسنطينة وتلمسان وغيرها غير أن وصول الاستعمار الفرنسي دمر تلك الصناعات الحرفيّة وترك الآلاف بلا عمل، بل أن الغرب المستعمر لجأ إلى ماهو أبلغ من ذلك، لجأ إلى ماعرف بالزراعة الواحدية في مستعمراته لاستغلال اقتصادها فكان أن فرض في ليبريا زراعة المطاط فقط والكاكاو في ساحل العاج والنخيل في داهومي وجنوب نيجيريا والقطن في السودان وأوغندا. وقد جعلت تلك الزراعات الواحدية هاتيك البلدان تعتمد كليا على ماتشتريه من البلدان الاستعمارية
فصارت في قبضة المستعمر شاءت أم أبت [٢٢]. وهذا أسلوب شيطاني من أساليب الاستعمار في تغريب اقتصاد الشعوب والتحكم به.
أقول إن هذا التمركز العنصري لدى الغربيين في محاولتهم السيطرة على كل شيء يهدر التاريخ الحقيقي لتقدم البشرية وإسهام شعوبنا فيه، ويغفل هؤلاء عما تقدمه شعوب بحضاراتها المتنوعة من إثراء للحضارة الانسانية في الوقت الذي تصطدم فيه الحضارة الغربية مع تطلعات الشعوب التي كانت تظن أن الغرب إنما جاءها من أجل إنقاذها وقد نسي هؤلاء أن تقدم البشرية رهن بالتفاعل الخلاق بين الحضارات المتنوعة التي يحترم بعضها بعضا [٢٣].
ومن خلال الاستعمار القديم ثم الحديث تمكنت الدول الرأسمالية من ادماج الاقتصادات المتخلفة للمستعمرات المستقلة حديثا، تمكنت من إدماج أغلبها ضمن شبكة التقسيم الرأسمالي الدولي للعمل فكان أن عملت تلك الدول على احتكارها للتقدم التكنولوجي من اجل تثبيت الموقع المتخلف لبلدان العالم الثالث، ولهذا تخصص الرأسمالي الغربي في الانتاج الصناعي المتطور المتمثل في الصناعات التحويلية مقابل قيام البلدان المستعمَرة على الأنشطة الأولية كالزراعة والحراجة (الغابات) والصيد والصناعات الاستخراجية (المنجمية) بهدف تلبية حاجات الدولاب الصناعي الغربي إلى المواد الخام [٢٤] واستمر هذا النمط من الصناعة من فجر النهضة الصناعية في القرن الخامس عشر إلى أواسط القرن الثامن عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥.
ولم يكتف الغرب بذلك وإنما عمل على نقل عدد من الصناعات الملوثة للبيئة من بلدانهم (كالبتروكيمياويات) والصناعات التي لم تعد لها الصدارة في السباق التكنولوجي، عملوا على نقلها إلى البلدان العربية والخليجية وأقيمت هذه الصناعات على أساس من تكنولوجيا أجنبية منقولة في غير وسطها الطبيعي دونما ارتباط بسائر الاقتصادات القطرية نفسها بل مرتبطة بالاقتصاد الغربي ككل. وقد قرأت في إحدى مجلات - العربي - أن إنتاج تلك المصانع تكدس ولم تجد له تلك الدول أسواقا للتصدير، كما أنني سمعت من إحدى الإذاعات أن دول الغرب فرضت ضريبة متصاعدة على استيراد إنتاج تلك المصانع من دولة الإمارات مما يعني قتل تلك الصناعات في مهدها وهكذا عملوا على تغريب اقتصادنا وفوق أرضنا وبأيدينا.
وإضافة الى ما يفرضه النظام الاقتصادي العالمي في صفته الراهنة من تحديات وعقبات للعالم الثالث من خلال تقسيم العمل وعلاقة السيطرة والتبعية، فإننا نجد هناك تحديات أخرى تعمل على تغريب الاقتصاد الاسلامي، منها المكانة الاستراتيجية والموقع الهام للوطن العربي وتنازع الغرب الرأسمالي على موارده الطبيعية ومضاعفة الصراع العربي الاسرائيلي مما يؤدي الى عرقلة أي سعي عربي دؤوب لإحراز أدنى قسط من التطور العلمي والتكنولوجي. يقول د. حقي بريوني: "لأن الاحتكارات الكبرى تسيطر على المجتمع في الغرب لذا كان لها اليد الأولى في عملية رسم القرار السياسي والاقتصادي خصوصا في التعامل مع الدول النامية. فالغرب يعامل هذه الدول معاملة غير إنسانية مبنية على تحكم فوق إمبريالي فهو يصدر إليها تقنيته البدائية غير المتطورة لامتصاص المواد الأولية اللازمة للصناعة ومصادر الطاقة مستهدفا تعويق قيام صناعات أساسية مصنعة في دول العالم الثالث لتبقى الأوضاع كما هي، الغرب يأخذ الموارد ويصنعها ثم يبيعها لتلك الدول بأسعار خيالية [٢٥].
وهكذا فالمحتوى التقني الاقتصادي للحضارة الغربية والذي بهر الناس لم يقم دون استيلاء الغرب على موارد الشعوب الأخرى (في امريكا الشمالية واستراليا وافريقيا والشرق الاوسط) والاستيلاء على الموارد البشرية (الرقيق في افريقيا للعمل في المناجم والمستعمرات). وبهذا الاحتواء والسيطرة على اقتصادات الشعوب العربية والاسلامية والشعوب الاخرى استطاع الغرب وأمريكا احتواء تلك الدول والسيطرة على قرارها السياسي والتدخل في كافة شؤونها. وكلما تقدم الغرب زاد تخلف دول العالم الثالث لأن المعادلة مرسومة بحيث تظل تلك الدول في مقام التخلف والتبعية الاقتصادية للاستعمار.
وإذا كان الانسان هو باني الاقتصاد فإن ماقام به الغرب الاستعماري من عملية بيع الرقيق يعد أبشع عمل يقومون به من أجل شلّ اقتصاد تلك الشعوب. يقول د. والتر رودني: "هناك شركات تجارية استعمارية مخضّبة أيديها بدماء الأفارقة لمشاركتها في تجارة الرقيق. فبعد أن حقق تجار فرنسيون من بوردو ثروات من تجارة الرقيق الأوربية قاموا بتحويل تلك الأموال للتجارة في الفول السوداني في السنغال وغامبيا منذ منتصف القرن ١٩ [٢٦] ….
وقد كان أبشع ما أقدم عليه الاستعمار في ذلك هو ما سجله التاريخ للبرتغال فيما يتعلق بممارسات غير إنسانية تدينهم باستعباد البشر والذي أدينوا به من قبل الرأي العام العالمي. إذ أن هؤلاء البرتغاليين المستعمرين لم يقتصروا في استخدام الرقيق للسخرة من أجل مواطنيهم فقط بل لجؤوا الى تصدير هؤلاء الرقيق وتأجيرهم في دول أخرى، فقد قاموا بتصدير الأنغوليين والموزنبيقيين الى مناجم جنوب أفريقيا للعمل من أجل الكفاف، مقابل مبلغ يدفعه رأسماليو جنوب أفريقيا للحكومة البرتغالية كل عام" [٢٧].
وماتزال حملة الغرب وأمريكا على اقتصاد العالم العربي والاسلامي بمحاولته منع أي تطور صناعي أو زراعي يؤدي إلى تقدم تلك الدول ولقد عيينا ونحن نسمع عن مؤتمرات عربية تنعقد وتؤكد على زراعة السودان لملايين من الهكتارات والتي تكفي العالم العربي بأجمعه ثم ما نلبث أن نسمع عن توقف تطبيق ذلك، ويجهض المشروع لأسباب علمها عند ربي في كتاب - بل إنني قرأت في كتاب للدكتور أحمد شلبي عن (السادات وعهده) أن أمريكا أخذت عليه تعهدا بألا تزرع مصر القمح كي تظل مصر تحت رحمة قمح أمريكا. وما خضوع مصر اليوم لأمريكا والصهيونية الا من أجل هذه الغاية لأن أية مخالفة من مصر لأمريكا تعني توقف بواخر القمح الامريكية من الوصول الى ميناء الاسكندرية.
إن الامة التي تأكل مما يزرعه غيرها لا تستأهل الحياة ولا تستطيع الحياة إلا تحت مظلة الذل والهوان. ولو نظرت لوجدت أن جل الدول العربية والاسلامية تستجدي رغيف الخبز فهل نعي هذا الدرس قبل فوات الأوان. ان صناعة القرار السياسي عند كل دولة صار اليوم رهينا بقوة اقتصادها فهل نستطيع أن يكون لنا اقتصاد قوي لنعمل على صنع قرارنا السياسي بأنفسنا.
وما الحلول التي توصلت إليها الأمم المتحدة اليوم وبقيادة القطب أمريكا من فرض الحصارات الاقتصادية على دول المسلمين وبالأخص ليبيا وايران والعراق ودول العالم الآخر كوبا وكوريا وغيرهما إلا من قبيل هذه الحرب الجديدة التي تنبه إليها الاستعمار والتي لا تكلفه دبابات ولا طائرات ولا قتلى من أبنائه. إنها الحرب الاقتصادية المعلنة على الشعوب، حرب التجويع والتهديد بالرغيف وهي حرب صامتة ساخنة في نفس الوقت. وهي حرب ظالمة لا تدل الا على أن الانسان الغربي غدا وحشا متمرسا في آخريات القرن العشرين والشعوب الاستعمارية الرأسمالية لا يهمها تأمين مصالح الانسان على الأرض بقدر مايهمها أن تتخم جيوبها وبطونها. - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
١ - كاتب اسلامي من فلسطين.
٢ - كتاب المدخل الى تاريخ الحضارة، د. جورج حداد. مطبعة الجامعة السورية / ١٩٥٨ - ص ٤٨١.
٣ - المرجع نفسه ص ٥٠.
٤ - انظر مجلة الوحدة، العدد ٤٨ ص ٢٠٧. انظر تحليل كتاب - "أزمة المجتمع العربي" / د. سمير أمين مراجعة جورج مصري.
٥ - المرجع نفسه ص ٢٠٧.
٦ - مجلة العربي، العدد ٤٢، انظر تحليل كتاب "تغريب العالم" سيرج لاتوش عرض سعيد كزاوي، ص ١٩٧.
٧ - كتاب الثقافة العربية لأنور الجندي، دار الكتاب اللبناني، ط ١، عام ١٩٨٢.
٨ - انظر مقالة هاشم صالح "الفكر العربي المعاصر ومسألة الحركات الاصولية" في مجلة الوحدة، العدد ٩٦، ص ٧٤.
٩ - المقال نفسه ص ٧٦.
١٠ - كتاب الثقافة العربية ص ١٢.
١١ - الكتاب نفسه ص ٢٢٩.
١٢ - انظر مجلة النور، العدد ٥٠، ص ٥، تحليل كتاب الاسلام وصراع الحضارات / د. أحمد القديري.
١٣ - كتاب "الثقافة العربية"، انور الجندي، ص ٢٨٠.
١٤ - مقالة "الحركات الاسلامية قراءة أولية". د. محمد أركون ترجمة هاشم صالح في مجلة الوحدة، العدد ٩٦، ص ١٢.
١٥ - انظر كتاب الثقافة العربية ص ٢٩٩.
١٦ - المرجع نفسه، ص ٢٠٠.
١٧ - انظر مجلة "كلية الدعوة"، ليبيا، طرابلس، العدد ٨، لعام ١٩٩١، مقال دور الجامعات العربية والأفريقية، د. محمد علي الصلبي، جامعة النجاح - نابلس.
١٨ - انظر المدخل الى تاريخ الحضارة، د. حداد، ص ٤٧.
١٩ - انظر كتاب اوربا والتخلف في افريقيا ص ٨٦ للدكتور والتر رودني - ترجمة د. احمد القصير.
٢٠ - مجلة الوحدة، العدد ٨٤.
٢١ - كتاب اوربا والتخلف في افريقيا ص ٢٠٢. سلسلة عالم المعرفة، العدد ١٣٢ - الكويت.
٢٢ - المرجع نفسه، ص ٢٤٤.
٢٣ - كتاب "دراسات في التنمية والتكامل الاقتصادي العربي" سلسلة كتب المستقبل العربي، بيروت حزيران ١٩٨٢م، ط ١، مقالة د. اسماعيل صبري عبد الارض ٦٩ - ٧٠.
٢٤ - مجلة الوحدة، العدد ٨٦، مقال د. محمد عبد الشفيع عيسى، ص ٤١.
٢٥ - مجلة الوحدة، العدد ٨٦، ص ٥٩ مقالة د. حقي بريوني.
٢٦ - انظر كتاب اوربا والتخلف، ص ٢٢٥.
٢٧ - المصدر نفسه، ص ٢٤٣.

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• إصفهان.. عاصمة الثقافة الإسلامية   (بازدید: 1028)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• إصفهان.. عاصمة الثقافة الإسلامية   (بازدید: 714)   (نویسنده: سعد بن الحسين المافرّوخي الاصفهاني)
• من حلب إلى أصفهان(عاصمتان للثقافة الإسلامية)   (بازدید: 787)   (نویسنده: محمد قجة)
• وثيقة من واقعنا الثقافي   (بازدید: 548)   (نویسنده: الشيخ فيصل المولوي)
• وقفة عند إعلان العواصم الثقافية للعالم الإسلامي   (بازدید: 1035)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ايران و مصر ثقافيا   (بازدید: 520)   (نویسنده: صادق خورشا)
• سبل تنشيط العلاقات الثقافية بين الايرانيين و العرب   (بازدید: 990)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]